فصل: 704- باب ما جَاءَ في تَرْكِ الصّلاَةِ علَى الجنين حَتى يَسْتهِل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


704- باب ما جَاءَ في تَرْكِ الصّلاَةِ علَى الجنين حَتى يَسْتهِل

1026- حدثنا أبُو عَمّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ حدثنا محمدُ بنُ يَزِيدَ الواسطي عن إسماعيلَ بنِ مُسْلِمٍ المكي عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الطّفْلُ لاَ يُصَلّي عَلَيْهِ ولاَ يَرِثُ ولاَ يُورَثُ حَتّى يَستَهِلّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ قد اضْطَرَبَ النّاسُ فيهِ، فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعاً‏.‏ ورَوَى أشْعَثُ بنُ سَوّارٍ وَغَيْرُ واحِدٍ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ مَوْقوفاً‏.‏ وروى محمد بن اسحاق عن عطاء بن ابي رباح عن جابر موقوفاً وكَأَنّ هذا أصَحّ مِنَ الحَدِيثِ المَرْفُوعِ‏.‏ وقد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إلى هذا قَالُوا لا يُصَلّى على الطّفْلِ حَتّى يَسْتَهِلّ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سفيَانُ الثورِيّ والشّافَعِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل‏)‏ قال في النهاية‏:‏ استهلال الصبي تصويته عند ولادته انتهى وكذا في المجمع، وفيه أراد العلم بحياته بصياح أو اختلاج أو نفس أو حركة أو عطاس انتهى‏.‏ وقال ابن الهمام‏:‏ الاستهلال أن يكون منه ما يدل على الحياة من حركة عضو أو رفع صوت انتهى‏.‏ وقد أخرج البزار عن ابن عمر مرفوعاً‏:‏ استهلال الصبي العطاس‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وإسناده ضعيف انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث قد اضطرب الناس فيه الخ‏)‏ قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث‏.‏ أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وفي إسناده إسماعيل المكي عن أبي الزبير عنه أي عن جابر رضي الله عنه وهو ضعيف‏.‏ قال الترمذي‏:‏ رواه أشعث وغير واحد عن أبي الزبير عن جابر موقوفاً وكأن الموقوف أصح، وبه جزم النسائي، وقال الدارقطني في العلل‏:‏ لا يصح رفعه، وقد روى عن شريك عن أبي الزبير مرفوعاً ولا يصح ورواه ابن ماجه من طريق الربيع بن بدر عن أبي الزبير مرفوعاً، والربيع ضعيف‏.‏ ورواه ابن أبي شيبة من طريق أشعث بن سوار عن أبي الزبير موقوفاً، ورواه النسائي أيضاً وابن حبان في صحيحه والحاكم من طريق إسحاق الأزرق عن سفيان الثورى عن أبي الزبير عن جابر وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووهم لأن أبا الزبير ليس من شرط البخاري وقد عنعن فهو علة هذا الخبر إن كان محفوظاً عن سفيان الثورى، ورواه الحاكم أيضاً من طريق المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير مرفوعاً وقال لا أعلم أحداً رفعه عن أبي الزبير غير المغيرة، وقد وقفه ابن جريج وغيره ورواه أيضاً من طريق بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير مرفوعاً‏.‏ انتهى ما في التلخيص ‏(‏وكأن هذا أصح من المرفوع‏)‏ قال القاري في المرقاة بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ وأنت سمعت غير مرة أن المختار في تعارض الوقف والرفع تقديم الرفع لا الترجيح بالأحفظ والأكثر بعد جود أصل الضبط والعدالة‏.‏ انتهى كلام القاري، قلت هذا ليس بمجمع عليه ثم قد عرفت ما فيه من المقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول الثورى والشافعي‏)‏ وبه قال أصحاب الرأي، وهو قول مالك والأوزاعي كما عرفت في كلام الخطابي‏.‏ وقال الشوكاني‏:‏ هو الحق وقد تقدم كلامه‏.‏

705- باب ماَ جَاءَ في الصّلاَةِ عَلَى المَيّتِ في المَسْجِد

1027- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ محمدٍ عن عَبْدِ الْوَاحِدِ بنِ حَمْزَةَ عن عَبّادِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عن عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏صَلّى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيْلِ بنِ بَيْضَاءِ في المَسجِدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ والعملُ على هذا عِنْدَ بعضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ قالَ الشّافعِيّ‏:‏ قالَ مالِكٌ لا يُصَلّى على المَيّتِ في المَسْجِدِ‏.‏ وقالَ الشّافِعِيّ‏:‏ يُصَلّى عَلَى المَيّتِ في المَسْجِدِ واحْتَجّ بِهَذَا الحَدِيثِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء في المسجد‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه‏.‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ بنو البيضاء ثلاثة إخوة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء واسمها وعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب عن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الاسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الشافعي قال مالك لا يصلي على الميت في المسجد‏)‏ وهو قول ابن أبي ذئب وأبي حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت، واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له‏.‏ رواه أبو داود وسيجيء بيان ما فيه من الكلام‏.‏ واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة رضي الله عنها كانوا من الصحابة‏.‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها، فدل على أنها حفظت ما نسوه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الشافعي يصلى على الميت في المسجد واحتج بهذا الحديث‏)‏ وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول الجمهور واستدلوا بحديث الباب، واستدل لهم أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي بالمصلى كما في صحيح البخاري، وللمصلي حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه بدليل حديث أم عطية‏:‏ ويعتزل الحيض المصلي‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري‏:‏ وقد روى ابن أبي شيبة وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيباً صلى على عمر في المسجد، زاد في رواية‏:‏ ووضعت الجنازة تجاه المنبر، وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك انتهى‏.‏ قلت‏:‏ والحق هو الجواز، وأما حديث أبي داود المذكور فأجيب عنه بأجوبة قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أجابوا عنه بأجوبة أحدها أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به‏.‏ قال أحمد بن حنبل‏:‏ هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف‏.‏ الثاني‏:‏ أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي داود‏:‏ من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه‏.‏ ولا حجة لهم حينئذ فيه‏.‏ الثالث‏:‏ أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه قال فلا شيء له لوجب تأويله على‏:‏ فلا شيء عليه ليجمع بين الروايتين وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء وقد جاء له بمعنى عليه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن أسأتم فلها‏}‏‏.‏ الرابع‏:‏ أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه انتهى كلام النووي قلت‏:‏ الظاهر أن حديث أبي داود حسن‏:‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ صالح بن نبهان المدني مولى التوأمة صدوق اختلط بآخره‏.‏ قال ابن عدي لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج انتهى‏.‏ وروى أبو داود هذا الحديث من طريق ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة‏.‏ وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيباً صلى على عمر رضي الله عنه في المسجد ولم ينكر أحد من الصحابة على عمر ولا على صهيب فوقع إجماع الصحابة رضي الله عنهم على جواز الصلاة على الميت في المسجد‏.‏ فلا بد من تأويل حديث أبي داود المذكور على تقدير أنه حسن والله تعالى أعلم‏.‏

706- باب ما جَاء أيْنَ يَقُومُ الإمَامُ مِنْ الرّجُل والمَرْأَةِ‏؟‏

1028- حدثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ عن سَعِيدٍ بنِ عَامِرٍ عن هَمامٍ عن أبي غَالِبٍ قال صلّيت مع انس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثُمّ جَاؤوا بِجَنَازَةِ امْرَأَةِ مِنْ قُرَيْشٍ‏.‏ فقَالُوا يا أبَا حَمْزَةَ صَلّ عَلَيْهَا فقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السّريرِ، فقالَ لَهُ العَلاَءُ بنُ زِيَادٍ‏:‏ هَكَذَا رَأَيْتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَامَ على الجَنَازَةِ مَقَامَكَ مِنْهَا ومِنَ الرّجُلِ مقَامَكَ مِنْهُ‏؟‏ قالَ نَعَمْ، فَلَمّا فَرَغَ قالَ احْفَظُوا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن سَمُرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أنَسٍ هذاحديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عن هَمّامٍ مِثْلَ هذا‏.‏ وَرَوَى وَكِيعٌ هذا الحَدِيثَ عن هَمّامٍ فَوَهِمَ فيهِ فقالَ عن غَالِبٍ عن أَنَسٍ والصّحِيحُ عن أبي غَالِبٍ‏.‏ وقد رَوَى هذا الحَدِيثَ عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ عن أبي غَالِبٍ مِثْلَ رِوَايَةِ همّامٍ‏.‏ واخْتَلَفوا في إسْم أبي غَالِبٍ هذا فقَالَ بَعْضُهُمُ يقال اسمُهُ نَافِعٌ ويُقَالُ رَافِعٌ‏.‏ وقد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إلى هذا‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسْحَاقَ‏.‏

1029- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْر أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ و الفَضْلُ بنُ مُوسَى عن حُسَيْنٍ المُعَلّمِ عن عَبْدِ الله بن بُرَيْدَةَ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صَلّى على امْرَأَةٍ فقَامَ وَسَطَهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رَوَاه شُعْبَةُ عن حُسَيْنٍ المُعَلّمِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على جنازة رجل‏)‏ أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما في رواية أبي داود ‏(‏فقام حيال رأسه‏)‏ بكسر الحاء أي حذاءه ومقابله ‏(‏بجنازة امرأة من قريش‏)‏ وفي رواية أبي داود المرأة الأنصارية‏.‏ قال القاري‏:‏ فالقضية إما متعددة وإما متحدة فتكون المرأة قرشية أنصارية انتهى ‏(‏فقالوا‏)‏ أي أولياؤها ‏(‏يا أبا حمزة‏)‏ كنية أنس رضي الله عنه ‏(‏فقام حيال وسط السرير‏)‏ بسكون السين وفتحه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الوسط بالسكون يقال فيما كان متفرق الأجزاء كالناس والدواب وغير ذلك، وما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح، وقيل كل منهما يقع موقع الاَخر وكأنه أشبه‏.‏ وقال صاحب المغرب‏:‏ الوسط بالفتح كالمركز للدائرة وبالسكون داخل الدائرة، وقيل ما يصلح فيه بين فبالفتح وما لا فبالسكون انتهى‏.‏ ووقع في رواية أبي داود فقام عند عجيزتها‏.‏ قال في النهاية‏:‏ العجيزة العجز وهي للمرأة خاصة والعجز مؤخر الشيء ‏(‏هكذا رأيت‏)‏ بحذف حرف الاستفهام ‏(‏قام على الجنازة‏)‏ أي من المرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سمرة‏)‏ رواه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ورجال إسناده ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واختلفوا في اسم أبي غالب هذا الخ‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أبو غالب الباهلي مولاهم الخياط اسمه نافع أو رافع ثقة من الخامسة ‏(‏وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا‏)‏ أي إلى أن الإمام يقوم حذاء رأس الرجل وحذاء عجيزة المرأة ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول الشافعي وهو الحق وهو رواية عن أبي حنيفة‏.‏ قال في الهداية‏:‏ وعن أبي حنيفة أنه يقوم من الرجل بحذاء رأسه ومن المرأة بحذاء وسطها لأن أنساً فعل كذلك وقال هو السنة انتهى‏.‏ ورجح الطحاوي قول أبي حنيفة هذا على قوله المشهور حيث قال في شرح الآثار‏:‏ قال أبو جعفر والقول الأول أحب إلينا لما قد شده الاثار التي روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏ وذهب الحنفية إلى أن الإمام يقوم بحذاء صدر الميت رجلاً كان أو امرأة، وهو قول أبي حنيفة المشهور‏.‏ وقال مالك‏:‏ يقوم حذاء الرأس منهما، ونقل عنه أن يقوم عند وسط الرجل وعند منكبي المرأة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ حذاء رأس الرجل وثدي المرأة واستدل بفعل علي رضي الله عنه‏.‏ وقال بعضهم إنه يستقبل صدر المرأة وبينه وبين السرة من الرجل‏.‏

قال الشوكاني بعد ذكر هذه الأقوال‏:‏ وقد عرفت أن الأدلة دلت على ما ذهب إليه الشافعي وأن ما عداه لا مستند له من المرفوع إلا مجرد الخطأ في الاستدلال أو التعويل على محض الرأي أو ترجيح ما فعله الصحابي على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل‏.‏ نعم لا ينتهض مجرد الفعل دليلاً للوجوب، ولكن النزاع فيما هو الأولى والأحسن ولا أولى ولا أحسن من الكيفية التي فعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم، انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام وسطها‏)‏ المراد بوسطها عجيزتها كما يدل عليه رواية أبي داود‏.‏ وأما قول الشيخ ابن الهمام‏:‏ هذا لا ينافي كونه الصدر بل الصدر وسط باعتبار توسط الأعضاء إذ فوته يداه ورأسه وتحته بطنه وفخذاه، ويحتمل أنه وقف كما قلنا إلا أنه مال إلى العورة في حقها فظن الراوي ذلك لتقارب المحلين فما لا التفات إليه بعد ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم حذاء رأس الرجل وحذاء عجيزة المرأة قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

707- باب ما جَاءَ في تَرْكَ الصّلاةِ على الشّهِيد

‏(‏باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد‏)‏ المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار ففي الصلاة عليه اختلاف مشهور كما ستقف عليه

1030- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن ابنِ شِهَاب عن عَبْدِ الرحمَنِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكِ أنّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله أخْبَرَهُ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ في الثّوْبِ الوَاحِدِ ثُمّ يَقُولُ‏:‏ أَيُهُمَا أَكْثَرُ أخذاً لِلقُرْآنِ‏؟‏ فإِذَا أُشِيرَ لهُ إلى أَحَدِهِمَا قَدّمَهُ في اللّحْدِ، وقال أَنَا شَهِيدٌ على هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ‏"‏ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ في دِمَائِهِمْ، ولَمْ يُصَلّ عَلَيْهِمْ، ولَمْ يُغَسّلُوا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ جَابِرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ هذا الحَدِيثُ عن الزهْرِيّ عن أنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ ورُوِيَ عن الزّهْرِيّ عن عَبْدِ الله بن ثَعْلَبَةَ بن أبي صُعَيْرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ومِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ عن جَابِرٍ‏.‏ وقد اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ في الصّلاَةِ على الشّهِيدِ فقالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لا يُصَلّى على الشّهِيدِ وهُوَ قَوْلُ أَهْلِ المَدِينَةِ، وبِهِ يَقُولُ الشّافِعِيّ وأَحمدُ‏.‏

وقالَ بَعْضُهُمْ يُصَلّى على الشهِيدِ، واحْتَجّوا بِحَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ صَلّى على حَمْزَةَ وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وأهْلِ الكُوفَةِ‏.‏ وبهِ يَقُولُ إسْحَاقُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد‏)‏ أي للضرورة ولا يلزم منه تلاقي بشرتهما إذ يمكن حيلولتهما بنحو إذخر مع احتمال أن الثوب كان طويلاً فأدرجا فيه ولم يفصل بينهما لكونهما في قبر واحد ‏(‏أيهما أكثر حفظاً للقرآن‏)‏ وفي بعض النسخ‏:‏ أخذاً للقرآن ‏(‏قدمه‏)‏ أي ذلك الأحد ‏(‏في اللحد‏)‏ بفتح اللام وسكون الحاء أي الشق في عرض القبر جانب القبلة ‏(‏فقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة‏)‏ في المرقاة قال المظهر‏:‏ أي أنا شفيع لهم وأشهد أنهم بذلوا أرواحهم في سبيل الله انتهى‏.‏ وأشار إلى أن على بمعنى اللام‏.‏ قال الطيبي‏:‏ تعديته بعلى تدفع هذا المعنى ويمكن دفعه بالتضمين، ومنه قوله تعالى ‏(‏والله على كل شيء شهيد‏)‏ انتهى ما في المرقاة مختصراً ‏(‏ولم يصل عليهم‏)‏ قال الحافظ في فتح الباري‏:‏ هو مضبوط في روايتنا بفتح اللام وهو اللائق بقوله بعد ذلك ولم يغسلوا وسيأتي بعد ما بين من وجه آخر عن الليث بلفظ‏:‏ ولم يصل عليهم ولم يغسلهم وهذه بكسر اللام والمعنى ولم يفعل ذلك بنفسه ولا بأمره‏.‏ انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس بن مالك‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بلفظ‏:‏ إن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث جابر حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى هذا الحديث عن الزهري عن أنس‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي من طريق أسامة بن زيد الليثي، وأسامة سيء الحفظ، وقد حكى الترمذي في العلل عن البخاري أن أسامة غلط في إسناد كذا في فتح الباري ‏(‏وروى عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير عن النبي الخ‏)‏ أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحارث كلهم عن ابن شهاب عن عبد الله له رواية، فحديثه من حيث السماع مرسل، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فزاد فيه جابراً فيحمل على أن الحديث عند الزهري عن شيخين كذا في فتح الباري‏.‏ والمراد بقوله عن شيخين عبد الرحمن بن كعب كما في رواية الباب وعن عبد الله بن ثعلبة كما في رواية أحمد والطبراني ‏(‏ومنهم من ذكره عن جابر‏)‏ كما في رواية عبد الرزاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم لا يصل على الشهيد وهو قول أهل المدينة وبه يقول الشافعي وأحمد‏)‏ قال الشافعي في الأم‏:‏ جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد وما روى أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه، قال‏:‏ وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعني والمخالف يقول لا يصلى على القبر إذا طالت المدة‏.‏ قال وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين قرب أجله مودعاً لهم بذلك ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت انتهى‏.‏ قلت‏:‏ أخرج البخاري في صحيحه في غزوة أحد عن عقبة بن عامر قال‏:‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ‏(‏وقال بعضهم‏:‏ يصلى على الشهيد، واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على حمزة وهو قول الثورى وأهل الكوفة وبه يقول إسحاق‏)‏ حديث الصلاة على حمزة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه الحاكم من حديث جابر قال‏:‏ فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين جاء الناس من القتال فقال رجل رأيته عند تلك الشجيرات، فلما رآه ورأى ما مثل به شهق وبكى فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ثم جيء بحمزة فصلى عليه الحديث، وفي إسناده أبو حماد الحنفي وهو متروك‏.‏ وأخرج أبو داود في المراسيل والحاكم من حديث أنس قال‏:‏ مر النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مثل به ولم يصل على أحد من الشهداء غيره، وأعله البخاري والترمذي والدارقطني بأنه غلط فيه أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن أنس، ورجحوا رواية الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر‏.‏ وأخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال‏:‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجى ببردة ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ثم أتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فيصلي عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة، وفي إسناده رجل مبهم لأن ابن إسحاق قال حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس قال السهيلي إن كان الذي أبهمه ابن إسحاق هو الحسن بن عمارة فهو ضعيف وإلا فهو مجهول لا حجة فيه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الحامل للسهيلي على ذلك ما وقع في مقدمة مسلم عن شعبة أن الحسن بن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد فسألت الحكم فقال لم يصل عليهم انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ لكن حديث ابن عباس روى من طريق أخرى فذكرها‏.‏ واعلم أن في الصلاة على قتلى أحد وعلى حمزة أحاديث أخرى لكن لا يخلو واحد منها عن كلام‏.‏ قال ابن تيمية في المنتقى‏:‏ وقد رويت الصلاة عليهم يعني على شهداء أحد بأسانيد لا تثبت انتهى‏.‏

ثم اعلم أنه لم يرد في شيء من الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء بدر ولا أنه لم يصل عليهم، وكذلك في شهداء سائر المشاهد النبوية إلا ما روى النسائي في سننه والطحاوي عن شداد بن الهاد رضي الله عنه أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه الحديث، وفيه ولكنى اتبعتك على أن أرمي إلى ههنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو‏؟‏ قالوا نعم، قال صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك‏.‏ وما روى أبو داود في سننه عن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فضربه فأخطأه وأصاب نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات، فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه، فقالوا يا رسول الله أشهيد هو‏؟‏ قال نعم وأنا له شهيد‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده سلام بن أبي سلام وهو مجهول‏.‏ وقال أبو داود بعد إخراجه عن سلام المذكور‏:‏ إنما هو عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام انتهى‏.‏ وزيد ثقة انتهى ما في النيل وقد استدل بهذين الحديثين أيضاً لمن قال بالصلاة على الشهيد‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ أما حديث أبي سلام فلم أقف للمانعين من الصلاة على جواب عليه وهو من أدلة المثبتين لأنه قتل في المعركة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه شهيداً وصلى عليه‏.‏ نعم لو كان النفي عاماً غير مقيد بوقعة أحد ولم يرد في الإثبات غير هذا الحديث لكان مختصاً بمن قتل مثل صفته انتهى‏.‏ وأما حديث شداد بن الهاد فهو أيضاً من أدلة المثبتين فإنه قتل في المعركة وسماه شهيداً وصلى عليه‏.‏ ولكن حمل البيهقي هذا على أنه لم يمت في المعركة‏.‏ قلت والظاهر عندي أن الصلاة على الشهيد ليست بواجبة فيجوز أن يصلي عليها ويجوز تركها والله تعالى أعلم‏.‏ وروى الماوردي عن أحمد الصلاة على الشهيد أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأ، ذكره الحافظ في الفتح‏.‏ واختار الشوكاني الصلاة على الشهيد وأجاب عن كلام الإمام الشافعي الذي ذكره في الأم‏.‏

فائدة‏:‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله والصلاة عليه هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك، فعند الشافعي أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار، وخرج بقوله في المعركة من جرح في المعركة وعاش بعد ذلك حياة مستقرة، وخرج بحرب الكفار من مات في قتال المسلمين كأهل البغي، وخرج بجميع ذلك من يسمى شهيداً بسبب غير السبب المذكور‏.‏ ولا خلاف أن من جمع هذه القيود شهيد‏.‏ وروى عّ‏"‏ءرص ‏(‏و‏.‏

708- باب ما جَاءَ في الصّلاَةِ عَلَى القَبْر

1031- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا هُشَيْمٌ حدثنا الشّيْبَانِيّ أخبرنا الشّعْبِيّ‏:‏ ‏"‏أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَرَأَى قَبْراً مُنْتَبِذاً فَصَفّ أَصْحَابَهُ خلفه فَصَلَى عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ من أَخْبَرَكَم‏؟‏ فقالَ ابنُ عَبّاسٍ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أَنَسٍ وبُرَيْدَةَ ويَزِيدَ بنِ ثابِتٍ وأبي هُرَيْرَةَ وعَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ وأبي قَتَادَةَ وسَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحمد وإسحاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ لا يُصَلّى على القَبْرِ، وهُو قَوْلُ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ‏.‏ وقالَ عبد الله بنُ المُبَارَكِ‏:‏ إذَا دُفِنَ المَيّتُ ولَمْ يُصَلّ عَلَيْهِ صُلّيَ عَلى القَبْرِ‏.‏ ورَأَى ابنُ المُبارَكِ الصّلاَةَ على القَبْرِ‏.‏ وقالَ أَحمدُ وإسحاقُ يُصَلّي على القَبْرِ إلى شَهْرٍ، وقالا أكْثَرُ مَا سَمِعْنَا عن ابنِ المُسَيّبِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صَلّى على قَبْرِ أُمّ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ بَعْدَ شَهْر‏.‏

1032- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عن سَعِيدِ بنِ أبي عَروبَةَ عن قَتَادَةَ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ ‏"‏أنّ أُمّ سَعْدِ مَاتَتْ والنبيّ صلى الله عليه وسلم غَائِبٌ فَلَمّا قَدِمَ صَلّى عَلَيْهَا وقد مَضَى لذَلِكَ شَهْرٌ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الشيباني‏)‏ هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني ‏(‏أخبرنا الشعبي‏)‏ هو عامر بن شراحيل الشعبي من كبار التابعين قال‏:‏ أدركت خمسمائة من الصحابة ‏(‏ورأى قبراً منتبذاً‏)‏ قال في النهاية أي منفرداً عن القبور بعيداً عنها ‏(‏فصف أصحابه فصلى عليه‏)‏ أي على القبر، وفي رواية البخاري‏:‏ فأمهم وصلوا خلفه ‏(‏فقيل له‏)‏ أي للشعبي ‏(‏من أخبرك‏)‏ أي بهذا الحديث ‏(‏فقال ابن عباس‏)‏ أي فقال الشعبي أخبرني ابن عباس‏.‏ وفي رواية البخاري‏:‏ قلت من حدثك هذا يا أبا عمرو‏؟‏ قال ابن عباس‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ القائل هو الشيباني والمقول له هو الشعبي‏.‏ قال وسياق الطرق الصحيحة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه في صبيحة دفنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه البزار ‏(‏وبريدة‏)‏ أخرجها البيهقي ‏(‏ويزيد بن ثابت‏)‏ أخرجه أحمد والنسائي ص 326 ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وعامر بن ربيعة‏)‏ أخرجه ابن ماجه ‏(‏وأبي قتادة‏)‏ أخرجه البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر البراء، وفي رواية بعد شهر كذا في النيل ‏(‏وسهل بن حنيف‏)‏ أخرجه ابن عبد البر في كتابه التمهيد‏.‏ قال الإمام أحمد‏:‏ رويت الصلاة على القبر من النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ بل من تسعة كلها حسان وساقها كلها بأسانيده في تمهيده من حديث سهل بن حنيف وأبي هريرة وعامر بن ربيعة وابن عباس وزيد بن ثابت الخمسة في صلاته على المسكينة، وسعد بن عبادة في صلاة المصطفى على أم سعد بعد دفنها بشهر، وحديث الحصين بن وحوح في صلاته على قبر طلحة بن البراء‏.‏ وحديث أبي أمامة بن ثعلبة أنهصلى الله عليه وسلم رجع من بدر وقد توفيت أم أبي أمامة فصلى عليها، وحديث أنس أنه صلى على امرأة بعد ما دفنت وهو محتمل للمسكينة وغيرها، وكذا ورد من حديث بريدة عند البيهقي وسماها محجنة، كذا في التعليق الممجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا‏)‏ أي على مشروعية الصلاة على القبر ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ سواء صلى على الميت أو لا وهو قول الجمهور انتهى‏.‏ واستدلوا بأحاديث الباب ‏(‏وقال بعض أهل العلم‏:‏ لا يصلى على القبر وهو قول مالك بن أنس‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ ومنعه النخعي ومالك وأبو حنيفة وعنهم إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع وإلا فلا‏.‏ وأجابوا عن أحاديث الباب بأن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم، واستدلوا على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم‏:‏ إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم‏.‏ قالوا صلاته صلى الله عليه وسلم كانت لتنوير القبر‏.‏ وقالا يوجد في صلاة غيره فلا يكون الصلاة على القبر مشروعاً‏.‏ وأجاب ابن حبان عن ذلك بأن في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره وأنه ليس من خصائصه‏.‏ وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلاً للأصالة‏.‏ ومن جملة ما أجاب به الجمهور عن هذه الزيادة، أنها مدرجة في هذا الإسناد وهي من مراسيل ثابت، بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج‏.‏ قال البيهقي‏:‏ يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وقع في حديث يزيد بن ثابت عند النسائي قال‏:‏ لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا يعني آذنتموني به فإن صلاتي له رحمة‏.‏ وهذا ليس بمرسل وأجاب الشوكاني بأن الاختصاص لا يثبب إلا بدليل ومجرد كون الله ينور القبور بصلاته صلى الله عليه وسلم على أهلها لا ينفي مشروعية الصلاة على القبر لغيره لا سيما بعد قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن المبارك إذا دفن الميت ولم يصل عليه الخ‏)‏ قال الشوكاني في النيل‏:‏ وأما من لم يصل عليه ففرض الصلاة عليه الثابت بالأدلة وإجماع الأمة باق، وجعل الدفن مسقطاً لهذا الفرض محتاج إلى دليل‏.‏ قال وقد استدل بحديث الباب يعني حديث ابن عباس المذكور على رد قول من فصل فقال‏:‏ يصلى على قبر من لم يكن قد صلى عليه قبل الدفن لا من كان قد صلى عليه لأن القصة وردت فيمن قد صلى عليه والمفصل هو بعض المانعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد وإسحاق‏:‏ يصلى على القبر إلى شهر‏)‏ قال الأمير اليماني في سبل السلام ص 194‏:‏ واختلف القائلون بالصلاة على القبر في المدة التي شرعت فيها الصلاة فقيل إلى شهر بعد دفنه، وقيل إلى أن يبلى الميت لأنه إذا بلى لم يبق ما يصلى عليه، وقيل أبداً لأن المراد من الصلاة عليه الدعاء وهو جائز في كل وقت‏.‏ قال‏:‏ هذا هو الحق إذ لا دليل على التحديد بمدة انتهى‏.‏ قلت استدل أحمد وإسحاق وغيرهما ممن قال إلى شهر بحديث سعيد بن المسيب الذي رواه الترمذي في هذا الباب‏.‏ قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره‏:‏ ورواه البيهقي وإسناده مرسل صحيح انتهى‏.‏ وروى الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر، وروى عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد ثلاث‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر الاقتصار على المدة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما القياس على مطلق الدعاء وتجويزه في كل وقت ففيه نظر كما لا يخفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت الخ‏)‏ هذا مرسل وقد عرفت آنفاً أنه رواه البيهقي وإسناده مرسل صحيح‏.‏

709- باب مَا جَاء في صَلاَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم على النجَاشِي

‏(‏باب ما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي‏)‏ هو من سادات التابعين أسلم ولم يهاجر وهاجر المسلمون إليه إلى الحبشة مرتين وهو يحسن إليهم، وأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بكتابين أحدهما يدعوه فيه إلى الإسلام والثاني يطلب منه تزويجه بأم حبيبة، فأخذ الكتاب ووضعه على عينيه وأسلم وزوجه أم حبيبة، وأسلم على يده عمرو بن العاص قبل أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم فصار يلغز به فيقال صحابي كثير الحديث أسلم على يد تابعي كذا في ضياء الساري‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ هو بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين ثم ياء ثقيلة كياء النسب وقيل بالتخفيف، ولقب من ملك الحبشة‏.‏ وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه انتهى‏.‏ قلت‏:‏ كما يقال لمن ملك الفرس كسرى ولمن ملك الروم قيصر كذلك يقال لمن ملك الحبشة النجاشي، وكان اسمه أصحمة، في صحيح البخاري في هجرة الحبشة من طريق ابن عيينة عن ابن جريج فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة

1033- حدثنا أبو سَلَمَةَ يَحْيَى بنِ خَلَفٍ و حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ قالا حدثنا بِشْرُ بنُ المفَضّلِ حدثنا يونس بنُ عُبَيْدٍ عن محمدِ بنِ سِيرِينَ عن أبي المُهَلّبِ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قالَ‏:‏ قالَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ أخَاكُمْ النّجَاشِيّ قد مَاتَ فَقُومُوا فَصَلّوا عَلَيْهِ‏.‏ قالَ‏:‏ فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا كَمَا يُصَفّ على المَيّتِ وَصَلّيْنَا عليه كَمَا يُصَلّى على المَيّتِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله وأبي سَعِيدٍ وحُذْيْفَةَ بنِ أسِيدٍ وجَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ‏.‏ وقد رَوَاهُ أبُو قِلاَبَةَ عن عَمّهِ أبي المُهَلّبِ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏ وأبو المُهَلّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرحمَنِ بن عَمْرٍو ويُقَالُ لَهُ مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أخاكم النجاشي قد مات‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش، وفي رواية أبي هريرة عند البخاري‏:‏ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وفيه علم من أعلام النبوة لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة ‏(‏وصلينا عليه كما يصلى على الميت‏)‏ استدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف حتى قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه، وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك‏.‏

وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب من قصة النجاشي بأمور منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة عليه لذلك، ومن ثم قال الخطابي لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته ليس بها من يصلى عليه واستحسنه الروياني من الشافعية، وبه ترجم أبو داود في السنن الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر‏:‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ هذا محتمل إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد‏.‏ ومنها أنه كشف له صلى الله عليه وسلم عنه حتى رآه فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون ولا خلاف في جوازها‏.‏ وأجيب عنه بأن هذا يحتاج إلى نقل صحيح صريح ولم يثبت‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد روى عن ابن عباس قال‏:‏ كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه، وأخرج ابن حبان عن عمران بن حصين قصة الصلاة على النجاشي وفي روايته‏:‏ فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه، ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره عن يحيى‏:‏ فصلينا خمسة ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا‏.‏

قلت‏:‏ أما رواية ابن عباس فقد ذكرها الواقدى في أسبابه بغير إسناد كما ذكره الحافظ في فتح الباري‏:‏ وأما رواية عمران بن حصين بلفظ‏:‏ وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه، وبلفظ ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا، فالمراد به أنهم صلوا عليه كما يصلون على الميت الحاضر من غير فرق‏.‏ ويدل عليه حديث الباب بلفظ‏:‏ فقمنا فصففنا كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت، وهو مروى عن عمران بن حصين‏.‏ ومنها أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت غائب، قاله الملهب‏.‏ وأجاب عنه الحافظ في الفتح فقال كأنه لم يثبت عنده قصة معاوية بن معاوية الليثي وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه انتهى‏.‏ ولمن لم يقل بالصلاة على الغائب اعتذارات أخرى ضعيفة لا حاجة إلى ذكرها والكلام عليها، قال الشوكاني بعد البحث في هذه المسألة ما لفظه‏:‏ والحاصل أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيء يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلى عليه فيها وهو أيضاً جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر انتهى‏.‏ قلت الكلام في هذه المسألة طويل مذكور في فتح الباري وغيره فعليك أن تراجعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وحذيفة بن أسيد وجرير بن عبد الله‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث أبي سعيد وحذيفة وجرير فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي ‏(‏وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن بن عمرو الخ‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ أبو المهلب الجرمي البصري عم أبي قلابة فذكر الاختلاف في اسمه ثم قال ثقة من الثانية‏.‏

710- باب ما جَاءَ في فَضْلِ الصّلاةِ على الجَنَازَة

1034- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن محمدِ بنِ عَمْرو حدثنا أبو سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ صَلّى على جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، ومَنْ تَبعَهَا حَتّى يُقْضَي دَفْنُهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ أَحَدُهُمَا أَوْ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ‏"‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لابنِ عُمرَ فَأَرْسَل إلى عَائِشَةَ فسَأَلَها عن ذَلِكَ فقَالَتْ‏:‏ صَدَقَ أبُو هُرَيْرَةَ، فقَالَ ابنُ عُمَر‏:‏ لَقَدْ فَرّطْنَا في قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ‏.‏

وفي البابِ عن البَرَاءِ وعَبْدِ الله بنِ مُغَفّلٍ وعَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وأبي سَعِيدٍ وأُبي بنِ كَعْبٍ وابنِ عُمَر وثَوْبَانَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ قد رُويَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فله قيراط‏)‏ بكسر القاف قال الجوهري‏:‏ أصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء، قال‏:‏ والقيراط نصف دانق والدانق سدس الدرهم فعلى هذا يكون القيراط جزء من اثني عشر جزء من الدرهم‏.‏ وأما صاحب النهاية فقال‏:‏ القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد في الشام جزء من أربعة وعشرين جزءاً ‏(‏حتى يقضي دفنها‏)‏ أي يفرغ من دفنها ‏(‏أحدهما أو أصغرهما‏)‏ شك من الراوي ‏(‏مثل أحد‏)‏ هذا التفسير المراد ههنا لا للفظ ‏(‏فذكرت ذلك‏)‏ هذا مقول أبي سلمة ‏(‏فرطنا‏)‏ من التفريط أي ضيعنا كما في رواية لمسلم ‏(‏في قراريط كثيرة‏)‏ جمع قيراط أي ضيعنا قراريط كثيرة من عدم المواظبة على حضور الدفن‏.‏ بين ذلك مسلم في روايته من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال‏:‏ كان ابن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن البراء الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقع لي حديث الباب يعني حديث أبي هريرة الذي ذكره الترمذي في هذا الباب من رواية عشرة من الصحابة غير أبي هريرة، وعائشة من حديث ثوبان عند مسلم، والبراء وعبد الله بن مغفل عند النسائي، وأبي سعيد عند أحمد، وابن مسعود عند أبي عوانة، وأسانيد هؤلاء الخمسة صحاح، ومن حديث أبي بن كعب عند ابن ماجه، وابن عباس عند البيهقي في الشعب، وأنس عند الطبراني في الأوسط، وواثلة بن الأصقع عند ابن عدي، وحفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال، وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

711- باب آخَر

1035- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا رَوْحٌ بنُ عُبَادَةَ حدثنا عَبّادُ بنُ مَنْصُورٍ قالَ سَمِعْتُ أَبَا المُهَزّمِ قال‏:‏ صَحِبْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَشْرَ سِنينَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً وحَمَلَهَا ثلاثَ مَرّاتٍ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقّهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بهذا الإسْنَادِ ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏ وأَبُو المُهَزّمِ إسْمُهُ يَزِيدُ بنُ سُفْيَانَ وضَعّفَه شُعْبَةُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا روح بن عبادة‏)‏ بفتح الراء وسكون الواو ثقة فاضل له تصانيف من التاسعة ‏(‏سمعت أبا المهزم‏)‏ قال في المغنى‏:‏ بمضمومة وفتح هاء وفتح زاي مشددة وهو يزيد بن سفيان انتهى‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ بتشديد الزاي المكسورة التميمي البصري اسمه يزيد وقيل عبد الرحمن بن سفيان متروك من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحملها ثلاث مرات‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ يعني يعاون الحاملين في الطريق ثم يتركها ليستريح ثم يحملها في بعض الطريق يفعل كذلك ثلاث مرات ‏(‏فقد قضى ما عليه من حقها‏)‏ أي من حق الجنازة بيان لما قال ميرك أي من جهة المعاونة لا من دين وغيبة ونحوهما انتهى‏.‏ وقد عد صلى الله عليه وسلم أن من جملة الحقوق التي للمؤمن على المؤمن أن يشيع جنازته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ لم يحكم الترمذي عليه بالضعف وهو ضعيف لأن في سنده أبا المهزم وهو متروك كما عرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضعفه شعبة‏)‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ قال مسلم‏:‏ سمعت شعبة يقول رأيت أبا المهزم ولو يعطي درهماً لوضع حديثاً انتهى‏.‏

إعلم أن أهل العلم قد اختلفوا في كيفية حمل الجنازة، فقال محمد رحمه الله في موطإه وصفته أن يبدأ الرجل فيضع يمين الميت المقدم على يمينه ثم يضع يمين الميت المؤخر على يمينه ثم يعود إلى المقدم الأيسر فيضعه على يساره، وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه انتهى‏.‏ وقال الشافعي رحمه الله‏:‏ السنة أن يحملها رجلان يضعها السابق على أصل عنقه والثاني على أعلى صدره‏.‏ واستدل للإمام أبي حنيفة بما رواه ابن ماجه عن عبيد بن بسطاس عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قال‏:‏ من اتبع جنازة فليأخذ بجوانب السرير كلها فإنه من السنة وإن شاء فليدع، ثم إن شاء فليدع ورواه أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما‏.‏ حدثنا شعبة عن منصور بن المعتمر عبيد بن بسطاس به بلفظ فليأخذ بجوانب السرير الأربعة‏:‏ ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في معجمه ورواه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة رضي الله عنه حدثنا منصور بن المعتمر به قال‏:‏ من السنة حمل الجنازة بجوانب السرير الأربعة كذا في نصب الراية‏.‏ واحتج للإمام الشافعي رحمه الله بما أخرجه ابن سعد عن شيوخ من بني عبد الأشهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بين العمودين حتى خرج به من الدار‏.‏ وأجاب صاحب الهداية عن هذا بأن ذلك كان لازدحام الملائكة‏.‏ قلت‏:‏ لا شك في أنه كان في جنازة سعد ازدحام الملائكة‏.‏ فروى سعد بإسناد صحيح عن ابن عمر رفعه قال‏:‏ لقد شهد سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك، كذا في الدراية لكن لا يلزم من هذا أن حمل جنازته بين العمودين كان لازدحامهم فتفكر‏.‏ وقد حملت جنائز عدة من الصحابة رضي الله عنه بين العمودين‏.‏ قال‏:‏ الحافظ في الدراية‏:‏ وفي الباب عن الحسن بن الحسن بن علي في جنازة جابر أخرجه الطبراني‏.‏ وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رأيت سعداً في جنازة عبد الرحمن بن عوف واضعاً السرير على كاهله بين العمودين أخرجه الشافعي‏.‏ ومن حديث أبي هريرة أنه صنع ذلك في جنازة سعد‏.‏ ومن حديث عثمان أنه صنع ذلك‏.‏ ومن طريق ابن عمر في جنازة رافع بن خديج، ومن طريق ابن الزبير في جنازة المسور بن مخرمة‏:‏ وروى ابن سعد عن مروان أنه فعل ذلك هو وأبو هريرة بجنازة حفصة بنت عمر انتهى ما في الدراية‏.‏

712- باب ما جَاءَ في القِيَامِ لِلْجَنَازَة

1036- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الّليْثُ عن ابنِ شِهَابٍ عن سَالِمٍ بنِ عَبْدِ الله عن أبيهِ عن عَامِرِ بنِ رَبِيَعَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَأخبرنا قُتَيْبَةُ أخبرنا الّليْثُ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَر عن عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إذَا رَأَيْتُمْ الجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتّى تُخَلّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ وجَابِرٍ وسَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ وقَيْسِ بنِ سَعْدٍ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1037- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيَ الجَهْضَمِيّ والحَسَنُ بنُ عَلِي الخلال الحُلْوَانِيّ قالا حدثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدثنا هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ عن يحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ‏:‏ ‏"‏أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا رَأَيْتُمْ الجَنَازَةَ فَقُومُوا لها فَمَنْ تَبِعَهَا فلاَ يَقْعُدَنّ حَتّى تُوضَعَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي سَعِيدٍ في هذا البَابِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أَحمدَ وإسْحَاقَ قالا مَنْ تَبِعَ جَنَازَة فَلاَ يَقْعُدَنّ حَتّى تُوضَعَ عن أَعْنَاقِ الرّجَالِ‏.‏ وقد رُوِيَ عن بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أَنّهُمْ كَانُوا يَتَقَدّمُونَ الجَنَازَةَ فيَقْعُدُون قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَيْهِمْ الجَنَازَةُ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها‏)‏ وفي حديث جابر عند مسلم‏:‏ إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا‏.‏ وفي حديث سهل بن حنيف وقيس بن سعد عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أليست نفساً‏؟‏ وفي حديث أنس مرفوعاً عند الحاكم فقال‏:‏ إنما قمنا للملائكة‏.‏ وفي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً عند أحند وابن حبان والحاكم‏:‏ إنما تقومون إعظاماً للذي يقبض النفوس‏.‏ ولفظ ابن حبان‏:‏ إعظاماً لله الذي يقبض الأرواح، قال الحافظ في الفتح ما محصله‏:‏ إنه لا تنافي بين هذه التعليلات لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة‏.‏ قال‏:‏ وأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن علي قال إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تأذياً بريح اليهودي‏.‏ زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش‏:‏ فأذاه ريح بخورها‏.‏ وللطبرى والبيهقي من وجه آخر عن الحسن كراهية أن تعلو رأسه‏.‏ فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة، أما أولاً فلأن أسانيدها لا تقاوم تلك في الصحة، وأما ثانياً فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي، والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تخلفكم‏)‏ بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة بعدها فاء أي تترككم وراءها ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها ‏(‏أو توضع‏)‏ أي عن مناكب الرجال‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وسهل بن حنيف‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وقيس بن سعد‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن تبعها فلا يقعدن حتى توضع‏)‏ قيل أراد به وضعها عن الأعناق ويعضده رواية الثورى حتى توضع بالأرض، وقيل حتى توضع في اللحد قاله الطيبي‏.‏ قلت‏:‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ المراد بالوضع الوضع على الأرض، ووقع في رواية عبادة‏:‏ حتى توضع في اللحد، ويرده ما في حديث البراء الطويل الذي صححه أبو عوانة وغيره‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فإنتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلسنا حوله، ووقع في رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة اختلاف، فقال الثورى عنه حتى توضع بالأرض، وقال أبو معاوية عنه حتى توضع باللحد، حكاه أبو داود ووهم رواية أبي معاوية وكذلك قال الأثرم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد في هذا الباب حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق قالا من تبع الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ اختلف الفقهاء في ذلك فقال أكثر الصحابة والتابعين باستحبابه كما نقله ابن المنذر وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، وروى البيهقي من طريق أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أن القائم مثل الحامل يعني في الأجر‏.‏ وقال الشعبي والنخعي‏:‏ يكره القعود قبل أن توضع‏.‏ وقال بعض السلف‏:‏ يجب القيام واحتج برواية سعيد عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا‏:‏ ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع، أخرجه النسائي انتهى كلام الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم كانوا يتقدمون الخ‏)‏ لم أقف على حديث صحيح يدل على ذلك والظاهر الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة هو ما ذهب إليه أحمد وإسحاق وغيرهما والله تعالى أعلم‏.‏

713- باب الرخّصَةِ في تَرْكِ القِيَامِ لَهَا

‏(‏باب في الرخصة في ترك القيام لها‏)‏ أي عند رؤية الجنازة

1038- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الّلْيثُ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عن وَاقِدٍ و ‏(‏هُوَ ابنُ عَمْروِ بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ‏)‏ عن نَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ عن مَسْعُودِ بنِ الحَكَم عن عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ أنّهُ ذُكَرَ القِيَام في الجَنَائِزِ حَتّى تُوضَعَ فقَالَ عَلِي‏:‏ ‏"‏قَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمّ قَعَدَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن الحَسَنِ بنِ عَلِيَ وابنِ عَبّاسِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عَلِي حديث حسنٌ صحيح وفيهِ رِوَايَةُ أَرْبَعَةٍ مِنَ التابِعِينَ بَعْضُهُمْ عن بَعْضٍ‏.‏ والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ قالَ الشّافِعِيّ‏:‏ وهذا أَصَحّ شَيْءٍ في هذا البابِ‏.‏ وهذا الحَدِيثُ نَاسِخٌ لِلحَدِيثِ للأوّلِ ‏"‏إِذَا رَأَيْتُمْ الجَنَازَةَ فَقُومُوا‏"‏ وقالَ أحمدُ إنْ شَاءَ قَامَ وإن شَاءَ لَمْ يَقُمْ واحْتَجّ بأَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد رُوِيَ عَنْهُ أنّهُ قَامَ ثُمّ قَعَدَ، وهَكَذَا قالَ إسْحَاقُ بنُ إبرَاهِيمَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ مَعْنَى قَوْلِ عَلِي‏:‏ ‏(‏قَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجَنَازَةِ ثُمّ قَعَدَ‏)‏‏.‏ يَقُولُ‏:‏ كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَى الجَنَازَة قام ثُمّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ فَكانَ لاَ يَقُومُ إذَا رَأَى الجَنَازَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال عليّ‏:‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد‏)‏ قال البيضاوي‏:‏ يحتمل قول علي ثم قعد أي بعد أن جاوزته وبعدت عنه، ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلاً، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب، ويحتمل أن يكون نسخاً للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر، والأول أرجح لأن احتمال المجاز يعني في الأمر أولى من دعوى النسخ انتهى كلام البيضاوي‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث‏.‏ ومن ثم قال بكراهته القيام جماعة منهم سليم الرازي وغيره من الشافعية‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب ولا يجوز أن يكون نسخاً لأن النسخ لا يكون إلا بنهي أو بترك معه نهى قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال هكذا نفعل، فقال اجلسوا وخالفوهم أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي فلو لم يكن إسناده ضعيفاً لكان حجة في النسخ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ويدل على النسخ ما رواه أحمد عن علي بلفظ قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن الحسن بن علي وابن عباس‏)‏ أخرجه النسائي من طريق محمد بن سيرين قال‏:‏ إن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس فقال الحسن أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي‏؟‏ قال ابن عباس‏:‏ نعم ثم جلس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث علي حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنازة ثم قعد بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا الحديث ناسخ للحديث الأول‏:‏ إذا رأيتم الجنازة فقوموا‏)‏ ويدل على النسخ حديث عبادة وقد تقدم، وما رواه أحمد عن علي بلفظ‏:‏ ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس وتقدم هذا أيضاً، وما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث وقد تقدم هذا أيضاً ‏(‏وقال أحمد إن شاء قام وإن شاء لم يقم إلخ‏)‏ فعند أحمد حديث على هذا ليس بناسخ للحديث الأول‏.‏ قال الحازمي في كتاب الاعتبار‏:‏ وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بعضهم على الجالس أن يقوم إذا رأى الجنازة حتى تخلفه، وممن رأى ذلك أبو مسعود البدري وأبو سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد الله‏.‏ وقال أحمد بن حنبل إن قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس به، وبه قال إسحاق الحنظلي، وقال أكثر أهل العلم‏:‏ ليس على أحد القيام للجنازة، روينا ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن بن علي وعلقمة الأسود والنخعي ونافع بن جبير، وفعله سعيد بن المسيب، وبه قال عروة بن الزبير ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ وتمسكوا في ذلك بأحاديث، ثم ذكر الحازمي بإسناده حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد قال‏:‏ هذا حديث صحيح أخرجه مسلم، ثم ذكر بإسناده عن مسعود بن الحكم الزرقى أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رحبة الكوفة وهو يقول‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس، ثم ذكر بإسناده عن مجاهد عن أبي معمر قال‏:‏ مرت بنا جنازة فقمنا فقال من أفتاكم بهذا‏؟‏ قلنا أبو موسى الأشعري، فقال ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة كان يتشبه بأهل الكتاب فلما نسخ ذلك ونهى عنه انتهى‏.‏ قال الحازمي فهذه الألفاظ كلها تدل على أن القعود أولى من القيام‏.‏ قال الشافعي‏:‏ قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله والحجة في الاَخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الأول واجباً فالاَخر من أمره ناسخ، وإن كان استحباباً فالاَخر هو الاستحباب، وإن كان مباحاً لا بأس بالقيام والقعود فالقعود أولى لأنه الاَخر من فعله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏

714- باب ما جَاءَ في قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏(‏الّلحْدُ لَنَا والشّقّ لِغَيْرِنَا‏)‏

‏(‏باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا‏)‏ اللحد بفتح اللام وبالضم وسكون الحاء هو الشق في عرض القبر جانب القبلة، والشق هو الضريح وهو الشق في وسط القبر

1039- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ و نَصْرُ بنِ عَبْدِ الرحمَنِ الكُوفِيّ و يُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطّانُ البَغْدَادِيّ قالُوا حدثنا حَكّامُ بنُ سَلْمٍ عن عَلِيّ بنِ عَبْدِ الأعْلَى عن أبيهِ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الّلحْدُ لَنَا والشّقّ لِغَيْرِنَا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله وعَائِشَةَ وابنِ عُمَر وجَابر‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابن عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حكام‏)‏ بفتح الحاء وتشديد الكاف ‏(‏بن سلم‏)‏ بفتح السين وسكون اللام ثقة له غرائب ‏(‏عن علي بن عبد الأعلى‏)‏ صدوق ربما وهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللحد لنا والشق لغيرنا‏)‏ قال التوربشتى‏:‏ أي اللحد آثر وأولى لنا، والشق آثر وأولى لغيرنا، أي هو اختيار من كان قبلنا من أهل الإيمان، وفي ذلك بيان فضيلة اللحد وليس فيه نهي عن الشق، لأن أبا عبيدة مع جلالة قدره في الدين والأمانة كان يصنعه ولأنه لو كان منهياً لما قالت الصحابة أيهما جاء أولاً عمل عمله، ولأنه قد يضطر إليه لرخاوة الأرض انتهى‏.‏ وقال الطيبي ويمكن أنه عليه الصلاة والسلام عني بضمير الجمع نفسه أي أوثر لي اللحد وهو أخبار عن الكائن فيكون معجزة انتهى‏.‏ وقيل معناه اللحد لنا معشر الأنبياء والشق جائز لغيرنا‏.‏ قلت‏:‏ الصحيح هو ما ذكره التوربشتي، ويؤيده حديث جرير بن عبد الله بلفظ‏:‏ اللحد لنا والشق لغيرنا أهل الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جرير بن عبد الله‏)‏ أخرجه أحمد والبزار وابن ماجه بنحو حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب وفيه عثمان بن عمير وهو ضعيف، وزاد أحمد بعد قوله لغيرنا أهل الكتاب ‏(‏وعن عائشة‏)‏ أخرجه ابن ماجة بلفظ قالت‏:‏ لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم فقال عمر رضي الله عنه لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً ولا ميتاً أو كلمة نحوها فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميع، فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن صلى الله عليه وسلم ‏(‏وابن عمر رضي الله عنه‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ أنهم الحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم لحداً، وفيه عبد الله العمري وأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ‏:‏ ألحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأبي بكر وعمر ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه ابن شاهين في كتاب الجنائز بلفظ حديث ابن عباس المذكور‏.‏ وأحاديث الباب تدل على استحباب اللحد وأنه أولى من الضرح، وإلى ذلك ذهب الأكثر كما قال النووي في شرح مسلم إجماع العلماء على جواز اللحد والشق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس غريب من هذا الوجه‏)‏ أخرجه الخمسة‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي كما وجدنا ذلك في بعض النسخ الصحيحة من جامعه في إسناده عبد الأعلى بن عامر وهو ضعيف انتهى‏.‏

715- باب مَا يَقُول إذا أُدْخِلَ المَيّتُ القبر

1040- حدثنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجّ حدثنا أبو خَالِدٍ الأحْمَرُ حدثنا الحَجّاجُ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذَا أُدْخِلَ المَيّتُ القَبْرَ- ‏(‏وقالَ أبُو خَالِدٍ مرّةً إذَا وُضِعَ المَيّتُ في لَحْدِهِ‏)‏ قالَ- مَرّةً بِسْمِ الله وبالله وعَلَى مِلّةِ رسولِ الله‏"‏ وقالَ مَرّةً‏:‏ ‏"‏بِسْمِ الله وبالله وَعَلَى سُنّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذا الْوَجْهِ‏.‏

وقَدْ رُوِيَ هذا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عن ابنِ عُمَرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ ورَوَاهُ أَبُو الصّدِيقِ النّاجِي عنِ ابْنِ عُمَرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أبي الصّدّيقِ الناجي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَوْقُوفاً أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أدخل‏)‏ روى مجهولاً ومعلوماً ‏(‏الميت‏)‏ بالرفع أو النصب ‏(‏القبر‏)‏ مفعول ثان ‏(‏قال‏)‏ أي أبو سعيد الأشج ‏(‏وقال أبو خالد إذا وضع الميت في لحده‏)‏ يعني أن أبا خالد قال مرة لفظ إذا وضع الميت في لحده مكان لفظ إذا أدخل الميت القبر، وقد جاء صريح هذا في رواية ابن ماجة كما ستعرف ‏(‏قال مرة بسم الله‏)‏ أي وضعته أو وضع أو أدخله ‏(‏وبالله‏)‏ أي بأمره وحكمه أو بعونه وقدرته ‏(‏وعلى ملة رسول الله‏)‏ أي على طريقته ودينه ‏(‏وقال مرة بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله‏)‏ أي على طريقته وشريعته والمراد بملة رسول الله وسنته واحد‏.‏ قال الطيبي‏:‏ قوله أدخل روى معلوماً ومجهولاً والثاني أغلب فعلى المجهول لفظ كان بمعنى الدوام وعلى المعلوم بخلافه، لما روى أبو داود عن جابر قال‏:‏ رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر وهو يقول‏:‏ ناولوني صاحبكم، فإذا هو بالرجل الذي يرفع صوته بالذكر‏.‏ قال ميرك‏:‏ وفيه نظر لأنه على تقدير المعلوم يحتمل الدوام أيضاً‏.‏ وعلى تقدير المجهول يحتمل عدمه أيضاً كما لا يخفى‏.‏ قال القاري‏:‏ وفيه أن إدخاله عليه الصلاة والسلام الميت بنفسه الأشرف لم يكن دائماً بل كان نادراً، لكن قوله بسم الله يمكن أن يكون دائماً مع إدخاله وإدخال غيره تأمل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه أبو الصديق الناجي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أخرجه أبو داود ‏(‏وقد روى عن أبي الصديق موقوفاً أيضاً‏)‏ قال المنذري وأخرجه النسائي مسنداً وموقوفاً‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص والزيلعي في نصب الراية‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن الترمذي رحمه الله روى حديث الباب بالإجمال وقد رواه ابن ماجه بالإيضاح فقال‏:‏ حدثنا هشام بن عمار حدثنا اسماعيل بن عياش حدثنا ليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا أبو خالد الأحمر حدثنا الحجاج عن نافع عن ابن عمر، قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أدخل الميت القبر قال بسم الله وعلى ملة رسول الله‏.‏ وقال أبو خالد مرة‏:‏ إذا وضع الميت في لحده قال‏:‏ بسم الله وعلى سنة رسول الله‏.‏ وقال هشام في حديثه‏:‏ بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله‏.‏

716- باب ما جَاءَ في الثّوْبِ الوَاحِدِ يُلْقَى تحْتَ المَيّتِ في القَبْر

1041- حدثنا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطّائيّ البصري‏.‏ حدثنا عُثمانُ بنُ فَرْقَدٍ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحمّدٍ عنْ أَبيهِ قالَ‏:‏ الّذِي أَلْحَدَ قَبْرَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أبُو طَلْحَةَ‏.‏ والّذِي أَلْقَى الْقَطِيفَةَ تَحْتَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قالَ جَعْفَرٌ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عبيدالله بْنُ أبي رَافِعٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ شُقْرَانَ يَقُولُ‏:‏ أَنَا، وَالله طرَحْتُ القَطِيفَةَ تحْتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الْقَبْرِ قال‏:‏ وفي البابِ عنِ ابْنِ عَبّاس‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَديثُ شُقْرَانَ حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَرَوَى عَلِيّ بْنُ المَدِيِنِيّ عنْ عُثْمَانَ بْنِ فَرْقَدٍ هذا الحَدِيثَ‏.‏

1042- حدثنا محمدُ بْنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عنْ شُعْبَة، عنْ أبي حمْرَةَ، عنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ جُعِلَ في قَبْرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ‏.‏

قال‏:‏ وقالَ مُحّمدُ بنُ بَشّارٍ في مَوْضِعْ آخَرَ‏:‏ حَدّثَنَا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ ويَحْيَى عنْ شُعْبَةَ عن أبي جَمْرَةَ عنْ ابنِ عَبّاسٍ وهذَا أَصَحّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى شُعْبَة عنْ أبي حَمْزَةَ القَصّاب، واسْمُهُ عمرُانُ بْنُ أبي عَطَاءٍ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْ أبي جَمْرَةَ الضبَعِيّ‏.‏ واسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ، وكِلاهُمَا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبّاسٍ‏.‏

وقَدْ رُويَ عن ابن عَبّاسٍ‏:‏ أَنّهُ كَرِهَ أَنْ يُلْقَى تَحْتَ المَيّتِ في القَبْرِ شَيْءٌ‏.‏ وَإِلَى هذا ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت جعفر بن محمد‏)‏ جعفر هذا معروف بالصادق، وأبوه محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب معروف بالباقر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الذي ألحد‏)‏ يقال لحد يلحد كذهب يذهب وألحد يلحد إذا حفر اللحد وهو الشق تحت الجانب القبلي من القبر ‏(‏والذي ألقى القطيفة‏)‏ قال في النهاية‏:‏ هي كساء له خمل ‏(‏شقران‏)‏ بضم الشين المعجمة وسكون القاف مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل اسمه صالح شهد بدراً وهو مملوك ثم عتق‏.‏ قال الحافظ أظنه مات في خلافة عثمان‏.‏ قال النووي في شرح مسلم هذه القطيفة ألقاها شقران وقال كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة أو نحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا فقال في كتابه التهذيب‏:‏ لا بأس بذلك لهذا الحديث‏.‏ والصواب كراهته كما قاله الجمهور‏.‏ وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك ولم يوافقه غيره من الصحابة ولا علموا ذلك وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته أن يلبسها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها ويفترشها فلم تطب نفس شقران أن يتبذلها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وخالفه غيره فروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره، انتهى كلام النووي‏.‏ ‏(‏وأخبرني بن أبي رافع قال‏:‏ سمعت شقران يقول أنا والله طرحت القطيفة الخ‏)‏ وروى ابن إسحاق في المغازي، والحاكم في الإكليل من طريقه‏.‏ والبيهقي عنه من طريق ابن عباس، قال‏:‏ كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة قد كان يلبسها ويفترشها فدفنها معه في القبر، وقال والله لا يلبسها أحد بعدك فدفنت معه‏.‏ وروى الواقدي عن علي بن حسين أنهم أخرجوها وبذلك جزم ابن عبد البر كذا في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ومسلم وغيره ‏(‏حديث شقران حديث حسن غريب‏)‏ ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏عن أبي جمرة‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم ‏(‏قال جعل‏)‏ بصيغة المجهول، والجاعل هو شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم والنسائي وابن حبان‏.‏ قال الحافظ وروى ابن أبي شيبة وأبو داود في المراسيل عن الحسن نحوه وزاد‏:‏ لأن المدينة أرض سبخة وذكرا بن عبد البر أن تلك القطيفة استخرجت قبل أن يهال التراب انتهى‏.‏ وقال الحافظ العراقي في ألفيته في السيرة‏:‏ وفرشت في قبره قطيفة وقيل أخرجت وهذا أثبت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى شعبة عن أبي حمزة القصاب‏)‏ بالحاء المهملة والزاي والقصاب بمعنى بائع القصب ‏(‏واسمه عمران بن أبي عطاء‏)‏ الواسطي روى عن ابن عباس وأنس وغيرهما وعنه شعبة والثوري وغيرهما ثقة له في مسلم حديث ابن عباس‏:‏ لا أشبع الله بطنه‏.‏ وليس له حديث في جامع الترمذي ‏(‏وروى‏)‏ أي شعبة ‏(‏عن أبي جمرة‏)‏ بفتح الجيم وسكون الراء المهملة ‏(‏الضبعى‏)‏ بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة ‏(‏واسمه نصر بن عمران‏)‏ البصري نزيل خراسان مشهور بكنيته، ثقة ثبت من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم‏)‏ وذهب الجمهور إلى الكراهة وقولهم هو الراجح وتقدم الجواب عن حديث الباب والله تعالى أعلم قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر ويحيى عن شعبة عن أبي جمرة‏)‏ بالجيم لا غير وليس لأبي حمزة القصاب حديث في الترمذي‏.‏

717- باب ما جَاءَ في تَسْوِيَةِ القَبْر

1043- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيَ‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ عن حَبِيبِ بنِ أبي ثَابِتٍ، عنْ أبي وَائِلٍ، أَنّ عَليَا قالَ لأَبِي الهَيّاجِ الأسَدِيّ‏:‏ أبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي به النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنْ لاَ تَدَع قَبْراً مُشْرِفاً إلاّ سَوّيْتَهُ، ولاَ تِمْثَالاً إلاّ طَمَسْتَهُ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عَلِي حديثٌ حسنٌ، والعملُ على هذا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، يَكْرَهُونَ أنْ يُرْفَعَ القَبرُ فَوْقَ الأرْضِ‏.‏

قالَ الشافِعِيّ‏:‏ أكْرَهُ أَن يُرْفَعَ الْقَبْرُ إِلاّ بِقَدْرِ مَا يُعْرَفُ أَنّهُ قَبْرٌ، لكَيْلا يُوطَأَ وَلاَ يُجْلَسَ عَلَيْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لأبي الهياج‏)‏ بتشديد التحتية ‏(‏الأسدي بفتح السين ويسكن ‏(‏أبعثك على ما أبعثني‏)‏ أي أرسلك للأمر الذي أرسلني وإنما ذكر تعديته بحرف على، لما في البعث من معنى الاستعلاء والتأمير أي أجعلك أميراً على ذلك كما امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله القاري‏.‏ ‏(‏أن لا تدع‏)‏ أن مصدرية ولا نافية خبر مبتدأ محذوف أي هو ‏"‏أن لا تدع‏"‏ وقيل أن تفسيرية ولا ناهية أي لا تترك ‏(‏قبرأ مشرفاً‏)‏ قال القاري‏:‏ هو الذي بنى عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو محسومة بالحجارة ليعرف ولا يوطأ ‏(‏إلا سويته‏)‏ في الأزهار قال العلماء‏:‏ يستحب أن يرفع القبر قدر شبر، ويكره فوق ذلك، ويستحب الهدم‏.‏ ففي قدره خلاف‏.‏ قيل إلى الأرض تغليظاً وهذا أقرب إلى اللفظ، أي لفظ الحديث من التسوية‏.‏ وقال ابن الهمام‏:‏ هذا الحديث محمول على من كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء العالي وليس مرادنا ذلك بتسنيم القبر، بل بقدر ما يبدو من الأرض ويتميز عنها كذا في المرقاة‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ قوله ولا قبراً مشرفاً إلا سويته‏.‏ فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعاً كثيراً من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غير فاضل‏.‏ والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم‏.‏ وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك‏.‏ ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أولياً، القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضاً هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك‏.‏ وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام‏.‏ منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر، فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليه الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجابية تفعله بالأصنام إلا فعلوه‏.‏ فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً، ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه، حلف بالله فاجراً، فإذا قيل له بعد ذلك‏:‏ احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني، تلعثم وتلكأ وأبي واعترف بالحق‏.‏ وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال‏:‏ إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة‏.‏ فيا علماء الدين، ويا ملوك المسلمين، أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكاره هذا الشرك البين واجباً‏؟‏

لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي‏.‏

ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد‏.‏

‏(‏ولا تمثالاً‏)‏ أي صورة ‏(‏إلا طمسته‏)‏ أو محوته وأبطلته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ لينظر من أخرجه وفي الباب أيضاً عن فضالة بن عبيد أخرجه مسلم عن ثمامة بن شفى قال كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس، فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوى، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث علي حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم ‏(‏قال الشافعي‏:‏ أكره أن يرفع القبر إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه‏)‏ قال النووي في شرح مسلم 213 ج 1 في شرح قوله يأمر بتسويتها‏:‏ فيه إن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعاً كثيراً، ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح، وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه‏.‏ ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء‏:‏ أن الأفضل عندهم تسنيمها‏.‏ وهو مذهب مالك انتهى كلام النووي‏.‏ وأخرج البخاري في صحيحه عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما، قال الحافظ قوله مسنماً‏:‏ أي مرتفعاً، زاد أبو نعيم في المستخرج‏:‏ وقبر أبي بكر وعمر كذلك‏.‏ واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور‏.‏ وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية‏.‏ وأدعى القاضي حسين انفاق الأصحاب عليه، وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح كما نص عليه الشافعي، وبه جزم الماوردي وآخرون‏.‏ وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنماً، فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال‏:‏ دخلت على عائشة فقلت يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء‏.‏ زاد الحاكم‏:‏ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذا كان في خلافة معاوية فكأنها كانت في الأول مسطحة، ثم لما بنى جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة‏.‏ وقد روى أبو بكر الاَجرى في كتاب صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من طريق إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند عن غنيم بن بسطام المديني قال‏:‏ رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعاً نحواً من أربع أصابع ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه‏.‏

ثم الاختلاف في ذلك في أيهما أفضل لا في أصل الجواز، ورجح المزني التسنيم من حيث المعنى بأن المسطح يشبه ما يصنع للجلوس بخلاف المسنم، ورجحه ابن قدامة بأنه يشبه أبنية أهل الدنيا وهو من شعار أهل البدع، فكأن التسنيم أولى‏.‏ ويرجح التسطيح ما رواه مسلم من حديث فضالة بن عبيد‏:‏ أنه مر بقبر فسوى ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها انتهى كلام الحافظ‏.‏

718- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةَ المشي عَلَى الْقُبُورِ واَلجُلُوسِ عَلَيْهَا والصلاة إليها

‏(‏باب ما جاء كراهية المشي على القبور والجلوس عليها والصلاة إليها‏)‏ وفي بعض النسخ باب في كراهية المشي على القبور الخ‏.‏

1044- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدثنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ عنْ عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ يَزيد بنِ جَابِرٍ، عنْ بُسْرِ بنِ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ، عنْ وَاثِلَةَ بنِ الأسقَعِ، عنْ أبي مَرْثَدٍ الْغَنَوِي قالَ‏:‏ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُور ولاَ تُصَلّوا إِلَيْهَا‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وعَمْروِ بنِ حَزْمٍ، وبَشِيرِ بنِ الخَصَاصِيَةِ‏.‏

حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عَبْدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِي عنْ عبْدِ الله بْنِ المُبَارَكِ، بهذَا الإسْنَادِ، نحْوَهُ‏.‏

1045- حدثنا علي بْنُ حُجْرٍ و أبُو عَمّارٍ قالاَ‏:‏ أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ عَبْدِ الرّحمَنِ بْنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ، عنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ الله، عنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأسْقَعِ، عنْ أبي مَرْثَدٍ الغنويّ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحوَهُ ولَيْسَ فِيهِ ‏"‏عنْ أَبي إدْرِيسَ‏"‏ وهذا الصّحِيحُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ قالَ مُحمّدٌ‏:‏ وحديثُ ابْنِ المُبَارَكِ خَطَأٌ، أخْطَأ فِيهِ ابْنُ المُبَارك، وَزَادَ فِيهِ ‏"‏عنْ أبي إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ‏"‏ وإنّمَا هُوَ بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ الله عنْ وَاثِلَةَ، هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عنْ عَبْدِ الرحمَنِ بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ‏.‏ ولَيْسَ فِيهِ ‏"‏عنْ أبي إدْريس الخَوْلانِيّ‏"‏‏.‏ وبسربه عبيدالله قد سمع من واثلة بن الأسقع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بسر بن عبيد الله‏)‏ بضم الموحدة وسكون السين ‏(‏عن أبي مرثد‏)‏ بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة ‏(‏الغنوي‏)‏ بفتحتين صحابي بدري مشهور بكنيته واسمه كناز بتشديد النون وآخره زاي معجمة ‏(‏لا تجلسوا على القبور‏)‏ فيه دليل على تحريم الجلوس على القبر وإليه ذهب الجمهور قاله الشوكاني‏.‏ قال ابن الهمام‏:‏ وكره الجلوس على القبر ووطؤه وحينئذ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليه خلق‏؟‏ من وطأ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه‏.‏ ويكره النوم عند القبر، وقضاء الحاجة بل أولى‏.‏ ويكره كل ما لم يعهد من السنة والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائماً، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في الخروج في البقيع انتهى ‏(‏ولا تصلوا إليها‏)‏ أي مستقبلين إليها قال القاري‏:‏ وفي معناه بل أولى منه الجنازة الموضوعة وهو مما ابتلى به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي مرفوعاً‏:‏ لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر ‏(‏وعمرو بن حزم‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ قال، رآني النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على قبر فقال لا نؤذ صاحب هذا القبر أو لا نؤذه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ إسناده صحيح ‏(‏وبشير بن الخصاصية‏)‏ بفتح الموحدة وكسر الشين هو بشير بن معبد، وقيل ابن زيد بن معبد السدوسي المعروف بابن الخصاصية، بمعجمة مفتوحة وصادين مهملتين بعد الثانية تحتانية صحابي جليل، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي في نعلين بين القبور، فقال يا صاحب السبتيتين ألقهما‏.‏ سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا خالد بن نمير فإنه يهم وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه قاله الشوكاني في النيل‏.‏ ‏(‏فائدة‏)‏ قال الشوكاني في النيل تحت حديث بشير هذا فيه دليل على أنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين، ولا يختص عدم الجواز بكون سبتيتين لعدم الفارق بينها وبين غيرها‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ يجوز وطء القبور بالنعال التي ليست سبتية لحديث‏:‏ أن الميت يسمع خفق نعالهم‏.‏ وخص المنع بالسبتية، وجعل هذا جمعاً بين‏.‏ الحديثين وهو وهم لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏حديث ابن المبارك خطأ أخطأ فيه ابن المبارك وزاد فيه عن أبي إدريس الخولاني الخ‏)‏ لقائل أن يقول‏:‏ إن ابن المبارك ثقة حافظ فيمكن أن يكون الحديث عند بسر بن عبيد الله بالوجهين، أعني رواه أولاً عن وائلة بواسطة أبي إدريس ثم لقيه فرواه عنه من غير واسطة والله تعالى أعلم وحديث أبي مرثد هذا أخرجه مسلم‏.‏