فصل: الجزء السادس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


الجزء السادس

1258- باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في الشّرْبِ قَائِما

1884- حدّثنا أبو السّائِبِ سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سَلْمٍ الكُوفِيّ حدثنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن عُبَيْدِ الله بن عُمَرَ عن نافِع عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ ‏"‏كُنّا نَأَكُلُ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عن نَافِع عن ابنِ عُمَرَ، وَرَوَى عِمْرانُ بنُ حُدَيْرٍ هذا الْحَدِيثَ عن أبي البَزَرِيّ عن ابنِ عُمَرَ وَأَبُو البَزَرِيّ اسْمُه يَزِيدُ بنُ عُطَارِدٍ‏.‏

1885- حدّثنا أَحْمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا هُشَيْمٌ حدثنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ و مُغِيرَةُ عن الشّعْبِيّ عن ابنِ عَبّاسٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ مِنْ زَمْزَم وَهُوَ قَائِمٌ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عَلِيٍ وسَعْدٍ وعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

1886- حدّثنا قُتَيْبَةُ حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ عن حُسَيْنٍ المُعَلّمِ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيِه عن جَدّهِ قالَ‏:‏ ‏"‏رأيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَائِماً وقاعداً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي في زمانه ‏(‏ونحن نمشي‏)‏ جملة حالية ‏(‏ونشرب‏)‏ عطف على نأكل ‏(‏ونحن قيام‏)‏ قيد للأخير‏.‏ وفي هذا الحديث دلالة على جواز الأكل ماشياً، وحديث أنس المذكور في الباب المتقدم يدل على المنع‏.‏ فيحمل حديث أنس على كراهية التنزيه، وحديث ابن عمر على الجواز مع الكراهة جمعاً بين الحديثين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى عمران بن حدير‏)‏ بمهملات مصغراً السدوسي أبو عبيدة البصري ثقة من السادسة ‏(‏وأبو البزري‏)‏ بفتح الموحدة والزاي بعدها راء ‏(‏اسمه يزيد بن عطارد‏)‏ مقبول من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشيم‏)‏ هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي ‏(‏ومغيرة‏)‏ هو ابن مقسم الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم‏)‏ قال السيوطي‏:‏ هذا لبيان الجواز وقد يحمل على أنه لم يجد موضعاً للقعود لإزدحام الناس على ماء زمزم أو ابتلال المكان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وسعد عبد الله بن عمرو وعائشة‏)‏ أما حديث علي فأخرجه أحمد والبخاري عنه أنه في رحبة الكوفة شرب وهو قائم إن ناساً يكرهون الشرب قائماً وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت‏.‏ كذا في المنتقي‏.‏ وأما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه الترمذي‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه البزار وأبو علي الطوسي في الأحكام كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر‏)‏ هو المدني البصري المعروف بغندر ‏(‏عن حسين المعلم‏)‏ هو ابن ذكوان العوذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي أبصرته حال كونه ‏(‏يشرب قائماً‏)‏ أي مرة أو مرتين لبيان الجواز أو لمكان الضرورة ‏(‏وقاعداً‏)‏ أي في سائر أوقاته‏.‏ وأحاديث الباب كلها تدل على جواز الشرب قائماً، وأحاديث الباب المتقدم تدل على النهي عنه‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ وسلك العلماء في ذلك مسالك أحدها الترجيح، وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي، وهذه طريقة أبي بكر الأثرم فقال حديث أنس يعني في النهي جيد اللإسناد، ولكن قد جاء عنه خلافه يعني في الجواز، قال‏:‏ ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى لأن التثبت قد يروي هو ومن دونه الشيء فيرجح عليه، فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر وسالم مقدم على نافع في التثبت، وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث ثم أسند عن أبي هريرة قال لابأس بالشرب قائماً‏.‏ قال الأثرم‏:‏ فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة وإلا لما قال لابأس به قال‏:‏ ويدل علي وهذه أحاديث النهي أيضاً اتفاق العلماء على أنه ليس لأحد شرب قائماً أن يستقيء‏.‏

المسلك الثاني‏:‏ دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا على أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز، وقد عكس ذلك ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكاً بأن الجواز على وفق الأصل وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع، فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس، وإذا كان ذلك الأخير من فعله صلى الله عليه وسلم دل على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين بعده‏.‏

المسلك الثالث‏:‏ الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل، فقال أبو الفرج الثقفي‏:‏ المراد بالقيام هنا المشي، يقال‏:‏ قام في الأمر إذا مشى فيه، وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ما دمت عليه قائماً‏}‏ أو مواظباً بالمشي عليه، وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه، وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها‏.‏ وسلك آخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض، وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيراً، فقال إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزاً ثم حرمه أو كان حراماً ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً واضحاً، فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينهما بهذا‏.‏ وقيل إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به، فإن الشرب قاعداً أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق، وكل ذلك قد لايأمن منه من شرب قائماً‏.‏ انتهى كلام الحافظ‏.‏

وقال النووي‏:‏ الصواب أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائماً فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض، وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه‏.‏ وأما من زعم نسخاً أو غيره فقد غلط غلطاً فاحشاً، وكيف يصار الى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ وأني له بذلك، فإن قيل‏:‏ كيف يكون الشرب قائماً مكروهاً وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بياناً للجواز لا يكون مكروهاً، بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مكروهاً، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وطاف على بعير مع أن الإجماع على أن الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، والطواف ماشياً أكمل، ونظائر هذا غير منحصرة، فكان صلى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشيء مرة أو مرات ويواظب على الأفضل منه، وهكذا كان أكثر وضوئه ثلاثاً ثلاثاً، وأكثر طوافه ماشياً، وأكثر شربه جالساً، وهذا واضح لا يتشكك فيه من له أدنى نسبة إلى علم‏.‏ وأما قوله صلى الله عليه وسلم فمن نسي فليستقيء فمحمول على الاستحباب والندب فيستحب لمن شرب قائماً أن يتقيأه لهذا الحديث الصحيح الصريح، فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب‏.‏ وأما قول القاضي عياض‏:‏ لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب ناسياً ليس عليه أن يتقيأ فأشار بذلك إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته‏.‏ وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاء لا يمنع كونها مستحبة، فإن ادعى مدع منع الاستحباب فهو مجازف لا يلتفت إليه، فمن أين له الإجماع على منع الاستحباب‏؟‏ وكيف تترك هذه السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوي والترهات‏؟‏ ثم اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائماً ناسياً ومتعمداً، وذكر الناسي في الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى لأنه إذا أمر بالناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف الأولى، وهذا واضح لا شك فيه‏.‏

1259- باب ما جَاءَ في التّنَفّسِ في الإنَاء

1887- حدّثنا قُتَيْبَةُ و يُوسُفُ بنُ حَمّادٍ قالا‏:‏ حدثنا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ عن أبي عِصَامٍ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفّسُ في الإنَاءِ ثَلاَثاً ويَقُولُ‏:‏ هُوَ أَمْرَأُ وَأَرْوَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيِبٌ‏.‏ وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدّسْتَوَائِي عن أَبي عِصَامٍ عن أَنَسٍ‏.‏ وَرَوَى عَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ عن ثُمَامَةَ عن أَنَس‏:‏ ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفّسُ في الإنَاءِ ثَلاَثاً‏"‏‏.‏

1888- حدثنا بذلك محمد بن بشّار حدثنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيّ حدثنا عَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيّ عن ثُمَامَةَ بنِ أَنَسٍ عن أَنسِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَتَنَفّسُ في الإِنَاءِ ثَلاَثاً‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1889- حدّثنا أَبو كُرَيْبٍ حدثنا وَكِيعٌ عن يَزيِدَ بنِ سِنَانٍ الْجَزَرِيّ عن ابنٍ لِعَطَاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ عن ابيهِ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تَشْرَبُوا واحِداً كَشُرْبِ البَعِيرِ وَلَكِنْ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاثَ وسَمّوا إذا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، واحْمدُوا إذا أَنتمْ رَفَعْتُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريب‏.‏ وَيَزيدُ بنُ سِنَانٍ الجَزَرِيّ هُوَ أبو فَرْوَةَ الرّهَاوِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عصام‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ أبو عصام المزني البصري روى عن أنس في التنفس في الإناء، وعنه شعبة وهشام الدستوائي وعبد الوارث بن سعيد ذكره ابن حبان في الثقات انتهى‏.‏ وقال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ أبو عصام هذا لا يعرف اسمه وانفرد به مسلم وليس له في كتابه سوى هذا الحديث انتهى‏.‏ ‏(‏كان يتنفس في الإناء ثلاثاً‏)‏ ووقع في رواية مسلم‏:‏ يتنفس في الشراب ثلاثاً، ووقع في رواية أخرى له مثل رواية الترمذي‏.‏ قال النووي‏:‏ معناه في أثناء شربه من الإناء أو في اثناء شربه الشراب ‏(‏ويقول‏)‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏هو‏)‏ أي تعدد التنفس أو التثليث ‏(‏أمرأ‏)‏ من مرأ الطعام إذا وافق المعدة أي أكثر انصياغاً وأقوى هضماً، ومعناه بالفارسية كواراتر ‏(‏وأروي‏)‏ من الري بكسر الراء غير مهموز أي أكثر رياً وأدفع للعطش، ومعناه بالفارسية سيراب كننده تر‏.‏ ووقع في رواية مسلم‏:‏ أنه أروى وأبرأ وأمرأ بزيادة أبرأ قال النووي‏:‏ معنى أبرأ أي أبرأ من ألم العطش، وقيل أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ أبرأ بالهمز من البراءة أو من البرء أي يبرئ من الأذى والعطش، ووقع في رواية أبي داود‏:‏ أهنأ بدل قوله‏:‏ أروى، من الهنأ‏.‏ قال‏:‏ والمعنى أنه يصير هنياً مرياً برياً أي سالماً أو مبرياً من مرض أو عطش، ويؤخذ من ذلك أنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثراً في ضعف الأعضاء وبرد المعدة، واستعمال أفعل التفضيل في هذا يدل على أن للمرتين في ذلك مدخلا في الغضل المذكور، ويؤخذ منه أن النهي عن الشرب في نفس واحد للتنزيه‏.‏ النتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم وأصحاب السنن قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورواه هشام الدستوائي عن أبي عصام عن أنس‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وروى عزرة بن ثابت عن ثمامة عن أنس ألخ‏)‏ أخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏كان في يتنفس الإناء‏"‏ أي في أثناء شربه من الإناء كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ تقدم تخريجه آنفاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد بن سنان الجزري‏)‏ بفتح جيم وزاي وبراء منسوب إلى جزيرة وهي بلاد بين الفرات ودجلة كذا في المغني ضعيف من كبار السابعة ‏(‏عن ابن لعطاء بن أبي رباح‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تشربوا واحداً‏)‏ أي شرباً واحداً ‏(‏كشرب البعير‏)‏ أي كما يشرب البعير دفعة واحدة لأنه يتنفس في الإناء ‏(‏ولكن اشربوا مثنى وثلاث‏)‏ أي مرتين مرتين أو ثلاثة ثلاثة ‏(‏وسمّوا‏)‏ أي قولوا بسم الله الرحمن الرحيم ‏(‏إذا أنتم شربتم‏)‏ أي أردتم الشرب ‏(‏وأحمدوا إذا أنتم رفعتم‏)‏ أي الإناء عن الفم في كل مرة أو في الاَخر قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ قاله الحافظ في الفتح‏:‏ أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الإناء إلى فيه‏.‏ يسمي الله فإذا أخره حمد الله بفعل ذلك ثلاثاً‏.‏ وأصله في ابن ماجة وله شاهد من حديث ابن مسعودعند البزار والطبراني‏.‏ وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس‏:‏ وسموا إذا أنتم شربتم وأحمدوا إذا أنتم وقعتم‏.‏ وهذا يحتمل أن يكون شاهداً لحديث أبي هريرة المذكور، ويحتمل أن يكون المراد به في الابتداء والانتهاء فقط والله أعلم انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ سنده ضعيف انتهى‏.‏

1260- باب ما ذُكِرَ في الشّرْبِ بِنَفَسَيْن

1890- حدّثنا عليّ بْنُ خَشْرَمٍ حدثنا عيسَى بنُ يونُسَ عن رِشْدِينَ بن كُرَيْبٍ عن أبِيِه عن ابنِ عَباسٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا شَرِبَ يَتَنَفّسُ مَرّتَيْنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بنِ كُرَيْبٍ‏.‏

قال‏:‏ وسَأَلتُ أبا محمد عَبْدَ الله بنَ عَبْدِ الرحمنِ عن رِشْدِينَ بن كُرَيْبٍ قلت‏:‏ هُوَ أَقْوَى أَمْ محمدُ بنُ كُرَيْبٍ‏؟‏ قالَ‏:‏ ما أقْرَبَهُماَ ورِشْدِينُ بنُ كُرِيْبٍ أَرْجَحُهُما عِنْدِي، قال‏:‏ وَسَأَلْتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ عن هذا، فقال‏:‏ محمدُ بنُ كُرَيْبٍ أَرْجَحُ من رِشْدِينَ بنِ كُرَيْبٍ‏.‏ والقَوْلُ عندي ما قال أبو محمدٍ عبدُ الله بنْ عبدِ الرحمنِ‏:‏ رِشْدِينُ بنُ كُرَيْبٍ أَرْجَحُ وأكْبرُ، وقد أدركَ ابنَ عباسٍ ورآهُ وهُما أَخَوَانِ وعندهُما مَنَاكِيرُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن رشدين‏)‏ بكسر الراء ‏(‏بن كريب‏)‏ بالتصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا شرب يتنفس مرتين‏)‏ فيه ثبوت الشرب بنفسين، لكن قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ هذا ليس نصاً في الاقتصار على المرتين بل يحتمل أن يراد به التنفس في أثناء الشرب، فيكون قد شرب ثلاث مرات وسكت عن التنفس الأخير لكونه من ضرورة الواقع انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وفي بعض النسخ‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ سنده ضعيف، والحديث أخرجه أيضاً ابن ماجة ‏(‏قال‏)‏ أي أبو عيسى الترمذي ‏(‏وسألت عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي الحافظ صاحب المسند ‏(‏ما أقربهما‏)‏ بصيغة التعجب ‏(‏ورشدين كريب أرجحهما عندي‏)‏ إعلم أن رشديناً ومحمداً هما أخوان ابنان لكريب وكلاهما ضعيفان لكنهما ليسا متساويين في الضعف، فعند الدارمي رشدين أرجح من محمد‏.‏ وعند البخاري بالعكس، ووافقه أبو حاتم فقال‏:‏ يكتب حديثه وهو أحب إلي من أخيه رشدين، وقال الترمذي ربما قال الدارمي‏.‏

1261- باب ما جاء في كَرَاهِية النّفْخِ في الشّرَاب

1891- أخبرنا عليّ بنُ خَشْرَمٍ حدّثنا عيسى بنُ يُونسَ عن مالكِ بنِ أَنَسٍ عن أيوبَ وهُوَ ابنُ حبيبٍ أنه سمعَ أبا المُثَنّى الجُهَنيّ يَذْكُرُ عن أبي سعيدٍ الْخدْرِيّ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن النّفْخِ في الشّرَابِ، فقال رجلٌ‏:‏ اْلقَذَاةُ أَرَاهَا في الإِناء‏؟‏ فَقال‏:‏ أَهْرِقْهَا، فقال‏:‏ فإني لا أَرْوَى من نَفَسٍ وَاحِدٍ‏؟‏ قال‏:‏ فأَبِنْ القَدَحَ إِذنْ عَنْ فِيكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1892- حدّثنا ابن أبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ بن عُيينة عن عبدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيّ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباس‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أن يُتَنَفّس في الإِناءِ أو يُنْفَخَ فِيهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب وهو ابن حبيب‏)‏ الزهري المدني ثقة من السادسة ‏(‏سمع أبا المثنى الجهني‏)‏ المدني مقبول من الثالثة ‏(‏نهى عن النفخ في الشراب‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ إنما نهى عنه من أجل ما يخاف أن يبدر من ريقه فيقع فيه فربما شرب بعده غيره فيتأذى به ‏(‏القذاة أراها‏)‏ أي أبصرها، والقذاة منصوب على شريطة التفسير ‏(‏في الإناء‏)‏ أي الذي فيه الشراب فلا بدلي أن أنفخ في الشراب لتذهب تلك القذاة ‏(‏فقال أهرقها‏)‏ بسكون الهاء من الإراقة بزيادة الهاء أي فارق تلك القذاة عن الشراب ولا تنفخ فيه‏.‏ قال القاري‏:‏ أي بعض الماء لتخرج تلك القذاة منها، والماء قد يؤنث كما ذكره المظهر في حاشية البيضاوي عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسألت أودية بقدرها‏}‏‏.‏ وأشار صاحب القاموس يقول‏:‏ مويه ومويهة ‏(‏فقال‏)‏ أي الرجل ‏(‏فإني لا أروي‏)‏ بفتح الواو ‏(‏من نفس واحد‏)‏ بفتح الفاء أي بتنفس واحد أي لا يحصل لي الري من الماء في تنفس واحد فلا بد لي أن أتنفس في الشراب ‏(‏قال فأبن القدح‏)‏ أي أبعده أمر من الإبانة ‏(‏عن فيك‏)‏ أي عن فمك، زاد في رواية‏:‏ ثم تنفس‏.‏ وفي الحديث دليل على إباحة الشرب من نفس واحد لأنه لم ينه الرجل عنه بل قال ما معناه إن كنت لا تروي من واحد فأبن القدح، وقد ورد النهي عن ذلك كما عرفت في الباب المتقدم، ومجرد الجواز لا ينافي الكراهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والدارمي ومحمد بن الحسن في موطنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى أن يتنفس‏)‏ بصيغة المجهول أي لخوف بروز شيء من ريقه فيقع في الماء وقد يكون متغير الفم فتعلق الرائحة بالماء لرقته ولطافته، فيكون الأحسن في الأدب أن يتنفس بعد إبانة الإناء عن فمه وأن لا يتنفس فيه ‏(‏أو ينفخ‏)‏ بصيغة المجهول أيضاً لأن النفخ إنما يكون لأحد معنيين، فإن كان من حرارة الشراب فليصبر حتى يبرد، وإن كان من أجل قذى يبصره فليمطه بأصبع أو بخلال أو نحوه ولا حاجة إلى النفخ فيه بحال ‏(‏فيه‏)‏ أي في الإناء الذي يشرب منه، والإناء يشمل إناء الطعام والشراب فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الإناء من قذاة ونحوها فإنه لا يخلو النفخ غالباً من بذاق يستقذر منه، وكذا لا ينفخ في الإناء لتبريد الطعام الحار بل يصبر إلى أن يبرد‏.‏ وقال المهلب‏:‏ ومحل هذا الحكم إذا أكل وشرب مع غيره، وأما لو أكل وحده أو مع أهله أو من يعلم أنه لا يتقذر شيئاً مما يتناوله فلابأس‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والأولى تعميم المنع لأن لا يؤمن مع ذلك أن تفضل فضلة أو يحصل التقذر من الإناء أو نحو ذلك انتهى‏.‏

قلت‏:‏ بل هو المتعين عندي والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة، وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره‏.‏

1262- باب ما جاء في كَرَاهِيَةِ التنَفّسِ في الإِناء

1893- حدّثنا إسحاقُ بنُ منصورٍ، حدثنا عبدُ الصّمَدِ بنُ عبدِ الوَارِثِ، حدثنا هِشَامٌ الدسْتوَائِي عن يَحيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن عبدِ الله بنِ أبي قَتَادَةَ عن أبِيهِ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا شرِبَ أحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفّسْ في الإِناءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء‏"‏ هذا بظاهره مخالف لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ الحديثان صحيحان وهما باختلاف تقديرين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يشرب وهو يتنفس في الإناء من غير أن يبينه عن فيه وهو مكروه، والاَخر أن يشرب من الإناء ثلاثة أنفاس يفصل فيها فاه عن الإناء، يقال أكرع في الإناء نفساً أو نفسين أي جرعة أو جرعتين انتهى كلام الجزري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1263- باب ما جاء في النهي عنْ اخْتِناثِ اْلأَسْقِيَة

جمع السقاة وهو القربة‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ خنثت السقاء إذا أثنيت فمه إلى خارج وشربت منه‏.‏ وقبعته إذا اثنيته إلى داخل

1894- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عبدِ الله عن أبي سعيدٍ رِوَايَةً‏:‏ ‏"‏أنه نَهَى عن اخْتِنَاث الأسْقِيَةِ‏"‏‏.‏ قال وفي الباب عن جابرٍ وابنِ عباسٍ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سعيد رواية‏)‏ أي عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أنه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏نهى عن اختناث الأسقية‏)‏ إنما نهي عنه لأنه ينتنها فإن إدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها، وقيل لا يؤمن أن يكون فيها هامة، وقيل لئلا يترشش الماء على الشارب لسعة فم السقاء، وقد جاء في حديث آخر إباحته، ويحتمل أن يكون النهي خاصاً بالسقاء الكبير دون الإداوة أو ذا للضرورة والحاجة والنهي عن الاعتياد، أو الثاني ناسخ للأول، كذا في النهاية وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وابن عباس وأبي هريرة‏)‏ أما حديث جابر فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الجماعة إلا مسلماً عنه قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة‏.‏

1264- باب ما جاء في الرّخْصَةِ في ذَلِك

1895- حدّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى حدثنا عبدُ الرّزّاقِ أَخْبرنا عبدُ الله بن عُمَرَ عن عيسى بنِ عبدِ الله بنِ أُنَيْسٍ عن أَبِيِه قال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قامَ إِلى قِرْبَةٍ مُعَلّقَةٍ فَخَنَثَهَا ثُمّ شَرِبَ مِنْ فِيهَا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن أُمّ سُلَيْمٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ ليس إِسنادُهُ بصحيحٍ‏.‏ وعبدُ الله بن عُمَرَ العُمَري يُضَعّفُ في الحديث ولا أدري سَمِعَ من عيسى امْ لا‏؟‏‏.‏

1896- حدّثنا ابنُ أبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن يزيدَ بنِ جابرٍ عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي عَمْرَةَ عن جَدّتِهِ كَبْشَةَ قالت‏:‏ ‏"‏دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَقَةٍ قائِماً فَقُمْتُ إِلى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ ويزيدُ بنُ يَزيد بن جابر هُوَ أخو عبدِ الرحمنِ بنِ يَزِيدَ بنِ جابِرٍ، وهُوَ أَقْدَمُ منه مَوْتاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عمر‏)‏ هو العمري ‏(‏عن عيسى بن عبد الله بن أنيس‏)‏ بالتصغير الأنصاري المدني مقبول من الرابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الله بن أنيس‏.‏ قال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ أبو عيسى هذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري وهو غير عبد الله بن أنيس الجهني فرقي بينهما علي بن المديني وخليفة بن خياط شباب وغيرهما انتهى‏.‏ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ وجعلهما واحداً أبو علي بن الكن وغير واحد وهو المعتمد، فإن كونه أنصارياً لا ينافي كونه جهنياً لما تقدم في الجهني أنه حليف الأنصار انتهى ‏(‏فخنثها‏)‏ أي اثني فيها إلى الخارج ‏(‏ثم شرب من فميها‏)‏ أي من فمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم سليم‏)‏ أخرجه أحمد عنها قالت‏:‏ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها فقطعت فاها فإنه لعندي، وأخرجه الترمذي في الشمائل والطبراني والطحاوي في معاني الآثار وابن شاهين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث ليس إسناده بصحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏

قوله‏:‏ عن ‏(‏يزيد بن جابر‏)‏ الأزدي الدمشقي ثقة فيه من السادسة ‏(‏عن عبد الرحمن بن ابي عمرة‏)‏ الأنصاري البخاري القاص قال ابن سعد‏:‏ ثقة كثير الحديث، كذا في الخلاصة ‏(‏عن جدته كبشة‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ كبشة يقال كبيشة بالتصغير بنت ثابت بن المنذر الأنصارية أخت حسان يقال لها البرصاء، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشرب قائماً من فم القربة، وعنها عبد الرحمن بن أبو عمرة وهي جدة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشرب من قربة‏)‏ أي من فمها ‏(‏فقمت إلى فيها‏)‏ أي إلى فمها ‏(‏فقطعته‏)‏ لعله للتبرك به لوصول فم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديث الباب تدل على جواز الشرب من في القربة‏.‏ وأحاديث الباب المتقدم تدل على خلافها‏.‏ قال الحافظ‏.‏ قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي‏:‏ لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء متيسر ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث المذكورة يعني أحاديث الإباحة وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي انتهى‏.‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ ويؤيد أن أحاديث الجواز كلها فيها أن القربة كانت معلقة والشرب من القربة المعلقة أخص من مطلق القربة، ولا دلالة في أحاديث الجواز على الرخصة مطلقاً بل على تلك الصورة وجدها وحملها على الضرورة جمعاً بين الخبرين أولى من حملها على النسخ‏.‏ وقد سبق إبن العربي إلى نحو ما أشار إليه شيخنا فقال‏:‏ يحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وسلم في حال ضرورة إما عند الحرب وإما عند عدم الإناء‏.‏ أو مع وجوده لكن لم يتمكن لشغلة من التفريغ من السقاء في الإناء انتهى كلام الحافظ‏.‏

قلت‏:‏ قد رد القاضي الشوكاني على ما جمع به الحافظ العراقي بما فيه كلام ثم قال‏:‏ فالأولى الجمع بين الأحاديث بحمل الكراهة على التنزيه ويكون شربه صلى الله عليه وسلم بياناً للجواز انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة‏.‏

1265- باب ما جاء أَنّ الأَيْمَنِينَ أَحَقّ بالشّرْب

1897- حدثنا الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مالِكٌ عن ابنِ شِهَابٍ وحدثنا قُتَيْبَةُ عن مالِكٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شيْبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِي وَعَنْ يَسَارِهِ أبو بكرٍ فَشَرِبَ ثُمّ أَعْطَى الأعرابيّ وقال‏:‏ الأيْمَنُ فالأيْمَنُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عباسٍ وسَهْلِ بنِ سَعْدٍ وابنِ عُمَرَ وعبدِ الله بنِ بُسْر‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد شيب بماء‏)‏ أي مزج بالماء، وإنما كانوا يمزجونه بالماء لأن اللبن يكون عند حلبه حاراً، وتلك البلاد في الغالب حارة فكانوا يمزجونه بالماء لذلك‏.‏ وقال النووي‏:‏ قوله شيب أي خلط، وفيه جواز ذلك، وإنما ينهي عن شربه إذا أراد بيعه لأنه غش‏.‏ قال العلماء‏:‏ والحكمة في شربه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع انتهى ‏(‏ثم أعطى الأعرابي وقال‏:‏ الأيمن فالأيمن‏)‏ يجوز أن يكون قوله الأيمن مبتدأ خبره محذوف، أي الأيمن مقدم أو أحق، ويجوز أن يكون منصوباً على تقدير قدموا الأيمن أو أعطوا‏.‏ وقال النووي‏:‏ ضبط الأيمن بالنصب والرفع وهما صحيحان، النصب على تقدير أعطى الأيمن، والرفع على تقدير الأيمن أحق أو نحو ذلك، وفي الرواية الأخرى‏:‏ الأيمنون وهو يرجح الرفع انتهى‏.‏ وفيه دليل على أنه يقدم من على يمين الشارب في الشرب هلم جرآ وهو مستحب عند الجمهور‏.‏ وقال ابن حزم يجب، ولا فرق بين شراب اللبن وغيره كما في حديث سهل بن سعد وغيره‏.‏ وقال النووي‏:‏ فيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم وإن كان صغيراً أو مفضولا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر رضي الله عنه‏.‏ وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف، ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن الشيب في الإمامة في الصلاة انتهى‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ في الحديث‏:‏ إن سنة الشرب العامة تقديم الأيمن في كل موطن، وإن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل المعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار، فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهته‏.‏

وقد يعارض حديث أنس يعني المذكور في الباب وحديث سهل يعني الذي أشار إليه الترمذي في الباب حديث سهل بن أبي خيثمة الاَتي في القسامة كبر كبر، وتقدم في الطهارة حديث ابن عمر في الأمر بمناولة السواك الأكبر، وأخص من ذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلي بسند قوي قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقي قال ابدأوا بالكبير‏.‏

ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن، أو يخص من عموم هذه الأمر بالبداءة بالكبير أما إذا جلس بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره، ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل‏.‏ ويظهر من هذا أن الأيمن ما امتاز لمجرد الجلوس في الجهة اليمنى بل بخصوص كونها يمين الرئيس، فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وسهل بن سعد وابن عمر وعبد الله بن بسر‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والترمذي في الدعوات وابن ماجة، وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه الشيخان عنه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال الغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء‏؟‏ فقال الغلام‏:‏ والله يا رسول الله لا اوثر بنصيبي منك احدا‏.‏ قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده‏.‏ وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث عبد الله بن بسر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

1266- باب ما جاءَ أنّ سَاقِيَ الْقَوم آخِرُهُمْ شُرْبا

1898- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن ثابِتٍ البُنانيّ عن عبدِ الله بنِ رَبَاحٍ عن أبي قَتَادَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْباً‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ أبي أوْفَى‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن رباح‏)‏ هو الأنصاري أبو خالد المدني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ساقي القوم آخرهم شرباً‏)‏ فيه دليل على أنه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في الشرب حتى يفرغوا عن آخرهم، وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين شيئاً يجب عليه تقديم إصلاحهم على ما يخص نفسه، وأن يكون غرضه إصلاح حالهم وجر المنفعة إليهم ودفع المضار عنهم، والنظر لهم في دق أمورهم وجلها، وتقديم مصلحتهم على مصلحته، وكذا من يفرق على القوم فاكهة فيبدأ بسقي كبير القوم أو بمن عن يمينه إلى أخرهم وما بقي شربه‏.‏ ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث‏:‏ ابدأ بنفسك، لأن ذاك عام وهذا خاص، فيبني العام على الخاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن أبي أوفى‏)‏ أخرجه أبو داود بمثل حديث أبي قتادة‏.‏ قال المنذري‏:‏ رجال إسناده ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة هكذا مختصراً وأخرجه مسلم مطولا وفيه‏:‏ فقلت لا اشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ إن ساقي القوم آخرهم‏.‏

1267- باب ما جاءَ أَيّ الشّرَابِ كانَ أَحَبّ إِلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

1899- حدّثنا ابنُ أبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عائَشةَ قالت‏:‏ ‏"‏كانَ أحَبّ الشّرَابِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الحُلْوَ الْبَارِدَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هكذا روَاهُ غَيرُ واحِدٍ عن ابنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَ هذا عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عائِشةَ‏.‏ والصحيحُ ما رَوَى عن الزُهْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

1900- حدّثنا أحمدُ بن محمدٍ، حدثنا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ، حدثنا مَعْمَرٌ ويُونُسُ عن الزّهْرِيّ‏:‏ ‏"‏أنّ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ‏:‏ أَيّ الشّرَابِ أَطْيَبُ‏؟‏ قال‏:‏ الحُلْوُ الْبَارِدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهكذا رَوَى عبدُ الرّزّاقِ عن مَعْمَرٍ عن الزّهريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏ وهذا أصَحّ من حديثِ ابنِ عُيَيْنَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان أحب الشراب‏)‏ بالرفع ونصبه أحب ‏(‏الحلو البارد‏)‏ بالنصب ورفعه أرفع‏.‏ قال القاري‏:‏ ومعنى أحب ألذ لأن ماء زمزم أفضل، وكذا اللبن عنده أحب كما سيأتي، اللهم إلا أن يراد هذا الوصف على الوجه الأعم فيشمل الماء القراح واللبن والماء المخلوط به أو بغيره كالعسل أو المنقوع فيه تمر أو زبيب، وبه يحصل الجمع بينه وبين ما رواه أبو نعيم في الطب عن ابن عباس‏:‏ كان أحب الشراب إليه اللبن‏.‏ وما أخرجه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ كان أحب الشراب إليه العسل انتهى كلام القاري‏.‏

قلت‏:‏ وقيل المراد بقوله أحب الشراب في هذه الأحاديث‏:‏ أي من أحب الشراب أو كون هذه الأشياء أحب إليه صلى الله عليه وسلم كان من جهات مختلفة والله أعلم‏.‏ وحديث عائشة هذا أخرجه أحمد والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد‏)‏ هو أبو العباس السمسار المعروف بمردويه، ‏(‏ويونس‏)‏ هو ابن يزيد بن أبي النجاد الأيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحلو‏)‏ بضم الحاء المهملة وسكون اللام ضد المر ‏(‏البارد‏)‏ لأنه أطفأ للحرارة وأبعث على الشكر وأنفع للبدن‏.‏

26- كتاب البر والصلة

1268- باب ما جاءَ في بِرّ الْوَالدَيْن

قال في النهاية‏:‏ البر بالكسر الإحسان، وهو في حق الوالدين وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم، يقال بر يبر فهو بار وجمعه بررة‏.‏ قال‏:‏ والبر والبار بمعنى، وجمع البر أبرار وهو كثيراً ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد انتهى‏.‏

وقال في القاموس‏:‏ البر ضد العقوق بررته وأبره كعلمته وضربته‏.‏ وصلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم، وقطع الرحم ضد ذلك، يقال وصل رحمه يصلها وصلا وصلة‏.‏

1901- حدّثنا محمد بن بَشار، اخبرنا يَحيَى بنُ سعيدٍ، أخبرنا بَهْزُ بنُ حَكيِمٍ، حدثني أَبي عن جَدّي قال‏:‏ قلت‏:‏ ‏"‏يا رسولَ الله، مَنْ أَبَرّ‏؟‏ قال‏:‏ أمّكَ، قال‏:‏ قلت‏:‏ ثُمّ مَنْ‏؟‏ قال‏:‏ أُمّكَ، قال‏:‏ قلت‏:‏ ثُمّ مَنْ‏؟‏ قال أُمكَ، قال‏:‏ قلت‏:‏ ثُمّ مَنْ‏؟‏ قال‏:‏ ثُمّ أَبَاكَ ثُمّ الأقْرَبَ فالأقْرَبَ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن أبي هريْرَةَ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو وعائِشةَ وأبي الدّرداءِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وبَهْزُ بنُ حَكيِمٍ هُوَ أبو مُعَاوِيَةَ بنِ حَيْدَةَ القُشَيْرِيّ‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

وقد تكلّمَ شُعْبَةُ في بَهْزِ بنِ حكيمٍ، وهو ثِقَةٌ عند أهلِ الحديثِ، ورَوَى عنه مَعْمَرٌ وسفيانُ والثّوْرِيّ وحَمّادُ بنُ سلَمةَ وغيرُ وَاحِدٍ من الأئمّةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا بهز‏)‏ بفتح موحدة وسكون هاء فزاي ‏(‏ابن حكيم‏)‏ أي ابن معاوية بن حيدة القشيري البصري ‏(‏حدثني أبي‏)‏ أي حكيم ‏(‏عن جدي‏)‏ أي معاوية ابن حيدة وهو صحابي نزل البصرة ومات بخراسان ‏(‏من أبر‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد الراء على صيغة المتكلم أي من أحسن إليه ومن أصله ‏(‏قال أمك‏)‏ بالنصب، أي بر أمك وصلها أولاً ‏(‏قلت ثم من‏)‏ أي ثم من أبر ‏(‏ثم الأقرب فالأقرب‏)‏ أي إلى آخر ذوي الأرحام‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب‏.‏ قالوا‏:‏ وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها انتهى‏.‏ وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً‏}‏ فالتثليث في مقابلة ثلاثة أشياء مختصّة بالأم، وهي تعب الحمل ومشقة الوضع ومحنة الرضاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وعبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه النسائي والدارمي مرفوعاً‏:‏ لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر‏.‏ وله في هذا الباب أحاديث أخرى ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه البغوي في شرح السنة والبيهقي في شعب الإيمان، ‏(‏وأبي الدرداء‏)‏ أخرجه الترمذي في باب الفضل في رضا الوالدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد تكلم شعبة في بهز بن حكيم وهو ثقة عند أهل الحديث‏)‏، قال الذهبي في الميزان‏:‏ وثقة ابن المديني ويحيى والنسائي، وقال أبو حاتم‏:‏ لا يحتج به، وقال أبو زرعة‏:‏ صالح، وقال البخاري‏:‏ يختلفون فيه، وقال ابن عدى‏:‏ لم أر له حديثاً منكراً، ولم أر أحداً من الثقات يختلف في الرواية عنه، وقال صالح جزرة بهز عن أبيه عن جده إسناد أعرابي‏.‏ وقال أحمد بن بشير‏:‏ أتيت بهزاً فوجدته يلعب بالشطرنج، وقال الحاكم ثقة إنما أسقط من الصحيح لأن روايته عن أبيه عن جده شاذة لا متابع له عليها‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ هو حجة عندي‏.‏

1269- باب ‏(‏منْهُ‏)‏

1902- حدّثنا أحمدُ بنُ محمدٍ، أخبرنَا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ عن المَسْعُودِيّ عن الوَلِيدِ بنِ الْعَيْزَارِ عن أبي عَمْرٍو الشّيْبَانِيّ عن ابنِ مسعودٍ قال‏:‏ سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت‏:‏ ‏"‏يا رسولَ الله، أَيّ الأعمالِ أَفْضَلُ‏؟‏ قال‏:‏ الصّلاَةُ لمِيقَاتِهَا، قلت‏:‏ ثُمّ ماذَا يا رسولَ الله‏؟‏ قال‏:‏ بِرّ الْوَالِدَيْنِ،‏:‏ قلت‏:‏ ثُمّ ماذَا يا رسولَ الله‏؟‏ قال‏:‏ الجِهَادُ في سَبِيلِ الله، ثُمّ سَكَتَ عَنّي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ولو اسْتَزَدْتُه لزَادَني‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد رواهُ الشّيْبَانيّ وَشُعْبَةُ وغيرُ واحدٍ عن الوَلِيدِ بنِ العَيْزَارِ‏.‏ وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ وَجْهٍ عن أبي عَمْرٍو الشّيْبَانيّ عن ابنِ مسعودٍ‏.‏ وأبو عَمْرو الشّيْبانيّ اسمُه سَعْدُ بنُ إِيَاسٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الوليد بن العيزار‏)‏ بن حريث العبدي الكوفي ثقة من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أي الأعمال أفضل‏)‏ قال الحافظ‏:‏ محصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره، فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من أدائها، وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل، أو أن أفضل ليست على بابها، بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة انتهى‏.‏ ‏(‏قال الصلاة لميقاتها‏)‏ وفي رواية الصحيحين‏:‏ لوقتها، وفي رواية لهما‏:‏ على وقتها، وفي رواية الحاكم والدارقطني والبيهقي‏:‏ في أول وقتها‏.‏ قال النووي في شرح المهذب‏:‏ إن رواية في أول وقتها ضعيفة انتهى ‏(‏قلت ثم ماذا‏؟‏‏)‏ قال الطيبي‏:‏ ثم لتراخي الرتبة لا لتراخي الزمان، أي ثم بعد الصلاة أي العمل أفضل‏؟‏ ‏(‏قال بر الوالدين‏)‏ أي أو أحدهما‏.‏ قال بعض العلماء‏:‏ هذا الحديث موافق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن اشكر لي ولوالديك‏}‏ وكأنه أخذه من تفسير ابن عيينة حيث قال‏:‏ من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا لوالديه عقبهما فقد شكر لهما، كذا في الفتح ‏(‏الجهاد في سبيل الله‏)‏ قال ابن بزبزة‏:‏ الذي يقتضيه النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن لأن فيه بذل النفس، إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بر الوالدين أمر لازم متكرر دائم لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصديقون ‏(‏ثم سكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو مقول عبد الله بن مسعود ‏(‏ولو استزدته‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم، يعني لو سألته أكثر من هذا ‏(‏لزادني‏)‏ في الجواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏ وفي المرقاة‏:‏ روى الدارقطني والحاكم وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل‏؟‏ قال‏:‏ الصلاة لأول وقتها، قال الحاكم والبيهقي في خلافياته‏:‏ صحيح على شرطهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد رواه الشيباني‏)‏ هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني، وقد تقدم هذا الحديث بشرحه في باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل‏.‏

1270- باب ما جاء من الْفَضْلِ في رضَا الْوَالِدَيْن

1903- حَدّثنا ابنُ أبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن عطاءِ بنِ السّائِبِ، عن أبي عبدِ الرّحمنِ السّلَمِيّ عن أبي الدّرداءِ قال‏:‏ ‏"‏إِنّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ إِن لِي امْرَأَةً وَإِنّ أُمي تَأْمُرُني بِطَلاَقِهَا، فقال أبو الدّرداءِ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنّةِ، فإِن شِئْتَ فأَضِعْ ذلكَ البابَ أو احْفَظْهُ‏"‏، وَرُبّمَا قال سُفيانُ‏:‏ إنّ أُمّي، وربما قال‏:‏ أَبِي‏.‏ وهذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

وأبو عبدِ الرحمنِ السّلَمِيّ اسمُه عبدُ الله بنُ حبيبٍ‏.‏

1904- حدّثنا أبو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، حدثنا خالِدُ بنُ الحارِثِ حدثنا شُعْبَةُ عن يَعْلَى بنِ عطاء عن أبيهِ عن عبدِ الله بنِ عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏رِضاَ الرّبّ في رِضَا الْوَالِدِ وسَخَطُ الرّبّ في سَخَطِ الْوَالِدِ‏"‏‏.‏

- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، عن شعبةُ عن يَعْلَى بن عَطَاءٍ عن أبيه عن عبدِ الله بن عَمْرٍو‏.‏ نحوَهُ ولم يَرْفَعْهُ‏.‏ وهذا أَصَحّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهكذا رَوَى أصحابُ شُعْبَةَ عن شعبةَ عن يَعْلَى بنِ عَطاءٍ عن أبيهِ عن عبدِ الله بنِ عَمْرٍو موقوفاً، ولا نعلمُ أحداً رَفَعَهُ غيرُ خالِد بن الحارثِ عن شُعْبَةَ‏.‏ وخالِدُ بنُ الحارثِ ثِقَةٌ مأْمُونٌ‏.‏ قال سَمِعْتُ محمدَ بنَ المُثَنّى يقول‏:‏ ما رأيْتُ بالبَصْرَةِ مِثْلَ خالدِ بنِ الحارثِ ولا بالكُوفَةِ مِثْلَ عَبْدِ الله بنِ إدريسَ‏.‏ قال وفي البابِ عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الوالد أوسط أبواب الجنة‏)‏ قال القاضي‏:‏ أي خير الأبواب وأعلاها، والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية مطاوعة الوالد ومراعاة جانبه، وقال غيره‏:‏ إن للجنة أبواباً وأحسنها دخولا أوسطها، وإن سبب دخول ذلك الباب الأوسط هو محافظة حقوق الوالد انتهى‏.‏ فالمراد بالوالد الجنس، أو إذا كان حكم الوالد هذا فحكم الوالدة أقوى وبالاعتبار أولى ‏(‏فأضع‏)‏ فعل أمر من الإضاعة ‏(‏ذلك الباب‏)‏ بترك المحافظة عليه ‏(‏أو أحفظه‏)‏ أي داوم على تحصيله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه وأبو داود الطيالسي والحاكم في مستدركه، وصححه وأقره الذهبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رضا الرب في رضا الوالد‏)‏ وكذا حكم الوالدة بل هو أولى، ورواه الطبراني بلفظ‏:‏ رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما ‏(‏وسخط الرب‏)‏ بفتحتين ضد الرضا ‏(‏في سخط الوالد‏)‏ لأنه تعالى أمر أن يطاع الأب ويكرم، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن أغضبه فقد أغضب الله، وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح‏)‏ أي الموقوف أصح من المرفوع، وأخرجه ابن حبان مرفوعاً في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، كذا في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود‏)‏ أخرجه الترمذي في الباب المتقدم ولم أقف على حديث عنه يطابق الباب نصاً وصراحة‏.‏

1271- باب ما جاءَ في عُقُوقِ الْوالِدَيْن

يقال عق والده يعقه عقوقاً‏:‏ إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، وأصله من العق وهو الشق والقطع‏.‏

1905- حَدّثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، حدّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ حدثنا الْجَرِيرِيّ عن عبدِ الرّحمنِ بن أبي بَكْرَةَ عن أبِيهِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ألاَ أحَدّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ‏؟‏ قالوا‏:‏ بَلى يا رسولَ الله، قال‏:‏ الإِشْرَاكُ بالله، وعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، قالَ‏:‏ وجَلَسَ وكانَ مُتّكِئاً، قالَ‏:‏ وشَهَادَةُ الزّورِ أو قَوْلُ الزّورِ، فما زالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُها حَتّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ‏"‏‏.‏

قالَ وفي البابِ عن أبي سعيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأبو بَكْرَةَ اسمُه نُفَيْعٌ بن الحارِثُ‏.‏

1906- حدّثنا قُتَيْبَةَ، حدثنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن ابنِ الْهَادِ عن سَعْدِ بنِ إبراهيمَ عن حُمَيْدِ بنِ عبدِ الرّحمنِ عن عبدِ الله بن عَمْرٍو قال‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتِمَ الرّجُلُ وَالِدَيْهِ قالوا‏:‏ يا رسولَ الله وهَلْ يَشْتُمُ الرّجُلُ وَالِدَيْهِ‏؟‏ قال‏:‏ نَعَمْ، يَسُبّ أبا الرّجُلِ فَيَسُبّ أَبَاهُ، ويَشْتُمُ أُمّهُ فَيَشْتِمُ أُمّهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أحدثكم بأكبر الكبائر‏؟‏‏)‏ الكبائر جمع الكبيرة وهي السيئة العظيمة التي خطيئتها في نفسها كبيرة وعقوبة فاعلها عظيمة بالنسبة إلى معصية ليست بكبيرة، وقيل الكبيرة ما أوعد عليه الشارع بخصوصه، وقيل ما عين له حد، وقيل النسبة إضافية فقد يكون الذنب كبيرة بالنسبة لما دونه صغيرة بالنسبة إلى ما فوقه، وقد يتفاوت باعتبار الأشخاص والأحوال‏.‏ وقد بسط الحافظ الكلام في تفسير الكبيرة والصغيرة وما يتعلق بهما في الفتح في باب عقوق الوالدين من الكبائر من كتاب الأدب، والنووي في شرح مسلم في باب الكبائر وأكبرها من كتاب الإيمان‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أكبر الكبائر‏)‏ ليس على ظاهره من الحصر، بل من فيه مقدرة، فقد ثبت في أشياء أخر أنها أكبر من الكبائر منها حديث أنس في قتل النفس أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي‏.‏ وحديث ابن مسعود أي الذنب أعظم، فذكر فيه الزنا بحليلة الجار‏.‏ وحديث عبد الله بن أنيس الجهني مرفوعاً قال‏:‏ من أكبر الكبائر، فذكر منها اليمين الغموس أخرجه الترمذي بسند حسن، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد‏.‏ وحديث أبي هريرة رفعه‏:‏ إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم، أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن، وحديث بريدة رفعه‏:‏ من أكبر الكبائر فذكر منها منع فضل الماء ومنع الفحل، أخرجه البزار بسند ضعيف‏.‏ وحديث ابن عمررفعه‏:‏ أكبر الكبائر سوء الظن بالله، أخرجه ابن مردويه بسند ضعيف، ذكره الحافظ في الفتح ‏(‏وعقوق الوالدين‏)‏ بضم العين المهملة مشتق من العق وهو القطع والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد، وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا، واستحبابها في المندوبات وفروض الكفاية كذلك، ومنه تقديمهما عند تعارض الأمرين، وهو كمن دعته أمه ليمرضها مثلا بحيث يفوت عليه فعل واجب إن أستمر عندها ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها وغير ذلك أن لو تركها وفعله وكان مما يمكن تداركه مع فوات الفضيلة كالصلاة أول الوقت أو في الجماعة ‏(‏قال وجلس‏)‏ أي للاهتمام بهذا الأمر وهو يفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه ‏(‏وكان متكئاً‏)‏ جملة حالية، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور، أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم‏.‏ والعقوق يصرف عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمهما بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعاً، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالباً‏.‏ وهذا الحديث يأتي أيضاً بسنده ومتنه في الشهادات‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ أخرجه أبو داود‏.‏

قوله ‏(‏من الكبائر أن يشتم الرجل والديه‏)‏ ولفظ البخاري‏:‏ إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، وهذا يقتضي أن سب الرجل والديه من أكبر الكبائر‏.‏ ورواية الترمذي تقتضي أنه كبيرة وبينهما فرق من حيث أن الكبائر متفاوتة وبعضها أكبر من بعض ‏(‏وهل يشتم‏)‏ بكسر عينه ويضم أي يسب ‏(‏الرجل والديه‏)‏ أي هل يقع ذلك وهو استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر لكن قد يقع التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه كثيراً ‏(‏قال نعم‏)‏ أي يقع حقيقة تارة وهو نادر ومجازً أخرى وهو كثير لكن ما تعرفونه، ثم بينه بقول ‏(‏يسب أبا الرجل فيسب‏)‏ أي الرجل ‏(‏أباه‏)‏ أي أبا من سبه ‏(‏ويشتم‏)‏ أي تارة أخرى، وقد يجمع ويشتم أيضاً ‏(‏أمه‏)‏ أي أم الرجل ‏(‏فيشتم‏)‏ أي الرجل ‏(‏أمه‏)‏ أي أم سابه، وفي الجمع بين الشتم والسب تفنن، ففي القاموس شتمه يشتمه ويشتمه سبه، وقد يفرق بينهما، ويقال السب أعم فإنه شامل للعن أيضاً بخلاف الشتم‏.‏

قوله ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في الأدب، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الأدب‏.‏

1272- باب ما جاءَ في إِكْرَامِ صَدِيقِ الْوَالِد

1907- حَدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ حدثنا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ حدثنا الوَلِيدُ بنُ أَبِي الوَلِيدِ عن عَبْد الله بنِ دينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إِنّ أَبَرّ الْبِرّ أَنْ يَصِلَ الرّجُلُ أَهْلَ وُدّ أَبِيهِ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عن أَبي أُسَيْدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا إسْنَادٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ هذا الْحَدِيثُ عن ابنِ عُمَر مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد‏)‏ هو المعروف بمردويه ‏(‏حدثنا الوليد بن أبي الوليد‏)‏ قال في التقريب‏:‏ الوليد بن أبي الوليد عثمان، وقيل‏:‏ ابن الوليد مولى عثمان أو إبن عمر المدني أبو عثمان لين الحديث من الرابعة‏.‏

قوله ‏(‏إن أبر البر‏)‏ أي أفضله بالنسبة إلى والده وكذا الوالدة أو هي بالأولى ‏(‏أن يصل الرجل أهل ود أبيه‏)‏ بضم الواو بمعنى المودة أي أصحاب مودته ومحبته‏.‏ قال النووي‏:‏ الود هنا مضموم الواو، وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم بإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشائخ والزوج والزوجة، وقد سبقت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله تعالى عنها انتهى‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن أبي أسيد‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجة وهو بضم الهمزة وفتح السين المهملة مصغراً‏.‏

قوله ‏(‏هذا حديث إسناده صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود‏.‏

1273- باب في بِرّ الْخَالَة

1908- حَدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيِع حدثنا أَبي عن إسْرَائيِلَ وحدثنا محمدُ بنُ أحمدَ وهُوَ ابنُ مَدّويه حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن إسرائيلَ واللّفْظُ لِحَديِثِ عُبَيْدِ الله عن أبي إسحاقَ الهَمْدَانِيّ عن البَراءِ بنِ عَازِبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الْخَالةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمّ‏"‏‏.‏

وفي الْحَدِيثِ قِصّةٌ طَوِيلَةٌ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

1909- حدّثنا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن محمدِ بنِ سُوقَة عن أَبي بَكْرِ بنِ حَفْصٍ عن ابنِ عُمَر‏:‏ ‏"‏أَنّ رَجُلاً أَتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسولَ الله إنّي أَصَبْتُ ذَنْبَاً عَظِيماً فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ‏؟‏ قَالَ هَلْ لَكَ مِن أُمّ‏؟‏ قالَ‏:‏ لا، قال‏:‏ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نعم قال‏:‏ فَبِرّها‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ عَلِيّ‏:‏

1910- حدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن محمدِ بنِ سُوقَةَ عن أبيِ بَكْرِ بنِ حَفْصٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، ولَمْ يَذْكُرْ فيه عن ابنِ عُمَرَ‏.‏ وهذَا أَصَح مِنْ حَدِيثِ أَبي مُعَاوِيَةَ‏.‏ وأَبُو بَكْرِ بن حَفْصٍ‏:‏ هُوَ ابنُ عُمَرَ بنِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ‏.‏

قوله ‏(‏الخالة بمنزلة الأم‏)‏ في الحضانة عند فقد الأم وأماتها، لأنها تقرب منها في الحنو والاهتمام إلى ما يصلح الولد‏.‏

قوله ‏(‏وفي الحديث قصة طويلة‏)‏ أخرجه الشيخان بقصته الطويلة، ولفظهما هكذا‏:‏ عن البراء بن عازب قال‏:‏ صالح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على ثلاثة أشياء‏:‏ على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام، فلما دخلها ومضى الأجل خرج فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر قال علي‏:‏ أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر‏:‏ بنت عمي وخالتها تحتي، وقال زيد‏:‏ بنت أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال‏:‏ الخالة بمنزلة الأم، وقال لعلي‏:‏ أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر‏:‏ أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد‏:‏ أنت أخونا ومولانا انتهى‏.‏

قوله ‏(‏إني أصبت ذنباً عظيماً‏)‏ يجوز أنه أراد عظيما عندي، لأن عصيان الله تعالى عظيم وإن كان الذنب صغيراً، ويجوز أن يكون ذنبه كان عظيما من الكبائر وإن هذا النوع من البر يكون مكفراً له وكان مخصوصاً بذلك الرجل علمه النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الوحي، قاله الطيبي ‏(‏هل لك من أم‏)‏ أي ألك أم‏؟‏ فمن زائدة أو تبعيضية قال ‏(‏فبرها‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد الراء من بررت فلاناً بالكسر أبره بالفتح أي أحسنت إليه‏.‏

والمعنى أن صلة الرحم من جملة الحسنات التي يذهبن السيئات‏.‏ وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنهما قالا‏:‏ هل لك والدان بالتثنيه‏؟‏ وقال الحاكم‏:‏ صحيح على شرطهما، كذا في الترغيب‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن علي‏)‏ أخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ الخالة أم‏.‏

قوله ‏(‏أبو بكر بن حفص هو ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص‏)‏ في التقريب‏:‏ عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو بكر المدني مشهور بكنيته من الخامسة‏.‏

1274- باب مَا جَاء في دَعْوة الْوَالِدَيْن

1911- حَدّثنا عليّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ عن هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ عن يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ عن أَبِي جَعفَرٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَك فِيهنّ دَعْوَةُ المَظْلُومِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ، ودَعْوَةُ الْوَالِدِ على وَلَدِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وقد رَوَى الْحَجّاجُ الصّوّافُ هذا الْحَديِثَ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ نَحْوَ حَدِيثِ هِشَامٍ‏.‏ وأَبو جَعْفَرٍ الّذِي رَوَى عن أَبي هُرَيْرَةَ يُقَالُ لَهُ أَبو جَعْفَرٍ المُؤَذّنُ ولا نَعْرِفُ اْسمَهُ‏.‏ وقد رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ غَيْرَ حَدِيثٍ‏.‏

قوله ‏(‏ثلاث دعوات‏)‏ مبتدأ ‏(‏مستجابات‏)‏ خبر ‏(‏لا شك فيهن‏)‏ أي في استجابتهن ‏(‏ودعوة الوالد على ولده‏)‏ أي لضرره، وحديث أبي هريرة هذا أورده السيوطي في الجامع الصغير وقال‏:‏ رواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو جعفر الذي روى عن أبي هريرة يقال له أبو جعفر المؤذن ولا نعرف اسمه‏)‏ في التقريب‏:‏ أبو جعفر المؤذن الأنصاري المدني مقبول من الثالثة، ومن زعم أنه محمد بن علي بن الحسين فقد وهم‏.‏

1275- باب مَا جاءَ في حَقّ الْوَالِديْن

1912- حَدّثنا أَحمد بنُ محمدِ بنِ مُوسَى أخبرنا جَرِيرٌ عن سُهَيْلٍ بنِ أبِي صَالحٍ عن أبيه عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يَجْزي وَلَدٌ وَالِداً إلاّ أَنْ يَجِدَهُ مَملُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بنِ أبي صَالحٍ وقد رَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وغَيْرُ واحِدٍ عن سُهَيْلٍ بن أبي صالحٍ هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يجزي‏)‏ بفتح أوله وسكون الياء في آخره أي لا يكافئ ‏(‏ولد والداً‏)‏ أي إحسان والد ‏(‏إلا أن يجده مملوكاً‏)‏ منصوب على الحال من الضمير المنصوب في يجده ‏(‏فيشتريه فيعتقه‏)‏ بالنصب فيهما‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ ليس معناه استئناف العتق فيه بعد الشراء لأن الإجماع منعقد على أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال، وإنما معناه أنه إذا اشتراه فدخل في ملكه عتق عليه، فلما كان الشراء سبباً لعتقه أضيف العتق إليه وإنما كان هذا جزاء له لأن العتق أفضل ما ينعم به أحد على أحد إذا خلصه بذلك من الرق وجبر به النقص الذي فيه وتكمل له أحكام الأحرار في جميع التصرفات انتهى‏.‏

قلت‏:‏ في قوله لأن الإجماع منعقد على أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال نظر، فإن بعض أهل الظاهر ذهبوا إلى أن الأب لا يعتق على الابن بمجرد الملك بل لا بد من إنشاء العتق واحتجوا بهذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة‏.‏

1276- باب ماَ جاءَ في قَطِيعَةِ الرّحِم

1913- حَدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ و سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرحمنِ المَخْزُوميّ قالا‏:‏ حدثنا سُفْيَانُ ابنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَةَ قالَ‏:‏ اشْتَكَى أَبو الردّاد الليثي فَعادَهُ عَبْدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ فقالَ‏:‏ خَيْرُهُمْ وَأَوْصَلُهُمْ ما عَلِمْتُ أَبا محمدٍ، فقالَ عَبْدُ الرحمنِ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ قال الله تَبارَكَ وتَعالى‏:‏ أَنَا الله وَأَنَا الرّحْمنُ، خَلَقْتُ الرّحِم وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اْسِمي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتّهُ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ وابنِ أَبي أَوْفَى وعَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ وجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَديِثُ سُفْيَانَ عن الزّهْريّ حَدِيثٌ صحيحٌ‏.‏ ورَوَى مَعْمَرٌ هذا الحديث عن الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَةَ عن رَدّادٍ الليثي عن عَبْدِ الرّحمنِ بنِ عَوفٍ وَمَعْمَرٍ كذَا يقولُ، قال محمدٌ‏:‏ وحديثُ مَعْمَرٍ خَطَأٌ‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏)‏ أي أبو الدرداء ‏(‏خيرهم‏)‏ مبتدأ ‏(‏وأوصلهم‏)‏ عطف على المبتدأ ‏(‏أبو محمد‏)‏ خبر وهو كنية عبد الرحمن بن عوف‏.‏ والمعنى خير الناس وأوصلهم في علمي أبو محمد عبد الرحمن بن عوف ‏(‏أنا الله‏)‏ كان هذا توطته للكلام حيث ذكر العلم الخاص، ثم ذكر الوصف المشتق من مادة الرحم فقال ‏(‏وأنا الرحمن‏)‏ أي المنصف بهذه الصفة ‏(‏خلقت الرحم‏)‏ أي قدرتها أو صورتها مسجدة ‏(‏وشقفت‏)‏ أي أخرجت وأخذت اسماً ‏(‏لها‏)‏ أي للرحم ‏(‏من اسمي‏)‏ أي الرحمن وفيه إيماء إلى أن المناسبة الإسمية واجبة الرعاية في الجملة، وإن كان المعنى على أنها أثر من آثار رحمة الرحمن، ويتعين على المؤمن التخلق بأخلاق الله تعالى والتعلق بأسمائه وصفاته، ولذا قال ‏(‏فمن وصلها وصلته‏)‏ أي إلى رحمتي أو محل كرامتي، ‏(‏ومن قطعها بتته‏)‏ بتشديد الفوقية الثانية أي قطعته من رحمتي الخاصة من البت وهو القطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام كما في الفتح ‏(‏وابن أبي كوفى‏)‏ هو عبد الله بن أبي أوفى الجهني الأنصاري شهد أحداً وما بعدها‏.‏ وأخرج حديثه البيهقي في شعب الإيمان مرفوعاً‏:‏ لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم، وأخرجه أيضاً البخاري في الأدب المفرد ‏(‏وعامر بن ربيعة‏)‏ لم أقف على من أخرجه ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وجبير بن مطعم‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الباب الاَتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ قال المنذري‏:‏ وفي تصحيح الترمذي له نظر، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئاً قاله يحيى بن معين وغيره‏.‏ ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن رداد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف، وقد أشار الترمذي إلى هذا، ثم حكى عن البخاري أنه قال‏:‏ وحديث معمر خطأ انتهى‏.‏ والحديث أخرجه أيضاً أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد والحاكم ‏(‏عن رداد‏)‏ بفتح الراء وتشديد الدال المهملة بعدها ألف ثم دال مهملة‏.‏ وقال بعضهم أبو الرداد وهو أصوب‏.‏ حجازي مقبول من الثانية ‏(‏ومعمر كذا يقول‏)‏ أي عن أبي سلمة عن رداد عن عبد الرحمن ‏(‏قال محمد‏)‏ يعني الإمام البخاري ‏(‏وحديث معمر خطأ‏)‏ وقال ابن حبان في ثقات التابعين‏:‏ وما أحسب معمراً حفظه، روى هذا الخبر اصحاب الزهري عن أبي سلمة عن ابن عوف، كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

1277- باب ماَ جاءَ في صِلَةِ الرّحم

بفتح الراء وكسر الحاء المهملة يطلق على الأقارب وهم من بينه وبين الاَخر نسب سواء كان يرثه أم لا، وسواء كان ذا محرم أم لا، وقيل هم المحارم فقط، والأول هو المرجح لأن الثاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام وليس كذلك‏.‏ يقال‏:‏ وصل رحمه يصلها وصلا وصلة، والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة، فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه من علاقة القرابة والصهر قال ابن أبي جمرة‏:‏ تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه، وبالدعاء‏.‏ والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفاراً أو فجاراً فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى‏.‏

1914- حَدّثنا ابنُ أبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ حدثنا بَشِيرٌ أبُو إسماعيلَ و فطرُ بنُ خَلِيفَةَ عن مُجَاهِدٍ عن عَبْدِ الله بن عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَيْسَ الْوَاصِلُ بالمُكَافِئِ، ولَكِنّ الوَاصِلَ الّذِي إذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن سَلْمَانَ وَعَائِشَةَ وعبد الله بن عُمَرَ‏.‏

1915- حدّثنا ابنُ أبِي عُمَرَ وَنَصْرُ بنُ عَلِيّ وَسَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرحمنِ المَخْزُومِيّ، قالوا حدثنا سُفْيانُ عن الزهْرِيّ عن محمد بن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عن أبِيِه قال‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يَدْخُلُ الْجَنّةّ قَاطِعٌ‏"‏ قالَ ابن أبي عُمَرَ قالَ سُفْيَانُ يَعْنِي قَاطِعَ رَحِم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفطر بن خليفة‏)‏ المخزومي مولاهم أبو بكر الحناط‏.‏ صدوق رمي بالتشيع من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس الواصل‏)‏ أي بالرحم ‏(‏بالمكافئ‏)‏ بكسر فاء وهمز أي المجازي لأقاربه إن صلة فصلة، وإن قطعاً فقطع، والمراد به نفي الكمال ‏(‏ولكن‏)‏ بتشديد النون ‏(‏الواصل‏)‏ بالنصب أي الواصل الكامل ‏(‏الذي إذا انقطعت رحمه‏)‏‏.‏ وفي رواية البخاري‏:‏ إذا قُطعتْ رحمه ‏(‏وصلها‏)‏، هذا من باب الحث على مكارم الأخلاق كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إدفع بالتي هي أحسن السيئة‏}‏ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ صل من قطعك وأحسن إلى من أساءك‏.‏ الحديث، رواه البخاري عن علي رضي الله عنه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ التعريف في الواصل للجنس أي ليس حقيقة الواصل ومن يعتد بوصله من يكافئ صاحبه بمثل فعله‏.‏ ونظيرة قولك‏:‏ هو ليس بالرجل بل الرجل من يصدر منه المكارم والفضائل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سليمان‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم مرفوعاً بلفظ‏:‏ الرحم معلقة بالعرش، تقول‏:‏ من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏لا يدخل الجنة قاطع‏"‏ أي للرحم، وقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد وقال فيه‏:‏ قالطع رحم‏.‏ قال النووي وغيره‏:‏ يحمل تارة على من يستحل القطيعة، وأخرى على أن لا يدخلها مع السابقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود‏.‏

1278- باب ما جاءَ في حُبّ الْوَلدِ وَلَدَه

1916- حَدّثنا ابنُ أبِي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ عن إبراهيمَ بنِ مَيْسَرَةَ قالَ سَمِعْتُ ابنَ أبي سُوَيْدٍ يقولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بن عَبْدِ العَزِيز يقولُ زَعَمَتْ المَرْأَةُ الصّالِحَةُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قاَلتْ‏:‏ خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَومٍ وَهُوَ مُحْتَضِنٌ أَحد ابْنَيْ ابْنَتهِ وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏إنّكُمْ لَتَبخّلُونَ وَتُجَبّنُونَ وَتُجَهّلُونَ وَإِنّكُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ الله‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ والأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ ابنِ عُيَيْنَةَ عن إبراهيمَ بنِ مَيْسَرَةَ لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حَدِيثِهِ، ولا نَعْرِفُ لِعُمَر بنِ عَبْدِ العَزِيزِ سَمَاعاً مِنْ خَوْلَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت ابن أبي سويد‏)‏ اسمه محمد‏.‏ قال في التقريب‏:‏ محمد بن أبي سويد الثققي الطائفي مجهول من الرابعة، وليس هو ابن سويد راوي قصة غيلان انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ابن سويد الذي روى قصة غيلان اسمه أيضاً محمد‏.‏ وقد أخرج الترمذي قصة غيلان في باب الرجل يسلم وعنده عشر نسوة من أبواب النكاح‏.‏ ومحمد بن سويد الذي روى قصته ثقة كما في تهذيب التهذيب ‏(‏خولة بنت حكيم‏)‏ بدل من المرأة الصالحة، وهي ابنة حكيم بن أمية السلمية، يقال لها خويلة أيضاً بالتصغير صحابية مشهورة، يقال إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت قبل تحت عثمان بن مظعون كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو محتضن‏)‏ من الاحتضان أي جاعل في حضنه، والحضن ما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر والعضدان وما بينهما كذا في القاموس، ‏(‏أحد ابني ابنته‏)‏ فاطمة رضي الله عنها وهو إما الحسن أو الحسين رضي الله عنهما ‏(‏إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون‏)‏ الصيغ الثلاث من باب التفعيل أي تحملون على البخل والجبن والجهل، فإن من ولد له جبن عن القتال لتربية الولد، وبخل له وجهل حفظاً لقلبه، والجبن والجبان ضد الشجاعة والشجاع ‏(‏وإنكم لمن ريحان الله‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الريحان يطلق على الرحمة والرزق والراحة بالرزق سمي الولد ريحاناً انتهى‏.‏ وقال في المجمع‏:‏ ويجوز إرادة الريحان المشموم، لأنهم يشمون ويقبلون، وهو من باب الرجوع، ذمهم أولا ثم رجع إلى المدح أي مع كونهم مظنة أن يحملوا الاَباء على البخل والجبن عن الغزو، من ريحان الله أي رزقة انتهى‏.‏ وقال العيني في العمدة‏:‏ وجه التشبيه أن الولد يشم ويقبل، فكأنهم من جملة الرياحين‏.‏ وقال الكرماني‏:‏ الريخان الرزق أو المشموم‏.‏ قال العيني‏:‏ لا وجه هنا أن يكون بمعنى الرزق على ما لا يخفى‏.‏ وروى الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه‏.‏ وروى الطبراني في الأوسط من طريق أبي أيوب قال‏:‏ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه، فقلت‏:‏ أتحبهما يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ وكيف لا‏؟‏ وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه الترمذي في مناقب الحسن والحسين ‏(‏والأشعث بن قيس‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده ص 112 ج 5‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا من خولة‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن خولة بنت حكيم مرسلا انتهى فحديث عمر بن عبد العزيز هذا عن خولة منقطع‏.‏

1279- باب ماَ جاءَ في رحْمَةِ الْوَلَد

1917- حَدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ وسَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرحمن قالا حدثنا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏أَبْصَرَ اْلأَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ الّنبيّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُقَبّلُ الْحَسَنَ‏.‏ وقالَ ابن أَبي عُمَرَ الْحَسَن أو الْحُسَيْنَ، فقالَ إنّ لي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً ما قَبّلْتُ أحَداً مِنْهُمْ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّهُ مَن لاَ يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن أَنَسٍ وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وأَبو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرحمَنِ، اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ عبدِ الرحمنِ بن عوف‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله ‏(‏أبصر الأقرع بن حابس‏)‏ هو من المؤلفة وممن حسن إسلامه ‏(‏وهو يقبّل الحسن‏)‏ جملة حالية أي رأى الأقرع النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه يقبل الحسن فقال أي الأقرع ‏(‏ما قبلت منهم أحداً‏)‏ إما للاستكبار أو للاستحقار ‏(‏إنه‏)‏ الضمير للشأن ‏(‏من لا يرحم لا يرحم‏)‏ الأول بصيغة المعروف، والثاني بصيغة المجهول أي من لا يرحم الناس لا يرحمه الله‏.‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ثم نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ من لا يرحم لا يرحم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هو بالرفع فيهما على الخبر‏.‏ وقال عياض‏:‏ هو للأكثر‏.‏ وقال أبو البقاء‏:‏ من موصولة، ويجوز أن تكون شرطية فيقرأ بالجزم فيهما انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه البخاري في الجنائز ومسلم في الفضائل ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏، وأخرجه البخاري في الأدب ومسلم في الفضائل‏.‏

1280- باب ماَ جاءَ في النفقة على البَنَاتِ والأَخَوَات

1918- حَدّثنا أَحمدُ بنُ محمدٍ أخبرنا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا ابنُ عُيَيْنَةَ عن سُهَيْلٍ بنِ أبي صَالِحٍ عن أَيّوبَ بن بَشِيرٍ عن سَعِيدٍ الأَعْشَى عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ كَانَتْ لَهُ ثَلاَثُ بَنَات أو ثَلاثُ أخَوَاتٍ أو ابْنَتَانِ أوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنّ واتّقَى الله فِيهنّ فَلَهُ الْجَنّةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث غريب وقد روى محمد بن عبيد عن محمد بن عبد العزيز غير حديث سند الإسناد وقال عن ابن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس الصحيح هو عبيد الله بن أبي بكر بن أنس‏.‏

1919- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ محمدٍ عن سُهَيْلٍ بنِ أبي صاَلِحٍ عن سَعِيدِ بنِ عَبْدِ الرحمنِ عن أَبي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لا يَكُونُ لأَحَدِكُمْ ثَلاَثُ بَنَاتٍ أَو ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إلَيْهِنّ إلاّ دَخَلَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عن عَائِشَةَ وعُقْبَةَ بن عَامِرٍ وأَنسٍ وجاَبِرٍ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وأَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ اسْمُهُ سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِناَنٍ وسَعْدُ بنُ أَبي وَقّاصٍ هُوَ سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنُ وُهَيْبٍ‏.‏

وقد زَادُوا في هذَا الإِسْنَادِ رَجُلاً‏.‏

1920- حدّثنا العَلاءُ بنُ مَسْلَمَةَ، حدثنا عَبْدُ المَجِيدِ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قاَلتْ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ البَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهنّ، كُنّ لَهُ حِجاباً مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

1921- حدّثنا أحمدُ بنُ محمدٍ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، حدثنا مَعْمَرٌ عن ابنِ شِهَابٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ أبي بَكْرِ بنِ حَزْمٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏دَخَلَتْ امرأَةٌ مَعَهَا ابنَتَانِ لَهَا فَسَألَتْ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيئاً غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأعْطَيْتُهَا إيّاهاَ فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثمّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ودَخَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ كُنّ لَهُ سِتْراً مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيحٌ‏.‏

1922- حدّثنا محمدُ بنُ وَزِيرٍ الوَاسِطيّ حدثنا محمدُ بنُ عُبَيْدٍ هو الطنافسي حدثنا محمدُ بنُ عَبْدِ العَزَيزِ الرّاسِبِيّ عن أبي بَكْرِ بنِ عُبَيْدِ الله بنِ أَنسِ بنِ ماَلِكٍ عن أنس قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ عَالَ جاَرِيتَيْنِ دَخَلْتُ أَنَا وهُوَ الْجَنّةَ كَهاَتَيْنِ وَأَشَارَ بإِصْبَعَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب بن بشير‏)‏ بن سعد بن النعمان، كنيته أبو سليمان المدني، له رؤية وثقه أبو داود وغيره ‏(‏عن سعيد الأعشى‏)‏ هو سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل الأعشى الزهري المدني، مقبول من السادسة، كذا في التقريب‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ وثقة ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كانت له ثلاثة بنات أو ثلاث أخوات‏)‏ أو للتنويع لا للشك، وكذا في قوله أو أبنتان أو أختان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأحسن صحبتهن واتقي الله فيهن‏)‏، أي في أداء حقوقهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن عبد الرحمن‏)‏ هو سعيد الأعشى المذكور في الإسناد السابق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيحسن إليهن‏)‏ وقع في حديث عقبة بن عامر في الأدب المفرد‏.‏ فصبر عليهن، وكذا وقع في ابن ماجة زاد‏:‏ وأطعمهن وسقاهن وكساهن‏.‏ وفي حديث ابن عباس عند الطبراني‏:‏ فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن‏.‏ وفي حديث جابر عند أحمد‏.‏ وفي الأدب المفرد‏:‏ يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن، زاد الطبراني فيه‏:‏ ويزوجهن قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الألفاظ‏:‏ وهذه الأوصاف يجمعها لفظ الإحسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ لها حديثان في الباب أخرجهما الترمذي في هذا الباب ‏(‏وعقبة بن عامر‏)‏ أخرجه ابن ماجة والبخاري في الأدب المفرد ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه أحمد والبخاري في اللأدب المفرد‏.‏ والبزار والطبراني في الأوسط‏.‏ ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح‏.‏ وابن حبان في صحيحه من رواية شرحبيل عنه‏.‏ والحاكم، وقال صحيح الإسناد، كذا في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان‏)‏ اشتهر بكنيته، له ولأبيه صحبة، أستصغر بأحد ثم شهد ما بعدها، وكان من الحفاظ المكثرين، مات سنة أربع وسبعين ودفن بالبقيع ‏(‏وسعد بن أبي وقاص هو سعد بن مالك بن وهيب‏)‏ هو أحد العشرة المبشرة بالجنة، أسلم قديماً وهو ابن سبع عشرة سنة، وقال كنت ثالث الإسلام وأنا أول من رمى السهم في سبيل الله، شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، مات في قصره بالعقيق قريباً من المدينة فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع سنة خمس وخمسين‏.‏ وإنما ذكر الترمذي ههنا سعد بن ابي وقاص لأنه كان مشاركاً في اسم أبي سعيد واسم أبيه فذكر ترجمته ليتميز عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد زادوا في هذا الإسناد‏)‏ أي الإسناد الثاني بين سعيد بن عبد الرحمن وأبي سعيد الخدري ‏(‏رجلاً‏)‏ هو أيوب بن بشير، فروى أبو داود في سننه قال حدثنا مسدد، حدثنا خالد، أخبرنا سهيل يعني ابن أبي صالح عن سعيد الأعشى عن أيوب بن بشير الأنصاري عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من عال ثلاث بنات فأدبهن الحديث، ثم قال‏:‏ حدثنا يوسف بن موسى، أخبرنا جرير عن سهيل بهذا الإسناد بمعناه‏.‏ قال المنذري في تلخيص السنن‏.‏ وأخرجه الترمذي من حديث سهيل عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيدقال‏:‏ وقد زادوا في هذا الإسناد رجلا، وأخرجه أيضاً من حديث سفيان بن عيينة عن سهيل عن أيوب بن بشير عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد‏.‏ وقال البخاري في تاريخه‏.‏ وقال ابن عيينة‏:‏ عن سهيل عن أيوب عن سعيد الأعشى ولا يصح انتهى‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا العلاء بن مسلمة‏)‏ بن عثمان الرواس مولى بني تميم بغدادي يكنّى أبا سالم متروك، ورماه ابن حبان بالوضع من العاشرة ‏(‏حدثنا عبد المجيدبن عبد العزيز‏)‏ هو ابن أبي رداد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ابتلى بشيء من البنات‏)‏ بصيغة المجهول أي امتحن قال الحافظ في الفتح‏:‏ اختلف في المراد بالابتلاء هل هو نفس وجودهن أو ابتلى بما يصدر منهن، وكذلك هل هو على العموم في البنات أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به‏.‏ وقال النووي تبعاً لابن بطال‏:‏ إنما سماه إبتلاء لأن الناس يكرهون البنات، فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك ورغب في إبقائهن وترك قتلهن بما ذكر من الثواب الموعود به من أحسن إليهن وجاهد نفسه في الصبر عليهن‏.‏ وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي‏:‏ يحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا الاختبار أي من اختبر بشيء من البنات لينظر ما يفعل أيحسن إليهن أو يسيء‏؟‏ ولهذا قيده في حديث أبي سعيد بالتقوى فإن من لم يتق الله لايأمن أن يتضجر بمن وكله الله إليه أو يقصر عما أمر بفعله أو لا يقصد بفعله امتثال أمر الله وتحصيل ثوابة والله أعلم ‏(‏كن له حجاباً من النار‏)‏ أي يكون جزاؤه على ذلك وقاية بينه وبين نار جهنم حائلا بينه وبينها، وفيه تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ في سنده العلاء بن مسلمة وهو متروك فتحسين الترمذي له لشواهده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ غير تمرة واحدة‏.‏ قال العيني‏:‏ فإن قلت‏:‏ وقع في رواية عراك بن مالك عن عائشة‏:‏ جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فأعجبني شأنها الحديث، أخرجه مسلم، فما الجمع بينهما‏؟‏ قلت‏:‏ قيل يحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى تمرة واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين، ويحتمل تعدد القصة انتهى‏.‏ ‏(‏فأعطيتها إياها‏)‏ أي التمرة ولم تستحقرها لقوله تعالى ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره‏}‏ ولقوله عليه السلام‏:‏ أتقوا النار ولو بشق تمرة‏.‏ ‏(‏ولم تأكل منها‏)‏ أي مع جوعها إذ يستبعد أن تكون شبعانة مع جوع ابنتيها ‏(‏فأخبرته‏)‏ أي بما جرى ‏(‏من ابتلى بشيء من هذه البنات‏)‏ زاد في رواية البخاري‏:‏ فأحسن إليهن ‏(‏كن له‏)‏ أي للمبتلي ‏(‏ستراً‏)‏ بكسر أوله أي حجاباً دافعاً ‏(‏من النار‏)‏ أي دخولها‏.‏ واختلف في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب أو بما زاد عليه، والظاهر الثاني‏.‏ وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبيد‏)‏ هو الطنافسي ‏(‏حدثنا محمد بن عبد العزيز الراسبي‏)‏ أبو روح البصري ثقة من السابعة ‏(‏عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس‏)‏ بن مالك مجهول الحال من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عال جاريتين‏)‏ زاد في رواية مسلم حتى تبلغا‏.‏ قال النووي معنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما مأخوذ من العول وهو القرب منه ابدأ بمن تعول ‏(‏دخلت أنا وهو‏)‏ أي الذي عالهما ‏(‏الجنة‏)‏ بالنصب ‏(‏كهاتين وأشار بإصبعيه‏)‏ أي السبابة والوسطى‏.‏ وسيأتي توضيح قوله ‏"‏كهاتين‏"‏ في الباب الذي يليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وابن حبان في صحيحه ‏(‏غير حديث‏)‏ أي غير واحد من الحديث ‏(‏والصحيح هو عبيد الله، بن أبي بكر بن أنس‏)‏ وكذا رواه مسلم في صحيحه، قال حدثني عمرو الناقد أخبرنا أبو أحمد الزبيري أخبرنا محمد بن عبد العزيز عن عبيد بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك إلخ‏.‏ وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس هذا كنيته أبو معاذ، قال في التقريب‏:‏ ثقة من الرابعة‏.‏

1281- باب ماَ جاءَ في رَحْمَةِ الْيَتِيمِ وكفَالته

أي الذي مات أبوه وهو صغير، يستوي فيه المذكر والمؤنث، قيل اليتيم من الناس من مات أبوه ومن الدواب من مات أمه‏.‏

1923- حَدّثنا سَعِيدُ بنُ يَعْقُوبَ الطّالِقَانيّ حدثنا المعْتَمِرُ بنُ سُلَيْماَنَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبي يُحَدّثُ عن حَنَشٍ عنِ عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَبَضَ يَتِيماً بَيْنَ المُسْلِمينَ إلىَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ أَدْخَلَهُ الله الجَنّةَ البَتّةَ إلاّ أَنْ يَعْمَلَ ذَنْباً لا يُغْفَرُ له‏"‏‏.‏

قالَ وفي البابِ عن مُرّةَ الفِهرِيّ وأبي هُرَيْرَة وأَبي أُماَمَةَ وسَهْلِ بنِ سَعْدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَحَنَشٌ هُوَ حُسَيْنُ بنُ قَيْسٍ وهُوَ أَبو عَلِيّ الرّحْبِيّ‏.‏ وسُلَيْمَانُ التّيْمِيّ يقولُ‏:‏ حنَش‏:‏ وهُوَ ضَعِيِفٌ عِندَ أَهلِ الحَدِيثِ‏.‏

1924- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عِمْرَانَ أَبو القَاسِمِ المَكّيّ القُرْشِيّ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ ابنُ أَبي حَازِمٍ عن أَبيهِ عن سِهْلِ بنِ سَعْدٍ قالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ في الْجَنّةِ كَهَاَتَيْنِ، وأَشاَرَ بإِصْبعَيْهِ يَعْنِي السّبّابَةَ وَالوُسْطَي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قبض يتيما بين المسلمين‏)‏ أي تسلم وأخذ، وفي رواية شرح السنة‏:‏ من آوى يتيما، كما في المشكاة ‏(‏إلى طعامه وشرابه‏)‏ الضميران لمن، والمعنى من يضم اليتيم إليه ويطعمه ‏(‏أدخله الله الجنة البتة‏)‏ أي إدخالاً قاطعاً بلا شك وشبهة ‏(‏إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر‏)‏ المراد منه الشرك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏ كذا ذكره الطيبي‏.‏ وقال ابن الملك‏:‏ أي الشرك، وقيل مظالم الخلق‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ والجمع هو الأظهر للإجماع على أن حق العباد لا يغفر بمجرد ضم اليتيم البتة، مع أن من جملة حقوق العباد أكل مال اليتيم، نعم يكون تحت المشيئة، فالتقدير إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر إلا بالتوبة أو بالاستحلال ونحوه‏.‏ وحاصله أن سائر الذنوب التي بينه وبين الله تغفر إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن مُرّة‏)‏ أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني كما في الفتح ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه ابن ماجة مرفوعاً بلفظ، خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو نعيم في الحلبة ‏(‏وأبي أمامة‏)‏ أخرجه أحمد والترمذي ‏(‏وسهل بن سعد‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحنش هو حسين بن قيس وهو أبو علي الرحبي‏)‏ بفتح الراء والموحدة قال الحافظ في التقريب‏:‏ حسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي لقبه حنش بفتح المهملة والنون ثم معجمة متروك من السادسة انتهى ‏(‏وسليمان التيمي يقول حنش‏)‏ يعني يذكره بلقبه حنش ‏(‏وهو ضعيف عند أهل الحديث‏)‏‏.‏ قال أحمد‏:‏ متروك، وقال أبو زرعة وابن معين‏:‏ ضعيف، وقال البخاري‏:‏ لا يكتب حديثه، وقال السعدي‏:‏ أحاديثه منكرة جداً، وقال الدارقطني‏:‏ متروك، كذا في الميزان‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد الله بن عمران‏)‏ بن رزين بن وهب المخزومي العابدي ‏(‏أبو القاسم المكي القرشي‏)‏ صدوق معمر من العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا وكافل اليتيم‏)‏ أي مربيه قال في النهاية‏:‏ الكافل هو القائم بأمر اليتيم المربي له ‏(‏في الجنة‏)‏ خبر أنا ومعطوفة ‏(‏كهاتين‏)‏‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلمفي الجنة، ولا منزلة في الاَخرة أفضل من ذلك‏.‏ وفي رواية البخاري في اللعان‏:‏ وفرج بينهما شيئاً أي بين السبابة والوسطى، وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى‏.‏ وهو نظير الحديث الاَخر‏:‏ بعثت أنا والساعة كهاتين الحديث‏.‏ وزعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك استوت اصبعاه في تلك الساعة، ثم عادتا على حالهما الطبيعية الأصلية تأكيداً لأمر كفالة اليتيم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ومثل هذا لا يثبت بالاحتمال‏.‏ ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة أصبع أخرى‏.‏ وقد وقع في رواية لأم سعيد عند الطبراني‏:‏ معي في الجنة كهاتين، يعني المسبحة والوسطى إذا اتقى‏.‏ ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حالة دخول الجنة لما أخرجه أبو يعلي من حديث أبي هريرة رفعه‏:‏ أنا أول من يفتح باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني فأقول من أنت‏؟‏ فتقول أنا امرأة تأيمت على أيتام لي‏.‏ ورواته لابأس بهم‏.‏ وقوله‏:‏ تبادرني أي لتدخل معي أو تدخل في إثري‏.‏ ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين، سرعة الدخول وعلو المنزلة قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي أو منزلة النبي لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلا لهم ومعلماً ومرشداً، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه، ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه، فظهرت مناسبة ذلك، ذكره الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود‏.‏