فصل: 685- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ البُكَاءِ على المَيّت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


685- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ البُكَاءِ على المَيّت

996- حدثنا عَبْدُ الله بنُ أبي زِيَادٍ حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إبرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ حدثنا أَبي عَنْ صَالحِ بنِ كَيْسَانَ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله عن أبيهِ قالَ قالَ عُمَرُ بنُ الخَطابِ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المَيّتُ يُعَذّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ البُكَاءَ عَلى المَيّتِ قالُوا‏:‏ الميّتُ يُعَذّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وذَهَبُوا إلى هذا الحَدِيثِ وقالَ ابنُ المُبَارَكِ‏:‏ أَرْجُو إِنْ كَانَ يَنْهَاهُمْ في حَيَاتِهِ أن لاَ يَكُونَ عَليْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ‏.‏

997- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا محمدُ بنُ عَمّارٍ حَدّثَنِي أَسِيدُ بنُ أبي أَسِيدٍ أنّ مُوسَى بنِ أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ أخْبَرَهُ عن أبيهِ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ مَيّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ واجَبَلاَهُ واسَيّدَاهُ أو نَحْوَ ذَلِكَ إِلاّ وُكّلَ بِهِ مَلَكَان يَلْهَزَانِهِ أهَكَذَا كُنْت‏؟‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الميت يعذب ببكاء أهله عليه‏)‏ فيه دلالة على أنه لا يجوز البكاء على الميت لأنه سبب لتعذيبه‏.‏ وإليه ذهب بعض أهل العلم كما ستعرف‏.‏ وقد حكى النووي إجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء الذي يعذب الميت عليه هو البكاء بصوت ونياحة لا بمجرد دمع العين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وعمران بن حصين‏)‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان بمثل حديث عمر رضي الله عنه‏.‏ ولأحمد ومسلم عنه بلفظ‏:‏ الميت يعذب في قبره بما نيح عليه‏.‏ وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه النسائي مرفوعاً بلفظ‏:‏ الميت يعذب بنياحة أهله عليه الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد كره قوم من أهل العلم البكاء على الميت وقالوا الميت يعذب ببكاء أهله عليه الخ‏)‏ وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف منهم عمر وإبنه‏.‏ وروي عن أبي هريرة أنه رد هذه الأحاديث وعارضها بقوله تعالى ‏{‏ولا تزر وإزرة وزر أخرى‏}‏ وروى عنه أبو يعلى أنه قال‏:‏ تالله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها وجهلاً فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة، وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم الشيخ أبو حامد وغيره‏.‏ وذهب جمهور العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث لمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتها لتعذيب من لا ذنب له واختلفوا في التأويل، فذهب جمهورهم كما قال النووي إلى تأويلها بمن أوصى بأن يبكى عليه لأنه بسببه ومنسوب إليه، قالوا‏:‏ وقد كان ذلك من عادة العرب كما قال طرفة بن العبد‏:‏

إذا مت فابكيني بما أنا أهله وشقي على الجيب يا أم معبد‏.‏

قال في الفتح‏:‏ واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية، والحديث دال على أنه إنما يقع عند الامتثال، والجواب أنه ليس في السياق حصر لا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلاً إنتهى‏.‏ قلت‏:‏ والحق هو ما ذهب إليه الجمهور من تأويل هذه الأحاديث الصحيحة ولا وجه لردها مع إمكان التأويل، ولهم تأويلات بعضها قريبة وبعضها بعيدة فتؤخذ القريبة وتترك البعيدة‏.‏ وإن شئت الوقوف على هذه التأويلات فارجع إلى فتح الباري وغيره من شروح البخاري ‏(‏وقال ابن المبارك‏:‏ أرجو إن كان ينهاهم في حياتهم أن لا يكون عليه من ذلك شيء‏)‏ وهذا هو رجائي والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أسيد بن أبي أسيد‏)‏ بفتح الهمزة وكسر السين فيهما المراد أبو سعيد المديني صدوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من ميت‏)‏ أي حقيقي أو مشرف على الموت ‏(‏يموت‏)‏ قال الطيبي هو كقول ابن عباس يمرض المريض أو تضل الضالة فسمى المشارف للموت والمرض والضلال ميتاً ومريضاً وضالة، وهذه الحالة هي التي ظهرت على عبد الله بن رواحة إنتهى‏.‏ قلت‏:‏ وقصة عبد الله بن رواحة أخرجها البخاري وقد ذكرتها في آخر هذا الباب ‏(‏يلهزانه‏)‏ بفتح الهاء أي يضربانه ويدفعانه‏.‏ وفي النهاية‏:‏ اللهز الضرب بجمع اليد في الصدر يقال لهزه بالرمح أي طعنه في الصدر ‏(‏أهكذا كنت‏)‏ أي توبيخاً وتقريعاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ ورواه الحاكم وصححه وشاهده في الصحيح عن النعمان بن بشير قال‏:‏ أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي وتقول واجبلاه واكذا واكذا فلما أفاق قال ما قلت شيئاً إلا قيل لي أنت كذا، فلما مات لم تبك عليه‏.‏

686- باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في البُكَاءِ على المَيّت

‏(‏باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت‏)‏ أي في الرخصة في البكاء الذي ليس به صوت ولا نياحة

998- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عَبّادُ بنُ عَبّادٍ المُهَلّبِيّ عن محمد بنِ عَمْروٍ عن يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرحمَنِ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏المَيّتُ يُعَذّبُ بِبُكَاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ‏.‏ فَقَالتْ عائِشَةُ يَرْحَمُهُ الله لَمْ يَكْذِبْ ولَكِنّهُ وَهِمَ، إنّمَا قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ مَاتَ يَهُودِيّاً‏:‏ إنّ المَيّتَ لَيُعَذّبُ وإنّ أهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وقَرظَةَ بنِ كَعْبٍ وأبي هُرَيْرَةَ وابنِ مَسْعُودٍ وأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن عائِشَةَ‏.‏ وقد ذَهَبَ أهْلُ العِلْمِ إلى هذا وتَأَوّلُوا هَذِهِ الاَيةَ ‏{‏ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافَعِيّ‏.‏

999- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ أخبرنا عِيسى بنُ يُونُسَ عن ابنِ أبي لَيْلَى عن عَطَاءٍ عن جَابرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ ‏"‏أَخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ عَبْدِ الرحمَنِ بنِ عَوْفٍ فانْطَلَقَ بِهِ إلى ابنْهِ إبرَاهِيمَ فَوَجَدَهُ يجوُدُ بِنَفْسِهِ فأَخَذَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ في حِجْرِه فَبَكَى، فقالَ لَهُ عَبْدُ الرحمَن‏:‏ أَتَبْكِي أَوَ لَمْ تَكُنْ نَهَيْتَ عن البُكاءِ‏؟‏ قالَ‏:‏ لا، ولَكِنْ نَهَيْتُ عن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ‏:‏ صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وشَقّ جُيُوبٍ ورَنّةِ شيطانٍ‏"‏ وفي الحَدِيثِ كَلاَمٌ أَكْثَرُ مِنْ هذا‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

1000- حدثنا قُتَيْبَةُ عن مَالِكٌ قال وحدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالِكٌ عن عَبْدِ الله بنِ أبي بَكْرٍ بنِ محمدِ بنِ عَمْروِ بنِ حَزْمٍ عن أبيهِ عن عَمرَةَ ‏"‏أنّها أَخْبَرَتْهُ أنها سَمِعَتْ عَائِشَةَ وذُكِرَ لَها أَنّ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏إِنّ المَيّتَ لَيُعَذّبُ بِبُكَاءِ الحَيّ عَلَيْهِ‏)‏ فقالَتْ عائِشَةُ‏:‏ غَفَرَ الله لأبي عَبْدِ الرحمَن أمَا إنّهُ لَمْ يَكْذِبْ ولَكِنّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ ‏"‏إنّمَا مَرّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى يَهُودِيّةٍ يُبْكى عَلَيْهَا فقَالَ إِنّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْها وإنّهَا لَتُعَذّبُ في قَبْرِها‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرة‏)‏ بفتح العين هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة رضي الله عنها ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذكر‏)‏ بصيغة المجهور ‏(‏لها‏)‏ أي لعائشة ‏(‏غفر الله لأبي عبد الرحمن‏)‏ كينته عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وهذا من الاَداب الحسنة المأخوذة من قوله تعالى ‏(‏عفا الله عنك لم أذنت لهم‏)‏ فمن استغرب من غيره شيئاً ينبغي أن يوطى ويمهد له بالدعاء إقامة لعذره فيما وقع منه وأنه لم يتعمد، ومن ثم زادت على ذلك بياناً واعتذاراً بقولها ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف للتنبيه أو للافتتاح يؤتي بها لمجرد التأكيد ‏(‏إنه‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏ولكنه نسي‏)‏ أي مورده الخاص ‏(‏أو خطأ‏)‏ أي في إرادته العام ‏(‏يبكي عليها‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏إنهم‏)‏ أي اليهود ‏(‏وإنها‏)‏ أي اليهودية ‏(‏لتعذب في قبرها‏)‏ أي لكفرها‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ ولا يخفي أن هذا الاعتراض وارد لو لم يسمع الحديث إلا في هذا المورد وقد ثبت بألفاظ مختلفة وبروايات متعددة عنه وعن غيره غير مقيدة بل مطلقة دخل هذا الخصوص تحت ذلك العموم فلا منافاة ولا معارضة فيكون إعتراضها بحسب اجتهادها إنتهى‏.‏ وقال الحافظ في فتح الباري‏:‏ قال القرطبي‏:‏ إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح إنتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت عائشة يرحمه الله لم يكذب ولكنه وهم الخ‏)‏ وكذلك حكمت عائشة رضي الله عنها على عمر رضي الله عنه أيضاً بالتخطئة، ففي رواية ابن عباس عن عائشة عند البخاري ومسلم‏:‏ فقالت يرحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه‏"‏ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه‏"‏، وقالت حسبكم القرأن قوله‏:‏ ‏{‏ولا وازرة وزر أخرى‏}‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة وفيه إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضة القرآن قال الداودي‏:‏ رواية ابن عباس عن عائشة بينت ما نفته عمرة وعروة عنها إلا أنها خصته بالكافر لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذاباً ببكاء أهله، فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء إنتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب‏)‏ أي في باب الرخصة في البكاء على الميت ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ قال ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال ‏"‏مهلاً يا عمر‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏إياكن ونعيق الشيطان‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏إنه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة وما كان من اليد ومن اللسان فمن الشيطان‏"‏ انتهى ‏(‏وقرظة بن كعب‏)‏ لينظر من أخرجه قوله‏:‏ ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد والنسائي قال‏:‏ مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب‏"‏ انتهى ‏(‏وابن مسعود‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وأسامة بن زيد‏)‏ أخرجه الشيخان قال أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابناً لي قبض فأتنا الحديث وفيه‏:‏ ففاضت عيناه، فقال سعد يا رسول الله ما هذا‏؟‏ فقال ‏"‏هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده فإنما يرحم الله من عباده الرحماء‏"‏ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ أصل القصة رواها الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجود بنفسه‏)‏ أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ما له‏.‏ قاله الحافظ ‏(‏أو لم تكن نهيت‏)‏ بالبناء للفاعل على المشهور وضبطه بعضهم بالبناء للمفعول كذا في قوت المغتذي ‏(‏صوت‏)‏ بالجر بدل من صوتين ‏(‏خمش وجوه‏)‏ مصدر خمشت المرأة وجهها خمشاً إذا قشرت بالأظفار قاله أبو الطيب السندي ‏(‏ورنة الشيطان‏)‏ بفتح راء وتشديد نون صون مع بكاء فيه ترجيع كالقلقلة كذا في مجمع البحار‏.‏ قال النووي في الخلاصة‏:‏ المراد به الغناء والمزامير‏.‏ قال وكذا جاء مبيناً في رواية البيهقي‏.‏ قال العراقي‏:‏ ويحتمل أن المراد به رنة النوح لا رنة الغناء ونسب إلى الشيطان لأنه ورد في الحديث أول من ناح ابليس، وتكون رواية الترمذي قد ذكر فيها أحد الصوتين فقط واختصر الاَخر‏.‏ ويؤيده أن في رواية البيهقي‏:‏ إني لم أنه عن البكاء إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة، وهذا هو رحمة ومن لا يرحم لا يرحم‏.‏ كذا في قوت المغتذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ أصل قصة هذا الحديث في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه‏.‏

687- باب ما جَاءَ في المَشْيِ أَمَامَ الجَنَازَة

1001- حدثنا قتَيْبَةُ و أَحمد بنُ مَنِيعٍ و إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ و محمودُ بنُ غَيْلاَنَ قالُوا حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ عن أبيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبَا بَكْرٍ وعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الجَنَازَةِ‏"‏‏.‏

1002- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ حدثنا عمْرُو بنُ عَاصِمٍ عن هَمّامٌ عن مَنْصُورٍ و بَكْر الكُوفِيّ و زِيَادٍ و سُفْيَانَ، كُلُهُمْ يَذْكُرُ أَنّهُ سَمِعَه الزّهْرِيّ عن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله عن أبيهِ قالَ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأَبا بَكْرٍ وعُمَرَ يَمشُونَ أَمَامَ الجَنَازَةِ‏"‏‏.‏

1003- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ يَمْشُونَ أَمَامَ الجَنَازَةِ‏"‏‏.‏ قالَ الزّهْرِيّ وأَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنّ أَبَاهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الجَنَازَةِ‏.‏

قال وفي البابِ عن أنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابنِ عُمَر هَكَذَا رواه ابنُ جُرَيْجٍ وزِيَادُ بنُ سَعْدٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ عن الزّهْرِيّ عَنْ سَالِمٍ عن أبيهِ نَحْوَ حدِيثِ ابنِ عُيَيْنَةَ ورَوَى مَعْمَرٌ ويُونُسُ بنُ يَزِيدَ ومَالِكٌ وغَيْرُ واحد مِنَ الحُفّاظِ عن الزّهْرِيّ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الجَنَازَةِ قالَ الزهريّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي سَالِم أَنّ أَبَاهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الجَنَازَةِ، وأهْلُ الحَديثِ كُلّهُمْ يَرَوْنَ أنّ الحَديثَ المُرْسَلَ في ذَلِكَ أَصَحّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُوسَى يَقُولُ قال‏:‏ عَبْدَ الرّزّاقِ قالَ ابن المُبَارَكِ‏:‏ حدِيثُ الزّهْرِيّ في هذا مُرْسَلٌ أَصَحّ مِنْ حَدِيث ابن عُيَيْنَةَ‏.‏ قالَ ابنُ المُبَارَك‏:‏ وَأَرَى ابنَ جُرَيْجٍ أَخَذَهُ عن ابنِ عُيَيْنَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ورَوَى هَمامُ بنُ يَحْيى هذا الحَديثَ عن زِيَادٍ، وهُوَ ابن سَعْدٍ ومَنْصُورٍ وبَكْرٍ وسُفْيَانَ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ عن أبيهِ، وإنمَا هُوَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ رَوَى عنهُ هَمّامٌ‏.‏ واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في المَشْيِ أمامَ الجَنَازَةِ فَرَأَى بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرهُمْ أنّ المَشْيَ أمامها أفْضَلُ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحمدَ‏.‏

قال‏:‏ وحديث أنس في هذا الباب غير محفوظ‏.‏

1004- حدثنا أبو موسى محمدُ بنُ المُثَنّى حدثنا محمدُ بنُ بَكرٍ حدثنا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عن ابن شهاب عن أنَس كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعُمَرُ وعُثْمَانُ كانوا يمشون أمام الجنازة‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى سَأَلْتُ محمداً عن هذا الحَدِيثِ فَقالَ‏:‏ هذا حديث خطأٌ أَخْطَأَ فِيهِ محمدُ بنُ بَكْرٍ وإنّمَا يُرْوَي هذا الحَدِيثُ عن يُونُسَ عن الزّهْرِيّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأَبَا بَكْرٍ وعُمرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الجَنَازَةِ‏"‏ قال الزّهْرِيّ‏:‏ وأَخْبَرَنِي سَالِمٌ أنّ أَبَاهُ كَانَ يَمْشِي أمَامَ الجَنَازَةِ‏.‏ قالَ محمدٌ‏:‏ هذا أصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ أخرج هذا الحديث أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه به‏.‏ قال أحمد إنما هو عن الزهري مرسل، وحديث سالم فعل ابن عمر، وحديث ابن عيينة وهم كذا في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة‏)‏ هذه الرواية مرسلة، ورواية سفيان المتقدمة عن الزهري موصولة، والأصح الإرسال كما صرح به الترمذي فيما بعد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرني سالم أن أباه‏)‏ أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح‏)‏ لكن البيهقي اختار ترجيح الموصول لأنه من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ وعن علي بن المديني قال‏:‏ قلت لابن عيينة يا أبا محمد خالفك الناس في هذا الحديث فقال استيقن الزهري حدثني مراراً لست أحصيه يعيده ويبديه سمعته من فيه عن سالم عن أبيه‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏.‏ وهذا لا ينفي عنه الوهم فإنه ضابط لأنه سمعه منه عن سالم عن أبيه والأمر كذلك إلا أن فيه إدراجاً لعل الزهرى أدمجه إذ حدث به ابن عيينة وفصله لغيره وقد أوضحته في المدرج بأتم من هذا وجزم أيضاً بصحته ابن المنذر وابن حزم انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد‏)‏ وهو قول مالك وهو مذهب الجمهور على ما صرح به الحافظ في الفتح، واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب واستدلوا أيضاً بما أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان يضرب الناس يقدمهم أمام جنازة زينب بنت جحش رضي الله عنها وبما أخرج ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة قال رأيت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وأبا قتادة وابن عمر وأبا أسيد رضي الله عنهم يمشون أمام الجنازة‏.‏

688- باب ما جَاءَ في المَشْيِ خَلفَ الجَنَازَة

1005- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ عن شُعْبَةَ عن يَحْيَى إِمَامِ بَنِي تَيْمِ الله عن أبي مَاجِدٍ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ ‏"‏سَأَلْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن المَشْيِ خَلْفَ الجَنَازَةِ قال مَا دُونَ الْخَبَب، فإنْ كَانَ خَيْراً عَجّلْتُمُوهُ، وإن كان شَرّاً فَلاَ يُبَعّدُ إلاّ أهْلُ النّارِ، الجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ ولاَ تُتْبَعُ ولَيْسَ منّا مَنْ تَقَدّمَهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لا يُعرف مِنْ حدِيثِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ إِلاّ مِنْ هذا الوَجْهِ‏.‏ قال‏:‏ سَمِعْتُ محمدَ بنَ إسْماعيلَ يُضْعّفُ حديثَ أبي مَاجِدٍ لهذا‏.‏ وقالَ محمدٌ قالَ الحُمَيْدِيّ قالَ ابنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ قِيلَ ليَحْيَى مَنْ أبُو مَاجِدٍ هذا‏؟‏ قال طَائِرٌ طَارَ فَحَدّثَنَا‏.‏ وقد ذَهَبَ بَعْضُ أهلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ إلى هذا، رَأَوْا أنّ المَشيَ خلْفَهَا أفْضَلُ‏.‏ وبهِ يَقُولُ سفيان الثّوْرِيّ وإسْحَاقُ‏.‏ قال ابن أبا مَاجِدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لا يعرف إنّما يروى عنه حَدِيثَانِ عن ابنِ مسْعُودٍ‏.‏ ويَحْيَى إمَامُ بنيِ تَيْمِ الله ثِقَةٌ يُكْنَى أبَا الحَارِثِ ويُقَالُ لَهُ يَحْيَى الجَابِرُ، وَيُقَالَ لَهُ يَحْيَى المُجْبرُ أيْضاً وَهُوَ كُوفِيّ رَوَى لَهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثّوْرِيّ وأبو الأحْوَص وسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى إمام بني تيم الله‏)‏ يحيى هذا بن عبد الله بن الحارث الجابر أبو الحارث الكوفي لين الحديث من السادسة ‏(‏عن أبي ماجد‏)‏ قيل اسمه عائذ بن فضلة مجهول لم يرو عنه غير يحيى الجابر من الثانية كذا في التقريب، ويقال له أبو ماجدة أيضاً كما في قوت المغتذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ما دون الخبب‏)‏ هو سرعة المشي مع تقارب الخطى كذا في قوت المغتذي ‏(‏فلا يبعد‏)‏ قال العراقي يحتمل ضبطه وجهين أحدهما بناؤه للمفعول ويكون المراد أن حاملها يبعدها عنه بسرعة بها لكونه من أهل النار، ويحتمل أن يكون بفتح الياء والعين أيضاً من بعد بالكسر يبعد بالفتح إذا هلك انتهى‏.‏ ‏(‏والجنازة متبوعة‏)‏ أي حقيقة وحكماً فيمشي خلفها ‏(‏ولا تتبع‏)‏ بفتح التاء والباء وبرفع العين على النفي وبسكونها على النهي أي لا تتبع الناس هي فلا نكون عقيبهم وهو تصريح بما علم ضمناً ‏(‏ليس منها من تقدمها‏)‏ أي لا يثبت له الأجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال طائر طار فحدثنا‏)‏ أشار إلى أنه مجهول ‏(‏وبه يقول الثورى وإسحاق‏)‏ وبه يقول الأوزاعي واستدل لهم بحديث الباب وبما رواه سعيد بن منصور وغيره عن علي قال‏:‏ المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ‏.‏

قال الحافظ‏:‏ إسناده حسن وهو موقوف له حكم المرفوع، لكن حكى الأثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده انتهى‏.‏ وفي الباب أحاديث أخر ذكرها الحافظ الزيلعي في نصب الراية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وله حديثان عن ابن مسعود‏)‏ الحديث الاَخر ما رواه أبو الأحوص عن يحيى التميمي عن أبي ماجدة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله عفو يحب العفو‏"‏، كذا في الميزان وقوت المغتذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويحيى إمام بني تيم الله ثقة‏)‏ قال العراقي‏:‏ هذا مخالف بقول الجمهور فقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي والجوزجاني‏.‏ وقال البيهقي ضعفه جماعة من أهل النقل ثم قال فيه أحمد وابن عدي لا بأس به كذا في قوت المغتذي ‏(‏ويقال له يحيى الجابر ويقال له يحيى المجبر أيضاً‏)‏ لأنه كان يجبر الأعضاء، كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

689- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الرّكُوبِ خَلْفَ الجَنَازَة

1006- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا عيسَى بنُ يُونُسَ عن أبي بَكْرِ بنِ أبي مَرْيَمَ عن رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ عن ثَوْبَانَ قالَ خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في جَنَازَةِ فَرَأَى نَاساً رُكْبَاناً فقَالَ ألاَ تَسْتَحيوُنَ‏؟‏ إِنّ مَلاَئِكَةَ الله على أقْدَامِهِمْ وأنْتُمْ على ظهُورِ الدّوَابّ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ وجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ثَوْبَانَ قد رُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفاً‏.‏ قال محمد‏:‏ الموقوف منه أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا تستحيون إن ملائكة الله الخ‏)‏ إن هذه بكسر الهمزة قاله القاري‏.‏ والحديث يدل على كراهة الركوب خلف الجنازة، ويعارضه ما أخرج أبو داود عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها ويسارها قريباً منها‏"‏ الحديث‏.‏ والجمع بن هذين الحديثين بوجون منها أن حديث المغيرة في حق المعذور بمرض أو شلل أو عرج ونحو ذلك، وحديث الباب في حق غير المعدور‏.‏ ومنها أن حديث الباب محمول على أنهم كانوا قدام الجنازة أو طرفها فلا ينافي حديث المغيرة‏.‏ ومنها أن حديث المغيرة لا يدل على عدم الكراهة وإنما يدل على الجواز فيكون الركوب جائزاً مع الكراهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن المغيرة بن شعبة‏)‏ أخرجه أبو داود وتقدم لفظه وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه بلفظ‏:‏ الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها ‏(‏وجابر بن سمرة‏)‏ أخرجه مسلم والترمذي ‏(‏حديث ثوبان قد روى عنه موقوفاً‏)‏ لم يتكلم الترمذي على حديث ثوبان المرفوع المذكور بحسن ولا ضعف، وفي إسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف‏.‏

690- باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في ذَلِك

1007- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبو دَاوُدَ حدثنا شُعْبَةُ عن سِمَاك قالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ سَمُرَةَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في جنازة أبي الدّحْداحِ، وهُوَ على فَرَسٍ له يَسعَى ونَحْنُ حَوْلَهُ وهُوَ يَتَوقّصُ بِهِ‏"‏‏.‏

1008- حدثنا عَبْدُ الله بن الصّبّاحِ الهَاشِمِيّ حدثنا أبو قُتَيْبَةَ عن الجَرّاحِ عن سِمَاكٍ عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اتّبَعَ جَنَازَةَ أبي الدّحْدَاحِ مَاشِياً وَرَجَعَ على فَرَسٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في جنازة ابن الدحداح‏)‏ بفتح الدالين المهملتين وحائين مهملتين ‏(‏وهو على فرس له‏)‏ أي حين رجع كما في الرواية الاَتية ‏(‏يسعى‏)‏ قال العراقي‏:‏ روى بالياء والنون ‏(‏وهو يتوقص به‏)‏ بالقاف المشددة والصاد المهملة أي يتثوب به‏.‏ وفي مصنف ابن أبي شيبة يتوقس بالسين المهملة وهما نعتان كذا في قوت المغتذي وقال في المجمع‏:‏ أي يثب ويقارب الخطو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الجراح‏)‏ بتشديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورجع على فرس‏)‏ فيه دليل على جواز الركوب عند الإنصراف‏.‏ وقال العلماء لا يكره الركوب في الرجوع من الجنازة إتفاقاً لإنقضاء العبادة كذا في المرقاة‏.‏ وقال النووي‏:‏ فيه إباحة الركوب في الرجوع عن الجنازة وإنما يكره الركوب في الذهاب معها إنتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

691- باب ما جَاءَ في الإسْرَاعِ بالجَنَازَة

1009- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا سفيان بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ سَمِعَ سَعِيدَ بنَ المُسَيّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أسْرِعُوا بالجَنَازَةِ فإِنْ يكُن خَيْراً تُقَدّمُوها إلَيْهِ، وإنْ يكُن شَرّاً تَضَعُوهُ عَنْ رِقَابِكُمْ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أبي بَكْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي يرفع الحديث إليه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسرعوا‏)‏ أمر من الإسراع‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ نقل ابن قدامة أن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء، وشذ ابن حزم فقال بوجوبه‏.‏ والمراد بالإسراع شدة المشي، وعلى ذلك حمله بعض السلف وهو قول الحنفية‏.‏ قال صاحب الهداية‏:‏ ويمشون بها مسرعين دون الخبب‏.‏ وفي المبسوط ليس فيه شيء مؤقت غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة وعن الشافعي والجمهور‏:‏ المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد ويكره الإسراع الشديد، ومال عياض إلى نفي الخلاف فقال‏:‏ من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل‏.‏ والحاصل أنه يستحب الإسراع بها لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة أو إدخال المشقة على المسلم إنتهى كلام الحافظ ‏(‏بالجنازة‏)‏ أي بحملها إلى قبرها ‏(‏فإن تك‏)‏ أي الجثة المحمولة قاله الحافظ‏.‏ وقال القاريء‏:‏ أي فلن تكن الجنازة‏.‏ قال المظهر‏:‏ الجنازة بالكسر الميت وبالفتح السرير فعلى هذا أسند الفعل إلى الجنازة وأريد بها الميت ‏(‏خيراً‏)‏ أي ذا خير، وفي رواية الشيخين‏:‏ صالحة ‏(‏تقدموها‏)‏ أي الجنازة ‏(‏إليه‏)‏ أي الخير، وفي رواية الشيخين‏:‏ فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه‏.‏ قال القاري قال كان حال ذلك الميت حسناً طيباً فأسرعوا به حتى يصل إلى تلك الحالة الطيبة عن قريب‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفي الحديث استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد أن يتحقق أنه مات، أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم، نبه على ذلك ابن بزيزة إنتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكرة‏)‏ أخرجه أبو داود من طريق عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص وكنا نمشي مشياً خفيفاً فلحقنا أبو بكرة فرفع سوطه فقال لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرمل رملاً انتهى‏.‏ وسكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏ وقال النووي في الخلاصة‏:‏ سنده صحيح‏.‏ قال العيني‏:‏ نرمل رملاً من رمل رملان ورملانا إذا أسرع في المشي وهز منكبيه، ومراده الإسراع المتوسط‏.‏ ويدل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عبد الله بن عمرو أن أباه أوصاه قال‏:‏ إذا حملتني على السرير فامش مشياً بين المشيين وكن خلف الجنازة فإن مقدمتها للملائكة وخلفها لبني آدم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

692- باب ما جَاءَ في قَتْلَى أُحدٍ وذِكْرِ حَمْزَة

‏(‏باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة‏)‏ قتلى جمع قتيل

1010- حدثنا قُتَيْبَةَ حدثنا أبُو صَفْوانَ عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن أنَسٍ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ أَتَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَمْزَةَ يَوْمَ أُحُد فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَرَآهُ قَدْ مُثّلَ بِهِ، فقَالَ لَوْلاَ أَنْ تَجدَ صَفِيّةُ في نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ حَتّى تَأْكُلَهُ العَافِيَةُ حتى يحْشَرَ يَوْمَ القِيَامَة مِنْ بُطُونِهَا‏.‏ قالَ ثُمّ دَعَا بِنَمِرةٍ فكَفّنَهُ فيها فكَانَتْ إذَا مُدّتْ على رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وإذَا مُدّتْ على رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ‏.‏ قالَ فَكَثُرَ القَتلَى وقَلتِ الثّيَابُ، قالَ فكُفّنَ الرّجُلِ والرّجُلاَنِ والثّلاَثَةُ في الثّوْبِ الوَاحِدِ ثُمّ يُدْفَنُونَ في قَبْرٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَجَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ عَنْهُمْ أَيّهُمْ أكْثَرُ قُرْآناً فَيُقَدّمَهُ إلى القِبْلَةِ‏.‏ قالَ فَدَفَنَهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولَمْ يُصَلّ عَلَيْهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أنَسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حديثِ أنَسٍ إلاّ مِنْ هذا الوَجْهِ‏.‏ النمرة الكِساءُ الخَلِقُ وقد خولف أسامة بن زيد، في رواية هذا الحديث فروى الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عبد الرحمَن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله بن زيد، وروى معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن جابر، ولا نعلم أحداً ذكره عن الزهري عن أنس إلا أُسامة بن زيد‏.‏

وسألت محمداً عن هذا الحديث‏؟‏ فقال‏:‏ حديث الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمَن بن كعب بن مالك عن جابرٍ، أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد مثل به‏)‏ قال في الدر النثير‏:‏ مثلت بالقتيل جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئاً من أطرافه، والاسم مثلة ‏(‏لولا أن تجد‏)‏ أن تحزن وتجزع ‏(‏صفية‏)‏ هي بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وشقيقة حمزة رضي الله عنهما ‏(‏حتى تأكله العافية‏)‏ قال الخطابي‏:‏ هي السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها وتجمع على العوافي ‏(‏حتى يحشر يوم القيامة من بطونها‏)‏ إنما أراد ذلك ليتم له به الأجر ويكمل ويكون كل البدن مصروفاً في سبيله تعالى إلى البعث أو البيان أنه ليس عليه فيما فعلوا به من المثلة تعذيب حتى إن دفنه وتركه سواء قاله أبو الطيب ‏(‏بنمرة‏)‏ بفتح نون وكسر ميم بردة من صوف وغيره مخططة وقيل الكساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يصل عليهم‏)‏ واستدل به من قال بأن الشهيد لا يصلي عليه وسيجيء الكلام على هذه المسألة في باب ترك الصلاة على الشهيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه، وذكر المنذري قول الترمذي هذا وأقره‏.‏

693- باب آخر

1011- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عن مُسْلِمٍ الأعْوَرِ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُ المَرِيضَ ويَشْهَدُ الجَنَازَةَ، ويَرْكَبُ الحِمَارَ، ويُجِيبُ دَعْوَةَ العَبْدِ، وكَانَ يَوْمَ بَني قُرَيْظَةَ على حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ عَلَيْهِ إِكَافُ لِيف‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حدِيثِ مُسْلِمٍ عن أنَسٍ‏.‏ ومُسْلِمٌ الأعْوَرُ يُضَعّفُ وهُوَ مُسْلِمُ بنُ كَيْسَانَ تكلم فيه وقد روى عنه شعبة وسفيان المُلاَئيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويركب الحمار‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ فيه دليل على أن ركوب الحمار سنة‏.‏ قال القاري‏:‏ فمن استنكف من ركوبه كبعض المتكبرين وجماعة من جهلة الهند فهو أخس من الحمار انتهى‏.‏ قلت‏:‏ كيف وقد قال تعالى ‏(‏والخيل والبغال والحمير لتركوها وزينة‏)‏ ‏(‏وكان يوم بني قريظة‏)‏ بضم القاف وفتح الظاء المعجمة المشالة بوزن جهينة قبيلة من يهود خيبر وكانت هذه الوقعة لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس ‏(‏محطوم بحبل‏)‏ أي مجعول في أنفه بحبل ‏(‏من ليف‏)‏ بكسر اللام بالفارسية بوست درخمت خرما‏.‏ قال في القاموس‏:‏ خطمه بالخطام أي جعله على أنفه كخطمه به أو جر أنفه ليضع عليه الخطام، وهو ككتاب كل ما وضع في أنف البعير أي ونحوه لينقاد به ‏(‏عليه‏)‏ أي على الفرس ‏(‏إكاف ليف‏)‏ بكسر الهمزة ويقال له الوكاف بالواو وهو للحمار كالسرج للفرس، وإكاف ليف بالإضافة وفي بعض النسخ إكاف من ليف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومسلم الأعور يضعف‏)‏ قال النسائي وغيره‏:‏ متروك كذا في الميزان ‏(‏وهو مسلم بن كيسان الملائي‏)‏ بميم مضمومة وخفة لام وبياء في آخره نسبة إلى بيع الملاء نوع من الثـياب كذا في المعنى‏.‏

694- باب

‏(‏ت‏:‏ 33‏)‏ 1012- حدثنا أبُو كُرَيْبِ حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن عَبْدِ الرحمَنِ بنِ أبي بَكْرٍ عن أبي مُلَيْكَةَ عن عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏لَمّا قُبِضَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفُوا في دَفْنِهِ، فقالَ أبوُ بَكْرٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم شَيئاً مَا نَسِيتُهُ قالَ‏:‏ ‏"‏مَا قَبَضَ الله نَبياً إلاّ في الموضِعِ الذِي يُحِبّ أَنْ يُدْفَنَ فيهِ، ادَفَنُوهُ في مَوْضِعِ فِرَاشِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وعَبْدُ الرحمَنِ بنُ أبي بَكْرٍ المُلَيْكِيّ يُضَعّفُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏ وقد رُوِيَ هذا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هذا وَجْه‏.‏ فرَوَاهُ ابنُ عَبّاسٍ عن أبي بَكْرٍ الصّدّيقِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اختلفوا في دفنه‏)‏ أي في موضع دفنه، فقال بعضهم يدفن بمكة وقال الاَخرون بالمدينة في البقيع وقيل في القدس كذا في اللمعات ‏(‏ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه‏)‏ إكراماً له حيث لم يفعل به إلا ما يحبه ولا ينافيه كراهة الدفن في البيوت لأن من خصائص الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال المناوي‏:‏ ضعيف لضعف ابن أبي مليكة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قد وهم المناوى، فإن ابن أبي مليكة ليس بضعيف بل هو ثقة وضعف هذا الحديث‏.‏ إنما هو لضعف عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة‏.‏ قال الحافظ في التقريب‏.‏ ضعيف، وقال الترمذي‏:‏ يضعف من قبل حفظه‏.‏

695- باب آخَر

1013- حدثنا أبو كُرَيْبٍ حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ عن عِمْرَانَ بنِ أَنَس المَكّيّ عن عَطَاءٍ عن ابنِ عُمَرَ‏:‏ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وكُفوا عَنْ مَسَاوِيهمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ سَمِعْتُ محمداً يَقُولُ‏:‏ عِمْرَانُ بنُ أنسٍ المَكّيّ مُنْكَرُ الحَدِيثِ‏.‏ ورَوَى بَعْضُهُمْ عن عَطَاءٍ عن عائِشَةَ‏.‏ قال وعِمْرَانُ بنُ أبي أنَسِ مِصْرِيٌ أقْدَمُ وأَثْبَتُ مِنْ عِمْرَانَ بنِ أنَسٍ المَكّيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أذكروا محاسن موتاكم‏)‏ محاسن جمع حسن على غير قياس، والأمر للندب ‏(‏وكفوا‏)‏ أمر للوجوب أي امتنعوا ‏(‏عن مساويهم‏)‏ جمع سوء على غير قياس أيضاً‏.‏ قال حجة الإسلام‏:‏ غيبة الميت أشد من الحي، وذلك لأن عفو الحي واستحلاله ممكن ومتوقع في الدنيا بخلاف الميت‏.‏ وفي الأزهار قال العلماء‏:‏ وإذا رأى الغاسل من الميت ما يعجبه كاستنارة وجهه وطيب ريحه وسرعة انقلابه على المغتسل استحب أن يتحدث به، وإن رأى ما يكره كنيته وسواد وجهه أو بدنه أو انقلاب صورته حرم أن يتحدث به كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ ورواه أبو داود وابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعمران بن أنس مصري الخ‏)‏ يعني أن عمران بن أنس اثنان مصري ومكي، والمصري أثبت وأقدم من المكي، قاله الحافظ في التقريب‏.‏

696- باب ما جَاءَ في الجُلُوسِ قَبْلَ أنْ تُوضَع

1014- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا صَفْوانُ بنُ عيسَى عن بِشْرِ بنِ رَافِعٍ عن عَبْدِ الله بنِ سُلَيْمَانَ بنِ جُنَادَةَ بنِ أبي أُمَيّةَ عن أبيهِ عن جَدّهِ عن عُبَادَةَ بن الصّامِتِ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أَتّبَعَ الجَنَازَةَ لَمْ يَقْعُدْ حَتّى تُوضَعَ في اللّحْدِ، فَعَرَضَ لَهُ حَبْرٌ فقالَ هَكَذاَ نَصْنَعُ يا محمدُ قال‏:‏ فَجَلَسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقالَ خَالِفُوهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وبِشْرُ بنُ رافِعٍ لَيْسَ بالقَوِيّ في الحَدِيثِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بشر بن رافع‏)‏ الحارثي أبو الأسباط فقيه ضعيف الحديث ‏(‏عن عبد الله بن سليمان بن جنادة‏)‏ بضم الجيم وبالنون ضعيف من السادسة ‏(‏عن أبيه‏)‏ سليمان بن جنادة منكر الحديث من السادسة ‏(‏عن جده‏)‏ جنادة بن أبي أمية الأزدي ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى توضع في اللحد‏)‏ بفتح اللام وسكون الحاء الشق في جانب القبلة من القبر ‏(‏فعرض له حبر‏)‏ بفتح الحاء وتكسر أي عالم أي ظهر له صلى الله عليه وسلم عالم من اليهود ‏(‏فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي بعد ما كان واقفاً أو بعد ذلك ‏(‏وقال خالفوهم‏)‏ قال القاري‏:‏ فبقي القول بأن التابع لم يقعد حتى توضع عن أعناق الرجال هو الصحيح انتهى‏.‏ قلت‏:‏ هذا الحديث ضعيف لأن في إسناده بشر بن رافع وعبد الله بن سليمان وأباه سليمان جنادة وهؤلاء كلهم ضعفاء‏.‏ وقد روى الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً‏:‏ إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع‏.‏ قال الحازمي قد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فقال قوم من تبع جنازة فلا يقعدن حتى توضع عن أعناق الرجال، وممن رأى ذلك الحسن بن علي وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير والأوزاعي وأهل الشام وأحمد وإسحاق‏.‏ وذكر إبراهيم النخعي والشعبي أنهم كانوا يكرهون أن يجلسوا حتى توضع عن مناكب الرجال، وبه قال محمد بن الحسن، وخالفهم في ذلك آخرون ورأوا الجلوس أولى واعتقدوا الحكم الأول منسوخاً، وتمسكوا في ذلك بأحاديث، ثم ذكر بإسناده حديث الباب وقال هذا حديث غريب أخرجه الترمذي في كتابه وقال بشر بن رافع ليس بقوى في الحديث، وقد روى هذا الحديث من غير هذا الطريق وفيه أيضاً كلام، ولو صح لكان صريحاً في النسخ غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت فلا يقاومه هذا الإسناد، ثم روى الحازمي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أول ما قدمنا فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجلس حتى توضع الجنازة ثم جلس بعد وجلسنا معه فكان يؤخذ بالاَخر فالاَخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذا الحديث بهذه الألفاظ غريب أيضاً ولكنه يشيد ما قبله، انتهى كلام الحازمي‏.‏

697- باب فَضْلِ المصِيبَةِ إِذَا احتَسَب

‏(‏باب فضل المصيبة إذا احتسب‏)‏ أي صبر وطلب الثواب

1015- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عن أبي سِنَانٍ قالَ‏:‏ دَفَنْتُ إبْنيِ سِنَاناً وأبو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيّ جَالِسٌ على شَفِيرِ القَبْرِ فَلَمّا أَرَدْتُ الخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فقالَ ألاَ أُبَشّرُكَ يا أبَا سِنَانٍ‏؟‏ قُلْتُ بَلَى قالَ‏:‏ حَدّثَنِي الضّحّاكُ بنُ عَبْدِ الرحمَنِ بنِ عرْزَب عن أبي مُوسَى الأشْعَرِي‏:‏ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ إذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قالَ الله لِمَلاَئِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي‏؟‏ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قبضتم ثمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ فَيَقُولُ‏:‏ مَاذَا قالَ عَبْدي‏؟‏ فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ واسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ الله‏:‏ ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً في الجَنّةِ وسَمّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على شفير القبر‏)‏ أي على طرفه ‏(‏حدثني ضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب‏)‏ بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة ثقة من الثالثة ‏(‏قال الله لملائكته‏)‏ أي ملك الموت وأعوانه ‏(‏قبضتم‏)‏ على تقدير الاستفهام ‏(‏ولد عبدي‏)‏ أي روحه ‏(‏فيقول قبضتم ثمرة فؤاده‏)‏ أي يقول ثانياً إظهاراً لكمال الرحمة كما أن الوالد العطوف يسأل الفصاد هل فصدت ولدي مع أنه بأمره ورضاه‏.‏ وقيل سمى الولد ثمرة فؤاده لأنه نتيجة الأب كالثمرة للشجرة ‏(‏واسترجع‏)‏ أي قال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ‏(‏وسموه بيت الحمد‏)‏ أضاف البيت إلى الحمد الذي قاله عند المصيبة لأنه جزاء ذلك الحمد، قاله القاري‏.‏

698- بابُ ما جَاءَ في التّكْبِيرِ على الجَنَازَة

1016- حدثنا أحمدُ بن مَنِيعٍ حَدّثَنَا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ حدثنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صَلّى على النّجَاشِيّ فَكَبّرَ أرْبَعاً‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وابنِ أبي أوْفَي وجَابِرٍ ويزِيدَ بنِ ثَابتٍ وأنس‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ويَزِيدُ بنُ ثَابِتٍ هُوَ أخُو زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وهُوَ أكْبرُ مِنْهُ شَهِدَ بَدْراً وَزَيْدٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ والعملُ على هذا عِنْدَ أكثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمِ يَرَوْنَ التّكْبِيرَ على الجَنَازَةِ أَرْبَعَ تَكْبِيراتٍ، وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثوْرِيّ ومَالِك بنِ أنَسٍ وابنِ المُبَارَكِ والشافِعيّ وأحْمَدَ وإسحاقَ‏.‏

1017- حدثنا محمدُ بنُ المُثَنّى حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا شُعْبَةُ عن عَمْروِ بنِ مُرّةَ عن عَبْدِ الرحمَن بنِ أبي لَيْلَى قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ زَيْدُ بنُ أَرْقَم يُكَبّرُ على جَنَائِزنَا أَرْبعَاً وإنّهُ كَبّرَ على جَنَازَةٍ خَمْساً فَسَأَلْنَاهُ عن ذَلِكَ فقالَ كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكَبّرُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إلى هذا مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِم رأوْا التّكبِيرَ على الجَنَازَةِ خَمْساً وقالَ أحمدُ وإسْحَاقُ‏:‏ إذَا كَبّرَ الإمَامُ على الجَنازَةِ خَمْساً فإِنّهُ يَتبَعُ الإمَامَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى على النجاشي‏)‏ بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب وقيل بالتخفيف وهو لقب من ملك الحبشة‏.‏ وحكى المطرزي عن بعضهم تشديد الجيم وخطأه، كذا في فتح الباري واسمه أصحمة بوزن أربعة، وهو ممن آمن به صلى الله عليه وسلم ولم يره وكان ردءاً للمسلمين المهاجرين إليه مبالغاً في الإحسان إليهم ‏(‏فكبر أربعاً‏)‏ فيه دليل على أن التكبير على الجنازة أربع تكبيرات وعليه عمل الأكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأنس ويزيد بن ثابت‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الحازمي في كتاب الاعتبار عنه قال آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنائز أربعاً، وكبر عمر رضي الله عنه على أبي بكر أربعاً، وكبر عبد الله بن عمر على عمر أربعاً، وكبر الحسن بن علي على علي على أربعاً، وكبر الحسين على الحسن أربعاً، وكبرت الملائكة على آدم أربعاً، وأخرجه الدارقطني مختصراً‏.‏ وهو حديث ضعيف وله طرق أخرى كلها ضعيفة ذكرها الزيلعي في نصب الراية‏.‏ وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى أنه مات له إبن فكبر أربعاً وقام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا، ورواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات من هذا الوجه، وزاد‏:‏ ثم سلم عن يمينه وشماله ثم قال‏:‏ لا أزيد على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعاً‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على أهل بدر سبع تكبيرات وعلي بني هاشم سبع تكبيرات وكان آخر صلاته أربعاً حتى خرج من الدنيا، قال وإسحاق واهي وقد روى آخر صلاته كبر أربعاً من عدة روايات كلها ضعيفة كذا في نصب الراية‏.‏ وقد روى أبو داود في سننه عن أنس حديثاً طويلاً وفيه‏:‏ فكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأما حديث يزيد بن ثابت فأخرجه أحمد وابن ماجه وفيه‏:‏ ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثورى ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول أبي حنيفة‏.‏ وقد استدلوا بحديث الباب‏.‏ قال الحافظ ابن حجر في الفتح‏:‏ وقد اختلف السلف في ذلك فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمساً ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمساً‏.‏ وروى ابن المنذر وغيره عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستاً وعلى الصحابة خمساً وعلى سائر الناس أربعاً‏.‏ وروى أيضاً بإسناد صحيح عن أبي معبد قال‏:‏ صليت خلف ابن عباس على جنازة فكبر ثلاثاً‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر فذكر ما تقدم قال‏:‏ والذي نختار ما ثبت عن عمر‏.‏ ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال‏:‏ كان التكبير أربعاً وخمساً فجمع عمر الناس على أربع‏.‏ وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وستاً وخمساً وأربعاً، فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة إنتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه يتبع الإمام‏)‏ أي المقتدي يتبع الإمام‏.‏ قال العيني‏:‏ ظاهر كلام الخرقي أن الإمام إذا كبر خمساً تابعه المأموم ولا يتابعه في زيادة عليها، ورواه الأثرم عن أحمد‏.‏ وروى حرب عن أحمد‏:‏ إذا كبر خمساً لا يكبر معه ولا يسلم إلا مع الإمام‏.‏ وممن لا يرى متابعة الإمام في زيادة على أربع، الثوري ومالك وأبو حنيفة والشافعي واختاره ابن عقيل كذا ذكره العيني نقلاً عن ابن قدامة‏.‏ قلت‏:‏ الراجح عندي أن الإمام إذا كبر خمساً تابعه المأموم‏.‏

699- باب ما يَقُولُ في الصلاةِ على المَيّت

1018- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا هِقْلُ بنُ زِيَادٍ حدثنا الأوْزَاعِيّ عن يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ حَدّثَنِي أبو إبراهِيمَ الأشْهَلِيّ عن أبيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا صَلّى على الجَنَازَةِ قالَ اللّهُمّ اغْفِرْ لِحَيّنَا وَمَيّتِنَا، وشَاهِدِنَا وغَائِبِنَا وصَغِيرِنَا وكَبِيرِنَا، وذَكَرِنَا وأُنثَانَا‏"‏ قالَ يَحْيَى وحدّثَني أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرحمَنِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ‏:‏ ‏"‏الّلهُمّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنّا فأَحْيهِ على الإسْلاَمِ، ومَنْ تَوَفّيْتَهُ مِنّا فَتَوَفّهُ على الإيمَانِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عَبْدِ الرحمَنِ وعَائِشَةَ وأبي قَتَادَةَ وعَوْفٍ بنِ مالِكٍ وجَابرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديِثُ وَالِدِ أبي إبرَاهِيمَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ورَوَى هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ وعَلِيّ بنُ المُبَارَكِ هذا الحَدِيثَ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِير عن أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمَنِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏ ورَوَى عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وحديثُ عِكْرِمَةَ بنِ عمّارٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وعِكْرِمَةُ رُبّمَا يَهِمّ في حدِيثِ يَحْيَى‏.‏ ورُوِيَ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن عَبْدِ الله بنِ أبي قَتَادَةَ عن أبيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وسَمِعْتُ محمداً يَقُولُ‏:‏ أَصَحّ الرّوَايَاتِ في هذا حديِثُ يَحْيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ عن أبي إبراهِيمَ الأشْهَلِيّ عن أبيهِ‏.‏ وسَأَلْتُهُ عن اسمِ أبي إبرَاهيمَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ‏.‏

1019- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِي حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ عن عَبْدِ الرحمَنِ بن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عن أبيهِ عن عَوْفٍ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي على مَيّتٍ فَفَهِمْتُ مِنْ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ اللّهُمّ اغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ واغْسِلْهُ بالبَرَد واغسِلْه كَمَا يُغْسَل الثّوْبُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ قالَ محمد‏:‏ أَصَحّ شَيْءٍ في هذا البابِ هذا الحَدِيثُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو ابراهيم الأشهلي‏)‏ مقبول من الثالثة قيل إنه عبد الله بن أبي قتادة، ولا يصح قاله الحافظ في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صغيرنا وكبيرنا‏)‏ ههنا إشكال وهو أن الصغير غير مكلف لا ذنب له فما معنى الاستغفار له، وذكروا في دفعه وجوها فقيل‏:‏ الاستغفار في حق الصغير لرفع الدرجات، وقيل المراد بالصغير والكبير الشاب والشيخ‏.‏ وقال التوربشتي عن الطحاوي أنه سئل عن معنى الاستغفار للصبيان مع أنه لا ذنب لهم فقال معناه السؤال من الله أن يغفر له ما كتب في اللوح المحفوظ أن يفعله بعد البلوغ من الذنوب حتى إذا كان فعله كان مغفوراً وإلا فالصغير غير مكلف لا حاجة له إلى الاستغفار ‏(‏وذكرنا وأنثانا‏)‏ المقصود من القرائن الأربع الشمول والاستيعاب كأنه قيل‏:‏ اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات كلهم أجمعين ‏(‏قال يحيى‏)‏ أي ابن أبي كثير ‏(‏فأحيه على الإسلام‏)‏ أي الاستسلام والانقياد للأوامر والنواهي ‏(‏فتوفه على الإيمان‏)‏ أي التصديق القلبي إذا لا نافع حينئذ غيره ورواه أبو داود من طريق يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد‏:‏ اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده‏.‏ ووقع في هذه الرواية اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ ولفظ فأحيه على الإسلام هو الثابت عند الأكثر وعند أبي داود فأحيه على الإيمان‏.‏ وتوفه على الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعائشة وأبي قتادة وجابر وعوف بن مالك‏)‏ أما حديث عبد الرحمن وأبي قتادة وجابر فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه الحاكم‏.‏ وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي ورواه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‏(‏وروى هشام الدستوائي الخ‏)‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ سألت أبي عن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة فقال‏:‏ الحفاظ لا يذكرون أبا هريرة إنما يقولون أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً لا يوصله بذكر أبي هريرة إلا غير متقن والصحيح أنه مرسل وروى عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة الخ‏.‏ قال الحاكم بعد رواية حديث أبي هريرة المذكور‏:‏ وله شاهد صحيح فرواه من حديث أبي سلمة عن عائشة نحوه وأعله الترمذي بقوله‏:‏ ‏(‏وحديث عكرمة بن عمار غير محفوظ، وعكرمة ربما يهم في حديث يحيى‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ عكرمة بن عمار العجلي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب ‏(‏وروى عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وقد توهم بعض الناس أن أبا ابراهيم المذكور هو عبد الله بن أبي قتادة وهو غلط‏.‏ أبو ابراهيم من بني عبد الأشهل وأبو قتادة من بني سلمة‏.‏ قاله الحافظ في التلخيص نقلاً عن ابن أبي حاتم عن أبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ففهمت من صلاته‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فحفظت من دعائه، وفي رواية أخرى له‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة يقول ‏(‏واغسله بالبرد‏)‏ بفتحتين وهو حب الغمام قاله العيني‏:‏ روى الترمذي هذا الحديث هكذا مختصراً، ورواه مسلم مطولاً ولفظه‏:‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول‏:‏ اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وابدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار انتهى، قال النووي‏:‏ فيه إشارة إلى الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة، وقد اتفق أصحابنا على أنه إن صلى عليها بالنهار أسر بالقراءة وإن صلى بالليل ففيه وجهان‏:‏ الصحيح الذي عليه الجمهور يسر والثاني يجهر‏.‏ وأما الدعاء فيسر به بلا خلاف وحينئذ يتأول هذا الحديث على أن قوله حفظت من دعائه أي علمنيه بعد الصلاة فحفظته انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ويرد هذا التأويل قوله في رواية أخرى‏:‏ سمعت‏.‏ وقال القاري في المرقاة وهذا يعني قوله حفظت لا ينافي ما تقرر في الفقه من ندب الإسرار لأن الجهر هنا للتعليم لا غير انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وكذا قوله‏:‏ فحفظت من دعائه‏.‏ يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالدعاء وهو خلاف ما صرح به جماعة من استحباب الإسرار بالدعاء، وقد قيل‏:‏ إن جهره صلى الله عليه وسلم بالدعاء لقصد تعليمهم‏.‏ وأخرج أحمد عن جابر قال‏:‏ ما أباح لنا في دعاء الجنازة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر‏.‏ وفسر أباح بمعنى قدر‏.‏ قال الحافظ والذي وقفت عليه باح بمعنى جهر‏.‏ والظاهر أن الجهر والإسرار بالدعاء جائزان انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم ‏(‏وقال محمد بن إسماعيل‏:‏ أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث‏)‏ أي حديث عوف بن مالك‏.‏ وقد ورد في هذا الباب أحاديث منها ذكره الترمذي ومنها حديث وائلة بن الأصقع أخرجه أبو داود، ومنها حديث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه أحمد وابن ماجه، قال الحافظ ابن حجر‏:‏ واختلاف الأحاديث في ذلك محمول على أنه يدعو لميته بدعاء ولاَخر بآخر انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ إذا كان المصلي عليه طفلاً استحب أن يقول المصلي‏:‏ اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وأجراً‏.‏ روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة‏.‏ وروى مثله سفيان في جامعه عن الحسن قال‏:‏ والظاهر أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكراً أو أنثى ولا يحول الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث إذا كانت الميت أنثى لأن مرجعها الميت وهو يقال على الذكر والأنثى انتهى‏.‏

700- بابُ ما جَاءَ في القِرَاءَةِ على الجَنَازَة بفَاتِحَةِ الكِتاب

1020- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا زيْدُ بنُ حُبَابٍ حدثنا إبرَاهِيمُ بنُ عُثْمَانَ عن الحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ على الجَنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أُمّ شَرِيكٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ ابن عَبّاسٍ حدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَلكَ القَوِيّ‏.‏ إبرَاهِيمُ بنُ عُثْمَانَ هُوَ أبو شَيْبَةَ الوَاسِطِيّ مُنْكَرُ الحَدِيثِ‏.‏ والصّحِيحُ عن ابنِ عَبّاسٍ قوله‏:‏ ‏(‏مِنَ السّنّةِ القِرَاءَةُ على الجَنَازَةِ بفَاتِحة الكِتَاب‏)‏‏.‏

1021- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الرحمَنِ بن مَهْدِي حدثنا سُفيَانُ عن سَعْدِ بنِ إبَراهِيمَ عن طَلْحَةَ بنِ عَوْفٍ ‏"‏أن ابْنَ عَبّاس صَلّى على جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَقُلْتُ لَهُ فقَالَ ‏(‏إنّهُ مِنَ السّنّةِ أوْ مِنْ تَمَامِ السّنّةِ‏)‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ يَخْتَارُونَ أَنْ يقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التّكبِيرَةِ الأولَى‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ الشافعيّ وأحمدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ لا يقْرَأُ في الصّلاةِ على الجَنَازَة، إنّمَا هُوَ ثناءٌ على الله والصّلاَةُ على النبي صلى الله عليه وسلم والدُعَاءُ لِلْمَيّتِ، وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وغَيْرِهِ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ‏.‏ وطلحة بن عبد الله بن عوف هو ابن أخي عبد الرحمَن بن عوفٍ روى عنه الزهري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا ابراهيم بن عثمان‏)‏ هو أبو شيبة الواسطي قال الحافظ‏:‏ مشهور بكنيته متروك الحديث ‏(‏قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب‏)‏ أي بعد التكبيرة الأولى‏.‏ وقد أخرج الشافعي والحاكم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الميت أربعاً وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى، ولفظ الحاكم‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر على جنائزنا أربعاً ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأول، وفيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحي فقد وثقه جماعة منهم الشافعي وابن الأصبحاني وابن عدي وابن عقدة وضعفه آخرون‏.‏ قاله ابن القيم في جلاء الْافهام‏.‏ وقد صرح العراقي في شرح الترمذي بأن إسناد حديث جابر ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم شريك‏)‏ أخرجه ابن ماجه عنها قالت‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، وفي إسناده ضعف يسير كما قال الحافظ في التلخيص‏.‏ وفي الباب أيضاً عن أم عفيف النهدية قالت‏:‏ أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب على ميتنا، رواه أبو نعيم كذا في عمدة القاري‏.‏ وعن أبي أسامة بن سهل بن حنيف قال‏:‏ السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرأن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى، أخرجه عبد الرزاق والنسائي‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ إسناده صحيح انتهى‏.‏ قلت‏:‏ روى النسائي في سننه قال أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي أمامة قال‏:‏ السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة ثم تكبر ثلاثاً والتسليم عند الاَخرة‏.‏ وقال النووي في الخلاصة‏:‏ إن إسناده على شرط الشيخين، قاله العيني في شرح البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إبراهيم بن عثمان هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث‏)‏ قال في التقريب بكنيته متروك الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والصحيح عن ابن عباس قوله‏:‏ من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ هذا مصير منه يعني من الترمذي إلى الفرق بين الصيغتين ‏(‏أي بين قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وبين قوله من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال انتهى‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقلت له فقال إنه من السنة أو من تمام السنة‏)‏ شك من الراوي‏.‏ وفي رواية النسائي‏:‏ فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، جهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال سنة وحق‏.‏ وللحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن سعيد يقول‏:‏ صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال‏:‏ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي وابن حبان والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وقولهم هو الحق يدل عليه أحاديث الباب ‏(‏وقال بعض أهل العلم لا يقرأ في الصلاة الخ‏)‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله‏.‏ قال محمد في موطإه لا قراءة على الجنازة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله انتهى، واستدل لهم بحديث أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء، رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏ قلت هذا الاستدلال ليس بشيء فإن المراد بقوله‏:‏ فأخلصوا له الدعاء أدعوا له بالاخلاص وليس فيه نفي القراءة على الجنازة‏:‏ كيف وقد روى القاضي إسماعيل في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة أنه قال‏:‏ إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة ثم يسلم، وأخرجه ابن الجارود في المنتقي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ورجاله مخرج لهم في الصحيحين‏.‏ ففي هذا الحديث أن السنة في الصلاة على الجنازة قراءة الفاتحة وإخلاص الدعاء للميت وكذا وقع الجمع بين القراءة وإخلاص الدعاء للميت في رواية عبد الرزاق وقد تقدمت هذه الرواية‏.‏ واستدل الطحاوي على ترك القراءة في التكبيرة الأولى بتركها في باقي التكبيرات وترك التشهد‏.‏ قلت‏:‏ هذا الاستدلال أيضاً ليس بشيء فإنه قياس في مقابلة النص‏.‏ وأجابوا عن أحاديث الباب بأن قراءة الفاتحة في الصلاة على الجنازة كانت على وجه الدعاء‏.‏ قال الطحاوي‏:‏ ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كانت على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة‏.‏ قلت‏:‏ هذا ادعاء محض لا دليل عليه فهو مما لا يلتفت إليه‏.‏ قال صاحب التعليق الممجد‏:‏ قد صنف حسن الشرنبلالى من متأخري أصحابنا يعني الحنفية رسالة سماها بالنظم المستطاب بحكم القراءة في صلاة الجنازة بأم الكتاب ورد فيها على من ذكر الكراهة بدلائل شافية، وهذا هو الأولى لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتهى كلام صاحب التعليق الممجد‏.‏

فائدة‏:‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ ذهب الجمهور إلى أنه لا يستحب الجهر بالقراءة في صلاة الجنازة، وتمسكوا بقول ابن عباس‏:‏ لم أقرأ أي جهراً إلا لتعلموا أنه سنة‏:‏ وبقوله في حديث أبي أمامة سراً في نفسه انتهى كلام الشوكاني‏.‏ قلت‏:‏ وقع في حديث أبي أمامة عند النسائي‏:‏ السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بأم القرآن مخافتة، وقد تقدم هذا الحديث آنفاً، وأما لفظ سراً في نفسه فقد وقع عند الشافعي فأخرج في مسنده‏:‏ أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، الحديث‏.‏ وأما قول ابن عباس الذي ذكره الشوكاني فأخرجه الحاكم من طريق شرحبيل ابن سعد عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر ثم قرأ الفاتحة رافعاً صوته ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ اللهم عبدك وابن عبدك الحديث‏.‏ وفي آخره ثم انصرف فقال‏:‏ يا أيها الناس إني لم أقرأ عليها أي جهراً إلا لتعلموا أنها سنة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وشرحبيل مختلف في توثيقه انتهى‏.‏ وأخرج ابن الجارود في المنتقى من طريق زيد بن طلحة التيمي قال‏:‏ سمعت ابن عباس قرأ على جنازة فاتحة الكتاب وسورة وجهر بالقراءة وقال إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة‏.‏ وأخرجه أيضاً من طريق طلحة بن عبد الله قال‏:‏ صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة فجهر حتى سمعت الحديث، وقد تقدم رواية الحاكم بلفظ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وقيل يستحب الجهر بالقراءة فيها، واستدل على ذلك بما رواه النسائي من حديث ابن عباس فقد وقع فيه‏:‏ فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر فلما فرغ قال سنة وحق‏.‏ وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ إنه يجهر بالليل كالليلية انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قلت‏:‏ قول ابن عباس إنما جهرت لتعلموا أنها سنة يدل على أن جهره كان للتعليم، وأما قول بعض أصحاب الشافعي يجهر بالليل كالليلية فلم أقف على رواية تدل على هذا والله تعالى أعلم‏.‏

فائدة أخرى‏:‏ قد وقع في رواية النسائي التي ذكرتها آنفاً‏:‏ فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وهذا يدل على أن السنة قراءة فاتحة الكتاب وسورة معها‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ فيه مشروعية قراءة سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة ولا محيص عن المصير إلى ذلك لأنها زيادة خارجة عن مخرج صحيح انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر أثر ابن عباس أنه قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وقال إنها سنة ما لفظه‏:‏ ورواه أبو يعلى في مسنده من حديث ابن عباس وزاد‏:‏ وسورة‏.‏ قال البيهقي‏:‏ ذكر السورة غير محفوظ وقال النووي إسناده صحيح انتهى‏.‏

701- باب ما جاء في الصّلاة على الجنازة والشّفَاعَةُ للميّت

1022- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ و يُونُسُ بنُ بكَيْرٍ عن محمدِ بنِ إسْحَاقَ عن يَزِيدَ بنِ أبي حبيبٍ عن مَرْثَدِ بن عَبْدِ الله اليَزَنِيّ قالَ‏:‏ كانَ مَالِكُ بنُ هُبَيْرَةَ إذَا صَلّى على جَنَازَةٍ فَتَقَالّ النّاسَ عَلَيْهَا جَزّأُهُم ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ ثُمّ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ صَلّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فقد أَوْجَبَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عَائِشَةَ وأُمّ حَبِيبَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ ومَيْمُونَةَ زَوْجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ مَالِكِ بنِ هُبَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ‏.‏ هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن محمدِ بنِ إسْحَاقَ‏.‏ وَرَوَى إبرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عن محمدِ بنِ إسْحَاقَ هذا الحَديِثَ وأدْخَلَ بَيْنَ مَرْثَدٍ ومَالِكٍ بنِ هُبَيْرَةَ رَجُلاً‏.‏ وروَايَةُ هَؤلاَءِ أَصَحّ عِنْدَنَا‏.‏

1023- حدثنا ابنُ أبِي عُمَرَ حدثنا عَبْدُ الوهاب الثّقَفِي عن أيّوبَ وحدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ وَ عَلِيّ بنُ حُجْر قالا حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهِيمِ عن أيّوبَ عن أبي قِلاَبَةَ عن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ- ‏(‏رَضِيعٍ كَانَ لِعَائِشَةَ‏)‏- عن عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لا يَموتُ أَحَدٌ مِنَ المُسْلمِينَ فَتصلّى عَلَيْه أُمّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يبلغون أَنْ يَكُونُوا مِائَةً فَيَشْفَعُوا له إلاّ شُفّعُوا فِيهِ‏"‏‏.‏ وقالَ عَلِب بن حجر في حَدِيثهِ‏:‏ مِائَة فَمَا فَوْقَهَا‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد أَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مرثد‏)‏ بفتح الميم وسكون الراء بالتاء المثلثة المفتوحة ‏(‏بن عبد الله اليزني‏)‏ بفتح التحتانية والزاي بعدها نون ثقة فقيه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كان مالك بن هبيرة‏)‏ بالتصغير السكوني الكندي صحابي نزل حمص ومصر مات في أيام مروان وكان أميراً لمعاوية رضي الله عنه على الجيوش وغزو الروم ‏(‏فتقال الناس عليها‏)‏ تفاعل من القلة أي رآهم قليلاً ‏(‏جزأهم ثلاثة أجزاء‏)‏ من التجزئة أي فرقهم وجعل القوم الذين يمكن أن يكونوا صفاً واحداً ثلاثة صفوف‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ جزأهم ثلاثة صفوف‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ أي قسمهم ثلاثة أقسام أي شيوخاً وكهولاً وشباباً، أو فضلاء وطلبة العلم والعامة انتهى‏.‏ قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي بعد ذكر هذا القول‏:‏ هذا بعيد جداً انتهى‏.‏ قلت‏:‏ لا شك في بعده بل الحق والصواب أن المراد جعلهم ثلاثة صفوف كما في رواية أبي داود ‏(‏ثم قال‏)‏ أي استدلالا لفعله ‏(‏من صلى عليه ثلاثة صفوف‏)‏ وأقل الصف أن يكون اثنين على الأصح قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ ولا حد لأكثره ‏(‏فقد أوجب‏)‏ في رواية أبي داود‏:‏ وجبت له الجنة‏.‏ وفي رواية البيهقي‏:‏ غفر له، كذا في قوت المغتذي‏.‏ فمعنى أوجب أي أوجب الله عليه الجنة أو أوجب مغفرته وعداً منه وفضلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ أخرجه مسلم والترمذي ‏(‏وأم حبيبة‏)‏ لم أقف على حديثها ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه ابن ماجه بسند صحيح عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من صلى عليه مائة من المسلمين غفر له، كذا في فتح الباري ‏(‏وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أخرجه النسائي من حديث أبي المليح حدثني عبد الله عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه‏.‏ فسألت أبا المليح عن الأمة قال أربعون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث مالك بن هبيرة حديث حسن‏)‏ وصححه الحاكم كما قال الحافظ في الفتح وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رضيع كان لعائشة‏)‏ بالجر بدل من عبد الله بن يزيد‏.‏

قال الحافظ في التقريب‏:‏ عبد الله بن يزيد رضيع عائشة بصري وثقه العجلي من الثالثة‏.‏ قلت‏:‏ قال في القاموس‏:‏ رضيعك أخوك من الرضاعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليصلي عليه أمة‏)‏ أي جماعة ‏(‏فيشفعوا له‏)‏ من المجرد أي دعو له ‏(‏إلا شفعوا فيه‏)‏ من التفعيل على بناء المفعول أي قبلت شفاعتهم ‏(‏فيه‏)‏ في حقه، وروى مسلم عن ابن عباس مرفوعاً‏:‏ ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه‏.‏ وفي هذه الأحاديث استحباب تكثير جماعة الجنازة ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد الذي يكون من موجبات الفوز‏.‏ وقد قيد ذلك بأمرين الأول أن يكونوا شافعين فيه أي مخلصين له الدعاء سائلين له المغفرة، الثاني أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئاً كما في حديث ابن عباس‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال القاضي‏:‏ قيل هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا عن ذلك فأجاب كل واحد عن سؤاله، قال ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به ثم بقبول شفاعة أربعين ثم ثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبر به ويحتمل أيضاً أن يقال هذا مفهوم عدد ولا يحتج به جماهير الأصوليين، فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف، وحينئذ كل الأحاديث معمول بها ويحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين انتهى كلام النووي‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ لا تضاد بين هذه الأحاديث لأن السبيل في أمثال هذا المقام أن يكون الأقل من العددين متأخراً عن الأكثر، لأن الله تعالى إذا وعد المغفرة لمعنى لم يكن من سنته النقصان من الفضل الموعود بعد ذلك، بل يزيد تفضلاً، فيدل على زيادة فضل الله وكرمه على عباده انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه مسلم والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد أوقفه بعضهم ولم يرفعه‏)‏ قال النووي‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ رواه سعيد بن منصور موقوفاًعلى عائشة فأشار إلى تعليله بذلك وليس معللاً لأن من رفعه ثقة وزيادة الثقة مقبولة انتهى‏.‏

702- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الصّلاةِ على الجَنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ وعِنْدَ غُرُوبِهَا

1024- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكيعٌ عن مُوسَى بن علَي بنِ رَبَاحٍ عن أبيهِ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلّيَ فِيهِنّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنّ مَوْتَانَا‏:‏ حِينَ تَطْلُعُ الشّمْسُ بَازِغَةً حَتى تَرْتَفِعَ، وحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظّهِيرَةِ، حَتّى تَمِيلَ، وحِينَ تَضَيّفُ الشحر لِلْغُرُوبِ حَتّى تَغْرُبَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ يَكْرَهُونَ الصّلاَةَ على الجَنَازَةِ في هَذِهِ السّاعَاتِ‏.‏ وقال ابنُ المُبَارَكِ‏:‏ مَعْنَى هذا الحَدِيثِ أَن نَقْبُرَ فيهِنّ مَوتْانَا يَعْنِي الصّلاَةَ على الجَنَازَةِ وَكَرِهَ الصّلاَةَ على الجنازة عِنْدَ طُلُوعِ الشَمْسِ وعِنْدَ غُرُوبِهَا وإذَا انْتَصَفَ النهَارُ حَتى تَزُولَ الشمْسُ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسْحاقَ قالَ الشّافِعِيّ‏:‏ لا بأْسَ في الصّلاة على الجَنَازَةِ في السّاعَاتِ التي تكْرَهُ فِيهِنّ الصّلاَةُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث ساعات‏)‏ أي أوقات ‏(‏أن نصلي فيهن‏)‏ هو بإطلاقه يشمل صلاة الجنازة لأنها صلاة ‏(‏أو نقبر فيهن موتانا‏)‏ من باب نصر أي ندفن فيهن موتانا، يقال قبرته إذا دفنته وأقبرته إذ جعلت له قبراً يوارى فيه، ومنه قوله تعالى ‏(‏فأقبره‏)‏ كذا في المرقاة‏.‏ وقال النووي‏:‏ وهو بضم الباء الموحدة وكسرها لغتان انتهى ‏(‏حين تطلع الشمس بازغة‏)‏ أي طالعة ظاهرة حال مؤكدة ‏(‏وحين يقوم قائم الظهيرة‏)‏ قال النووي‏:‏ الظهيرة حال استواء الشمس، ومعناه حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب انتهى‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ الظهيرة هي نصف النهار وقائمها أما الظل وقيامه وقوفه، من قامت به دابته وقفت، والمراد بوقوفه بطوء حركته الناشئ من بطوء حركة الشمس حينئذ باعتبار ما يظهر للناظر‏؟‏ بادى الرأي وإلا فهي سائرة على حالها وأما القائم فيها لأنه حينئذ لا يميل له ظل إلى جهة المشرق ولا إلى جهة المغرب، وذلك كله كناية عن وقت استواء الشمس في وسط السماء ‏(‏حتى تميل‏)‏ أي الشمس من المشرق إلى المغرب وتزول عن وسط السماء إلى الجانب الغربي وميلها هذا هو الزوال‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ووقت الاستواء المذكور وإن كان وقتاً ضيقاً لا يسع صلاة إلا أنه يسع التحريمة فيحرم تعمد التحريمة فيه ‏(‏وحين تضيف‏)‏ بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء أي تميل قاله النووي‏.‏ وأصل الضيف الميل سمي الضيف لميله إلى من ينزل عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن المبارك‏:‏ معنى هذا الحديث أو أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة‏)‏ أي ليس المراد بقوله أو نقبر الدفن كما هو الظاهر بل المراد صلاة الجنازة‏.‏ قلت‏:‏ قد حمل الترمذي قوله نقبر فيهن موتانا على صلاة الجنازة ولذلك بوب عليه باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها، ونقل في تأييده قول ابن المبارك، وحمله أبو داود على الدفن الحقيقي فإنه ذكره في الجنائز وبوب عليه باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها‏.‏ قال الزيلعي في نصب الراية‏:‏ قد جاء بتصريح الصلاة فيه رواه الإمام أبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الجنائز من حديث خارجة بن مصعب عن ليث بن سعد عن موسى بن علي به قال‏:‏ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس إلى آخره، انتهى ما في نصب الراية‏.‏ قلت‏:‏ لو صحت هذه الرواية لكانت قاطعة للنزاع ولوجب حمل قوله أو نقبر فيهن موتانا على الصلاة، لكن هذه الرواية ضعيفة، فإن خارجة بن مصعب ضعيف، قال الحافظ في التقريب في ترجمته‏:‏ متروك وكان يدلس عن الكذابين، ويقال إن ابن معين كذبه‏.‏

تنبيه‏:‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال بعضهم‏:‏ إن المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف، لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع، بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين، فأما إذا وقع في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره‏.‏ انتهى كلام النووي‏.‏ قلت‏:‏ قوله صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فيه نظر ظاهر كما ستقف على ذلك في بيان المذاهب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول مالك والأوزاعي والحنفية، وهو قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏.‏ روى أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال‏:‏ كان ابن عمر يكره الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس وحين تغرب‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري‏:‏ وإلى قول ابن عمر ذهب مالك والأوزاعي والكوفيون وأحمد وإسحاق انتهى‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ والمذهب عندنا أن هذه الأوقات الثلاثة يحرم فيها الفرائض والنوافل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة إلا إذا حضرت الجنازة أو تليت آية السجدة حينئذ فإنهما لا يكرهان، لكن الأولى تأخيرهما إلى خروج الأوقات انتهى‏.‏ واستدل هؤلاء بحديث الباب، وقولهم هو الظاهر والله تعالى أعلم ‏(‏وقال الشافعي‏:‏ لا بأس أن يصلي على الجنازة في الساعات التي يكره فيهن الصلاة‏)‏ وأجيب من جانبه عن حديث الباب بأنه محمول على الدفن الحقيقي‏.‏ قال البيهقي‏:‏ ونهيه عن القبر في هذه الساعات لا يتناول الصلاة على الجنازة وهو عند كثير من أهل العلم محمول على كراهية الدفن في تلك الساعات انتهى‏.‏ كذا نقل الزيلعي عن البيهقي في نصب الراية‏.‏ وتعقب بأنه كيف لا يتناول الصلاة على الجنازة وقد رواه إسحاق بن راهويه في كتاب الجنائز بلفظ‏:‏ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند ثلاث‏:‏ عند طلوع الشمس الخ، وقد عرفت أنها رواية ضعيفة فإن قيل‏:‏ صلاة الجنازة صلاة وكل صلاة منهى عنها في هذه الساعات‏.‏ فكيف قال الشافعي‏:‏ لابأس أن يصلي على الجنازة في هذه الساعات‏؟‏ يقال‏:‏ ليس كل صلاة منهى عنها في هذه الساعات‏؟‏ عند الشافعي بل المنهى عنها إنما هي الصلوات التي لا سبب لها، وأما ذوات الأسباب من الصلوات فهي جائزة عنده في هذه الساعات، والصلاة على الجنازة من ذوات الأسباب‏.‏

703- باب ما جاء في الصّلاَةِ على الأطْفَال

1025- حدثنا بِشْرُ بنُ آدَمَ ابنِ بِنْتِ أزْهَرَ السّمّان البصري حدثنا إسماعيلُ بنُ سَعِيدِ بن عُبْيدِ الله حدثنا أبي عن زِيَادِ بنِ جُبَيْرِ بنِ حَيّةَ عن أبيهِ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الرَاكِبُ خَلْفَ الجَنَازَةِ، والمَاشِي حَيْثُ شَاءَ منْهَا، والطّفْلُ يُصَلّي عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ رواه إسْرَائِيلُ وغَيْرُ وَاحِدٍ عن سَعيدِ بنِ عُبَيْدِ الله والعملُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ قالُوا يُصَلّي عَلَى الطّفْلِ وإنْ لَمْ يَستَهِلّ بَعْدَ أَنْ يُعَلَمَ أَنّهُ خُلِقَ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان‏)‏ قال في التقريب‏:‏ بشر بن آدم بن يزيد البصرى أبو عبد الرحمن ابن بنت أزهر السمان صدوق فيه لين من العاشرة انتهى‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ روى عن جده لأمه أزهر السمان وابن مهدي وزيد بن الحباب وعنه دت عس ق‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ ليس بقوي‏.‏ وقال النسائي لا بأس به ‏(‏عن زياد بن جبير بن حية‏)‏ بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتانية المفتوحة ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الراكب خلف الجنازة‏)‏ أي يمشي خلفها ‏(‏والماشي حيث شاء منها‏)‏ أي يمشي حيث أراد من الجنازة خلفها أو قدامها أو يمينها أو شمالها، زاد في رواية أبي داود‏:‏ قريباً منها ‏(‏والطفل يصلى عليه‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الطفل بالكسر الصغير من كل شيء والمولود‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ والسقط يصلي عليه ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة‏.‏ قال في القاموس‏:‏ السقط مثلثة، الولد لغير تمام انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وصححه ابن حبان وأخرجه الحاكم بلفظ‏:‏ السقط يصلى عليه ويدعي لوالديه بالعافية والرحمة‏.‏ قال الحاكم صحيح على شرط البخاري لكن رواه الطبراني موقوفاً على المغيرة وقال لم يرفعه سفيان، ورجح الدارقطني في العلل الموقوف كذا في التلخيص‏.‏ والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ وفي الباب أيضاً عن علي أخرجه ابن عدي في ترجمة عمرو بن خالد وهو متروك‏.‏ ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن عدي أيضاً من رواية شريك عن ابن إسحاق عن عطاء عنه، وقواه ابن طاهر في الذخيرة، وقد ذكره البخاري من قول الزهري تعليقاً، ووصله ابن أبي شيبة‏.‏ وأخرج ابن ماجه من رواية البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم‏.‏ إسناده ضعيف كذا في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا‏:‏ يصلى على الطفل وإن لم يستهل بعد أن يعلم أنه خلق وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ قال الخطابي في المعالم‏:‏ اختلف الناس في الصلاة على السقط، فروى عن ابن عمر أنه قال‏:‏ يصلى عليه وإن لم يستهل، وبه قال ابن سيرين وابن المسيب‏.‏ وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كل ما نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر وعشر صلى عليه‏.‏ وقال إسحاق‏:‏ إنما الميراث بالاستهلال فأما الصلاة فإنه يصلى عليه لأنه نسمة تامة قد كتب عليها الشقاوة والسعادة فلأي شيء تترك الصلاة عليه‏.‏ وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ إذا استهل ورث وصلى عليه‏.‏ وعن جابر‏:‏ إذا استهل صلى عليه وإن لم يستهل لم يصل عليه‏.‏ وبه قال أصحاب الرأي، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي انتهى كلام الخطابي وما ذهب إليه أحمد وإسحاق رجحه العلامة ابن تيمية في المنتقى حيث قال‏:‏ وإنما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح وهو أن يستكمل أربعة أشهر، فأما إن سقط لدونها فلا لأنه ليس بميت إذ لم ينفخ فيه روح‏.‏ وأصل ذلك حديث ابن مسعود قال‏:‏ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق‏:‏ إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح‏.‏ متفق عليه انتهى‏.‏

قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام ابن تيمية هذا‏:‏ ومحل الخلاف فيمن سقط بعد أربعة أشهر ولم يستهل، وظاهر حديث الاستهلال أنه لا يصلى عليه وهو الحق لأن الاستهلال يدل على وجود الحياة قبل خروج السقط كما يدل على وجودها بعده، فاعتبار الاستهلال من الشارع دليل على أن الحياة بعد الخروج من البطن معتبرة في مشروعية الصلاة على الطفل وأنه لا يكتفي بمجرد العلم بحياته في البطن فقط، انتهى كلام الشوكاني‏.‏