فصل: 12- كتاب الرضاع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


12- كتاب الرضاع

بفتح الراء وكسرها لغة، وهو القاضي عياض‏:‏ والرضاع والرضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما، وأنكر الأصمعى الكسر في الرضاعة وهو مص الرضيع من ثدي الاَدمية في وقت مخصوص، وهو يفيد التحريم قليلاً كان أو كثير إذا حصل في مدة الرضاع عند جمهور العلماء‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات‏.‏ ومدة الرضاعة ثلاثون شهراً عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد سنتان‏.‏ وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما‏.‏

781- باب مَا جَاءَ يُحَرّمُ مِنَ الرّضَاعِ مَا يُحَرّمُ مِنَ النّسَب

‏(‏باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏)‏ يحرم صيغة المجهول من التحريم

1142- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ‏.‏ حدثنا عَليّ بنُ زَيْدٍ عنْ سَعيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عنْ عَلِي بن أبي طالب قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله حَرّمَ مِنَ الرّضَاعِ مَا حَرّمَ مِنَ النّسَبِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ وأُمّ حَبِيبَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عِلي حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ والعمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ عَامّةِ أهْلِ العِلْمِ منْ أصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهْم‏.‏ لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ في ذلِكَ اخْتِلاَفاً‏.‏

1143- حدثنا بندار حدثنا يَحْيَى بنُ سَعيدِ القطّانُ‏.‏ حدثنا مَالِكٌ ح‏.‏ حدثنا إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ قالَ‏:‏ حدثنا مَعْنٌ قالَ‏:‏ حدثنا مَالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ، عنْ عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ، عنْ عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله حَرّمَ مِنَ الرّضَاعَةِ مَا حَرّمَ مِنَ الْوِلاَدَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَملُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ لاَ نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ في ذَلِكَ اخْتِلاَفاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب‏)‏ قال القرطبي في الحديث دلالة على أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها، يعني الذي وقع الإرضاع بين ولده منها، أو السيد فتحرم على الصبي لأنها تصير أمه، وأمها لأنها جدته فصاعداً، وأختها لأنها خالته، وبنتها لأنها أخته، وبنت بنتها فنازلاً لأنها بنت أخته، وبنت صاحب اللبن لأنها أخته، وبنت بنته فنازلاً لأنها بنت أخته، وأمه فصاعداً لأنها جدته، وأخته لأنها عمته ولا يتعدى التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع‏.‏ فليست أخته من الرضاعة أختاً لأخيه، ولا بنتاً لأبيه إذ لا رضاع بينهم، والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن، فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءاً من أجزائهما، فانتشر التحريم بينهم بخلاف قرابات الرضيع لأنه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب انتهى‏.‏ قال العلماء يستثنى من عموم قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أربع نسوة يحرمن في النسب مطلقاً، وفي الرضاع قد لا يحرمن‏:‏ الأولى- أم الأخ في النسب حرام لأنها إما أم وإما زوج أب، وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الأخ فلا تحرم على أخيه‏.‏ الثانية- أم الحفيد حرام في النسب لأنها إما بنت أو زوج ابن، وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الحفيد فلا تحرم على جده‏.‏ الثالثة- جدة الولد في النسب حرام لأنها إما أم أو أم زوجة، وفي الرضاع قد تكون أجنبية أرضعت الولد فيجوز لوالده أن يتزوجها‏.‏ الرابعة- أخت الولد حرام في النسب لأنها بنت أو ربيبة، وفي الرضاع قد تكون أجنبية فترضع الولد فلا تحرم على الولد‏.‏ وهذه الصور الأربع اقتصر عليها جماعة ولم يستثن الجمهور شيئاً من ذلك‏.‏

وفي التحقيق لا يستثنى شيء من ذلك لأنهن لم يحرمن من جهة النسب، وإنما حرمن من جهة المصاهرة‏.‏ واستدرك بعض المتأخرين أم العم وأم العمة، وأم الخال وأم الخالة، فإنهن يحرمن في النسب لا في الرضاع وليس ذلك على عمومه‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏ وقال النووي أجمعت الأمة على ثبوت حرمة الرضاع بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبداً، ويحل النظر إليها والخلوة بها والمسافرة ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه، فلا يتوارثان، ولا يجب على واحد منهما نفقة الاَخر، ولا يعتق عليه بالعتق، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها، ولا يسقط عنها القصاص بقتله‏.‏ فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ أخرجه البخاري بلفظ‏:‏ يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة‏.‏ وأخرجه الترمذي وغيره‏.‏ ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم بلفظ‏:‏ يحرم من الرضاعة من يحرم من الرحم وفي لفظ من النسب ‏(‏وأم حبيبة‏)‏ لينظر من أخرج حديثها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما حرم من الولادة‏)‏ وفي رواية ابن ماجه من النسب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نعلم بينهم في ذلك اختلافاً‏)‏ وقد وقع الخلاف هل يحرم بالرضاع ما يحرم من الصهار‏؟‏ وابن القيم قد حقق ذلك في الهدى بما فيه كفاية فليرجع إليه، وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع، فيحرم عليه أم امرأته من الرضاعة، وامرأة أبيه من الرضاعة، ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة، وبين المرأة وعمتها وبنتها، وبين خالتها من الرضاعة وقد نازعهم في ذلك ابن تيمية كما حكاه صاحب الهدى كذا في النيل‏.‏

782- باب مَا جَاءَ في لَبَنِ الْفَحْل

‏(‏باب ما جاء في لبن الفحل‏)‏ بفتح الفاء وسكون المهملة، أي الرجل، ونسبة اللبن إليه مجازيه لكونه السبب فيه‏.‏ قال القاضي عبد الوهاب يتصور تجريد لبن الفحل برجل له امرأتان ترضع إحداهما صبياً‏.‏ والأخرى صبية، فالجمهور قالوا يحرم على الصبي تزويج الصبية‏.‏ وقال من خالفهم يجوز‏.‏ ذكره الحافظ‏.‏ ويحي تفسير لبن الفحل في الباب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما

1144- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلي الْخَلاّلُ‏.‏ حدثنا ابنُ نُمَيْرٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أَبِيهِ، عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ جَاءَ عمّى مِنَ الرّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيّ‏.‏ فأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتّى أَسْتَأْمِرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ فإِنّهُ عَمّكِ‏"‏ قَالَتْ‏:‏ إنْمَا أَرْضَعْتَنِي المَرْأَةُ ولَمْ يُرْضِعْني الرّجُلُ‏.‏ قالَ ‏"‏فإنّهُ عَمّكِ فَلْيَلِجْ علَيْكِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَملُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏ كَرِهُوا لَبَنَ الْفَحْلِ‏.‏ وَالأَصْلُ في هذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ‏.‏ وقَدْ رَخّصَ بعَضُ أهْلِ العِلْمِ فِي لَبَنِ الْفَحْلِ‏.‏ والْقَوْلُ الأوّلُ أَصَحّ‏.‏

1145- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنا مَالِكٌ ح‏.‏ حدثنا الأنْصَارِيّ‏.‏ حدثنا مَعْنٌ قالَ‏:‏ حدثنا مَالِك عنِ ابنِ شِهَابٍ، عنْ عَمْروِ بنِ الشّرِيدِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ سُئِلَ عنْ رَجُلٍ لَهُ جَارِيَتَانِ‏.‏ أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا جَارِيَةً وَالأخْرَى غُلاماً‏.‏ أَيَحِلّ لِلْغُلاَمِ أَنْ يَتَزَوّجَ بالْجَارِيَةَ‏؟‏ فقَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ اللّقَاحُ وَاحِدٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذَ الأصْلُ في هذَا البَابِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء عمي من الرضاعة‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ إن أفلح أخا أبي العقيس- جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة ‏(‏فليلج عليك‏)‏ أي ليدخل ‏(‏إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل‏)‏ وفي رواية البخاري في تفسير سورة الأحزاب‏:‏ فإن أخاه أبو القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس ‏(‏قال فإنه عمك فليلج عليك‏)‏ فيه دليل على أن لبن الفحل يحرم حتى يثبت الحرمة من جهة صاحب اللبن كما ثبت من جانب المرضعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت عمومة الرضاع وألحقها بالنسب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا لبن الفحل‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار كالأوزاعي في أهل الشام، والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل مكة، ومالك في أهل المدينة، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل يحرم وحجتهم هذا الحديث الصحيح‏.‏ يعني حديث عائشة المذكور في الباب ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم في لبن الفحل‏)‏ روى ذلك عن ابن عمر وأبي الزبير ورافع بن خديج وغيرهم، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي وابراهيم النخعي وغيرهم‏.‏ واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم‏)‏ ولم يذكر العمة والبنت كما ذكرهما في النسب‏.‏

وأجيبوا بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه ولا سيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة‏.‏ واحتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل‏.‏ والجواب‏:‏ أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه، وأيضاً فإن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معاً فوجب أن يكون الرضاع منهما، وإلى هذا أشار ابن عباس بقوله في هذه المسألة‏:‏ اللقاح واحد وأيضاً فإن الوطء يدر اللبن فللفحل فيه نصيب ‏(‏والقول الأول أصح‏)‏ فإنه قد ثبت بالأحاديث الصحيحة، ولم يثبت القول الثاني بدليل صحيح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏له جاريتان‏)‏ أي أمتان ‏(‏أرضعت أحدهما جارية‏)‏ أي صبية ‏(‏والأخرى غلاماً‏)‏ أي والجارية الأخرى أرضعت صبياً ‏(‏فقال لا‏)‏ أي لا يحل للغلام أن يتزوج الجارية ‏(‏اللقاح واحد‏)‏ قال الجزري في النهاية اللقاح بالفتح اسم ماء الفحل، أراد أن ماء الفحل الذي حملت منه واحد، واللبن الذي أرضعته كل واحدة منهما كان أصله ماء الفحل، ويحتمل أن يكون اللقاح في هذا الحديث بمعنى الإلقاح، يقال ألقح الفحل الناقة إلقاحا ولقاحاً كما يقال أعطى إعطاء وعطاء‏.‏ والأصل فيه للإبل ثم أستعير للناس انتهى‏.‏ وأثر ابن عباس هذا سكت عنه الترمذي والظاهر أن إسناده صحيح‏.‏

783- باب ما جَاءَ لاَ تُحَرّمُ الْمَصّةُ وَلاَ الْمَصّتَان

1146- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى الصّنْعَانِيّ قال‏:‏ حدثنا الْمعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَيّوبَ يُحَدّثُ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ، عنْ عَائِشَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لا تحَرّمُ الْمَصّةُ وَلاَ الْمَصّتَانِ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أُمّ الْفَضْلِ وأبِي هُرَيْرَةَ والزّبَيْرِ بن العوام وابنِ الزّبَيْرِ‏.‏ وروى غير واحد هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تحَرّمُ الْمَصّةُ ولاَ الْمَصّتَانِ‏"‏‏.‏

وَرَوَى مُحَمّدُ بنُ دِينَارِ، عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبِيهِ، عنْ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ، عن الزبير، عنِ النبيّ عَليْهِ الصّلاَةُ والسّلاَمُ‏.‏ وَزَادَ فِيهِ مُحَمّدُ بنُ دِينَارٍ البصري ‏(‏عنِ الزّبَيْرِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏)‏ وهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ‏.‏ والصّحِيحُ عِنْدَ أهْلِ الْحَدِيثِ حدِيثُ ابنِ مُلَيْكَةَ عنْ عبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ، عنْ عَائِشَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وسألت محمداً عن هذا فقال‏:‏ الصحيح عن ابن الزبير عن عائشة وحديث محمد بن دينار وزاد فيه عن الزبير وإنما هو هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير‏.‏ والْعَملُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْض أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ وقالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ ‏{‏عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ‏}‏ فَنُسِخَ مِنْ ذلِكَ خَمْسٌ وَصَارَ إِلَى ‏(‏خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ‏)‏ فَتُوُفّيَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم والأَمْرُ عَلَى ذلِكَ‏.‏

حدثنا بِذلِكَ إسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ حدثنا مالك حدثنا مَعْن عنْ عَبْد الله بنِ أبي بَكْرٍ، عنْ عَمْرَةَ، عنْ عَائِشَةَ بِهذَا‏.‏ وبِهذَا كَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي وبَعْضُ أَزْوَاجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وإسْحَاقَ‏.‏ وقالَ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏لاَ تُحَرّمُ الْمَصّةُ ولاَ الْمَصّتَانِ‏"‏ وقالَ‏:‏ إنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى قَوْلِ عَائِشَةَ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيّ‏.‏ وجَبُنَ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ شَيْئاً‏.‏

وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابٍ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏:‏ يُحَرّمُ قَلِيلُ الرّضَاعِ وَكَثِيرهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَمَالِكِ بنِ أنَسٍ والأوْزَاعِيّ وعَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وأهْلِ الْكُوفَةِ‏.‏ عبد الله بن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ويكنى أبا محمدٍ، وكان عبد الله قد استقضاهُ على الطائف‏.‏

وقال ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ أَدركتُ ثلاثين من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تحرم المصة ولا المصتان‏)‏، وفي حديث أم الفضل‏:‏ لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان‏.‏ وفي رواية لا تحرم الرضعة والرضعتان‏.‏ والمصة هي المرة من المص كالرضعة من الرضاع‏.‏ قال في القاموس مصصته بالكسر أمصه ومصصته أمصه كخصصته أخصه شربته شرباً رفيقاً انتهى وقال في الصراح‏:‏ المص مكيدن‏.‏ وقال في القاموس ملج الصبي أمه كنصر وسمع تناول ثديها بأدنى فمه‏.‏ وامتلج اللبن امتصه وأملجه أرضعه، والمليج الرضيع انتهى‏.‏ وقال فيه رضع أمه كسمع وضرب رضعاً ويحرك ورضاعاً ورضاعة وتكسر إن امتص ثديها انتهى‏.‏ وقال ابن الأثير في النهاية‏:‏ فلا تحرم الملجة والملجتان‏.‏ وفي رواية الإملاجة والإملاجتان‏.‏ الملج المص ملج الصبي أمه إذا رضعها‏.‏ والملجة المرة، والإملاجة المرة أيضاً من أملجته أمه أي أرضعته يعني أن المصة والمصتين لا يحرمان ما يحرمه الرضاع الكامل انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم الفضل‏)‏ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أتحرم المصة‏؟‏ فقال لا تحرم الرضعة والرضعتان، والمصة والمصتان‏.‏ وفي رواية قالت‏:‏ دخل أعرابي على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي، فقال‏:‏ يا نبي الله إن كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثي رضعة أو رضعتين‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تحرم الإملاجة ولا الأملاجتان‏.‏ أخرجهما أحمد ومسلم ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه النسائي‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لا يصح مرفوعاً‏.‏ كذا في التلخيص ‏(‏والزبير‏)‏ أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان ‏(‏وابن الزبير عن عائشة‏)‏ أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو غير محفوظ، والصحيح عند أهل الحديث حديث ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة الخ‏)‏ وأعل ابن جرير الطبري الحديث بالاضطراب‏.‏ فإنه روى عن علي بن الزبير عن أبيه وعنه عن عائشة، وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة‏.‏ وجمع ابن حبان بينهما بإمكان أن يكون ابن الزبير سمعه من كل منهم‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وفي ذلك الجمع بعد على طريقة أهل الحديث انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وغيره ‏(‏والعمل على هذا‏)‏ أي حديث عائشة‏:‏ لا تحرم المصة والمصتان ‏(‏عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏)‏ ذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه- إلا ابن حزم- إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تحرم الرضعة والرضعتان‏"‏‏.‏ فإن مفهومه أن الثلاث تحرم‏.‏ وأغرب القرطبي فقال‏:‏ لم يقل به إلا داود‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات‏)‏ بسكون الشين وبفتح الضاد قاله القاري‏.‏ ‏(‏فنسخ من ذلك خمساً‏)‏ أي فنسخ الله تعالى من ذلك المذكور خمس رضعات‏.‏ وقد ضبط في النسخة الأحمدية المطبوعة فنسخ بضم النون وكسر السين، ويخدشه قوله خمساً بالنصب‏.‏ نعم لو كان خمس بالرفع لكان صحيحاً ‏(‏وصار إلى خمس رضعات الخ‏)‏‏.‏ وفي رواية مسلم قالت‏:‏ فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن‏.‏ قال النووي معناه‏:‏ أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى أنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى‏.‏ والنسخ ثلاثة أنواع‏:‏ ‏"‏أحدها‏"‏- ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات‏.‏ ‏"‏والثاني‏"‏- ما نسخ تلاوته دون حكمه كخمس رضعات، وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما‏.‏ ‏"‏والثالث‏"‏- ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر وعنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهن‏}‏ الاَية‏.‏ انتهى كلام النووي‏.‏ ‏(‏وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهو قول الشافعي وإسحاق‏)‏ قال النووي اختلف العلماء في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع، فقالت عائشة والشافعي وأصحابه‏:‏ لا يثبت بأقل من خمس رضعات‏.‏ وقال جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة‏.‏ حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وطاؤوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثورى وأبي حنيفة رضي الله عنهم‏.‏ قال‏:‏ فأما الشافعي وموافقوه فأخذوا بحديث عائشة خمس رضعات معلومات‏.‏ وأخذ مالك بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم‏)‏ ولم يذكر عدداً وههنا اعتراضات من قبل الشافعية على المالكية، ومن قبل المالكية على الشافعية، مذكورة في شروح مسلم والبخاري‏.‏ ‏(‏فهو مذهب قوي‏)‏ لصحة دليله وقوته ‏(‏وجبن‏)‏ الجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة فهو إما مصدر ويحتمل أن يكون بصيغة الماضي بفتح الموحدة وبضمها‏.‏

‏(‏عنه‏)‏ الضمير المجرور يرجع إلى قوله ذاهب ‏(‏أن يقول فيه‏)‏ أي في هذا المذهب القوي ‏(‏شيئاً‏)‏ والمعنى جبن عن ذلك الذاهب أن يتكلم في هذا المذهب القوي بشيء من الكلام أو ذلك جبن عنه‏.‏ والظاهر أن هذا مقولة أحمد‏.‏ وقيل أنه مقولة الترمذي‏.‏ وضمير عنه يرجع إلى أحمد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏:‏ يحرم قليل الرضاع وكثيره إذا وصل إلى الجوف‏.‏ وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، ووكيع وأهل الكوفة‏)‏ وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو قول الجمهور، وإليه ميلان الإمام البخاري رحمه الله فإنه قال في صحيحه‏:‏ باب من قال لارضاع بعد حولين إلى أن قال‏:‏ وما يحرم من قليل الرضاع وكثيرة انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا مصير منه إلى التمسك بالعموم الوارد في الأخبار انتهى‏.‏ قلت استدل هؤلاء الأئمة بإطلاق قوله تعالى ‏(‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم‏)‏ وإطلاق حديث‏:‏ إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب‏.‏ وغير ذلك قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقوى مذهب الجمهور أن الأخبار اختلفت في العدد‏.‏ وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك‏.‏ فوجب الرجوع إلى أبل ما ينطلق عليه الإسم‏.‏ ويعضده من حيث النظر أنه معنى طارئ يقتضي تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم فلا يشترط فيه العدد كالمني والله أعلم‏.‏ وأيضاً فقول عائشة‏:‏ عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ‏.‏ لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر، فلم يثبت كونه قرآناً، ولا دكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه انتهى كلام الحاكم‏.‏

784- باب مَا جَاء في شهَادَةِ المَرأةِ الوَاحِدةِ في الرّضَاع

1147- حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ‏.‏ عنْ أيّوبَ، عنْ عَبْدِ الله بن أبي مُلَيْكَةَ قالَ‏:‏ حَدّثَنِي عُبَيْدُ بنُ أبي مَرْيَم، عنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ قالَ ‏(‏وسَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ وَلَكنّي لَحِدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ‏)‏ قالَ‏:‏ تَزَوّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْنَا امْرأَةٌ سَودَاءٌ فقَالَتْ‏:‏ إنّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا‏.‏ فَأَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقلت‏:‏ تَزَوّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْداءٌ فقَالَتْ‏:‏ إني قَدْ أرْضَعْتُكُمَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ‏.‏ قالَ فَأَعْرَضَ عَنّي‏.‏ قالَ فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ‏.‏ فأعرض عنّي بوجهه فَقلت‏:‏ إنّهَا كاذِبَةٌ‏.‏ قالَ ‏"‏وَكَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أنّهَا قَدْ أرْضَعَتْكُمَا‏.‏ دَعْهَا عَنْكَ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي الباب عن ابن عمر‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هذَا الحَدِيثَ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ، عنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ‏.‏ ولَمْ يَذْكُرُوا فيهِ ‏(‏عنْ عُبَيْدِ بنِ أبي مَرْيَمَ‏)‏ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ‏(‏دَعْهَا عنْكَ‏)‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا الحديث عِنْدَ بَعْض أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ أجَازُوا شَهادَةَ المَرأةِ الْوَاحِدَةِ في الرّضَاعِ‏.‏

وقالَ ابنُ عبّاسٍ‏:‏ تَجُوزُ شَهادَةُ امرَأةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرّضَاعِ، وَيُؤْخَذُ يَمِينُهَا‏.‏ وَبِهِ يَقُولُ أحْمَدُ وإسْحَاقُ‏.‏ وقد قالَ بَعضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهادَةُ المْرَأَة الوَاحِدَة حَتّى يَكُون أكْثَرَ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ‏.‏ سَمِعْتُ الجَارُودَ يَقُولُ سَمِعْتُ وكيعاً يقُولُ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شهادَةُ امْرأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الحُكْمِ، ويُفَارِقُهَا في الورَعِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وسمعته من عقبة‏)‏ أي قال عبد الله بن أبي مليكة‏:‏ وسمعت الحديث من عقبة بن الحارث من غير واسطة عبيد بن أبي مريم ‏(‏ولكنى لحديث عبيد أحفظ‏)‏ وأخرجه أبو داود من طريق حماد عن أيوب ولفظه‏:‏ عن ابن أبي مليكة عن ابن الحارث قال‏:‏ وحدثنيه صاحب لي عنه وأنا لحديث صاحبي أحفظ ولم يسمه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفيه إشارة إلى التفرقة في صيغ الأداء بين الأفراد والجمع أو بين القصد إلى التحديث وعدمه‏.‏ فيقول الراوي فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ أو قصد الشيخ تحديثه بذلك حدثني بالإفراد، وفيما عدا ذلك حدثنا بالجمع أو سمعت فلاناً يقول‏.‏ ووقع عند الدارقطني من هذا الوجه‏:‏ حدثني عقبة بن الحارث ثم قال‏:‏ لم يحدثني ولكني سمعته يحدث، وهذا يعين أحد الاحتمالين‏.‏ وقد اعتمد ذلك النسائي فيما يرويه عن الحارث بن مسكين، فيقول الحارث بن مسكين قرأه عليه وأنا أسمع ولا يقول حدثني ولا أخبرني لأنه لم يقصده بالتحديث، وإنما كان يسمعه من غير أن يشعر به انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏تزوجت امرأة‏)‏ وفي رواية للبخاري أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب ‏(‏فجاءتنا امرأة سوداء‏)‏ قال الحافظ ما عرفت اسمها‏:‏ ‏(‏وقد أرضعتكما‏)‏ وفي رواية للبخاري قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها ‏(‏فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية للبخاري فقال لها عقبة‏:‏ ما اعلم أنك قد أرضعتني ولا أخبرتني فأرسل إلى آل أبي إهاب فسألهم فقالوا ما علمنا أرضعت صاحبتنا، فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏قال وكيف بها‏)‏ أي كيف تشتغل بها وتباشرها وتفضي إليها ‏(‏وقد زعمت‏)‏ أي والحال أنها قالت ‏(‏دعها عنك‏)‏ وفي رواية للبخاري في الشهادات‏:‏ فنهاه عنها‏.‏ وفي رواية أخرى له في كتاب العلم‏:‏ ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عقبة بن الحارث حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أجازوا شهادة المرأة الواحدة في الرضاع‏)‏ وهو قول أحمد، قال علي بن سعد سمعت أحمد يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع‏.‏ قال‏:‏ تجوز على حديث عقبة بن الحارث‏.‏ وهو قول الأوزاعي، ونقل عن عثمان وابن عباس والزهري والحسن وإسحاق وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب قال‏:‏ فرق عثمان بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم قال ابن شهاب الناس يأخذون بذلك من قول عثمان اليوم، واختاره أبو عبيد إلا أنه قال‏:‏ إن شهدت المرضعة وحدها وجب على الزوج مفارقة المرأة، ولا يجب عليه الحكم بذلك‏.‏ وإن شهدت معها أخرى وجب الحكم به كذا في فتح الباري ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع وتؤخذ يمينها وبه يقول أحمد وإسحاق‏)‏ يعني أنه رواية عن أحمد، ولم أقف على دليل أخذ اليمين ‏(‏وقال بعض أهل العلم‏:‏ لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع حتى يكون أكثر وهو قول الشافعي‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وذهب الجمهور إلى أنه لا يكفي في ذلك شهادة المرضعة لأنها شهادة على فعل نفسها‏.‏ وقد أخرج أبو عبيد من طريق عمر، والمغيرة بن شعبة، وعلي بن أبي طالب وابن عباس‏:‏ أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك‏.‏ فقال عمر فرق بينهما إن جاءت ببينة، وإلا فخل بين الرجل وامرأته إلا أن يتنزها‏.‏ ولو فتح هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين الزوجين إلا فعلت‏.‏ وقال الشعبي‏:‏ تقبل مع ثلاث نسوة بشرط ألا تتعرض نسوة لطلب أجرة‏.‏ وقيل‏:‏ لا تقبل مطلقاً‏.‏ وقيل تقبل في ثبوت المحرمية دون ثبوت الأجرة لها على ذلك‏.‏ وقال مالك‏:‏ تقبل مع أخرى وعن أبي حنيفة‏:‏ لا تقبل في الرضاع شهادة النساء المتمحضات‏.‏ وعكسه الأصطخرى من الشافعية‏.‏ وأجاب من لم يقبل شهادة المرضعة وحدها بحمل النهي في قوله فنهاه عنها على التنزيه‏.‏ وبحمل الأمر في قوله دعها عنك على الإرشاد انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ولا يخفى أن النهي حقيقة في التحريم فلا يخرج عن معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة‏.‏ قال والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستشهدوا شهيدين من رجالكم‏}‏ لا يفيد شيئاً لأن الواجب بناء العام على الخاص‏.‏ ولا شك أن الحديث أخص مطلقاً ‏(‏وعبد الله بن أبي مليكة‏)‏ بالتصغير ثقة فقيه من الثالثة ‏(‏سمعت وكيعاً‏:‏ لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الحكم ويفارقها في الورع‏)‏ أي يفارقها تورعاً واحتياطاً‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وأما ما قيل من أن أمره صلى الله عليه وسلم من باب الاحتياط، فلا يخفي مخالفته لما هو الظاهر ولا سيما بعد أن كرر السؤال أربع مرات، كما في بعض الروايات‏.‏ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له في جميعها كيف وقد قيل وفي بعضها دعها عنك، وفي بعضها لا خير لك فيها‏؟‏ مع أنه لم يثبت في رواية أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالطلاق، ولو كان ذلك بالاحتياط لأمره به‏.‏ قال فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرة كانت أو أمة انتهى كلامه بقدر الحاجة‏.‏

785- باب ما جَاء ما ذكر أنّ الرّضَاعةَ لاَ تُحَرّمُ إلاّ فِي الصّغَرِ دُونَ الحْوَلَيْن

1148- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبيه عن فَاطِمَةَ بنْتِ الْمُنْذرِ ‏(‏وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي امرأة هشام بن عروة‏)‏ عن أمّ سَلَمَةَ قالَتْ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لاَ يُحَرّمُ مِنَ الرّضَاعةِ إلاّ مَا فَتَقَ الأمْعَاءَ في الثّدْيِ، وكانَ قَبْلَ الفِطَامِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ علَى هذا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أنّ الرّضَاعةَ لاَ تُحَرّمُ إلاّ مَا كانَ دُونَ الحَوْلَيْنِ وَمَا كانَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ الكامِلَيْنِ، فَإِنّهُ لاَ يُحَرّمُ شَيْئاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحرم‏)‏ بتشديد الراء المكسورة ‏(‏من الرضاع‏)‏ بفتح الراء وكسرها ‏(‏إلا ما فتق الأمعاء‏)‏ بالنصب على أنه مفعول به أي الذي شق أمعاء الصبي كالطعام، ووقع منه موقع الغذاء‏.‏ وذلك أن يكون في أوان الرضاع والأمعاء جمع معي وهو موضع الطعام من البطن ‏(‏في الثدي‏)‏ حال من فاعل فتق كقوله تعالى ‏{‏وتنحتون من الجبال بيوتاً‏}‏ أي كائناً في الثدي، فائضاً منه سواء كان بالارتضاع أو بالإيجار‏.‏ ولم يرد به الاشتراط في الرضاع المحرم أن يكون من الثدي قاله القاري، وقال الشوكاني قوله في الثدي أي في زمن الثدي وهو لغة معروفة، فإن العرب تقول مات فلان في الثدي أي في زمن الرضاع قبل الفطام كما وقع التصريح بذلك في آخر الحديث ‏(‏وكان‏)‏ أي الرضاع ‏(‏قبل الفطام‏)‏ بكسر الفاء أي زمن الفطام الشرعي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وصححه الحاكم أيضاً وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لا رضاع إلا في الحولين‏.‏ رواه الدارقطني وابن عدي مرفوعاً وموقوفاً ورجح الموقوف‏.‏ وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لارضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم‏"‏‏.‏ رواه أبو داود قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين الخ‏)‏ وهو قول صاحبي الإمام أبي حنيفة‏.‏ قال محمد في موطإه لا يحرم الرضاع إلا ما كان في الحولين‏.‏ فما كان فيها من الرضاع وإن كان مصة واحدة فهي تحرم‏.‏ كما قال عبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئاً لأن الله عز وجل قال‏:‏ ‏(‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة‏)‏ فتمام الرضاعة الحولان، فلا رضاعة بعد تمامها يحرم شيئاً‏.‏ وكان أبو حنيفة رحمه الله يحتاط ستة أشهر بعد الحولين فيقول يحرم ما كان في الحولين وبعدها تمام ستة أشهر وذلك ثلاثون شهراً‏.‏ ولا يحرم ما كان بعد ذلك‏.‏ ونحن لا نرى أن يحرم، ونرى أنه لا يحرم ما كان بعد الحولين انتهى كلام محمد رحمه الله‏.‏ قال صاحب التعليق الممجد‏:‏ ولا يخفي أنه لا احتياط بعد ورود النصوص بالحولين، مع أن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين وأقواهما دليلاً قولهما انتهى‏.‏

786- باب مَا يُذْهِبُ مَذَمّةَ الرّضَاع

1149- حدثنا قُتَيْبةُ حدثنا حاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ، عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن حّجّاج بن حَجّاج الأسْلَميّ، عنْ أبيهِ، أنّهُ سَأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ ‏"‏يا رسولَ الله مَا يُذْهِبُ عَنّي مَذَمّةَ الرّضَاعِ‏؟‏ ‏"‏فقال غُرّةٌ‏:‏ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

ومعنى قوله ‏(‏ما يُذْهبُ عني مَذَمّة الرضاع‏)‏ يقول‏:‏ إنما يعني به ذمام الرضاعة وحقها‏.‏ يقول‏:‏ إذا أعطيت المرضعة عبد أو أمة، فقد قَضَيْتَ ذِمَامِها‏.‏ ويروى عن أبي الطفيل‏.‏ قال‏:‏ كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم اذ أقبلت امرأة فبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداءه حتى قعدت عليه فلما ذهبت قيل‏:‏ هي كانت أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

هكذا رَوَاهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، وَحَاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عن أبيِهِ، عنْ حَجّاج بنِ حَجّاجٍ، عنْ أبيهِ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَرَوَى سُفْيانُ بنُ عُيَينةَ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيهِ، عنْ حَجّاجِ بنِ أبي حَجّاجٍ، عنْ أبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَحديثُ ابنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ مَحْفُوظِ‏.‏

والصحيحُ مَا رَوَى هؤلاَءِ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبيِهِ‏.‏ وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ يُكْنَى أَبا المُنذِرِ‏.‏ وقَدْ أدْرَكَ جَابِرَ بنِ عبدِ الله وابن عمر وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوّام هي امرأة هشام بن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يذهب عني‏)‏ من الإذهاب أي أي شيء يزيل عني ‏(‏مذمة الرضاع‏)‏ قال ابن الأثير في النهاية المذمة بالفتح مفعلة من الذم، وبالكسر من الذمة‏.‏ والذمام‏.‏ وقيل هي بالكسر والفتح الحق والحرمة التي يذم مضيعها‏.‏ والمراد بمذمة الرضاع الحق اللازم بسبب الرضاع فكأنه سأل ما يسقط عني حق المرضعة حتى أكون قد أديته كاملاً‏.‏ وكانوا يستحبون أن يعطوا للمرضعة عند فصال الصبي شيئاً سوى أجرتها انتهى‏.‏ ‏(‏فقال غرة‏)‏ أي مملوك ‏(‏عبد أو أمة‏)‏ بالرفع والتنوين بدل من غرة‏.‏ وقيل الغرة لا تطلق إلا على الأبيض من الرقيق، وقيل هي أنفس شيء يملك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الغرة المملوك وأصلها البياض في جهة الفرس ثم استعير لأكرم كل شيء كقولهم غرة القوم سيدهم، ولما كان الإنسان المملوك خير ما يملك سمي غرة‏.‏ ولما جعلت الظئر نفسها خادمة جوزيت بجنس فعلها ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن حجاج بن حجاج الأسلمي‏)‏ مقبول من الثالثة ولأبيه صحبة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقال الخزرجي في ترجمته‏:‏ حجازي عن أبيه حجاج بن مالك، وعنه عروة له عندهم فرد حديث ‏(‏عن أبيه‏)‏ حجاج بن مالك بن عويمر بن أبي أسيد الأسلمي صحابي له حديث في الرضاع كذا في التقريب ‏(‏وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج ابن أبي حجاج عن أبيه‏)‏ فقال عن حجاج بن أبي حجاج وهو غير محفوظ والصحيح عن حجاج بن حجاج كما روى يحيى القطان وحاتم بن إسماعيل وغيرهما ‏(‏وقال معنى قوله ما يذهب عن مذمة الرضاع الخ‏)‏ أي قال أبو عيسى معنى قوله الخ وأرجع الشيخ سراج أحمد ضميره‏.‏ قال إلى هشام بن عروة ‏(‏يقول إنما يعني ذمام الرضاعة وحقها‏)‏ قال في القاموس الذمام والمذمة الحق والحرمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ويروي عن أبي الطفيل قال كنت جالساً الخ‏)‏ أخرجه أبو داود‏.‏ وأبو الطفيل بالتصغير وهو عامر بن واثلة الليثي‏.‏ وهو آخر من مات من الصحابة في جميع الأرض ‏(‏فبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداءه‏)‏ أي تعظيماً لها وانبساطاً بها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فيه إشارة إلى وجوب رعاية الحقوق القديمة ولزوم إكرم من له صحبة قديمة وحقوق سابقة ‏(‏فلما ذهبت‏)‏ أي وتعجب الناس من إكرامه إياها وقبولها القعود على رداءه المبارك‏:‏ ‏(‏قيل هذه أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال في المواهب‏:‏ إن حليمة جاءته- عليه الصلاة والسلام- يوم حنين فقام إليها وبسط رداءه لها وجلست انتهى‏.‏

787- باب ما جَاء في الأمَةِ تُعْتَق وَلها زَوْج

1150- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْر‏.‏ أخبرنا جَرِيرُ بنُ عَبد الحميدِ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيهِ، عن عَائِشَةَ، قالَتْ‏:‏ كانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عبْداً‏.‏ فَخَيْرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كانَ حُراً لمْ يُخَيّرْها‏.‏

1151- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أبُو مُعاوِيَةَ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ إبْراهِيمَ، عنِ الأسْوَدِ، عنْ عَائِشَةَ، قالَتْ‏:‏ كانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُراً‏.‏ فخَيّرَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ عائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ هكَذَا رَوَى هِشَامٌ، عن أبيهِ، عنْ عَائِشَةَ، قالَتْ‏:‏ كانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْداً‏.‏ ورَوَى عكْرِمَةُ عن ابنِ عبّاسٍ قالَ‏:‏ رَأَيْتُ زَوْجَ بَرِيرةَ، وكانَ عبداً يقالُ لَهُ مُغِيثٌ‏.‏

وهكذا رُوِيَ عنِ ابنِ عُمَرَ‏.‏ والعَملُ علَى هذا عِنْدَ بَعْض أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وقَالوا‏:‏ إذَا كانَتِ الأمَةُ تحتَ الحُرّ فَأُعْتِقتْ، فَلاَ خِيَارَ لَها‏.‏ وإنما يَكُونُ لهَا الخِيارُ إذَا أُعْتِقَتْ وكانَت تحتَ عبْدٍ‏.‏ وهُوَ قولُ الشّافِعِيّ وأحْمدَ وإسْحَاقَ‏.‏

ورَوَى عن الأعْمَش عنْ إبْرَاهيمَ، عنِ الأسْوَدِ، عنْ عَائِشَةَ قَالتْ‏:‏ كانَ زَوْجُ بَريرةَ حُراً فخَيّرَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ورَوَى أبُو عَوانَةَ هذَا الحديثَ عنِ الأعْمَشِ، عنْ إبْراهِيمَ، عنِ الأسْوَدِ، عنْ عَائِشَةَ‏.‏ في قِصّةِ بريرَةَ‏.‏ قالَ الأسْودُ‏:‏ وكانَ زَوْجُهَا حُراً‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ التّابِعِينَ ومَنْ بَعْدَهُمْ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيانَ الثّوْريّ وأهلِ الكُوفةِ‏.‏

1152- حدثنا هَنّادٌ حدثنا عَبْدَةُ عن سعِيدٍ بن أبي عروبة، عنْ أَيّوبَ‏.‏ و قَتَادَةُ عنْ عكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ أنّ زوْجَ بَرِيرةَ كانَ عبداً أَسْوَدَ لِبَني المُغِيرَةِ، يَوْمَ أُعْتِقَتْ بريرَةُ‏.‏ والله لَكَأَنّي بِهِ في طُرُقِ المَدِينَةِ ونَوَاحِيهَا، وإنّ دُمُوعَهُ لَتَسِيلُ عَلَى لِحْيتهِ، يَتَرَضّاها لِتَخْتَارَهُ، فَلَمْ تَفْعَلْ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وسَعِيدُ بن أبِي عَرُوبةَ هُو سعيدُ بنُ مَهْرَانَ، ويُكْنَى أبَا النّضْرِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان زوج بريرة عبداً‏)‏ فيه دليل على أن زوج بريرة كان عبداً حين أعتقت‏.‏ وفي المنتقى عن عروة عن عائشة‏:‏ أن بريرة أعتقت وكان زوجها عبداً‏:‏ الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه انتهى‏.‏ وروى مسلم في صحيحه عن القاسم عن عائشة‏:‏ أن بريرة خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبداً ‏(‏ولو كان حرا لم يخيرها‏)‏ هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه، وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأسود عن عائشة قالت كان زوج بريرة حراً‏)‏ استدل به من قال‏:‏ إن زوج بريرة كان حراً قال البخاري في صحيحه‏:‏ قول الأسود منقطع ثم عائشة عمة القاسم وخالة عروة، فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء حجاب كذا في المنتقى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ أراد بحديث عائشة حديثها الذي رواه أولاً من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها، وأخرجه مسلم وغيره كما عرفت‏.‏ وأما حديثها الذي رواه ثانياً عن طريق الأسود عن عائشة فأخرجه الخمسة كما في المنتقى‏.‏ ‏(‏وروى عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ رأيت زوج بريرة وكان عبداً يقال له مغيث‏)‏‏.‏ أخرجه البخاري ‏(‏وهكذا روي عن ابن عمر‏)‏ أخرجه الدارقطني والبيهقي قال‏:‏ كان زوج بريرة عبداً وفي إسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف‏.‏ قلت‏:‏ وهكذا روي عن صفية بنت أبي عبيد أن زوج بريرة كان عبداً‏.‏ أخرجه النسائي والبيهقي بإسناد صحيح‏.‏

قال الشوكاني في النيل بعد ذكر عدة أحاديث الباب‏:‏ والحاصل أنه قد ثبت من طريق ابن عباس، وابن عمر وصفية بنت أبي عبيد أنه كان عبداً، ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك‏.‏ وثبت عن عائشة من طريق القاسم وعروة أنه كان عبداً‏.‏ ومن طريق الأسود أنه كان حراً ورواية اثنين أرجح من رواية واحد على فرض صحة الجميع‏.‏ فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالانقطاع كما قال البخاري ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وقالوا إذا كانت الأمة تحت الحر فأعتقت فلا خيار لها الخ‏)‏ وهو مذهب مالك والشافعي أحمد وإسحاق والجمهور وهو الأقوى دليلاً ‏(‏وروى أبو عوانة هذا الحديث عن الأعمش عن ابراهيم عن الأسود عن عائشة في قصة بريرة قال الأسود‏:‏ وكان زوجها حراً‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر روايات عديدة من طريق ابراهيم عن الأسود عن عائشة وغيرها ما لفظه‏:‏ فدلت الروايات المفصلة التي قدمتها آنفاً على أنه مدرج من قول الأسود أو من دونه يعني قوله ‏"‏وكان زوجها حراً فيكون من أمثلة ما أدرج في أول الخبر وهو نادر، فإن الأكثر أن يكون في آخره ودونه أن يقع في وسطه، وعلى تقدير أن يكون موصولاً فيرجح رواية من قال‏:‏ كان عبداً بالكثرة، وأيضاً فآل المرء أعرف بحديثه فإن القاسم ابن أخي عائشة وعروة ابن أختها وتابعهما غيرهما فروايتهما أولى من رواية الأسود فإنهما أقعد بعائشة وأعلم بحديثها والله أعلم‏.‏ ويترجح أيضاً بأن عائشة كانت تذهب إلى أن الأمة إذ أعتقت تحت الحر لا خيار لها‏.‏ وهذا بخلاف ما روى العراقيون عنها‏.‏ فكان يلزم على أصل مذهبهم أن يأخذوا بقولها ويدعو ما روى عنها، لا سيما وقد اختلف عنها فيه انتهى‏.‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثورى وأهل الكوفة‏)‏ وهو قول أبي حنيفة وأصحابه واستدلوا بحديث عائشة من طريق إبراهيم عن الأسود عنها قالت‏:‏ كان زوج بريرة حراً‏.‏ وقد عرفت ما فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان عبداً أسود‏)‏ قال القاري‏:‏ أي كعبد أسود في قبح للصورة أو كان عبداً فأعتق فصار حراً انتهى‏.‏ قلت هذان التأويلان باطلان مردودان يردهما لفظ‏:‏ يوم اعتقت بريرة في هذا الحديث، فإنه نص صريح في أن زوج بريرة كان عبداً يوم إعتاقها ‏(‏ويوم أعتقت‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏والله لكأني به في طرق المدينة الخ‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته‏.‏ ‏(‏يترضاها‏)‏ قال في القاموس‏:‏ استرضاه وترضاه طلب رضاه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏، وأخرجه البخاري‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي‏:‏ قول ابن عباس أنه عبد أسود‏.‏ لا يدل على كونه عبداً في الحال بل باعتبار ما كان انتهى‏.‏ قلت هذه غفلة شديدة ووهم قبيح، فإن ابن عباس رضي الله عنه قد نص في قوله هذا أن زوج بريرة كان عبداً يوم إعتاقها كما في حديث الباب‏.‏ وقد تقدم بطلان هذا التأويل‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي ما لفظه‏:‏ لي بحث في أن ابن عباس جاء إلى المدينة مع أبيه في السنة التاسعة، وأنها عتقت قبلها وكانت تخدم عائشة‏.‏ فإنه عليه السلام سألها عن شأن عائشة في قصة الإفك‏.‏ قلت‏:‏ قد وقع في هذه الشبهة من قلة اطلاعه فإنه قد ورد في حديث ابن عباس هذا عند البخاري‏:‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس‏:‏ يا عباس ألا تعجب من حب مغيث الخ قال الحافظ في الفتح‏:‏ فيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة‏.‏ لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف، وكان ذلك في أواخر سنة ثمان‏.‏ ويؤيده قول ابن عباس إنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه‏.‏ ويؤيد تأخر قصتها أيضاً بخلاف قول من زعم أنها كانت قبل الإفك أن عائشة في ذلك الزمان كانت صغيرة، فيبعد وقوع تلك الأمور والمراجعة والمسارعة إلى الشراء والعتق منها يومئذ‏.‏ وأيضاً فقول عائشة‏:‏ إن شاء مواليك أن أعدها لهم عدة واحدة‏.‏ فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الأمر لأنهم كانوا في أول الأمر في غاية الضيق ثم حصل لهم التوسع بعد الفتح‏.‏ وفي كل ذلك رد على من زعم أن قصتها كانت متقدمة قبل قصة الإفك، وحمله على ذلك وقوع ذكرها في حديث الإفك‏.‏ وقد قدمت الجواب عن ذلك هناك ثم رأيت الشيخ تقي الدين السبكي استشكل القصة ثم جوز أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح انتهى كلام الحافظ بقدر الحاجة‏.‏

تنبيه آخر‏:‏ إعلم أن روايات كون زوج بريرة عبداً لها ترجيحات عديدة على روايات كونه حراً‏.‏ ذكرت بعضاً منها فيما تقدم، والباقية مذكورة في فتح الباري والنيل والإمام ابن الهمام قد عكس القضية بوجوه عديدة كلها مخدوشة ولولا مخافة طول الكلام لبينت ما فيها من الخدشات‏.‏

788- باب ما جَاءَ أنّ الوَلَدَ لِلْفِرَاش

1153- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ عنِ الزُهْرِيّ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعَاهِرِ الحَجَرُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وأبِي أُمَامَةَ وعَمْرو بنِ خَارِجَةَ وعبْدِ الله بنِ عَمْرو والبَرَاءِ بنِ عَازِب وزَيْدِ بنِ أرْقَمَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقدْ رَوَاهُ الزّهْرِيّ عنْ سعِيدِ بنِ المُسيّبِ، وأَبِي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الولد للفراش‏)‏ أي لمالكه وهو الزوج والمولى لأنهما يفترشانها قاله في المجمع‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ الولد لصاحب الفراش‏.‏ وقال في النيل‏:‏ اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة‏.‏ وقيل إنه اسم للزوج وروي ذلك عن أبي حنيفة‏.‏ وأنشد ابن الأعرابي مستدلاً على هذا المعنى قول جرير‏:‏ باتت تعانقه وبات فراشها‏.‏ وفي القاموس‏:‏ إن الفراش زوجة الرجل انتهى‏.‏ ‏(‏وللعاهر الحجر‏)‏ العاهر الزاني يقال عهر أي زنا‏.‏ وقيل يختص ذلك بالليل وقال في القاموس عهر المرأة كمنع‏.‏ وعاهرها أي أتاها ليلاً للفجور أو نهاراً انتهى‏.‏ ومعنى له الحجر الخيبة أي لا شيء له في الولد‏.‏ والعرب تقول‏:‏ له الحجر وبفيه التراب يريدون ليس له الخيبة‏.‏ وقيل المراد الحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان بل للمحصن فقط‏.‏ وظاهر الحديث أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش‏.‏ وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد وإلى ذلك ذهب الجمهور‏.‏ وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد العقد‏.‏ قلت‏:‏ والحق ما ذهب إليه الجمهور‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وعثمان الخ‏)‏ حديث‏:‏ الولد للفراش‏.‏ وروي من طريق بضعة وعشرين نفساً من الصحابة كما أشار إليه الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا أبا داود‏.‏

789- بابُ ما جَاء في الرّجُلِ يَرى المَرْأَةَ تُعْجِبُه

1154- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارِ حدثنا عَبدُ الأعْلَى حدثنا هِشامُ بنُ أبِي عبدِ الله عنْ أبِي الزُبَيْرِ، عنْ جَابِر بن عبد الله ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً، فَدَخلَ عَلَى زَيْنَبَ فَقضَى حَاجَتَهُ وخَرجَ‏.‏ وقالَ‏:‏ إنّ المرْأَةَ إذَا أقْبَلْت، أقْبَلتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ‏.‏ فَإذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرأَةَ فأَعْجَبَتْهُ فلْيَأْتِ أهْلَهُ، فإنّ مَعَهَا مِثْلَ الذِي معَهَا‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنِ ابن مَسْعودٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ جَابرٍ حديثٌ صحيحٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَهِشَامُ الدّسْتَوَائِيّ هُوَ هِشَامُ بنُ سَنْبَرٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقضى حاجته‏)‏ أي من الجماع ‏(‏أقبلت في صورة شيطان‏)‏ شبهها بالشيطان في صفة الوسوسة والدعاء إلى الشر ‏(‏فليأت أهله‏)‏ أي فليواقعها ‏(‏فإن معها‏)‏ أي مع امرأته ‏(‏مثل الذي معها‏)‏ أي فرجاً مثل فرجها ويسد مسدها‏.‏ والحديث رواه مسلم‏.‏ ولفظه هكذا‏:‏ إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه‏.‏ قال النووي رحمه الله معنى الحديث‏:‏ أنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته أو جاريته إن كانت فليواقعها ليدفع شهوته، وتسكن نفسه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود‏)‏ قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيباً وعندها نساء فاخلينه فقضى حاجته ثم قال أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها‏.‏ رواه الدارمي كذا في المشكاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث جابر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود وأحمد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهشام بن أبي عبد الله هو صاحب الدستوائي‏)‏ يعني يقال لهشام بن أبي عبد الله صاحب الدستوائي لأنه كان تاجراً يبيع البر الدستوائي، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ هشام الدستوائي هو الحافظ الحجة أبو بكر بن أبي عبد الله سنبر الربعى مولاهم البصرى التاجر كان يبيع الثياب المجلوبة من دستواء إحدى كور الأهواز، ولذلك يقال له صاحب الدستوائي انتهى‏.‏ وقال العلامة محمد طاهر الفتنى في المغنى‏:‏ الدستوائي بمفتوحة وسكون سين مهملتين وفتح مثناه فوق وبهمزة بعد ألف وقيل بنون مكان همزة نسبة إلى دستواء، كورة من الأهواز أو قرية وقيل منسوب إلى بيع ثياب تجلب منها ويقال‏:‏ هشام صاحب الدستوائي أي صاحب البر الدستوائي انتهى‏.‏ ‏(‏هو هشام بن سنبر‏)‏ بمهملة ثم نون ثم موحدة على وزن جعفر فاسم والد هشام سنبر وكنيته أبو عبد الله‏.‏

790- باب ما جَاءَ في حَقّ الزّوْجِ عَلَى الْمَرأة

1155- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ‏.‏ حدثنا النّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ‏.‏ أخبرنا مُحَمّدُ بنُ عَمْروٍ، عنْ أبي سَلَمة، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قالَ ‏"‏لَوْ كُنْتُ آمراً أحَداً أنْ يَسْجُدَ لأِحَدٍ، لأمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وسُرَاقَةَ بنِ مَالِكِ بنِ جُعْشُمٍ وَعَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ وعَبْدِ الله بنِ أبي أَوْفَى وطَلْقِ بنِ عَلِيَ وأُمّ سَلَمَةَ وَأَنَس وابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذَا الْوَجْهِ، مِنْ حدِيثِ مُحمّدِ بن عَمْروٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

1156- حدثنا هَنّادٌ حدثنا مُلاَزِمُ بنُ عَمْروٍ، قال‏:‏ حَدّثَنِي عَبْدُ الله بنُ بَدْرِ عنْ قَيْسِ بنِ طَلْقٍ، عنْ أبِيهِ طَلْقِ بنِ عَلي، قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا دعا الرّجُلُ زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِه، وإنْ كانَتْ عَلَى التّنّورِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

1157- حدثنا وَاصِلُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى الكُوفِيّ‏.‏ حدثنا مُحَمّدُ بنُ فُضَيْلٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أبي نَصْرٍ، عنْ مُسَاوِرٍ الْحِميرِيّ، عنْ أُمّهِ، عنْ أُمّ سَلَمةَ قالَتْ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أَيّمَا امْرَأَةٍ ماتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ، دَخَلَتِ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها‏)‏ أي لكثرة حقوقه عليها وعجزها عن القيام بشكرها‏.‏ وفي هذا غاية المبالغة لوجوب إطاعة المرأة في حق زوجها فإن السجدة لا تحل لغير الله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن معاذ بن جبل‏)‏ أخرجه الترمذي وابن ماجه مرفوعاً لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل يوشك أن يفارق إلينا‏.‏ كذا في المشكاة ‏(‏وسراقة بن مالك بن جعشم‏)‏ بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة صحابي مشهور من مسلمة الفتح ‏(‏وعائشة وابن عباس‏)‏ قال الشوكاني في النيل‏:‏ وقضية السجود ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار، ومن حديث سراقة عند الطبراني، ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه، ومن حديث عصمة عند الطبراني وعن غير هؤلاء انتهى‏.‏ قلت أخرج أحمد وابن ماجه عن عائشة بلفظ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها‏.‏ ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها أن تفعل‏"‏‏.‏

قال الشوكاني ساقه ابن ماجه بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه مقال، وبقية إسناده من رجال الصحيح انتهى‏.‏ ‏(‏وعبد الله بن أبي أوفى‏)‏ قال لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏ما هذا يا معاذ‏؟‏‏"‏ قال أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن أفعل ذلك لك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فلا تفعلوا فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه‏"‏‏.‏ أخرجه أحمد وابن ماجه‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وحديث عبد الله بن أبي أوفى ساقه ابن ماجه بإسناد صالح‏.‏ ‏(‏وطلق بن علي‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏وأم سلمة‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب و ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها‏.‏ والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه‏"‏‏.‏ كذا في المنتقى وابن عمر لم أقف على حديثه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن غريب الخ‏)‏ قال الشوكاني في النيل بعد ذكر أحاديث في معنى حديث أبي هريرة هذا ما لفظه‏:‏ فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضاً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا الرجل دعا زوجته لحاجته‏)‏ أي المختصة به كناية عن الجماع ‏(‏فلتأته‏)‏ أي لتجب دعوته ‏(‏وإن كانت على التنور‏)‏ أي وإن كانت تخبز على التنور مع أنه شغل شاغل لا يتفرغ منه إلى غيره إلا بعد انقضائه‏.‏ قال ابن الملك هذا بشرط أن يكون الخبز للزوج لأنه دعاها في هذه الحالة فقد رضي بإتلاف مال نفسه، وتلف المال أسهل من وقوع الزوج في الزنا‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه النسائي‏.‏ وروى البزار‏.‏ عن زيد بن أرقم بلفظ‏:‏ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتجب وإن كانت على ظهر قتب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيما امرأة باتت‏)‏ من البيتوتة‏.‏ وفي بعض النسخ ماتت من الموت والظاهر أنه ماتت وكذلك هو في رواية ابن ماجه‏.‏ ‏(‏وزوجها عنها راض‏)‏ جملة حالية ‏(‏دخلت الجنة‏)‏ لمراعاتها حق الله وحق عباده‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي كذا في النيل‏.‏

791- باب مَا جَاء في حَقّ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا

1158- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيمَانَ عنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْروٍ‏.‏ حدثنا أبُو سَلَمةَ، عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَكْمَلُ الْمُؤْمِنينَ إيمَاناً أَحْسَنُهمْ خُلُقاً‏.‏ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لنِسَائِهِمْ خُلُقاً‏"‏ قال وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1159- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ‏.‏ حدثنا الحُسَيْنُ بنُ عَلِي الْجُعفِيّ عنْ زَائِدَةَ، عنْ شَبِيبِ بنِ غَرْقَدَةَ، عنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ قالَ‏:‏ حَدّثَنِي أَبي أَنّهُ شَهِد حَجّةَ الوَدَاعِ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيهِ‏.‏ وَذَكّرَ وَوَعَظ‏.‏ فَذَكَر في الْحَدِيثَ قِصّةً فقَالَ ‏"‏ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ‏.‏ فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً‏.‏ أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً‏.‏ ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً‏.‏ فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ‏.‏ ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ومَعْنَى قَوْله ‏(‏عَوَانٌ عِنْدَكُمْ‏)‏ يْعني أسْرَى فِي أيْدِيكُم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً‏)‏ بضم اللام ويسكن لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان ‏(‏وخياركم خياركم لنسائه‏)‏ لأنهن محل الرحمة لضعفهن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ أخرجه الترمذي ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه ابن ماجه مرفوعاً‏:‏ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود إلى قوله خلقاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ألا‏)‏ للتنبيه ‏(‏واستوصوا بالنساء خيراً‏)‏ قال القاضي‏:‏ الاستيصاء قبول الوصية والمعنى أوصيكم بهن خيراً فاقبلوا وصيتي فيهن‏.‏ ‏(‏فإنما هن عوان‏)‏ جمع عانية قال في القاموس العاني الأسير ‏(‏إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏)‏ كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف‏.‏ ‏(‏فإن فعلن فا هجر وهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح‏)‏ بتشديد الراء المكسورة وبالحاء المهملة أي مجرح أو شديد شاق ‏(‏فلا يوطئن‏)‏ بهمزة أو بإبدالها من باب الإفعال قاله القاري ‏(‏فرشكم من تكرهون‏)‏ قال الطيبي أي لا يأذن لأحد أن يدخل منازل الأزواج‏.‏ والنهي يتناول الرجال والنساء انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ روى مسلم معناه عن جابر في قصته حجة الوداع قوله‏:‏ ‏(‏يعني أسرى‏)‏ بفتح الهمزة وسكون السين جمع أسير‏.‏

792- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إتْيَانِ النّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِن

1160- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ و هَنّادٌ قالاَ‏:‏ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ، عنْ عَاصِمٍ الأحْوَلِ، عنْ عِيسَى بنِ حِطّانَ، عنْ مُسْلمِ بنِ سَلاّمٍ، عنْ عَليّ بنِ طَلْقٍ قالَ‏:‏ ‏"‏أتَى أعْرَابِي النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقَالَ‏:‏ يَا رسول الله الرّجُلُ مِنّا يَكُونُ فِي الْفَلاَةِ، فَتكُونُ مِنْهُ الرّوَيْحَةُ، ويَكُونُ في الْمَاءِ قِلّةٌ‏؟‏ فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضّأْ‏.‏ ولاَ تَأتُوا النّسَاءَ في أَعْجَازِهِنّ، فَإِنّ الله لاَ يَسْتَحِيى مِنَ الحَقّ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ عُمَرَ وخُزَيْمَةَ بنِ ثَابِت، وابنِ عَبّاسٍ وأبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَلِيّ بنِ طَلْقٍ حدِيثٌ حسنٌ‏.‏ وسَمِعْتُ مُحَمّداً يَقُولُ‏:‏ لاَ أعْرِفُ لِعَلِيّ بنِ طَلْقٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ‏.‏ ولاَ أعْرِفُ هذَا الحَدِيثَ مِنْ حدِيثِ طَلْقِ بنِ عَلِيّ السّحَيْمِيّ‏.‏ وكأَنّهُ رَأَى أَنّ هذَا رَجُلٌ آخَر مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

1161- حدثنا أبُو سعِيدٍ الأشَجّ حدثنا أبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ، عنِ الضحّاكِ بنِ عُثمانَ، عنْ مَخْرَمَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، عنْ كُرَيْبٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَنْظُرُ الله إلَى رَجُلٍ أتَى رَجُلاً أوِ امْرَأَةً في الدّبُرِ‏"‏‏.‏

1162- حدثنا قُتَيْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا‏:‏ حدثنا وكِيعٌ عنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ مُسْلمٍ ‏(‏وهُوَ ابنُ سَلاّمٍ‏)‏، عنْ أبِيهِ، عنْ عَلِي، قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا فَسَا أحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضّأْ‏.‏ وَلاَ تَأتُوا النّسَاءَ في أعْجَازِهِنّ‏"‏ قال أبو عيسى‏:‏ وعليّ هذا هو عليّ بن طلعة‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ‏.‏

وعَلِيّ هذَا هُوَ عَلِيّ بنُ طَلْعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عيسى بن حطان‏)‏ بكسر المهملة وتشديد المهملة الرقاشي مقبول من الثالثة كذا في التقريب وقال في الخلاصة‏:‏ وثقه ابن حبان ‏(‏عن مسلم بن سلام‏)‏ بفتح السين وبتشديد اللام قال في التقريب مقبول‏.‏ وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان ‏(‏عن علي بن طلق‏)‏ قال في الخلاصة علي بن طلق بن المنذر الحنفي السحيمي اليمامي صحابي له ثلاثة أحاديث وعنه مسلم بن سلام ‏(‏في الفلاة‏)‏ قال في القاموس الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة ج فلا وفلوات وفلو وفلى وفلى ‏(‏فتكون منه الرويحة‏)‏ تصغير الرائحة غرض السائل أنه ينبغي أن لا ينقض الوضوء بهذا القدر ‏(‏إذا فسا أحدكم‏)‏ أي خرج الريح التي لا صوت له من أسفل الانسان قاله القاري‏.‏ قال في القاموس‏:‏ فسا فسوا وفساء مشهور أخرج ريحاً من مفساه بلا صوت ‏(‏فليتوضأ‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة ‏(‏ولا تأتوا النساء في أعجازهن‏)‏ جمع عجز بفتح العين وضم الجيم على المشهور مؤخر الشيء، والمراد الدبر ووجه المناسبة بين الجملتين أنه لما ذكر الفساء الذي يخرج من الدبر ويزيل الطهارة والتقرب إلى الله ذكر ما هو أغلظ منه في رفع الطهارة زجراً وتشديداً كذا في اللمعات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ لم أقف على حديثه ‏(‏وخزيمة بن ثابت‏)‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن‏"‏ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود مرفوعاً بلفظ‏:‏ ملعون من أتى امرأة في دبرها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث علي بن طلق حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وصححه ابن حبان قوله‏:‏ ‏(‏ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي السحيمى‏)‏ كذا وقع في النسخ الحاضرة‏:‏ طلق بن علي السحيمى وقد ذكر الحافظ بن حجر عبارة الترمذي هذه في تهذيب التهذيب‏:‏ وفيه علي بن طلق السحيمي وهو الظاهر عندي والله تعالى أعلم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ في هذا الكتاب علي بن طلق بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبد العزى بن سحيم نسبه خليفة بن خياط الحنفي اليمامي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء من الريح وغير ذلك‏.‏ وعنه مسلم بن سلام قال الترمذي سمعت محمداً يقول‏:‏ لا أعرف لعلي بن طلق غير هذا الحديث، ولا أعرف هذا من حديث علي بن طلق السحيمي‏.‏ قال الترمذي‏:‏ فكأنه رأى أن هذا رجل آخر‏.‏ وقال ابن عبد البر السحيمي‏:‏ أظنه والد طلق بن علي‏.‏ قلت‏:‏ هو ظن قوي لأن النسب الذي ذكره خليفة هنا هو النسب المتقدم في ترجمة طلق بن علي من غير مخالفة وجزم به العسكري‏.‏ انتهت عبارة تهذيب التهذيب بلفظها‏.‏ ‏(‏وكأنه‏)‏ أي كان الإمام البخاري وهذا مقولة الترمذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروى وكيع هذا الحديث‏)‏ أي حديث علي بن طلق المذكور وذكره الترمذي بقوله‏:‏ حدثنا قتيبة وغير واحد الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الضحاك بن عثمان‏)‏ بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي صدوق يهم من السابعة ‏(‏عن مخرمة بن سليمان‏)‏ الأسدي الوالبي المدني روي عن ابن عباس وكريب مولى ابن عباس وغيرهما، ثقة من الخامسة قوله‏:‏ ‏(‏لا ينظر الله‏)‏ ي نظر رحمة ‏(‏أتى رجلاً‏)‏ أي لاط به‏.‏

793- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ النّسَاءِ في الزّينَة

1163- حدثنا عَليّ بنُ خَشْرَمٍ‏.‏ أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنْ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أَيّوبَ بنِ خَالدٍ، عنْ مَيْمُونَةَ بنت سَعْدٍ ‏(‏وكانَتْ خَادِماً للنبيّ صلى الله عليه وسلم‏)‏ قَالتْ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مثَلُ الرّافِلَةِ فِي الزّينَةِ في غَيْرِ أهْلهَا، كمَثَلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ نُورَ لهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيثِ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ‏.‏ ومُوسَى بنُ عُبَيْدةَ يُضَعّفُ في الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وهُوَ صَدُوقٌ‏.‏ وقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عنْ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ‏.‏ ولَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل الرافلة‏)‏ قال في النهاية الرافلة هي التي ترفل في ثوبها أي تتبختر، والرفل الذيل ورفل إزاره إذا أسبله وتبختر فيه انتهى‏.‏ ‏(‏في الزينة‏)‏ أي في ثياب الزينة ‏(‏في غير أهلها‏)‏ أي بين من يحرم نظره إليها ‏(‏كمثل ظلمة يوم القيامة‏)‏ أي تكون يوم القيامة كأنها ظلمة ‏(‏لا نور لها‏)‏ الضمير للمرأة‏.‏ قال الديلمي‏:‏ يريد المتبرجة بالزينة لغير زوجها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث من قبل حفظه وهو صدوق‏)‏ قال في التقريب‏:‏ ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار وعبيدة بالتصغير وهو ابن نشيط‏.‏

794- باب مَا جَاءَ فِي الْغَيْرَة

‏(‏باب ما جاء في الغيرة‏)‏ بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء قال عياض وغيره‏:‏ هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين‏.‏ هذا في حق الاَدمي وأما في حق الله، فقال الخطابي‏:‏ أحسن ما يفسر به ما فسر في حديث أبي هريرة يعني حديث الباب وهو قوله‏:‏ وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه‏.‏ قال عياض‏:‏ ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغيير حال فاعل ذلك‏.‏ وقيل الغيرة في الأصل الحمية والأنفة‏.‏ وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب‏.‏ وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه الغضب والرضا‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه كالوعيد وإيقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك انتهى

1164- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ حَبِيبٍ، عنِ الْحَجّاجِ الصّوّافِ، عنْ يَحْيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله يَغَارُ، والُمؤْمِن يَغَارُ، وغَيْرَةُ الله أنْ يَأتِي المُؤْمِنُ مَا حَرّمَ عَلَيْهِ‏"‏قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ وعَبْدِ الله بنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ غرِيبٌ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ عنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ أَسْمَاءَ بنت أبي بَكْرٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، هذَا الْحَدِيثُ وَكِلاَ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ‏.‏

والحَجّاجُ الصّوّافُ، هُوَ الْحَجّاجُ بنُ أبِي عُثمَانَ‏.‏ وأبُو عُثْمانَ اسْمُهُ مَيْسَرةُ والحّجاجٌ يُكْنَى أبَا الصّلْتِ، وثّقَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏.‏ حدّثَنَا أبُو بَكْرٍ الْعَطّارُ عنْ عَلِيّ بنِ المدينيّ قال سأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدِ الْقَطّانَ عَنْ حَجّاجٍ الصّوّافِ فقَالَ‏:‏ ثِقةٌ فَطِنٌ كيّسٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله يغار‏)‏ بفتح التحتانية والغين المعجمة، من الغيرة ومعنى غيرة الله مبين في هذا الحديث ‏(‏والمؤمن يغار‏)‏ تقدم معنى الغيرة في الاَدمي ‏(‏وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه‏)‏ من الفواحش وسائر المنهيات والمحرمات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ أخرجه البخاري في الكسوف والنكاح ‏(‏وعبد الله بن عمر‏)‏ لينظر من أخرج حديثه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عروة عن أسماء ابنة أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏يكنى أبا الصلت‏)‏ بمفتوحة وسكون لام وبمثناة فوقية كذا في المغنى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عيسى أخبرنا أبو بكر العطار الخ‏)‏ كذا في بعض النسخ فهو مقولة تلميذ الترمذي، وليس في بعض النسخ حدثنا أبو عيسى بل فيه حدثنا أبو بكر العطار الخ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هو فطن كيس‏)‏ أي حاذق عاقل، وفطن بفتح الفاء وكسر الطاء من الفطنة، وكيس كحيد من الكيس، وهو خلاف الحمق والعقل‏.‏

795- باب ما جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا

1165- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي صَالِحٍ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخدري قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَحِلّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله والْيَوْمِ الاَخِرِ أنْ تُسَافِرَ سَفَراً، يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ فَصَاعِداً، إلاّ ومَعَهَا أَبُوهَا أوْ أخُوهَا أوْ زَوْجُهَا أوِ ابْنُهَا أوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا‏"‏‏.‏ وفي البابِ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عَبّاسٍ وابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

ورُوِيَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تُسَافِرُ المرأة مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، إلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ‏"‏‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ‏.‏ يَكْرَهُونَ لِلْمَرْأَةِ أنْ تُسَافِرَ إلاّ مَعَ ذِي مَحْرَم‏.‏ واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا كانَتْ مُوسِرَةً، ولَمْ يَكُنْ لهَا مَحْرَمٌ، هَلَ تَحُجّ‏؟‏

فقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ لاَ يَجِبُ عَلَيْهَا الحَجّ، لأن المَحْرَمَ مِنَ السّبِيلِ‏.‏ لِقَوْلِ الله عَزّ وجَلّ ‏{‏مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبيلاً‏}‏ فَقَالُوا‏:‏ إذَا لَمْ يَكُنْ لهَا مَحْرَمٌ فلا تَسْتَطِيع إلَيْهِ سَبِيلاً‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَأهْلِ الكُوفَةِ‏.‏‏.‏

وقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ إذَا كانَ الطّرِيقُ آمِناً، فَإِنهَا تَخْرُجُ مَعَ النّاسِ في الْحَجّ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ والشّافِعِيّ‏.‏

1166- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ حدثنا بِشْرُ بنُ عُمَرَ‏.‏ حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تُسَافِر امَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، إلاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاَخر‏)‏ مفهومه أن النهي المذكور يختص بالمؤمنات فتخرج الكافرات كتابية أو حربية وقد قال به بعض أهل العلم‏.‏ وأجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له فلذلك قيد به أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج ما سواه قاله الحافظ ‏(‏ثلاثة أيام فصاعداً‏)‏ وقع في حديث ابن عمر عند مسلم مسيرة ثلاث ليال‏.‏ والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها ‏(‏أو ذو محرم منها‏)‏ بفتح الميم والمراد به من لا يحل له نكاحها قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وابن عباس وابن عمر‏)‏ أخرج حديثهما الشيخان قوله‏:‏ ‏(‏وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب من حديث أبي هريرة وأخرجه الشيخان أيضاً من حديثه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم‏)‏ لكن قال الحنفية‏:‏ يباح لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم‏.‏ وقال أكثر أهل العلم يحرم لها الخروج في كل سفر طويلاً كان أو قصيراً ولا يتوقف حرمة الخروج بغير المحرم على مسافة القصر، لإطلاق حديث ابن عباس بلفظ‏:‏ لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم‏.‏ قال الحافظ في فتح الباري تحت هذا الحديث‏:‏ كذا أطلق السفر، وقيده في حديث أبي سعيد الاَتي في الباب فقال‏.‏ مسيرة يومين، ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة مقيداً بمسيرة يوم وليلة‏.‏ وعنه روايات أخرى‏.‏ وحديث ابن عمر فيه مقيداً بثلاثة أيام‏.‏ وعنه روايات أخرى أيضاً‏.‏ وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات انتهى‏.‏ وحجة الحنفية أن المنع المقيد بالثلاث متيقن وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن‏.‏ ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها، فإنه مشكوك فيه‏.‏ ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص، وترك حمل المطلق على المقيد‏.‏ وخالفوا ذلك هنا والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث ابن عباس فإنه لم يختلف عليه فيه‏.‏ قال في الهداية‏:‏ يباح لها الخروج إلى ما دون مدة السفر بغير محرم‏.‏ قال ابن الهمام رحمه الله‏:‏ يشكل عليه ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها‏.‏ وأخرجا عن أبي هريرة‏:‏ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاَخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم‏.‏ وفي لفظ لمسلم‏:‏ مسيرة ليلة‏.‏ وفي لفظ‏:‏ يوم، وفي لفظ أبي داود‏:‏ بريدا يعني فرسخين واثني عشر ميلاً على ما في القاموس‏.‏ وهو عند ابن حبان في صحيحه، وقال صحيح على شرط مسلم‏.‏ وللطبراني في معجمه‏:‏ ثلاثة أميال فقيل له‏:‏ إن الناس يقولون ثلاثة أيام فقال‏:‏ وهموا‏.‏ قال المنذري‏:‏ ليس في هذه تباين فإنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قالها في مواطن مختلفة بحسب الأسئلة، ويحتمل أن يكون ذلك كله تمثيلاً لأقل الأعداد، واليوم الواحد أول العدد وأقله، والاثنان أول الكثير وأقله، والثلاثة أول الجمع فكأنه أشار إلى أن هذا في قلة الزمن لا يحل لها السفر مع غير محرم فكيف إذا زاد انتهى‏.‏ وحاصله أنه نبه بمنع الخروج أقل كل عدد على منع خروجها عن البلد مطلقاً إلا بمحرم أو زوج‏.‏ وقد صرح بالمنع مطلقاً أن حمل السفر على اللغوي ما في الصحيحين عن ابن عباس مرفوعاً‏:‏ لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم‏.‏ والسفر لغة يطلق على دون ذلك انتهى كلام المحقق‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة‏)‏ وهو قول أبي حنيفة، وهو القول الراجح عندي والله تعالى أعلم‏.‏ قال أحمد‏:‏ لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرماً‏.‏ وإلى كون المحرم شرطاً في الحج ذهب أبو حنيفة، والنخعي وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب، وقال مالك وهو مروي عن أحمد إنه لا يعتبر المحرم في سفر الفريضة‏.‏ وروي عن الشافعي وجعلوه مخصوصاً من عموم الأحاديث بالإجماع، ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج‏.‏ وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار‏.‏ كذا وقال صاحب المغنى وأيضاً قد وقع عند الدارقطني بلفظ‏:‏ لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج‏.‏ وصححه أبو عوانة‏.‏ وفي رواية للدارقطني أيضاً عن أبي أمامة مرفوعاً، لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها‏.‏ فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار‏.‏ وقد قيل إن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز لأنها لا تشتهي‏.‏ وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطاً‏.‏ وهو مراعاة للأمر النادر وقد احتج أيضاً من لم يعتبر المحرم في سفر الحج، بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعاً بلفظ‏:‏ يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها‏.‏ وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه‏.‏

وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز‏.‏ والأولى حمله على ما قال المتعقب جمعاً بينه وبين أحاديث الباب كذا في النيل‏.‏

796- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الدّخُولِ عَلَى الْمُغِيبَات

‏(‏باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات‏)‏ جمع المغيبة بضم الميم ثم غين معجمة مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم موحدة من غاب عنها زوجها يقال أغابت المرأة زوجها إذا غاب زوجها

1167- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ، عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ، عنْ أبي الْخَيْرِ، عنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِر أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إيّاكُمْ والدّخُولَ عَلَى النّسَاءِ‏"‏ فقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ‏:‏ يَا رسول الله أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ‏؟‏ قالَ ‏"‏الْحَمْوُ المَوْتُ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عُمَرَ وجَابِر وعَمْرو بنِ الْعَاصِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وإنّمَا مَعْنَى كَرَاهِيةِ الدّخُولِ عَلَى النّسَاءِ، عَلَى نَحْوِ مَا رُوي عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَخْلُوَنّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إلاّ كانَ ثَالِثَهُمَا الشّيْطَانُ‏"‏ ومَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏الْحَمْوُ‏)‏ يُقَالُ‏:‏ حَمْوُ أخُو الزّوْجِ‏.‏ كأَنّهُ كَرِهَ لَهُ أنْ يَخْلُوَ بِهَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إياكم والدخول‏)‏ بالنصب على التحذير وهو تنبيه للمخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل إياك والأسد‏.‏ وقوله إياكم مفعول بفعل مضمر تقديره‏:‏ اتقوا‏.‏ وتقدير الكلام‏.‏ اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء، والنساء أن يدخلن عليكم‏.‏ وفي رواية عند مسلم‏:‏ لا تدخلوا على النساء‏.‏ وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بالطريق الأولى ‏(‏أفرأيت الحمو‏)‏ بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالواو، قال في القاموس حمو المرأة وحموها وحمها وحموها أبو زوجها ومن كان من قبله، والأنثى حماة وحمو الرجل أبو امرأته أو أخوها أو عمها أو الأحماء ومن قبلها خاصة انتهى‏.‏ قال النووي‏:‏ المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم الزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت‏.‏ قال وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم‏.‏ مما يحل له تزويجه لو لم تكن متزوجة‏.‏ وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي انتهى‏.‏ قلت ما قال النووي‏:‏ هو الظاهر وبه جزم الترمذي وغيره وزاد ابن وهب في روايته عند مسلم‏:‏ سمعت الليث يقول الحمو أخو الزوج وما أشبه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه‏.‏ ‏(‏قال الحمو الموت‏)‏ قال القرطبي في المفهم‏:‏ المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم‏.‏ وإنما بالغ في الزجر عنه وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة لإلفهم بذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة‏.‏ فخرج هذا مخرج قول العرب الأسد الموت، والحرب الموت، أي لقاؤه يفضي إلى الموت‏.‏ وكذلك دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو إلى الرجم إن وقعت الفاحشة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ أخرجه الترمذي بلفظ‏:‏ لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان كذا في المشكاة ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأخرج مسلم عن جابر مرفوعاً بلفظ‏:‏ ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحاً أو ذو محرم‏.‏ ‏(‏وعمرو بن العاص‏)‏ أخرجه مسلم، وفي الباب عن ابن عباس أخرجه الشيخان بلفظ‏:‏ لا يدخل رجل على امرأة ولا يسافر معها إلا ومعها ذو محرم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏على نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يخلون رجل بامرأة‏)‏ هذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أحمد من حديث عامر بن ربيعة قاله الحافظ في الفتح‏:‏ ‏(‏إلا كان ثالثهما الشيطان‏)‏ برفع الأول ونصب الثاني ويجوز العكس والاستثناء مفرغ‏.‏ والمعنى يكون الشيطان معهما يهيج شهوة كل منهما حتى يلقيا في الزنا‏.‏

797- باب

1168- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِي‏.‏ حدثنا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنْ مُجَالِدٍ، عنِ الشّعْبِيّ، عنْ جَابِرٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تَلِجُوا عَلَى الْمغيبَاتِ‏.‏ فَإِنّ الشّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أحَدِكُمْ مَجْرَى الدّمِ‏"‏ قُلْنَا‏:‏ ومِنْكَ‏؟‏ قالَ ‏"‏وَمِنّي، ولكِنّ الله أَعَانَنيِ عَلَيْهِ، فَأَسلَم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غرِيبٌ مِنْ هذَا الْوَجْهِ‏.‏

وقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُهُمْ فِي مُجالِدِ بنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏ وسَمِعْتُ عَلِيّ بنَ خَشْرَمٍ، يَقُولُ‏:‏ قالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏وَلكِنّ الله أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلمُ‏"‏‏:‏ يَعْني أَسلَمُ أنَا مِنْهُ‏.‏

قالَ سُفْيَانُ والشيطان لاَ يُسْلِمُ‏.‏

ولاَ تَلِجُوا عَلِى الْمُغِيبَاتِ، والمُغِيبَةُ‏:‏ الْمَرْأَةُ الّتِي يَكُونُ زَوْجُهَا غَائِباً والْمغيبَاتُ جَمَاعةُ الْمُغِيبةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تلجوا‏)‏ من الولوج أي لا تدخلوا ‏(‏على المغيبات‏)‏ أي الأجنبيات اللاتي غاب عنهن أزواجهن ‏(‏فإن الشيطان يجري من أحدكم‏)‏ أي أيها الرجال والنساء ‏(‏مجرم الدم‏)‏ بفتح الميم أي مثل جريانه في بدنكم من حيث لا ترونه‏.‏ قال المجمع‏:‏ يحتمل الحقيقة بأن جعل له قدرة على الجري في باطن الإنسان ويحتمل الاستعارة لكثرة وسوسته ‏(‏قلنا ومنك‏)‏ أي يا رسول الله ‏(‏قال ومني‏)‏ أي ومني أيضاً ‏(‏فأسلم‏)‏ بصيغة الماضي أي استسلم وانقاد، وبصيغة المضارع المتكلم أي أسلم أنا منه‏.‏ قال في المجمع‏:‏ وهما روايتان مشهورتان قوله‏:‏ ‏(‏وقد تكلم بعضهم في مجالد بن سعيد من قبل حفظه‏)‏ قال الحافظ مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني بسكون الميم أبو عمرو الكوفي ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره ‏(‏وسمعت علي بن خشرم‏)‏ بالخاء والشين المعجمتين بوزن جعفر شيخ الترمذي وتلميذ ابن عيينة ثقة ‏(‏يعني فاسلم أنا منه‏)‏ يعني قوله فأسلم بصيغة المضارع المتكلم ‏(‏قال سفيان فالشيطان لا يسلم‏)‏ يعني قوله فأسلم ليس بصيغة الماضي حتى يثبت إسلام الشيطان فإن الشيطان لا يسلم‏.‏ قال في المجمع وهو ضعيف‏:‏ فإن الله تعالى على كل شيء قدير، فلا يبعد تخصيصه من فضله بإسلام قرينه انتهى‏.‏ قال ابن الأثير في النهاية‏:‏ وما من آدمي إلا ومعه شيطان، قيل‏:‏ ومعك‏؟‏ قال نعم‏.‏ ولكن الله أعانني عليه فأسلم‏.‏ وفي رواية حتى أسلم أي انقاد واستسلم وكف عن وسوستي‏.‏ وقيل دخل في الإسلام فسلمت من شره، وقيل إنما هو فأسلم بضم الميم على أنه فعل مستقبل أي أسلم أنا منه ومن شره‏.‏ ويشهد للأول الحديث الاَخر كان شيطان آدم كافراً وشيطاني مسلماً انتهى‏.‏ قلت لو صح هذا الحديث لكان شاهداً قوياً للأول وإني لم أقف على سنده ولا على من أخرجه‏.‏

798- باب

1169- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ‏.‏ حدثنا هَمّامٌ عنْ قَتَادَةَ، عنْ مُوَرّقٍ، عنْ أبي الأحْوَص، عنْ عَبْدِ الله، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشّيْطَانُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ غرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مورق‏)‏ بضم الميم وكسر الراء المشددة ابن مشمرخ بفتح الراء كمدحرج كذا في الخلاصة‏.‏ وقال في التقريب مورق بتشديد الراء ابن مشمرج بضم أوله وفتح المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم العجلي ثقة عابد من كبار الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏المرأة عورة‏)‏ قال في مجمع البحار جعل المرأة نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحي منها كما يستحي من العورة إذا ظهرت، والعورة السوأة وكل ما يستحي منه إذا ظهر‏.‏ وقيل إنها ذات عورة ‏(‏فإذا خرجت استشرفها الشيطان‏)‏ أي زينها في نظر الرجال وقيل أي نظر إليها ليغويها ويغوى بها‏.‏ والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء وبسط الكف فوق الحاجب والمعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها، ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة‏.‏ أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق سماه به على التشبيه‏.‏

799- باب

1170- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عنْ بَحِيرِ بنِ سَعْدٍ عنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَثِيرِ بنِ مُرّةَ الْحَضْرَمِيّ، عنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تُؤْذِي امْرَأةٌ زَوْجَهَا فِي الدّنْيَا‏.‏ إِلاّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ‏:‏ لاَ تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ الله، فَإِنّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ‏.‏ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بنِ عَيّاشٍ عنِ الشّامِييّنَ أَصْلَحُ‏.‏ ولَهُ عنْ أهْلِ الْحِجَازِ وأهْلِ الْعِرَاقِ مَنَاكِيرُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بحير‏)‏ بكسر المهملة ‏(‏بن سعد‏)‏ السحولي الحمصي ثقة نبت من السادسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا تؤذي‏)‏ بصيغة للنفي ‏(‏من الحور‏)‏ أي نساء أهل الجنة جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها ‏(‏العين‏)‏ بكسر العين جمع عيناء بمعنى الواسعة العين ‏(‏لا تؤذيه‏)‏ نهى مخاطبة ‏(‏قاتلك الله‏)‏ أي قتلك أو لعنك أو عاداك‏.‏ وقد يرد للتعجب كتربت يداه‏.‏ وقد لا يراد به وقوع ومنه‏:‏ قاتل الله سمرة‏.‏ كذا في المجمع ‏(‏فإنما هو‏)‏ أي الزوج ‏(‏عندك دخيل‏)‏ أي ضيف ونزيل‏.‏ يعني هو كالضيف عليك وأنت لست بأهل له حقيقة، وإنما نحن أهله فيفارقك ويلحق بنا‏.‏ ‏(‏يوشك أن يفارق إلينا‏)‏ أي واصلاً إلينا قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏‏.‏ وأخرجه ابن ماجه ‏(‏ورواية‏)‏ إسماعيل بن عياش عن الشاميين أصلح ‏(‏وله عن أهل الحجاز وأهل العراق مناكير‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي بالنون أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم من الثامنة‏.‏ وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه أحمد وابن معين ودهيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام، وضعفوه في الحجازيين انتهى‏.‏ قلت‏:‏ روى إسماعيل بن عياش حديث الباب عن بحير بن سعد وهو شامي حمصي فالظاهر أن هذا الحديث حسن فإن الرواة غير إسماعيل بن عياش ثقات مقبولون‏.‏