فصل: 24- كتاب الأطعمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


24- كتاب الأطعمة

1201- باب مَا جَاءَ عَلامَ كانَ يَأْكلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

1792- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حدثني أبي عن يُونُسَ عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ قال‏:‏ ‏"‏ما أَكَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوَانٍ ولا في سُكُرّجَةٍ ولا خُبِرَ لَهُ مُرَقّقٌ‏:‏ قال فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ‏:‏ فَعَلام مَا كانُوا يَأْكُلُونَ‏؟‏ قالَ‏:‏ على هَذِهِ السفَرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ قالَ محمدُ بنُ بَشّارٍ‏:‏ يُونُسُ هَذَا هُوَ يُونُسُ الإسْكَافُ‏.‏ وقد روى عَبْدُ الوَارِثِ بن سعيد عن سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو الإسكاف كما في رواية البخاري ووقع رواية ابن ماجه عن يونس بن أبي الفرات الإسكاف‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهو بصري وثقه أحمد وابن معين وغيرهما‏.‏ وقال ابن عدي‏:‏ ليس بالمشهور‏.‏ وقال ابن سعد‏:‏ كان معروفاً وله أحاديث‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ لا يجوز أن يحتج به كذا قال، ومن وثقه أعرف بحاله من ابن حبان، والراوي عنه هشام هو الدستوائي وهو من المكثرين عن قتادة وكأنه لم يسمع منه هذا انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على خوان‏)‏ الخاء بكسر الخاء المعجمة وبضم أي مائدة‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ الخوان الذي يؤكل عليه معرب، والأكل عليه لم يزل من دأب المترفين وصنيع الجبارين لئلا يفتقروا إلى التطاطؤ عند الأكل كذا في المرقاة‏.‏ وقال العيني في العمدة‏:‏ قوله على الخوان بسكر الخاء المعجمة وهو المشهور رجاء ضمها، وفيه لغة ثالثة إخوان بكسر الهمزة وسكون الخاء وهو معرب‏.‏ قال الجوالقي‏:‏ تكلمت به العرب قديماً‏.‏ وقال ابن فارس‏:‏ إنه اسم أعجمي‏.‏ وعن ثعلب‏:‏ سمي بذلك لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص‏.‏ وقال عياض‏:‏ إنه المائدة ما لم يكن عليه طعام ويجمع على أخونه في القلة وخوون بالضم في الكثرة‏.‏ قال العيني‏:‏ ليس فيما ذكر كله بيان هيئة الخوان وهو طيق كبير من نحاس تحته كرسي من نحاس ملزوق به طوله قدر ذراع يرص فيه الزباد ويوضع بين يدي كبير من المترفين ولا يحمله إلا اثنان فما فوقهما انتهى ‏(‏ولا سكرجة‏)‏ بضم السين والكاف والراء والتشديد إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم وهي فارسية، وأكثر ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها كذا في النهاية‏.‏ قيل والعجم كانت تستعملها في الكواميخ وما أشبهها من الجوارشات يعني المخللات على الموائد حول الأطعمة للتشهي والهضم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على هذه الصفة قط‏.‏ قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ تركه الأكل في السكرجة إما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذاك أو استصغاراً لها لأن عادتهم للاجتماع على الأكل أو لأنها كانت تعد لوضع الأشياء التي تعين على الهضم ولم يكونوا غالباً يشبعون فلم يكن لهم حاجة بالهضم انتهى‏.‏

‏(‏ولا خبز‏)‏ ماض مجهول ‏(‏له‏)‏ أي لأجله ‏(‏مرقق‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ أي ملين محسن كخبز الحوارى وشبهه، والترقيق التليين ولم يكن عندهم مناخل، وقد يكون المرقق الرقيق الموسع انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هذا هو متعارف، وبه جزم ابن الأثير قال‏:‏ الرقاق الرقيق مثل طوال طويل وهو الرغيف الواسع الرقيق‏.‏ وقال ابن الجوزي‏:‏ هو الخفيف كأنه مأخوذ من الراقاق وهي الخشبة التي يرقق بها انتهى ‏(‏نقلت‏)‏ القائل هو يونس ‏(‏فعلى ما‏)‏ وكذا في أكثر نسخ البخاري، وفي بعضها فعلام بميم مفردة أي فعلى أي شيء‏.‏

واعلم أن حرف الجر إذا دخل على ما الاستفهامية حذف الألف لكثرة الاستعمال لكن قد ترد في الاستعمالات القليلة على الأصل نحو قول حسان‏:‏ على ما قال يشتمني لئيم‏.‏

ثم اعلم أنه إذا اتصل الجار بما الاستفهامية المحذوفة الألف نحو حتام وعلام كتب معها بالألف لشدة الاتصال بالحروف ‏(‏قال‏)‏ أي قتادة ‏(‏على هذه السفر‏)‏ بضم ففتح جمع سفرة، في النهاية‏:‏ السفرة الطعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به كما سميت المزادة رواية وغيره ذلك من الأسماء المنقولة انتهى‏.‏ ثم اشتهرت لما يوضع عليه الطعام جلداً كان أو غيره ما عدا المائدة لما مر من أنه شعار المتكبرين غالباً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البخاري في الأطعمة والنسائي في الرقائق والوليمة وابن ماجه في الأطعمة‏.‏

1202- باب ما جاءَ في أَكْلِ الأَرْنَب

قال الحافظ في الفتح‏:‏ هو دويبة معروفة تشبه العناق لكن في رجليها طول يخلان بها، والأرنب اسم جنس للذكر والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى، ويقال للذكر أيضاً الخزز وزن عمر بمعجمات وللأنثى عكرشة وللصغير خرنق هذا هو المشهور‏.‏ وقال الجاحظ‏:‏ لا يقال أرنب إلا للأنثى، ويقال إن الأرنب شديدة الجبن كثيرة الشبق وأنها تكون سنة ذكراً وسنة أنثى وأنها تحيض ويقال إنها تنام مفتوحة العين انتهى‏.‏ ويقال للأرنب بالفارسية خركوش

1793- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ عن هِشَامِ بنِ زَيْدٍ قالَ سَمِعْتُ أنَساً يَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرّ الظّهْرَانِ فَسَعَى أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم خلْفَهَا، فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا بِمَرْوَةٍ فَبَعَثَ مَعِي بِفَخِذِهَا أوْ بِوَرِكِهَا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَهُ، قال قُلْتُ أكَلَهُ‏؟‏ قالَ قَبِلَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وعمّار ومحمدِ بنِ صَفْوَانَ‏.‏ ويُقَالُ محمدُ بنُ صَيْفِي‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعملُ على هذَا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ الْعِلْمِ لا يَرَوْنَ بَأَكْلِ اْلأَرْنَبِ بَأْساً‏.‏ وقد كَرِهَ بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ أكْلَ الأَرْنَبِ وقالُوا‏:‏ إنّهَا تُدْمى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام بن زيد‏)‏ بن أنس بن مالك الأنصاري ثقة من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنفجنا أرنباً‏)‏ بفاء مفتوحة وجيم ساكنة أي أثرنا، يقال نفج الأرنب إذا ثار وعدا وانتفج كذلك وأنفجته إذا أثرته من موضعه، ويقال إن الانتفاج الاقشعرار، فكأن المعنى جعلناها بطلبنا لها تنتفج، والإنتفاع أيضاً ارتفاع الشعر وانتفاشه ‏(‏بمر الظهران‏)‏ مر بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بفتح المعجمة بلفظ تثنية اسم موضع على مرحلة من مكة، وقد يسمى بإحدى الكلمتين تخفيفاً وهو المكان الذي تسميه عوام المصريين بطن مرو، والصواب مر بتشديد الراء ‏(‏فذبحها بمروة‏)‏ بفتح ميم وسكون راء حجر أبيض ويجعل منه كالسكين ‏(‏فبعث معي بفخذها أو بوركها‏)‏ هو شك من الراوي والورك بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ مؤنثة كذا في القاموس ‏(‏فأكله فقلت أكله، قال قبله‏)‏ قال الطيبي‏.‏ الضمير راجع إلى المبعوث أو بمعنى اسم الإشارة أي ذاك انتهى‏.‏ وحاصله أنه راجع إلى المذكور، وهذا الترديد لهشام بن زيد وقف جده أنساً على قوله أكله فكأنه توقف في الجزم به وجزم بالقبول‏.‏ وقد أخرج الدارقطني من حديث عائشة‏:‏ أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز فلما قمت أطعمني، وهذا الوصح لأشغر بأنه أكل منها لكن سنده ضعيف‏.‏ ووقع في الهداية للحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من أرنب حين أهدي إليه مشوياً وأمر أصحابه بالأكل منه، وكأنه تلقاه من حديثين فأوله من حديث الباب وقال ظهر ما فيه، والاَخر من حديث أخرجه النسائي من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة‏:‏ جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فوضعها بين يديه فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا، ورجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على موسى ابن طلحة اختلافاً كثيراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وعمار ومحمد بن صفوان ويقال محمد بن صيفي‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في باب الذبح بالمروة وأخرجه أيضاً ابن حبان والبيهقي، وأما حديث عمار فلينظر من أخرجه، وأما حديث محمد بن صفوان فأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عنه أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما، كذا في المنتقى والنيل‏.‏ وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث محمد بن صفوان هذا‏:‏ وفي رواية محمد بن صيفي، قال الدارقطني‏:‏ من قال محمد بن صيفي فقد وهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة كما في المنتقى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم لا يرون بأكل الأرنب بأساً‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أكل الأرنب حلال عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى أنهما كرهاها، دليل الجمهور هذا الحديث يعني حديث الباب مع أحاديث مثله ولم يثبت في النهي عنها شيء انتهى ‏(‏وقد كره بعض أهل العلم الخ‏)‏ كعبد الله بن عمرو من الصحابة وعكرمة من التابعين ومحمد بن أبي ليلى من الفقهاء واحتجوا بحديث خزيمة بن جزء‏:‏ قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب‏؟‏ قال لا آكله ولا أحرمه، قلت‏:‏ فإن آكل ما لا تحرمه ولم يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نبئت أنها تدمي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وسنده ضعيف، ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ‏:‏ جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها وزعم أنها تحيض، أخرجه أبو داود وله شواهد عن عمر عند إسحاق بن راهويه في مسنده انتهى‏.‏

قلت‏:‏ حديث عبد الله بن عمرو في سنده خالد بن الحويرث، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ قال عثمان بن سعيد الدارمي سألت يحيى بن معين عنه فقال لا أعرفه‏.‏ وقال ابن عدي‏:‏ إذا كان يحيى لا يعرفه فلا يكون له شهرة ولا يعرف، وذكره ابن حبان في الثقات انتهى‏.‏ وفي سنده أيضاً محمد ابنه وهو مستور كما صرح به الحافظ في التقريب وتهذيب التهذيب‏.‏ وأما حديث عمر فقال الحافظ في باب الضب بعد ذكره سنده‏:‏ حسن‏.‏

1203- باب ما جاءَ في أكْلِ الضّب

قال الحافظ‏:‏ هو دويبة تشبه الجرذون لكنه أكبر منه ويكنى أبا حسل ويقال للأنثى ضبة، ويقال إن لأصل ذكر الضب فرعين، ولهذا يقال له ذكران، وذكر ابن خالويه أن الضب يعيش سبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يوماً قطرة ولا يسقط له سن، ويقال بل أسنانه قطعة واحدة‏.‏ وحكى غيره أن أكل لحمه يذهب العطش، ومن الأمثال لا أفعل كذا حتى يرد الضب، بقوله من أراد أن لا يفعل الشيء لأن الضب لا يرد بل يكتفي بالنسيم وبرد الهواء ولا يخرج من جحره في الشتاء انتهى‏.‏ ويقال له بالفارسية سوسمار وبالهندية كوه

1794- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن أكْلِ الضّبّ، فقالَ‏:‏ ‏"‏لاَ آكُلُهُ ولاَ أُحَرّمُهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عُمَرَ وأبي سَعِيدٍ وابنِ عَبّاسٍ وثَابِتِ بنِ وَدِيعَة وجَابِرٍ وَعَبْدِ الرحمنِ بنِ حَسَنَةَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد اختلَفَ أهْلُ العِلْمِ في أكْلِ الضّبّ، فَرَخّصَ فيهِ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ وكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ‏.‏ ويُرْوَى عن ابنِ عَبّاسٍ أنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏أُكِلَ الضبّ على مَائِدَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإنّمَا تَرَكَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تَقَذّراً‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا آكله ولا أحرمه‏)‏ فيه جواز أكل الضب‏.‏ قال النووي‏:‏ أجمع المسلمون على أن أكل الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته، وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام، وما أظنه يصح عند أحد‏.‏ وإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ لما لم يكن الضب حراماً فما سبب عدم أكله صلى الله عليه وسلم‏:‏

قلت‏:‏ روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد‏:‏ أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال بعض النسوة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فقالوا‏:‏ هو ضب يا رسول الله، فرفع يده، فقلت‏:‏ أحرام هو يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، قال خالد‏:‏ فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر‏.‏ قال الحافظ قوله‏:‏ فأجدني أعافه أي أكره أكله‏.‏ ووقع في رواية سعيد بن جبير‏:‏ فتركهن النبي صلى الله عليه وسلم كالمتقذر لهن، ولو كن حراماً لما أكلن على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولما أمر بأكلهن، كذا أطلق الأمر، وكأنه تلقاه من الإذن المستفاد من التقرير، فإنه لم يقع في شيء من طرق حديث ابن عباس بصيغة الأمر إلا في رواية يزيد بن الأصم عند مسلم فإنها فيها‏:‏ فقال لهم كلوا، فأكل الفضل وخالد والمرأة، وكذا في رواته الشعبي عن ابن عمر‏:‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلوا وأطعموا فإنه حلال أو قال لا بأس به ولكنه ليس طعامي‏.‏ وفي هذا كله بيان سبب ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بسبب أنه ما اعتاده‏.‏ وقد ورد لذلك سبب آخر أخرجه مالك من مرسل سليمان بن يسار فذكر معنى حديث ابن عباس وفي آخره‏:‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كلا، يعني لخالد وابن عباس فإنني يحضرني من الله حاضرة‏.‏ قال المازري‏:‏ يعني الملائكة، وكان للحم الضب ريحاً فترك أكله لأجل ريحه كما ترك أكل الثوم مع كونه حلالاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا إن صح يمكن ضمه إلى الأول ويكون لتركه الاَكل من الضب سبيان انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وأبي سعيد وابن عباس وثابت بن وديعه وجابر وعبد الرحمن بن حسنة‏)‏ أما حديث عمر فأخرجه مسلم وابن ماجه عن جابر أن عمر بن الخطاب قال في الضب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمه، وأن عمر قال إن الله لينفع به غير واحد، وإنما طعام عامة الرعاء منه، ولو كان عندي طعمته‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عنه قال رجل يا رسول الله إنا بأرض مضبة فما تأمرنا‏؟‏ قال‏:‏ ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسحت فلم يأمر ولم ينه‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان عنه قال‏:‏ أهدت خالتي أم حفيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطاً وسمناً وأضباً،‏.‏ فأكل من الأقط والسمن وترك الأضب تقذراً‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ فأكل على مائدته، ولو كان حراماً لما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في نصب الراية‏.‏ وأما حديث ثابت بن وديعة فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضباباً قال فشويت منها ضباً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه، قال فأخذ عوداً فعد به أصابعه ثم قال‏:‏ إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواباً في الأرض وإني لا أدري أي الدواب هي، قال‏:‏ فلم يأكل ولم ينه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وسنده صحيح‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فأبى أن يأكل منه وقال لا أدري لعله من القرون التي مسخت‏.‏ وروى ابن ماجه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الضب ولكن قذره وإنه طعام عامة الرعاء وإن الله عز وجل لينفع به غير واحد ولو كان عندي لاَكلته‏.‏ وأما حديث عبد الرحمن بن حسنة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والطحاوي عنه قال‏:‏ نزلنا أرضاً كثيرة الضباب الحديث وفيه أنهم طبخوا منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون هذه فاكفئوها‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وسنده على شرط الشيخين إلا الضحاك فلم يخرجا له انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب فرخص فيه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم‏)‏ وهو قول الجمهور، وهو الراجح المعول عليه‏.‏ وقد استدلوا على ذلك بأحاديث تدل على إباحة أكله، فمنها حديث ابن عمر المذكور في الباب، ومنها أحاديث ابن عباس وعمر وجابر التي أشار إليها الترمذي وذكرنا ألفاظها، ومنها حديث خالد بن الوليد وقد تقدم لفظه، ومنها حديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم عنه قال‏:‏ كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه سعد فذهبوا يأكلون من لحم، فنادتهم امرأة من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لحم ضب فأمسكوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كلوا واطعموا فإنه حلال، أو قال لا بأس به ولكنه ليس من طعامي، كذا في نصب الراية‏.‏

ومنها حديث يزيد بن الأصم أخرجه مسلم والطحاوي عنه قال‏:‏ دعانا عروس بالمدينة فقرب إلينا ثلاثة عشر ضباً فآكل وتارك، فلقيت ابن عباس من الغد فأخبرته فأكثر القوم حوله حتى قال بعضهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه، فقال ابن عباس‏:‏ بئسما قلتم ما بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا محللاً ومحرماً، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو عند ميمونة وعنده الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى إذ قرب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل قالت له ميمونة إنه لحم ضب فكيف يده وقال‏:‏ هذا لحم لم آكله قط وقال لهم كلوا، فأكل منه الفضل وخالد بن الوليد والمرأة، وقالت ميمونة لا آكل من شيء إلا شيء يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ومنها حديث سليمان بن يسار المرسل وقد تقدم‏.‏

ومنها حديث أبي هريرة أخرجه الطحاوي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصحفة فيها ضباب، فقال كلوا فإني عائفه‏.‏

ومنها حديث خزيمة بن جزء أخرجه ابن ماجه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله جئتك لأسألك عن أحناش الأرض ما تقول في الضب‏؟‏ قال لا آكله ولا أحرمه، قال‏:‏ قلت فإني آكل مما لم تحرم، ولم يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ فقدت أمة من الأمم ورأيت خلقاً رابني ‏(‏وكرهه بعضهم‏)‏ قال الطحاوي في شرح الآثار‏:‏ وقد كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين‏.‏ واحتج لهم محمد بن الحسن بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له ضب فلم يأكله، فقام عليهم سائل فأرادت عائشة رضي الله عنها أن تعطيه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتعطيه ما لا تأكلين‏؟‏ قال محمد‏:‏ فقد دل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لنفسه ولغيره أكل الضب، قال فبذلك نأخذ‏.‏

قال الطحاوي‏:‏ ما في هذا دليل على الكراهة، قد يجوز أن يكون كره لها أن تطعمه السائل لأنها إنما فعلت ذلك من أجل أنها عافته ولولا أنها عافته لما أطعمته إياه، وكان ما تطعمه السائل فإنما هو لله تعالى، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكون ما يتقرب به إلى الله عز وجل إلا من خير الطعام، كما قد نهى أن يتصدق بالبسر الرديء والتمر الرديء‏.‏ قال فلهذا المعنى الذي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها الصدقة بالضب لا لأن أكله حرام انتهى‏.‏

واستدل لهم أيضاً بحديث ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وددت أن عندي خبرة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن، فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به، فقال‏:‏ في أي شيء كان هذا‏؟‏ قال‏:‏ في عكة ضب، قال‏:‏ ارفعه، أخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏

وأجيب عنه بأن أبا داود قال بعد روايته‏:‏ هذا حديث منكر على أنه ليس في هذا الحديث دلالة على تحريم أكل الضب أو على كراهته‏.‏ قال الطيبي‏:‏ إنما أمر برفعه لتنفر طبعه عن الضب لأنه لم يكن بأرض قومه، كما دل عليه حديث خالد، لا لنجاسة جلده وإلا لأمره بطرحه ونهاه عن تناوله‏.‏

واستدل لهم أيضاً بحديث عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضاً كثيرة الضباب الحديث، وفيه أنهم طبخوا منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون هذه فأفئوها، وبحديث عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب‏.‏ أخرجه أبو داود‏.‏

وأجيب عن ذلك بأن علة الأمر بالإكفاء والنهي عن الأكل إنما هي خشيته صلى الله عليه وسلم أن تكون الضباب من الأمة الممسوخة وعدم علمه بأن الأمة الممسوخة لا يكون لها نسل ولا عقب، فلما علم صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل لم يهلك قوماً أو يمسخ قوماً فيجعل لهم نسلاً ولا عاقبة ارتفعت العلة، ومن المعلوم أنه إذا ارتفعت العلة يرتفع المعلول، على أن هذين الحديثين لا يقاومان الأحاديث الصحيحة المتقدمة التي تدل صراحة على إباحة أكل الضب‏.‏ وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذين الحديثين والأحاديث الماضية وإن دلت على الحل تصريحاً وتلويحاً نصاً وتقريراً فالجمع بينها وبين هذا حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ وحينئذ أمر بإكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه، وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له، ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته، فدل على الإباحة وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره‏.‏ وتحمل الإباحة على من لا يتقذره ولا يلزم، من ذلك أنه يكره مطلقاً انتهى ‏(‏ويروى عن ابن عباس أنه قال‏:‏ أكل الضب الخ‏)‏ رواه البخاري ومسلم وتقدم لفظه‏.‏

1204- باب ما جَاءَ في أكْلِ الضّبُع

بفتح الضاد المعجمة وضم الباء الموحدة‏:‏ حيوان معروف يقال له بالفارسية كفتار وبالهندية بجو بكسر الجيم الموحدة وضم الجيم المشددة كما في نفائس اللغات ومخزن الأدوية وغيرهما، وقيل هو بالهندية هندار كما في غياث اللغات والأول هو الظاهر لأن الضبع معروف بنبش القبور، والحيوان الذي يقال له بالهندية هندار لم يعرف بنبش القبور قال في النيل‏:‏ ومن عجب أمره أنه يكون سنة ذكراً وسنة أنثى فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة وهو مولع بنبش القبور لشهوته للحوم بني آدم انتهى‏.‏

1795- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ عن عَبْدِ الله بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ عن ابنِ أبي عَمّارٍ، قالَ‏:‏ قُلْتُ لِجَابِرٍ‏:‏ ‏"‏الضّبُعُ صَيْدٌ هِيَ‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ، قال قُلْتُ آكُلُهَا‏؟‏ قالَ نَعَمْ، قال قلت‏:‏ أقَالَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد ذَهَبَ بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ إلى هذا وَلَمْ يَرَوْا بِأَكْلِ الضّبُعِ بَأْساً، وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ‏.‏ ورُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ في كَرَاهِيَةِ أكْلِ الضّبُعِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بالْقَوِيّ‏.‏ وقد كَرِهَ بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ أكْلَ الضّبُعِ، وهُوَ قَوْلُ ابنِ المُبَارَكِ‏.‏ قال يَحْيَى بن القَطّانِ‏:‏ وَرَوَى جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ هذا الحدِيثَ عن عَبْدِ الله بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ عن ابنِ أبي عَمّارٍ عن جَابِرٍ عن عُمَرَ قَوْلَهُ‏.‏ وحَدِيثُ ابنِ جُرَيْجٍ أصَحّ‏.‏ وابن ابي عمار هو عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي عمار المكي‏.‏

1796- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن إسماعيلَ بنِ مُسْلِمٍ عن عَبْدِ الكَرِيمِ بن أبي المخارق أبي أُمَيّةَ عن حِبّانَ بنِ جَزْء عن أخِيهِ خُزَيْمَةَ بنِ جَزْءٍ قالَ ‏"‏سألَتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أكْلِ الضّبُع قال‏:‏ أو يَأْكُلُ الضّبُعَ أحَدٌ‏؟‏ وسَأَلْتُهُ عَنْ الذّئْبِ ققال‏:‏ أو يَأْكُلُ الذّئْبَ أحَدٌ فيهِ خَيْرٌ‏؟‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بالقَوِيّ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ إسماعيلَ بنِ مُسْلِمٍ عن عَبْدِ الكَرِيمِ أبي أُمَيّةَ، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل وعبد الكريم أبي أمية وهُوَ عَبْدُ الكَرِيمِ بنُ قَيْسٍ بنُ أبي المُخَارِقِ، وَعَبْدُ الكَرِيمِ بنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيّ ثِقَةٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عبيد‏)‏ بالتصغير ‏(‏بن عمير بالتصغير أيضاً الليثي المكي ثقة من الثالثة، استشهد غازياً سنة ثلاث عشرة ومائة ‏(‏عن ابن أبي عمار‏)‏ هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار بفتح العين وتشديد الميم المكي حليف بني جميع الملقب بالقس ثقة عابد من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الضبع أصيد هي قال نعم‏)‏ زاد في رواية أبي داود ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم ‏(‏قلت آكلها‏)‏ بصيغة المتكلم ‏(‏قال نعم‏)‏ فيه دليل على أن الضبع حلال وبه قال الشافعي وأحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه النسائي والشعبي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي وقال الترمذي في علله‏:‏ قال البخاري حديث صحيح انتهى‏.‏ وقال الحافظ في التلخيص‏:‏ وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي، وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن أبي عمار فوهم لأنه وثقه أبو زراعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد ثم إنه لم ينفرد به انتهى وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا ولم يروا بأساً بأكل الضبع ‏(‏وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ وهو قول الشافعي، قال الشافعي‏:‏ ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير، ولأن العرب تسطييه وتمدحه انتهى ‏(‏وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في كراهية أكل الضبع الخ‏)‏ وهو حديث خزيمة بن جزء الاَتي بعد هذا ‏(‏وقد كره بعض أهل العلم أكل الضبع وهو قول ابن المبارك‏)‏ وهو قول أبي حنيفة ومالك، واستدل لهم بحديث خزيمة من جزء، وهو حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به كما ستقف عليه‏.‏ واستدل لهم أيضاً بأنها سبع، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، ويجاب بأن حديث الباب خاص فيقدم على حديث كل ذي ناب‏.‏ قال الخطابي في المعالم‏:‏ وقد اختلف الناس في أكل الضبع‏.‏ فروى عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضبع، وروى عن ابن عباس إباحة لحم الضبع، وأباح أكلها عطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وكرهه الثوري وأصحاب الرأي ومالك وروي ذلك عن سعيد بن المسيب واحتجوا بأنها سبع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع‏.‏ قال الخطابي‏:‏ وقد يقوم دليل الخصوص فينزع الشيء من الجملة، وخبر جابر خاص وخبر تحريم السباع عام انتهى‏.‏ وقال ابن رسلان‏:‏ وقد قيل من الضبع ليس لها ناب وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي انتهى ‏(‏وحديث ابن جريج‏)‏ أي المرفوع المذكور في الباب ‏(‏أصح‏)‏ فإن ابن جريج قد تابعه على رفعه إسماعيل بن أمية عند ابن ماجه، وأما جرير بن حازم فلم يتابعه أحد على وقفه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو معاوية‏)‏ اسمه محمد بن خاذم الضرير الكوفي ‏(‏عن إسماعيل بن مسلم‏)‏ هو المكي أبو إسحاق البصري ‏(‏عن حبان‏)‏ بكسر الحاء المهملة ‏(‏بن جزء‏)‏ بفتح الجيم بعدها زاي ثم همزة صدوق من الثالثة قاله في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته أخرج له الترمذي وابن ماجه حديثاً واحداً في السؤال عن الضب والأرنب والضبع والذئب وضعف إسناده الترمذي انتهى ‏(‏عن أخيه خزيمة بن جزء‏)‏ صحابي لم يصح الإسناد إليه قاله في التقريب‏.‏ قاتل في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه أخواه خالد وحبان‏.‏ قال أبو منصور البارودي لم يثبت حديثه لأنه من حديث عبد الكريم أبي أمية‏.‏ وقال البخاري في التاريخ لما ذكر حديثه في الحشرات‏:‏ فيه نظر‏.‏ وقال البغوي‏:‏ ولا أعلم له غيره‏.‏ وقال الأزدي لا يحفظ‏.‏ روى عنه إلا ‏"‏حبان‏"‏ ولا يحفظ له غير هذا الحديث، قال وفي إسناده نظر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع فقال‏:‏ ويأكل الضبع أحد‏؟‏‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري، وفي المشكاة‏:‏ أو يأكل الضبع أحد‏؟‏ في رواية ابن ماجه ومن يأكل الضبع ‏(‏وسألته عن أكل الذئب‏)‏ بالهمز ويبدل ‏(‏ويأكل‏)‏ وفي المشكاة أو يأكل أي أجهلت حكمه ويأكل ‏(‏الذئب أحد فيه خبر‏)‏ أي صلاح وتقوى، صفة أحد واستدل بهذا الحديث من قال بحرمته الضبع، والحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث ليس إسناده بالقوي لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم أبي أمية، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل وعبد الكريم أبي أمية‏)‏ قال الزيلعي في نصب الراية بعد نقل كلام الترمذي هذا، وضعفه ابن حزم بأن إسماعيل بن مسلم ضعيف وابن المخارق ساقط وحبان بن جزء مجهول انتهى‏.‏ وقال الحافظ في التقريب‏:‏ إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق ضعيف الحديث وقال في التلخيص‏:‏ وأما ما رواه الترمذي من حديث خزيمة بن جزء قال‏:‏ أيأكل الضبع أحد فضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الكريم أبي أمية والراوي عنه إسماعيل بن مسلم انتهى ‏(‏وهو عبد الكريم بن قيس هو بن أبي المخارق‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عبد الكريم بن أبي المخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة أبو أمية المعلم البصري نزيل مكة واسم أبيه قيس وقيل طارق ضعيف من السادسة‏.‏ وقد شارك الجزري في بعض المشائخ فربما التبس به على من لا فهم له انتهى ‏(‏وعبد الكريم بن مالك الجزري ثقة‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد مولى بني أمية وهو الخضرمي بالخاء والضاد المعجمتين نسبة إلى قرية من اليمامة ثقة متقن من السادسة انتهى‏.‏

تنبيه‏)‏ قال القاري في المرقاة معترضاً على قول الترمذي‏:‏ ليس إسناده بالقوي ما لفظه‏:‏ وفيه أن الحسن أيضاً يستدل به على أن الجهاد المستند إليه سابقاً يدل على أن صحيحه في نفس الأمر وإن كان ضعيفاً بالنسبة إلى إسناد واحد من المحدثين، ويقويه رواية ابن ماجه لفظه‏:‏ ومن يأكل الضبع، ويؤيده أن ذو ناب من السباع فأكله حرام، ومع تعارض الأدلة في التحريم والإباحة فالأحوط حرمته، وأما قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ الضبع لست آكله ولا أحرمه كما رواه الشيخان وغيرهما فيفيد ما اختاره مالك من أنه يكره أكله، إذ المكروه عنده ما أثم آكله ولا يقطع بتحريمه، ومقتضى قواعد أثمننا أن أكله مكروه كراهة تحريم لا أنه حرام محض لعدم دليل قطعي مع اختلاف فقهي انتهى كلام القاري بلفظه‏.‏

قلت‏:‏ في كلام القاري هذا أوهام وأغلاط، فأما قوله إن الحسن أيضاً يستدل به، ففيه أن لا شك أن الحديث الحسن يستدل به، لكن حديث خزيمة بن جزء هذا ليس بحسن بل هو ضعيف لا يصلح للاحتجاج كما عرفت‏.‏ وأما قوله إن اجتهاد المستند إليه سابقاً يدل على أنه صحيح في نفس الأمر الخ ففاسد، وقد بينا فساده فيما سبق‏.‏ وأما قوله ويقويه رواية ابن ماجه ولفظه‏:‏ ومن يأكل الضبع‏.‏ ففيه أن في رواية ابن ماجه أيضاً عبد الكريم فكيف تقويه‏.‏ وأما قوله إنه ذو ناب من السباع فممنوع وسند المنع حديث جابر المذكور في الباب، ولو سلم أنه ذو ناب من السباع فحرمته ممنوعة لهذا الحديث‏.‏ وأما قوله ومع تعارض الأدلة في التحريم والإباحة فالأحوط حرمته، ففيه أن هذا كان دليل الحرمة ودليل الإباحة كلاهما صحيحين، وأما إذا كان دليل الحرمة ضعيفاً ودليل الإباحة صحيحاً كما في ما نحن فيه فكون الحرمة أحوط ممنوع‏.‏ وأما قوله إن قوله‏:‏ عليه الصلاة والسلام الضبع لست آكله ولا أحرمه كما رواه الشيخان ولا غيرهما‏:‏ الضبع لست آكله ولا أحرمه بل رووا الضب لست آكله ولا أحرمه والضب غير الضبع‏.‏ قال الحافظ بن القيم في الإعلام‏:‏ وأما الضبع فروى عنه فيها حديث صححه كثير من أهل العلم بالحديث فذهبوا إليه وجعلوه مخصصاً لعموم أحاديث التحريم كما خصصت العرايا لأحاديث المزابنة، وطائفة لم تصححه وحرموا الضبع لأنها من جملة ذات الأنياب، وقالوا‏:‏ وقد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وصحت صحة لا مطعن فيها من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني قالوا‏:‏ وأما حديث الضبع فتفرد به عبد الرحمن بن أبي عمارة، وأحاديث تحريم ذوات الأنياب كلها تخالفه‏.‏

قالوا‏:‏ ولفظ الحديث يحتمل معنيين‏:‏ أحدهما أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيداً فقط، ولا يلزم من كونها صيداً جواز أكلها فظن جابر أن كونها صيداً يدل على أكلها فأفتى به من قوله، ورفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما سمعه من كونها صيداً‏.‏ فروى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي عمارة قال‏:‏ قلت لجابر بن عبد الله آكل الضبع‏؟‏ قال نعم، قلت أصيد هي‏؟‏ قال نعم، قلت أسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏؟‏ قال نعم‏.‏ وهذا يحتمل أن المرفوع منه هو كونها صيداً، ويدل على ذلك أن جرير بن حازم قال عن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمارة عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضبع فقال‏:‏ هي صيد وفيها كبش‏.‏

قالوا‏:‏ وكذلك حديث إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر يرفعه‏:‏ الضبع صيد إذا أصابه المحرم ففيه جزاء كبش مسن ويؤكل، قال الحاكم‏:‏ حديث صحيح، وقوله ويؤكل يحتمل الوقف والرفع، وإذا احتمل ذلك لم يعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تبلغ مبلغ التواتر في التحريم‏.‏

قالوا‏:‏ ولو كان حديث جابر صريحاً في الإباحة لكان فرداً، وأحاديث تحريم ذوات الأنياب مستفيضة متعددة، ادعى الطحاوي وغيره تواترها، فلا يقدم حديث جابر عليها‏.‏

قالوا‏:‏ والضبع من أخبث الحيوان وأشرهه وهو مغري بأكل لحوم الناس ونبش القبور الأموات وإخراجهم وأكلهم ويأكل الجيف ويكسر بنابه‏.‏

قالوا‏:‏ والله سبحانه قد حرم علينا الخبائث وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوات الأنياب، والضبع لا يخرج عن هذا وهذا‏.‏

قالوا‏:‏ وغاية حديث جابر يدل على أنها صيد يفدى في الإحرام ولا يلزم من ذلك أكلها، وقد قال بكر بن محمد‏:‏ سئل أبو عبد الله يعني الإمام أحمد عن محرم قتل ثعلباً، فقال عليه الجزاء هي صيد ولكن لا يؤكل، وقال جعفر بن محمد‏:‏ سمعت أبا عبد الله سئل عن الثعلب فقال‏:‏ الثعلب سبع فقد نص على أنه سبع وأنه يفدي في الإحرام، ولما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبشاً ظن جابر أنه يؤكل فأفتى به‏.‏

والذين صححوا الحديث جعلوه مخصصاً لعموم تحريم ذي الناب من غير فرق بينهما حتى قالوا‏:‏ ويحرم أكل كل ذي ناب من السباع إلا الضبع، وهذا لا يقع مثله في الشريعة أن يخصص مثلاً على مثل من كل وجه من غير فرقان بينهما، وبحمد الله إلى ساعتي هذه ما رأيت في الشريعة مسألة واحدة كذلك أعني شريعة التنزيل لا شريعة التأويل ومن تأمل لفظه صلى الله عليه وسلم الكريمة تبين له اندفاع هذا السؤال فإنه إنما حرم ما اشتمل على الوصفين أن يكون له ناب وأن يكون من السباع العادية بطبعها كالأسد والذئب والنمر والفهد، وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين وهو كونها ذات ناب وليست من السباع العادية ولا ريب أن السباع أخص من ذوات الأنياب، والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث المغتذي بها شبهها، فإن الغاذي شبيه بالمغذي، ولا ريب أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضبع حتى تجب التسوية بينهما في التحريم، ولا تعد الضبع من السباع لغة مرفوعاً انتهى ما في الأعلام‏.‏

قلت‏:‏ في أقوال المحرمين التي نقلها الحافظ ابن القيم خدشات، أما قولهم إن حديث الضبع انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار ففيه أنه ثقة ولم يتفرد به قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن أبي عمار فوهم لأنه وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أخذ ثم إنه لم ينفرد به انتهى‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها انتهى‏.‏

وأما قولهم‏:‏ لفظ الحديث يحتمل معنيين أحدهما أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيداً فقط، ففيه أن ظاهر الحديث يدل على أن جابراً رضي الله عنه رفع الأكل، وكونها صيداً كليهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده رواية أحمد بلفظ‏:‏ سألت جابر بن عبد الله عن الضبع فقال حلال، فقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال نعم‏.‏

وأما قولهم‏:‏ والضبع لا يخرج عن هذا وهذا، ففيه أن حديث جابر المذكور صحيح ثابت قابل للاحتجاج، فخورج الضبع عن هذا وهذا ظاهر، وللفريقين مقالات أخرى في ذكرها طول‏.‏

1205- باب ما جَاء في أكْلِ لُحُومِ الْخَيْل

1797- حدثنا قُتَيْبَةُ وَ نَصْرُ بنُ عليّ قالا حدثنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن جَابِرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏أطْعَمَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْخَيْلِ وَنَهَانَا عن لُحُومِ الْحُمُرِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أسْمَاءِ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهكذَا رَوَى غَيْرُ واحِدٍ عن عَمْرو بنِ دِينَارٍ عن جَابِرٍ‏.‏ وَرَواه حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن محمدِ بنِ عليّ عن جَابِرٍ، وَرِوَايَةُ ابنِ عُيَيْنَةَ أصَحّ‏.‏ قال وَسَمِعْتُ محمداً يقولُ‏:‏ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ أحْفَظُ مِنْ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالا حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ رخص في لحوم الخيل، وفي رواية مسلم‏:‏ أذن بدل رخص، وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني‏:‏ أمر‏:‏ قال الطحاوي في شرح الآثار‏:‏ وذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل، وخالفه صاحباه وغيرهما، واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها، ولو كان ذلك مأخوذاً من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق، ولكن الآثار إذ صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت أولى أن يقال بها من النظر، ولا سيما إذا قد أخبر جابر أنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر الأهلية، فدل ذلك على اختلاف حكمها انتهى كلام الطحاوي‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال الطحاوي ولا شك أن القول بحل أكل لحوم الخيل من دون كراهة هو الحق لأحاديث الباب التي هي صحيحة صريحة في الحل، وهو قول جمهور أهل العلم، وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد‏.‏ فأخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عطاء قال‏:‏ لم يزل سلفك يأكلونه، قال ابن جريج‏:‏ قلت له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال نعم، ذكره الحافظ في الفتح‏.‏ قال النووي‏:‏ اختلف العلماء في إباحة لحوم الخيل، فمذهب الشافعي الجمهور من السلف والخلف أنه مباح لا كراهة فيه، وبه قال عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريج وسعد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن سلمان وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وداود وجماهير المحدثين وغيرهم، وكرهها طائفة منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة، قال أبو حنيفة‏:‏ يأثم بأكله ولا يسمى حراماً انتهى كلام النووي‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ وصح الكراهة عن الحكم ابن عيينة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية والحنيفة التحريم‏.‏ وقال الفاكهي‏:‏ المشهور عند المالكية الكراهة والصحيح عند المحققين منهم التحريم انتهى‏.‏ وقال العيني في شرح البخاري في باب لحوم الخيل‏:‏ قيل الكراهة عند أبي حنيفة كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه، وقال فخر الإسلام وأبو معين‏:‏ هذا هو الصحيح، قال وأخذ أبو حنيفة في ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة‏}‏ خرج مخرج الامتنان، والأكل من أعلى منافعها، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها‏.‏ قال‏:‏ واحتج أيضاً بحديث أخرجه أبو داود عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير‏.‏ وأخرجه النسائي وابن ماجه والطحاوي، ولما رواه أبو داود سكت عنه، فسكوته دلالة رضاه به ويعارض حديث جابر والترجيح للمحرم انتهى‏.‏ وقال العيني في غزوة خيبر مثل هذا وقال‏:‏ سند حديث خالد جيد ولهذا لما أخرجه أبو داود سكت عنه فهو حسن عنده انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قول العيني‏:‏ سند حديث خالد جيد ليس بجيد وليس ممّا يلتفت إليه، فإن مدار هذا الحديث على صالح بن يحيى بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب، وصالح هذا قال البخاري‏:‏ فيه نظر كما في تهذيب التهذيب، وقال ابن الهمام في التحرير‏:‏ إذا قال البخاري للرجل فيه نظر فحديثه لا يحتج به ولا يستشهد به، ولا يصح للاعتبار انتهى‏.‏ فحديث خالد هذا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار‏.‏ وقد ضعفه أحمد والبخاري والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون فلا يصلح لمعارضة حديث جابر وغيره من أحاديث الباب‏.‏ فإن قلت قال العيني‏:‏ وصالح هذا وثقه ابن حبان وحديثه حسن عند أبي داود‏.‏ فإذا كان كذلك صحت المعارضة فإذا تعارضا يرجح المحرم، قلت‏:‏ توثيق ابن حبان صالحاً هذا وسكون أبي داود على حديثه لا يزن بشيء في جنب قول البخاري‏:‏ فيه نظر، وتضعيف الأئمة المذكورين، ولذلك لم يسكت عنه المنذري في تلخيص السنن بل قال‏:‏ قال أبو داود‏:‏ هذا منسوخ وقال الإمام أحمد‏:‏ هذا حديث منكر‏.‏ وقال البخاري‏:‏ صالح بن يحيى المقدام بن معد يكرب الكندي الشامي عن أبيه فيه نظر‏.‏ وذكر الخطابي أن حديث جابر إسناده جيد‏.‏ وأما حديث خالد بن الوليد ففي إسناده نظر، وصالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده لا يعرف سماع بعضهم عن بعضهم‏.‏ وقال موسى بن هارون الحافظ‏:‏ لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجده‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ هذا حديث ضعيف‏.‏ وقال الدارقطني أيضاً‏:‏ هذا إسناد مضطرب‏.‏ وقال الواقدي‏:‏ لا يصح هذا لأن خالداً أسلم بعد فتح مكة‏.‏ وقال البخاري‏:‏ خالد لم يشهد خيبر‏.‏ وكذلك قال الإمام أحمد بن حنبل لم يشهد خيبر إنما أسلم بعد الفتح‏.‏ وقال أبو عمر النمري‏:‏ ولا يصح لخالد بن الوليد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ إسناده مضطرب ومع اضطرابه مخالف لحديث الثقات انتهى‏.‏ ‏(‏ونهانا عن لحوم الحمر‏)‏ أي الأهلية وسيأتي حكم الحمر الأهلية في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر‏)‏ أخرجه البخاري‏:‏ قالت ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً ونحن بالمدينة فأكلناه‏.‏ وأخرجه مسلم أيضاً‏.‏ وفي الباب أيضاً عن ابن عباس، أخرجه الدارقطني بسند قوي ولفظه‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل‏.‏ قاله الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جار‏)‏ بإدخال محمد بن علي بين عمرو وجابر‏.‏ ومحمد بن علي هذا هو محمد بن علي بن الحسين بن علي وهو الباقر أبو جعفر‏.‏ وهذه الرواية أخرجها البخاري ومسلم وأخرجها النسائي وقال‏:‏ لا أعلم أحداً وافق حماداً على ذلك‏.‏ ‏(‏ورواية بين عيينة أصح وسمعت محمداً يقول سفيان بن عيينة أحفظ من حماد بن زيد‏)‏ لكن اقتصر البخاري ومسلم على تخريج طريق حماد بن زيد، وقد وافقه ابن جريج عن عمر وعلي إدخال الواسطة بين عمرو وجابر لكنه لم يسمه‏.‏ أخرجه أبو داود من طريق ابن جريج‏.‏ وله طريق أخرى عن جابر أخرجها مسلم من طريق ابن جريج وأبو داود من طريق حماد والنسائي من طريق حسين بن واقد، كلهم عن أبي الزبير عنه وأخرجه النسائي صحيحاً عن عطاء عن جابر أيضاً، وأغرب البيهقي فجزم بأن عمرو بن دينار لم يسمعه من جابر، واستغرب بعض الفقهاء دعوى الترمذي أن رواية ابن عيينة أصح مع إشارة البيهقي إلى أنها منقطعة وهو ذهول، فإن كلام الترمذي محمول على أنه صح عنده اتصاله، ولا يلزم من دعوى البيهقي انقطاعه كون الترمذي يقول بذلك، والحق أنه إن وجدت رواية فيها تصريح عمر بالسباع من جابر فتكون رواية حماد بن المزيد في متصل الأسانيد‏.‏ وإلا فرواية حماد بن زيد هي المتصلة، وعلى تقدير وجود التعارض من كل جهة فللحديث طريق أخرى عن جابر غير هذه، فهو صحيح على كل حال قاله الحافظ‏.‏

1206- باب ما جاءَ في لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّة

أي غير الوحشية ويقال لها الحمر الإنسية والأنسية‏.‏

1798- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ عن مَالِكِ بنِ أنَسٍ عن الزّهْرِيّ وحدثنا ابنُ أبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن عَبْدِ الله وَ الْحَسَنِ ابْنَي محمدِ بنِ عَلِيّ عن أبِيهِمَا عن عَلِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن مُتْعَةِ النّسَاءِ زَمَنَ خَيْبَرَ، وعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ‏"‏‏.‏

حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَخْزُومِيّ حدثنا سُفْيَانُ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عَبْدِ الله والْحَسَنِ هما ابْنَا مُحَمّدِ بنِ الحنيفة وعبدالله بن محمد يكنى أبا هاشم قَالَ الزّهْرِيّ‏:‏ وَكَانَ أرْضَاهُمَا الْحَسَنُ بنُ مُحَمّدٍ فذكر نحوه‏.‏ وَقَالَ غَيْرُ سَعِيدِ بنِ عبدِ الرحمَنِ عَنْ ابنِ عُيَيْنَةَ وَكَانَ أرْضَاهُمَا عَبْدُ الله بنُ مُحَمّدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

1799- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا حُسَيْنُ بنُ عَلِيّ الجعفىّ عن زَائِدَةَ عَنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْرِو عن أبِي سَلَمَةَ عن أبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، حَرّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ وَالْمُجَثّمَة وَالْحِمَارِ الاْنْسِي‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عَلِيّ وَجَابِرٍ وَالْبَرَاءِ وابنِ أبِي أوْفَى وَأَنَسٍ والعِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ وأبي ثَعْلَبَةَ وَابنِ عُمَرَ وأبي سَعِيدٍ‏.‏

قال أبو سعيط هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمّدِ بنِ عُمَرَو‏.‏ هَذَا الْحَدِيث وَإِنّمَا ذَكَرُوا حَرْفاً وَاحِداً‏:‏ ‏"‏نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله والحسن بن محمد بن علي‏)‏ أي ابن أبي طالب‏.‏ ومحمد بن علي هذا هو الذي يعرف بابن الحنفية‏.‏ وابنه عبد الله يكنى بأبي هاشم وثقه ابن سعد والنسائي والعجلي وابنه الحسن يكنى بأبي محمد ثقة فقيه ‏(‏عن أبيهما‏)‏ أي محمد بن علي المعروف بابن الحنفية الهاشمي أبي القاسم ثقة عالم من كبار التابعين ‏(‏عن علي‏)‏ أي ابن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء‏)‏ يعني نكاح المتعة، وهو تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة ‏(‏زمن خيبر‏)‏ قد أبيحت متعة النكاح مراراً ثم حرمت إلى يوم القيامة وقد تقدم بيانه في كتاب النكاح ‏(‏وعن لحوم الحمر الأهلية‏)‏ فيه دليل على حرمة لحوم الحمر الأهلية، ويؤخذ من التقييد بالأهلية جواز أكل لحوم الحمر الوحشية‏.‏ وقد تقدم صريحاً في حديث أبي قتادة في الحج، وقد جاء في حديث أنس عند البخاري بيان علة الحرمة ففيه‏.‏ أن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الوحشية فإنها رجس‏.‏ قال النووي‏:‏ قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولم نجد أحد من الصحابة في ذلك خلافاً لهم إلا عن ابن عباس‏.‏ وعند المالكية ثلاث روايات ثالثها الكراهة‏.‏

وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود عن غالب بن الحر قال‏:‏ أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة قال‏:‏ أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل حوالي القرية يعني الجلالة وإسناده ضعيف، والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة فالاعتماد عليها‏.‏

وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية‏:‏ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية، فقال‏:‏ أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ فأصب من لحومها‏.‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة قال‏:‏ سألت فذكر نحوه، ففي السندين مقال، ولو ثبت احتمل أن يكون قبل التحريم، كذا في الفتح‏.‏ وحديث علي هذا أخرجه الشيخان، وأخرجه الترمذي أيضاً في باب نكاح المتعة من أبواب النكاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الزهري وكان أرضاهما الحسن بن محمد‏)‏ وذكر البخاري في التاريخ بلفظ‏:‏ وكان الحسن أوثقهما ‏(‏وقال غير سعيد بن عبد الرحمن عن ابن عيينة وكان أرضاهما عبد الله بن محمد‏)‏ كذا عند الترمذي ولأحمد عن سفيان‏:‏ وكان الحسن أرضاهما إلى أنفسنا، وكان عبد الرحمن يتبع السبئية انتهى‏.‏ والسبئية بمهملة ثم موحدة ينسبون إلى عبد الله بن سبا وهو من رؤساء الروافض‏.‏ وكان المختار بن أبي عبيد على رأيه، ولما غالب على الكوفة وتتبع قتلة الحسين فقتلهم أحبته الشيعة ثم فارق أكثرهم لما ظهر منه من الأكاذيب‏.‏ وكان من رأى السبئية موالاة محمد بن علي بن أبي طالب، وكانوا يزعمون أنه المهدي وأنه لا يموت حتى يخرج في آخر الزمان‏.‏ ومنهم من أقر بموته، وزعم أن الأمر بعده صار إلى ابنه أبي هاشم هذا، ومات أبو هاشم في آخر ولاية سليمان بن عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسين بن علي‏)‏ بن الوليد الجعفي مولاهم الكوفي المقري ثقة عابد سنة ثلاث أو أربع ومائتين وله أربع أو خمس وثمانون سنة قال موسى بن داود‏.‏ كنت عند ابن عيينة فجاء حسين الجعفي، فقام سفيان فقبل يده‏.‏ وكان زائدة يختلف إليه إلى منزله يحدثه فكان أروى الناس عنه، وكان الثوري إذا رآه عانقه وقال‏:‏ ‏(‏هذا واهب جعف عن زائدة‏)‏ هو ابن قدامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع‏)‏ قال في شرح السنة‏:‏ أراد بكل ذي ناب ما يعدو بنابه على الناس وأموالهم كالذئب والأسد والكلب ونحوها ‏(‏والمجثمة‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ هي كل حيوان ينصب ويرمي ليقتل إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم في الأرض أي يلزمها ويلتصق بها، وجثم في الطير جثوماً وهو بمنزلة البروك للإبل انتهى‏.‏ ‏(‏والحمار الإنسي‏)‏ بكسر الهمزة وسكون النون منسوب إلى الأنس ويقال فيه الأنسي بفتحتين، وقد صرح الجوهري أن الأنس بفتحتين ضد الوحشة والمراد بالحمار الإنسي الحمار الأهلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وجابر والبراء وابن أبي أوفى وأنس والعرباض، من سارية وأبي ثعلبة وابن عمر وأبي سعيد‏)‏ أما حديث علي فأشار إلى غير حديثه الذي أخرجه في هذا الباب ولم أقف عليه فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث جابر فقد تقدم تخريجه في الباب المتقدم‏.‏ وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث ابن أبي أوفى أخرجه أيضاً الشيخان‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه أيضاً الشيخان‏.‏ وأما حديث العرباض بن سارية فأخرجه الترمذي في باب كراهية أكل المصبورة‏.‏ وأما حديث أبي ثعلبة فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان أيضاً وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإنما ذكروا حرفاً واحداً‏)‏ أي جملة واحدة ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع‏)‏ بيان لقوله حرفاً واحداً يعني اقتصروا على هذه الجملة ولم يذكروا النهي عن المجثمة والحمار الإنسي‏.‏

1207- باب ما جاءَ في الأَكْلِ في آنِيَةِ الْكُفّار

1800- حدثنا زَيْدُ بنُ أخْزَمَ الطّائِيّ حدثنا سَلْمُ بنُ قُتَيْبَة حدثنا شُعْبَةُ عن أيّوبَ عن أبِي قِلاَبَةَ عَنْ أبي ثَعْلَبَةَ قالَ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قُدُورِ الْمَجُوسِ فقَالَ‏:‏ ‏"‏أنْقُوهَا غَسْلاً وَاطْبُخُوا فِيهَا وَنَهَى عن كُلّ سَبُعٍ ذِي نَابٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ أبي ثَعْلَبَةَ، وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ هذا الوَجْهِ‏.‏ وأبُو ثَعْلَبَةَ اسْمُهُ جرثوب ويُقَالُ جُرْهُمُ وَيُقَالُ نَاشِبٌ‏.‏ وقَدْ ذُكِرَ هَذا الْحَدِيثُ عن أبي قِلاَبَةَ عن أبي أسْمَاءَ الرّحَبِيّ عن أبي ثَعْلَبَةَ‏.‏

1801- حدثنا عليّ بنُ عِيسَى بنُ يَزِيدَ البَغْدَادِيّ حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُحَمّدٍ الَفرضيّ حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن أيّوبَ وَ قَتَادَةَ عن أبي قِلاَبَةَ عَنْ أبي أسْمَاءَ الرّحَبِيّ عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ أنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏يَا رَسُولَ الله إنّا بِأَرْضِ أهْلِ الكِتَابٍ فَنَطْبُخُ فِي قُدُورِهِمْ وَنَشْرَبُ في آنِيَتِهِمْ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ، ثُمّ قَالَ‏:‏ يَا رَسولَ الله إنّا بِأَرْضِ صَيْدٍ فَكَيْفَ نَصْنَعُ‏؟‏ قال إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُكَلّبَ وَذَكَرْت اسْمَ الله فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ كان غَيْرَ مُكَلّبٍ فَذُكّيَ فَكُلْ، وإذا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله فَقَتَلَ فَكُلْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زيد بن أخزم‏)‏ بمعجمتين ‏(‏الطائي‏)‏ النبهاني أبو طالب البصري ثقة حافظ من الحادية عشرة ‏(‏حدثنا سلم بن قتيبة‏)‏ بفتح السين المهملة وسكون اللام الشعيري أبو قتيبة الخراساني نزيل البصرة صدوق من التاسعة، كذا في التقريب‏.‏ ووقع في النسخة الأحمدية‏:‏ مسلم بن قتيبة بالميم وهو غلط ‏(‏عن أبي قلابة‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ أبو قلابة لم يدرك أبا ثعلبة الخشني انتهى‏.‏ ففي هذا الإسناد انقطاع ‏(‏عن أبي ثعلبة‏)‏ الخشني صحابي مشهور بكنيته‏.‏ واختلف في اسمه اختلافاً كثيراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس‏)‏ القدور جمع قدر قال في القاموس‏:‏ القدر بالكسر معروف، وقال في الصراح‏:‏ بقدر بالكسر ديك وهي مؤنث وتصغيرها قدير بغير هاء على خلاف قياس انتهى‏.‏ ‏(‏أنقوها‏)‏ من الإنقاء ‏(‏غسلاً‏)‏ أي بالغسل ‏(‏واطبخوا‏)‏ الطبخ الإنضاج اشتواء واقتداراً طبخ كنصر ومنع قاله في القاموس ‏(‏فيها‏)‏ أي في قدور المجوس‏.‏

إعلم أن البخاري رح عقد باباً بلفظ‏:‏ باب آنية المجوس والميتة‏.‏ وأورد فيه حديث أبي ثعلبة وفيه‏:‏ أما ما ذكرت أنكم بأرض أهل الكتاب فلا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا بداً فإن لم تجدوا فاغسلوا وكلوا‏.‏ قال الحافظ قال ابن التين كذا ترجم وأتى بحديث أبي ثعلبة وفيه ذكر أهل الكتاب فلعله يرى أنهم أهل كتاب‏.‏ وقال ابن المنير‏:‏ ترجم للمجوس والأحاديث في أهل الكتاب لأنه بنى على أن المحذور من ذلك واحد وهو عدم توقيهم النجاسات‏.‏ وقال الكرماني أو حكمه على أحدها بالقياس على الاَخر، وباعتبار أن المجوس يزعمون أنهم أهل كتاب‏.‏ قال الحافظ وأحسن من ذلك أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث منصوصاً على المجوس، فعند الترمذي من طريق أخرى عن أبي ثعلبة‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس فقال أنقوها غسلاً واطبخوا فيها‏.‏ وفي لفظ من وجه آخر عن أبي ثعلبة قلت‏:‏ إنا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث‏.‏ وهذه طريقة يكثر منها البخاري فما كان في سنده مقال يترجم به ثم يورد في الباب ما يؤخذ الحكم منه بطريق الإلحاق ونحوه‏.‏ والحكم في آنمية المجوس لا يختلف مع الحكم في آنية أهل الكتاب لأن العلة إن كانت لكونهم تحل ذبائحهم كأهل الكتاب فلا إشكال أو لا تحل فتكون الاَنية التي يطبخون فيها ذبائحهم ويغرفون قد تنجست بملاقاة الميتة‏.‏ فأهل الكتاب كذلك باعتبار أنهم لا يتدينون باجتناب النجاسة، وبأنهم يطبخون فيها الخنزير ويضعون فيها الخنزير ويضعون فيها الخمر وغيرها ويؤيد الثاني ما أخرجه أبو داود والبزار عن جابر‏:‏ كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين فنستمع بها فلا يعيب ذلك علينا‏.‏ لفظ أبي داود في رواية البزار‏:‏ فنغسلها ونأكل فيها انتهى‏.‏ قال النووي قد يقال هذا الحديث مخالف لما يقول الفقهاء فإنهم يقولون إنه يجوز استعمال أواني المشركين إذا غسلت ولا كراهة فيها بعد الغسل سواء وجد غيرها أم لا‏.‏ وهذا الحديث يقتضي كراهة استعمالها إن وجد غيرها ولا يكفي غسلها في نفي الكراهة وإنما يغسلها ويستعملها إذا لم يجد غيرها‏.‏ والجواب أن المراد النهي عن الأكل في آنيتهم التي كانوا فيها لحم الخنزير ويشربون كما صرح به في رواية أبي داود‏:‏ وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة للنجاسة‏.‏ كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة، وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسات، فهذه يكره استعمالها قبل غسلها فإذا غسل فلا كراهة فيها لأنها طاهرة وليس فيها استقذار ولم يريدوا نفي الكراهة عن آنيتهم المستعملة في الخنزير وغيره من النجاسات انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ ومشى ابن حزم على ظاهريته فقال لا يجوز استعمال آنية أهل الكتاب إلا بشرطين‏:‏ أحدهما أن لا يجد غيره والثاني غسلها‏.‏ وأجيب بأن أمره بالغسل عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل، والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها كما في حديث سلمة الاَتي بعد في الأمر بكسر القدور التي طبخت فيها الميتة‏:‏ فقال رجل أو نغسلها فقال‏:‏ أو ذاك‏.‏ فأمر بالكسر للمبالغة في التنفير عنها ثم أذن في الغسل ترخيصاً فكذلك يتجه هذا هنا انتهى‏.‏ ‏(‏ونهى عن كل سبع ذي ناب‏)‏ الناب السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب‏.‏ قال ابن سينا لا يجتمع في حيوان واحد قرن وناب معاً وذو الناب من السباع كالأسد والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ماله ناب يتقوى به ويصطاد‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ وهو يفترس الحيوان ويأكل قسراً كالأسد والنمر والذئب ونحوها‏.‏ قال في القاموس‏:‏ السبع بضم الباء وفتحها المفترس من الحيوان انتهى‏.‏ ووقع الخلاف في جنس السباع المحرمة، فقال أبو حنيفة رحمه الله كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضب واليربوع والسنور‏.‏ وقال الشافعي يحرم من السباع ما يعدو على الناس كالأسد والذئب والنمر‏.‏ وأما الضبع والثعلب فيحلان عنده لأنهما لا يعدوان كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد ذكر هذا الحديث عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن أبي ثعلبة‏)‏ أي بزيادة أبي أسماء الرحبي بين أبي قلابة وأبي ثعلبة فهذا الإسناد متصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي‏)‏ قال في التقريب عبيد الله بن محمد بن عائشة اسم جده حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي، وقيل له ابن عائشة والعائشي والعيشي نسبة إلى عائشة بنت طلحة لأنه من ذريتها ثقة جواد رمى بالقدر ولم يثبت من كبار العاشرة انتهى‏.‏ ووقع في النسخة الأحمدية عبيد الله بن محمد القرشي بزيادة لفظ بن القرشي مكان العيشي وهو غلط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فارحضوها‏)‏ أي اغسلوها‏:‏ قال في القاموس‏:‏ رحضة كمنعه غسله كأرحضه انتهى‏.‏ قال الخطابي‏:‏ والأصل في هذا أنه إذا كان معلوماً من حال المشركين أنهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد الغسل والتنظيف فأما ثيابهم ومياههم فإنها على الطهارة كمياه المسلمين وثيابهم إلا أن يكونوا من قوم لا يتحاشون النجاسات أو كان من عاداتهم استعمال الأبوال في طهورهم فإن استعمال ثيابهم غير جائز إلا أن يعلم أنها لم يصبها شيء من النجاسات انتهى ‏(‏إنا بأرض صيد‏)‏ الإضافة لأدنى ملابسة أي بأرض يوجد فيها الصيد أو يصيد أهلها ‏(‏إذا أرسلت كلبك المكلب‏)‏ أي المعلم، قال في النهاية‏:‏ المكلب المسلط على الصيد المعود بالاصطياد الذي قد ضرى به انتهى‏.‏ ‏(‏فذكى بصيغة المجهول من التذكية أي ذبح‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1208- باب ما جَاءَ في الْفَأْرَةِ تَمُوتُ في السّمْن

1802- حدثنا سَعِيدُ بنُ عبدِ الرحمَنِ المخزومي وأَبُو عَمّارٍ قالا‏:‏ حدثنا سُفْيَانَ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله عَنِ ابنِ عَبّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أنّ فَأْرَةً وَقَعَتْ في سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ عَنْهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ‏:‏ ‏"‏ألْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فكلوه‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ‏.‏ قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله عن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏ ‏"‏أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ‏"‏ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عن مَيْمُونَةَ‏.‏ وحَدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ عن مَيْمونَةَ أصَحّ‏.‏ وَرَوَى مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ وهو حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، قال وسَمِعْتُ مُحَمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ‏:‏ وحديثُ مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر فيه أنه سئل عنه فقال إذا كان جامداً فألقوها وما هو لها وإن كان ما مائعاً فلا تقربوه‏.‏ هَذَا خَطَأٌ أخطأ فيه معمر قال والصّحِيحُ حَدِيث الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله عن ابنِ عَبّاسٍ عن مَيْمُونَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن عبد الرحمن‏)‏ هو المخزومي ‏(‏وأبو عمار‏)‏ اسمه حسين بن حريث الخزاعي ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ بن عبد الله ابن عتبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن فأرة وقعت في سمن‏)‏ وفي رواية النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك في سمن جامد، ‏(‏فماتت‏)‏ أي فيه ‏(‏فسئل عنها‏)‏ أي ما يترتب على موتها ‏(‏فقال ألقوها‏)‏ أي أخرجوا الفأرة واطرحوها ‏(‏وما حولها‏)‏ أي كذلك إذا كان جامداً ‏(‏فكلوه‏)‏ أي السمن يعني باقية في شرح السنة فيه دليل على أن غير الماء من المائعات إذا وقعت فيه نجاسة ينجس، قل ذلك المائع أو كثر بخلاف الماء حيث لا ينجس عند الكثرة ما لم يتغير بالنجاسة‏.‏ واتفقوا على أن الزيت إذا مات فيه فأرة أو وقعت فيه نجاسة أخرى أنه ينجس ولا يجوز أكله، وكذا لا يجوز بيعه عند أكثر أهل العلم‏.‏ وجوز أبو حنيفة بيعه، واختلفوا في الانتفاع به، فذهب جماعة إلى أنه يجوز الانتفاع به لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فلا تقربوه‏.‏ وهو أحد قولي الشافعي وذهب قوم إلى أنه يجوز الانتفاع به بالاستصباح وتدهين السفن ونحوه، وهو قول أبي حنيفة وأظهر قولي الشافعي‏.‏ والمراد من قوله‏:‏ ‏(‏فلا تقربوه‏)‏ أكلا وطعماً لا انتفاعاً انتهى‏.‏ قال الحافظ وقد تمسك ابن العربي بقوله وما حولها على أنه كان جامداً‏.‏ قال لأنه لو كان مائعاً لم يكن له حول، لأنه لو نقل من أي جانب منها نقل لخلفه غيره في الحال، فيصير مما حولها فيحتاج إلى إلقائه كله، كذا قال‏:‏ وقد وقع عند الدارقطني من رواية يحيى القطان عن مالك في هذا الحديث فأمر أن يقور ما حولها فيرمي به‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا ظهر في كونه جامداً من قوله‏:‏ وما حولها، فيقوي ما تمسك به ابن العربي انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود عنه مرفوعاً‏:‏ إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي ‏(‏وحديث ابن عباس عن ميمونة أصح الخ‏)‏ قد ذكر الحافظ في الفتح في باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء من كتاب الوضوء وجه كون حديث ابن عباس عن ميمونة أصح وكذا ذكر فيه أيضاً وجه كون حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة خطأ فمن شاء الوقوف على ذلك فليراجعه‏.‏

1209- باب ما جاءَ في النّهْيِ عن الأَكْلِ والشّرْبِ بِالشّمَال

1803- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخبرنا عبدُ الله بنُ نُمَيْرٍ حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عن ابنِ شِهَابٍ عن أبي بَكْرٍ بنِ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عن عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لاَ يَأْكُلْ أحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَلاَ يَشْرَبْ بِشِمَالِهِ فَإِنّ الشيطانَ يَأْكُلُ بِشمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن جَابِرٍ وعُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ وسَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ وَحَفْصَةَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَهَكَذَا رَوَى مَالكٌ وابنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن أبي بَكْرٍ بنِ عُبَيْدِ الله عن ابنِ عُمَرَ‏.‏ وَرَوَى مَعْمَر وَعقَيْل عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ عن ابنِ عُمَرَ‏.‏ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ وابنِ عُيَيْنَةَ أصَحّ‏.‏

1804- حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن قال حدثنا جعفر بن عون عن سعيد بن أبي عروبة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن نمير‏)‏ هو الهمداني أبو هشام الكوفي ‏(‏عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر‏)‏ بن الخطاب ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله‏)‏ قال الشوكاني فيه النهي عن الأكل والشرب بالشمال والنهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول ولا يكون لمجرد الكراهة فقط إلا مجازاً مع قيام صارف‏.‏ قال النووي‏:‏ وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال وقال فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال‏.‏

قلت‏:‏ بل في هذا الحديث وجوب الأكل والشرب باليمين كما قال الشوكاني، ويدل على الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة‏:‏ كل بيمينك، فإن الأصل في الأمر الوجوب‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي‏:‏ حمله أكثر الشافعية على الندب وبه جزم الغزالي ثم النووي، لكن نص الشافعي في الرسالة وفي موضع آخر من الأم على الوجوب، قال ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال، ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يأكل بشماله فقال‏:‏ كل بيمينك، قال‏:‏ لا أستطيع قال لا استطعت، فما رفعها إلى فيه بعد‏.‏ وأخرج الطبراني من حديث سبيعة الأسلمية من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها فقال أخذها داء غزة، فقال إن بها قرحة قال وإن، فمرت بغزة فأصابها طاعون فماتت‏.‏ وأخرج محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر وسنده حسن‏.‏ وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم وعند أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته‏:‏ من أكل بشماله أكل معه الشيطان‏.‏ الحديث انتهى ‏(‏فإن الشيطان يأكل بشماله الخ‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ المعنى أنه يحمل أولياءه من الإنس على ذلك الصنيع ليضاد به عباد الله الصالحين ثم إن من حق نعمة الله والقيام بشكرها أن تكرم ولا يستهان بها، ومن حق الكرامة أن تتناول باليمين ويميز بها بين ما كان من النعمة وبين ما كان من الأذى‏:‏ قال الطيبي‏:‏ وتحريره أن يقال لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها فإنكم فعلتم ذلك كنتم أولياء الشيطان فإن الشيطان يحمل أولياءه من الإنس على ذلك انتهى‏:‏ قال الحافظ‏:‏ وفيه عدول عن الظاهر والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ ظاهره أن من فعل ذلك تشبه بالشيطان، وأبعد وتعسف من أعاد الضمير في شماله إلى الأكل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وعمر بن أبي سلمة وسلمة بن الأكوع وأنس بن مالك وحفصة‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال‏.‏ وأما حديث عمر بن أبي سلمة فأخرجه الشيخان عنه قال‏:‏ كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل ما يليك‏.‏ وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه مسلم وتقدم لفظه‏.‏ وأما حديث أنس بن مالك فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث حفصة فأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم ‏(‏ورواية مالك وابن عيينة أصح‏)‏ لأن مالكاً وابن عيينة أجل وأوثق من معمر وعقيل، وقد تابعهما عبيد الله بن عمر‏.‏

1210- باب مَا جَاءَ في لَعْقِ الأَصَابِعِ بعد الأكل

1805- حدثنا محمدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أبي الشّوَارِبِ حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ المُخْتَارِ عن سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ عن أبيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أصَابِعَهُ فَإِنّهُ لاَ يَدْرِي في أَيّتِهِنّ البَرَكَةُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن جَابِرٍ وَكَعْبِ بنِ مَالِكٍ وَأَنسٍ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ هَذا الوَجْهِ مِنْ حديث سُهَيْلٍ‏.‏ وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال هذا حديث عبدالعزيز من المختلف لا يعرف الامن حديثه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد العزيز بن المختار‏)‏ الدباغ البصري مولى حفصة بنت سيرين ثقة من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أكل أحدكم فليعلق‏)‏ بفتح الياء والعين أي فليلحس ‏(‏أصابعه‏)‏ وقع في حديث كعب بن عجرة عند الدارقطني في الأوسط صفة لعمق الأصابع ولفظه‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تلي ثم الإبهام‏.‏ قال الحافظ‏.‏ قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلويثاً لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها، ولأنها لطولها أول ما تنزل في الطعام، ويحتمل أن الذي يعلق يكون بطن كفه إلى جهة وجهة فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه، وكذلك الإبهام انتهى ‏(‏فإنه لا يدري في أيتهن‏)‏ أي في أية أصابعه ‏(‏البركة‏)‏ أي حاصله أو تكون البركة وفي حديث جابر عند مسلم‏:‏ إنكم لا تدرون في أية البركة‏.‏ قال النووي‏:‏ معناه أن الطعام الذي يحضر الإنسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة‏.‏ وأصل البركة‏:‏ الزيادة وثبوت الخير والامتناع به، والمراد هنا ما يحصل به التغذية وتسلم عافيته من أذى، ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك انتهى‏.‏

وفي الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذاراً نعم‏.‏ يحصل ذلك لو فعله في أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وكعب بن مالك وأنس‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم عنه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال إنكم لا تدرون في أية البركة‏.‏ وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل بثلاث أصابع ويعلق يده قبل أن يمسحها‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1211- باب مَا جَاءَ في اللّقْمَةِ تَسْقُط

1806- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعَاماً فَسَقَطَتْ لُقْمَةٌ فَلْيُمِطْ ما رَابَهُ منها ثم لِيَطْعَمْهَا وَلاَ يَدَعهَا لِلشّيْطَانِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أنَسٍ‏.‏

1807- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عليّ الْخَلاّلُ حدثنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمٍ حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ حدثنا ثِابتٌ عن أنَسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أكَلَ طَعَاماً لَعَقَ أصَابِعَهُ الثلاثَ وقال‏:‏ ‏"‏إذَا ما وَقَعَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عنها الأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعُهَا للشّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أنْ نَسْلُتَ الصّحْفَةَ وقالَ‏:‏ إنّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيّ طَعَامِكُمْ البَرَكَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريب صحيحٌ‏.‏

1808- حدثنا نَصْرُ بنُ علي الْجَهْضَمِيّ أخبرنا المعلى بن راشد قالَ حَدثتَنِي جَدّتِي أُمّ عَاصِمٍ، وكانَتْ أُمّ وَلَدٍ لِسِنَانِ بنِ سَلَمَةَ قالَتْ‏:‏ دخَلَ عَلَيْنَا نُبَيْشَةَ الْخَيْرُ وَنَحْنُ نَأْكُلُ في قَصْعَةٍ فَحَدّثَنَا أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَكَلَ في قَصْعَةٍ ثمّ لَحسَهَا اسْتَغْفَرَتْ لَهُ القَصْعَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ المُعلّى بنِ رَاشِدٍ‏.‏ وقد رَوَى يَزِيدُ بنُ هَارُونَ وَغيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الأَئِمّةِ عن المُعَلّى بنِ رَاشِدٍ هذا الْحَدِيثَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلبمط‏)‏ بضم الياء وكسر الميم من الإماطة أي فلنزل ‏(‏ما رابه منها‏)‏ أي من اللقمة الساقطة، والمعنى فلنزل ولينح ما يكره من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك‏.‏ قال في المجمع‏:‏ رابني الشيء وأرابني بمعنى شككني‏.‏ وقال فيه أيضاً‏:‏ وفي حديث فاطمة‏:‏ يريبني ما يريبها أي يسوؤني ما يسؤها ويزعجني ما يزعجها، من رابني وأرابني إذا رأيت منه ما تكره انتهى‏.‏ وفي رواية مسلم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى ‏(‏ثم ليطعمها‏)‏ في رواية مسلم‏:‏ وليأكلها ‏(‏ولا يدعها‏)‏ بفتح الدال أي لا يتركها ‏(‏للشيطان‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ إنما صار تركها للشيطان لأن فيه إضاعة نعمة الله والاستحقار بها من غير ما بأس، ثم إنه من أخلاق المتكبرين، والمانع عن تناول تلك اللقمة في الغالب هوا لكبر وذلك من عمل الشيطان انتهى‏.‏ قال النووي‏:‏ في الحديث استحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس تنجست ولا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيواناً ولا يتركها للشيطان انتهى‏.‏ وحديث جابر هذا أخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعق أصابعه الثلاث‏)‏ وكان صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ‏(‏وأمرنا أن نسلت الصحفة‏)‏ أي نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام، يقال سلت الصحفة يسلتها من باب نصر ينصر إذا تتبع ما بقي فيها من الطعام ومسحها بالأصبع ونحوها والصحفة بالفارسية كاسه بزراً‏.‏ قال الكسائي أعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تليها تشبع العشرة، ثم الصفحة تشبع الخمسة ثم الميكلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل، كذا في الصراح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المعلى‏)‏ بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد اللام المفتوحة ‏(‏ابن راشد‏)‏ الهذلي ‏(‏أبو اليمان‏)‏ النبال البصري مقبول من الثامنة قاله في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته، قال أبو حاتم شيخ يعرف بحديث حدث به عن جدته عن نبيشة الخير في لعق الصحفة‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقاتّ، له في السنن الحديث الذي أشار إليه أبو حاتم انتهى ‏(‏حدثتني جدتي أم عاصم‏)‏ مقبولة من الثالثة ‏(‏وكانت أم ولد لسنان بن سلمة‏)‏ ابن المحبق البصري الهذلي ولد يوم حنين فله رؤية وقد أرسل أحاديث، مات في آخر إمارة الحجاج ‏(‏قالت دخل علينا نبيشة الخير‏)‏ قال في التقريب‏:‏ نبيشة بمعجمة مصغراً ابن عبد الله الهذلي ويقال له نبيشة الخير صحابي قليل الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أكل‏)‏ أي طعاماً ‏(‏في قصعة‏)‏ أي ونحوها ‏(‏ثم لحسها‏)‏ بكسر الحاء من باب سمع أي لعقها، والمراد أنه لحس ما فيها من طعام تواضعاً وتعظيماً، لما أنعم الله عليه ورزقه وصيانة له عن التلف ‏(‏استغفرت له القصعة‏)‏ ولعله أظهر في موضع المضمر لئلا يتوهم أن قوله بصيغة المتكلم، قال القاري‏:‏ ولما كانت تلك المغفرة بسبب لحس القصعة وتوسطها جعلت القصعة كأنها تستغفر له مع أنه لا مانع من الجمل على الحقيقة‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ استغفار القصعة عبارة عما تعودت فيه من أمارة التواضع ممن أكل منها وبراءته من الكبر وذلك مما يوجب له المغفرة فأضاف إلى القصعة لأنها كالسبب لذلك انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الحمل على الحقيقة في هذا وأمثاله هو المتعين، ولا حاجة إلى الحمل على المجاز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارميغ كذا في المشكاة‏.‏

1212- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الأَكْلِ مِنْ وَسَطِ الطّعَام

1809- حدثنا أبو رَجَاء حدثنا جَرِيرٌ عن عَطَاءِ عن السائب عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إنّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَ الطّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ إنّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بنِ السّائبِ وقد روى شُعْبَةُ والثّورْيّ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ‏.‏

وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو رجاء‏)‏ لم يظهر لي أن أبا رجاء هذا من هو وما اسمه ‏(‏حدثنا جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد ‏(‏عن سعيد بن جبير‏)‏ بمضمومة فمفتوحة وسكون ياء الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة، قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين ولم يكمل الخمسين كذا في التقريب‏.‏

‏(‏إن البركة تنزل وسط الطعام‏)‏ بسكون السين ويفتح، والوسط أعدل المواضع فكان أحق بنزول البركة فيه ‏(‏فكلوا من حافيته‏)‏ أي جانبيه‏.‏ قال في القاموس‏:‏ حافتا الوادي وغيره جانباه والجمع حافات انتهى‏.‏ وليس المراد هنا خصوص التثنية، ففي المشكاة أنه كتى بقصعة من ثريد فقال‏:‏ كلوا من جوانبها، وفي الجامع الصغير للسيوطي‏:‏ فكلوا من حافاته، وفي رواية ابن ماجة فخذوا من حافته ‏(‏ولا تأكلوا من وسطه‏)‏ فيه مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل وسطه‏.‏ قال الرافعي وغيره‏:‏ يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة، وأن يأكل مما يلي أكيله ولا بأس بذلك في الفواكه، وتعقبه الإسنوي بأن الشافعي نص على التحريم فإن لفظه في الأم‏:‏ فإن أكل مما لا يليه أو من رأس الطعام أتم بالفعل الذي فعله إذا كان عالماً‏.‏ واستدل بالنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى هذا الحديث‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته إلا إذا قل الخبز فليكسر الخبر، والعلة في ذلك ما في الحديث من كون البركة تنزل في وسط الطعام، كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن حبان في صحيحه والحاكم‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

1213- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الثّوْمِ والْبَصَل

1810- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ عن ابنِ جُرَيْجٍ حدثنا عَطَاءٌ عن جَابِر قالَ‏:‏ قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ قال أوّلَ مَرّةٍ الثوم ثُم قَالَ الثومَ والبَصَلَ والكُرّاثَ، فلا يَقْرَبْنَا في مساجدنا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قال وفي الباب عن عُمَرَ وأبي أيّوبَ وأبي هُرَيْرَةَ وأبي سَعِيدٍ وجَابِرٍ بنِ سَمُرَةَ وَقُرّةَ بن إياس المزني وابنِ عُمَرَ‏.‏

1811- حدثنا محمودُ بنُ غَيلاَنَ، حدثنا أبُو دَاوُدَ أَنْبَأنَا شُعْبَةُ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ سَمِعَ جَابِرَ بنَ سَمُرَةَ يقولُ‏:‏ ‏"‏نَزَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيّوبَ، وكانَ إذَا أكَلَ طَعَاماً بَعَثَ إليهِ بِفَضْلِهِ، فَبَعَثَ إليهِ يَوْمَاً بِطَعَامٍ ولَمْ يَأْكُلُ مِنْهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمّا أتَى أبُو أيّوبَ النبي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذلكَ لَهُ، فقالَ فِيهِ ثوم، فقالَ يَا رسُولَ الله أحَرَامٌ هُوَ‏؟‏ قالَ‏:‏ لا ولَكِنّي أكْرَهُهُ مِنْ أجْلِ رِيحهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أكل من هذه‏)‏ أي هذه الشجرة قوله‏:‏ ‏(‏قال أول مرة الثوم‏)‏ هذا قول ابن جريج، والضمير المرفوع في قال يرجع إلى عطاء كما فتح الباري في شرح باب الثوم الني والبصل والكراث، وقوله الثوم بالحربيان لهذه ‏(‏ثم قال‏)‏ أي عطاء مرة أخرى ‏(‏الثوم والبصل والكراث‏)‏ الثوم بضم الثاء المثلثة يقال له بالفارسية والهندية كندنا ‏(‏فلا يقربنا في مسجدنا‏)‏ قال النووي بعد أن ذكر حديث مسلم بلفظ‏:‏ فلا يقربن المساجد، هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله في رواية‏:‏ فلا يقربن مسجدنا‏.‏ وحجة الجمهور فلا يقربن المساجد‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ ويكون مسجدنا للجنس أو لضرب المثال، فإنه معلل إما بتأذى الاَدميين أو بتأذي الملائكة الحاضرين وذلك قد يوجد في المساجد كلها‏.‏ ثم إن النهي إنما هو عن حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما، فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به‏.‏ وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها لأنها تمنع عن حضور الجماعة وهي عندهم فرض عين، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث‏:‏ كل فإني أناجي من لا تناجي، قوله صلى الله عليه وسلم أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها‏.‏ أخرجه مسلم وغيره‏.‏

قال العلماء‏:‏ ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رائحة كريهة من المأكولات وغيرها‏.‏ وقال القاضي عياض‏:‏ ويلحق به من أكل فجلا وكان يتجشى، قال‏:‏ وقال ابن المرابط‏:‏ ويلحق به من به بخوفي فيه أو به جرح له رائحة‏.‏ قال القاضي‏:‏ وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلي العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها، ولا يلتحق بها الأسواق ونحوها انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ وفيه أن العلة إن كانت هي التأذي فلا وجه لإخراج الأسواق، وإن كانت مركبة من التأذي وكونه حاصلاً للمشتغلين بطاعة صح ذلك، ولكن العلة المذكورة في الحديث هي تأذي الملائكة فينبغي الاقتصار على إلحاق المواطن التي تحضرها الملائكة‏.‏ وقد ورد في حديث عند مسلم بلفظ‏:‏ لا يؤذينا بريح الثوم، وهي تقتضي التعليل بتأذي بني آدم‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ والظاهر أن كل واحد منهما علة مستقلة انتهى وعلى هذا الأسواق كغيرها من مجامع العبادات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر بن سمرة وقرة وابن عمر‏)‏ أما حديث عمر فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة عنه أنه خطيب يوم الجمعة فقال في خطبته‏:‏ ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين البصل والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمطهما طبخاً وأما حديث أبي أيوب فأخرجه مسلم في باب إباحة أكل الثوم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الثوم، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم عنه وفيه، من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربنا في المسجد، فقال الناس‏:‏ حرمت حرمت، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها، وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه‏.‏ وأما حديث قرة فأخرجه أبو داود والنسائي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين وقال‏:‏ من أكلهما فلا يقربن مسجدنا‏.‏ وقال إن كنتم لا بد آكليهما فأميتوهما طبخاً وأم حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأبو داود‏.‏

1214- باب ما جاءَ في الرخصة في أَكْلِ الثّوْمِ مطبوخا

1812- حدثنا محمدُ بنُ مَدّويِه، حدثنا مُسَدّدٌ، حدثنا الْجَرّاحُ بنُ مَلِيحٍ والد وكيع عن أبي إسحاقَ عن شَرِيكِ بنِ حنْبَلٍ عن عَلِيّ أنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏نُهِيَ عن أَكْلِ الثّوْمِ إلاّ مَطْبُوخَاً‏"‏‏.‏

1813- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ عن أبيهِ عن أبي إسحاقَ عن شَرِيكِ بنِ حَنْبَلٍ عن عَلِي قال ‏"‏لا يصلح أكل الثوم الا مطبوخاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا الحَدِيثُ لَيْسَ إسْنَادُهُ بذلك القَوِيّ، وقد روى هذا عن عليّ قوله ورُوِيَ عن شَرِيك بنِ حَنْبَلٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً‏.‏ قال محمد‏:‏ الجراح بن مليح صدوق والجراح بن الضحاك مقارب الحديث‏.‏

1814- حدثنا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ البزّارُ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن عُبَيْدِ الله بن أبي يَزِيدَ عن أبِيهِ عن أُمّ أَيّوبَ أخْبَرَتْهُ أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عليهم، فَتَكَلّفُوا له طَعَاماً فيهِ مِنْ بَعْضِ هذه البُقُولِ، فَكَرِهَ أكْلَهُ، فقال لأصحابِه‏:‏ كُلُوهُ فإني لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إني أخَافُ أنْ أُوذِيَ صَاحِبي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ وأُمّ أَيّوبَ هِيَ امْرَأَةُ أبي أيّوبَ الأنصاري‏.‏

1815- حدثنا محمدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا زَيْدُ بنُ الْحُبَابِ عن أبي خَلْدَةَ عن أبي الَعَالِيَةِ قال‏:‏ الثّوْمُ مِنْ طَيّبَاتِ الرّزْقِ‏.‏ وأبو خَلْدَةَ اسْمُهُ خَالِدُ بنُ دِينَارٍ، وهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أهْلِ الْحَدِيثِ‏.‏ وقد أدْرَكَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ وسَمِعَ منه‏.‏ وأبو العَالِيَةِ اسْمُهُ رُفَيعٌ وهو الرّيَاحِيّ‏.‏ قالَ عَبْدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِيّ كانَ أبُو خَلْدَةَ خِيَاراً مُسْلِماً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب‏)‏ أي حين قدم من مكة إلى المدينة مهاجراً ‏(‏وكان إذا أكل بعث إليه بفضله‏)‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء في هذا أنه يستحب للأكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب فضله ليواسي بها من بعده لاسيما إن كان مما يتبرك بفضلته، وكذا إذا كان في الطعام قلة ولهم إليه حاجة ويتأكد هذا في حق الضيف لاسيما إن كانت عادة أهل الطعام أن يخرجوا كل ما عندهم وينتظر عيالهم الفضلة كما يفعله كثير من الناس، ونقلوا أن السلف كانوا يستحبون إفضال هذه الفضلة المذكورة، وهذا الحديث أصل ذلك كله ‏(‏أحرام هو قال لا ولكني أكرهه من أجل ريحه‏)‏ هذا تصريح بإباحة الثوم وهو مجموع عليه، لكن يكره لمن أراد حضور المسجد‏.‏ أو حضور جمع في غير المسجد أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ماله رائحة كريهة‏.‏ قال النووي‏:‏ واختلف أصحابنا في حكم الثوم في حقه صلى الله عليه وسلم وكذلك البصل والكراث ونحوها، فقال بعض أصحابنا‏:‏ هي محرمة عليه، والأصح عندهم أنها مكروهة كراهة تنزيه ليست محرمة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لا في جواب قوله أحرام هي‏؟‏ ومن قال بالأول يقول‏:‏ معنى الحديث ليس بحرام في حقكم انتهى‏.‏

قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن مدويه‏)‏ هو محمد بن أحمد بن الحسين بن مدويه القرشي أبو عبد الرحمن الترمذي قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسدد‏)‏ بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري أبو الحسن ثقة حافظ يقال إنه أول من صنف المسند بالبصرة من العاشرة، ويقال اسمه عبد الملك بن عبد العزيز، كذا في التقريب ‏(‏حدثنا الجراح ابن مليح‏)‏ بن عدي الرؤاسي والد وكيع صدوق يهم من السابعة قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن شريك بن حنبل‏)‏ العبسي الكوفي وقيل ابن شرحبيل، ثقة من الثانية ولم يثبت أن له صحبة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى له أبو دارد والترمذي حديثاً في الثوم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه قال نهى‏)‏ بصيغة المجهول قوله‏:‏ ‏(‏عن أكل الثوم‏)‏ وفي معناه البصل والكراث ونحوهما ‏(‏إلا مطبوخاً‏)‏ هذا الحديث يفيد تقييد ما ورد من الأحاديث المطلقة في النهي ‏(‏وقد روى هذا عن علي أنه قال الخ‏)‏ يعني حديث على المذكور بلفظ أنه قال نهى عن أكل الثوم الخ مرفوع، وقد روى عنه هذا موقوفاً عليه ورواه الترمذي بعد هذا بقوله حدثنا هناد حدثنا وكيع الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي‏)‏ في سنده أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس وقد اختلط بآخره، والحديث أخرجه أبو داود أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ بالتصغير ‏(‏ابن أبي يزيد‏)‏ المكي مولى آل قارظ بن شيبة ثقة كثير الحديث من الرابعة‏.‏ ووقع في النسخة الأحمدية عن عبد الله مكبراً وهو غلط ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي أبي يزيد المكي حليف بني زهرة يقال له صحبة وثقه ابن حبان من الثانية كذا في التقريب قوله‏:‏ ‏(‏عن أم أيوب‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ أم أيوب الأنصارية الخزرجية زوج أبي أيوب وهي بنت قيس بن سعد بن أمريء القيس، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عبيد الله بن أبي يزيد عنها أنهم تكلفوا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فيه بعض هذه البقول، فقربوه فكرهه الحديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتكلفوا له طعاماً‏)‏ قال في المجمع‏:‏ تكلفت الشيء تجشمته على مشقة وعلى خلاف عادتك انتهى ‏(‏فيه من بعض هذه القبول‏)‏ من الثوم والبصل حديث جابر عند الشيخين‏:‏ فإني أناجي من لاتناجى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي خلدة‏)‏ قال في التقريب‏:‏ خالد بن دينار التميمي السعدي أبو خلدة بفتح المعجمة وسكون اللام مشهور بكنيته البصري الخياط صدوق من الخامسة ‏(‏عن أبي العالية‏)‏ اسمه رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي، ثقة كثير الإرسال من الثانية، كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الثوم من طيبات الرزق‏)‏ يعني هو حلال، وما ورد من النهي فيه فهو لأجل ريحه لا لأنه حرام كما مر في حديث أبي أيوب‏.‏

1215- باب ما جَاءَ في تَخْمِيرِ الإنَاءِ وإطفاء السّراجِ والنار عند المنام

1816- حدثنا قُتَيْبَةُ عن مَالِكٍ بن أنس عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ قالَ‏:‏ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أغْلِقُوا البَابَ وَأوْكِئوا السّقَاءَ وأكْفِئُوا الإنَاءَ أوْ خَمّرُوا الإنَاءَ، واطْفِئُوا المِصْبَاحَ، فإنّ الشّيْطَانَ لا يَفْتَحُ غلقاً، ولا يَحلّ وِكَاءً، ولا يَكْشِفُ آنِيَةً، وإنّ الفُوَيْسِقَةَ تضْرِمُ على الناسِ بَيْتَهُمْ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وأبي هُرَيْرَةَ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن جَابِرٍ‏.‏

1817- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ وغَيْرُ وَاحِدٍ، قالوا حدثنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن سَالِمٍ عن أبيهِ قالَ‏:‏ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَتْرُكُوا النّارَ في بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

‏(‏أغلقوا الباب‏)‏ من الإغلاق، زاد مسلم في رواية‏:‏ واذكروا اسم الله ‏(‏وأوكوا‏)‏ بفتح الهمزة وضم الكاف من الإيكاء ‏(‏السقاء‏)‏ بكسر السين أي شدوا واربطوا رأس السقاء بالوكاء وهو ما يشد به فم القربة‏.‏ وزاد مسلم‏:‏ واذكروا اسم الله ‏(‏وأكفئوا الإناء‏)‏ أي اقلبوه، قال في القاموس‏:‏ كفأه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كأكفأه انتهى ‏(‏أو خمروا الإناء‏)‏ بفتح معجمة وتشديد ميم أي غطوه، وفي رواية لمسلم‏:‏ وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئاً ‏(‏وأطفئوا‏)‏ بهمزة قطع وكسر فاء فهمزة مضمومة ‏(‏المصباح‏)‏ أي السراج ‏(‏فإن الشيطان لا يفتح غلقاً‏)‏ بضم الغين المعجمة واللام أي مغلقاً‏.‏ قال في التقريب القاموس‏:‏ باب غلق بضمتين مغلق انتهى‏.‏ واللام في الشيطان للجنس إذ ليس المراد فرداً بعينه، والمعنى أن الشيطان لا يقدر على فتح باب أغلق مع ذكر الله عليه‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ وعن بعض الفضلاء أن المراد بالشيطان شيطان الإنس لأن غلق الأبواب لا يمنع الشياطين الجن، وفيه نظر لأن المراد بالغلق الغلق المذكور فيه اسم الله تعالى، فيجوز أن يكون دخولهم من جميع الجهات ممنوعاً ببركة التسمية وإنما خص الباب بالذكر لسهولة الدخول منه فإذا منع منه كان المنع من الأصعب بالأولى‏.‏ وفي الجامع الصغير عن أبي أمامة مرفوعاً‏:‏ أجيفوا أبوابكم وأكفئوا آنيتكم وأوكؤا أسقيتكم وأطفئوا سرجكم فإنهم لم يؤذن لهم بالتسور عليكم، رواه أحمد ‏(‏ولا يحل‏)‏ بضم الحاء أي لا ينقض‏.‏ قال في القاموس‏:‏ حل العقدة نقضها ‏(‏وكاء‏)‏ بكسر الواو ‏(‏ولا يكشف آنية‏)‏ أي بشرط التسمية عند الأفعال جميعها، وفي رواية لمسلم‏:‏ غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء‏.‏ قال النووي‏:‏ ذكر العلماء للأمر بالتغطية فوائد، منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث وهما صيانته من الشيطان، فإن الشيطان لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء، وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة‏.‏ والفائدة الثالثة صيانته من النجاسة والمقذرات‏.‏ والرابعة صيانته من الحشرات والهوام فربما وقع شيء منها فيه فشربه، وهو غافل أو في الليل فيتضرر به انتهى ‏(‏فإن الفويسقة‏)‏ قال القاري تعليل لقوله‏:‏ وأطفئوا المصباح، واعترض بينهما بالعلل للأفعال السابقة ولو ثبت الرواية هنا بالواو لكانت العلل مرتبة على طريق اللف والنشر، ثم رأيت في القاموس أن الفاء تجيء بمعنى الواو انتهى‏.‏ والفويسقة تصغير الفاسقة والمراد الفأرة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها ‏(‏تضرم‏)‏ بضم التاء وإسكان الضاد أي تحرق سريعاً‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ ضرمت النار بكسر الراء وتضرمت وأضرمت أي التهبت، وأضرمتها أنا وضرمتها ‏(‏على الناس بيتهم‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ واطفئوا المصابيح فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس‏)‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم عنه قال‏:‏ جاءت فأرة تجر الفتيلة فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعداً عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها، دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم، فإذا انتفت العلة زال المانع انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه‏.‏

1216- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ الْقِرانِ بَيْنَ التّمْرَتَيْن

القران بكسر القاف وتخفيف الراء ضم تمرة إلى تمرة، لمن أكل مع جماعة‏.‏

1818- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو أحمدَ الزّبَيْرِيّ و عُبَيْدُ الله عن الثّوْرِيّ عن جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ ‏"‏نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يقْرنَ بَيْنَ التّمْرَتَيْنِ حتّى يَسْتَأْذِنَ صَاحِبَهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن سَعْدٍ مَوْلَى أبي بَكْرٍ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعبيد الله‏)‏ هو ابن موسى العبسي الكوفي ‏(‏عن جبلة‏)‏ بفتح الجيم والموحدة ‏(‏بن سحيم‏)‏ بمهملتين مصغراً كوفي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن‏)‏ أي يجمع وهو بضم الراء وكسرها لغتان يقال قرن بين الشيئين‏.‏ قالوا‏:‏ ولا يقال أقرن ‏(‏بين التمرتين‏)‏ أي بأن يأكلهما دفعة ‏(‏حتى يستأذن صاحبه‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ حتى يستأذن أصحابه أي الذين اشتركوا معه في ذلك التمر، فإذا أذنوا جاز له القران، قال النووي‏:‏ هذا النهي متفق عليه حتى يستأذنهم، فإذا أذنوا فلا بأس‏.‏ واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم، وعن غيرهم أن للكراهة والأدب، والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقيناً أو ظناً قوياً أنهم يرضون به، ومتى شك في رضاهم فهو حرام وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده، فإن قرن بغير رضاه فحرام ويستحب أن يستأذن الاَكلين معه ولا يجب وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران ثم إن كان في الطعام قلة فحسن أن يقرن لتساويهم، وإن كان كثيراً بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقاً التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستحيلاً ويريد الإسراع لشغل آخر‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ إنما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقاً، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن، وليس كما قال، بل الصواب ما ذكرنا من التفضيل، فإن الاعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لو ثبت السبب، كيف وهو غير ثابت انتهى كلام النووي‏.‏

تنبيه‏:‏

قد أخرج ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وهو في مسند البزار من طريق ابن بريدة عن أبيه رفعه‏:‏ كنت نهيتكم عن القران في التمر وإن الله وسع عليكم فاقرنوا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ في سنده ضعف‏.‏ وقال الحازمي‏:‏ حديث النهي أصح وأشهر إلا أن الخطب فيه يسير لأنه ليس من باب العبادات وإنما هو من قبيل المصالح الدنيوية فكيتفي فيه بمثل ذلك، ويعضده إجماع الأمة على جواز ذلك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ مراده بالجواز في حال كون الشخص مالكاً لذلك المأكول ولو بطريق الإذن له فيه كما قرره النووي وإلا فلم يجز أحد من العلماء أن يستأثر أحد بمال غيره بغير إذنه حتى لو قامت قرينة تدل على أن الذي وضع الطعام بين الضيفان لا يرضيه استئثار بعضهم على بعض، حرم الاسئثار جزماً، وإنما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا‏.‏ وذكر أو موسى المديني في ذيل الغربيين عن عائشة وجابر استقباح القران لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه‏.‏ وقال مالك‏:‏ ليس بجميل أن يأكل أكثر من رفقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد مولى أبي بكر‏)‏ أخرجه ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

1217- باب ما جَاءَ في اسْتِحْبَابِ التّمْر

1819- حدثنا محمدُ بنُ سَهْيل بن عَسْكَرٍ البغدادي و عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ قالا حدثنا يَحْيَى بنُ حَسّانَ حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلالٍ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبِيهِ عن عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏بَيْتٌ لا تَمْرَ فيهِ جِيَاعٌ أهْلُهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن سلْمَى امْرَأَةِ أبي رَافِعٍ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ إلا مِنْ هذا الوَجْهِ‏.‏ قال‏:‏ وسألت البخاريّ عن هذا الحديث فقال‏:‏ لا أعلم أحداً رواه غير يحيى بن حسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن حسان‏)‏ التنيسي من أهل البصرة، ثقة من التاسعة ‏(‏حدثنا سليمان بن بلال‏)‏ التيمي مولاهم أبو محمد، ويقال أبو أيوب المدني، ثقة من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيت لا تمر فيه جياع‏)‏ بكسر الجيم جمع جائع ‏(‏أهله‏)‏ قيل أراد به أهل المدينة ومن كان قوتهم التمر، أو المراد به تعظيم شأن التمر‏.‏ قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي‏:‏ لأن التمر كان قوتهم فإذا خلا منه البيت جاع أهله، وأهل كل بلدة بالنظر إلى قوتهم يقولون كذلك‏.‏ وقال النووي‏:‏ فيه فضيلة التمر وجواز الادخار للعيال والحث عليه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ويمكن أن يحمل على الحث على القناعة في بلدة يكثر فيه التمر يعني بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع أهله وإنما الجائع من ليس عنده تمر، وينصره حديث عائشة‏:‏ كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً إنما هو التمر والماء إلا أن يؤتى باللحم، أخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سلمى إمرأة أبي رافع‏)‏ أخرجه ابن ماجه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ بيت لا تمر فيه كالبيت لا طعام فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب الخ‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه‏.‏

1218- باب ما جاءَ في الْحَمْدِ على الطّعَامِ إذَا فُرغَ مِنْه

1820- حدثنا هَنّادٌ و محمودُ بنُ غَيْلاَنَ قالا حدثنا أبُو أُسَامَةَ عن زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ عن سَعِيدِ بنِ أبي بُرْدَةَ عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنّ الله ليَرْضَى عن الْعَبْدِ أنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ أوْ يَشْرَبَ الشّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عليها‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وأبي سَعِيدٍ وعائشةَ وأبي أيُوبَ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد رَوَاهُ غَيْرُ واحِدٍ عن زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ نَحْوَهُ، ولا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديث زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو أسامة‏)‏ اسمه حماد بن أسامة ‏(‏عن سعيد بن أبي بردة‏)‏ بمضمومة فساكنة وإهمال دال ابن أبي موسى الأشعري الكوفي ثقة ثبت وروايته عن ابن عمر مرسلة من الخامسة كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل‏)‏ أي بسبب أن يأكل أو لأجل أن يأكل، أو مفعول به ليرضى، يعني يجب منه أن يأكل ‏"‏الأكلة‏"‏ قال النووي‏:‏ الأكلة هنا بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغذاء أو العشاء انتهى‏.‏ وقال القاري‏:‏ بفتح الهمزة أي المرة من الأكل حتى يشبع، ويروي بضم الهمزة أي اللقمة وهي أبلغ في بيان اهتمام أداء الحمد لكن الأول أوفق مع قوله أو يشرب الشربة فإنها بالفتح لا غير، وكل منها مفعول مطلق لفعله ‏(‏فيحمده‏)‏ بالنصب وهو ظاهر ويجوز الرفع أي العبد يحمده ‏(‏عليها‏)‏ أي على لك واحدة من الأكلة والشربة‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ اتفقوا على استحباب الحمد بعد الطعام ووردت في ذلك أنواع يعني لا يتعين شيء منها‏.‏ وقال النووي في الحديث استحباب حمد الله تعالى عقب الأكل والشرب، وقد جاء في البخاري صفة التحميد الحمد كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا‏.‏ وجاء غير ذلك، ولو اقتصر على الحمد لله حصل أصل السنة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عقبة بن عامر وأبي سعيد وعائشة وأبي أيوب وأبي هريرة‏)‏ أما حديث عقبة بن عامر فلينظر من أخرجه، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي في أبواب الدعوات‏.‏ وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال‏:‏ الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وابن حبان والحاكم كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

1219- باب ما جاءَ في الأكْلِ مَعَ المَجْذوم

1821- حدثنا أحمدُ بنُ سَعِيدٍ الأَشْقَرُ و إبراهيمُ بنُ يَعْقُوبَ قالا حدثنا يُونُسُ بنُ محمدٍ حدثنا المُفَضّلُ بنُ فَضَالَةَ عن حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ عن محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ عن جَابِرِ بن عبدالله‏:‏ ‏"‏أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ، فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ في القَصْعَةِ، ثُمّ قالَ‏:‏ كُلْ بِسْمِ الله ثِقَةً بالله وَتَوَكّلاً عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بنِ محمدٍ عن المُفضّلِ بنِ فَضَالَةَ، هذا شَيْخٌ بَصْرِي‏.‏ والمُفَضّلُ بنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ آخَرٌ بصري أوثَقُ مِنْ هَذَا وأشْهَرُ‏.‏ وقد رَوَى شُعْبَةُ هذا الْحَدِيثَ عن حَبِيبٍ بنِ الشّهِيدِ عن ابنِ بُريْدَةَ أنّ ابن عُمَرَ أخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ‏.‏ وحَدِيثُ شُعْبَةُ أثبت عِنْدِي وَأصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن سعيد الأشقر‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أحمد بن سعيد بن إبراهيم المروزي أبو عبد الله الأشقر ثقة حافظ من الحادية عشرة ‏(‏وإبراهيم بن يعقوب‏)‏ هو الجوزجاني ‏(‏حدثنا يونس بن محمد‏)‏ بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب ثقة ثبت من صغار التاسعة ‏(‏حدثنا المفضل بن فضالة‏)‏ بن أبي أمية البصري كنيته أبو مالك أخو مبارك بن فضالة ضعيف من التاسعة كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن أبيه وحبيب بن الشهيد وغيرهما‏.‏ وعنه يونس بن محمد المؤدب وغيره‏.‏ قال الدوري عن ابن معين‏:‏ ليس بذاك، وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات له في السنن حديثه عن حبيب عن ابن المنكدر عن جابر‏:‏ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة الحديث، قال ابن عدي‏:‏ لم أر له أنكر من هذا يعني حديث جابر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخذ بيد مجذوم‏)‏ قال الأردبيلي‏:‏ المجذوم الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عمر يده في القصعة وأكل معه هو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي ‏(‏فأدخله معه‏)‏ وفي رواية ابن ماجه‏:‏ فأدخلها معه، وفي رواية أبي داود‏:‏ فوضعها معه، فتذكير الضمير في قوله‏:‏ أدخله في رواية الترمذي بتأويل العضو في ‏(‏القصعة‏)‏ بفتح القاف، وفيه غاية التوكل من جهتين إحداهما الأخذ بيده، وثانيهما الأكل معه، وأخرج الطحاوي عن أبي ذر‏:‏ كل مع صاحب البلاء تواضعاً لربك إيماناً ‏(‏كل بسم الله ثقة بالله‏)‏ بكسر المثلثة مصدر بمعنى الوثوق كالعدة والوعد وهو مفعول مطلق، أي كل معي أثق ثقة بالله أي اعتماداً به وتفويضاً للأمر إليه ‏(‏وتوكلا‏)‏ أي وأتوكل توكلاً ‏(‏عليه‏)‏ والجملتان حالان ثانيتهما مؤكدة للأولى‏.‏ قال الأدبيلي‏:‏ قال البيهقي‏:‏ أخذه صلى الله عليه وسلم بيد المحذوم ووضعها في القصعة وأكله معه في حق من يكون حاله الصبر على المكروه وترك الاختيار في موارد القضاء، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فر من المجذوم كما تفر من الأسد، وأمره صلى الله عليه وسلم في مجذوم بني ثقيف بالرجوع في حق من يخاف على نفسه العجز عن احتمال المكروه والصبر عليه فيحرز بما هو جائز في الشرع من أنواع الاحترازات انتهى‏.‏ قال النووي قال القاضي‏:‏ قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المجذوم فثبت عنه الحديثان المذكوران، يعني حديث فر من المجذوم وحديث المجذوم في وفد ثقيف‏.‏ وروى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم وقال له‏:‏ كل ثقة بالله وتوكلا عليه‏.‏ وعن عائشة قالت‏:‏ كان لنا مولى مجذوم فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي‏.‏ قال‏:‏ وقد ذهب عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ، والصحيح الذي قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه‏:‏ لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين، وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط لا الوجوب، وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم ‏(‏والمفضل بن فضالة شيخ آخر بصري الخ‏)‏ قال في التقريب‏:‏ المفضل بن فضالة بن عبيد بن ثمامة القتباني المصري أبو معاوية القاضي ثقة فاضل عابد أخطأ ابن سعد في تضعيفه من الثامنة انتهى‏.‏ وروي شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن ابن بريدة قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ ابن بريدة هو عبد الله وأخوه سليمان، قال البزار‏:‏ أما علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار ومحمد بن جحادة فإنما يحدثون عن سليمان فحيث أبهموا ابن بريدة فهو سليمان وكذا الأعمش عندي‏.‏ وأما من عدا هؤلاء حيث أبهموا ابن بريدة فهو عبد الله انتهى ‏(‏وحديث شعبة أشبه عندي وأصح‏)‏ حديث شعبة هذا منقطع، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن بريدة‏:‏ قال ابن أبي حاتم في المراسيل‏:‏ قال أبو زرعة‏:‏ لم يسمع من عمر انتهى‏.‏