فصل: 719- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ تَجْصِيِص الْقُبُور وَالْكِتَابَةِ علَيْهَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


719- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ تَجْصِيِص الْقُبُور وَالْكِتَابَةِ علَيْهَا

1046- حدثنا عَبْدُ الرحمَنِ بنُ الأسْوَدِ أَبُو عَمْروٍ الْبَصْرِيّ‏.‏ حدثنا مُحمّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن أبي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏نَهَىالنبيّ صلى الله عليه وسلم أنْ تُجَصّصَ الْقُبُورُ وأنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وأنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وأنْ تُوطَأَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيِح‏.‏ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ‏.‏

وَقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ الحَسَنُ الْبَصرِي في تَطْيِينِ القُبُورِ‏.‏

وَقَالَ الشّافِعيّ‏:‏ لاَ بَأْسَ أنْ يُطَيّنَ الْقَبْرُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى أن تجصص القبور‏)‏ بصيغة المجهول وفي رواية لمسلم‏:‏ نهى عن تقصيص القبور بالقاف والصادين المهملتين وهو بمعنى التجصيص والقصة هي الجص ‏(‏وأن يكتب عليها‏)‏ بالبناء للمفعول، قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي‏:‏ يحتمل النهي عن الكتابة مطلقاً، ككتاب اسم صاحب القبر وتاريخ وفاته أو كتابة شيء من القرآن وأسماء الله تعالى ونحو ذلك للتبرك، لاحتمال أن يوطأ أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل‏.‏ قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث في المستدرك‏:‏ الإسناد صحيح وليس العمل عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شيء أخذه الخلف عن السلف وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه محدث ولم يبلغهم النهي انتهى، قال الشوكاني في النيل‏:‏ فيه تحريم الكتابة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها، وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزوه، لا على وجه الزخرفة، قياساً على وضعه صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان كما تقدم، وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور، لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في ضوء النهار ولكن الشأن في صحة هذا القياس انتهى ‏(‏وأن يبنى عليها‏)‏ فيه دليل على تحريم البناء على القبر، وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا‏:‏ إن كان البناء في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام‏.‏

قال الشوكاني ولا دليل على هذا التفصيل‏.‏ وقد قال الشافعي‏:‏ رأيت الائمة بمكة يأمرون بهدم ما يبني ويدل على الهدم حديث علي رضي الله عنه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال الشوكاني وأراد بحديث علي رضي الله عنه حديثه الذي تقدم في باب تسوية القبر ‏(‏وأن توطأ‏)‏ أي بالأرجل لما فيه من الاستخفاف قال في الأزهار‏:‏ والوطء لحاجة كزيارة ودفن ميت لا يكره‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ وفي وطئه للزيارة محل بحث انتهى‏.‏ وفي رواية مسلم‏:‏ وأن يقعد عليه، قال الشوكاني فيه دليل على تحريم القعود على القبر وإليه ذهب الجمهور‏.‏ وقال مالك في الموطأ‏:‏ المراد بالقعود الحدث‏.‏ وقال النووي‏:‏ وهذا تأويل ضعيف أو باطل، والصواب أو المراد بالقعود الجلوس، ومما يوضحه الرواية الواردة بلفظ‏:‏ لا تجلسوا على القبور انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وفي لفظه‏:‏ نهى أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم منهم الحسن البصري في تطيين القبور الخ‏)‏ جاء في تطيين القبور روايتان‏:‏ ما روى أبو بكر النجار من طريق جعفر بن محمد عن أبيه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبراً وطين بطين الأحمر من العرصة ذكره الحافظ في التلخيص ص 165 وسكت عنها‏.‏ والثانية- ما ذكر صاحب مسند الفردوس عن الحاكم أنه روى من طريق ابن مسعود مرفوعاً‏:‏ لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره‏.‏ قال الحافظ في التلخيص ص 165 بعد ذكر هذه الرواية‏:‏ إسناده باطل فإنه من رواية محمد بن القاسم الطايكاني وقد رموه بالوضع انتهى‏.‏ واختلف الفقهاء الحنفية في تطيين القبور، قال سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي وفي البرجندي‏:‏ وينبغي أن لا يجصص القبر، وأما تطيينه ففي الفتاوي المنصورية‏:‏ لا بأس به خلافاً لما يقوله الكرخي إنه مكروه‏.‏ وفي المضمرات المختار‏:‏ أنه لا يكره انتهى‏.‏ وقال في اللمعات في الخانية‏:‏ تطيين القبور لا بأس به خلافاً لما قاله الكرخى انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ وحكى في البحر عن الهادي والقاسم أنه لابأس بالتطيين لئلا ينطمس‏.‏ وبه قال الإمام يحيى وأبو حنيفة انتهى‏.‏

720- باب مَا يَقُول الرّجُلُ إِذَا دَخَلَ المَقَابِر

‏(‏باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر‏)‏ جمع مقبرة قال في القاموس‏:‏ المقبرة مثلثة الباء وكمكنسة موضع القبور‏.‏

1047- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حدثنا مُحَمّدُ بْنُ الصّلْتِ، عَنْ أبِي كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ضَبْيَانَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ مَرّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ‏.‏ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فقَالَ ‏"‏السّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ الله لَنَا وَلَكُمْ‏.‏ أنتمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأْثَرِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ غَريبٌ‏.‏

وَأَبُو كُدَيْنَةَ اسْمُهُ يَحْيى بْنُ الْمُهَلّبِ‏.‏ وَأَبُو ظَبْيَانَ اسمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو كريب‏)‏ اسمه محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة حافظ، عن هشيم وابن المبارك وابن عيينة وخلق وعنه ع من العاشرة كذا في التقريب والخلاصة ‏(‏حدثنا محمد بن الصلت‏)‏ بن الحجاج الأسدي أبو جعفر الكوفي ثقة من كبار العاشرة ‏(‏عن أبي كمدينة‏)‏ بضم الكاف وفتح النون مصغرا اسمه يحيى بن الملهب الكوفي صدوق من السابعة ‏(‏عن قابوس بن أبي ظبيان‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية الكوفي فيه لين ‏(‏عن أبيه‏)‏ اسمه حصين بن جندب الجنبي ثقة من الثانية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأقبل عليهم‏)‏ أي على أهل القبور ‏(‏بوجهه‏)‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه لوجه الميت، وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضاً، وعليه عمل عامة المسلمين خلافاً لما قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه حالة الدعاء يستقبل القبلة، كما علم من الأحاديث في مطلق الدعاء انتهى‏.‏ وفيه أن كثيراً من مواضع الدعاء ما وقع استقباله عليه الصلاة والسلام للقبلة منها ما نحن فيه، ومنها حالة الطواف والسعي ودخول الميت وخروجه، وحال الأكل والشرب وعيادة المريض، وأمثال ذلك فيتعين أن يقتصر الاستقبال وعدمه على المورد إن وجد، وإلا فخير المجالس ما استقبل القبلة كما ورد به الخبر انتهى كلام القاري‏.‏ ‏(‏أنتم سلفنا‏)‏ بفتحتين في النهاية، هو من سلف المال كأنه أسلفه وجعله ثمناً للأجر على الصبر عليه، وقيل سلف الإنسان من تقدمه بالموت من الاَباء وذوي القرابة، ولذا سمي الصدر الأول من التابعين بالسلف الصالح انتهى ‏(‏ونحن بالأثر‏)‏ بفتحتين يعني تابعون لكم من ورائكم لاحقون بكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن بريدة‏)‏ أخرجه مسلم قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر‏:‏ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ‏(‏وعائشة‏)‏ وأخرجه أيضاً مسلم بلفظ‏:‏ قالت كيف أقول يا رسول الله، تعني في زيارة القبور‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون‏"‏‏.‏

721- باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في زِيَارَةِ الْقُبُور

1048- حدثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ وَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الخلالُ قَالُوا‏:‏ حدثنا أَبُو عَاصِمٍ النّبِيلُ‏.‏ أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قَدْ كنُتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمّدٍ في زِيَارَةِ قَبْرِ أُمّهِ‏.‏ فَزُورُهَا، فَإِنّها تُذَكّرُ الاَخِرَةَ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأبي هُرَيْرَةَ وَأُمّ سَلَمَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيث بُرَيْدَةَ حَدِيثُ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ لاَ يَرَوْنَ بزِيَارَةِ الْقُبُورِ بَأْساً‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه‏)‏ فيه دليل على جواز زيارة قبر القريب الذي لم يدرك الإسلام ‏(‏فزوروها‏)‏ الأمر للرخصة أو للاستحباب، وعليه الجمهور بل ادعى بعضهم الإجماع، بل حكى ابن عبد البر عن بعضهم وجوبها كذا في المرقات ‏(‏فإنها تذكر الاَخرة‏)‏ أي فإن القبور أو زيارتها تذكر الاَخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وابن مسعود‏)‏ أخرجه ابن ماجه بلفظ‏:‏ كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الاَخرة ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم ولفظ الحاكم‏:‏ كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلوب وتدمع العين وتذكر الاَخرة ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه مسلم بلفظ قال‏:‏ زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت‏.‏ ‏(‏وأم سلمة رضي الله عنها‏)‏ أخرجه الطبراني بسند حسن بلفظ‏:‏ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن لكم فيها عبرة‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث بريدة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم الخ‏)‏ قال النووي تبعاً للعبدري والحازمي وغيرهما‏:‏ اتفقوا على أن زيارة القبور للرجال جائزة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ فيه نظر لأن ابن أبي شيبة وغيره روى عن ابن سيرين وإبراهيم والشعبي الكراهة مطلقاً، فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء وكأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ، ومقابل هذا القول ابن حزم‏:‏ أن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به انتهى‏.‏

722- باب ما جاء في الزيارة للقبور للنساء

1049- حدثنا الحسين بن حريث حدثنا عيسى بن يونس عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة قال‏:‏ تُوفيَ عبد الرحمَن بن أبي بكر بحُبشيّ قال‏:‏ فحُمِلَ إلى مكة فدفن فيها‏.‏ فلما قدِمت عائشة أتت قَبر عبد الرحمَن بن أبي بكر فقالت‏:‏

وَكُنّا كَنَدَمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً

مِنَ الدّهْرِ حَتّى قِيلَ‏:‏ لَنْ يَتَصَدّعَا

فَلَمّا تَفَرّقْنَا كَأنّى وَمَالِكاً

لِطُولِ اجتماعٍ، لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعاً

ثم قالت‏:‏ والله‏:‏ لَوْ حَضَرتُكَ مَا دُفِنْتَ إلا حَيْثُ مُتّ‏.‏ ولو شَهِدْتُكَ مَازُرتُكَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن زوارات القبور‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ قال القاري لعل المراد كثيرات الزيارة‏.‏ وقال القرطبي هذا اللعن إنما هو المكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء انتهى‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وحسان بن ثابت‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه‏.‏‏.‏‏.‏ وابن حبان في صحيحه كلهم من رواية أبي صالح عن ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج‏.‏ كذا في الترغيب‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ أبو صالح هو مولى أم هانئ وهو ضعيف‏.‏ وأما حديث حسان بن ثابت فأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء‏)‏ قال الحافظ بن حجر‏:‏ وهو قول الأكثر ومحله ما إذا أمنت الفتنة‏.‏ ويؤيد الجواز حديث أنس قال‏:‏ مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال‏:‏ ‏"‏اتقي الله واصبري الخ‏"‏‏.‏ فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر وتقريره حجة‏.‏ وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة رضي الله عنها فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن، فقيل لها‏:‏ أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏؟‏ قالت نعم كان نهى ثم أمر بزيارتها انتهى‏.‏ قلت ويؤيد الجواز ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت‏:‏ كيف أقول يا رسول الله، تعني إذا زارت القبور‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين‏"‏ الحديث ‏(‏وقال بعضهم إنما كره‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم وروى بصيغة المجهول قاله القاري، واستدل من قال بالكراهة بأحاديث الباب، وبالأحاديث التي وردت في تحريم اتباع الجنائز للنساء، كحديث أم عطية عند الشيخين‏:‏ قالت نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا‏.‏ وأجاب من قال بالجواز عن أحاديث الباب بأنها محمولة على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره‏.‏ قال القاري في المرقاة بعد ذكر الأحاديث التي مرت في باب الرخصة في زيارة القبور ما لفظه‏:‏ هذه الأحاديث بتعليلاتها تدل على أن النساء كالرجال في حكم الزيارة إذا زرن بالشروط المعتبرة في حقهن، وأما خبر‏:‏ لعن الله زوارات القبور فمحمول على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره مما اعتدنه انتهى‏.‏ وقد تقدم قول القرطبي أن اللعن في حديث الباب للمكثرات من الزيارة‏.‏ وهذا هو الظاهر والله تعالى أعلم‏.‏

723- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلنّسَاء

1050- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أَبُو عَوانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوّارَاتِ الْقُبُورِ‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وَحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ هذَا كانَ قَبْلَ أَنْ يُرَخّصَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ‏.‏ فَلَمّا رَخّصَ دَخَلَ فِي رُخْصَتِهِ الرّجَالُ وَالنّسَاءُ‏.‏

وَقَالَ بَعضُهُمْ‏:‏ إِنّمَا كُرِهَ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلنّسَاءِ، لِقِلّةِ صَبْرِهِنّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏توفي عبد الرحمن بن أبي بكر‏)‏ الصديق وهو أخو عائشة رضي الله عنها ‏(‏بالحبشى‏)‏ في النهاية بضم الحاء وسكون الباء وكسر الشين وتشديد الياء، موضع قريب من مكة‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ جبل بأسفل مكة‏.‏ وقال السيوطي‏:‏ مكان بينه وبين مكة اثنا عشر ميلاً ‏(‏فحمل‏)‏ أي نقل من الحبشى ‏(‏فلما قدمت عائشة‏)‏ أي مكة ‏(‏فقالت‏)‏ أي منشدة مثيرة إلى أن طول الاجتماع في الدنيا بعد زواله يكون كأقصر زمن وأسرعه كما هو شأن الفاني جميعه ‏(‏وكنا كندماني جذيمة‏)‏ قال الشمني في شرح المغنى‏:‏ هذا البيت لتميم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً الذي قتله خالد بن الوليد‏.‏ وجذيمة بفتح الجيم وكسر الذال قال الطيبي‏:‏ جذيمة هذا كان ملكاً بالعراق والجزيرة وضم إليه العرب وهو صاحب الزباء انتهى‏.‏ وفي القاموس‏:‏ الزباء ملكة الجزيرة وتعد من ملوك الطوائف، أي كنا كنديمي جذيمة وجليسيه، وهما مالك وعقيل كانا نديميه وجليسيه مدة أربعين سنة ‏(‏حقبة‏)‏ بالكسر أي مدة طويلة ‏(‏حتى قيل لن يتصدعا‏)‏ أي إلى أن قال الناس لن يتفرقا ‏(‏فلما تفرقنا‏)‏ أي بالموت ‏(‏كأني ومالكاً‏)‏ هو أخو الشاعر الميت ‏(‏لطول اجتماع‏)‏ قيل اللام بمعنى مع أو بعد كما في قوله تعالى ‏{‏أقم الصلاة لدلوك الشمس‏}‏ ومنه صوموا لرؤيته أي بعد رؤيته ‏(‏لم نبت ليلة معاً‏)‏ أي مجتمعين ‏(‏ثم قالت‏)‏ أي عائشة ‏(‏لو حضرتك‏)‏ أي وقت الدفن ‏(‏ما دفنت‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏إلا حيث مت‏)‏ أي منعتك أن تنقل من مكان إلى مكان بل دفنت حيث مت ‏(‏ولو شهدتك‏)‏ أي حضرت وفاتك ‏(‏ما زرتك‏)‏ قال الطيبي‏:‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور انتهى‏.‏ ويرد عليه‏:‏ أن عائشة كيف زارت مع النهي، وإن كانت لم تشهد وقت موته ودفنه‏؟‏ ويمكن أن يجاب عنه بأن النهي محمول على تكثير الزيارة لأنه صيغة مبالغة، ولذا قالت‏:‏ لو شهدتك ما زرتك لأن التكرار ينبئ عن الإكثار، كذا في بعض الحواشي‏.‏ وقد تقدم الكلام في زيارة القبور للنساء في الباب الذي قبله، ولم يحكم الترمذي على حديث الباب بشيء من الصحة والضعف، ورجاله ثقات إلا أن ابن جريج مدلس، ورواه عن عبد الله بن أبي مليكة بالعنعنة‏.‏

724- باب مَا جَاءَ فِي الدّفْنِ بالّلْيل

1051- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَمْروٍ السّوّاقُ قَالاَ‏:‏ حدثنا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ عَن الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنِ الْحَجّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَطَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ قَبْراً لَيْلاً‏.‏ فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ‏.‏ فَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وقَالَ‏:‏ رَحِمَكَ الله إِنْ كُنْتَ لأوّاهاً تَلاّءً لِلقُرْآنِ وَكَبّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وَيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ‏.‏ وَهُوَ أَخُو زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ، أَكْبَرُ مِنْهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ‏.‏ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ إلى هذَا‏.‏ وَقَالَ‏:‏ يُدْخَلُ الْمَيّتُ الْقبرَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ‏.‏ وقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُسَلّ سَلاّ‏.‏ وَرَخّصَ أَكْثَرُ أهْلِ الْعِلْمِ فِي الدّفَنِ بِاللّيْلِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومحمد بن عمرو السواق‏)‏ بتشديد الواو ‏(‏عن المنهال بن خليفة‏)‏ الكوفي أبو قدامة ضعيف من السابعة قوله‏:‏ ‏(‏عن الحجاج بن أرطاة‏)‏ بفتح الهمزة النخعي أبو أرطاة الكوفي القاضي صدوق كثير الخطأ والتدليس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأسرج‏)‏ ماض مجهول ‏(‏له‏)‏ أي للميت أو للنبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فأخذه‏)‏ أي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الميت ‏(‏من قبل القبلة‏)‏ في الأزهار احتج أبو حنيفة بهذا الحديث على أن الميت يوضع في عرض القبر في جانب القبلة بحيث يكون مؤخر الجنازة إلى مؤخر القبر، ورأسه إلى رأسه، ثم يدخل الميت القبر‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ والأكثرون يسل من قبل الرأس بأن يوضع رأس الجنازة على مؤخر القبر ثم يدخل الميت القبر انتهى ‏(‏إن كنت‏)‏ إن مخففة من المثقلة أي إنك كنت ‏(‏لأواها‏)‏ بتشديد الواو أي كثير التأوه من خشية الله‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الأواه المتأوه المتضرع‏.‏ وقيل هو الكثير البكاء أو الكثير الدعاء ‏(‏تلاء‏)‏ بتشديد اللام أي كثير التلاوة وقوله ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ أخرجه أبو داود بلفظ قال‏:‏ رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا هو يقول ناولوني صاحبكم فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر‏.‏ والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ‏(‏ويزيد بن ثابت‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن‏)‏ قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وأنكر عليه لأن مداره على الحجاج بن أرطاة وهو مدلس، ولم يذكر سماعاً قال ابن القطان ومنهال بن خليفة ضعفه ابن معين وقال البخاري رحمه الله‏:‏ فيه نظر انتهى كلام الزيلعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا‏)‏ وهو قول أبي حنيفة واستدل له بحديث الباب وقد عرفت أنه ضعيف‏.‏ وبما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمير بن سعيد أن علياً رضي الله عنه كبر على يزيد بن المكفف أربعاً، وأدخل من قبل القبلة‏.‏ وبما أخرج هو أيضاً عن ابن الحنفية أنه ولي ابن عباس فكبر عليه أربعاً وأدخله من قبل القبلة ‏(‏وقال بعضهم يسل سلا‏)‏ أي يدخل الميت في القبر من قبل الرأس بأن يوضع رأس الجنازة على مؤخر القبر، ثم يدخل الميت القبر‏.‏ وهو قول الشافعي وأحمد والأكثرين وهو الأقوى والأرجح دليلاً، واستدلوا بما أخرج أبو داود عن أبي إسحاق قال‏:‏ أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر، وقال هذا من السنة‏.‏ وهذا الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح قاله الشوكاني‏.‏ وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ وأخرجه البيهقي، وقال إسناده صحيح‏.‏ وهو كالمسند لقوله من السنة انتهى‏.‏ وبما أخرج ابن شاهين في كتاب الجنائز عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يدخل الميت من قبل رجليه ويسل سلا‏.‏ قال الحافظ ابن حجر في الدراية‏:‏ إسناده ضعيف ورواه ابن أبي شيبة بإسناده صحيح لكنه موقوف على أنس، انتهى‏.‏ قلت قال الزيلعي في نصب الراية بعد ما ذكر حديث أنس المرفوع‏:‏ وروى ابن أبي شيبة في مصنفه‏:‏ حدثنا عبد الأعلى عن خالد عن ابن سيرين قال كنت مع أنس رضي الله عنه في جنازة، فأمر بالميت فأدخل من قبل رجليه انتهى‏.‏ حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر أنه أدخل ميتاً من قبل رجليه انتهى وبما أخرج ابن ماجه عن أبي رافع قال‏:‏ سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش على قبره ماء إنتهى‏.‏ وفي سنده منذر بن علي وهو ضعيف‏.‏

فإن قلت ما أخرج أبو داود عن أبي إسحاق كيف يكون إسناده صحيحاً‏؟‏ وأبو إسحاق هذا هو السبيعي وكان قد اختلط في آخر في عمره ومع هذا قد كان مدلساً‏.‏

قلت‏:‏ نعم لكن رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن شيوخه إلا صحيح حديثهم كما صرح به الحافظ ابن حجر في فتح الباري ص 150 ج 1 وقد تقرر أن رواية أبي إسحاق من طريق شعبة محمولة على السماع، وإن كانت معنعنة‏.‏ قال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين‏:‏ قال البيهقي وروينا عن شعبة أنه قال‏:‏ كفيتكم تدليس ثلاثة، الأعمش وأبي إسحاق وقتادة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة، أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ولو كانت معنعنة، انتهى‏.‏ ‏(‏ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل‏)‏ لأحاديث الباب، وكرهه الحسن البصري، واستدل بحديث جابر رضي الله عنه وفيه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلاً حتى يصلى عليه‏.‏ رواه مسلم‏.‏ وأجيب عنه بأن الزجر منه صلى الله عليه وسلم إنما كان لترك الصلاة لا للدفن بالليل، أو لأجل أنهم كانوا يدفنون بالليل لرداءة الكفن‏.‏ فالزجر إنما هو لما كان الدفن بالليل مظنة إساءة الكفن فإذا لم يقع تقصير في الصلاة على الميت، وتكفينه فلا بأس بالدفن ليلاً‏.‏ وقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً كما رواه أحمد عن عائشة وكذا دفن أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ليلاً وعلي رضي الله عنه دفن فاطمة ليلاً‏.‏

725- باب ما جَاءَ في الثّنَاءِ الْحَسنِ عَلَى الْمَيّت

1052- حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدثنا يزِيدُ بْنُ هَارُونَ‏.‏ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مُرّ عَلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وجَبَتْ ثمّ قَالَ‏:‏ أنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأرْضِ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وأبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ‏.‏

1053- حدثنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى وَ هارُونُ بنُ عَبْدِ الله الْبزّار قَالاَ‏:‏ حدثنا أبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ‏.‏ حدثنا دَاوُدُ بنُ أبي الْفُرَاتِ‏.‏ حدثنا عَبْدُ الله بنْ بُرَيْدَةَ عَنْ أبِي الأسْوَدِ الدّيْلِيّ، قَالَ‏:‏ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ‏.‏ فَمَرّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ وَجَبَتْ‏.‏ فَقُلْتُ لِعُمَرَ‏:‏ وَمَا وَجَبَتْ‏؟‏ قالَ‏:‏ أَقُولُ كمَا قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاَثَةٌ إِلاّ وَجَبَتْ لهُ الْجَنّةُ‏"‏ قَالَ قُلْنَا‏:‏ وَاثْنَانِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وإثْنَانِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ نَسْأَلْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَاحِدِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو الأسْوَدِ الدّيْلِيّ اسْمُهُ ظَالِمُ بنُ عَمْروِ بنِ سُفْيَانَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مُر‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏فأثنوا عليها خيراً‏)‏ وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه عند الحاكم قالوا‏:‏ جنازة فلان كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها ‏(‏وجبت‏)‏ أي الجنة كما في الحديث الاتي ‏(‏أنتم شهداء الله في الأرض‏)‏ أي المخاطبون بذلك من الصحابة، ومن كان على صفتهم من الإيمان‏.‏ وحكى ابن التين‏:‏ أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم، والصواب أن ذلك يختص بالمتقيات والمتقين انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ أخرجه البخاري والترمذي ‏(‏وكعب بن عجرة‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد وفي إسناده رجل لم يسم كذا في النيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم ‏(‏عن أبي الأسود الديلي‏)‏ بكسر الدال وسكون التحتية ويقال الدؤلي بالضم بعدها همزة مفتوحة هو التابعي الكبير المشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من مسلم يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة‏)‏ قال الداؤدي‏:‏ المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة، لأن شهادة العدو لا تقبل‏.‏ قال النووي‏:‏ قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان ذلك مطابقاً للوافع، فهو من أهل الجنة‏.‏ فإن كان غير مطابق فلا وكذا عكسه‏.‏ قال والصحيح أنه على عمومه، وأن من مات منهم فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير، كان دليلاً على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة وهذا إلهام يستدل به على تعيينها، وبهذا تظهر فائدة الثناء انتهى‏.‏ قال الحافظ ابن حجر وهذا في جانب الخير واضح، ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان، والحاكم عن أنس مرفوعاً‏:‏ ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً، إلا قال الله تعالى‏:‏ قد قبلت قولكم، وغفرت له ما لا تعلمون‏.‏ وأما جانب الشر فظاهر الحديث كذلك‏.‏ لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره، وقد وقع في رواية النضر بن أنس عن أبيه عند الحاكم‏:‏ إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المره من الخير والشر انتهى ‏(‏قلنا واثنان‏)‏ أي فحكم اثنين ‏(‏قال واثنان‏)‏ أي وكذلك اثنان وقيل هو عطف تلقين ‏(‏ولم نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الواحد‏)‏ قيل الحكمة في الاقتصار على الإثنين لأنهما نصاب الشهادة غالباً‏.‏ وقال الزين بن المنير‏:‏ إنما لم يسأل عمر عن الواحد استبعاداً منه أن يكتفي في مثل هذا المقام العظيم بأقل من النصاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

726- باب مَا جَاءَ في ثَوَابِ مَنْ قَدّمَ وَلَدا

1054- حدثنا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ بنِ أَنَسٍ ح وحدثنا الأنْصَارِيّ‏.‏ حدثنا مَعْنٌ‏.‏ حدثنا مَالِكُ بنُ أنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمسيّبِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَمُوتُ لأحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسّهُ النّارُ، إِلاّ تَحِلّةَ الْقَسَمِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وَمُعَاذٍ وَكَعْبِ بنِ مَالِكٍ وَعُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ وَأُمّ سُلَيْمٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وأَبي ذَر وابنِ مَسْعُودٍ وأبي ثَعْلَبَةَ الأشْجَعِيّ وابنِ عَبّاسٍ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وَأبي سَعِيدٍ وَقُرّةَ بنِ إِيَاسٍ الْمُزنِيّ‏.‏

قال وَأبْو ثَعْلَبَةَ الأشجعي لَهُ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ وَاحِدٌ، هو هذَا الْحَدِيث، وَلَيْسَ هُوَ بِالخُشَنِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1055- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي الْجَهْضَمِيّ‏.‏ حدثنا إِسْحاقُ بنُ يُوسُفَ‏.‏ حدثنا الْعَوّامُ بنُ حَوْشَبٍ عَنْ أبي مُحَمّدٍ مَوْلَى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، عَنْ أبي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَدّمَ ثَلاَثَةً لَمْ يَبْلغُوُا الحُلمَ كانُوا لَهُ حِصْناً حَصِيناً مِنَ النار‏"‏‏.‏

قَالَ أبُو ذر‏:‏ قَدّمْتُ اثْنَيْنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَاثْنَيْنِ‏.‏ فَقَالَ أُبَيّ بنُ كَعْبٍ سَيّدُ الْقُرّاءِ‏:‏ قَدّمْتُ وَاحِداً‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَواحِداً‏.‏ ولكِنْ إِنّمَا ذَاكَ عِنْدَ الصّدْمةِ اْلأُولَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وأبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ منْ أبيهِ‏.‏

1056- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي الْجَهْضَمِيّ و أبُو الْخَطّابِ زِيَادُ بنُ يَحْيَى الْبَصْرِيّ قَالاَ‏:‏ حدثنا عَبْدُ رَبّهِ بنُ بَارِقٍ الْحَنَفِيّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ جَدّي أبَا أُمّي سِمَاكَ بنَ الْوَلِيدِ الْحَنَفِيّ يُحَدّثُ أنّهُ سَمِعَ ابن عَبّاسٍ يُحدّثُ أنّهُ سَمِع رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ كانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمّتِي أدْخَلَهُ الله بِهِمَا الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

فَقَالتْ لَهُ عَائِشَةُ‏:‏ فَمَنْ كانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمّتِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ومَنْ كانَ لَهُ فَرَطٌ، يَا مُوَفّقَةُ‏"‏ قَالتْ‏:‏ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمّتِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏فَأَنَا فَرَطُ أُمّتِي‏.‏ لَنْ يُصَابُوا بِمِثْلِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حدِيثِ عَبْدِ رَبّه بنِ بَارِقٍ‏.‏ وقَدْ رَوَىَ عَنْهُ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الأئِمّةِ‏.‏

حدثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ الْمُرَابِطيّ‏.‏ حدثنا حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ‏.‏ أنبأنا عَبْدُ رَبّهِ بنُ بَارِقٍ، فَذَكَرَ نَحْوِهِ‏.‏ وسِمَاكُ بنُ الْوَلِيدِ، هُوَ أبُو زُمَيْلٍ الحَنفِيّ‏.‏

أي مات ولده فصبر‏.‏ قوله ‏(‏فتمسه‏)‏ بالنصب لأن الفعل المضارع ينصب بعد النفي بتقدير أن قاله الحافظ والعيني ولهما ههنا كلام مفيد ‏(‏إلا تحلة القسم‏)‏ بفتح المثناة فوق وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام أي ما ينحل به القسم وهو اليمين وهو مصدر حلل اليمين أي كفرها‏.‏ يقال حلل تحليلاً وتحله‏.‏ وقال أهل اللغة يقال‏:‏ فعلته تحلة القسم‏.‏ أي قدر ما حللت به يميني ولم أبالغ‏.‏ وقال الجزري في النهاية‏:‏ قيل أراد بالقسم قوله تعالى ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ تقول العرب ضربه تحليلاً، وضربه تعذيراً، إذا لم يبالغ في ضربه‏.‏ وهذا مثل في القليل المفرط في القلة، وهو أن يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبر به قسمه، مثل أن يحلف على النزول بمكان فلو وقع به وقعة خفيفة أجزأته، فتلك تحلة قسمه‏.‏ فالمعنى‏:‏ لا تمسه النار إلا مسة يسيرة مثل تحلة قسم الحالف، ويريد بتحلته الورود على النار والاجتياز بها‏.‏ والتاء في التحلة زائدة انتهى ما في النهاية‏.‏ وقال الحافظ في الفتح قالوا أي الجمهور المراد به قوله تعالى ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ قال الخطابي‏:‏ معناه لا يدخل النار ليعاقب بها، ولكنه يدخلها مجتازاً، ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يحلل به الرجل يمينه‏.‏ ويدل على ذلك ما وقع عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر الحديث إلا تحلة القسم، يعني الورود‏.‏ وذكر الحافظ روايات أخرى تدل على هذا فعليك أن ترجع إلى فتح البارير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر ومعاذ وكعب بن مالك الخ‏)‏ وفي الباب أيضاً عن مطرف بن الشخير، وعبادة بن الصامت، وعلي بن أبي طالب، وأبي أمامة، وأبي موسى والحارث بن وقيش، وجابر بن سمرة وعمرو بن عبسة، ومعاوية ابن حيدة، وعبد الرحمن بن بشير، وزهير بن علقمة، وعثمان بن أبي العاص، وعبد الله بن الزبير، وابن النضر السلمى، وسفينة وحوشب بن طخمة، والحسحاس بن بكر، وعبد الله بن عمر، والزبير بن العوام، وبريدة وأبي سلمة راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي برزة الأسلمي، وعائشة أم المؤمنين، وحبيبة بنت سهل، وأم مبشر ورجل لم يسم رضي الله تعالى عنهم، وإن شئت تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة فارجع إلى عمدة القاري ص 30 ج 4 ‏(‏وأبو ثعلبة له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد هذا الحديث‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن نبهان عنه قال‏:‏ قلت يا رسول الله مات لي ولدان في الإسلام‏.‏ فقال‏:‏ من مات له ولدان في الإسلام أدخله الجنة بفضل رحمته إياهما ‏(‏وليس هو بالخشنى‏)‏ بضم الخاء المعجمة وفتح الشين وكسر النون، يعني أن أبا ثعلبة الجشمى الذي روى الحديث المذكور آنفاً ليس هو بأبي ثعلبة الخشنى بل هما صحابيان، وأبو ثعلبة الخشنى صحابي مشهور اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً ‏(‏وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قدم ثلاثة من الولد‏)‏ أي من قدمهم بالصبر على موتهم قال القاري‏:‏ الظاهر أن معناه من قدم صبر ثلاثة من الولد عند فقدهم واحتسب ثوابهم عند ربهم‏.‏ أو المراد بالتقديم لازمه وهو التأخر أي الذنب أو البلوغ والظاهر أن هذا قيد للكمال، لأن الغالب أن يكون القلب عليه أرق والصبر عنهم أشق وشفاعتهم أرجى وأسبق ‏(‏كانوا له حصناً حصيناً عن النار‏)‏ أي حصاراً محكماً، وحاجراً مانعاً من النار ‏(‏قدمت اثنين‏)‏ أي فما حكمه ‏(‏قال واثنين‏)‏ أي وكذا من قدم اثنين ‏(‏فقال أبي بن كعب سيد القراء‏)‏ إنما قيل له سيد القراء لقوله صلى الله عليه وسلم وسلم أقرؤكم أبي ‏(‏ولكن إنما ذلك عند الصدمة الأولى‏)‏ أي يحصل ذلك بالصبر عند الصدمة الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه‏)‏ أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غيرها، ويقال اسمه عامر كوفي ثقة من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبا أمي‏)‏ بدل من جدى يعني أنه سمع الحديث من جده الفاسد وهو أبو الأم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كان له فرطان‏)‏ بفتحتين أي ولدان لم يبلغا أوان الحلم بل ماتا قبله يقال فرط إذا تقدم وسبق فهو فارط، والفرط هنا الولد الذي مات قبله، فإنه يتقدم ويهيء لوالديه نزلا ومنزلاً في الجنة كما يتقدم فراط القافلة إلى المنازل، فيعدون لهم ما يحتاجون إليه من الماء والمرعى وغيرهما ‏(‏من أمتي‏)‏ بيان لمن ‏(‏فمن كان له فرط‏)‏ أي فما حكمه أو فهل له هذا الثواب ‏(‏قال ومن كان له فرط‏)‏ أي فكذلك ‏(‏يا موفقة‏)‏ أي في الخيرات وللأسئلة الواقعة موقعها شفقة على الأمة ‏(‏فأنا فرط أمتي‏)‏ أي سابقهم وإلى الجنة بالشفاعة سائقهم بل أنا أعظم من كل فرط فإن الأجر على قدر المشقة ‏(‏لن يصابوا‏)‏ أي أمتي ‏(‏بمثلي‏)‏ أي بمثل مصيبتي لهم فإن مصيبتي اشد عليهم من سائر المصائب‏.‏

727- باب مَا جَاءَ في الشُهَدَاءِ مَنْ هُم

1057- حدثنا الأنْصَارِيّ حدثنا مَعنٌ‏.‏ حدثنا مَالِكُ وحدثنا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَي، عَنْ أبي صَالحٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال‏:‏ ‏"‏الشّهَدَاءُ خَمْس‏:‏ الْمَطْعُونُ والْمَبْطُونُ والْغَرِقُ وصَاحِبُ الْهَدْمِ والشهِيدُ في سَبيلِ الله‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ أنَسٍ وصَفْوَانَ بنِ أُمَيّةَ وجَابِرِ بنِ عَتِيكٍ وخَالِدِ بنِ عُرْفُطَةَ وسُلَيمانَ بنِ صُردٍ وأبي مُوسَى وعَائِشةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1058- حدثنا عُبَيْدُ بنُ أسْبَاطِ بنِ مُحَمّدٍ القُرَشِيّ الْكُوفِيّ حدثنا أبِي‏.‏ أخبرنا أبُو سِنَانٍ الشّيْبَانِيّ عَنْ أبي إسْحَاقَ السّبَيْعيّ، قالَ‏:‏ قالَ سُلَيمانُ بنُ صُرَدٍ لِخَالِدِ بنِ عُرْفُطةَ ‏(‏أوْ خَالدٌ لِسلَيمان‏)‏‏:‏ أمَا سَمِعْتَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ لَمْ يُعذّبْ في قَبْرِهِ‏"‏‏؟‏ فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبُ في هذَا البابِ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هذَا الْوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سمى‏)‏ بضم السين وفتح الميم، مصغراً مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي أبي عبد الله المدني ثقة من السادسة ‏(‏الشهداء خمسة‏)‏ جمع شهيد بمعنى فاعل لأنه يشهد مقامه قبل موته أو بمعنى مفعول لأن الملائكة تشهده أي تحضره مبشرة له، وقد ذكر الحافظ في سبب تسمية الشهيد شهيداً أقوالا أخرى واعلم أن الأحاديث قد اختلفت في عدد أسباب الشهادة‏.‏ ففي بعضها خمسة، وفي بعضها سبعة، وفي بعضها أقل من ذلك‏.‏ قال الحافظ الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك انتهى ‏(‏المطعون‏)‏ أي الذي ابتلى بالطاعون ومات به ‏(‏والمبطون‏)‏ أي الذي يموت بمرض البطن كالاستسقاء ونحوه، قال القرطبي‏:‏ المراد بالبطن الاستسقاء أو الإسهال على قولين للعلماء ‏(‏والغريق‏)‏ أي الذي يموت من الغرق ‏(‏وصاحب الهدم‏)‏ بفتح الدال وتسكن أي الذي يموت تحت الهدم‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الهدم بالتحريك البناء المهدوم فعل بمعنى المفعول، وبالسكون الفعل نفسه ‏(‏والشهيد في سبيل الله‏)‏ أي المقتول فيه‏.‏ قال ابن الملك وإنما أخره لأنه من باب الترقي من الشهيد الحكمى إلى الحقيقي‏.‏ واعلم أن الشهداء الحكمية كثيرة، وردت في أحاديث شهيرة، جمعها السيوطي في كراسة سماها ‏"‏أبواب السعادة في أسباب الشهادة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس وصفوان بن أمية، وجابر بن عتيك، وخالد بن عرفطة، وسليمان بن صرد، وأبي موسى وعائشة‏)‏ أما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم عنه مرفوعاً‏:‏ الطاعون شهادة لكل مسلم‏.‏ وأما حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث جابر بن عتيك فأخرجه مالك وأبو داود والنسائي‏.‏ وأما حديث خالد بن عرفطة وسليمان بن صرد فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث أبي موسى فلينظر من أخرجه وأما حديث عائشة فأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي الكوفي‏)‏ صدوق من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا أبي‏)‏ وهو أسباط بن محمد بن عبد الرحمن بن خالد القرشي مولاهم ثقة ضعف في الثورى من التاسعة ‏(‏أخبرنا أبو سنان الشيباني‏)‏ اسمه سعيد بن سنان البرجمى الأصغر الكوفي نزيل الري صدوق له أوهام من السادسة ‏(‏قال قال سليمان بن صرد‏)‏ بضم المهملة وفتح الراء، ابن الجون الخزاعي أبو مطرف الكوفي صحابي قتل بعين الوردة سنة خمس وستين ‏(‏لخالد بن عرفطة‏)‏ بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الفاء القضاعي، صحابي استنابه سعد على الكوفه، مات سنة أربع وستين ‏(‏أو خالد لسليمان‏)‏ شك من الراوي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من قتله بطنه‏)‏ إسناده مجازي أي من مات من وجع بطنه وهو يحتمل الإسهال والاستسقاء والنفاس، وقيل من حفظ بطنه من الحرام والشبه فكأنه قتله بطنه، كذا في المرقاة‏.‏ قلت والظاهر هو الأول ‏(‏لم يعذب في قبره‏)‏ لأنه لشدته كان كفارة لسيئته‏.‏ وصح في مسلم‏:‏ أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين أي إلا حقوق الاَدميين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد، قال ميرك‏:‏ وأخرجه النسائي وابن حبان‏.‏

728- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْفِرَارِ منَ الطّاعُون

1059- حدثنا قتيْبَةُ‏.‏ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْروِ بنِ ديِنَارٍ، عَنْ عَامِرٍ بنِ سعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ‏:‏ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الطّاعُونَ فقَالَ‏:‏ ‏"‏بَقِيّةُ رِجْزٍ أوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ‏.‏ فإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا‏.‏ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَلَسْتمْ بِهَا فَلاَ تهْبِطُوا عَلَيْهَا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفِي الْبَاب عنْ سَعْدٍ وخُزيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ وعَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أُسَامَة بنِ زَيْدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقية رجز‏)‏ بكسر الراء أي عذاب ‏(‏أو عذاب‏)‏ شك من الراوي ‏(‏أرسل على طائفة من بني إسرائيل‏)‏ قال الطيبي‏:‏ هم الذين أمرهم الله تعالى أن يدخلوا الباب سجداً فخالفوا، قال تعالى ‏(‏فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ فأرسل عليهم الطاعون فمات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفاً من شيوخهم وكبرائهم ‏(‏فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ فإن العذاب لا يدفعه الفرار، وإنما يمنعه التوبة والاستغفار، قال الطيبي‏:‏ فيه أنه لو خرج لحاجة فلا بأس ‏(‏فلا تهبطوا عليها‏)‏ بكسر الباء من باب ضرب يضرب، وفي رواية الشيخين‏:‏ فلا تقدموا عليه والمراد بالهبوط هو القدوم، وعادة العرب أن يسموا الذهاب بالصعود والقدوم بالهبوط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد‏)‏ أي ابن أبي وقاص أخرجه الطحاوي في شرح الآثار بلفظ‏:‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تفروا منها، وإذا كان بأرض فلا تهبطوا عليها‏"‏ ‏(‏وخزيمة ابن ثابت‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وعبد الرحمن بن عوف‏)‏ أخرجه الشيخان بلفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه‏"‏‏.‏ ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه له أجر شهيد‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري‏:‏ سنده صالح المتابعات‏.‏ وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب‏:‏ إسناده حسن‏.‏ وقال الحافظ العراقي في المغنى عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج إحياء العلوم‏:‏ إسناده ضعيف ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فناء أمتي بالطعن والطاعون‏"‏‏.‏ فقلت يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون‏؟‏ قال غدة كغدة الإبل‏.‏ المقيم فيها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف‏.‏ قال الحافظ العراقي في المغني عن الأسفار‏:‏ إسناده جيد‏.‏ وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري‏:‏ سنده حسن‏.‏ وقال الزرقاني‏:‏ رجاله ثقات‏.‏ وأحاديث الباب كلها تدل على حرمة الخروج من أرض وقع بها الطاعون فراراً منه، وكذا الدخول في أرض وقع بها الطاعون‏.‏ لأن الأصل في النهي التحريم‏.‏ ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة‏:‏ الفار منها كالفار من الزحف‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري‏:‏ ومنهم من قال النهي فيه للتنزيه فيكره ولا يحرم‏.‏ وخالفهم جماعة فقالوا‏:‏ يحرم الخروج منها لظاهر النهي الثابت في الأحاديث الماضية‏.‏ وهذا هو الراجح عند الشافعية وغيرهم، ويؤيده ثبوت الوعيد على ذلك‏.‏ فأخرج أحمد وابن خزيمة من حديث عائشة مرفوعاً في اثناء حديث بسند حسن‏:‏ قلت يا رسول الله فما الطاعون‏؟‏ قال غدة كغدة الإبل، المقيم فيها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف انتهى‏.‏ وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ وفي هذه الأحاديث منع القدوم على بلدة الطاعون، ومنع الخروج فراراً من ذلك‏.‏ أما الخروج لعارض فلا بأس‏.‏ وهذا الذي ذكرنا هو مذهبنا ومذهب الجمهور، قال القاضي‏:‏ هو قول الأكثرين حتى قالت عائشة‏:‏ الفرار منه كالفرار من الزحف‏.‏ قال ومنهم من جوز القدوم عليه والخروج منه فراراً‏.‏ ثم قال‏:‏ والصحيح ما قدمناه من النهي عن القدوم عليه والفرار منه لظاهر الأحاديث الصحيحة انتهى‏.‏ وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في أشعة اللمعات‏:‏ ضابطه دروهمين أست كه درانجا كه هست نبا يدر فت وازنجاكه باشد نبايد كريخت واكرحه كريختن در بعض مواضع مثل خانه كه دروى زلزله شده يا آتش كرفته يانشتن درزير ديو اريكه خم شده نزد غلبه ظن بهلاك امده است اما درباب طاعون جز صبرنيا مده وكريختن تجويز نيافته وقياس اين بران مواد فاسد است كه انها از قبيل اسباب عادية اندواين أو اسباب وهمي وبرهد تقدير كريختن ازانجا جائز نيست وهيج جاوارد نشده وهركه بكريز دعاصى ومرتكب كبيره ومردود است نسأل الله العافية انتهى‏.‏ وقال الشيخ إسماعيل المهاجر الحنفي في تفسيره روح البيان‏:‏ والفرار من الطاعون حرام، إلى أن قال‏:‏ وفي الحديث الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف‏.‏ فهذا الخبر يدل على أن النهي عن الخروج للتحريم، وأنه من الكباتر انتهى‏.‏ وقال الزرقاني في شرح الموطأ‏:‏ والجمهور على أنه للتحريم حتى قال ابن خزيمة‏:‏ إنه من الكبائر التي يعاقب اللهعليها إن لم يعف انتهى‏.‏ وقال في شرح المواهب‏:‏ وخالفهم الأكثر وقالوا إنه للتحريم، حتى قال في شرح المواهب‏:‏ وخالفهم الأكثر وقالوا إنه للتحريم، حتى قال ابن خزيمة‏:‏ إنه من الكبائر التي يعاقب عليها إن لم يعف، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الطاعون غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفار منه كالفار من الزحف‏"‏‏.‏ رواه أحمد برجال ثقات وروى الطبراني وأبو نعيم بإسناد حسن مرفوعاً‏:‏ الطاعون شهادة لأمتي ووخز أعدائكم من الجن، غدة كغدة الإبل تخرج في الاَباط والمراق، من مات منه مات شهيداً، ومن أقام به كان كالمرابط في سبيل الله، ومن فر منه كان كالفار من الزحف انتهى قلت والحق أن الخروج من أرض وقع فيها الطاعون فراراً منه حرام‏.‏ وقد ألفت في هذه المسألة رسالة سميتها ‏"‏خير الماعون في منع الفرار من الطاعون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أسامة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

729- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ أَحَبّ لِقَاءَ الله أَحَبّ الله لِقَاءَه

1060- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مِقْدَامٍ، أبُو الأشْعَثِ العِجْلِيّ‏.‏ حدثنا الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيمانَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أبي يُحَدّثُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ الله أَحَبّ الله لِقَاءَهُ‏.‏ ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ الله لِقَاءَهُ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ أبي مُوسَى وأَبي هُرَيْرَةَ وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عُبَادَةَ بنِ الصّامتِ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1061- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ‏.‏ حدثنا خَالِدُ بنُ الْحَارِثِ‏.‏ حدثنا سَعِيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ قال‏:‏ وحدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ وحدثنا مُحَمّدُ بنُ بكْرٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ أنهَا ذَكَرَتْ أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ الله أَحَبّ الله لِقَاءَهُ‏.‏ ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ الله لِقَاءَهُ‏"‏‏.‏ قَالتْ‏:‏ فَقلت‏:‏ يَا رَسُولَ الله كُلّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ ذلِكَ‏.‏ وَلكِنّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشّرَ بِرَحْمَةِ الله ورِضْوَانِهِ وَجَنّتِهِ، أَحَبّ لقاء الله، وأَحَبّ الله لِقَاءَهُ‏.‏ وإنّ الْكافِرَ إِذَا بُشّرَ بِعَذَابِ الله وسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ الله وكَرِهَ الله لِقَاءَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أحب لقاء الله‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ المراد بلقاء الله المصير إلى الله أو الاَخرة، وطلب ما عند الله، وليس الغرض به الموت، لأن كلا يكرهه، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله، لأنه إنما يصل إليه بالموت انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي موسى‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبادة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس كذلك‏)‏ أي ليس الأمر كما ظننت يا عائشة ‏(‏ولكن المؤمن إذا بشر‏)‏ أي عند النزع وحضور الملائكة ففي رواية البخاري‏:‏ ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله الخ‏.‏ وفي حديث أبي هريرة عند مسلم‏:‏ وليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله الخ‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ وهذا الحديث يفسر آخره أوله، ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة‏:‏ من أحب لقاء الله ومن كره لقاء الله‏.‏ ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه، وما أعد له، ويكشف له عن ذلك‏.‏ فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم، ويحب الله لقاءهم فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته، ولا يريد ذلك بهم‏.‏ وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم‏.‏ وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك، ولا أن حبه لقاء الاَخرين حبهم ذلك‏.‏ بل هو صفة لهم انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم‏.‏

730- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ قتَلَ نَفْسَه

1062- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيَسى‏.‏ حدثنا وَكِيعٌ‏.‏ حدثنا إسْرَائِيلُ و شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِر بنِ سَمُرَةَ ‏"‏أنّ رَجُلاً قَتَلَ نَفْسهُ‏.‏ فَلَمْ يُصَلّ عَليْه النبيّ صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيح‏.‏ واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في هذَا، فقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُصَلّى عَلَى كلّ مَنْ صَلّى إِلَى الْقِبْلةِ، وَعَلى قَاتِلِ النّفْسِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وَإِسْحَاقَ‏.‏

وقالَ أحْمَدُ‏:‏ لاَ يُصَلّي الإمَامُ عَلَى قَاتِلِ النّفْسِ، ويُصَلّي عَلَيْهِ غَيْرُ الإمَامِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا قتل نفسه الخ‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه‏.‏ وفي رواية النسائي‏:‏ أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص والمشاقص جمع شقص وهو سهم عريض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أما أنا فلا أصلي عليه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري‏.‏ قوله ‏(‏فقال بعضهم يصلي على كل من صلى للقبلة وعلى قاتل النفس وهو قول سفيان الثورى وإسحاق‏)‏ قال النووي في شرح مسلم تحت هذا الحديث ما لفظه‏:‏ وفي هذا الحديث دليل لمن يقول‏:‏ لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه‏.‏ وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي‏.‏ وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء‏:‏ يصلي عليه‏.‏ وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة‏.‏ وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجراً لهم عن التساهل في الاستدانة، وعن إهمال وفائها، وأمر أصحابه بالصلاة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏صلوا على صاحبكم‏"‏‏.‏ قال القاضي مذهب العلماء كافة‏:‏ الصلاة على كل مسلم‏.‏ ومحدود ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد الزنا‏.‏ وعن مالك وغيره‏:‏ أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجراً لهم‏.‏ وعن الزهري‏:‏ لا يصلى على مرجوم ويصلى على المقتول في قصاص‏.‏ وقال أبو حنيفة رحمه الله‏:‏ لا يصلى على محارب ولا على قتيل الفئة الباغية‏.‏ وقال قتادة‏:‏ لا يصلى على ولد الزنا‏.‏ وعن الحسن‏:‏ لا يصلى على النفساء تموت من زنا، ولا على ولدها‏.‏ ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير‏.‏ واختلفوا في الصلاة على السقط فقال بها فقهاء المحدثين وبعض السلف‏:‏ إذا مضى عليه أربعة أشهر‏.‏ ومنعها جمهور الفقهاء حتى يستهل أو تعرف حياته بغير ذلك‏.‏ وأما الشهيد المقتول في حرب الكفار فقال مالك والشافعي والجمهور‏:‏ لا يغسل ولا يصلى عليه‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ يغسل ولا يصلى عليه‏.‏ وعن الحسن‏:‏ يغسل ويصلى عليه انتهى كلام النووي وقال الشوكاني في النيل‏:‏ وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء إلى أنه يصلى على الفاسق‏.‏ وأجابوا عن حديث جابر بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس‏.‏ وصلت عليه الصحابة‏.‏ ويؤيد ذلك ما عند النسائي‏:‏ أما أنا فلا أصلي عليه انتهى‏.‏ ‏(‏وقال أحمد‏:‏ لا يصلي الإمام على قاتل النفس ويصلي عليه غير الإمام‏)‏ يدل عليه ما في رواية النسائي من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أما أنا فلا أصلي عليه‏"‏‏.‏

731- باب مَا جَاءَ في الصلاة على الْمَدْيُون

1063- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ‏.‏ حدثنا أبو دَاوُدَ‏.‏ حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عُثْمانَ بنِ عَبْدِ الله بنِ مَوْهِبٍ‏.‏ قالَ‏:‏ سَمِعتُ عَبْدَ الله بنَ أبِي قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أبِيهِ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلّي عَليْهِ‏.‏ فقَال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ صَلّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ‏.‏ فإنّ عَليْهِ دَيْناً‏"‏‏.‏

قالَ أبو قَتَادَةَ‏:‏ هُوَ عَلَيّ‏.‏

فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بالْوَفَاءِ‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ بِالوفَاءِ‏.‏ فَصَلّى عَلَيْهِ‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وسَلَمَة بنِ الأكْوَعِ وَأسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبي قَتَادَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1064- حَدّثَنِي أبُو الْفَضْلِ مَكْتُومُ بنُ الْعَبّاسِ الترمذي قالَ‏:‏ حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ صَالِحٍ، قال حَدّثَنِي الّليْثُ قال حدّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قال أَخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرّحْمَن عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُؤتَى بِالرّجُلِ الْمُتَوفَى، عَلَيْهِ الدّيْنُ، فَيَقُولُ ‏"‏هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ‏؟‏‏"‏ فَإِنْ حُدّثَ أنّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلّى عَلَيْهِ‏.‏ وَإِلاّ قالَ لِلْمُسْلِمينَ‏:‏ ‏"‏صَلّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ‏"‏‏.‏

فَلَمّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قامَ فقَالَ‏:‏ ‏"‏أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏.‏ فَمنْ تُوُفّيَ مِنَ المسلمين فتَرَكَ دَيْناً، عَلَيّ قَضَاؤُهُ‏.‏ وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الّليْثِ بنِ سَعْدٍ نحو حديث عبد الله بن صالح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتي‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏برجل‏)‏ أي بجنازة رجل ‏(‏صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً‏)‏ قال القاضي وغيره‏:‏ امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المديون إما للتحذير عن الدين، والزجر عن المماطلة، والتقصير في الأداء، أو كراهة أن يوقف دعاءه بسبب ما عليه من حقوق الناس ومظالمهم‏.‏ وقال القاضي ابن العربي في العارضة‏:‏ وامتناعه من الصلاة لمن ترك عليه ديناً تحذيراً عن التقحم في الديون لئلا تضيع أموال الناس، كما ترك الصلاة على العصاة زجراً عنها، حتى يجتنب خوفاً من العار، ومن حرمان صلاة الإمام وخيار المسلمين انتهى‏.‏ ‏(‏قال أبو قتادة وهو على الخ‏)‏ فيه دليل على جواز الضمان عن الميت سواء ترك وفاء أو لم يترك‏.‏ وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يصح الضمان من حيث لم يخلف وفاء بالاتفاق لو ضمن عن حر معسر ديناً ثم مات من عليه الدين، كان الضمان بحاله‏.‏ فلما لم يناف موت المعسر دوام الضمان لا ينافي ابتداءه‏.‏ قال الطيبي والتمسك بالحديث أولى من هذا القياس ذكره القاري نقلاً عن شرح السنة ثم قال‏:‏ وقال بعض علمائنا تمسك به أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى في إنه تصح الكفالة عن ميت لم يترك مالاً وعليه دين‏.‏ فإنه لو لم تصح الكفالة لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه‏.‏ وقال أبو حنيفة رحمه الله‏:‏ لا تصح الكفالة عن ميت مفلس، لأن الكفالة عن الميت المفلس كفالة بدين ساقط والكفالة بالدين الساقط باطلة‏.‏ والحديث يحتمل أن يكون إقراراً بكفالة سابقة، فإن لفظ الاقرار والانشاء في الكفالة سواء، ولا عموم لحكاية الفعل ويحتمل أن يكون وعداً لا كفالة‏.‏ وكان امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه ليظهر له طريق قضاء ما عليه فلما ظهر صلى عليه صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏ قلت والظاهر ما قال به أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وسلمة بن الأكوع وأسماء بنت يزيد‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه البخاري وأما حديث أسماء بنت يزيد فأخرجه الطبراني كما في عمدة القاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع وفيه قال أبو قتادة‏:‏ صل عليه يا رسول الله وعلى دينه فصلى عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالرجل المتوفي‏)‏ أي بالميت ‏(‏عليه دين‏)‏ جملة حالية ‏(‏فيقول‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من قضاء‏)‏ أي ما يقضي به دينه ‏(‏فإن حدث‏)‏ بصيغة المجهول أي أخبر ‏(‏فلما فتح الله عليه الفتوح‏)‏ أي الفتوحات المالية ‏(‏قام‏)‏ أي على المنبر ‏(‏أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏)‏ أي أولى في كل شيء من أمور الدين والدنيا، ولذا أطلق ولم يقيد، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر عليهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وكذلك شفقته صلى الله عليه وسلم عليهم أحق وأحرى من شفقتهم على أنفسهم فإذا حصلت له الغنيمة يكون هو أولى بقضاء دينهم كذا في المرقاة‏.‏ قال المنذري في الترغيب‏:‏ قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي على المدين، ثم نسخ ذلك وذكر هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما‏.‏

732- باب ما جَاءَ في عَذَابِ الْقَبْر

1065- حدثنا أبُو سَلَمَةَ يَحْيى بنُ خَلَفٍ البَصْرِيّ حدثنا بِشْرُ بنُ الْمُفَضّلِ، عَنْ عَبْدِ الرحمَنِ بنِ إسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُريّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا قُبِرَ الْمَيّتُ ‏(‏أوْ قالَ أَحَدُكُمْ‏)‏ أتَاهُ مَلَكانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ‏.‏ يُقَالُ لإحَدِهِما الْمُنْكَرُ وَالاَخَرُ النّكيرُ‏.‏ فَيَقُولاَنِ‏:‏ مَا كُنْتَ تَقُولُ في هذَا الرّجُلِ‏؟‏ فَيَقُولُ مَا كانَ يَقُولُ‏:‏ هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ‏.‏ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏.‏ فَيَقُولاَنِ‏:‏ قَدْ كُنّا نَعْلَمُ أَنّكَ تَقُولُ هذَا‏.‏ ثمّ يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ سبْعُونَ ذرَاعاً في سَبْعِينَ‏.‏ ثُمّ يُنَوّرُ لَهُ فِيهِ‏.‏ ثُمّ يُقَالُ لَهُ‏:‏ نَمْ‏.‏ فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فأُخْبِرُهُمْ‏؟‏ فَيَقُولاَنِ‏:‏ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوس الّذِي لاَ يُوقِظُهُ إلا أَحَبّ أَهْلِهِ إلَيْهِ، حَتّى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ‏"‏‏.‏

‏"‏وَإِنْ كانَ مُنَافِقاً قالَ‏:‏ سَمِعْتُ النّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ‏.‏ لاَ أدْرِي‏.‏ فيَقُولاَنِ‏:‏ قَدْ كُنّا نَعْلَمُ أنّكَ تَقُولُ ذلِكَ‏.‏ فيُقَالُ لِلأرْضِ‏:‏ الْتَئِمِي عَلَيْهِ‏.‏ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ‏.‏ فَتَخْتَلِفُ فيها أضْلاَعُهُ‏.‏ فَلاَ يَزَالُ فِيهَا مُعَذّباً حتّى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ عَلِي وزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وابنِ عَبّاسٍ والْبَراءِ بنِ عَازِبٍ وَأبي أيّوبَ وأنَسٍ وجَابِرٍ وعَائِشَةَ وأبي سَعِيدٍ‏.‏ كُلّهُمْ رَوَوْا عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم في عَذَابِ الْقَبْرِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

1066- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدثنا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، قالَ‏:‏ قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا مَاتَ الْمَيّتُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ‏.‏ بالغداة والعشيّ فَإِنْ كانَ مِنْ أهْلِ الْجَنّةِ، فَمِنْ أهْلِ الْجَنّةِ‏.‏ وإنْ كانَ مِنْ أهْلِ النّارِ، فَمِنْ أهْلِ النّارِ، ثمّ يُقَالُ‏:‏ هذَا مَقْعَدُكَ حَتّى يَبْعَثَكَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قبر الميت‏)‏ بصيغة المجهول أي إذا أدخل في القبر ودفن ‏(‏أو قال أحدكم‏)‏ شك من الراوي أي أو قال أحدكم مكان لفظ الميت ‏(‏أتاه ملكان أسودان أزرقان‏)‏ بزاء فراء أي أزرقان أعينهما‏.‏ زاد الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن أبي هريرة‏:‏ أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد‏.‏ ونحوه لعبد الرزاق من مرسل عمرو بن دينار وزاد‏:‏ يحفران بأنيابهما ويطآن في أشعارهما، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏ ‏(‏يقال لأحدهما المنكر‏)‏ مفعول من أنكر بمعنى نكر، إذا لم يعرف أحداً ‏(‏وللاَخر النكير‏)‏ فعيل بمعنى مفعول من نكر بالكسر، إذا لم يعرفه أحد، فهما كلاهما ضد المعروف سميا بهما، لأن الميت لم يعرفهما ولم ير صورة مثل صورتهما‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ ذكر بعض الفقهاء أن اسم اللذين يسألان المذنب منكر ونكير، واسم اللذين يسألان المطيع مبشر وبشير ‏(‏فيقولان ما كنت تقول‏)‏ زاد في حديث أنس رضي الله عنه عند البخاري ومسلم‏:‏ فيقعدانه‏.‏ وزاد حديث البراء‏:‏ فتعاد روحه في جسده‏.‏ وزاد ابن حبان من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل المعروف من قبل رجليه، فيقال له اجلس فيجلس، وقد مثلت له الشمس عند الغروب‏.‏ زاد ابن ماجه من حديث جابر‏:‏ فيجلس فيمسح عينيه، ويقول دعوني أصلي‏.‏ ‏(‏في هذا الرجل‏)‏ وفي حديث أنس عند البخاري‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل‏؟‏ لمحمد‏.‏ ولأحمد من حديث عائشة‏:‏ ما هذا الرجل الذي كان فيكم‏؟‏ قال القسطلاني‏:‏ عبر بذلك امتحاناً لئلا يتلقن تعظيمه عن عبارة القائل‏.‏ قيل يكشف للميت حيث يرى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بشرى عظيمة للمؤمن إن صح ذلك‏.‏ ولا نعلم حديثاً صحيحاً مروياً في ذلك والقائل به إنما استند لمجرد أن الإشارة لا تكون إلا للحاضر‏.‏ لكن يحتمل أن تكون الإشارة لما في الذهن فيكون مجاز انتهى كلام القسطلاني ‏(‏فيقول‏)‏ أي الميت ‏(‏ما كان يقول‏)‏ أي قبل الموت ‏(‏قد كنا نعلم أنك تقول هذا‏)‏ أي الإقرار بالوحدانية والرسالة‏.‏ وعلمهما بذلك إما بإخبار الله تعالى إياهما بذلك‏.‏ أو بمشاهدتهما في جبينه أثر السعادة وشعاع نور الإيمان والعبادة‏.‏ ‏(‏لم يفسح‏)‏ بصيغة المجهول أي يوسع ‏(‏سبعون ذراعاً في سبعين‏)‏ أي في عرض سبعين ذراعاً‏.‏ يعني طوله وعرضه كذلك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أصله يفسح قبره مقدار سبعين ذراعاً فجعل القبر ظرفاً للسبعين، وأسند الفعل إلى السبعين مبالغة في السعة ‏(‏ثم ينور له فيه‏)‏ أي يجعل النور له في قبره الذي وسع عليه، وفي رواية ابن حبان‏:‏ وينور له كالقمر ليلة البدر ‏(‏نم‏)‏ أمر من نام ينام ‏(‏فيقول‏)‏ أي الميت لعظيم ما رأى من السرور ‏(‏أرجع إلى أهلي‏)‏ أي أريد الرجوع كذا قيل‏.‏ والأظهر أن الاستفهام مقدر قاله القاري‏.‏ ‏(‏فأخبرهم‏)‏ أي بأن حالي طيب ولا حزن لي ليفرحوا بذلك ‏(‏كنومة العروس‏)‏ هو يطلق على الذكر والأنثى في أول اجتماعهما وقد يقال للذكر العريس ‏(‏الذي لا يوقظه‏)‏ الجملة صفة العروس وإنما شبه نومه بنومة العروس لأنه يكون في طيب العيش ‏(‏إلا أحب أهله إليه‏)‏ قال المظهر‏:‏ عبارة عن عزته وتعظيمه عند أهله يأتيه غداة ليلة زفافه من هو أحب وأعطف فيوقظه على الرفق واللطف ‏(‏حتى يبعثه الله‏)‏ هذا ليس من مقول الملكين بل من كلامه صلى الله عليه وسلم، وحتى متعلق بمحذوف أي ينام طيب العيش حتى يبعثه الله ‏(‏سمعت الناس يقولون‏)‏ وفي بعض النسخ يقولون قولاً وكذلك في المشكاة والمراد بالقول‏:‏ هو أن محمداً رسول الله ‏(‏فقلت مثله‏)‏ أي مثل قولهم ‏(‏لا أدري‏)‏ أي أنه نبي في الحقيقة أم لا، وهو استيناف أي ما شعرت غير ذلك القول، ويحتمل أن يكون في محل النصب على الحال ‏(‏التأمي‏)‏ أي انضمي واجتمحي ‏(‏فيختلف أضلاعه‏)‏ بفتح الهمزة جمع ضلع وهو عظم الجنب، أي تزول عن الهيئة المستوية التي كانت عليها من شدة التئامها عليه وشدة الضغطة، وتجاوز جنبيه من كل جنب إلى جنب آخر ‏(‏فلا يزال فيها‏)‏ أي في الأرض أو في تلك الحالة قوله ‏(‏وفي الباب عن علي رضي الله عنه‏)‏ لم أقف عليه ‏(‏وزيد بن ثابت‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وابن عباس‏)‏ لم أقف عليه ‏(‏والبراء بن عازب‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود‏.‏ وأخرجه أحمد حديثه الطويل‏.‏ وذكره صاحب المشكاة في باب ما يقال عند من حضره الموت‏.‏ وصححه أبو عوانة وغيره كما صرح به الحافظ في التلخيص ‏(‏وأبي أيوب‏)‏ لم أقف عليه ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه أحمد وابن ماجه ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وأبي سعيد‏)‏ أخرجه الدارمي والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرض عليه مقعده‏)‏ أي أظهر له مكانه الخاص من الجنة والنار، وزاد في رواية الصحيحين‏:‏ بالغداة والعشي‏.‏ قال القرطبي‏:‏ يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط، ويحوز أن يكون عليه مع جزء من البدن‏.‏ قال‏:‏ والمراد بالغداة والعشي وقتهما، وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء‏.‏ قال وهذا في حق المؤمن والكافر واضح‏.‏ فأما المؤمن المخلص فيحتمل في حقه أيضاً لأنه يدخل الجنة في الجملة‏.‏ ثم هو مخصوص بغير الشهداء لأنهم أحياء وأرواحهم تسرح في الجنة‏.‏ ويحتمل أن يقال‏:‏ فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها‏.‏ فإن فيه قدراً زائداً على ما هي فيه الاَن انتهى‏.‏ ‏(‏إن كان‏)‏ أي الميت ‏(‏من أهل الجنة فمن أهل الجنة‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ التقدير‏.‏ إن كان من أهل الجنة فمقعد من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه ووقع عند مسلم بلفظ‏:‏ إن كان من أهل الجنة فالجنة‏.‏ أي فالمعروض الجنة ‏(‏هذا‏)‏ أي المقعد المعروض عليك ‏(‏مقعدك حتى يبعثك الله الخ‏)‏ قال ابن التين معناه‏:‏ أي لا تصل إليه إلى يوم البعث‏.‏ قال الحافظ في الفتح في رواية مسلم عن يحي بن يحي عن مالك‏:‏ حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ والمعنى حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد، ويحتمل أن يعود الضمير إلى الله، فإلى الله ترجع الأمور‏.‏ والأول أظهر انتهى‏.‏ ويؤيده رواية الزهرى عن سالم عن أبيه بلفظ‏:‏ ثم يقال هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة‏.‏ أخرجه مسلم انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

733- باب مَا جَاءَ في أجْرِ مَنْ عَزّى مُصَابا

‏(‏باب ما جاء في أجر من عزى مصاباً‏)‏ العزاء الصبر، والتعزية حمله عليه‏.‏

1067- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى‏.‏ حدثنا عَلِيّ بنُ عَاصِمٍ‏.‏ قال‏:‏ حدثنا، والله مُحّمدُ بنُ سُوقَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالَ ‏"‏مَنْ عَزّى مُصَاباً فَلَهُ مِثْلُ أجْرِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حدِيثِ عَلِيّ بنِ عَاصِمٍ‏.‏

وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مُحّمدِ بن سُوقَةَ، بِهذَا الإسْنادِ، مِثْلَهُ مَوْقُوفاً، وَلمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

وَيُقَالُ‏:‏ أَكْثرُ مَا ابتُلِيَ بِهِ عَلِيّ بنُ عَاصِمٍ، بهذَا الْحَدِيثِ‏.‏ نَقَمُوا عَلَيْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يوسف بن عيسى‏)‏ بن دينار أبو يعقوب المروزي ثقة فاضل من العاشرة ‏(‏أخبرنا علي بن عاصم‏)‏ بن صهيب الواسطي التيمي صدوق يخطئ ويصر ورمى بالتشيع من التاسعة ‏(‏أخبرنا والله محمد بن سوقة‏)‏ بضم المهملة الغنوي أبو بكر الكوفي ثقة مرضي عابد من الخامسة‏.‏ ولا حاجة إلى القسم ولعله لوجه اقتضاه عند التحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من عزى مصاباً‏)‏ أي ولو بغير موت بالمأتي لديه أو بالكتابة إليه بما يهون المصيبة عليه، ويحمله بالصبر بوعد الأجر أو بالدعاء له بنحو أعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقك الشكر ‏(‏فله‏)‏ أي فللمعزى ‏(‏مثل أجره‏)‏ أي نحو أجر المصاب على صبره لأن الدال على الخير كفاعله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ والحديث أخرجه ابن ماجة‏.‏ قال ميرك‏:‏ ورواه البيهقي وفي سنده ضعف وقال السيوطي في قوت المغتذي‏:‏ قال الحافظ صلاح الدين العلائي ومن خطه نقلت هذا الحديث‏.‏ أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق حماد بن الوليد عن سفيان الثوري عن محمد بن سوقة به‏.‏ ومن طريق محمد بن عبيد الله العزرمي عن أبي الزبير عن جابر به‏.‏ وتعلق عليه في الأول بحماد بن الوليد فقد قال فيه ابن عدي‏:‏ عامة ما يرويه لا يتابع عليه‏.‏ وقال ابن حبان يسرق الحديث، ويلزق بالثقات ما ليس من حديثهم، ثم ذكر له هذا الحديث‏.‏ وأنه إنما يعرف من حديث علي بن عاصم، لا من حديث الثوري‏.‏ وفي الثاني بالعزرمي فقد قال فيه النسائي ليس بثقة‏.‏ قال العلائي‏:‏ علي بن عاصم أحد الحفاظ المكثرين، ولكن له أوهام كثيرة تكلموا فيه بسببها، ومن جملتها هذا الحديث‏.‏ وقد تابعه عليه عن محمد بن سوقة عبد الحليم بن منصور، لكنه ليس بشيء‏.‏ قال فيه ابن معين والنسائي‏:‏ متروك فكأنه سرقه من علي ابن عاصم‏.‏ وقال الحافظ أبو بكر الخطيب كان أكثر كلامهم فيه، يعني علي بن عاصم بسبب هذا الحديث‏.‏ وقد رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سوقة وإبراهيم بن مسلم هذا ذكره ابن حيان في الثقات ولم يتكلم فيه أحد، وقيس بن الربيع صدوق متكلم فيه لكن حديثه يؤيد رواية علي بن عاصم ويخرج به عن أن يكون ضعيفاً واهياً، فضلاً عن أن يكون موضوعاً‏.‏ وقال يعقوب بن شيبة‏:‏ هذا حديث كوفي منكر يرون أنه لا أصل له مسنداً ولا موقوفاً‏.‏ وقد رواه أبو بكر النهشلي وهو صدوق ضعيف عن محمد بن سوقة قوله‏.‏ قال العلائي‏:‏ وهذه علة مؤثرة لكن يعقوب بن شيبة ما ظفر بمتابعة إبراهيم بن مسلم وقد روى ابن ماجه والبيهقي من طريق قيس بن عمارة مولى الأنصاري، وقد وثقه ابن حبان عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده‏:‏ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من عزى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله حلل الكرامة يوم القيامة‏"‏‏.‏ والظاهر أن في إسناده انقطاعاً انتهى كلام العلائي‏.‏ قوله ‏(‏لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث علي بن عاصم‏)‏ قد عرفت في كلام العلائي المذكور آنفاً أنه رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع، عن قبس بن الربيع، عن محمد بن سوقة ‏(‏موقوفاً‏)‏ أي على عبد الله بن مسعود‏.‏ قال القاري‏:‏ لكن له حكم المرفوع ويعضده خبر ابن ماجه بسند حسن مرفوعاً‏:‏ ما من مسلم يعزي أخاه بمصببة إلا كساء الله من حلل الكرامة يوم القيامة انتهى‏.‏ قلت قد عرفت في كلام العلائي أن الظاهر أن في إسناده انقطاعاً ‏(‏أكثر ما ابتلى به علي بن عاصم بهذا الحديث‏)‏ يعني أن أكثر كلام المحدثين في علي بن عاصم بسبب هذا الحديث‏.‏ قال يعقوب بن شيبة‏:‏ هذا الحديث من أعظم ما أنكره الناس على علي بن عاصم وتكلموا فيه مع ما أنكر عليه سواه‏.‏ كذا في تهذيب التهذيب ‏(‏نقموا عليه‏)‏ أي عابوا وأنكروا عليه‏.‏

734- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ مات يَوْمَ الْجُمعة

1068- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي و أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيّ قالاَ‏:‏ أخبرنا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلاَلٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ، قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمعَةِ إلا وَقَاهُ الله فِتْنَةَ الْقَبْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ قال‏:‏ وهذا حديث ليْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتصِلٍ‏.‏ رَبِيعَةُ بنُ سَيْفٍ، إنما يرْوِيَ عَنْ أبِي عَبْدِ الرّحْمنِ الحُبُلّي، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ‏.‏ وَلاَ نَعْرِفُ لِرَبِيعَةَ بنِ سَيْفٍ سَمَاعاً مِنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو عامر العقدي‏)‏ بفتح المهملة والقاف اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي، ثقة من التاسعة ‏(‏عن ربيعة بن سيف‏)‏ بن مانع الإسكندراني صدوق له مناكير من الرابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة‏)‏ الظاهر أن أو للتنويع لا للشك ‏(‏إلا وقاه الله‏)‏ أي حفظه ‏(‏فتنة القبر‏)‏ أي عذابه وسؤاله وهو يحتمل الإطلاق، والتقييد والأول هو الأولى بالنسبة إلى فضل المولى‏.‏ وهذا يدل على أن شرف الزمان له تأثير عظيم كما أن فضل المكان له أثر جسيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعاً من عبد الله بن عمرو‏)‏ فالحديث ضعيف لانقطاعه، لكن له شواهد‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر هذا الحديث في إسناده ضعف وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه، وإسناده أضعف انتهى‏.‏ وقال القاري في المرقاة‏:‏ ذكره السيوطي في باب‏:‏ من لا يسأل في القبر‏:‏ وقال أخرجه أحمد والترمذي، وحسنه وابن أبي الدنيا عن ابن عمرو ثم قال‏:‏ وأخرجه ابن وهب في جامعه، والبيهقي أيضاً من طريق آخر عنه بلفظ‏:‏ إلا برئ من فتنة القبر‏.‏ وأخرجه البيهقي أيضاً ثالثة عنه موقوفاً بلفظ وقي الفتان‏.‏ قال القرطبي‏:‏ هذه الأحاديث أي التي تدل على نفي سؤال القبر لا تعارض أحاديث السؤال السابقة‏.‏ أي لا تعارضها بل تخصها، وتبين من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه، فمن يجري عليه السؤال ويقاسي تلك الأهوال‏.‏ وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس، ولا مجال للنظر فيه‏.‏ وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المصدوق‏.‏ قال الحكيم الترمذي‏.‏ ومن مات يوم الجمعة فقد انكشف له الغطاء عما له عند الله لأن يوم الجمعة لا تسجر فيه جهنم وتغلق أبوابها، ولا يعمل سلطان النار فيه ما يعمل في سائر الأيام، فإذا قبض الله عبداً من عبيده فوافق قبضه يوم الجمعة كان ذلك دليلاً لسعادته وحسن مآبه، وإنه لا يقبض في هذا اليوم إلا من كتب له السعادة عنده، فلذلك يقيه فتنة القبر، لأن سببها إنما هو تمييز المنافق من المؤمن، قلت‏:‏ ومن تتمة ذلك أن من مات يوم الجمعة له أجر شهيد، فكان على قاعدة الشهداء في عدم السؤال‏.‏ كما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن جابر‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء‏"‏‏.‏ وأخرج حميد في ترغيبه عن إياس ابن بكير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من مات يوم الجمعة كتب له أجر شهيد، ووقي فتنة القبر‏"‏‏.‏ وأخرج من طريق ابن جريح عن عطاء قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما من مسلم أو مسلمة يموت في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقى عذاب القبر، وفتنة القبر ولقي الله ولا حساب عليه، وجاء يوم القيامة ومعه شهود يشهدون له أو طابع‏"‏‏.‏ وهذا الحديث لطيف صرح فيه بنفي الفتنة والعذاب معاً انتهى كلام السيوطي‏.‏

735- باب مَا جَاءَ في تَعْجِيلِ الْجَنَازَة

1069- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الله الْجُهَنِيّ، عَنْ محمّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ ‏"‏يَا عَليّ ثَلاَثٌ لاَ تُؤَخّرْهَا‏:‏ الصّلاَةُ إذَا آتَتْ‏.‏ وَالْجَنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ‏.‏ وَالأيّمُ إِذَا وَجَدَتّ لَهَا كُفْؤاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتّصِلٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن عبد الله الجهني‏)‏ قال العراقي‏:‏ ليس له في الكتب ولا يعرف في هذا إلا هذا الحديث‏.‏ ولا يعرف إلا برواية ابن وهب عنه‏.‏ وقال فيه أبو حاتم مجهول وذكره ابن حبان في الثقات كذا في قوت المغتذي‏.‏ قلت‏:‏ وقال الحافظ في التقريب مقبول ‏(‏عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب‏)‏ صدوق من السادسة وروايته عن جده مرسلة كذا في التقريب ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي عمر بن علي بن أبي طالب، ثقة من الثالثة، مات زمن الوليد وقيل قبل ذلك‏.‏ قال الحافظ قوله ‏(‏ثلاث‏)‏ أي من المهمات وهو المسوغ للابتداء، والمعنى ثلاثة أشياء ‏(‏الصلاة‏)‏ بالرفع أي منها أو إحداها ‏(‏إذا آنت‏)‏ أي حانت، قال العراقي هو بمد الهمزة بعدها نون ومعناها إذا حضرت، هكذا ضبطناه في أصول سماعنا‏.‏ قال‏:‏ ووقع في روايتنا في مسند أحمد‏:‏ إذا أتت بتاء مكررة وبالقصر، والأول أظهر كذا في قوت المغتذي ‏(‏والجنازة إذا حضرت‏)‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ قال الأشرف‏:‏ فيه دليل على أن الصلاة على الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة‏.‏ نقله الطيبي وهو كذلك عندنا أيضاً‏:‏ إذا حضرت في تلك الأوقات من الطلوع والغروب والاستواء‏.‏ وأما إذا حضرت قبلها، وصلى عليها في تلك الأوقات فمكروهة، وأما بعد الصبح وقبله وبعد العصر فلا تنكره مطلقاً انتهى ‏(‏والأيم‏)‏ بتشديد الياء المكسورة أي المرأة للعزبة ولو بكرا قاله القاري يعني التي لا زوج لها ‏(‏إذا وجدت لها كفواً‏)‏ الكفؤ المثل وفي النكاح‏:‏ أن يكون الرجل مثل المرأة في الإسلام، والحرية، والصلاح، والنسب، وحسن الكسب، والعمل‏.‏ قاله القاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب وما أرى إسناده متصلاً‏)‏ وأخرجه ابن ماجه صفحة 108 والحاكم وابن حبان‏.‏ قال ميرك‏:‏ رجاله ثقات والظاهر أن إسناده متصل‏.‏ قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث عن جامع الترمذي ما لفظه‏:‏ أخرجه الحاكم في المستدرك في النكاح وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه انتهى‏.‏ إلا أني وجدته قال عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحى عوض سعيد بن عبد الله الجهني فلينظر انتهى‏.‏

736- باب آخَرُ فِي فَضْلِ التَعْزِيَة

1070- حدثنا مُحَمّدُ بنُ حَاتِمٍ الْمُؤدّبُ حدثنا يونُسُ بنُ مُحَمّدٍ قال‏:‏ حَدّثَتْنَا أُمّ الأَسْوَدِ عَنْ مُنْيَةَ بنت عُبيْدِ بنِ أبي بَرْزَةَ، عَنْ جَدّها أبي بَرْزَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ عَزّى ثَكْلَى، كُسِيَ بُرْداً في الْجَنّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث غريب وليس اسناده بالقويّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثتنا أم الأسود‏)‏ الخزاعية ويقال الأسلمية ثقة من السابعة ‏(‏عن منية‏)‏ بضم الميم وبسكون النون بعدها تحتانية ‏(‏ابنة عبيد‏)‏ بالتصغير، قال الحافظ في التقريب‏:‏ لا يعرف حالها من الرابعة قوله‏:‏ ‏(‏من عزى ثكلى‏)‏ بفتح المثلثة مقصور المرأة التي فقدت ولدها ‏(‏كسى‏)‏ بصيغة المجهول أي ألبس ‏(‏بردا‏)‏ أي ثوباً عظيماً مكافأة على تعزيتها‏.‏ قال المناوي في شرح الجامع الصغير‏:‏ لا يعزي المرأة الشابة إلا زوجها أو محرمها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي‏)‏ لأنه فيه منية بنت عبيد، وهي مجهولة كما عرفت‏.‏

737- باب مَا جَاءَ في رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْجَنَازَة

1071- حدثنا الْقَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الْكُوفِيّ‏.‏ حدثنا إسمَاعِيلُ بنُ أَبَانَ الوَرّاقُ عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْلَى، عَنْ أبي فَرْوَةَ يَزِيدَ بنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدٍ ‏(‏وهما بن أبي أُنَيْسَةَ‏)‏ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَبّرَ عَلَى جَنَازَةٍ‏.‏ فَرَفَعَ يَدَيْهِ في أوّلِ تَكبِيرَةٍ، وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هذَا الْوَجْهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ في هذَا‏.‏ فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ العْلِمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، أنْ يَرْفَعَ الرّجُلُ يَدَيْهِ، في كُلّ تَكْبِيرَةٍ، عَلَى الجَنَازَةِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ ابنِ الْمُبَارَكِ والشّافِعِيّ وأحْمدَ وَإسْحَاقَ‏.‏

وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلاّ في أوّلِ مَرّةٍ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الثوْرِيّ وأهْلِ الْكُوفَةِ‏.‏

وذُكِرَ عَنِ ابنِ الْمُبَارَكِ أنّهُ قالَ ‏(‏في الصّلاَةِ عَلَى الْجَنَازَةِ‏)‏‏:‏ لاَ يَقْبِضُ يَمِينِهِ عَلَى شِمَالهِ‏.‏

وَرَأَى بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ أنْ يَقْبِضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ كما يَفْعَلُ في الصّلاَةِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ‏(‏يقبض‏)‏ أَحَبّ إلَيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا القاسم بن دينار الكوفي‏)‏ ثقة من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا اسماعيل بن أبان الوراق‏)‏ ثقة تكلم فيه للتشيع ‏(‏عن يحي بن يعلى الأسلمي‏)‏ الكوفي شيعي ضعيف من التاسعة ‏(‏عن أبي فروة يزيد بن سنان‏)‏ الرهاوي ضعيف من كبار السابعة ‏(‏عن زيد بن أبي أنيسة‏)‏ بالتصغير ثقة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى‏)‏ فيه دليل لمن قال برفع اليدين في التكبيرة الأولى دون التكبيرات الباقية والحديث ضعيف قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأعله ابن القطان في كتابه بأبي فروة ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي وابن معين والعقيلي قال‏:‏ وفيه علة أخرى وهو أن يحي بن يعلى الراوي عن أبي فروة هو وأبو زكريا القطواني الأسلمي هكذا صرح به عند الدارقطني وهو ضعيف‏.‏ قلت قال ابن حبان في أبي فروة كثير الخطأ لا يعجبني الاحتجاج به إذا وافق الثقات‏.‏ فكيف إذا انفرد‏؟‏ وثم نقل عن ابن معين أنه قال‏:‏ ليس بشيء كذا في نصب الراية قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ واستدل لهم بحديث ابن عمر رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة، وإذا انصرف سلم‏.‏ أخرجه الدارقطني في علله عن عمر بن شيبة‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر فذكره وقال هكذا‏.‏‏.‏‏.‏ رفعه عمر بن أبي شيبة‏.‏ وخالفه جماعة فرووه عن يزيد بن هارون موقوفاً، وهو الصواب‏.‏ ولم يرو البخاري في كتابه المفرد في رفع اليدين شيئاً في هذا الباب، إلا حديثاً موقوفاً على ابن عمر، وحديثاً موقوفاً على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه‏.‏ كذا في نصب الراية‏.‏ قلت‏:‏ لم أجد حديثاً مرفوعاً صحيحاً في هذا الباب قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم لا يرفع يديه إلا في أول مرة وهو قول الثورى وأهل الكوفة‏)‏ واسدل لهم بحديث الباب وقد عرفت أنه ضعيف، واستدل لهم أيضاً بحديث ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود‏.‏ أخرجه الدارقطني في سننه عن الفضل بن السكن حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس فذكره وسكت عنه، لكن أعله العقيلي في كتابه بالفضل بن السكن وقال إنه مجهول‏.‏ كذا في نصب الراية‏.‏ قلت‏:‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ الفضل بن السكن الكوفي عن هشام بن يوسف لا يعرف وضعفه الدارقطني انتهى‏.‏

738- باب ما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏"‏نَفْس الْمؤمنِ مُعَلّقَةٌ بِدَينِهِ حَتّى يُقْضَى عَنْهُ‏"‏

1072- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ‏.‏ حدثنا أبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، قال‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتّى يُقْضَى عَنْهُ‏"‏‏.‏

1073- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بشّارٍ‏.‏ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي‏.‏ حدثنا إبرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيه، عَنْ عُمَرَ بنِ أبي سَلَمةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتّى يُقْضَى عَنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَهُوُ أَصَحّ مِنَ الأوّلِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نفس المؤمن معلقة‏)‏ قال السيوطي أي محبوسة عن مقامها الكريم وقال العراقي أي أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضي ما عليها من الدين أم لا انتهى‏.‏ وسواء ترك الميت وفاء أم لا كما صرح به جمهور أصحابنا، وشذ الماوردي فقال‏:‏ إن الحديث محمول على من يخلف وفاء كذا في قوت المغتذي‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضي عنه‏.‏ وهذا مقيد بمن له مال يقضي منه دينه‏.‏ وأما من لا مال له ومات عازماً على القضاء، فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه، وإن كان له مال ولم يقض منه الورثة‏.‏ أخرج الطبراني عن أبي أمامة مرفوعاً‏:‏ من دان بدين في نفسه وفاؤه، ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء‏.‏ ومن دان بدين وليس في نفسه وفاؤه ومات، اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة‏.‏ وأخرج أيضاً من حديث ابن عمر‏:‏ الدين دينان‏.‏ فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه، ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته، ليس يومئذ دينار ولا درهم‏.‏ وأخرج أحمد وأبو نعيم في الحلية والبزار والطبراني بلفظ‏:‏ يدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز وجل فيقول‏:‏ يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين‏؟‏ وفيم ضيعت حقوق الناس‏؟‏ فيقول‏:‏ يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ولكن أتي على يدي إما حرق، وإما سرق وإما وضيعة‏.‏ فيقول الله‏:‏ صدق عبدي وأنا أحق من قضى عنك‏.‏ فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته‏.‏ هكذا ذكر الشوكاني هذه الأحاديث بغير الإسناد ولم يتكلم عليها بشيء من الصحة والضعف، ثم ذكر حديث أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله‏.‏ أخرجه البخاري ثم ذكر حديث ميمونة‏:‏ ما من مسلم يدان ديناً، يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أدى الله عنه في الدنيا والاَخرة‏.‏ قال أخرج الحاكم بلفظ‏:‏ من تداين بدين في نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء‏.‏ ثم قال وقد ورد أيضاً ما يدل على أن من مات من المسلمين مديوناً فدينه على من إليه ولاية أمور المسلمين يقضيه عنه من بيت مالهم، وإن كان له مال كان لورثته‏.‏ أخرج البخاري من حديث أبي هريرة‏:‏ ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والاَخرة‏.‏ اقرؤا إن شئتم ‏{‏النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏}‏ فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه‏.‏ وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه في حديث آخر‏:‏ من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلى وعلى‏.‏ وأنا أولى بالمؤمنين‏.‏

قال الشوكاني وفي معنى ذلك عدة أحاديث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالها بعد أن كان يمتنع من الصلاة على المديون، فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مديوناً‏.‏ وقضى عنه وذلك مشعر من مات مديوناً استحق أن يقضي عنه دينه من بيت مال المسلمين‏.‏ وهو أحد المصارف الثمانية فلا يسقط حقه بالموت‏.‏ ودعوى من ادعى اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك ساقطة‏.‏ وقياس الدلالة ينفي هذه الدعوى في مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وأنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه‏"‏‏.‏ أخرجه أحمد وابن ماجه وسعيد بن منصور والبيهقي‏.‏ وهم لا يقولون أن ميراث من لا وارث له مختص برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد أخرج الطبراني من حديث سلمان ما يدل على انتفاء هذه الخصوصية المدعاة ولفظه‏:‏ من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ديناً فعلي، وعلى الولاة من بعدي من بيت المال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه قال الشوكاني‏:‏ رجال إسناده ثقات إلا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمَن وهو صدوق يخطئ انتهى‏.‏