فصل: 855- باب مَا جَاءَ إِذَا أَفْلَسَ لِلرّجُلِ غَرِيمٌ فَيَجِدُ عِنْدَهُ مَتَاعَه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


855- باب مَا جَاءَ إِذَا أَفْلَسَ لِلرّجُلِ غَرِيمٌ فَيَجِدُ عِنْدَهُ مَتَاعَه

‏(‏باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه‏)‏ قال في النهاية أفلس الرجل إذا لم يبق له مال‏.‏ ومعناه‏.‏ صارت دراهمه فلوساً‏.‏ وقيل صار إلى حال يقال‏:‏ ليس معه فلس‏.‏ وقد أفلس يفلس إفلاساً فهو مفلس وفلسه الحاكم تفليساً انتهى والغريم المديون

1259- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنَا اللّيْثُ، عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عنْ أبي بَكْرِ بنِ محمد بن عمرو بن حَزْمٍ، عنْ عُمَرَ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عنْ أبي بكْرِ بنِ عَبدِ الرّحْمَنِ بنِ الْحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ ‏"‏أيّمَا امرئ أفْلَسَ، وَوَجَدَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ عِنْدهُ بِعَيْنِهَا، فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيرِهِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ سَمُرَةَ وابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَملُ عَلَى هذَا عنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْم‏:‏ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ أهْلِ الْكُوفَةِ‏.‏

‏(‏ووجد رجل سلعته عنده بعينها‏)‏ أي بذاتها بأن تكون غير هالكة حساً، أو معنى بالتصرفات الشرعية ‏(‏فهو‏)‏ أي الرجل ‏(‏أولى بها‏)‏ أي أحق بسلعته ‏(‏من غيره‏)‏ أي من الغرماء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سمرة‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود وهو من رواية الحسن البصري عنه وفي سماعه منه خلاف معروف لكنه يشهد لصحته حديث الباب ‏(‏وابن عمر‏)‏ أخرجه ابن حبان بإسناد صحيح قاله في النيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال في شرح السنة‏:‏ العمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا‏:‏ إذا أفلس المشتري بالثمن ووجد البائع عين ماله، فله أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وإن كان قد أخذ بعض الثمن وأفلس بالباقي أخذ من ماله بقدر ما بقي من الثمن كما رواه البخاري قضى به عثمان رضي الله عنه، وروي عن علي رضي الله عنه، ولا نعلم لهما مخالفاً من الصحابة‏.‏ وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وهو الحق وهو قول الجمهور ‏(‏وقال بعض أهل العلم هو أسوة الغرماء‏)‏ بضم الهمزة أي هو مساو لهم وكواحد منهم يأخذ مثل ما يأخذون، ويحرم عما يحرمون ‏(‏وهو قول أهل الكوفة‏)‏ وهو مذهب الحنفية قال في التعليق الممجد‏:‏ ومذهب الحنفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في الموت ولا في الحياة لأن المتاع بعد ما قبضه المشتري صار ملكاً خالصاً له، والبائع صار أجنبياً منه كسائر أمواله‏.‏ فالغرماء شركاء البائع فيه في كلتا الصورتين وإن لم يقبض‏.‏ فالبائع أحق لاختصاصه به وهذا معنى واضح لولا ورود النص بالفرق وسلفهم في ذلك علي، فإن قتادة وروى عن خلاس بن عمرو عن علي أنه قال‏:‏ هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها‏.‏ وأحاديث خلاس عن علي ضعيفة، وروى مثله عن إبراهيم النخعي ومن المعلوم أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عبرة الرأي بعد ورود نصة‏.‏ كذا حققه ابن عبد البر والزرقاني انتهى‏.‏ واعلم أن الحنفية قد اعتذروا عن العمل بأحاديث الباب باعتذارات كلها واهية‏.‏ فمنها- أنها مخالفة للأصول، وفساد هذا الاعتذار ظاهر فإنه السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل بها إلا لما هو انهض منها‏.‏ ومنها- أنها محمولة على ما إذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة وفساد هذا الاعتذار أيضاً ظاهر فإنه لو كان كذلك لم يقيد بالإفلاس ولا جعل أحق بها لما تقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك‏.‏ ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في رواية لمسلم والنسائي أنه لصاحبه الذي باعه‏.‏ وفي رواية لابن حبان‏:‏ إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته‏.‏ وكذلك وقع في عدة روايات ما يدل صراحة على أنها واردة في صورة البيع‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة البيع، ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر يعني من العارية والوديعة بالأولى‏.‏ ومنها أنها محمولة على ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة‏.‏ ويرد هذا الاعتذار أنه وقع في حديث سمرة عند مفلس وفي حديث أبي هريرة عند رجل، وفي رواية لابن حبان‏:‏ ثم أفلس‏.‏ وهي عنده‏:‏ إذا فلس الرجل وعنده متاع‏.‏

856- باب مَا جَاءَ في النّهْيِ لِلْمُسْلِمِ، أَنْ يَدفعَ إِلَى الذّمّيّ الخَمْرَ يَبِيعُهَا لَه

1260- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ‏.‏ أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عنْ مُجَالِدٍ، عنْ أبي الْوَدّاكِ، عنْ أبي سَعِيدٍ قالَ‏:‏ كانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ‏.‏ فَلمّا نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ، سَأَلْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنْهُ، وقُلْتُ إنّهُ لِيَتِيمٍ فقَالَ ‏"‏أَهْرِيقُوهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي سَعِيدٍ حدِيثٌ حسنٌ صحيح‏.‏ وقَدْ رُوِيَ منْ غَيرِ وَجْهٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هذَا‏.‏ وقالَ بِهذَا بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ‏.‏ وكَرِهُوا أَنْ تُتّخَذَ الْخَمرُ خَلاّ‏.‏ وَإنمَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ، والله أعْلمُ، أنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ في بَيْتِهِ خَمْرٌ حَتّى يَصِير خَلاّ‏.‏ وَرَخّصَ بَعْضُهُمْ في خَلّ الْخَمْرِ، إذَا وُجِدَ قَدْ صَارَ خَلاّ أبو الودّاك اسمه جبر بن نوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما نزلت المائدة‏)‏ أي الاَية التي فيها تحريم الخمر وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر‏}‏ الاَيتين‏.‏ ‏(‏عنه‏)‏ أي عن الخمر التي عندي لليتيم والخمر قد يدكر أو بتأويل الشراب ‏(‏فقال أهريقوه‏)‏ أي صبوه والأصل أريقوه من الإراقة، وقد تبدل الهمزة بالهاء وقد تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاء معاً كما وقع هنا وهو نادر‏.‏ وفيه دليل على أن الخمر لا تملك ولا تحبس بل تجب إراقتها في الحال‏.‏ ولا يجوز لأحد الانتفاع بها إلا بالإراقة قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس بن مالك‏)‏ أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال‏:‏ ‏"‏أهرقها‏"‏‏.‏ قال أفلا أجعلها خلا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد قوله‏:‏ ‏(‏وقال بهذا بعض أهل العلم وكرهو أن يتخذ الخمر خلا الخ‏)‏ قال الخطابي في المعالم‏:‏ تحت حديث أنس في هذا بيان واضح أن معالجة الخمر حتى تصير خلا غير جائز‏.‏ ولو كان إلى ذلك سبيل لكان مال اليتيم أولى الأموال به لما يجب من حفظه وتثميره والحيطة عليه، وقد كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، فعلم أن معالجته لا تطهره ولا ترده إلى المالية بحال‏.‏ انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ فيه دليل للجمهور على أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل‏.‏ هذا إذا خللها بوضع شيء فيها، أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو نحو ذلك‏.‏ فأصح وجه عن الشافعية أنها تحل وتطهر‏.‏ وقال الأوزاعي وأبو حنيفة تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها‏.‏ قلت‏:‏ والحق أن تخليل الخمر ليس بجائز لحديث الباب، ولحديث أنس المذكور، ومن قال بالجواز فليس له دليل‏.‏ ‏(‏ورخص بعضهم في خل الخمر إذا وجد قد صار خلا‏)‏ أي من غير معالجة قال القاري في المرقاة تحت حديث أنس رضي الله عنه فيه حرمة التخليل ربه قال أحمد‏.‏ وقال أبو حنيفة والأوزاعي والليث‏:‏ يطهر بالتخليل‏.‏ وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام، فلو خللها عصى وطهرت‏.‏ والشافعي على أنه إذا ألقى فيه شيء للتخلل لم يطهر أبداً‏.‏ وأما بالنقل إلى الشمس مثلاً فللشافعية فيه وجهان أصحهما تطهيره وأما الجواب عن قوله عليه الصلاة والسلام لا عند من يجوز تخليل الخمر‏:‏ أن القوم كانت تفوسهم ألفت بالخمر وكل مألوف تميل إليه النفس فخشي النبي صلى الله عليه وسلم من دواخل الشيطان فنهاهم عن اقترانهم نهى تنزيه كيلا يتخذ التخليل وسيلة إليها‏.‏ وأما بعد طول عهد التحريم فلا يخشى هذه الدواخل ويؤده خبر‏:‏ نعم الإدام الخل‏.‏ رواه مسلم عن عائشة وخير خلكم خل خمركم‏.‏ رواه البيهقي في المعرفة عن جابر مرفوعاً، وهو محمول على بيان الحكم لأنه اللائق بمنصب الشارع لا بيان اللغة انتهى كلام القاري‏.‏ قلت قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث‏:‏ خير خلكم خل خمركم ما لفظه‏:‏ قال البيهقي في المعرفة رواه المغيرة بن زياد وليس بالقوى‏.‏ وأهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر‏.‏ قال‏:‏ وإن صح فهو محمول على ما إذا تخلل بنفسه‏.‏ وعليه يحمل حديث فرج ابن فضالة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ حديث فرج بن فضالة أخرجه الدارقطني في سننه عنه عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة مرفوعاً في الشاة أن دباغها يحل كما يحل خل الخمر‏.‏ قال الدارقطني‏:‏ تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف‏.‏ قاله الحافظ في الدراية‏.‏ قال ويعارض ظاهره حديث أنس‏:‏ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر أتتخذ خلا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏ أخرجه مسلم وأخرج أيضاً عنه أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال ‏"‏أهرقها‏"‏‏.‏ قال‏:‏ أفلا نجعلها خلا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏ انتهى‏.‏ وأما القول بأن النهي للتنزيه فغير ظاهر‏.‏ وأما حديث‏.‏ نعم الإدام الخل‏.‏ فالمراد بالخل الخل الذي لم يتخذ من الخمر جمعاً بين الأحاديث والله تعالى أعلم‏.‏

857- باب

1261- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حدّثنَا طَلْقُ بنُ غَنّامٍ عنْ شَرِيكٍ وَ قَيْسٌ عَنْ أبي حَصِينٍ، عَنْ أبي صالح عن أَبي هُرَيْرَة قالَ قَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏أدّ الأمَانَةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسنٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هذَا الحَدِيثِ وَقَالُوا‏:‏ إذَا كانَ لِلرّجُلِ عَلَى آخَرَ شَيْءٌ فَذَهَبَ بِهِ، فَوَقَعَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَحْبِسَ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ لَهُ عَلَيْهِ‏.‏ وَرَخّصَ فِيهِ بَعضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التّابِعِينَ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ الثّورِيّ، وَقَالَ‏:‏ إنْ كانَ لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَوَقَعَ لَهُ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ، فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَحْبِسَ بِمَكَانِ دَرَاهِمِه‏.‏ إلاّ أنْ يَقَعَ عِنْدَهُ لَهُ دَرَاهِمُ، فَلهُ حِينَئِذ أنْ يَحبِسَ مِنْ دَرَاهِمِه بِقَدْرِ مَا لهُ عَلَيْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا طلق بن الغنام‏)‏ بفتح الغين المعجمة وشدة النون النخعي أبو محمد الكوفي ثقة من كبار العاشرة ‏(‏عن أبي حصين‏)‏ بفتح الحاء المهملة اسمه عثمان بن عاصم ابن حصين الأسدي الكوفي ثقة ثبت‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أد الأمانة‏)‏ هي كل شيء لزمك أدؤه‏.‏ والأمر للوجوب‏.‏ قال الله تعالى ‏{‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ ‏(‏إلى من ائتمنك‏)‏ أي عليها ‏(‏ولا تخن من خانك‏)‏ أي لا تعامله بمعاملته ولا تقابل خيانته بخيانتك‏.‏ قال في سبل السلام‏:‏ وفيه دليل على أنه لا يجازي بالإساءة من أساء‏.‏ وحمله الجمهور على أنه مستحب لدلالة قوله تعالى ‏{‏وجزاء سيئة مثلها وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏}‏ على الجواز وهذه في المعروفة بمسألة الظفر‏.‏ وفيها أقوال للعلماء‏.‏ هذا القول‏:‏ الأول‏:‏ وهو الأشهر من أقوال الشافعي وسواء كان من جنس ما أخذ عليه أو من غير جنسه‏.‏ والثاني‏:‏ يجوز إذا كان من جنس ما أخذ عليه لا من غيره، لظاهر قوله‏:‏ ‏(‏بمثل ما عوقبتم به‏)‏ وقوله مثلها وهو رأي الحنفية‏.‏ والثالث‏:‏ لا يجوز ذلك إلا لحكم الحاكم، لظاهر النهي في الحديث ولقوله تعالى ‏{‏ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‏}‏ وأجيب أنه ليس أكلاً بالباطل‏.‏ والحديث يحمل فيه النهي على الندب‏.‏ الرابع‏:‏ لإبن حزم أنه يجب عليه أن يأخذ بقدر حقه سواء كان من نوع ما هو عليه أو من غيره ويبيع ويستوفي حقه‏.‏ فإن فضل على ما هو له رده أو لورثته‏.‏ وإن نقص بقي في ذمة من عليه الحق‏.‏ فإن لم يفعل ذلك فهو عاص لله عز وجل إلا أن يحلله أو يبرئه فهو مأجور‏.‏ فإن كان الحق الذي له لا بينة له عليه وظفر بشيء من مال من عنده له الحق أخذه، فإن طولب أنكر، فإن استحلف حلف وهو مأجور في ذلك‏.‏ قال وهذا قول الشافعي وأبي سليمان وأصحابهما‏.‏ وكذالك عندنا كل من ظفر لظالم بمال ففرض عليه أخذه وإنصاف المظلوم منه واستدل بالاَيتين وبقوله تعالى ‏{‏ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل‏}‏ وبقوله تعالى ‏{‏والحرمات قصاص‏}‏ وبقوله تعالى ‏{‏من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ وبقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان‏:‏ ‏"‏خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏"‏‏.‏ وبحديث البخاري‏:‏ إن نزلتم بقوم وأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف‏.‏ واستدل لكونه إذا لم يفعل عاصياً بقوله تعالى ‏{‏وتعاونوا على البر والتقوى‏}‏ الاَية‏.‏ وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من رأى منكراً‏"‏ الحديث‏.‏ ثم ذكر حديث أبي هريرة فقال‏:‏ هو من رواية طلق بن غنام عن شريك وقيس بن الربيع وكلهم ضعيف‏.‏ قال ولئن صح فلا حجة فيه لأنه ليس له انتصاف المرء حقه خيانة بل هو حق واجب وإنكار منكر انتهى مختصراً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه‏.‏ ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏ وقال الزيلعي قال ابن القطان‏:‏ والمانع من تصحيحه أن شريكا وقيس بن الربيع مختلف فيهما انتهى‏.‏ وقال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ وصححه الحاكم واستنكره أبو حاتم الرازي انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏.‏ وفي الباب عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية‏:‏ وفي إسناده من لا يعرف‏.‏ وأخرجه أيضاً الدارقطني‏.‏ وعن أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف‏.‏ وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي‏.‏ وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي‏.‏ لأن يوسف بن ماهك رواه عن فلان عن آخر وقد صححه ابن السكن وعن الحسن مرسلاً عند البيهقي قال الشافعي‏:‏ هذا الحديث ليس بثابت‏.‏ قال ابن الجوزي‏:‏ لا يصح من جميع طرقه‏.‏ وقال أحمد‏:‏ هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ لا يخفي أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضاً للاحتجاج انتهى‏.‏

858- باب مَا جَاءَ في أنّ الْعَارِيَةَ مُؤَدّاة

1262- حدثنا هَنّادٌ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ قَالاَ‏:‏ حَدّثَنا إسْماعيِلُ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بن مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيّ عَنْ أبي أُمَامَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في الخُطْبَة، عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ ‏"‏الْعارِيَةُ مُؤدّاةٌ، وَالزّعِيمُ غَارِم، وَالدّيْنُ مَقْضِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عَنْ سَمُرَةَ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ وَأنَسٍ قال‏:‏ وحَدِيثُ أبي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب‏.‏ وَقدْ رُوِيَ عَنْ أبي أمامَةَ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أيْضاً، مِنْ غَيرِ هذا الوَجْه‏.‏

1263- حدثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى‏.‏ حدّثَنا ابنُ أبي عَدِي عنْ سَعِيدٍ، عنْ قَتادَةَ، عنِ الْحَسنِ، عنْ سَمُرةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏عَلَى الْيَدِ مَا أخَذَتْ حَتّى تُؤَدّيَ‏"‏‏.‏ قالَ قَتَادَةُ‏:‏ ثُمّ نَسِيَ الْحَسَنُ فقَالَ‏:‏ فَهوَ أمِينُكَ لاَ ضَمانَ عَلَيْهِ، يَعْنِي الْعَارِيَةَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ إلى هذَا‏.‏ وقَالُوا‏:‏ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْعارِيَةِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ‏.‏ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ، لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْعارِيَةِ ضَمانٌ إلاّ أَنْ يُخَالِفَ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وأهْل الْكُوفَةِ‏.‏ وبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العارية مؤداة‏)‏ قال التوربشتي أي تؤدى إلى صاحبها، واختلفوا في تأويله على حسب اختلافهم في الضمان، فالقائل بالضمان يقول‏:‏ تؤدي عينا حال القيام وقيمة عند التلف، وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها كذا في المرقاة‏.‏ ‏(‏والزعيم‏)‏ أي الكفيل ‏(‏غارم‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الغارم الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه، والغرم أداء شيء لازم وقد غرم يغرم غرماً انتهى‏.‏ والمعنى أنه ضامن ومن ضمن ديناً لزمه أداؤه ‏(‏والدين مقضى‏)‏ أي يجب قضاؤه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سمرة‏)‏ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه ‏(‏وصفوان بن أمية‏)‏ أخرجه أبو داود ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه الطبراني في كتاب مسند الشاميين ذكره الزيلعي في نصب الراية في الكفالة بإسناده ومتنه‏.‏ وفي الباب عن ابن عباس ذكره الزيلعي فيه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي أمامة حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏ قال الحافظ الزيلعي‏:‏ قال صاحب التنقيح‏:‏ رواية إسماعيل بن عياش من الشاميين جيدة وشرحبيل من ثقات الشاميين‏.‏ قاله الإمام أحمد ووثقه أيضاً العجلي وابن حبان وضعفه ابن معين انتهى‏.‏ والحديث أخرجه الترمذي في الوصايا مطولاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على اليد ما أخذت‏)‏ أي يجب على اليد رد ما أخذته‏.‏ قال الطيبي ما موصولة مبتدأ وعلى اليد خبره، والرابع محذوف أي ما أخذته اليد ضمان على صاحبها‏.‏ والإسناد إلى اليد على المبالغة لأنها هي المتصرفة ‏(‏حتى تؤدي‏)‏ بصيغة الفاعل المؤنث والضمير إلى اليد أي حتى تؤديه إلى مالكه فيجب رده في الغصب وإن لم يطلبه‏.‏ وفي العارية إن عين مدة رده إذا انقضت ولو لم يطلب مالكها‏.‏ وفي الوديعة لا يلزم إلا إذا طلب المالك‏.‏ ذكره ابن الملك‏.‏ قال القاري‏:‏ وهو تفصيل حسن يعني من أخذ مال أحد بغضب أو عارية، أو وديعة لزم رده انتهى‏.‏ ‏(‏قال قتادة‏:‏ ثم نسي الحسن‏)‏ أي الحديث ‏(‏فقال‏)‏ أي الحسن ‏(‏هو‏)‏ أي المستعير ‏(‏لا ضمان عليه‏)‏ لا يلزم من قول الحسن إن المستعير لا ضمان عليه أنه نسي الحديث كما ستعرف ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم‏.‏ وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور ووقع في بعض النسخ هذا حديث صحيح، واستدل بهذا الحديث من قال بأن الوديع والمستعير ضامنان وهو صالح للاحتجاج به على التضمين، لأن المأخوذ إذا كان على اليد الاَخذة حتى ترده فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر لفظ على من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ‏.‏ وقال المقبلي في المنار‏:‏ يحتجون بهذا الحديث في مواضع على التضمين‏.‏ ولا أراه صريحاً لأن اليد الأمينة أيضاً عليها ما أخذت حتى ترد، وإلا فليست بأمينة‏.‏ إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية‏؟‏ وليس الفرق بين المضمون وغير المضمون إلا هذا‏.‏ وأما الحفظ فمشرك وهو الذي تفيده على فعل هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال‏:‏ هو أمينك لا ضمان عليه‏.‏ بعد رواية الحديث انتهى‏.‏

قال الشوكاني بعد ذكر كلام المقبلي هذا‏:‏ ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة وبيان ذلك أن قوله لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة يقتضي الملازمة بين عدم الرد وعدم الأمانة فيكون تلف الوديعة والعارية بأي وجه من الوجوه قبل الرد مقتضياً لخروج الأمين عن كونه أميناً وهو ممنوع، فإن المقتضي لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان، إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجاً عن كونه أميناً‏.‏ كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة‏.‏ وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما أسلفنا، ثم ذكر الشوكاني كلام صاحب ضوء النهاء ثم تعقب عليه ثم قال‏:‏ وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول‏:‏ أن العمل بالرواية لا بالرأي انتهى قوله‏:‏ ‏(‏وقالوا يضمن صاحب العارية وهو قول الشافعي وأحمد‏)‏ قال في النيل قال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وعزاه صاحب الفتح إلى الجمهور‏:‏ أنها إذ تلفت في يد المستعير ضمنها إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه، واستدلوا بحديث سمرة المذكور وبقوله تعالى ‏{‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ ولا يخفي أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت ‏(‏وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وغيرهم‏:‏ ليس على صاحب العارية ضمان إلا أن يخالف‏.‏ وهو قول الثوري وأهل الكوفة وبه يقول ‏(‏إسحاق‏)‏ واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا ضمان على مؤتمن‏.‏ رواه الدارقطني قال الحافظ‏:‏ في إسناده ضعف‏.‏ وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عنه بلفظ‏:‏ ليس على المستعير غير المغل ضمان‏.‏ ولا عن المستودع غير المغل ضمان وقال‏:‏ إنما يروى هذا عن شريح غير مرفوع قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده ضعيفان قال الشوكاني‏:‏ قوله لا ضمان على مؤتمن فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان أميناً على عين من الأعيان كالوديع والمستعير، أما الوديع فلا يضمن‏.‏ قيل إجماعاً إلا لجناية منه على العين والوجه في تضمينه بالجناية أنه صار بها خائناً‏.‏ والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ولا على المستودع غير المغل ضمان والمغل هو الخائن‏"‏ وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين‏.‏ لأنه نوع من الخيانة وأما العارية فقد ذهبت الحنفية والمالكية إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل منه تعد انتهى‏.‏

859- باب مَا جَاءَ في الاحتكار

‏(‏باب ما جاء في الاحتكار‏)‏ قال الحافظ‏:‏ الاحتكار الشرعي إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه‏.‏ وبهذا فسره مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب‏.‏ وعن أحمد‏:‏ إنما يحرم احتكار الطعام المقتات دون غيره من الأشياء انتهى

1264- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ‏.‏ أخبرنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ أخبرنا مُحَمّدُ بنُ إسْحَاقَ عنْ مُحَمّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، عنْ سَعيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عنْ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ فَضْلَةَ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِيءٌ‏"‏ فَقُلْتُ لِسَعيدٍ‏:‏ يَا أبَا مُحَمّدٍ إِنّكَ تَحْتَكِرُ‏.‏ قالَ‏:‏ ومَعْمَرٌ قَدْ كانَ يَحْتَكِرُ‏.‏

وَإنمَا رُوِيَ عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ أنّهُ كانَ يَحْتَكِرُ الزّيْتَ وَالحنطَة ونَحْوَ هذَا‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عنِ عُمرَ وعَلِي وَأبي أُمَامَةَ، وابنِ عُمرَ‏.‏ وحَدِيثُ مَعْمَرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالَعَمَلُ عَلَى هَذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ‏.‏ كَرِهُوا احْتِكارَ الطّعَامِ‏.‏ وَرَخّصَ بَعضُهُمْ في الأِحْتِكارِ في غَيرِ الطعَامِ‏.‏ وقالَ ابنُ الْمُبَارَكِ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالاحتكَارِ في الْقُطْنِ والسّخْتِيَانِ وَنَحْوِ ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحتكر إلا خاطئ‏)‏ بالهمز أي عاص آثم‏.‏ ورواه مسلم بلفظ‏:‏ من احتكر فهو خاطئ‏.‏ قال النووي‏:‏ الاحتكار المحرم هو في الأقوات خاصة بأن يشتري الطعام في وقت الغلاء ولا يبيعه في الحال بل أدخره ليغلو، فأما إذا جاء من قرية أو اشتراه في وقت الرخص وادخره وباعه في وقت الغلاء فليس باحتكار ولا تحريم فيه، وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال انتهى‏.‏ واستدل مالك بعموم الحديث على أن الاحتكار حرام من المطعوم وغيره ذكره ابن الملك في شرح المشارق كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏)‏ قائله محمد بن ابراهيم ‏(‏لسعيد‏)‏ أي ابن المسيب ‏(‏يا أبا محمد‏)‏ كنية سعيد بن المسيب ‏(‏إنك تحتكر قال ومعمر‏)‏ أي ابن عبد الله بن فضالة ‏(‏قد كان يحتكر‏)‏ أي في غير الأقوات ‏(‏والخبط‏)‏ بفتح الخاء المعجمة والموحدة الورق الساقط أي علف الدواب ‏(‏ونحو هذا‏)‏ أي من غير الأقوات قال ابن عبد البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت‏.‏ وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه‏.‏ وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ مرفوعاً‏:‏ من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس‏.‏ أخرجه ابن ماجه قال الحافظ في الفتح‏:‏ إسناده حسن‏.‏ وعنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ الجالب مرزوق والمحتكر ملعون‏.‏ أخرجه ابن ماجه وإسناده ضعيف‏.‏ ‏(‏وعلي‏)‏ لم أقف على حديثه ‏(‏وأبي أمامة‏)‏ مرفوعاً‏:‏ من احتكر طعاماً أربعين يوماً ثم تصدق به لم يكن له كفارة‏.‏ أخرجه رزين ‏(‏وابن عمر‏)‏ مرفوعاً‏:‏ من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد بريء من الله وبريء منه- أخرجه أحمد والحاكم قال الحافظ في الفتح في إسناده مقال‏.‏ وفي الباب عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ من احتكر حكرة يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ‏.‏ أخرجه الحاكم ذكره الحافظ وسكت عنه‏.‏ وعن معاذ مرفوعاً‏:‏ من احتكر طعاماً على أمتي أربعين يوماً وتصدق به لم يقبل منه‏.‏ أخرجه ابن عساكر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ورخص بعضهم في الاحتكار في غير الطعام‏)‏ واحتجوا بالروايات التي فيها التصريح بلفظ الطعام‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الاَدمي والدواب بين غيره‏.‏ والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد باقي الروايات المطلقة‏.‏ بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن المبارك لا بأس بالاحتكار بالقطن والسختيان‏)‏ قال في القاموس السختيان ويفتح جلد الماعز إذا دبغ معرب‏.‏

860- باب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ المُحَفّلاَت

‏(‏باب ما جاء في بيع المحفلات‏)‏ المحفلة هي المصراة وقد ذكر الترمذي تفسيرها في هذا الباب قال أبو عبيد‏:‏ سميت بذلك لأن اللبن بكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته‏.‏ تقول ضرع حافل أي عظيم‏.‏ واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل

1265- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدّثنَا أبُو الأَحْوَصِ، عنْ سِماكٍ، عنْ عِكرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏لاَ تَسْتَقْبِلُوا السّوقَ‏.‏ ولاَ تُحَفّلُوا‏.‏ ولاَ يُنفّقْ بَعْضُكُمْ لِبعْضٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ وأبي هُرَيْرَةَ وحدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ‏.‏ كَرِهُوا بَيْعَ المُحَفّلَةِ‏.‏ وَهِيَ المُصَرّاةُ، لاَ يَحْلُبُهَا صَاحِبُهَا أيّاماً أوْ نحْوَ ذَلِكَ، لِيَجْتَمِعَ اللّبَنُ في ضَرْعِهَا‏.‏ فَيَغْترّ بهَا الْمُشْتَرِي‏.‏ وهذَا ضَرْبٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ والْغَرَرِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تستقبلوا السوق‏)‏ المراد من السوق العير أي لا تلقوا الركبان قال في المجمع في حديث الجمعة‏:‏ إذا جاءت سويقة أي تجارة وهي مصغر السوق سميت بها لأن التجارة تجلب إليها والمبيعات تساق نحوها والمراد العير انتهى‏.‏ ‏(‏ولا تحفلوا‏)‏ من التحفيل بالمهملة والفاء بمعنى التجميع‏.‏ والمعنى لا تتركوا حلب الناقة أو البقرة أو الشاة ليجتمع ويكثر لبنها في ضرعها فيعتز به المشتري‏.‏ ‏(‏ولا ينفق‏)‏ بصيغة النهي من التنفيق وهو من النفاق ضد الكساد‏.‏ قال نفقت السلعة فهي نافقة وأنفقتها ونفقتها إذا جعلتها نافقة ‏(‏بعضكم لبعض‏)‏ قال في النهاية‏:‏ أي لا يقصد أن ينفق سلعته على جهة النجش فإنه بزيادته فيها يرغب السامع فيكون قوله سبباً لابتياعها ومنفقاً لها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود‏)‏ أخرجه البخاري موقوفاً عليه بلفظ قال‏:‏ من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعاً من تمر‏.‏ وأخرجه الإسماعيلي مرفوعاً وذكر أن رفعه غلط ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏ هذا الحديث رواه الترمذي من طريق سِمَاك عن عكرمة وقال الحافظ في الئقريب‏:‏ سِمَاك بن حرب الكوفي أبو المغيرة صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن انتهى‏.‏ فتصحيح الترمذي هذا الحديث لوروده من وجوه أخرى صحيحة‏.‏

861- باب مَا جَاءَ في الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ الْمُسْلم

1266- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدّثنَا أبُو مُعَاوِيَة عنِ الأَعمَشِ، عنْ شَقِيقِ بنِ سَلمَةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ وهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لِيَقْتَطِعَ بِهَا، كلَ امْرِءٍ مُسْلمٍ، لَقِيَ الله وهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ‏"‏‏.‏

فقَالَ الأشْعثُ بنُ قَيْسٍ‏:‏ فِيّ، وَالله لَقَدْ كانَ ذَلِكَ‏.‏ كانَ بَيْنِي وبَيْنَ رَجُل مِنَ الْيَهُودِ أرْضٌ فَجَحدنِي‏.‏ فَقَدّمْتُهُ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقالَ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ألَكَ بَيّنَةٌ‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ فقَالَ لِلْيَهُودِيّ ‏"‏احْلِفْ‏"‏ فَقلت‏:‏ يا رسولَ الله إذاً يَحْلِفُ فَيَذْهَبُ بِمَالِي‏.‏ فأَنْزَلَ الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّ الّذِينَ يَشْترُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيمَانِهِمْ ثَمَناً قَليلاً‏}‏ إلى آخِر الاَيَةِ‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عنْ وَائِلِ بنِ حُجْرٍ، وأبي مُوسَى وأبي أُمَامَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ الأنْصَارِيّ وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏ وحدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ، حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين‏)‏ المراد باليمين المال المحلوف عليه ‏(‏وهو فيها فاجر‏)‏ أي كاذب ‏(‏ليقتطع بها مال امرئ مسلم‏)‏ قال الحافظ يقتطع يفتعل من القطع كأنه قطعه عن صاحبه أو أخذ قطعة من ماله بالحلف المذكور ‏(‏لقي الله وهو عليه غضبان‏)‏ في حديث وائل بن حجر عند مسلم‏:‏ وهو عنه معرض‏.‏ وفي حديث أبي أمامة بن ثعلبة عند مسلم فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة‏.‏ ‏(‏فقال الأشعث‏)‏ هو ابن قيس أبو محمد الكندي صحابي نزل الكوفة ‏(‏فيّ والله لقد كان ذلك كان بيني وبين رجل الخ‏)‏ وقع في رواية للبخاري‏:‏ من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان‏.‏ فأنزل الله تصديق ذلك ‏{‏إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً‏}‏ إلى آخر الاَية‏.‏ فدخل الأشعث بن قيس فقال‏:‏ فيّ أنزلت الخ ‏(‏إذن يحلف‏)‏ بالنصب قال السهيلي لا غير‏.‏ وحكى ابن خروف جواز الرفع في مثل هذا ذكره الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن وائل ابن حجر‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وأبي موسى‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وأبي أمامة بن ثعلبة‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وعمران بن حصين‏)‏ أخرجه أبو داود قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

862- باب ما جاءَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَيّعَان

‏(‏باب ما جاء إذا اختلف البيعان‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة أي المتبايعان

1267- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنَا سُفْيَانُ عنِ ابنِ عَجْلاَنَ، عنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ الله، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذَا اخْتَلَفَ الْبَيّعَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ‏.‏ والْمبْتَاعُ بِالْخِيَارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ مُرْسَلٌ‏.‏ عَوْنُ بنُ عبدِ الله لَمْ يُدْرِكِ ابنِ مَسْعُودٍ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ عنِ القاسِمِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عنِ ابن مَسْعُودٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الحَديثُ أيْضاً‏.‏ وهُوَ مُرْسَلٌ أيْضاً‏.‏ قال أبو عيسى‏:‏ قال إسحاق بن مَنْصُورٍ‏:‏ قُلْتُ لأحْمَدَ‏:‏ إذَا اخْتَلفَ البَيعّانِ وَلَمْ تَكُنْ بَيّنةٌ‏؟‏ قالَ‏:‏ القَوْلُ مَا قالَ رَبّ السّلْعَةِ، أوْ يَترَادّانِ‏.‏ قالَ إسْحَاقُ‏:‏ كما قالَ‏.‏ وكُلّ مَنْ كانَ القَوْلُ قَوْلَهُ، فَعَلَيْهِ اليْمِينُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هكذا رُوِيَ عنْ بَعْضِ أهل العلم من التّابِعِينَ مِنْهُم شُرَيْحٌ وغيره نحو هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا اختلف البيعان‏)‏، أي إذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن أو في شرط الخيار أو في شيء آخر ولم يكن لأحد منهما بينة‏.‏ قال في النيل‏:‏ لم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف، وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الاختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر يرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالاختلاف في الثمن في بعض الروايات لا ينافي في هذا العموم المستفاد من الحذف انتهى‏.‏ ‏(‏فالقول قول البائع‏)‏ أي مع يمينه ‏(‏والمبتاع‏)‏ أي المشتري ‏(‏بالخيار‏)‏ أي إن شاء اختار البيع ورضي بقول البائع وإن شاء فسخ البيع والحديث دليل على أنه إذا وقع الخلاف بين البائع والمشتري في الثمن أو المبيع أو في شرط من شروطهما فالقول قول البائع مع يمينه لما عرف من القواعد الشرعية‏:‏ أن من كان القول قوله فعليه اليمين‏.‏ كذا في سبل السلام قلت يدل على أن القول قول البائع مع يمينه رواية أحمد والنسائي عن أبي عبيدة‏:‏ وأناه رجلان تبايعا سلعة فقال هذا أخذت بكذا وكذا، وقال هذا بعت بكذاوكذا، فقال أبو عبيدة‏:‏ أتى عبد الله في مثل هذا فقال‏:‏ حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والمبتاع‏)‏ أي المشتري ‏(‏بالخيار‏)‏ أي إن شاء أخذا وإن شاء ترك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث مرسل الخ‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم‏.‏ وروى هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود من طرق بألفاظ ذكرها الحافظ في التلخيص ‏(‏القول ما قال رب السلعة‏)‏ أي البائع ‏(‏قال إسحاق كما قال‏)‏ أي أحمد ‏(‏وكل من قال القول قوله فعليه اليمين‏)‏ يدل على ذلك رواية أحمد والنسائي التي ذكرنا قال الشوكاني قد استدل بالحديث من قال إن القول قول البائع إذا وقع الاختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد‏.‏ ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الاَخرة‏.‏ وهذا إذا لم يقع التراضي بينهما على التراد، فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج، والتراد مع التلت ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلى وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق، فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الاختلاف أحد فيما أعلم، بل اختلفوا في ذلك اختلافاً طويلاً على حسب ما هو مبسوط في الفروع‏.‏ ووقع الاتفاق في بعض الصور والاختلاف في بعض‏.‏ وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه‏"‏‏.‏ لأنه يدل بعمومه على أن اليمين على المدعى عليه‏.‏ والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعاً والاَخر مشتريا أو لا‏.‏ وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعياً أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الانفاق وهي حيث يكون البائع مدعياً فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجة‏.‏ وحديث إن اليمين على المدعى عليه عزاه المصنف يعني صاحب المنتقي في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم، وهو أيضاً في صحيح البخاري في الرهن وفي باب‏:‏ اليمين على المدعى عليه انتهى بقدر الحاجة‏.‏

863- باب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ فَضْلِ الْمَاء

1268- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْد الرّحْمَنِ الْعَطّارُ، عنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أبي الْمِنْهَالِ، عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُزَنيّ قَالَ‏:‏ نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المَاءِ‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ جَابرٍ وَبُهَيْسَةَ، عَنْ أبيهَا‏.‏ وَأَبي هُرَيْرَةَ وعَائِشَةَ وَأنَس وَعبدِ الله بنِ عَمْروٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ إيَاسٍ حَديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أكْثَر أَهْلِ العِلْمِ، أنّهُمْ كرِهُوا بَيْعَ المَاءِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ ابنِ المُبَارَكِ والشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَإسحَاقَ‏.‏ وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ في بَيْعِ المَاءِ‏.‏ مِنْهُمُ الحَسَنُ البَصْرِيّ‏.‏

1269- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثَنَا اللّيْثُ عنْ أبي الزّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنِ أبي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ، لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلاء‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَأبُو المنْهَالِ اسْمُهُ عبدُ الرّحْمَنِ بنُ مُطْعِم‏.‏ كُوفِيّ‏.‏ وَهُوَ الّذِي رَوَى عَنْهُ حَبيبُ بنُ أبي ثَابِتٍ‏.‏ وأبُو المنْهَالِ سَيّارُ بنُ سَلاَمَةَ، بَصْرِي‏.‏ صَاحِبُ أبي بَرْزَةَ الأسْلَمِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إياس بن عبد‏)‏ بغير إضافة يكنى أبا عوف له صحبة يعد في أهل الحجاز قوله‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء‏)‏ وفي رواية غير الترمذي عن بيع فضل الماء وفيه دليل على تحريم بيع فضل الماء والظاهر أنه لا فرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقد خصص من عموم أحاديث المنع من البيع للماء ما كان منه محرزاً في الاَنية لأنه يجوز بيعه قياساً‏.‏ على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس والخلاف في ذلك معروف في الأصول ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء على الاطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان رضي الله عنه اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من اشترى بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها‏"‏ الحديث‏.‏ فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى الله عليه وسلم لليهودي على البيع ويجاب بأن هذا كان في صدر الإسلام وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى الله عليه وسلم صالحهم في مبادي الأمر على ما كانوا عليه ثم استقرت الأحكام وشرع لأمته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير وأيضاً الماء هنا دخل تبعاً لبيع البئر ولا نزاع في جواز ذلك انتهى كلام الشوكاني ملخصاً قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وبهيسة عن أبيها وأبي هريرة وعائشة وأنس وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ نهى عن بيع فضل الماء‏.‏ وأما حديث بهيسة عن أبيها فأخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ أنه قال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء ثم أعاد فقال الملح وفيه قصة وأعله عبد الحق وابن القطان بأنها لا تعرف لكن ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة كذا في التلخيص‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه بسند صحيح‏:‏ ثلاث لا يمنعه من الماء والكلاء والنار‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه بلفظ أنها قالت‏:‏ يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه‏؟‏ قال‏:‏ الماء والملح والنار‏.‏ الحديث وإسناده ضعيف‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني في الصغير‏:‏ خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار‏.‏ وقال أبو حاتم في العلل‏:‏ هذا حديث منكر‏.‏ وأما حديث ابن عمرو فأخرجه الطبراني بسند حسن‏.‏ كذا في التلخيص في كتاب إحياء الموات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث إياس حديث حسن صحيح أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏ قوله والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنهم كرهوا بيع الماء الخ‏)‏ استدلوا على هذا بأحاديث الباب ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم في بيع الماء الخ‏)‏ وقد تقدم ذكر ما تمسكوا في كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يمنع‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏فضل الماء‏)‏ وهو الفاضل عن كفاية صاحبه ‏(‏ليمنع به الكلاء‏)‏ بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة‏.‏ وهو النبات رطبه يابسه والمعنى أن يكون حول البئر كلاء ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه‏.‏ إلا إذا مكنوا من سقى بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي‏.‏ وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور، وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية‏.‏ ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك‏.‏ ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم‏.‏ والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك‏.‏ والصحيح عند الشافعية، وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية‏.‏ وفرق الشافعي في ما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها، بخلاف الزرع‏.‏ وبهذا أجاب النووي وغيره‏.‏

864- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ عَسْبِ الفَحْل

‏(‏باب ما جاء في كراهية عسب الفحل‏)‏ بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضاً وفي آخره موحدة، ويقال له العسيب أيضاً، والفحل الذكر من كل حيوان فرساً كان أو جملاً أو تيساً وغير ذلك‏.‏ وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة‏:‏ نهى عن عسيب التيس‏.‏ قال في القاموس‏:‏ العسب ضراب الفحل أو ماؤه أو نسله‏.‏ والولد وإعطاء الكراء على الضراب والفعل كضرب انتهى

1270- حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَ أَبُو عَمّارٍ قَالا‏:‏ حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ قال‏:‏ أخبرنا عَلِيّ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ نَهَى النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبي سَعِيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ ابْنِ عمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعضِ أَهْلِ العِلْمِ‏.‏ وَقَدْ رَخّصَ بعضهم في قَبُولِ الكَرَامَةِ عَلَى ذلِكَ‏.‏

1271- حدثنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الله الْخُزَاعِيّ البَصْرِيّ‏.‏ حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ آدَمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ الرّؤَاسِيّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ محَمّدِ بْنِ إبْرَاهيمَ التّيمِيّ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ أَنّ رَجُلاً مِنْ كِلاَبٍ سَأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الفَحْل، فَنَهَاهُ‏.‏ فقَالَ‏:‏ يا رسُولَ الله إِنّا نُطْرِقُ الفَحْلَ فَنُكرَمُ‏.‏ فَرَخّصَ لَهُ في الكرَامَةِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهيمَ بنِ حُمَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بن عُروَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل‏)‏ قال في النهاية عسب الفحل ماؤه فرساً كان أو بعيراً أو غيرهما وعسبه أيضاً ضرابة يقال عسب الفحل الناقة يعسبها عسباً ولم ينه عن واحدة منهما وإنما أراد النهي عن الكراء الذي يؤخذ عليه فإن أعارة الفحل مندوب إليها، وقد جاء في الحديث‏:‏ ومن حقها إطراق فحلها‏.‏ ووجه الحديث أنه نهى عن كراء عسب الفحل فحذف المضاف وهو كثير في الكلام‏.‏ وقيل يقال الكراء الفحل عسب وعسب فحله يعسبه أي أكراه وعسبت الرجل إذا أعطيته كراء ضراب فحله فلا يحتاج إلى حذف مضاف وإنما نهى عنه للجهالة التي فيه ولا بد في الإجارة من تعيين العمل ومعرفة مقداره انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وأبي سعيد‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وتقدم لفظه‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ ولأنس غير حديث الباب عند الشافعي وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الدارقطني والبيهقي كذا في التلخيص وفي الباب عن علي عند الحاكم في علوم الحديث وابن حبان والبزار وعن البراء عند الطبراني وعن ابن عباس عنده أيضاً وعن جابر عند مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري وغيرهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم‏)‏ وهو قول الجمهور‏.‏ والنهي عندهم للتحريم وهو الحق، قال الحافظ في الفتح‏:‏ بيعه وكراءه حرام لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه وفي وجه للشافعية والحنابلة‏:‏ تجوز الإجارة مدة معلومة‏.‏ وهو قول الحسن وابن سيرين، ورواية عن مالك قواها الأبهري وغيره‏.‏ وحمل النهي على ما إذا وقع لأمد مجهول، وأما إذا استأجر مدة معلومة فلا بأس كما يجوز الاستيجار لتلقيح النخل‏.‏ وتعقب بالفرق لأن المقصود هنا ماء الفحل وصاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح انتهى‏.‏ وقال الشوكاني‏:‏ وأحاديث الباب ترد عليهم أي على من جوز إجارة الفحل للضراب مد معلومة لأنها صادقة على الإجارة‏.‏ قال صاحب الأفعال أعسب الرجل عسبا اكترى منه فحلاً ينزيه انتهى‏.‏ ‏(‏وقد رخص قوم في قبول الكرامة على ذلك‏)‏ أي قبول الهدية على ذلك وهو الحق كما يدل عليه حديث أنس الاَتي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه فإن أهدى للمعير هدية من المستعير بغير شرط جاز ثم ذكر الحافظ حديث أنس الأتى ثم قال‏:‏ ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعاً‏:‏ من أطرق فرساً فأعقب كان له كأجر سبعين فرساً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنا نطرق الفحل‏)‏ بضم النون وكسر الراء أي نعيره للضراب‏.‏ قال في النهاية‏:‏ ومنه الحديث‏:‏ ومن حقها إطراق فحلها‏.‏ أي إعارته للضراب، واستطرق الفحل استعارته لذلك ‏(‏فنكرم‏)‏ بصيغة المتكلم المجهول أي يعطينا صاحب الأنثى شيئاً بطريق الهدية والكرامة لا على سبيل المعارضة ‏(‏فرخص له في الكرامة‏)‏ أي في قبول الهدية دون الكراء، وفيه دليل على أن المعير إذا أهدى إليه المستعير هدية بغير شرط حلت له‏.‏ وقد ورد الترغيب في إطراق الفحل أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعاً‏:‏ من أطرق فرساً فأعقب كان له كأجر سبعين فرساً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد الخ‏)‏ قال في التنقيح‏:‏ وإبراهيم ابن حميد وثقة النسائي وابن معين وأبو حاتم وروى له البخاري ومسلم‏.‏ كذا في نصب الراية‏.‏

865- باب مَا جَاءَ في ثمنِ الكلْب

1272- حدثنا مُحَمّدُ بنُ رَافِعٍ‏.‏ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ‏.‏ أخبرنا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ، عَنْ إبْرَاهيمَ بنِ عَبْدِ الله بنِ قارِظٍ، عَنِ السّائِبِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ رَافِعِ بن خَدِيجٍ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏كَسْبُ الْحَجّامِ خَبِيثٌ‏.‏ وَمَهْرُ البَغِيّ خَبيثٌ‏.‏ وثمَنُ الكَلْبِ خَبيثٌ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وعلي وابنِ مَسْعُودٍ وأبي مسعود وَجَابرٍ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وابِن عَبّاسٍ وابن عُمرَ وعَبْدِ الله بن جَعْفَر‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسنٌ صَحِيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلمِ‏.‏ كرِهُوا ثَمنَ الكَلبِ‏.‏ وهُو قولُ الشّافعيّ وأحمد وإسْحاقَ‏.‏ وقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ في ثَمَنِ كلْبِ الصّيْدِ‏.‏

1273- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا الّليثُ عَن ابن شِهَابِ ح وحدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحمنِ المَخْزُومِي وَغَيرُ وَاحِد قَالُوا‏:‏ حَدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَينَةَ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ أبي بَكرِ بنِ عَبْدِ الرّحمنِ، عَنْ أبي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيّ، قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ثمَنِ الكَلْبِ ومَهرِ البَغِيّ وَحُلْوَانِ الكاهِنِ‏.‏

هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب‏)‏ فيه دليل على عدم صحة بيع الكلب مطلقاً وهو قول الجمهور‏.‏ ‏(‏ومهر البغي‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وهو فعيل بمعنى فاعله من بغت المرأة بغاء بالكسر إذا زنت‏.‏ ومنه قوله تعالى ‏{‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء‏}‏ ومهر البغي هو ما تأخذه الزانية على الزنا سماه مهراً مجازاً ‏(‏وحلوان الكاهن‏)‏ بضم الحاء المهملة وسكون اللام ما يعطاه على كهانته‏.‏ قال الهروي‏:‏ أصله من الحلاوة شبه المعطي بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذه سهلاً بلا كلفة ومشقة‏.‏ والكاهن هو الذي يتعاطى الإخبار عن الكائنات في المستقبل، ويدعي معرفة الأسرار‏.‏ وكانت في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور الكائنة، ويزعمون أن لهم تابعة من الجن تلقى إليهم الأخبار‏.‏ ومنهم من يدعى أنه يدرك الأمور بفهم أعطيه‏.‏ ومنهم من زعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بهما على مواقعها، كالشيء يسرق فيعرف المظنون به للسرقة، ومتهم المرأة بالزنية فيعرف من صاحبها ونحو ذلك‏.‏ ومنهم من يسمى المنجم كاهناً حيث أنه يخبر عن الأمور كإتيان المطر، ويجيء الوباء، وظهور القتال، وطالع نحس أو سعيد، وأمثال ذلك‏.‏ وحديث النهي عن إتيان الكاهن يشتمل على النهي عن هؤلاء كلهم وعلى النهي عن تصديقهم والرجوع إلى قولهم‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وحلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل‏.‏ وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كسب الحجام خبيث الخ‏)‏ أي مكروه لدناءته، قال القاضي‏:‏ الخبيث في الأصل ما يكره لرداءته وخسته ويستعمل للحرام، من حيث كرهه الشارع واسترذله كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى ‏{‏ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب‏}‏ أي الحرام بالحلال ولما كان مهر الزانية حراماً كان الخبث المسند إليه بمعنى الحرام، وكسب الحجام لما لم يكن حراماً لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره كان المراد من المسند إليه الثاني‏.‏ وأما نهي بيع الكلب فمن صححه كالحنفية فسره بالدناءة، ومن لم يصححه كأصحابنا فسره بأنه حرام انتهى قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ أخرجه الطبراني ذكره الزيلعي في نصب الراية ص 194 ‏(‏وابن مسعود‏)‏ لم أقف على حديثه ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه ابن حبان في صحيحه والدارقطني في سننه ذكره الزيلعي ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود ‏(‏وابن عمر‏)‏ أخرجه الحاكم ‏(‏وعبد الله بن جعفر‏)‏ لم أقف على حديثه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث رافع حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم كرهوا ثمن الكلب الخ‏)‏ قال الطيبي‏:‏ في الحديث دليل على أنه لا يصح بيعه وأن لا قيمة على متلفه سواء كان معلماً أو لا وسواء كان يجوز افتناؤه أم لا‏.‏ وأجاز أبو حنيفة بيع الكلب الذي فيه منفعة‏.‏ وأوجب القيمة على متلفه‏.‏ وعن مالك روايات‏:‏ الأولى- لا يجوز البيع وتجب القيمة‏.‏ والثانية- كقول أبي حنيفة والثالثة- كقول الجمهور انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره‏.‏ ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته‏.‏ وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف‏.‏ فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صح هذا المقيد للاحتجاج به‏.‏ واختلفوا أيضاً هل تجب القيمة على متلفه‏؟‏ فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال بالوجوب‏.‏ ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة انتهى‏.‏

866- باب مَا جَاءَ في كَسْبِ الْحَجّام

1274- حدثنا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ مُحيّصَةَ أَخَي بَنِي حَارَثَةَ، عَنْ أبِيهِ، أنّهُ اْستَأْذَنَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في إجارَة الْحَجّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا‏.‏ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتّى قَالَ ‏"‏اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ‏.‏ وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأبي جُحَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، وَالسّائِبِ بن يزيد‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ مُحَيّصَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وَقَالَ أحْمَدُ إنْ سَأَلَنِي حَجّامٌ نهَيْتُهُ، وَآخُذُ بِهذَا الْحدِيثِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن محيصة‏)‏ بتشديد التحتانية المكسورة ‏(‏في إجارة الحجام‏)‏ وفي رواية الموطإ في أجرة الحجام ‏(‏فلم يزل يسأله ويستأذنه‏)‏ أي في أن يرخص له في أكلها فإن أكثر الصحابة كانت لهم أرقاء كثيرون، وأنهم كانوا يأكلون من خراجهم ويعدون ذلك من أطيب المكاسب‏.‏ فلما سمع محيصة نهيه عن ذلك وشق ذلك عليه لاحتياجه إلى أكل أجرة الحجام‏.‏ تكرر في أن يرخص له في ذلك ‏(‏حتى قال‏)‏ صلى الله عليه وسلم ‏(‏اعلفه ناضحك‏)‏ بهمزة وصل وكسر اللام أي أطعمه قال في القاموس‏:‏ العلف كالضرب الشرب الكثير وإطعام الدابة كالإعلاف، والناضح هو الجمل الذي يسقى به الماء ‏(‏وأطعمه رقيقك‏)‏ أي عبدك لأن هذين ليس لهما شرف ينافيه دناءة هذا الكسب بخلاف الحر‏.‏ وهذا ظاهر في حرمته على الحر والحديث صحيح‏.‏ لكن الإجماع على تناول الحر له فيحمل النهي على التنزيه‏.‏ كذا ذكره ابن الملك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن رافع بن خديج‏)‏ أخرجه مسلم وغيره وقد تقدم ‏(‏وأبي جحيفة‏)‏ أخرجه البخاري ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجام فقال أطعمه ناصحك ‏(‏والسائب‏)‏ أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده‏.‏ ذكره الزيلعي في نصب الراية ص 194ج2‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث محيصة حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وأخرجه أيضاً مالك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد‏:‏ إن سألني حجام الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة، ويحرم الإنفاق على نفسه منها ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها، وأباحوها للعبد مطلقاً وعمدتهم حديث محيصة‏.‏

867- باب مَا جَاءَ في الرّخْصَةِ فِي كَسْبِ الْحَجّام

1275- حدثنا عَليّ بْنُ حُجْرٍ‏.‏ أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ أنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجّامِ‏؟‏ فَقَالَ أَنَسٌ‏:‏ احْتَجَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَحَجَمَه أبُو طَيْبَةَ‏.‏ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلّمَ أهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ ‏"‏إنّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِه الْحِجَامَةُ‏"‏ أوْ ‏"‏إنّ مِنْ أمْثَلِ دَوَائِكُمُ الْحِجَامَةَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عَلِي وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ أنَسٍ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَخّصَ بَعْضُ أهل الْعِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ في كَسبِ الْحَجّامِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد‏)‏ بالتصغير هو حميد الطويل ‏(‏وحجمه أبو طيبة‏)‏ بفتح مهملة فسكون تحتية ثم باء موحدة عبد لبني بياضة، واسمه نافع أو دينار أو مسيرة أقوال ‏(‏وأمر أهله‏)‏ أي ساداته ‏(‏فوضعوا عند من خراجه‏)‏ بفتح الخاء المعجمة هو ما يقدره السيد على عبده في كل يوم ويقال له ضريبة وغلة ‏(‏أو إن من أمثل دوائكم‏)‏ أي من أفضل دوائكم وأو للشك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي لينظر من أخرجه وابن عباس‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وابن عمر‏)‏ لينظر من أخرج حديثه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم قوله‏:‏ ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ اختلف العلماء في هذه المسألة فذهب الجمهور إلى أنه حلال‏.‏ واحتجوا بهذا الحديث يعني بحديث ابن عباس قال‏:‏ احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علم كراهية لم يعطه قال وقالوا هو كسب فيه دناءة وليس بمحرم فحملوا الزجر عنه على التنزيه‏.‏ ومنهم من أدعى النسخ وأنه كان حراماً ثم أبيح وجنح إلى ذلك الطحاوي، والنسخ لا يثبت بالاحتمال‏.‏ وذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد‏.‏ وقد ذكرنا مذهب أحمد فيما تقدم نقلاً عن الفتح‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وجمع ابن العربي بين قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كسب الحجام خبيث‏"‏، وبين إعطائه الحجام أجرته‏.‏ بأن محل الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل معلوم‏.‏ ويحمل الزجر على ما إذا كان على عمل مجهول‏.‏ قال وفي الحديث الأجرة على المعالجة بالطب والشفاعة إلى أصحاب الحقوق أن يخففوا منها‏.‏ وجواز مخارجة السيد لعبده كأن يقول له‏:‏ أذنت لك أن تكتسب على أن تعطيني كل يوم كذا وما زاد فهو لك انتهى‏.‏

868- باب مَا جَاءَ في كَرَاهيةِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسّنّوْر

‏(‏باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور‏)‏ بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو وبعدها راء وهو الهر

1276- حدثنا عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالاَ‏:‏ أنبأنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبي سُفيَانَ، عَنْ جَابرٍ قالَ‏:‏ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسّنّوْرِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ في إسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ‏.‏ ولا يصح في ثمن السنّور وَقَدْ رُوِيَ هذَا الْحَدِيثُ عَن الأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ أصْحَابِه، عَنْ جَابِرٍ‏.‏ وَاضْطَرَبُوا عَلى الأَعْمَش في رِوَايَةِ هذَا الْحَدِيثِ‏.‏ وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ ثَمَنَ الْهِرّ‏:‏ وَرَخّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أحمَدَ وَإسْحَاقَ‏.‏ وَرَوَى ابنُ فُضَيْل، عن الأَعْمَشِ، عَنْ أبي حَازِم عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، مِنْ غَيْرِ هذَا الوَجْهِ‏.‏

1277- حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى‏.‏ حَدّثَنا عَبْدُ الرّزّاقِ‏.‏ أخبرنا عُمَرُ بنُ زَيْدٍ الصّنْعَانِيّ عَنْ أبي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قالَ نَهَى النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أكْلِ الْهِرّ وَثَمَنِهِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ وَعُمَرُ بنُ زَيْدٍ، لا نَعْرِفُ كَبيِرَ أَحَدٍ رَوَى عَنْهُ، غَيْرَ عَبْدِ الرّزّاقِ‏.‏

‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور‏)‏ قال في شرح السنة‏:‏ هذا محمول على ما لا ينفع أو على أنه نهي تنزيه لكي يعتاد الناس هبته وإعارته والسماحة به كما هو الغالب فإن كان نافعاً وباعه صح البيع وكان ثمنه حلالاً‏.‏ هذا مذهب الجمهور وإلا ما حكى عن أبي هريرة وجماعة من التابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، واحتجوا بالحديث وأما ما ذكره الخطابي وابن عبد البر أن الحديث ضعيف فليس كما قالا بل هو صحيح‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ قلت‏:‏ لا شك أن الحديث صحيح فإن مسلماً أخرجه في صحيحه كما ستعرف‏.‏ وقال الشوكاني‏:‏ وفيه دليل على تحريم بيع الهر وبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر بن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر‏.‏ وحكاه المنذري أيضاً عن طاوس وذهب الجمهور إلى جواز بيعه‏.‏ وأجابوا عن هذا الحديث بأنه ضعيف‏.‏ وفيه أن الحديث صحيح رواه مسلم‏.‏ وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وإن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولا من المروءات‏.‏ ولا يخفى أن هذا إخراج النهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضى انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏في إسناده اضطراب‏)‏ قال المنذري‏:‏ والحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى من طريقين عن عيسى بن يونس وعن حفص بن غياث كلاهما عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ثم قال‏:‏ أخرجه أبو داود في السنن عن جماعة عن عيسى بن يونس‏.‏ قال البيهقي‏:‏ وهذا حديث صحيح على شرط مسلم دون البخاري‏.‏ إذ هو لا يحتج برواية أبي سفيان‏.‏ ولعل مسلماً إنما لم يخرجه في الصحيح لأن وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش قال‏:‏ قال جابر بن عبد الله فذكره ثم قال‏:‏ قال الأعمش أرى أبا سفيان ذكره فالأعمش كان يشك في وصل الحديث فصارت رواية أبي سفيان بذلك ضعيفة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب وعمر بن يزيد لا نعرف كبير أحد الخ‏)‏ والحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ وقال النسائي هذا منكر‏.‏ قال المنذري‏:‏ وفي إسناده عمر ابن زيد الصنعاني‏.‏ قال ابن حبان‏:‏ ينفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج به‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث‏.‏ وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ حديث بيع السنور لا يثبت رفعه‏.‏ هذا آخر كلامه‏.‏ وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث معقل وهو ابن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير قال‏:‏ سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور‏.‏ قال‏:‏ زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏.‏

869- باب

1278- أخبرنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ حَمّادِ بنَ سَلَمَةَ عَنْ أبي الْمُهَزّمِ، عَنْ أبي هُريرَةَ قَالَ‏:‏ نَهَى عَنْ ثمنِ الْكَلْبِ، إلاّ كَلْبَ الصّيْدِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ لاَ يَصِحّ مِنْ هذَا الْوَجْهِ‏.‏ وأبُو الْمُهَزمِ اسْمُهُ يزِيدُ بنُ سُفيَانَ‏.‏ وَتَكَلّمَ فيهِ شُعْبَةُ بنُ الْحَجّاج وضعّفه وقد رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ هذَا‏.‏ ولاَ يصِحّ إسْنَادُهُ أيَضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي المهزم‏)‏ بتشديد الزاي المكسورة التميمي البصري اسمه يزيد، وقيل عبد الرحمن بن سفيان متروك من الثالثة قاله الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن الكلب إلا كلب الصيد‏)‏ استدل به عطاء والنخعي على أنه يجوز بيع كلب الصيد دون غيره، لكن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وتكلم فيه شعبة بن الحجاج‏)‏ قال في الميزان روى عنه شعبة ثم تركه‏.‏ وقال النسائي‏:‏ متروك‏.‏ قال مسلم بن إبراهيم سمعت شعبة يقول كان أبو المهزم مطروحاً في مسجد ثابت لو أعطاه إنسان فلساً لحدثه سبعين حديثاً‏.‏ وقال مسلم سمعت شعبة يقول رأيت أبا المهزم ولو يعطي درهماً لوضع حديث انتهى قوله‏:‏ ‏(‏وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولا يصح إسناده أيضاً‏)‏ أخرجه النسائي قال الحافظ‏:‏ بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن في إسناده‏.‏ وقد وقع في حديث ابن عمر عند أبي حاتم بلفظ‏:‏ نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضارياً يعني مما يصيد وسنده ضعيف قال أبو حاتم هو منكر انتهى‏.‏

870- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَة بَيْعِ الْمُغَنّيَات

1279- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ أخبرنا بكْرُ بنُ مُضَرَ عنْ عُبيْدِ الله بن زَحْرٍ عنْ عَليّ بنِ يَزِيدَ، عنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ، عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تَبيعُوا القَيْنَاتِ وَلاَ تَشْتَرُوهُنّ‏.‏ ولاَ تُعَلّمُوهُنّ‏.‏ ولاَ خَيْرَ في تِجَارَةٍ فِيهِنّ‏.‏ وَثَمَنُهُنّ حَرَامٌ‏.‏ في مِثْلِ هذَا أُنْزِلَتْ هذِهِ الاَيَةُ ‏{‏ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عن سَبِيلِ الله‏}‏ إلى آخِرِ الاَيَةِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ عُمرَ بنِ الْخَطّابِ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أَبي أُمَامَةَ، إنمَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هذَا مِنْ هذَا الْوَجْهِ‏.‏ وقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلمِ في عَلِيّ بنِ يَزِيدَ وَضَعّفَهُ‏.‏ وهُوَ شَامِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بكر بن مضر‏)‏ بضم الميم وفتح الضاد غير منصرف ثقة ثبت ‏(‏عن عبيد الله بن زحر‏)‏ بفتح الزاي وسكون المهملة صدوق يخطئ‏.‏ ‏(‏عن علي بن يزيد‏)‏ ابن أبي زياد الألهاني الدمشقي صاحب القاسم بن عبد الرحمن ضعيف من السادسة ‏(‏عن القاسم‏)‏ هو ابن عبد الرحمن الدمشقي أبو عبد الرحمن احب أبي أمامة صدوق يرسل كثيراً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا تبيعوا القينات‏)‏ بفتح القاف وسكون التحتية في الصحاح‏.‏ القين الأمة مغنية كانت أو غيرها‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ وفي الحديث يراد بها المغنية لأنها إذا لم تكن مغنية فلا وجه للنهي عن بيعها وشرائها ‏(‏ولا نعلموهن‏)‏ أي الغناء فإنها رقية الزنا ‏(‏وثمنهن حرام‏)‏ قال القاضي‏:‏ النهي مقصور على البيع والشراء لأجل التغني، وحرمه ثمنها دليل على فساد بيعها والجمهور صحح بيعها‏.‏ والحديث مع ما فيه من الضعف للطعن في روايته مؤول بأن أخذ الثمن عليهن حرام كأخذ ثمن العنب من النباذ لأنه إعانة، وتوصل إلى حصول محرم لا لأن البيع غير صحيح انتهى‏.‏ ‏{‏ومن الناس من يشتري لهو الحديث‏}‏ أي يشتري الغناء والأصوات المحرمة التي تلهي عن ذكر الله‏.‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ الإضافة فيه بمعنى من البيان، نحو جبة خز وباب ساج أي يشتري اللهو من الحديث‏.‏ لأن اللهو يكون من الحديث، ومن غيره‏.‏ والمراد من الحديث المنكر فيدخل فيه نحو السمر بالأساطير وبالأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرافات والمضاحيك والغناء وتعلم الموسيقى وما أشبه ذلك‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عبد الله سئل عن قوله تعالى ‏{‏ومن الناس من يشتري لهو الحديث‏}‏ قال‏:‏ الغناء والذي لا إله غيره‏.‏ وأخرجه الحاكم وصححه والبيهقي كذا في التلخيص‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر بن الخطاب‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي أمامة إنما نعرفه مثل هذا من هذا لوجه‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه ‏(‏وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد الخ‏)‏‏.‏ قال البخاري‏:‏ منكر الحديث‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة‏.‏ وقال أبو زرعة‏:‏ ليس بقوى‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ متروك‏.‏ كذا في الميزان‏.‏

871- باب مَا جَاء في كَرَاهِيَةِ الفرق بَيْنَ الاخَوَيْنِ أوْ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا في البَيْع

1280- حدثنا عُمَرَ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانِيّ‏.‏ أخبرنا عبدُ الله بنُ وَهْبٍ قالَ‏:‏ أخْبَرَنِي يحُيَىّ بنُ عبدِ الله، عنْ أبي عَبْدِ الرّحْمنِ الحبلّى، عَنْ أبي أيّوب قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏مَنْ فَرّقَ بَيْنَ الِوالدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرّقَ الله بَيْنَهُ وَبَيْنَ أحِبّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

1281- حدثنا الحَسْنُ بنُ قزعة‏.‏ أخبرنا عبدُ الرّحمنِ بنُ مَهْدِي عنْ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عنِ الحَجّاجِ، عن الحكم عنْ مَيْمُونِ بنِ أبي شَبِيبٍ عَنْ عَلِي قالَ‏:‏ وَهَبَ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غُلاَمَيْنِ أخَوَينِ‏.‏ فَبِعْتُ أحَدَهُمَا‏.‏ فقَالَ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يَا عَلِيّ مَا فَعَلَ غُلاَمُكَ‏"‏‏؟‏ فَأَخْبَرْتُهُ فقَالَ ‏"‏رُدّهُ، رُدّهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، التّفْرِيقَ بَيْنَ السّبْيِ في الْبَيْعِ‏.‏

وَرَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ في التّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَولدَاتِ الّذِين وُلِدُوا في أرْضِ الاسْلاَمِ‏.‏ والقَوْلُ الأوّلُ أَصَحّ‏.‏ وَرُوِيَ عنْ إبْرَاهِيمَ النخعي أنّهُ فَرّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وولَدِهَا في الْبَيْعِ‏.‏ فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ‏؟‏ فقَالَ‏:‏ إنّي قَدِ اسْتأَذَنْتُهَا في ذلكَ‏.‏ فَرَضِيَتْ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من فرق‏)‏ بتشديد الراء ‏(‏بين والدة وولدها‏)‏ أي ببيع أوهبة أو خديعة بقطيعة وأمثالها، وفي معنى الوالدة الوالد بل وكل ذي رحم محرم‏.‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ أراد به التفريق بين الجارية وولدها بالبيع والهبة وغيرهما‏.‏ وفي شرح السنة وكذلك حكم الجدة وحكم الأب والجد وأجاز بعضهم البيع مع الكراهة وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة كما يجوز التفريق بين البهائم‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ إنما كره التفريق بين السبايا في البيع، وأما الولد فلا بأس‏.‏ ورخص أكثرهم في التفريق بين الأخوين، ومنع بعضهم لحديث علي أي الاَتي واختلفوا في حد الكبر المبيح للتفريق قال الشافعي هو أن يبلغ سبع سنين أو غايته وقال الأوزاعي حتى يستغني عن أبيه وقال مالك حتى يصغر وقال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله حتى يحتلم‏.‏ وقال أحمد‏:‏ لا يفرق بينهما وإن كبر واحتلم، وجوز أصحاب أبي حنيفة التفريق بين الأخوين الصغيرين فإن كان أحدهما صغيراً لا يجوز‏.‏ كذا في المرقاة ‏(‏فرق الله بينه وبين أحبته‏)‏ أي من أولاده ووالديه وغيرهما ‏(‏يوم القيامة‏)‏ أي في موقف يجتمع فيه الأحباب ويشفع بعضهم بعضاً عند رب الأرباب فلا يرد عليه قوله تعالى ‏{‏يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه‏}‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي وأحمد والحاكم في المستدرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا علي ما فعل‏)‏ بالفتح أي صنع ‏(‏غلامك‏)‏ أي الغائب ‏(‏فأخبرته‏)‏ أي أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم ببيعه ‏(‏رده‏)‏ أي رد البيع ‏(‏رده‏)‏ كرره للتأكيد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وهو من رواية ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه‏.‏ وقد أعله أبو داود بالانقطاع بينهما وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه لشواهده انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم التفريق بين السبي في البيع‏)‏ وكذا في غير البيبع كالهبة‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ في أحاديث الباب دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين، أما بين الوالدة وولدها فقد حكى في البحر عن الإمام يحيى إنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه‏.‏ وقد اختلف في انعقاد البيع فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد‏.‏ وقال أبو حنيفة وهو قول للشافعي‏:‏ أنه ينعقد وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن وأجاب عن ذلك صاحب البحر بأنه مقيس على الأم‏.‏ ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب فالتعويل عليه إن صح أولى من التعويل على القياس‏.‏ وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفريق بينهم قياساً‏.‏ وقال الإمام يحيى والشافعي‏:‏ لا يحرم‏.‏ والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الإخوة‏.‏ وأما بين من عداهم من الأرحام فإلحاقه بالقياس فيه نظر، لأنه لا تحصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه فلا إلحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص‏.‏ وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة‏.‏ انتهى كلام الشوكاني‏.‏ قلت‏:‏ المراد بحديث أبي موسى الذي أشار إليه الشوكاني حديثه الذي أخرجه ابن ماجه والدارقطني عنه قال‏:‏ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه‏.‏ ‏(‏والقول الأول أصح‏)‏ يعني صحيح فإنه يدل عليه أحاديث الباب‏.‏ وأما من رخص في التفريق مطلقاً فأحاديث الباب حجة عليه‏.‏ اعلم أنه قد استدل على جواز التفريق بعد البلوغ بحديث سلمة بن الأكوع، فأخرج احمد ومسلم وأبو دواد عنه قال‏:‏ خرجنا مع أبي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا‏.‏ الحديث‏.‏ وفيه قال‏:‏ فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من آدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله، فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوباً حتى قدمت المدينة، ثم بت فلم أكشف لها ثوباً‏.‏ وفيه‏:‏ فقلت هي لك يا رسول الله قال فبعث بها إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة‏.‏ قال صاحب المنتقي بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه‏:‏ وهو حجة في جواز التفريق بعد البلوغ انتهى‏.‏

قال الشوكاني قوله‏:‏ فلم أكشف لها ثوباً كناية عن عدم الجماع‏.‏ والظاهر أن البنت قد كانت بلغت قال‏:‏ وقد حكى في الغيث الإجماع على جواز التفريق بعد البلوغ، فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم إلا أن يقال إنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة‏.‏ وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ‏:‏ لا تفرق بين الأم وولدها قيل إلى متى‏؟‏ قال‏:‏ حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية‏.‏ وهذا نص على المطلوب صريح لولا أن في إسناده عبد الله بن عمرو الواقفي وهو ضعيف، وقد رماه على بن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره‏.‏ وقد استشهد له الدارقطني بحديث سلمة المذكور‏.‏ ولا شك أن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين الكبير والصغير انتهى كلام الشوكاني فتفكر وتأمل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروي عن ابراهيم أنه فرق الخ‏)‏ لم أقف على من أخرجه، وفي قول إبراهيم هذا كلام كما لا يخفى والله تعالى أعلم‏.‏

872- باب مَا جَاء فيمَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَيَسْتَغلّهُ ثمّ يَجِدُ بِهِ عَيْبا

‏(‏باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله الخ‏)‏ قال في النهاية الغلة الداخل الذي يحصل من الزرع والثمر واللبن والإجارة والنتاج ونحو ذلك انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح ما يقدره السيد على عبده في كل يوم يقال لها الخراج والضريبة والغلة انتهى‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ الغلة الدخل من كراء دار، وأجر غلام، وفائدة أرض وأغلت الضيعة أعطتها واستغل عبده كلفه أن يغل عليه انتهى

1282- حدثنا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى‏.‏ حدّثنَا عثمانُ بنُ عُمَرَو أبوُ عَامِر العَقَديّ‏.‏ عنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ، عنْ مَخْلَدِ بنِ خُفَافٍ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَائِشَةَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى أنّ الخَرَاجَ بالضّمَانِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحديثُ مِنْ غيْرِ هذَا الوَجْهِ‏.‏ والعَمَلُ عَلى هذَا عِنْدَ أهلِ العِلْمِ‏.‏

1283- حدثنا أبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ‏.‏ أخبرنا عُمَرُ بنُ عَلي المقدّمىّ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبيهِ، عنْ عَائِشَةَ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أنّ الخَرَاجَ بِالضّمانِ‏.‏ قال هذا حديثٌ حسن صحيحٌ، غَريبٌ مِنْ حدِيثِ هِشَامِ بن عُرْوَةَ‏.‏

قال أبو عيسى وقَدْ رَوَى مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ الزنْجِيّ هَذَ الْحَديِثَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ‏.‏ وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عنْ هِشَامٍ أيْضاً‏.‏ وحدِيثُ جَرِيرٍ يُقَالُ تَدْلِيسٌ دَلّسَ فيهِ جَريرٌ‏.‏ لَمْ يسْمَعْهُ مِنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ‏.‏

وتَفْسِيرُ الخَرَاجِ بِالضّمانِ، هُوَ الرّجُلُ يَشْتَرِي العَبدَ فيستغلّهُ ثُمّ يَجِدُ بِهِ عَيْباً فَيرُدّهُ عَلَى الْبَائِعِ‏.‏ فالْغَلّةُ لِلْمُشْتَري‏.‏ لأنّ العَبْدَ لَوْ هَلَكَ، هَلَكَ منْ مَالِ المُشْتري‏.‏ ونَحْوُ هذَا مِنَ المسَائِلِ، يَكُونُ فيهِ الخَرَاجُ بالضّمَانِ‏.‏ قال أبو عيسى واسْتَغْربَ محَمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ هذَا الحديثَ، مِنْ حدِيثِ عُمرَ بنِ عَلِيَ قلت‏:‏ تراه تدليساّ قال لا‏.‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو عامر العقدي‏)‏ بعين وقاف مفتوحتين ودال مهملة واسمه عبد الملك بن عمرو ‏(‏عن مخلد‏)‏ بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ‏(‏بن خفاف‏)‏ بضم الخاء المعجمة وفائين بوزن غراب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قضى أن الخراج بالضمان‏)‏ قال الطيبي رحمه الله الباء في بالضمان متعلقة بمحذوف تقديره الخراج مستحق بالضمان‏.‏ أي بسببه‏.‏ وقيل الباء للمقابلة والمضاف محذوف أي منافع المبيع بعد القبض تبقى للمشتري في مقابلة الضمان اللازم عليه بتلف المبيع ونفقته ومؤنته‏.‏ ومنه قوله‏:‏ من عليه غرمه فعليه غنمه‏.‏ والمراد بالخراج ما يحصل من علة العين المبتاعة عبداً كان أو أمة أو ملكاً‏.‏ وذلك أن يشتريه فيستغله زماناً ثم بعثر منه على عيب قديم لم يطلعه البائع عليه أو لم يعرفه فله رد العين المعيبة وأخذ الثمن ويكون للمشتري ما استغله لأن المبيع لو تلف في يده لكان من ضمانه ولم يكن له على البائع شيء‏.‏ وفي شرح السنة قال الشافعي رحمه الله فيما يحدث في يد المشتري من نتاج الدابة وولد الأمة ولبن الماشية وصوفها وثمر الشجرة أن الكل يبقى للمشتري وله رد الأصل بالعيب‏.‏ وذهب أصحاب أبي حنيفة رحمه اللهإلى أن حدوث الولد والثمرة في يد المشتري يمنع رد الأصل بالعيب بل يرجع بالأرش‏.‏ وقال مالك رحمه الله‏:‏ يرد الولد مع الأصل ولا يرد الصوف ولو اشترى جارية فوطئت في يد المشتري بالشبهة أو وطأها ثم وجد بها عيباً فإن كان ثيباً ردها والمهر للمشتري ولا شيء عليه إن كان هو الواطئ وإن كانت بكراً فافتضت فلا رد له‏.‏ لأن زوال البكارة نقص حدث في يده بل يسترد من الثمن بقدر ما نقص العيب من قيمتها‏.‏ وهو قول مالك والشافعي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه‏)‏ وأخرجه الترمذي بعد هذا بسند آخر وصححه‏.‏ قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذا الحديث‏.‏ رواه الخمسة وضعفه البخاري وأبو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏واستغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث‏)‏ أي جعله غريباً ‏(‏وقد روى مسلم بن خالد الزنجي‏)‏ ففيه صدوق كثير الأوهام كذا في التقريب ‏(‏وحديث جرير يقال تدليس‏)‏ أي مدلس ‏(‏دلس فيه جرير‏)‏ معنى التدليس أي يروي الراوي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه بصيغة تحتمل السماع كلفظة قال، وعن قوله‏:‏ ‏(‏هو الرجل الذي يشتري العبد فيستغله‏)‏ أي يأخذ غلته ‏(‏فالغلة للمشتري‏)‏ لا للبائع ‏(‏لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري‏)‏ أي لم يكن على البائع شيء أي الخراج مستحق بسبب الضمان‏.‏

873- بابُ ما جَاء في الرّخْصَةِ في أكْلِ الثّمَرةِ لِلْمَارّ بها

1284- حدثنا مُحَمّدُ بنُ عبْدِ المَلِكِ بنِ أبي الشّوَارِبِ‏.‏ حدّثنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عنْ عُبيدِ الله بنِ عُمَرَ، عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏مَنْ دَخَلَ حَائِطاً فَلْيَأكُلْ ولاَ يَتّخِذْ خُبْنَةً‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ عبدِ الله بنِ عَمْرو وَعَبّادِ بنِ شُرَحْبِيلَ ورَافِعِ بنِ عَمْرو وَعُمَيْرٍ مَوْلَى آبي اللّحْمِ وأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ غريبٌ‏.‏ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ هذا الوَجْهِ إلاّ مِنْ حديثِ يَحْيَى بن سُلَيم‏.‏ وقَدْ رَخّصَ فِيهِ بعضُ أهْلِ العلم لابنِ السّبِيلِ في أكلِ الثّمَار‏.‏ وكَرِهَهُ بعضُهُمْ إلاّ بالثّمَنِ‏.‏

1285- حدثنا أَبُو عَمّارٍ‏.‏ حدّثنَا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عنْ صَالِحِ بنِ أبي حُبَيْرٍ عنْ أَبِيهِ، عنْ رَافِعِ بنِ عَمْروٍ، قالَ‏:‏ كُنْتُ أَرْمِي نَخْلَ الأنْصَارِ‏.‏ فأَخَذُونِي فذَهَبُوا بِي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقَالَ ‏"‏يَا رَافِعُ لِمَ تَرْمِي نَخْلهُمْ‏"‏‏؟‏ قالَ قلت‏:‏ يا رسولَ الله الْجُوعُ‏.‏ قالَ ‏"‏لاَ تَرْمِ‏.‏ وَكُلْ مَا وَقَعَ‏.‏ أشْبَعكَ الله وَأرْوَاكَ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ غرِيبٌ‏.‏

1286- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنَا اللّيْثُ عنِ ابنِ عَجْلاَنَ، عنْ عَمْرو بن شُعَيْب، عنْ أبيهِ، عنْ جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الثّمَرِ الْمُعَلّقِ‏.‏ فقَالَ مَنْ ‏"‏أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ، غَيْرَ مُتّخِذٍ خُبْنَةً، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب‏)‏ قال في التقريب صدوق من كبار للعاشرة ‏(‏حدثنا يحيى بن سليم‏)‏ هو الطائفي كما هو مصرح عند ابن ماجه‏.‏ قال في التقريب‏:‏ يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ انتهى‏.‏ وقال في مقدمة فتح الباري‏:‏ وثقة ابن معين والعجلي وابن سعد‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ محله الصدق ولم يكن بالحافظ‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمرو‏.‏ وقال الساجي‏:‏ أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمرو‏.‏ قال يعقوب بن سفيان‏:‏ كان رجلاً صالحاً وكتابه لا بأس به، فإذا حدث من كتابه فحديثه حسن‏.‏ وإذا حدث حفظاً فيعرف وينكر انتهى‏.‏ قلت‏:‏ حديث الباب رواه يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من دخل حائطاً فليأكل‏)‏ أي من ثماره ‏(‏ولا يتخذ خبنة‏)‏ بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وبعدها نون وهي طرف الثوب أي لا يأخذ منه شيئاً في ثوبه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه أبو داود في اللقطة والنسائي في الزكاة وابن ماجه والترمذي في هذا الباب‏.‏ ‏(‏وعباد بن شرحبيل‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه ‏(‏ورافع بن عمرو‏)‏ الغفاري أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي ‏(‏وعمير مولى آبي اللحم وأبي هريرة‏)‏ لينظر من أخرج حديثهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث غريب الخ‏)‏‏.‏ قال البيهقي‏:‏ لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام البيهقي هذا، والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة للصحيح وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد رخص فيه بعض أهل العلم لابن السبيل في أكل الثمار وكرهه بعضهم إلا بالثمن‏)‏ قال النووي في شرح المهذب‏:‏ اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية‏.‏ قال الجمهور لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور‏.‏ وقال بعض السلف لا يلزمه شيء وقال أحمد‏:‏ إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة‏.‏ في أصح الروايتين ولم لم يحتج لذلك‏.‏ وفي الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالين‏.‏ وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث‏.‏ قال البيهقي‏:‏ يعني حديث ابن عمر مرفوعاً‏:‏ إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة أخرجه الترمذي واستغربه كذا في فتح الباري‏.‏ قلت‏:‏ قد ضعف البيهقي هذا الحديث فقال‏:‏ لم يصح وجاء من أوجه غير قوية‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح وقد نقلنا آنفاً كلام البيهقي‏.‏ وكلام الحافظ‏.‏ ويأتي بقية الكلام في هذه المسألة في باب احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن الثمر‏)‏ بفتحتين ‏(‏المعلق‏)‏ أي المدلى من الشجر ‏(‏من أصاب منه‏)‏ أي من الثمر ‏(‏من ذي حاجة‏)‏ بيان لمن أي فقير أو مضطر ‏(‏غير متخذ‏)‏ بالنصب على أنه حال من فاعل أصاب ‏(‏خبنة‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب أي لا يأخذ منه في ثوبه يقال أخبن الرجل إذا خبأ شيئاً في خبنة ثوبه أو سراويله انتهى ‏(‏فلا شي عليه‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ أي فلا إثم عليه لكن عليه ضمانه أو كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ‏.‏ وأجاز ذلك أحمد من غير ضرورة كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت أرمي نخل الأنصار‏)‏ وفي رواية أبي داود كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار ‏(‏وكل ما وقع‏)‏ أي سقط‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏

874- باب مَا جَاءَ في النّهْيِ عنِ الثّنيَا

‏(‏باب ما جاء في النهي عن الثنيا‏)‏ بضم المثلثة على وزن الدنيا اسم من الاستثناء، وهي في البيع أن يستثنى شيئاً مجهولاً

1287- حدثنا زِيَادُ بنُ أَيّوبَ الْبَغْدَادِيّ‏.‏ أخبرنا عَبّادُ بنُ الْعَوّامِ قال‏:‏ أَخْبرَنِي سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ عنْ يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ، عنْ عَطَاءٍ، عنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَىَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ والْمُزَابَنَةِ والْمُخَابَرَةِ والثّنْيَا، إِلاّ أَنْ تُعْلَمَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، غرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجهِ، مِنْ حدِيث يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ عنْ عطَاءٍ، عنْ جَابرٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن المحاقلة والمزابنة‏)‏ تقدم تفسيرهما ‏(‏والمخابرة‏)‏ بالخاء المعجمة وهي كراء الأرض بالثلث والربع‏.‏ كما في رواية مسلم ‏(‏والثنيا‏)‏ أي إذا أفضت إلى الجهالة ‏(‏إلا أن تعلم‏)‏ بصيغة المجهول‏.‏ والمعنى إذا كان الاستثناء معلوماً فهو ليس بمنهى عنه، وإنما المنهي عنه هو الاستثناء المجهول‏.‏ قال ابن حجر المراد بالثنيا الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئاً ويستثنى بعضه، فإن كان الذي استثناه معلوماً من الأرض صح بالإتفاق‏.‏ وإن كان مجهولاً نحو أن يستثني شيئاً غير معلوم لم يصح البيع‏.‏ والحكمة في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح الخ‏)‏ وأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ نهى عن الثنياء‏.‏ أخرجه أيضاً بزيادة ‏"‏إلا أن تعلم‏"‏ النسائي وابن حبان في صحيحه‏.‏ وغلط ابن الجوزي فزعم أن هذا الحديث متفق عليه وليس الأمر كذلك‏.‏ فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا‏.‏