فصل: 752- باب مَا جَاءَ لاَ نِكاحَ إِلاّ بِوَلِي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


752- باب مَا جَاءَ لاَ نِكاحَ إِلاّ بِوَلِي

1095- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ‏.‏ أَخْبرَنا شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله عنْ أبي إسْحاقَ‏.‏ وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبي إسْحَاقَ‏.‏ ح وَحَدّثَنَا محمد بن بشّار‏.‏ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمنِ بنُ مَهْدِي عنْ إسْرَائِيلَ، عنْ أبي إسْحَاقَ‏.‏ ح وحَدّثَنَا عَبْدُ الله بنُ أبي زِيَادٍ‏.‏ حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عنْ يُونُسَ بنِ أَبي إسْحَاقَ، عنْ أبي إسْحَاقَ، عنْ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي مُوسَى قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ نِكاحَ إلاّ بِوَلِي‏"‏‏.‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وَأنَسٍ‏.‏

1096- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ سُلَيْمانَ بن موسى، عنِ الزّهْرِيّ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَائِشَةَ أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏أيّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهَا، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ‏.‏ فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ‏.‏ فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ‏.‏ فإنْ دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا‏.‏ فإنِ اشْتَجَرُوا، فالسّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لاَ وَلِيّ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأنْصَارِيّ ويَحْيَى بنُ أَيّوبَ وسُفْيَانُ الثّوْرِيّ وغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفّاظِ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، نَحْوَ هذَا‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وحدِيثُ أبي مُوسَى حدِيثٌ فِيهِ اخْتِلاَفٌ‏.‏ رَوَاهُ إسْرَائِيلُ وَشَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله وأبُو عَوَانَةَ وزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ وقَيْسُ بنُ الرّبيعِ عن أبي إسْحَاقَ، عنْ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي مُوسَى، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وروى أَسْبَاطُ بنُ محمّدٍ وزَيْدُ بنُ حُبَابٍ عنْ يُونُسُ بنِ أَبي إسْحَاقَ، عنْ أبي إسْحَاقَ، عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَرَوَى أبُو عُبَيْدَةَ الحَدّادُ عن يُونُسَ بنِ أبي إسْحَاقَ، عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ‏.‏ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ‏"‏عنْ أبي إسْحَاقَ‏"‏‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عنْ يُونُسَ بنِ أبي إسْحَاقَ، عن ابي اسحاق عنْ أَبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضاً‏.‏

وَرَوَى شُعْبَةُ والثّوْرِيّ عنْ أبي إسْحَاقَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ نِكاحَ إلاّ بِوَلِي‏"‏‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عنْ سُفْيَانَ، عنْ أبي إسْحَاقَ، عنْ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي مُوسَى‏.‏ وَلاَ يَصِحّ‏.‏

وَرِوَايَةُ هؤُلاَءِ الْذِينَ رَوَوْا عنْ أبي إسْحَاقَ، عنْ أبي بُردَةَ، عنْ أبي مُوسَى، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا نِكاحَ إلاّ بِولِي‏"‏ عِنْدِي أصَحّ‏.‏ لأنّ سَمَاعَهُمَ مِنْ أبي إسْحَاقَ في أوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ‏.‏ وإنْ كانَ شُعْبَةُ والثّوْرِيّ أَحْفَطَ وأَثْبَتَ مِنْ جَمِيعِ هؤُلاَءِ الّذِينَ رَوَوْا عنْ أبي إسْحَاقَ هذَا الْحَدِيثَ‏.‏ فَإِنّ رِوَايَةَ هؤُلاَءِ عِنْدِي أشْبَهُ‏.‏ لأِنّ شُعْبَةَ والثّوْريّ سَمِعَا هَذَا الحديثَ منْ أبي إسحَاقَ في مَجْلَسٍ واحِدٍ‏.‏ وَمِمّا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا حَدّثَنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ‏:‏ قال حدثنا أبُو دَاوُدَ‏:‏ قال أنْبَأَنَا شُعْبَةُ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ يَسْأَل أبَا إسْحَاقَ‏:‏ أَسَمِعْتَ أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ نِكاحَ إلاّ بِوَلِي‏"‏‏؟‏ فقالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

فدَلّ هذَا الحَديِثُ عَلَى أنْ سَمَاعَ شُعْبَةَ والثّوْرِيّ عن مكحول هذَا الحَدْيِثِ في وقْتِ واحِدٍ‏.‏ وإسْرائِيلُ هو ثقة ثَبْتٌ في أبي إسْحَاقَ‏.‏

سَمِعْتُ مُحَمّدَ بنِ المُثَنّى يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْد الرّحْمَنِ بن مَهْدِي يَقُولُ‏:‏ مَا فَاتَنِي مِنْ حدِيثِ الثّوْريّ عنْ أبي إسْحَاقَ، الذي فاتنى إلاّ لَمّا أتّكَلْتُ بِهِ عَلَى إسْرائيِلَ، لأنّهُ كانَ يَأتِي بِهِ أتمّ‏.‏

وحديثُ عائِشَةَ في هذا البابِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏لاَ نِكاحَ إلاّ بِوَلِي‏"‏ حَديثٌ عندي حسنٌ‏.‏ رَوَاهُ ابنُ جُرَيْجٍ عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى، عنِ الزّهْرِيّ، عنْ عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَرَوَاهُ الحَجّاجُ بنُ أَرْطَاةَ وجَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ عِن الزّهْرِيّ، عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَرُوِيَ عنْ هِشَام بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبيهِ، عنْ عائِشَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلهُ‏.‏ وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أصحاب الحديثِ في حَديثِ الزّهْرِيّ، عنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قالَ ابنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ثمّ لَقِيتُ الزّهْرِيّ فَسَأَلْتُهُ فَأَنْكَرَهُ‏.‏ فَضَعّفُوا هذَا الحَديثَ مِنْ أجْلِ هذَا‏.‏ وذُكِرَ عنْ يَحْيَى بنِ مَعينٍ، أنّهُ قالَ‏:‏ لَمْ يَذْكُرْ هذَا الحَرْفَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ إلاّ إسْمَاعِيلُ بنُ إبرَاهِيمَ‏.‏ قالَ يَحْيَى بنُ مَعِينٍ‏:‏ وَسَمَاعُ إسْمَاعيلَ بنِ إبْراَهِيمَ عنَ ابنِ جُرَيْجِ لَيْسَ بِذاكَ‏.‏ إنمَا صَحّح كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ عَبْدِ المجِيدِ بنِ عَبْدِ العَزيزِ بنِ أبي رَوّادٍ مَا سَمِعَ مِنِ ابنِ جُرَيْج‏.‏

وَضَعّفَ يَحْيَى رِوَايَةَ إسْمَاعيلَ بنِ إبْراهِيمَ عنِ ابنِ جُرَيجٍ‏.‏

وَالعَمَلُ في هذَا البابِ عَلَى حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏لاَ نِكاحَ إلاّ بِوَلَي‏"‏ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، وَعَلِيّ بنُ أبي طالِبٍ، وعَبْدُ الله بنُ عَبّاسٍ وأبوُ هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

وَهكذَا رُوِيَ عنْ بَعْضِ فقَهاءِ التّابِعِينَ أنهُمْ قَالوا‏:‏ لا نِكاح إلاّ بِوَلِي‏.‏ مِنْهُمْ سَعِيدُ بنُ المُسَيّبِ والحَسَنُ البَصْرِيّ وشُرَيْحٌ وإبْرَاهِيمُ النّخَعِيّ وعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

وَبِهذَا يَقُولُ سُفْيانُ الثّوْرِيّ والأوْزَاعِيّ وعبْدُ الله بنُ المُبَاركِ ومالك والشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ وَإسْحَاقُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن أبي بردة‏)‏ بن موسى الأشعري روى عن أبيه وجماعة، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وجماعة، قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثانية ‏(‏لا نكاح إلا بولي‏)‏ قال السيوطي‏:‏ حمله الجمهور على نفي الصحة، وأبو حنيفة على نفي الكمال انتهى قلت‏:‏ الراجح أنه محمول على نفي الصحة، بل هو المتعين كما يدل عليه حديث عائشة الاَتي وغيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ مرفوعاً بلفظ‏:‏ أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث‏.‏ أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم كذا في فتح الباري ‏(‏وابن عباس‏)‏ مرفوعاً بلفظ‏:‏ لا نكاح إلا بولي‏.‏ والسلطان ولي من لا ولي له‏.‏ أخرجه الطبراني وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وفيه مقال‏.‏ وأخرجه سفيان في جامعه، ومن طريقه الطبراني في الأوسط بإسناد آخر حسن عن ابن عباس بلفظ‏:‏ لا نكاح إلا بولي مرشد أو سلطان‏.‏ كذا في فتح الباري ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها‏.‏ أخرجه ابن ماجه، والدارقطني والبيهقي‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ الصحيح وقفه على أبي هريرة‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ رجاله ثقات كذا في النيل ‏(‏وعمران بن حصين‏)‏ مرفوعاً بلفظ لا نكاج إلا بولي وشاهدى عدل‏.‏ أخرجه أحمد والدارقطني والطبراني والبيهقي من حديث الحسن عنه، وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك، ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلاً، وقال‏:‏ هذا وإن كان منقطعاً فإن أكثر أهل العلم يقولون به‏.‏ كذا في التلخيص‏.‏ ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه ابن عدى كذا في شرح سراج أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو ابن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق، صدوق فقيه في حديثه بعض لين، خولط قبل موته بقليل كذا في التقريب‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ وثقه رحيم وابن معين، وقال ابن عدى‏:‏ تفرد بأحاديث وهو عندي ثبت صدوق‏:‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوى‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ محله الصدق، في حديثه بعض الاضطراب‏.‏ قال ابن سعد‏:‏ مات سنة تسع عشرة ومائة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أيما امرأة نكحت‏)‏ أي نفسها وأيما من ألفاظ العموم في سلب الولاية عنهن من غير تخصيص ببعض دون بعض أي أيما امرأة زوجت نفسها ‏(‏فنكاحها باطل فنكاحها باطل‏.‏ فنكاحها باطل‏)‏ كرر ثلاث مرات للتأكيد والمبالغة ‏(‏بما استحل‏)‏ أي استمتع ‏(‏فإن اشتجروا‏)‏ أي الأولياء أي اختلفوا وتنازعوا اختلافاً للعضل كانوا كالمعدومين قاله القاري‏.‏ وفي مجمع البحار‏:‏ التشاجر الخصومة‏.‏ والمراد المنع من العقد دون المشاحة في السبق إلى العقد، فأما إذا تشاجروا في العقد ومراتبهم في الولاية سواء، فالعقد لمن سبق إليه منهم إذا كان ذلك نظراً منه في مصلحتها انتهى ‏(‏فالسلطان ولي من لا ولي له‏)‏ لأن الولي إذا امتنع من التزويج فكأنه لا ولي لها فيكون السلطان وليها، وإلا فلا ولاية للسلطان مع وجود الولي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم كما عرفت من كلام الحافظ‏.‏ وقال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ أخرجه الأربعة إلا النسائي وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم انتهى‏.‏ وقال في التلخيص‏:‏ وقد تكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال‏:‏ ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره، قال‏:‏ فضعف الحديث من أجل هذا‏.‏ لكن ذكر عن يحي بن معين أنه قال‏:‏ لم يذكر هذا عن ابن جريج غير ابن علية‏.‏ وضعف يحي رواية ابن علية عن ابن جريج انتهى‏.‏ وحكاية ابن جريج هذه وصلها الطحاوي عن ابن أبي عمران عن يحي بن معين عن ابن علية عن ابن جريج‏.‏ ورواه الحاكم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج‏:‏ سمعت سليمان سمعت الزهري، وعد أبو القاسم بن مندة عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلاً، وذكر أن معمراً وعبيد الله بن زحر تابعاً ابن جريج على روايته إياه عن سليمان بن موسى‏.‏ وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعو سليمان بن موسى عن الزهري‏.‏ قال ورواه أبو مالك الجنبي‏.‏ ونوح ابن دراج، ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه الحاكم من طريق أحمد عن ابن علية عن ابن جريج وقال في آخره‏:‏ قال ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه، وسألته عن سليمان بن موسى فأثنى عليه قال‏:‏ وقال ابن معين‏:‏ سماع ابن علية من ابن جريج ليس بذاك‏.‏ قال‏:‏ وليس أحد يقول فيه هذه الزيادة غير ابن علية‏.‏ وأعل ابن حبان وابن عدى وابن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن ابن جريج‏.‏ وأجابوا عنها على تقدير الصحة بأنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه‏.‏ وقد تكلم عليه أيضاً الدارقطني في جزء من حدث ونسي، والخطيب بعده وأطال في الكلام عليه البيهقي في السنن وفي الخلافيات‏:‏ وابن الجوزي في التحقيق‏.‏ وأطال الماوردي في الحلوى في ذكر ما دل عليه هذا الحديث من الأحكام نصاً واستنباطاً فأفاد انتهى‏.‏

فإن قلت إن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تجيز النكاح بغير ولي كما روى مالك أنها زوجت بنت عبد الرحمن أخيها وهو غائب فلما قدم قال‏:‏ أمثلي يفتات عليه في بناية‏؟‏ فهذا يدل على ضعف حديث عائشة المذكور فإنه يدل على اشتراط الولي قلت قال الحافظ‏:‏ لم يرد في الخبر التصريح بأنها باشرت العقد فقد يحتمل أن تكون البنت المذكورة ثيباً ودعت إلى كفء وأبوها غائب فانتقلت الولاية إلى الولي الأبعد أو إلى السلطان‏.‏ وقد صح عن عائشة أنها أنكحت رجلاً من بني أخيها فضربت بينهم بشر، ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلاً فأنكح، ثم قالت‏:‏ ليس إلى النساء نكاح‏.‏ أخرجه عبد الرزاق كذا في فتح الباري قوله‏:‏ ‏(‏رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله الخ‏)‏ هذا بيان الاختلاف الذي وقع في إسناد حديث أبي موسى، وقد رجح الترمذي رواية اسرائيل وشريك وغيرهما الذين رووا الحديث مسنداً متصلاً، على رواية شعبة والثوري المرسلة- لأجل أن سماعهم من أبي إسحاق في مجالس وأوقات مختلفة، وسماعهم منه في مجلس واحد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وإسرائيل هو ثبت في أبي إسحاق الخ‏)‏ قال الحافظ في فتح الباري‏.‏ وأخرج ابن عدي عن عبد الرحمن بن مهدي، قال‏:‏ إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة وسفيان وأسند الحاكم من طريق علي ابن المديني، ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم ـ‏:‏ أنهم صححوا حديث إسرائيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروى الحجاج بن أرطاة وجعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة‏)‏ فتابع الحجاج وجعفر سليمان بن موسى في روايته هذا الحديث عن الزهري، ولم يتفرد به‏.‏ ‏(‏قال ابن جريج‏:‏ ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره‏)‏ أي قال ابن جريج في آخر الحديث ‏(‏فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا‏)‏ وقد تقدم الجواب عن هذا، فتذكر‏.‏ ‏(‏لم يذكر هذا الحرف‏)‏ أي‏:‏ ثم لقيت الزهرى فسألته فأنكره‏.‏ ‏(‏إلا إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ وهو المعروف بابن علية‏:‏ ثقة حافظ ‏(‏إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد‏)‏ بفتح الراء وتشديد الواو الأزدى، أبي عبد الحميد المكي ‏(‏روى‏)‏ عن ابن جريج فأكثر، قال أحمد ويحي‏:‏ ثقة يغلو في الإرجاء، وقال الدارقطني‏:‏ يعتبر به، ولا يحتج به‏.‏ كذا في الخلاصة‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ صندوق يخطئ، أفرط ابن حبان فقال‏:‏ متروك‏.‏ ‏(‏ما سمع من ابن جريج‏)‏ أي لم يسمع إسماعيل من ابن جريج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا نكاح إلا بولي‏"‏ عند أهل العلم الخ‏)‏ قد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح‏:‏ فذهب الجمهور إلى ذلك، وقالوا‏:‏ لا تزوج المرأة نفسها أصلاً‏.‏ واحتجوا بأحاديث الباب‏.‏ وذهب أبو حنيفة‏:‏ إلى أنه لا يشترط الولي أصلاً، ويجوز أن تزوج نفسها- ولو بغير إذن وليها- إذا تزوجت كفئاً‏.‏ واحتج بالقياس على البيع‏:‏ فإنها تستقل به‏.‏ وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي، على الصغيرة‏.‏ وخص بهذا القياس عمومها‏.‏ وهو عمل سائغ في الأصول، وهو جواز تخصيص العموم بالقياس‏.‏ لكن حديث معقل يدفع هذا القياس، ويدل على اشتراط الولي في النكاح دون غيره، ليندفع عن موليته العار باختيار الكفء‏.‏ وانفصل بعضهم عن هذا الإيراد، بالتزامهم اشتراط الولي، ولكن لا يمنع ذلك تزويج نفسها، ويتوقف ذلك على إجازة الولي‏.‏ كما قالوا في البيع‏.‏ وهو مذهب الأوزاعي‏.‏ وقال أبو ثور نحوه‏.‏ لكن قال‏:‏ يشترك إذن الولي لها في تزويج نفسها‏.‏ وتعقب بأن إذن الولي لا يصح إلا لمن ينوب عنه، والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها‏.‏ ولو أذن لها في إنكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها‏.‏ ولا يصح‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏ قلت‏:‏ أراد بحديث معقل ما رواه البخاري في صحيحه عن الحسن‏:‏ ‏"‏فلا تعضلوهن‏"‏ قال‏:‏ حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه‏.‏ قال‏:‏ زوجت أختاً لي من رجل وطلقها‏.‏ حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها‏.‏ فقلت له‏:‏ زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها‏.‏ ثم جئت تخطبها‏؟‏ لا والله لا تعود إليك أبداً‏.‏ وكان رجلاً لا بأس به‏.‏ وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه‏.‏ فأنزل الله هذه الأية ‏{‏فلا تعضلوهن‏}‏ فقلت‏:‏ الاَن أفعل يا رسول الله‏.‏ فزوجها إياه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تزوج ونفسها لم تحتج إلى أخيها‏.‏ ومن كان أمره إليه لا يقال‏.‏ إن غيره منعه منه‏.‏ قال‏:‏ وذكر ابن مندة‏:‏ أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك انتهى‏.‏ قلت‏:‏ القول القوي الراجح هو قول الجمهور‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

753- باب مَا جَاء لاَ نِكاحَ إلاّ ببَيّنِة

1097- حدثنا يُوسُفُ بنُ حَمَادٍ البَصْرِيّ حدثنا عَبْدُ الأعْلَى عنْ سَعِيدٍ، عن قَتَادَةَ، عنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏البَغَايَا اللاتي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنّ بِغَيْرِ بيّنَةٍ‏"‏‏.‏‏.‏

قالَ يُوسفُ بنُ حَمّادٍ‏:‏ رَفَعَ عَبْدُ الأعْلَى هَذَا الحَديثَ في التّفْسِيرِ‏.‏ وأَوْقَفَهُ في كِتَابِ الطّلاَقِ، ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

1098- حدثنا قُتَيْبَةَ حدثنا غُنْدَرٌ محمد بن جعفر، عنْ سَعِيدٍ بن أبي عروبة، نَحْوَهُ ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏ وهَذَا أَصَحّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَيرُ مَحْفُوظٍ‏.‏ لاَ نَعْلَمُ أَحَداً رَفَعَهُ إلاّ مَا رُوِيَ عنْ عَبْدِ الأعْلَى عنْ سَعِيدٍ، عنْ قَتَادَةَ مَرْفُوعاً‏.‏

وَرُوِيَ عنْ عَبْدِ الأعْلَى عنْ سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفاً‏.‏

وَالصّحِيحُ مَا رُوِيَ عنِ ابنِ عَبّاسٍ قَوْلُهُ ‏(‏لاَ نِكاحَ إلاّ بِبيّنَة‏)‏‏.‏

وَهكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عنْ سَعِيدٍ بنِ أبي عَرُوَبةَ، نَحْوَ هذَا، مَوْقُوفاً‏.‏

وَفي هذا الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وأنَسٍ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏

والْعَملُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التّابِعِينَ وغَيْرِهِمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ لاَ نِكَاحَ إلا بِشُهُودٍ‏.‏ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذلِكَ مَنْ مَضَى مِنْهُمْ، إلاّ قَوْماً مِنَ الْمُتَأَخّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وإنّمَا اخْتَلَفَ أهْلُ الْعِلْمِ فِي هذَا إذَا شهِدَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، فقَالَ أكْثَرُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهْم‏:‏ لاَ يَجُوزُ النّكَاحُ حَتّى يَشْهَدَ الشّاهِدَانِ مَعاً عِنْدَ عُقْدَةِ النّكَاحِ‏.‏ وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا أُشْهِدَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، فأنّهُ جَائِزٌ، إذَا أَعْلَنُوا ذلِكَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وغيره هكَذَا قالَ إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهيمَ فِيمَا حَكَى عَنْ أهْلِ الْمدِيَنَةِ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أَهْلُ الْعِلْمِ‏:‏ يجوز شَهَادَةُ رَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فِي النّكَاحِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أحْمدَ وَإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يوسف بن حماد المعني‏)‏ بفتح الميم وسكون العين المهملة ثم نون مكسورة ثم ياء مشددة‏:‏ ثقة من العاشرة ‏(‏أخبرنا عبد الأعلى‏)‏ هو‏:‏ ابن عبد الأعلى البصري الشامي بالمهملة ثقة من الثامنة ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو‏:‏ ابن أبي عروبة اليشكرى مولاهم البصرى ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة، قوله‏:‏ ‏(‏البغايا‏)‏ أي الزواني‏.‏ جمع ‏"‏بغى‏"‏ وهي‏:‏ الزانية‏.‏ من ‏"‏البغاء‏"‏ وهو‏:‏ الزنا‏.‏ مبتدأ خبره‏:‏ ‏(‏اللاتي ينكحن‏)‏ بضم أوله أي يزوجن‏.‏ قاله القاري‏:‏ ‏(‏أنفسهن‏)‏ بالنصب ‏(‏بغير بينة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ المراد بالبينة إما الشاهد‏.‏ فبدونه زنا‏.‏ عند الشافعي رحمه الله وأبي حنيفة رحمه الله‏.‏ وإما الولي‏.‏ إذ به يتبين النكاح‏.‏ فالتسمية بالبغايا تشديد‏:‏ لأنه شبهه‏.‏ انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ لا يخفى أن الأول هو الظاهر إذ لم يعهد إطلاق البينة على الولي شرعاً وعرفاً‏.‏ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا غندر‏)‏ بضم عين معجمة وسكون‏.‏ وفتح دال مهملة وقد يضم‏:‏ لقب محمد بن جعفر المدني البصري‏.‏ ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة من التاسعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غير محفوظ‏.‏ لا نعلم أحداً رفعه إلا ما روى عن عبد الأعلى الخ‏)‏ قال الحافظ ابن تيمية في المنتقى‏:‏ وهذا لا يقدح‏.‏ لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته‏.‏ وقد يرفع الراوي الحديث، وقد يقفه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمران بن حصين‏)‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل‏"‏ ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله‏.‏ كذا في المنتقى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وأخرجه الدارقطني في العلل من حديث الحسن عنه، وفي إسناده‏:‏ عبد الله بن محرر، وهو متروك‏.‏ ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلاً وقال‏:‏ هذا وإن كان منقطعاً فإن أكثر أهل العلم يقولون به ‏(‏وأنس‏)‏ لينظر من أخرج حديثه ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ مرفوعاً وموقوفاً، أخرجه البيهقي بلفظ‏:‏ ‏"‏لا نكاح الا بأربعة‏:‏ خاطب وولي وشاهدين‏"‏‏.‏ وفي إسناده‏:‏ المغيرة بن شعبة، قال البخاري‏:‏ منكر الحديث‏.‏ قوله‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم‏:‏ شهادة رجل وامرأتين تجوز في النكاح، وهو قول أحمد واسحاق‏)‏ وهو قول الحنفية‏:‏ وقال الشافعي‏:‏ لا يصح النكاح إلا بشهادة الرجال وقال باشتراط العدالة بالشهود وقالت الحنفية لا تشترط العدالة قال في الهداية- من كتب الحنفية ـ‏:‏ اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏لا نكاح إلا بشهود‏"‏، وهو حجة على مالك‏:‏ في اشتراط الإعلان دون الشهادة‏.‏ ولا بد من اعتبار الحرية فيها، لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية‏.‏ ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ، لأنه ‏(‏لا‏)‏ ولاية بدونهما‏.‏ ولا بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين، لأنه لا شهادة للكافر على المسلم‏.‏ ولا يشترط وصف الذكورة حتى ينعقد بحضور رجل وامرأتين، وفيه خلاف الشافعي ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا، خلافاً للشافعي‏.‏ له‏:‏ أن الشهادة من باب الكرامة، والفاسق من أهل الإهانة ولنا‏:‏ أنه من أهل الولاية، فيكون من أهل الشهادة وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه لإسلامه، لا يحرم ‏(‏الشهادة‏)‏ على غيره، لأنه من جنسه‏.‏ انتهى‏.‏ قلت‏:‏ احتج الشافعي على اشتراط العدالة في شهود النكاح، بتقييد الشهادة بالعدالة في حديث عمران بن حصين، وفي حديث عائشة‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ والحق ما ذهب إليه الشافعي‏:‏ من اعتبار العدالة في شهود النكاح، لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة وابن عباس‏.‏ انتهى‏.‏ واحتج الشافعي على اشتراط الذكورة في شهود النكاح، بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل‏"‏، فإن لفظ ‏"‏الشاهدين‏"‏ يقع على الذكرين‏.‏ وأجاب الحنفية عن هذا‏:‏ بأن لا فرق- في باب الشهادة- بين الذكر والأنثى، وهذا اللفظ ‏(‏يقع‏)‏ على مطلق الشاهدين، مع قطع النظر عن وصف الذكورة والأنوثة‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر هو قول الشافعي رحمه الله، والله تعالى أعلم‏.‏

754- باب مَا جَاءَ فِي خُطْبَةِ النّكَاح

1099- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا عَبْثَرُ بنُ الْقَاسِمِ عنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي إسْحَاقَ، عنْ أبي الأحْوَصِ، عنْ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ عَلّمَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم التّشَهّدَ فِي الصّلاَةِ والتّشَهّدَ فِي الْحَاجَةِ‏.‏ قالَ ‏"‏التّشَهّدُ فِي الصّلاَةِ‏:‏ التّحِيّاتُ لله والصّلَوَاتُ والطّيّبَاتُ‏.‏ السّلاَمُ عَلَيْكَ أَيّهَا النبيّ وَرَحْمَةُ الله وبَرَكَاتُهُ‏.‏ السّلاَمُ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ الله الصّالِحِينَ‏.‏ أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ‏.‏ والتّشَهّدُ فِي الْحَاجَةِ، إنّ الْحَمْدَ لله نَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفرُهُ‏.‏ ونَعُوذُ بالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيّئَات أَعْمَالِنَا، فمَنْ يَهْدِه أَيْ الله فَلاَ مُضلّ لَهُ‏.‏ ومِنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ‏.‏ وأشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلاّ الله‏.‏ وأشْهَدُ أنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏"‏ وَيَقْرَأُ ثَلاَثَ آيَاتٍ‏.‏

قالَ عَبْثرُ‏:‏ فَفَسّرَهَ لنا سُفْيَانُ الثّوْرِيّ‏:‏ اتّقُوا الله حَقّ تقَاتِه ولاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏.‏ و‏{‏اتّقُوا الله الّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأرْحَامَ إنّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً‏}‏‏.‏ ‏{‏اتّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً‏}‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَبْدِ الله حدِيثٌ حسنٌ رَوَاهُ الأعْمَشُ عنْ أبِي إسْحَاقَ، عَنْ أبِي الأحْوَصِ، عنْ عَبْدِ الله، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

ورَوَاهُ شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ، عنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عنْ عَبْدِ الله، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَكِلاَ الْحَدِيثَيْنِ صحيحٌ‏.‏ لأِنّ إسْرَائِيلَ جَمَعَهُمَا فقَالَ‏:‏ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عنْ أبِي الأحْوَصِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ عنْ عَبْدِ الله بن مَسْعُودٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ‏:‏ إنّ النّكَاحَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

1100- حدثنا أبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ‏.‏ حدثنا محمد بنُ فُضَيْل عنْ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كُلّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهّدٌ فَهِيَ كالْيَدِ الْجَذْمَاءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبثر‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح المثلثة ‏(‏بن القاسم‏)‏ الزبيدي بالضم الكوفي‏:‏ ثقة من الثامنة‏.‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والتشهد في الحاجة‏)‏ أي من النكاح وغيره ‏(‏قال‏)‏‏:‏ أي ابن مسعود ‏(‏التشهد في الصلاة‏)‏ أي في آخرها ‏(‏التحيات لله والصلوات الخ‏)‏ تقدم شرحه في محله ‏(‏والتشهد في الحاجة‏:‏ أن الحمد لله‏)‏ بتخفيف ‏"‏أن‏"‏ ورفع ‏"‏الحمد‏"‏ قال الطيبي‏:‏ التشهد مبتدأ خبره ‏"‏أن الحمد لله‏"‏، و ‏"‏أن‏"‏ مخففة من المثقلة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين‏}‏‏.‏ ‏(‏نستعينه‏)‏ أي في حمده وغيره، وهو وما بعده جمل مستأنفة مبينة لأحوال الحامدين‏.‏ وفي رواية ابن ماجه‏:‏ ‏"‏نحمده ونستعينه‏"‏ بزيادة ‏"‏نحمده‏"‏‏.‏ ‏(‏ونستغفره‏)‏ أي في تقصير عبادته ‏(‏من يهد الله‏)‏ وفي بعض النسخ‏:‏ ‏"‏من يهده الله‏"‏ بإثبات الضمير، وكذلك في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ أي من يوفقه للهداية‏.‏ ‏(‏فلا مضل له‏)‏ أي من شيطان ونفس وغيرهما ‏(‏ومن يضلل‏)‏ بخلق الضلالة فيه ‏(‏فلا هادى له‏)‏ أي لا من جهة العقل، ولا من جهة النقل ولا من ولي، ولا من نبي‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أضاف الشر إلى الأنفس أولاً كسباً، والإضلال إلى الله تعالى ثانياً خلقاً وتدبيراً ‏(‏قال‏:‏‏)‏ أي ابن مسعود ‏(‏ويقرأ ثلاث آيات‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذا يقتضي معطوفاً عليه، فالتقدير‏:‏ يقول الحمد لله ويقرأ ‏(‏ففسرها‏)‏ أي الاَيات الثلاث ‏(‏اتقوا الله حق تقاته الخ‏)‏ الاَية التامة هكذا‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏}‏‏.‏ ‏{‏اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام الخ‏}‏ الاَية التامة هكذا‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً‏}‏ ‏{‏وقولوا قولاً سديداً‏}‏ الاَية، الاَية التامة هكذا‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً‏}‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عدي بن حاتم‏)‏ أخرجه مسلم بتغيير الألفاظ كذا في شرح سراج أحمد‏.‏ وإني لم أجد حديثه في صحيح مسلم، فلينظر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه أبو عوانة وابن حبان‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد قال بعض أهل العلم‏:‏ إن النكاح جائز بغير خطبة الخ‏)‏ ويدل على الجواز حديث إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم، قال‏:‏ ‏"‏خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب، فأنكحني من غير أن يتشهد‏"‏‏.‏ رواه أبو داود‏.‏ ورواه البخاري في تاريخه الكبير، وقال‏:‏ إسناده مجهول‏.‏ انتهى‏.‏ قال الشوكاني، وأما جهالة الصحابي المذكور، فغير قادحة‏.‏ وقال الحافظ في فتح الباري- تحت حديث سهل بن سعد الساعدي ـ‏:‏ وفيه أنه لا يشترط في صحة العقد تقدم الخطبة، إذا لم يقع في شيء- من طرق هذا الحديث- وقوع حمد ولا تشهد ولا غيرهما من أركان الخطبة وخالف في ذلك الظاهرية‏:‏ فجعلوها واجبة، ووافقهم من الشافعية أبو عوانة، فترجم في صحيحه‏:‏ ‏"‏باب وجوب الخطبة عند العقد‏"‏ انتهى‏.‏ 1106- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو هشام الرفاعي‏)‏ اسمه‏:‏ محمد ابن يزيد بن محمد بن كشير العجلي الكوفي، قاضي المدائن، ليس بالقوي، من صغار العاشرة‏.‏ وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري، وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه‏.‏ لكن قد قال البخاري‏:‏ رأيتهم مجمعين على ضعفه‏.‏ كذا في التقريب‏.‏ وقال في الميزان‏:‏ قال أحمد العجلي‏:‏ لا بأس به، وقال البرقاني‏:‏ أبو هاشم ثقة، أمرني الدارقطني أن أخرج حديثه في الصحيح‏.‏ إنتهى ‏(‏ابن فضيل‏)‏ اسمه‏.‏ محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رمى بالتشيع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كل خطبة‏)‏ بضم الخاء، وقال القاري‏:‏ بكسر الخاء، وهي التزوج انتهى‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أنه بضم الخاء‏.‏ ‏(‏ليس فيها تشهد‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ وأصل التشهد قولك‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ويعبر به عن الثناء‏.‏ وفي غير هذه الرواية‏.‏ ‏"‏كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء‏"‏ والشهادة‏:‏ الخبر المقطوع به، والثناء على الله أصدق الشهادات وأعظمها‏.‏ قال القاري‏:‏ الرواية المذكورة رواها أبو داود عن أبي هريرة ‏(‏كاليد الجذماء‏)‏ بالذال المعجمة، أي المقطوعة التي لا فائدة فيها لصاحبها، أو التي بها جذام كذا في المجمع، قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ قال الحافظ في الفتح في أوائله‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏كل خطبة ليس شهادة فهي كاليد الجذماء‏"‏ أخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة قال‏:‏ وفي كل منهما مقال‏.‏ انتهى‏.‏ وقال في التلخيص‏:‏ حديث أبي هريرة ‏"‏كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم‏"‏ ‏(‏أخرجه‏)‏ أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة والدارقطني وابن حبان والبيهقي، من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏.‏ واختلف في وصله وإرساله‏:‏ فرجح النسائي والدارقطني الإرسال‏.‏ قوله‏:‏ ويروي‏:‏ ‏"‏كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر‏"‏، هو عند أبي داود والنسائي كالأول، وعند ابن ماجه كالثاني‏.‏ لكن قال‏:‏ ‏"‏أقطع‏"‏ بدل ‏"‏أبتر‏"‏ وكذا عند ابن حبان وله ألفاظ أخرى أوردها الحافظ عبد القادر الرهاوي في أول الأربعين البلدانية‏.‏ انتهى‏.‏ كلام الحافظ فالظاهر أن تحسين الترمذي بتعدد الطرق، والله تعالى أعلم‏.‏

755- باب مَا جَاءَ فِي اسْتِئْمارِ الْبِكْرِ والَثّيّب

1101- حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ‏.‏ أخبرنا مُحَمّدُ بنُ يُوسُفَ‏.‏ حدثنا الأوْزَاعِيّ عنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تُنْكَحُ الثّيّبُ حَتّى تُسْتَأْمَرَ‏.‏ ولا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتّى تُسْتَاذَنَ‏.‏ وَإِذْنُهَا الصّمُوتُ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وابنِ عَبّاس وعَائِشَةَ والْعُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ، أنّ الثّيّبَ لا تُزوّجُ حَتّى تُسْتَأْمَرَ‏.‏ وإِنْ زَوّجَهَا الأبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا، فَكَرِهَتْ ذلِكَ، فالنّكَاحُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ عَامةِ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

واخْتلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَزْوِيجِ الأبْكَارِ إذَا زَوّجَهُنّ الاَبَاءُ‏.‏ فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ، أَنّ الأبَ إذَا زَوّجَ الْبِكْرَ وَهِيَ بَالِغَةٌ، بِغَيْرِ أَمْرِهَا، فَلمْ تَرْضَ بِتَزْوِيجِ الأبِ، فالنكَاحُ مَفْسُوخٌ‏.‏ وَقالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ تَزْوِيجُ الأبِ عَلَى الْبِكْرِ جَائِزٌ، وإِنْ كَرِهَتْ ذلِكَ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

1102- حدثنا قُتَيْبَةُ بن سعيد حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الله بن الْفَضْلِ، عنْ نَافِعِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطعِمٍ عنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الأيّمُ أَحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا‏.‏ والبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا‏.‏ وإذْنُهَا صُمَاتُهَا‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ رواه شَعْبَةُ وسُفْيَانُ الثّوْرِيّ عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ‏.‏

وقد احْتَجّ بَعْضُ الناسِ- فِي إِجَازَةِ النّكَاحِ بِغَيْرِ وَلي- بِهَذَ الحَدِيثِ وَلَيْسَ في هَذَا الحَدِيثِ مَا احْتَجّوا بِه‏.‏ لأِنّهُ قَدْ رُوِيَ- مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ- عنْ ابنِ عَبّاسٍ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ نِكَاحَ إلاّ بِوَلِي‏"‏‏.‏ وهَكَذَا أفْتَى بِهِ ابنُ عَبّاسٍ بَعْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ نِكَاحَ إلاّ بِوَلِي‏"‏‏.‏ وإنّمَا مَعْنَى قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الأيّمُ أحَقّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا‏"‏- عندَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ ـ‏:‏ أنّ الوَلِيّ لاَ يُزوّجُهَا إلاّ بِرِضَاهَا وأمْرِهَا‏:‏ فإنْ زَوّجَهَا فَالنّكَاحُ مَفْسُوخٌ‏:‏ عَلَى حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَم، حَيْثُ زَوّجَهَا أبُوهَا وهِيَ ثَيّبٌ، فَكَرِهتْ ذَلِكَ، فرَدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تنكح‏)‏ بصيغة المجهول قوله‏:‏ ‏(‏الثيب‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الثيب من ليس ببكر وفي رواية الشيخين‏:‏ ‏"‏الأيم‏"‏ بتشديد الياء المكسورة‏.‏ ‏(‏حتى تستأمر‏)‏ على البناء للمفعول، أي حتى تستأذن صريحاً‏.‏ إذ ‏"‏الاستيمار‏"‏‏:‏ طلب الأمر، والأمر لا يكون إلا بالنطق‏.‏ ‏(‏ولا تنكح البكر‏)‏ المراد بالبكر‏:‏ البالغة، إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة، لأنها لا تدري ما الإذن‏؟‏ ‏(‏حتى تستأذن‏)‏ أي يطلب منها الإذن ‏(‏وإذنها الصموت‏)‏ أي السكوت، يعني‏:‏ لا حاجة إلى إذن صريح منها، بل يكتفي بسكوتها لكثرة حيائها‏.‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ ‏"‏قالوا‏:‏ يا رسول الله، وكيف إذنها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إذنها أن تسكت‏"‏ واختلف في أن السكوت من البكر يقوم مقام الإذن في حق جميع الأولياء، أو في حق الأب والجد دون غيرهما‏.‏ وإلى الأول ذهب الأكثر، لظاهر الحديث‏:‏ قوله ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري‏.‏ ‏(‏وعائشة‏)‏ قالت‏:‏ ‏"‏قلت‏:‏ يا رسول الله، تستأمر النساء في أبضاعهن‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ إن البكر تستأمر فتستحي فتسكت‏؟‏ فقال سكاتها إذنها‏:‏ أخرجه الشيخان‏:‏ ‏(‏والعرس‏)‏ بضم أوله وسكون الراء‏.‏ بعدها مهملة ‏(‏ابن عميرة‏)‏ بفتح العين المهملة وكسر الميم وسكون التحتانية، صحابي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان قوله‏:‏ ‏(‏وأكثر أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم أن الأب اذا زوج البكر وهي بالغة بغير أمرها فلم ترض بتزويج الأب فالنكاح مفسوخ‏)‏ واحتجوا على ذلك بحديث ابن عباس‏:‏ ‏"‏أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت‏:‏ أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ قال ابن القطان في كتابه‏:‏ حديث ابن عباس هذا حديث صحيح‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل المدينة‏:‏ تزويج الأب على البكر جائز وإن كرهت ذلك، وهو قول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول ابن أبي ليلى والليث‏.‏ واحتجوا بحديث ابن عباس الاَتي‏:‏ ‏"‏الأيم أحق بنفسها من وليها‏"‏ فإنه دل بمفهومه على أن ولي البكر أحق بها منها‏.‏ واحتج بعضهم بحديث أبي موسى مرفوعاً‏:‏ ‏"‏تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها‏"‏، قال‏:‏ فقيد ذلك باليتيمة، فيحمل المطلب عليه، وفيه نظر، لحديث ابن عباس بلفظ‏:‏ ‏"‏والبكر يستأذنها أبوها في نفسها‏"‏، رواه مسلم‏.‏ وأجاب الشافعي‏:‏ بأن المؤامرة قد تكون عن استطابة نفس، ويؤيده حديث ابن عمر رفعه‏:‏ ‏"‏وأمروا النساء في بناتهن‏"‏ رواه أبو داود‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ لا خلاف أنه ليس للأم أمر، لكنه على معنى استطابة النفس‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة، قال الشافعي‏:‏ رواها ابن عيينة في حديثه، وكان ابن عمر والقاسم‏.‏‏.‏‏.‏ وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمروهن‏.‏ قال البيهقي‏:‏ والمحفوظ في حديث ابن عباس‏:‏ ‏"‏البكر تستأمر‏"‏ ورواه صالح بن كيسان بلفظ‏:‏ ‏"‏واليتيمة لا تستأمر‏"‏، وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏.‏ فدل على أن المراد بالبكر‏:‏ اليتيمة‏.‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب، ولو قال قائل‏:‏ ‏"‏بل المراد باليتيمة البكر‏"‏ لم يدفع‏.‏ و ‏"‏تستأمر‏"‏ بضم أوله، يدخل فيه الأب وغيره‏.‏ فلا تعارض بين الروايات‏.‏ ويبقى النظر في أن ‏"‏الاستثمار‏"‏ هل هو شرط في صحة العقد، أو مستحب على معنى الاستطابة كما قال الشافعي‏؟‏ كل الأمرين محتمل، انتهى‏.‏ كلام الحافظ‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن الاستثمار هو شرط في صحة العقد لا على طريق الاستطابة يدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ أن جارية بكراً أنت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت‏:‏ أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ولا معنى للطعن في الحديث، فإن طرقه تقوى بعضها ببعض، انتهى‏.‏ وأجاب البيهقي‏:‏ بأنه إنه ثبت الحديث في البكر، حمل على أنها زوجت بغير كفء قال الحافظ‏:‏ وهذا الجواب هو المعتمد، فإنها واقعة عين‏:‏ فلا يثبت الحكم فيها تعميماً‏.‏ قلت‏:‏ قد تعقب العلامة الأمير اليماني، على كلام البيهقي والحافظ في سبل اللام تعقباً حسناً، حيث قال‏:‏ كلام هذين الإمامين محاماة على كلام الشافعي ومذهبهم وإلا فتأويل البيهقي لا دليل عليه فلو كان كما قال لذكرته المرأة، بل قالت‏:‏ إنه زوجها وهي كارهة‏.‏ فالعلة كراهتها، فعليها علق التخيير‏:‏ لأنها المذكورة‏.‏ فكأنه قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إذا كنت كارهة فأنت بالخيار‏}‏‏.‏ وقول المصنف- يعني الحافظ ابن حجر- إنها واقعة عين كلام غير صحيح‏.‏ بل حكم عام لعموم علته، فأينما وجدت الكراهة ثبت الحكم‏.‏ وقد أخرج النسائي عن عائشة‏:‏ ‏"‏أن فتاة دخلت عليها، فقالت‏:‏ أبي زوجني من ابن أخيه يرفع في خسيسه وأنا كارهة‏.‏ قالت‏:‏ اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها‏.‏

فقالت‏:‏ يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للاَباء من الأمر شيء والظاهر أنها بكر، ولعلها البكر التي في حديث ابن عباس، وقد زوجها أبوها كفئاً ابن أخيه‏.‏ وإن كانت ثيباً فقد صرحت‏:‏ أنه ليس مرادها إلا إعلام النساء أنه ليس للاَباء من الأمر شيء‏.‏ ولفظ ‏"‏النساء‏"‏ عام للثيب والبكر، وقد قالت هذه عنده صلى الله عليه وسلم فأقرها عليه‏.‏ والمراد بنفي الأمر من الاَباء‏:‏ ففي التزويج للكارهة، لأن السياق في ذلك‏.‏ فلا يقال‏:‏ هو عام لكل شيء‏.‏ انتهى ما في السبل‏.‏ قلت‏:‏ حديث عائشة- الذي أخرجه النسائي- مرسل فإنه أخرجه عن عبد الله بن بريدة عن عائشة قال البيهقي‏:‏ هذا مرسل، ابن بريدة لم يسمع من عائشة انتهى لكن رواه ابن ماجه متصلاً، وسنده هكذا‏:‏ حدثنا هناد بن السري حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه، قال‏:‏ ‏"‏جاءت فتاة‏"‏ الخ، بمثل حديث النسائي‏.‏ وأخرجه أحمد في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأيم‏)‏ قال الحافظ‏:‏ ظاهر هذا الحديث ‏(‏أن‏)‏ ‏"‏الأيم‏"‏ هي‏:‏ الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق لمقابلتها بالبكر‏.‏ وهذا هو الأصل في الأيم‏:‏ ومنه قولهم‏:‏ ‏"‏الغزو مأيمة‏"‏ أي يقتل الرجال‏.‏ فتصير النساء أيامى‏.‏ وقد تطلق على من لا زوج لها أصلاً‏.‏ ‏(‏وإذنها صماتها‏)‏ بضم الصاد، بمعنى سكوتها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري، قوله‏:‏ ‏(‏واحتج بعض الناس في إجازة النكاح بغير ولي، بهذا الحديث‏)‏ قال الحافظ الزيلعي وجهه أنه شارك بينها وبين الولي، ثم قدمها بقوله‏:‏ ‏"‏أحق‏"‏، وقد صح العقد منه، فوجب أن يصح منها، انتهى‏.‏ ‏(‏وليس في هذا الحديث ما احتجوا به، لأنه قد روي من غير وجه، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏لا نكاح إلا بولي‏"‏ وهو حديث صحيح كما عرفت ‏(‏وهكذا أفتى به ابن عباس بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لا نكاح إلا بولي‏)‏ فإفتاؤه به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، يؤيد صحة حديثه‏.‏ ‏(‏وإنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الأيم أحق بنفسها من وليها‏"‏، عند أكثر أهل العلم، أن الولي لا يزوجها إلا برضاها وأمرها‏.‏ فإن زوجها فالنكاح مفسوخ على حديث خنساء بنت خدام الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ حديث عائشة ‏"‏أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل‏"‏ حديث صحيح، وهو يبين أن معنى قوله ‏"‏أحق بنفسها من وليها‏"‏‏:‏ أنه لا ينفذ عليها أمره بغير إذنها، ولا يجبرها فإذا أرادت أن تزوج لم يجز لها إلا بإذن وليها‏.‏ انتهى كلام الحافظ‏.‏ وقال النووي في شرح صحيح مسلم‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أحق بنفسها‏"‏ يحتمل- من حيث اللفظ- أن المراد‏:‏ أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره، كما قاله أبو حنيفة وداود‏.‏ ويحتمل‏.‏‏.‏‏.‏ ‏(‏من حيث غيره‏)‏ أنها أحق بالرضا، أي لا تزوج حتى تنطق بالإذن، بخلاف البكر‏.‏ ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لانكاح إلا بولى‏"‏ مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي- يتعين الاحتمال الثاني‏.‏ قال‏:‏ واعلم أن لفظة ‏"‏أحق‏"‏ ههنا المشاركة، ‏(‏و‏)‏ معناه‏:‏ أن لها في نفسها في النكاح حقاً، ولوليها حقاً وحقها أوكد من حقه‏.‏ فإنه لو أراد تزويجها كفئاً وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوج كفئاً فامتنع الولي أجبر، فإن أصر زوجها القاضي‏.‏ فدل على تأكد حقها ورجحانه‏.‏ انتهى كلام النووي‏.‏

756- باب مَا جَاءَ في إكْرَاهِ اليَتِيمَةِ عَلَى التّزْوِيج

1103- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحَمّدِ عَن مُحَمّدِ بنِ عمْرو عن أبِي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اليَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فإنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وإنْ أبَتْ فَلاَ جَوَازَ عَلَيْهَا‏"‏‏.‏ يعني إذا أدركت فَرَدّتْ‏.‏

قال‏:‏ وفِي البَابِ‏:‏ عنْ أبِي مُوسَى، وابنِ عُمرَ وعائشة‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ‏.‏

واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في تَزْوِيجِ اليَتِيمَةِ فَرَأَى بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ أنّ اليَتِيمَةَ إذَا زوّجَتْ فَالنّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتّى تَبْلُغَ، فإِذَا بَلَغَتْ فَلَهَا الخِيَارُ في إجَازَةِ النّكَاحِ أَوْ فَسْخِهِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ بَعْضِ التّابِعِينَ وغَيْرِهِمْ‏.‏ وقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ اليَتِيمَةِ حَتّى تَبْلُغَ، ولاَ يَجُوزُ الخِيَارُ فِي النّكَاحِ‏.‏ وهُو قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ والشّافِعِيّ وغَيْرِهِمَا منْ أَهْلِ العِلْمِ‏.‏ وقَالَ أحْمَدُ وإسْحَاقُ‏:‏ إذَا بَلَغَتْ اليَتِيمَةُ تِسْعَ سِنَينَ فزُوّجَتْ فَرَضِيَتْ، فالنّكَاحُ جَائزٌ، ولاَ خِيَارَ لَهَا إذَا أدْرَكَتْ‏.‏ واحْتَجّا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَنَى بِهَا وهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سَنِينَ‏"‏ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ ‏"‏إذَا بَلَغتْ الجَارِيةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اليتيمة تستأمر‏)‏ اليتيمة هي‏:‏ صغيرة لا أب لها، والمراد هنا‏:‏ البكر البالغة، سماها باعتبار ما كانت‏.‏ كقوله تعالى ‏{‏وآتوا اليتامى أموالهم‏}‏ وفائدة التسمية‏:‏ مراعاة حقها والشفقة عليها في تحري الكفاية والصلاح فإن اليتيم مظنة الرأفة والرحمة‏.‏ ثم هي قبل البلوغ لا معنى لإذنها، ولا لإبائها‏.‏ فكأنه عليه الصلاة والسلام شرط بلوغها فمعناه‏:‏ لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر‏.‏ قاله القاري في المرقاة‏.‏ ‏(‏فإن صمتت‏)‏ أي سكتت ‏(‏فهو‏)‏ أي صماتها ‏(‏وإن أبت‏)‏ من الإباء، أي أنكرت ولم ترض ‏(‏فلا جواز عليها‏)‏ بفتح الجيم، أي فلا تعدي عليها ولا إجبار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي موسى‏)‏ أخرجه أحمد مرفوعاً بلفظ‏:‏ ‏"‏تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره‏"‏‏.‏ وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني‏.‏ قال في مجمع الزوائد‏:‏ ورجال أحمد رجال الصحيح ‏(‏وابن عمر‏)‏ قال‏:‏ ‏"‏توفي عثمان بن مظعون، وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص‏.‏ وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون- قال عبد الله‏:‏ وهما خالاي‏.‏- فخطبت إلى قدامة ابن مظعون ابنة عثمان بن مظعون، فزوجنيها‏.‏ ودخل المغيرة بن شعبة ‏(‏يعني‏:‏ إلى أمها‏)‏ فأرغبها في المال‏:‏ فحطت إليه، فحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قدامة بن مظعون، يا رسول الله‏.‏ ابنة أخي أوصى بها إلي، فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ‏(‏ولكنها امرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها‏.‏ قال‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هي يتيمة، ولا ننكح إلا بإذنها‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فانتزعت- والله- مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة بن شعبة‏"‏ رواه أحمد والدارقطني‏.‏ قال صاحب المنتقى‏:‏ وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصى ولا غيره‏.‏ انتهى قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن‏)‏ قال في المنتقى‏:‏ رواه الخمسة إلا ابن ماجه وقال في النيل‏:‏ وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فرأى بعض أهل العلم أن اليتيمة إذا زوجت فالنكاح موقوف حتى تبلغ، فإذا بلغت فلها الخيار في إجازة النكاح وفسخه‏)‏ وهو قول أصحاب أبي حنيفة‏.‏ ويدل على جواز تزويج اليتيمة قبل بلوغها، قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم‏}‏، قال الحافظ في الفتح‏:‏ فيه دلالة على تزويج الولي غير الأب التي دون البلوغ بكراً كانت أو ثيباً، لأن حقيقة ‏"‏اليتيمة‏"‏ من كانت دون البلوغ ولا أب لها وقد أذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها‏.‏ فيحتاج من منع ذلك إلى دليل قوى‏.‏ انتهى‏.‏ ‏(‏وقال بعضهم‏:‏ لا يجوز نكاح اليتيمة حتى تبلغ، ولا يجوز الخيار في النكاح‏)‏ وهو قول الشافعي‏.‏ واحتج بظاهر حديث الباب قال في شرح السنة‏:‏ والأكثر على أن الوصي لا ولاية له على بنات الموصي، وإن فوض ذلك إليه‏.‏ وقال حماد بن أبي سليمان‏:‏ للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ وحكى ذلك عن أبي شريح‏:‏ أنه أجاز نكاح الوصي مع كراهة الأولياء‏.‏ وأجاز مالك‏:‏ إن فوضه الأب إليه انتهى‏.‏ ‏(‏وقال أحمد وإسحاق‏:‏ إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت فرضيت، فالنكاح جائز ولا خيار لها إذا أدركت‏)‏ أي إذا بلغت‏.‏ ولم أقف على دليل يدل على قول هذين الإمامين وأما احتجاجهما بحديث عائشة‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين‏"‏ ففيه‏:‏ أن عائشة قد كانت أدركت وهي بنت تسع سنين‏.‏ ‏(‏قالت عائشة‏:‏ إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة‏)‏ كأن عائشة أرادت‏:‏ أن الجارية إذا بلغت تسع سنين فهي في حكم المرأة البالغة، لأنه يحصل لها حينئذ ما يعرف به نفعها وضررها‏:‏ من الشعور والتمييز‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

757- باب مَا جَاءَ في الوَلِيّيْنِ يُزَوّجَان

1104- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا غُنْدَرٌ حدثنا سَعِيدُ بنُ أبِي عَروُبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَن الحسَن عَن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أَيّمَا امْرَأَةٍ زَوّجَهَا وَلِيّانِ فَهِيَ لِلأوّلِ مِنْهُمَا، ومَنْ بَاعَ بَيْعاً مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأوّلِ مِنْهُمَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ، لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذلِكَ اخْتِلاَفاً‏:‏ إذَا زَوّجَ أَحَدُ الوَلِيّيْنِ قَبْلَ الاَخَرِ، فَنِكَاحُ الأوّلِ جائِزٌ، ونِكَاحُ الاَخَرِ مَفْسُوخٌ‏.‏ وإذَا زَوّجَا جَمِيعاً فَنكَاحُهُمَا جَمِيعاً مَفْسُوخٌ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا غندر‏)‏ بفتح معجمة وسكون نون وفتح دال وقد تضم‏.‏ ‏(‏زوجها وليان‏)‏ أي من رجلين ‏(‏فهي للأول منهما‏)‏ أي للسابق منهما ببينة أو تصادق‏.‏ فإن وقعا معاً، أو جهل السابق منهما- بطلا معاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ قال المنذري‏:‏ وقد قيل‏:‏ إن الحسن لم يسمع من سمرة شيئاً، وقيل سمع منه حديثاً في العقيقة‏.‏ انتهى‏.‏ وقال الحافظ في التلخيص‏:‏ حسنه الترمذي، وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم في المستدرك قال الحافظ‏:‏ وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، فإن رجاله ثقات، لكن إختلف فيه على الحسن‏.‏ ورواه الشافعي وأحمد والنسائي، من طريق قتادة أيضاً، عن الحسن عن عقبة بن عامر‏.‏ قال الترمذي‏:‏ الحسن عن سمرة في هذا أصح‏.‏ وقال ابن المديني‏:‏ لم يسمع الحسن من عقبة شيئاً وأخرجه ابن ماجه من طريق شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أو عقبة بن عامر‏.‏ انتهى‏.‏

758- باب مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ العَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيّدِه

1105- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ زُهَيْرِ بنِ مُحمّدٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُحَمّدِ بنِ عَقِيلٍ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال ‏"‏أيّمَا عَبْدٍ تَزَوّجَ بَغيْرِ إذْنِ سَيّدهِ فَهُوَ عَاهِرٌ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفِي البَابِ‏:‏ عنْ ابنِ عُمرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ جَابِرٍ حديثٌ حسنٌ‏.‏ ورَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُحَمّدِ بنِ عَقِيلٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم ولاَ يَصِحّ‏.‏ والصّحِيحُ‏:‏ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُحَمّدِ بنِ عَقِيلٍ عنْ جَابِرٍ‏.‏

والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏:‏ أنّ نِكَاحَ العَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيّدِهِ لاَ يَجُوزُ وهُوَ أَحْمَدَ وإِسْحَاقَ وغَيْرِهِمَا بلا إختلاف‏.‏

1106- حدثنا سَعِيدُ بنُ يحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأمَوِيّ حدثنا أبِي حدثنا ابنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُحَمّدِ بنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالَ‏:‏ ‏"‏أَيّمَا عَبْدٍ تَزَوّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بغير إذن سيده‏)‏ أي مالكه‏.‏ ‏(‏فهو عاهر‏)‏ أي زان‏.‏ قال المظهر‏:‏ لا يجوز نكاح العبد بغير إذن السيد وبه قال الشافعي وأحمد، ولا يصير العقد صحيحاً عندهما بالإجازة بعده‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ إن جاز بعد العقد صح‏.‏ قلت‏:‏ احتج من قال ببطلان النكاح وعدم صحته إلا بإذن السيد‏:‏ بأنه صلى الله عليه وسلم حكم عليه بأنه عاهر، والعاهر‏:‏ الزاني، والزنا باطل‏.‏ وبرواية ابن عمر بلفظ‏:‏ ‏"‏إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل‏"‏، وهو حديث ضعيف كما ستعرف‏.‏ قوله ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن عمر العمري عن نافع عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل‏"‏ قال أبو داود‏:‏ هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما‏.‏ انتهى‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر، بلفظ‏:‏ ‏"‏أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان‏"‏ وفيه‏:‏ مندل بن علي، وهو ضعيف‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ هذا حديث منكر‏.‏ وصوب الدارقطني- في العلل- وقف هذا المتن على ابن عمر، ولفظ الموقوف أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏"‏أنه وجد عبداً له تزوج بغير إذنه، ففرق بينهما، وأبطل صداقه، وضربه حداً‏"‏ انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث جابر حديث حسن‏)‏ قال المنذري- بعد نقل تحسين الترمذي هذا- ما لفظه‏:‏ وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد احتج به غير واحد من الأئمة، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة‏.‏ انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ في سنده‏:‏ عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد عرفت آنفاً أنه قد احتج به غير واحد، وتكلم فيه غير واحد والترمذي ممن احتج به، ولذلك صحح هذا الحديث‏.‏ قال الخزرجي في الخلاصة‏:‏ قال الترمذي‏:‏ صدوق، سمعت محمداً يقول‏:‏ كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل انتهى‏.‏

759- باب مَا جَاءَ فِي مُهُورِ النّسَاء

1107- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارِ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ وحدثنا عَبْدُ الرّحْمِن بنُ مَهْدِيّ و مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قَالُوا‏:‏ حدثنا شُعْبَةُ عن عَاصِمٍ بنِ عبيد الله، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ عنْ أبِيهِ‏:‏ ‏"‏أنّ امْرَأةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوّجَتْ على نَعْلَيْنِ، فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ ومَالِكِ بِنَعْلَيْنِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قالَ‏:‏ فَأَجَازَهُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفِي البَابِ‏:‏ عَنْ عُمَرَ وأبِي هُرَيْرَةَ وسَهْل بنِ سَعْدٍ وأبِي سَعِيدٍ وأَنَسٍ وعَائِشَةَ وجَابِرٍ وأبِي حَدْرَدٍ الأسْلَمِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَامِرٍ بنِ رَبِيعَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في المَهْرِ، فقَالَ بَعْضُ أهل العلم‏:‏ المَهْرُ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ، وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ والشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقَالَ مَالِكُ بنُ أنَسٍ‏:‏ لاَ يَكُونُ المَهْرُ أقَلّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ الكُوفَةِ‏:‏ لاَ يَكُونُ المَهْرُ أقَلّ مِن عَشْرَةِ دَرَاهِمَ‏.‏

1108- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ حدثنا إسْحَاقُ بنُ عِيسَى وَ عبْدُ الله بنُ نَافِعٍ الصائغ، قالاَ‏:‏ أخبرنا مَالِكُ بنُ أنَسٍ عَنْ أبِي حَازمِ بنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ‏:‏ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالتْ إِنّي وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ‏.‏ فَقامَتْ طَوِيلاً، فَقالَ رَجُلٌ‏:‏ يا رسولَ الله، زَوّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ‏.‏ فَقالَ‏:‏ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَا عِنْدِي إِلاّ إِزَارِي هَذَا‏.‏ فَقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِزَاركَ إنْ أعْطَيْتَهَا جَلَسْتَ وَلاَ إزَارَ لَكَ فالْتَمِسْ شَيْئاً‏.‏ قالَ‏:‏ ما أَجِدُ‏.‏ قالَ فالتَمِسْ وَلَوْ خَاتِماً مِنْ حَديدٍ‏.‏ قالَ‏:‏ فالتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً، فَقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَلْ معَكَ مِنْ القرْآنِ شَيءٌ‏؟‏ قال‏:‏ نَعمْ سُورَةُ كَذَا، وسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمّاهَا فَقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ زَوّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ ذَهَبَ الشّافِعِيّ إلَى هَذَا الحَدِيثِ، فَقالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُصْدِقُهَا، فَتَزَوّجَهَا عَلَى سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ- فالنّكاحُ جَائِزٌ، ويُعَلّمُهَا سُورَةً منَ القُرْآنِ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ النّكاحُ جَائِزٌ، ويَجْعَلُ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أهْلِ الكُوفَةِ وأَحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

1109- حدثنا ابنُ أبِي عُمرَ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أيّوبَ عَنْ ابنِ سِيرِينَ عَنْ أبِي العَجْفَاءِ السّلمى، قالَ‏:‏ قالَ عُمرُ بنُ الخَطّابِ‏:‏ ‏"‏أَلاَ لاَ تُغَالُوا صَدُقَةَ النّسَاءِ‏.‏ فَإِنّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً في الدّنْيَا أوْ تَقْوَى عِنْدَ الله، لَكانَ أوْلاَكُمْ بِها نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ مَا عَلِمْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَكَحَ شَيْئاً مِن نِسَائِهِ، وَلاَ أنْكَحَ شَيْئاً مِنْ بَنَاتِهِ- عَلَى أكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أوِقيّةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأبُو العَجْفَاءِ السّلَمِيّ، اسْمُهُ‏:‏ هَرَمٌ‏.‏ و ‏"‏الأوُقية‏"‏- عنْدَ أهْلِ العِلْمِ ـ‏:‏ أرْبَعُونَ دِرْهَماً، و ‏"‏ثِنْتَا عَشْرَةَ أُوقِية‏:‏ أرْبَعُمَائَةٍ وثَمَانُونَ دِرْهَماً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرضيت‏)‏ همزة الاستفهام للاستعلام ‏(‏من نفسك ومالك‏)‏ بكسر اللام، أي بدل نفسك مع وجود مالك‏.‏ قاله القاري‏.‏ ‏(‏قالت‏:‏ نعم فأجازه‏)‏ استدل به من قال بجواز كون المهر شيئاً حقيراً له قيمة، لكن الحديث ضعيف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ أخرجه الخمسة وصححه الترمذي، وسيجيء ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ ‏"‏جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ إني تزوجت امرأة من الأنصار‏"‏ الحديث، وفيه قال‏:‏ ‏"‏على كم تزوجتها‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ على أربع أواق‏.‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏على أربع أواق‏:‏ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك‏"‏ الخ‏.‏ أخرجه مسلم‏.‏ ‏(‏وسهل بن سعد‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب، وأخرجه الشيخان‏:‏ ‏(‏وأبي سعيد‏)‏ أخرجه الدارقطني مرفوعاً بلفظ‏:‏ ‏"‏لا يضر أحدكم بقليل من ماله تزوج أم بكثير، بعد أن يشهد‏"‏‏.‏ وفي سنده‏:‏ أبو هارون العبدي، قال ابن الجوزى‏:‏ وأبو هارون العبدي أسمه‏:‏ عمارة بن جرير، قال حماد بن زيد‏:‏ كان كذاباً، وقال السعدي‏:‏ كذاب مفتري‏.‏ كذا في نصب الراية‏.‏ ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه الجماعة بلفظ‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال‏:‏ ‏"‏ما هذا‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏بارك الله‏"‏ أولم ولو بشاة‏"‏ ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه أحمد مرفوعاً بلفظ‏:‏ ‏"‏إن أعظم النكاح بركة، أيسره مؤنة‏"‏‏.‏ وأخرجه أيضاً الطبراني في الأواسط، بلفظ‏:‏ ‏"‏أخف النساء صداقا، أعظمهن بركة‏"‏ وفي إسناده‏:‏ الحارث بن شبل، وهو ضعيف‏.‏ وأخرجه أيضاً الطبراني- في الكبير والأوسط- بنحوه‏.‏ وأخرج نحوه أبو داود والحاكم‏.‏ وصححه عن عقبة بن عامر، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خير الصداقه أيسره‏"‏‏.‏ ‏(‏وجابر‏)‏ بن عبد الله‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من أعطى في صداق امرأة سويقاً أو تمراً فقد استحل‏"‏، أخرجه أبو داود، وأشار إلى ترجيح وقفه‏.‏ كذا في بلوغ المرام‏.‏ ‏(‏وأبي حدرد الأسلمي‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ في بلوغ المرام- بعد أن حكى تصحيح الترمذي هذا- إنه خولف في ذلك‏.‏ انتهى‏.‏ وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية- بعد أن حكى تصحيح الترمذي له‏:‏ قال ابن الجوزي في التحقيق‏:‏ عاصم بن عبيد الله قال ابن معين‏:‏ ضعيف، وقال ابن حبان‏:‏ كان فأحسن الخطإ فترك، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واختلف أهل العلم في المهر، فقال بعضهم‏:‏ المهر على ما تراضوا عليه، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وأجازه الكافة بما تراضى عليه الزوجان، أو ‏(‏كذا بالأصل‏.‏ ولعل الصواب‏:‏ أي‏)‏ من العقد إليه ‏(‏كذا بالأصل‏.‏ ولعل الصواب‏:‏ عليه‏)‏ بما فيه منفعة‏:‏ كالسوط والنعل، وإن كانت قيمته أقل من درهم‏.‏ وبه قال يحي بن سعيد الأنصاري‏.‏ وأبو الزناد وربيعة وابن أبي ذئب، وغيرهم من أهل المدينة غير مالك ومن تبعه، وابن جريج ومسلم بن خالد، وغيرهما من أهل مكة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والثوري وابن أبي ليلى، وغيرهما من العراقيين غير أبي حنيفة ومن تبعه، والشافعي وداود، وفقهاء أصحاب الحديث، وابن وهب من المالكية‏.‏ انتهى‏.‏ وحجتهم أحاديث الباب‏.‏ ‏(‏وقال مالك بن أنس‏:‏ لا يكون المهر أقل من ربع دينار‏)‏ قال القرطبي‏:‏ استدل من قاسه بنصاب السرقة‏:‏ بأنه عضو آدمي محترم، فلا يستباح بأقل من كذا قياساً على يد السارق‏.‏ وتعقبه الجمهور‏:‏ بأنه قياس في مقابل النص، فلا يصح وبأن اليد تقطع وتبين، ولا كذلك الفرج‏.‏ وبأن القدر المسروق يجب رده‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل الكوفة‏:‏ لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم‏)‏ وهو قول أبي حنيفة وأصحابه‏.‏ واحتجوا بحديث جابر مرفوعاً‏:‏ ‏"‏لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء، ولا مهر دون عشرة دراهم‏"‏‏.‏ وفي سنده‏:‏ مبشر بن عبيد قال الدارقطني بعد أن أخرج هذا الحديث‏:‏ هو متروك الحديث، أحاديثه لا يتابع عليها‏.‏ انتهى‏.‏ وأسند البيهقي- وقد أخرجه في سننه- في كتاب المعرفة، عن أحمد، أنه قال‏:‏ أحاديث مبشر بن عبيد موضوعة‏.‏ انتهى‏.‏ وأخرجه أيضاً أبو يعلى الموصلي في مسنده، وابن حبان في كتاب الضعفاء، وقال‏:‏ مبشر بن عبيد يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب‏.‏ انتهى‏.‏ وأخرجه أيضاً ابن عدي والعقيلي، وأعلاه بمبشر‏.‏ وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما، عن الشعبي عن علي موقوفاً‏:‏ ‏"‏لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم، ولا يكون المهر أقل من عشرة دراهم‏"‏ وفي سنده‏:‏ داود الأودي، وهو ضعيف‏.‏ وله طرق أخرى في سنن الدارقطني، ولا تخلو عن ضعف‏.‏ كذا في التعليق الممجد‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي‏:‏ أكثرنا يحتج بحديث الدارقطني‏:‏ ‏"‏لا مهر أقل من عشرة دراهم‏"‏ وفي جميع طرقه‏:‏ حجاج بن أرطاة، وهو متكلم فيه‏.‏ انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ضعف هذا الحديث مشهور بمبشر بن عبيد، وهو متروك الحديث، بل قال الإمام أحمد رحمه الله‏:‏ أحاديثه موضوعة‏.‏ فالعجب من صاحب العرف الشذي أنه ضعف هذا الحديث بحجاج بن أرطاة، ولم يضعفه بمبشر‏.‏

تنبيه آخر‏:‏ قال العيني في البناية مجيباً عن ضعف حديث جابر المذكور‏:‏ فإنه إذا روى من طرق مفرداتها ضعيفة، يصير حسناً ويحتج به، ورد عليه صاحب عمدة الرعاية، حاشية شرح الوقاية ـ‏:‏ بأن بكثرة الطرق إنما يصير الحديث حسناً‏:‏ إذا كان الضعف فيها يسيراً، فيجبر بالتعدد، لا إذا كانت شديدة الضعف‏:‏ بأن لا يخلو واحد منها عن كذاب أو متهم والأمر فيما نحن فيه كذلك‏.‏ انتهى‏.‏

تنبيه آخر‏:‏ قالت الحنفية‏:‏ إن ما يدل على كون المهر أقل من عشرة، محمول على المعجل‏.‏ قلت‏:‏ رد عليهم صاحب عمدة الرعاية‏:‏ بأن هذا الحمل إنما يسلم- مع مخالفته للظواهر- إذا ثبت التقدير بدليل معتمد وإذ ليس فليس‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن حديث جابر المذكور من أخبار الاَحاد، وهو يخالف إطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن تبتغوا بأموالكم‏}‏ فإنه لا تقدير فيه بشيء‏.‏ وتخصيص الكتاب بخبر الواحد- وإن كان صحيحاً- لا يجوز عند الحنفية، فما بالك إذا كان ضعيفاً فالعجب منهم أنهم كيف خصصوا بهذا الحديث الضعيف إطلاق الكتاب، وعملوا به‏.‏ والعجب على العجب أنهم قد استندوا في الجواب عن الأحاديث الصحيحة التي دلت على كون المهر غير مال- وهي مروية في الصحيحين- بما استندت به الشافعية، حيث قالوا‏:‏ هذا الأحاديث أخبار آحاد مخالفة لظاهر الكتاب، فلا يعمل به الشافعية، حيث قالوا‏:‏ هذا الأحاديث أخبار آحاد مخالفة لظاهر الكتاب، فلا يعمل بظاهرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي العجفاء‏)‏ بفتح أوله وسكون الجيم‏:‏ السلمي البصري، قيل‏:‏ اسمه هرم بن نسيب، وقيل بالعكس، وقيل بالصاد يدل السين المهملتين مقبول من الثانية‏.‏ ‏(‏لا تغالوا‏)‏ بضم التاء واللام ‏(‏صدقة النساء‏)‏ بفتح الصاد وضم الدال‏:‏ جمع ‏"‏الصداق‏"‏ قال القاضي‏:‏ المغالاة التكثير، أي لا تكثروا مهورهن‏.‏ ‏(‏فإنها أي الصدقة أو المغالاة، يعني‏:‏ كثرة الصدقة، ‏(‏لو كانت مكرمة‏)‏ بفتح الميم وضم الراء‏:‏ واحدة ‏"‏المكارم‏"‏ أي مما تحمد ‏(‏أو تقوى عند الله‏)‏ أو مكرمة في الاَخرة، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏ قال القاري قال‏:‏ وهي غير منونة، وفي نسخة ‏(‏يعني‏:‏ من المشكاة‏)‏‏:‏ بالتنوين وقد قريء شاذاً في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله‏}‏‏.‏ أولادكم بها أي بمغالاة المهور‏.‏ ‏(‏نكح شيئاً من نسائه‏)‏ أي تزوج إحداهن ‏(‏ولا أنكح‏)‏ أي زوج ‏(‏على أكثر من ثنتي عشرة أوقية‏)‏ وهي‏:‏ أربعمائة وثمانون درهماً ‏(‏084‏)‏ وأما ما روي‏:‏ ‏"‏أن صداق أم حبيبة كان أربعة آلاف درهم‏"‏ فإنه مستثنى من قول عمر‏.‏ لأنه أصدقها النجاشي في الحبشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم، من غير تعيين من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وما روته عائشة‏:‏ ‏"‏من ثنتي عشرة ونش، فإنه لم يتجاوز عدد الأواقي التي ذكرها عمر‏.‏ ولعله أراد الأوقية، ولم يلتفت إلى الكسور‏.‏ مع أنه نفى الزيادة في علمه‏.‏ ولعله لم يبلغه صداق أم حبيبة، ولا الزيادة التي روتها عائشة‏.‏ فإن قلت‏:‏ نهيه عن المغالاة مخالف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآنيتم إحداهن قنطاراً، فلا تأخذوا منه شيئاً‏}‏ قلت‏:‏ النص يدل على الجواز، لا على الأفضلية‏.‏ والكلام فيها، لا فيه‏.‏ لكن ورد في بعض الروايات‏:‏ ‏"‏أنه قال‏:‏ لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال‏.‏ فقالت امرأة‏:‏ ما ذاك لك، قال‏:‏ ولم‏؟‏ قالت‏:‏ لأن الله يقول‏:‏ ‏{‏وآتيتم إحداهن قنطاراً‏}‏ فقال عمر‏:‏ ‏"‏امرأة أصابت، ورجل أخطأ‏"‏ كذا في المرقاة، قلت‏:‏ أخرج عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن السلمى، قال‏:‏ ‏"‏قال عمر رضي الله عنه‏:‏ لا تغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة‏:‏ ليس ذلك لك يا عمر، إن الله يقول‏:‏ ‏{‏وآتيتم إحداهن قنطاراً من ذهب‏}‏ قال‏:‏ وكذلك هي في قراءة ابن مسعود،- فقال عمر‏:‏ امرأة خاصمت عمر فخصمته‏"‏‏.‏ وأخرجه الزبير بن بكار، من وجه آخر منقطع، ‏"‏فقال عمر‏:‏ امرأة أصابت، ورجل أخطأ‏"‏ وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن مسروق عن عمر، فذكره متصلاً مطولاً‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ ذكر السيد جمال الدين المحدث في ‏"‏روضة الأحباب‏"‏ أن صداق فاطمة رضي الله عنها كان أربعمائة مثقال فضة‏.‏ وكذلك ذكره صاحب المواهب، ولفظه‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏"‏إن الله عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة‏"‏ والجمع‏:‏ أن عشرة دراهم سبعة مثاقيل، مع عدم اعتبار الكسور‏.‏ لكن يشكل نقل ابن الهمام‏:‏ ‏"‏أن صداق فاطمة كان أربعمائة درهم‏"‏‏.‏ وعلى كل فما اشتهر بين أهل مكة‏:‏ ‏"‏من أن مهرها تسعة عشر مثقالاً من الذهب‏"‏، فلا أصل له‏.‏ اللهم إلا أن يقال‏:‏ إن هذا المبلغ قيمة درع علي رضي الله تعالى عنه، حيث دفعها إليها مهراً معجلاً‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏ انتهى

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكره‏:‏ وصححه ابن حبان والحاكم‏.‏

760- باب ما جَاءَ في الرّجُلِ يُعْتِقُ الأمَةَ ثُمّ يَتَزَوّجُهَا

1110- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانةَ عَن قَتادَةَ و عَبْدِ العَزِيزِ بن صُهَيبٍ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أعتَقَ صَفِيّةَ، وجعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَن صَفِيّةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أنَسٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وكَرِهَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ أنْ يُجْعَلَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا، حَتّى يَجْعَلَ لَهَا مَهْراً سِوَى العِتْقِ‏.‏ والقَوْلُ الأوّلُ أصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعتق صفية‏)‏ هي‏:‏ أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب، من سبط هارون بن عمران كانت تحت ابن أبي الحقيق، وقتل يوم خيبر ووقعت صفية في السبي، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها وماتت سنة خمسين، وقيل غير ذلك ‏(‏وجعل عتقها صداقها‏)‏ فيه دليل على صحة جعل العتق صداقاً وقد قال به من القدماء‏:‏ سعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وطاوس، والزهري‏.‏ ومن فقهاء الأمصار‏:‏ الثورى وأبو يوسف وأحمد وإسحاق‏.‏ قالوا‏:‏ إذا أعتق أمته، على أن يجعل عتقها صداقها، صح العقد والعتق والمهر‏.‏ على ظاهر الحديث‏.‏ قال الحافظ‏.‏ وهو قول الحسن البصري وعامر الشعبي والأوزاعي وعطاء بن أبي رباح وقتادة وطاوس قاله العيني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ في عد الشافعي من القائلين بصحة جعل العتق صداقاً، كلام‏.‏ قال النووي‏:‏ قال الشافعي‏:‏ فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت، عتقت، ولا يلزمها أن تتزوج به بل له عليها قيمتها‏:‏ لأنه لم يرض بعتقها مجاناً فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه، فله عليها القيمة، ولها عليه المهر المسمى من قليل أو كثير وإن تزوجها على قيمتها، فإن كانت القيمة معلومة له ولها‏:‏ صح الصداق، ولا تبقى له عليها قيمة ولا لها عليه صداق‏.‏ وإن كانت مجهولة، ففيه وجهان لأصحابنا، أحدهما‏:‏ يصح الصداق كما لو كانت معلومة، لأن هذا العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف‏.‏ وأصحهما- وبه قال جمهور أصحابنا- لا يصح الصداق، بل يصح النكاح، ويجب لها مهر المثل‏.‏ انتهى‏.‏ كلام النووي، وقال الحافظ في الفتح‏:‏ ومن المستغرب قول الترمذي- بعد إخراج الحديث ـ‏:‏ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، الخ‏.‏ لكن لعل مراد من نقله عنه، صورة الاحتمال الأول انتهى‏.‏ وأراد بصورة الاحتمال الأول، ما ذكر قبل بقوله‏:‏ وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث، بأجوبة أقربها إلى لفظ الحديث‏.‏ أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها، فوجبت له عليها قيمتها- وكانت معلومة- فتزوجها بها انتهى‏.‏

‏(‏وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها، حتى يجعل لها مهراً سوى العتق‏)‏ قال الثوري‏:‏ اختلف العلماء فيمن أعتق أمته على أن يتزوج بها ويكون عتقها صداقها فقال الجمهور‏:‏ لا يلزمها أن تتزوج به، ولا يصح هذا الشرط‏.‏ وممن قاله‏:‏ مالك والشافعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر‏.‏ انتهى‏.‏

761- باب مَا جَاءَ في الفَضْلِ فِي ذَلِك

1111- حدثنا هَنّادٌ حدثنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عن الفَضْلِ بنِ يَزيدَ عَن الشّعْبِيّ عَنْ أبِي بُرْدَةَ بنِ أبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ، قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ‏:‏ عَبْدٌ أدّى حَقّ الله وحَقّ مَوَاليهِ، فَذَاكَ يُؤْتَى أجْرَهُ مَرّتَيْنِ‏:‏ وَرَجُلٌ كانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ فَأَدّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمّ أعْتَقَهَا، ثُمّ تَزَوّجَهَا‏:‏ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْه الله فَذَلِكَ يُؤْتَى أجْرَهُ مَرّتَيْنِ‏.‏ وَرَجُلٌ آمَنَ بالكِتَابِ الأوّلِ ثُمّ جَاءَ الكِتابُ الاَخرُ‏:‏ فآمَنَ بِهِ فَذَلِكَ يُؤْتَى أجْرَهُ مَرّتَيْنِ‏"‏‏.‏

1112- حدثنا ابنُ أبِي عُمرَ حدثنا سُفْيَانُ عَنْ صَالِحِ بنِ صَالِحٍ- ‏(‏وهُوَ ابنُ حَيّ‏)‏- عَنْ الشّعْبِيّ عَنْ أبِي بُردَةَ عَنْ أبي مُوسَى عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحوَهُ بِمَعْنَاهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أبِي مُوسَى حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأبُو بُردَةَ بنُ أبِي مُوسَى، اسْمُهُ‏:‏ عَامِرُ بنُ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ‏.‏ و رَوَى شُعْبَةُ وسفيان الثّوْرِيّ هذا الحديث عَن صَالحِ بنِ صَالحِ بنِ حَي، وصالح بن صالح بن حيّ هو والد الحسن بن صالح بن حيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة‏)‏ أي من الرجال، أو رجال ثلاثة، مبتدأ وخبره‏:‏ ‏(‏يؤتون‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏أجرهم مرتين‏)‏ أي يؤتيهم الله يوم القيامة أجرهم مرتين ‏(‏عبد‏)‏ بدل من المبتدإ‏:‏ بدل بعض والعطف بعد الربط، أو بدل كل والربط بدل العطف‏.‏ أو خبر مبتدأ محذوف، أي أحدهم أو مبتدأ موصوف محذوف الخبر، أي منهم قال القاري في المرقاة‏.‏ ‏(‏أدى حق الله‏)‏‏:‏ من صلاة وصوم، ‏(‏وحق مواليه‏)‏ جمع ‏"‏المولى‏"‏ للإشارة إلا أنه لو كان مشتركاً بين جماعة‏:‏ فلا بد أن يؤدي حقوق جميعهم فيعلم المنفرد بالأولى‏.‏ أو للإيماء إلى أنه إذا تعدد مواليه بالمناوبة على جري العادة الغالبة فيقوم بحق كل‏.‏ ‏(‏فذلك‏)‏ أي ذلك العبد ‏(‏يؤتى أجره مرتين‏)‏ أجر لتأدية حق الله، وأجر لتأدية حق مواليه‏.‏ ‏(‏وجارية وضيئة‏)‏ أي جميلة ‏(‏فأدبها‏)‏ أي علمها الخصال الحميدة‏:‏ مما يتعلق بأدب الخدمة إذ الأدب هو‏:‏ حسن الأحوال من القيام والتعود، وحسن الأخلاق‏.‏ ‏(‏فأحسن أدبها‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ ‏"‏فأحسن تأديبها‏"‏ و ‏"‏إحسان تأديبها‏"‏ هو‏:‏ الاستعمال علمها الرفق واللطف‏.‏ وزاد في رواية الشيخين‏:‏ ‏"‏وعلمها فأحسن تعليمها‏"‏‏.‏ ‏(‏يبتغي ذلك‏)‏ أي بالمذكور‏:‏ من التأديب والتعليم والتزوج‏.‏ ‏(‏فذلك يؤتى أجره مرتين‏)‏‏:‏ أجر على عتقه، وأجر على تزوجه‏.‏ ‏(‏ورجل آمن بالكتاب الأول، ثم جاءه الكتاب الاَخر فآمن به‏)‏ في رواية الشيخين‏:‏ ‏"‏رجل من أهل الكتاب‏:‏ آمن بنبيه، وآمن بمحمد‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي موسى حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه‏"‏‏.‏

762- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَتَزَوّجُ المَرْأَةَ ثمّ يُطَلّقُهَا قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِهَا هَلْ يَتَزَوّجُ ابنَتَهَا، أمْ لاَ‏؟‏

1113- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا ابنِ لَهِيعَةَ عَن عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أيّما رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا، فَلاَ يَحِلّ لَهُ نِكَاحُ ابنَتِهَا‏.‏ وإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلْيَنْكِحْ ابنَتَهَا، وأيّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلاَ يَحِلّ لَهُ نِكاحُ أُمّهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ يَصِحّ مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ وإنّمَا رَوَاهُ ابنُ لَهِيعَةَ والمثَنّى بنُ الصّبّاحِ عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيبٍ وَالمُثَنّى بنُ الصّبّاحِ وابنُ لَهِيعَةَ يضَعّفَانِ في الحَدِيثِ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ قَالُوا إذَا تَزَوّجَ الرّجُلُ امْرَأَةً ثُمّ طَلّقَهَا قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها حَلّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ ابْنَتَهَا وإِذَا تَزَوّجَ الرّجُلُ الإبنَةَ فَطَلّقَهَا قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَحلّ لَهُ نِكَاحُ أُمّهَا لِقَوْلِ الله تَعالَى ‏{‏وأُمّهَاتِ نِسَائِكُمْ‏}‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن لهيعة‏)‏ بفتح اللام وكسر الهاء، اسمه‏:‏ عبد الله‏.‏ قوله ‏(‏فدخل بها‏)‏ أي جامعها ‏(‏فلا يحل له نكاح ابنتها‏)‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن‏}‏ وأسقط قيد كونها في حجره لأنه خرج مخرج غلب العادة ‏(‏فإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها‏)‏ أي بعد طلاق أمها قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم‏}‏‏.‏ ‏(‏فلا يحل له نكاح أمها‏)‏ لإطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأمهات نسائكم‏}‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا يصح من قبل إسناده‏)‏ أي من جهة إسناده وإن كان صحيحاً باعتبار معناه مطابقته معنى الاَية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والمثنى بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث‏)‏ قال البيهقي‏:‏ أجمع أصحاب الحديث على ضعف ابن لهيعة وترك الاحتجاج بما ينفرد به‏.‏ كذا في التلخيص‏.‏ والمثنى بن الصباح ضعيف اختلط بآخره‏.‏ قاله الحافظ في التقريب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول الحنفية قال في الهداية‏:‏ ولا بأم امرأته دخل بإبنتها أو لم يدخل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأمهات نسائكم‏}‏ من غير قيد بالدخول ولا ببنت امرأته التي دخل بها لثبوت قيد الدخول بالنص انتهى‏.‏

763- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً فَيَتَزَوّجُهَا آخَرُ فَيُطِلّقُهَا قَبْل أَن يَدْخُلَ بِهَا

1114- حدثنا ابنُ أبي عُمرَ و إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ قالاَ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَة عنْ الزّهْرِيّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ القُرَظِيّ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَتْ إنّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلّقَنِي فَبَتّ طَلاَقِي فَتَزَوّجْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بنَ الزّبَيْرِ وَمَا مَعَهُ إلاّ مِثْلَ هُدْبَةِ الثّوْبِ فقَالَ‏:‏ أتُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ‏؟‏ لاَ حَتّى تَذُوقِي عُسَيْلَتهُ ويَذُوقَ عُسَيْلتَكِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ ابنِ عُمَرَ وأنَسٍ والرّمَيْصَاء أَو الغُمَيْصَاء وأبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏:‏ ‏"‏والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامّةِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أنّ الرّجُلَ إذَا طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثاً فَتَزَوّجَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ فَطَلّقَهَا قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِهَا أنّهَا لاَ تَحِلّ للزّوْجِ الأوّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا الزّوْجُ الاَخَرُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة رفاعة‏)‏ بكسر الراء ‏(‏القرظي‏)‏ بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة نسبة إلى قريظة قبيلة من اليهود ‏(‏عند رفاعة‏)‏ أي في نكاحه ‏(‏فبت طلاقي‏)‏ أي قطعه فلم يبق من الثلاث شيئاً وقيل طلقني ثلاثاً ‏(‏فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير‏)‏ بفتح الزاي وكسر الباء ‏(‏وما معه‏)‏ أي ليس مع عبد الرحمن من آلة الذكورة ‏(‏إلا مثل هدبة الثوب‏)‏ بضم الهاء وسكون الدال بعدها موحدة أي طرفه وهو طرف الثوب الغير المنسوج ‏(‏أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة‏)‏ في رواية الشيخين قالت نعم كما في المشكاة ‏(‏لا‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ قال لا أي لا ترجعي إليه ‏(‏حتى تذوقي عسيلته‏)‏ بضم العين وفتح السين أي لذة جماع عبد الرحمن ‏(‏ويذوق عسيلتك‏)‏ كناية عن حلاوة الجماع والعسيل تصغير عسل، والتاء فيها على نية اللذة أو النطفة أي حتى تجدي منه لذة ويجد منك لذة بتغيب الحشفة‏.‏ ولا يشترط انزال المني خلافاً للحسن البصري فإنه لا يحل عنده حتى ينزل الثاني حملاً للعسيلة عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وأنس والرميصاء أو الغميصاء وأبي هريرة‏)‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه النسائي‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه سعيد بن منصور والبيهقي‏.‏ وأما حديث الرميصاء أو الغميصاء فأخرجه النسائي‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند عامة أهل العلم الخ‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه أنه قال‏:‏ يقول الناس لا تخل للأول حتى يجامعها الثاني، وأنا أقول إذا تزوجها تزويجاً صحيحاً لا يريد بذلك إحلالها للأول فلا بأس أن يتزوجها الأول‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ هذا القول لا نعلم أحداً وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج‏.‏ ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏ قلت‏:‏ قول سعيد بن المسيب هذا في الرخصة يقابله قول الحسن البصري في التشديد‏.‏ فإنه شرط الإنزال كما عرفت قال ابن بطال‏:‏ شذ الحسن في هذا وخالفه سائر الفقهاء انتهى‏.‏

764- باب مَا جَاءَ فِي المُحِلّ والمُحَلّلِ لَه

‏(‏باب ما جاء في المحلل والمحل له‏)‏ المحل اسم فاعل من الإحلال، والمحلل اسم مفعول من التحليل‏.‏ والمراد من المحل هو من تزوج المرأة المطلقة ثلاثاً بقصد الطلاق أو شروطه لتحل هي لزوجها الأول، والمراد من المحلل له الزوج الأول

1115- حدثنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجّ حدثنا أشعْثُ بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ ابنِ زُبَيْدٍ الأيَامِي حدثنا مُجَالِدٌ عنِ الشّعْبِيّ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله‏:‏ وعنْ الْحَارِثِ عنْ عَلِي قالاَ‏:‏ ‏"‏إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ المُحِلّ والمُحَلّل لَهُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ ابنِ مَسْعُودٍ وأبي هُرَيْرَةَ وعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ عَلي وجَابِرٍ حدِيثٌ مَعْلُولٌ‏.‏ وهَكذَا رَوَى أَشْعَثُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عنْ مُجَالِدٍ عنْ عَامِرٍ الشعبي عنْ الحَارِثِ عنْ عَلِي وعَامِرٌ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذا حديثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بالقَائِمِ لأنّ مُجَالِدَ بنَ سَعِيدٍ قَدْ ضَعّفَهُ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ هذَا الحَدِيثَ عنْ مُجَالِدٍ عنْ عَامِرٍ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله عنْ عَلي‏.‏ وهذَا قَدْ وَهِمَ فيهِ ابنَ نُمَيرٍ‏.‏ والحَدِيثُ الأوّلُ أَصَح‏.‏ وقَدْ رَوَاهُ مُغِيرةُ وابنُ أَبي خَالِدٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ عنْ الشّعْبِيّ عنْ الحَارِثِ عنْ عَلِي‏.‏

1116- حدثنا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو أَحْمَدَ الزهري حدثنا سُفْيَانُ عنْ أَبي قَيْسٍ عنْ هُزَيْلِ بنِ شُرَحْبِيلَ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحِلّ والمُحَلّلَ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأَبُو قَيْسٍ الأوْدِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ ثَرَوَانَ وقَدْ روَى هذَا الحَدِيث عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا الحديث عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وعُثْمَانُ بنُ عَفّانَ وعَبْدُ الله بنُ عَمْروٍ وغَيْرِهم‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الفُقَهَاءِ مِنَ التّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وابنُ المُبَارَكِ والشّافِعِيّ وأَحْمَدُ وإسْحَاقُ قال‏:‏ وسَمِعْتُ الجَارُودَ بن معاذٍ يذْكُرُ عنْ وَكِيعٍ أَنّهُ قالَ بِهَذَا وقالَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْمَى بِهَذَا البَابِ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الرأيِ‏.‏ قال جارود‏:‏ قالَ وكِيعٌ‏:‏ وقالَ سُفْيَانُ إذَا تَزَوّجَ الرّجل المَرْأَةَ لِيُحَلّلهَا ثُمّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلاَ يَحِلّ لَهْ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتّى يَتَزَوّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الشعبي‏)‏ بفتح الشين المعجمة هو عامر بن شراحيل ثقة مشهور فقيه فاضل ‏(‏وعن الحارث‏)‏ عطف على عن جابر بن عبد الله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لعن المحل والمحلل له‏)‏ وقع في بعض الروايات المحلل والمحلل له كلا اللفظين من باب التفعيل الأول بكسر اللام والثاني بفتحها‏.‏ قال القاضي‏:‏ المحلل الذي تزوج مطلقة الغير ثلاثاً على قصد أن يطلقها بعد الوطء ليحل للمطلق نكاحها، وكأنه يحللها على الزوج الأول بالنكاح والوطء والمحلل له والزوج‏.‏ وإنما لعنهما لما في ذلك من هتك المروءة، وقلة الحمية، والدلالة على خسه النفس وسقوطها‏.‏ أما بالنسبة إلى المحلل له فظاهر وأما بالنسبة إلى المحلل فلأنه يعير نفسه بالوطء لغرض الغير فإنه إنما يطؤها ليعرضها لوطء المحلل له ولذلك مثله صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار انتهى‏.‏ قال الحافظ في التلخيص استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه‏.‏ أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك، وحملوا الحديث على ذلك ولا شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها‏.‏ لكن روى الحاكم والطبراني في الأوسط من طريق أبي غسان عن عمر بن نافع عن أبيه قال‏:‏ جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه هل يحل للأول‏.‏ قال‏:‏ لا إلا بنكاح رغبة‏.‏ كنا نعد هذا سفاحاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى كلام الحافظ‏.‏ قلت روى الحاكم هذا الحديث في المستدرك، وصححه كما صرح به الزيلعي في نصب الراية‏.‏ قوله ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود‏)‏ أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وإسحاق بن راهويه ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم وحديث صحيح نص على صحته الزيلعي في نصب الراية‏.‏ ‏(‏وعقبة بن عامر‏)‏ أخرجه ابن ماجه مرفوعاً بلفظ‏:‏ ألا أخبركم بالتيس المستعار‏؟‏ قالوا بلى يا رسول الله‏.‏ قال‏:‏ هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له‏.‏ قال عبد الحق في أحكامه‏:‏ إسناده حسن ‏(‏وأبن عباس‏)‏ أخرجه ابن ماجه وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لأن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل العلم‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني أبو عمرو الكوفي ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن مسعود قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له‏)‏ قال في سبل السلام‏:‏ الحديث دليل على تحريم التحليل، لأنه لا يكون اللعن إلا على فاعل المحرم وكل محرم منهي عنه والنهي يقتضي فساد العقد واللعن وإن كان ذلك للفاعل لكنه علق بوصف يصح أن يكون علة الحكم وذكروا للتحليل صوراً منها أن يقول له في العقد‏:‏ إذا أحللتها فلا نكاح وهذا مثل نكاح المتعة لأجل التوقيت‏.‏ ومنها أن يقول في العقد‏:‏ إذا أحللتها طلقتها‏.‏ ومنها أن يكون مضمراً في العقد بأن يتواطأ على التحليل، ولا يكون النكاح الدائم هو المقصود‏.‏ وظاهر شمول اللعن وفساد العقد لجميع الصور وفي بعضها خلاف بلا دليل ناهض فلا يستعمل بها انتهى قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري كذا في التلخيص قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب‏)‏ أخرج ابن أبي شيبة عنه قال‏:‏ لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتها‏.‏ كذا في شرح الترمذي للشيخ سراج أحمد ولم أقف على سنده ‏(‏وعثمان بن عفان‏)‏ قال الشيخ سراج أحمد‏:‏ أخرجه البيهقي‏.‏ قلت لم أقف على سنده ولا على لفظه ‏(‏وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية‏:‏ واعلم أن المصنف يعني صاحب الهداية، استدل بهذا الحديث، يعني بحديث لعن الله المحلل والمحلل له‏.‏ على كراهة النكاح المشروط به التحليل، وظاهره يقتضي التحريم كما هو مذهب أحمد انتهى‏.‏ قلت‏:‏ لا شك في أن ما قال الإمام أحمد هو الظاهر‏.‏ ثم أجاب الزيلعي فقال‏:‏ لكن يقال لما سماه محللاً دل على صحة النكاح‏.‏ لأن المحلل هو المثبت للحل فلو كان فاسداً لما سماه محللاً انتهى، قلت‏:‏ سماه محللاً على حسب ظنه، فإن من تزوج المطلقة ثلاثاً بقصد الطلاق أو شرطه ظن أن تزوجه إياها ووطأها يحلها لزوجها الأول‏.‏ وليس تسميته محللاً على أنه مثبت للحل في الواقع، ويؤيده قول ابن عمر‏:‏ كنا نعد هذا سفاحاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وصححه الحاكم كما تقدم ‏(‏وسمعت الجارود يذكر عن وكيع أنه قال بهذا‏)‏ أي بما قال سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال‏:‏ أي وكيع ‏(‏ينبغي أن يرمي بهذا الباب من قول أصحاب الرأي‏)‏ يعني أبا حنيفة وأصحابه‏.‏ قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي‏.‏ أي يطرح ويلقى من قولهم ما ذكروا في هذا الباب من صحة النكاح وإن قصد الإحلال‏.‏ وذلك لأن اللعن يقتضي النهي عن هذا الفعل وحرمته، والحرمة في باب النكاح يقتضي عدم الصحة‏.‏ فقولهم بالصحة مخالف للحديث فيكون مرمياً مطروحاً‏.‏ قال أجابوا عنه أن قولهم ليس بمخالف للحديث‏.‏

لأن اللعن قد يكون لخسة الفعل وهتك المروءة وتسميته محللاً يقتضي صحة العقد ليترتب عليه التحليل‏.‏ وليس في الحديث تصريح بعدم الشرط أو بإثباته، فالتوفيق بينهما أن يحمل اللعن على أنه للخسة لا للتحريم لئلا يعارض قوله محللاً، فلا دلالة فيه على بطلان النكاح بمجرد أن يكون من نيته الإحلال‏.‏ أو بكونه شرط الإحلال انتهى كلام أبي الطيب‏.‏ قلت قوله اللعن قد يكون لخسة الفعل وهتك المروءة ادعاء محض لا دليل عليه، بل لعنة الله لا تكون إلا للتحريم‏.‏ وقد تقدم أن تسميته محللاً لا يقتضي صحة العقد‏.‏

تنبيه‏:‏

قول الإمام وكيع هذا يدل دلالة ظاهرة على أنه لم يكن حنفياً مقلداً للإمام أبي حنيفة فبطل قول صاحب العرف الشذي أن وكيعاً كان حنفياً مقلداً لأبي حنيفة‏.‏ وقد تقدم الكلام في هذا في باب الإشعار من كتاب الحج ‏(‏قال وكيع وقال سفيان إذا تزوج المرأة ليحللها ثم بدا له أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوج بنكاح جديد‏)‏ قال الخطابي في المعالم‏:‏ إذا كان ذلك عن شرط بينهما فالنكاح فاسد لأن العقد متناه إلى مدة كنكاح المتعة‏.‏ وإذا لم يكن شرطاً ودان نية وعقيدة فهو مكروه‏.‏ فإن أصابها الزوج ثم طلقها وانقضت العدة فقد حلت للزوج الأول‏.‏ وقد كره غير واحد من العلماء أن يضمر أو ينويا أو أحدهما التحليل وإن لم يشترطاه، وقال ابراهيم النخعي‏:‏ لا يحلها لزوجها الأول إلا أن يكون نكاح رغبة، فإن كانت نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الثاني أو المرأة أنه محلل، فالنكاح باطل ولا تحل للأول وقال سفيان الثوري‏.‏ إذا تزوجها وهو يريد أن يحللها لزوجها، ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارقها ويستأنف نكاحاً جديداً، وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال مالك بن أنس يفرق بينها على كل حال انتهى كلام الخطابي، وقال الشافعي‏:‏ إن عقد النكاح مطلقاً لا شرط فيه فالنكاح ثابت، ولا تفسد النية من النكاح شيئاً، لأن النية حديث نفس وقد رفع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم ذكر قول الشافعي هذا الحافظ المنذري في تلخيصه‏.‏ قلت‏:‏ في كلام الشافعي هذا كلام فتأمل‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي، والمشهور عندنا أن الشرط إثم والنكاح صحيح قال‏:‏ ولأبي حنيفة‏:‏ ما أفتى عمر بسند لعله جيد أن رجلاً نكح امرأة للتحليل فقال له عمر رضي الله عنه لا تفارق امرأتك وإن طلقتها فأعزرك‏.‏ قال فدل على صحة النكاح للتحليل انتهى‏.‏ قلت روى عبد الرزاق‏:‏ أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها، فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها، وأوعده أن يعاقبه إن طلقها‏.‏ ذكر هذا الأثر الشوكاني في النيل بغير السند، ولم أقف على سنده‏.‏ فمن يدعى أنه صحيح فعليه البيان، وأثر عمر هذا يخالفه ما أخرج ابن أبي شيبة عنه قال‏:‏ لا أوتي بمحلل له ولا محلل له إلا رجمتهما، ويخالفه قول ابن عمر رضي الله عنه كنا نعد هذا سفاحاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وصححه الحاكم وقد تقدم ثم قال‏:‏ صاحب العرف الشذي وإن لم يشترط في اللفظ فإن كان الرجل معروفاً بهذا الفعل فمكروه تحريماً، كما في فتح القدير‏.‏ وفي بعض كتبنا أنه إذا لم يشترط في اللفظ فالمحل له ثواب لأنه نفع أخيه المسلم انتهى بلفظه‏.‏

قلت‏:‏ وفي بعض كتب الحنفية أنه مأجور وإن شرطاه بالقول لقصد الإصلاح‏.‏ وهذا هو معمول به عند حنفية ديارنا فيعملون به ويظنون أنهم ينفعون إخوانهم ويصيرون مأجورين فهداهم الله تعالى إلى التحقيق‏.‏