فصل: 31- كتاب القدر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


31- كتاب القدر

القدر‏:‏ بفتح القاف والدال المهملة عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور، وهو مصدر قدر يقدر قدراً وقد تسكن داله‏.‏

1422- باب ما جَاءَ مِنَ التّشْدِيدِ في الْخَوْضِ في القَدَر

قال في شرح السنة‏:‏ الإيمان بالقدر فرض لازم وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد خيرها وشرها وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، والكل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب‏.‏ والقدر سر من أسرار الله تعالى لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل، بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين فرقة خلقهم للنعيم فضلاً وفرقة للجحيم عدلاً‏.‏ وسأل رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال‏:‏ أخبرني عن القدر، قال طريق مظلم لا تسلكه، وأعاد السؤال فقال‏:‏ بحر عميق لا تلجه، وأعاد السؤال فقال‏:‏ سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه‏.‏ ولله در من قال‏:‏

تبارك من أجرى الأمور بحكمهكما شاء لا ظلماً ولا هضماً

فما لك شيء غير ما الله شاءه، فإنشئت طب نفساً وإن شئت مت كظماً

2154- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُعاويةَ الْجُمَحِيّ البصري أخبرنا صَالِحُ المرّيّ عن هِشَامِ بن حَسّانَ عن محمدِ بنِ سِيرِينَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏خَرَجَ عَلَيْنَا رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَتَنَازَع في القَدَرِ، فغَضِبَ حَتّى احَمرّ وَجْههُ حتى كَأَنّمَا فُقِئَ في وَجْنَتَيْهِ الرّمّانُ، فقالَ‏:‏ أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بهذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ‏؟‏ إِنّمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا في هَذَا الأَمْرِ‏.‏ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلاّ تَنَازَعُوا فيه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن عُمَر وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وهذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفهُ إِلاّ مِنْ هذا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ المُرّيّ، وَصَالِحٌ المُرّيّ، لَهُ غَرَائِبُ يَنْفَرّدُ بها لايُتابع عليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحن نتنازع‏)‏ أي حال كوننا نتباحث ‏(‏في القدر‏)‏ أي في شأنه فيقول بعضنا‏:‏ إذا كان الكل بالقدر فلم الثواب والعقاب كما قالت المعتزلة، والاَخر يقول‏:‏ فما الحكمة في تقدير بعض للجنة وبعض للنار، فيقول الاَخر‏:‏ لأن لهم فيه نوع اختيار كسبي‏.‏ فيقول الاَخر من أوجد ذلك الاختيار والكسب وأقدرهم عليه وما أشبه ذلك ‏(‏فغضب حتى احمر وجهه‏)‏ أي نهاية الاحمرار ‏(‏حتى‏)‏ أي حتى صار من شدة حمرته ‏(‏كأنما فقئ‏)‏ بصيغة المجهول أي شق أوعصر ‏(‏في وجنتيه‏)‏ أي خديه ‏(‏الرمان‏)‏ أي حبه، فهو كناية عن مزيد حمرة وجهه المنبئة عن مزيد غضبه، وإنما غضب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى وطلب سره منهي، ولأن من يبحث فيه لا يأمن من أن يصير قدرياً أو جبرياً، والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز طلب سره ‏(‏أبهذا‏)‏ أي بالتنازل في القدر، وهمزة الاستفهام للانكار وتقديم المجرور لمزيد الاهتمام ‏(‏أم بهذا أرسلت إليكم‏)‏ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة وهي للإنكار أيضاً ترقياً من الأهون إلى الأغلظ وإنكاراً غب إنكار قاله القاري ‏(‏إنما هلك من كان قبلكم‏)‏ أي من الأمم جملة مستأنفة جواباً عما اتجه لهم أن يقولوا لم تنكر هذا الإنكار البليغ ‏(‏حين تنازعوا في هذا الأمر‏)‏ هذا يدل على أن غضب الله وإهلاكهم كان من غير إمهال ففيه زيادة وعيد ‏(‏عزمت‏)‏ أي أقسمت أو أوجبت ‏(‏عليكم‏)‏ قيل أصله عزمت بإلقاء اليمين وإلزامها عليكم ‏(‏ألا تنازعوا‏)‏ بحذف إحدى التائين ‏(‏فيه‏)‏ أي في القدر لا تبحثوا فيه بعد هذا‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ إن هذه يمتنع كونها مصدرية وزائدة لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة وأن لا تزاد مع لا فهي إذاً مفسرة، كأقسمت أن لا ضربت، وتنازعوا جزم بلا الناهية، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد الجملة، كذا قاله زين العرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمرو وعائشة وأنس‏)‏ أما حديث عمرو فأخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم، وكذا أحمد والحاكم‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ في سنده صالح بن بشير بن وادع المري أبو بشر البصري وهو ضعيف‏.‏ وقال الذهبي‏:‏ ضعفوه ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة فيها سوى الترمذي وروى إبن ماجه نحوه عن إبن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏.‏ ويؤيده حديث ابن مسعود مرفوعاً عند الطبراني بإسناد حسن بلفظ‏:‏ إذا ذكر القدر فأمسكوا، ويؤيده أيضاً حديث ثوبان عند الطبراني في الكبير بلفظ‏:‏ اجتمع أربعون من الصحابة ينظرون في القدر الحديث‏.‏ وفي الباب عن ابن عباس عند ابن جرير بلفظ‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم فسمع أناساً من أصحابه يذكرون القدر الحديث‏.‏ وعن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس عند الطبراني في الكبير ‏(‏وصالح المري له غرائب يتفرد بها‏)‏ قال في التقريب‏:‏ صالح بن بشير بن وادع المرى بضم الميم وتشديد الراء، أبو البشر البصري القاص الزاهد، ضعيف من السابعة‏.‏

1423- باب ما جاء في حِجاجِ آدم وموسى عليهما السلام

2155- حَدّثنا يَحْيَى بنُ حَبِيبِ بنِ عَرَبيّ، أخبرنا الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ أخبرنا أبي عن سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏احْتَجّ آدَمُ وَمُوسَى فقال مُوسَى يا آدَمُ أَنْتَ الذي خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، أَغْوَيْتَ النّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنّةِ، قالَ فقالَ آدَمُ‏:‏ أَنْتَ مُوسَى الذي اصْطَفَاكَ الله بِكَلاَمِهِ، أَتَلُومُنِي على عَمَلٍ عَمِلْتُهُ كَتَبَهُ الله عَلَيّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، قالَ‏:‏ ‏"‏فَحَجّ آدَمُ مُوسى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن عُمَر وجُنْدُبٍ‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ عن الأَعْمَشِ‏.‏ وقد روى بَعْضُ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ عن الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ وقالَ بَعْضُهُمْ عن الأَعْمَشِ عن أبي صَالِحٍ عن أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد رُوِيَ هذا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي‏)‏ البصري ثقة من العاشرة ‏(‏أخبرنا أبي‏)‏ أي سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري، نزل في التيم فنسب إليهم، ثقة عابد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏احتج آدم وموسى‏)‏ أي تحاجا، وفي حديث عمر عند أبي داود قال‏:‏ قال موسى‏:‏ يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم، فقال أنت أبونا الحديث‏.‏ قيل هذا ظاهره أنه وقع في الدنيا‏.‏ قال الحافظ فيه نظر فليس قول البخاري عند الله صريحاً في أن ذلك يقع يوم القيامة، فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان، فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين‏.‏ وقد وردت العندية في القيامة بقوله تعالى ‏{‏في مقعد صدق عند مليك مقتدر‏}‏، وفي الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني‏"‏ انتهى‏.‏ وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باب تحاج آدم وموسى عند الله تعالى، قال الحافظ الذي ظهر لي أن البخاري لمح في الترجمة بما وقع في بعض طريق الحديث وهو ما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ احتج آدم وموسى عند ربهما الحديث ‏(‏فقال موسى‏)‏ جملة مبينة لمعنى ما قبلها ‏(‏يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده‏)‏ قال القاري‏:‏ أي بقدرته، قلت لا حاجة إلى هذا التأويل بل هو محمول على ظاهره، وقد تقدم ما يتعلق بهذا في مواضع عديدة‏.‏ قال وخصه بالذكر إكراماً وتشريفاً، وأنه خلقه إبداعاً من غير واسطة أب وأم ‏(‏ونفخ فيك من روحه‏)‏ الأضافة للتشريف والتخصيص، أي من الروح الذي هو مخلوق ولا يد لأحد فيه ‏(‏أغويت الناس‏)‏ قال الحافظ‏:‏ معنى أغويت كنت سبباً لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد، إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة، ولو لم يقع الإخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الإغواء، والغي ضد الرشد وهو الانهماك في غير الطاعة، ويطلق أيضاً على مجرد الخطأ يقال غوى أي أخطأ صواب ما أمر به ‏(‏وأخرجتهم من الجنة‏)‏ أي خطيئتك التي صدرت منك ‏(‏فقال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه‏)‏ أي اختارك بتكليمه إياك ‏(‏كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض‏)‏ أي قدره وقضاه قبل خلق السموات والأرض، وفي رواية البخاري‏:‏ ‏"‏قدره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة‏"‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والجمع بينه ‏(‏يعني الرواية التي ليست مقيدة بأربعين سنة‏)‏ وبين الرواية المقيدة بأربعين سنة حملها على ما يتعلق بالكتابة وحمل الأخرى على ما يتعلق بالعلم وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بالأربعين سنة ما بين قوله تعالى ‏{‏إني جاعل في الأرض خليفة‏}‏ إلى نفخ الروح في آدم، وأجاب غيره أن ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح وآخرها ابتداء خلق آدم ‏(‏فحج آدم موسى‏)‏ برفع آدم على أنه الفاعل أي غلبه بالحجة، يقال حاججت فلاناً فحججته، مثل خاصمته فخصمته‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر وأن الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله، فإن قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقاً فيما قاله، فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل كذا في شرح مسلم للنووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وجندب‏)‏ أما حديث عمر فأخرجه أبو داود وأبو عوانة، وأما حديث جندب فأخرجه النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

1424- باب ما جَاءَ في الشّقَاءِ وَالسّعَادَة

2156- حدثنا بُنْدَارٌ، أخبرنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا شُعْبَةُ عن عَاصِمِ بن عُبَيْدِ الله قال سَمِعْتُ سَالِمَ بنَ عَبْدِ الله يُحَدّثُ عن أَبيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ عُمَرُ يا رسولَ الله أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ فيهِ أمْرٌ مُبْتَدَعٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ أَوْ فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ‏؟‏ فقالَ‏:‏ فيما قَدْ فُرِغَ مِنْهُ يا ابْنَ الْخَطّابِ وَكُلّ مُيَسّرٌ‏.‏ أَما مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السّعَادَةِ فَإِنّهُ يَعْمَلُ لِلسّعَادَةِ، وَأَمّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّقَاءِ فَإِنّهُ يَعْمَلُ لِلشّقَاءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن عَلِيَ وَحُذَيْفَةَ بنِ أَسِيدٍ وَأَنَسٍ وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2157- أخبرنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْحُلْوَانِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ وَ وَكِيعٌ عن الأَعْمَشِ عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عن أَبِي عَبْدِ الرحمنِ السّلَمِيّ عن عَلِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يَنْكتُ في الأَرضِ إِذْ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السّمَاءِ ثُمّ قالَ‏:‏ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ قَدْ عُلِمَ- لأقالَ وَكِيعٌ‏:‏ إِلاّ قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنّةِ- قَالُوا‏:‏ أَفَلاَ نَتّكِلُ يا رَسولَ الله‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر مبتدع أو مبتدأ‏)‏ لفظه أو للشك من الراوي، والمعنى أن ما نعمل هل هو أمر مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى وإنما يعلمه بعد وقوعه ‏(‏أو فيما قد فرغ منه‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فيما قد فرغ منه‏)‏ أي قد فرغ الله تعالى عن قضائه وقدره ‏(‏وكل ميسر‏)‏ أي كل موفق ومهيأ لما خلق له، يعني لأمر قدر ذلك الأمر له من الخير والشر ‏(‏أما من كان‏)‏ أي في علم الله أو كتابه أو آخر أمره وخاتمة عمله ‏(‏من أهل السعادة‏)‏ أي الإيمان في الدنيا والجنة في العقبى ‏(‏فإنه يعمل للسعادة‏)‏ وفي حديث علي‏:‏ أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة ‏(‏وأما من كان من أهل الشقاء‏)‏ وهو ضد السعادة ‏(‏فإنه يعمل للشقاء‏)‏ وفي حديث علي فسييسر لعمل الشقاوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وحذيفة بن أسيد وأنس وعمران بن حصين‏)‏‏.‏ أما حديث علي فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين فأخرجه مسلم‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البزار والفريابي من حديث أبي هريرة أن عمر قال يا رسول الله، فذكر نحو حديث الباب كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية‏:‏ كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ‏(‏وهو ينكت في الأرض‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ومعه عود ينكت به في الأرض‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفي رواية منصور ومعه مخصرة بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد، وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالباً للاتكاء عليها انتهى‏.‏ قال في المجمع‏:‏ فجعل ينكت بقضيب أي يضرب الأرض بطرفه وهو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهموم ‏(‏ما منكم من أحد إلا قد علم قال وكيع إلا قد كتب‏)‏ بصيغة المجهول فيهما ‏(‏مقعده من النار ومقعده من الجنة‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ مقعده من النار أو من الجنة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أو للتنويع، ووقع في رواية سفيان ما قد يشعر بأنها بمعنى الواو ولفظه إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، وكأنه يشير إلى ما تقدم من حديث ابن عمر الدال على أن لكل أحد مقعدين، وفي رواية منصور إلا كتب مكانها من الجنة والنار ‏(‏أفلا نتكل يا رسول الله‏)‏ الفاء معقبة لشيء محذوف تقديره فإذا كان كذلك أفلا نتكل، وزاد في رواية‏:‏ أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل أي نعتمد على ما قدر علينا ‏(‏قال لا‏)‏ أي لا تتكلوا‏.‏ وحاصل السؤال ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا، وحاصل الجواب لا مشقة لأن كل أحد ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سبباً مستقلاً لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1425- باب مَا جَاءَ أَنّ الأَعْمَالَ بالْخَوَاتِيم

2158- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن زَيْدِ بنِ وَهْبٍ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ حدثنا رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصّادِقُ المَصْدُوقُ‏:‏ ‏"‏إِنّ أَحَدَكُمْ يُجْمَع خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمّهِ في أرْبَعِينَ يَوْماً ثُمّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ يُرْسِلُ الله إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرّوحَ وَيُؤْمَرُ بأَرْبَعٍ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيّ أو سَعِيدٌ، فَوَالّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ حَتّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلاّ ذِرَاعٌ ثُمّ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ فَيَدْخُلُهَا، وإنّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النّارِ حَتّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاّ ذِرَاعٌ، ثمّ يَسْبِقُ عَلِيْهِ الكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنّةِ فَيَدْخُلُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2159- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا الأَعْمَشُ، حدثنا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ عن عَبْدِ الله بن مَسْعُودٍ، قال‏:‏ حدثنا رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وسَمِعْتُ أحمدَ بنَ الْحَسَنِ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ‏:‏ مَا رَأَيْتُ بَعْينِي مِثْلَ يَحْيَى بن سَعِيدٍ القَطّانِ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد روى شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ عن الأَعْمَشِ نَحْوَهُ‏.‏

2160- حدّثنا محمدُ بنُ العَلاَءِ، حدثنا وَكيعٌ عن الأَعْمَشِ عن زَيْدٍ نَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وهو الصادق المصدوق‏)‏ الأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية لا حالية، لتعم الأحوال كلها وأن يكون من عادته ذلك، فما أحسن موقعه ههنا، ومعناه الصادق في جميع أفعاله حتى قبل النبوة لما كان مشهوراً فيما بينهم بمحمد الأمين، المصدوق في جميع ما أتاه من الوحي الكريم صدقه زيد راست كفت ياوزيد‏.‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي العاص بن الربيع‏:‏ فصدقني، وقال في حديث أبي هريرة‏:‏ صدقك وهو كذوب‏.‏ وقال علي رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك‏:‏ سل الجارية تصدقك‏.‏ ونظائره كثيرة كذا قال السيد جمال الدين‏.‏ وفيه رد على ما قيل إن الجمع بينهما تأكيد إذ يلزم من أحدهما الاَخر اللهم إلا أن يخص به ‏(‏إن أحدكم‏)‏ بكسر الهمزة فتكون من جملة التحديث ويجوز فتحها، وفي رواية‏:‏ إن خلق أحدكم أي مادة خلق أحدكم وما يخلق منه أحدكم ‏(‏يجمع خلقه في بطن أمه‏)‏ أي يقرر ويحرز في رحمها‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم ‏(‏في أربعين يوماً‏)‏ يتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق قال الطيبي‏:‏ وقد روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشراً طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دماً في الرحم فذلك جمعها‏.‏ والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأكثرهم احتياطاً، فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ والحديث رواه بن أبي حاتم وغيره، وصح تفسير الجمع بمعنى آخر وهو ما تضمنه قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ إن الله تعالى إذا أراد خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها، فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون آدم ‏"‏في أي صورة ما شاء ركبك‏"‏‏.‏ ويشهد لهذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لمن قال له ولدت امرأتي غلاماً أسود‏:‏ لعله نزعه عرق‏.‏ وأصل النطفة الماء القليل سمي بها المني لقلته، وقيل لنطافته أي سيلانه لأنه ينطف نطفاً أي يسيل ‏(‏ثم يكون‏)‏ أي خلق أحدكم ‏(‏علقة‏)‏ أي دماً غليظاً جامداً ‏(‏مثل ذلك‏)‏ إشارة إلى محذوف أي مثل ذلك الزمان يعني أربعين يوماً ‏(‏ثم يكون مضغة‏)‏ أي قطعة لحم قدر ما يمضغ ‏(‏مثل ذلك‏)‏ يعني أربعين يوماً ويظهر التصوير في هذه الأربعين ‏(‏ثم يرسل الله إليه الملك‏)‏ أي إلى خلق أحدكم أو إلى أحدكم يعني في الطور الرابع حين ما يتكامل بنيانه ويتشكل أعضاؤه‏.‏ والمراد بالإرسال أمره بها والتصرف فيها لأنه ثبت في الصحيحين إنه موكل بالرحم حين كان نطفة أو ذاك ملك آخر غير ملك الحفظ ‏(‏ويؤمر بأربع‏)‏ وفي الصحيحين‏:‏ بأربع كلمات أي بكتابتها وكل قضية تسمى كلمة قولاً كان أو فعلاً ‏(‏يكتب رزقه‏)‏ يعني أنه قليل أو كثير ‏(‏وأجله‏)‏ أي مدة حياته أو انتهاء عمره ‏(‏وعمله‏)‏ أي من الخير والشر ‏(‏وشقي أو سعيد‏)‏ خبر مبتدأ محذوف أي يكتب هو شقي أو سعيد ‏(‏حتى ما يكون‏)‏ في الموضعين بالرفع، لا لأن ما النافية كافة عن العمل، بل لأن المعنى على حكاية حال الرجل لا الإخبار عن المستقبل، كذا قاله السيد جمال الدين‏.‏ وقال المظهر‏:‏ حتى هي الناصبة وما نافية، ولفظة يكون منصوبة بحتى، وما غير مانعة لها عن العمل‏.‏ وقال ابن الملك‏:‏ الأوجه أنها عاطفة ويكون بالرفع على ما قبله ‏(‏بينه وبينها‏)‏ أي بين الرجل والجنة ‏(‏إلا ذراع‏)‏ تمثيل لغاية قربها ‏(‏ثم يسبق عليه الكتاب‏)‏ ضمن معنى يغلب ولذا عدى بعلى وإلا فهو متعد بنفسه أي يغلب عليه كتاب الشقاوة والتعريف للعهد، والكتاب بمعنى المكتوب أي المقدر أو التقدير أي التقدير الأزلي ‏(‏حتى ما يكون‏)‏ بالوجهين المذكورين ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأنس‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري وأما حديث أنس فأخرجه أيضاً البخاري‏.‏

1426- باب ما جَاءَ كُلّ مَوْلُودٍ يُوَلَدُ على الفِطْرَة

2161- حَدّثنا محمدُ بنُ يَحْيَى القُطَعِيّ البصريّ، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ رَبِيعَةَ البُنَانيّ، أخبرنا الأَعْمَشُ عن أَبي صَالِحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كُلّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على المِلّةِ فَأَبَواهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُشَرّكَانِهِ، قِيلَ يَا رسولَ الله‏:‏ فَمَنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الله أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ بِهِ‏"‏‏.‏

2162- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَالحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ قَالاَ‏:‏ أخبرنا وَكِيعٌ عن الأَعْمَشِ عن أَبي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ‏:‏ ‏"‏يُوَلَدُ على الفِطْرَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد رَوَاهُ شُعْبَةُ وغَيْرُهُ عن الأَعْمَشِ عن أَبي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يولد على الفطرة وفي الباب عن الأسود بن سريع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل مولود‏)‏ قال القاري‏:‏ أي من الثقلين‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ أي من بني آدم وصرح به جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ كل بني آدم يولد على الفطرة‏.‏ وكذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج، ذكرها ابن عبد البر ‏(‏يولد على الملة‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ على الفطرة‏.‏ وقد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة، وحكى أبو عبيد أنه سأل محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الأمر بالجهاد‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ كأنه عني أنه لو كان يولد عن الإسلام فمات قبل أن يهوده أبواه مثلاً لم يرثاه والواقع في الحكم أنهما يرثانه فدل على تغير الحكم‏.‏ وقد تعقبه ابن عبد البر وغيره‏:‏ وسبب الاشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا فلذلك ادعى فيه النسخ، والحق أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع في نفس الأمر، ولم يرد به إثبات أحكام الدنيا‏.‏ وأشهر الأقوال‏:‏ أن المراد بالفطرة الإسلام‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وهو المعروف عند عامة السلف‏.‏

وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى ‏{‏فطرة الله التي فطر الناس عليها‏}‏ الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب اقرأوا إن شئتم ‏{‏فطرة الله التي فطر الناس عليها‏}‏ وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه‏:‏ إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم الحديث‏.‏ وقد رواه غيره فزاد فيه‏:‏ حنفاء مسلمين، فظهر من هذا كله أن المراد بالملة في هذه الرواية هي ملة الإسلام ‏(‏فأبواه يهودانه‏)‏ بتشديد الواو أي يعلمانه اليهودية ويجعلانه يهودياً، والفاء إما للتعقيب وهو ظاهر، وإما للتسبب أي إذا كان كذا فمن تغير كان بسبب أبويه غالباً ‏(‏وينصرانه‏)‏ بتشديد الصاد‏:‏ أي يعلمانه النصرانية ويجعلانه نصرانياً ‏(‏ويشركانه‏)‏ بتشديد الراء‏:‏ أي يعلمانه الشرك ويجعلانه مشركاً ‏(‏فمن هلك قبل ذلك‏)‏ أي قبل أن يهوده أبواه وينصراه ويشركاه ‏(‏قال الله أعلم بما كانوا عاملين به‏)‏ قال ابن قتيبة معنى قوله بما كانوا عاملين أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشيء وقال غيره أي علم أنهم لا يعملون شيئاً ولا يرجعون فيعملون أو أخبر بعلم شيء لو وجد كيف يكون مثل قوله ‏"‏ولو ردوا لعادوا‏"‏ ولكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الاَخرة، لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفاً، وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب‏:‏ قال الأكثرون هم في النار تبعاً لاَبائهم، وتوقفت طائفة فيهم، والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة‏.‏ ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس قالوا‏:‏ يا رسول الله وأولاد المشركين قال‏:‏ ‏"‏وأولاد المشركين‏"‏، رواه البخاري في صحيحه، ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا‏}‏ ولا يتوجه على المولود التكليف حتى يبلغ، وهذا متفق عليه، انتهى كلام النووي‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد هذا المذهب الثالث ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعاً‏:‏ سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ إسناده حسن‏.‏ قال وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعاً أخرجه البزار، ويؤيده أيضاً ما روى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت‏:‏ قلت يا رسول الله من في الجنة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏النبي في الجنة والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة‏"‏‏.‏ قال الحافظ إسناده حسن‏.‏ ويؤيده أيضاً ما روى عبد الرزاق من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال‏:‏ ‏"‏هم مع آبائهم‏"‏، ثم سألته بعد ذلك فقال‏:‏ ‏"‏الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏ ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزل ‏{‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏هم على الفطرة‏"‏ أو قال‏:‏ ‏"‏هم في الجنة‏"‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف ولو صح هذا لكن قاطعاً للنزاع ورافعاً لكثير من الإشكال انتهى‏.‏

وقد اختار الإمام البخاري هذا المذهب الثالث‏.‏ قال الحافظ تحت قوله باب ما قيل في أولاد المشركين‏:‏ هذه الترجمة تشعر بأنه كان متوقفاً في ذلك وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة‏.‏ وقد رتب أحاديث هذا الباب ترتيباً يشير إلى المذهب المختار، فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف، ثم ثنّى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة، يعني حديث كل مولود يولد على الفطرة‏.‏ ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك، يعني حديث سمرة بن جندب، فإن قوله في سياقه‏:‏ وأما الصبيان حوله فأولاد الناس، قد أخرجه في التعبير بلفظ‏:‏ وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة، فقال بعض المسلمين، وأولاد المشركين، فقال وأولاد المشركين، انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1427- باب ما جَاءَ لاَ يَرُدّ القَدَرَ إلاّ الدّعَاء

2163- حَدّثنا محمدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازِيّ وسَعِيدُ بنُ يَعْقُوبَ، قَالاَ‏:‏ حدثنا يَحْيَى بنُ الضّرَيْسِ عن أَبي مَوْدُودٍ عن سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ عن أَبي عُثْمَانَ النّهدِيّ عن سَلْمَان قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَرُدّ القَضَاءَ إِلاّ الدّعَاءُ، وَلاَ يَزِيدُ في العُمُرِ إِلاّ البِرّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي الباب عن أَبي أُسَيْدٍ‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ الضّرَيْسِ‏.‏ وأبُو مَوْدُودٍ اثْنَانِ أَحَدَهُمَا يُقَالَ لَهُ فِضّةُ وهو الذي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ اسْمُهُ فِضّهُ بَصْرِيّ‏.‏ والاَخر عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي سُلَيْمَانَ، أَحَدُهُمُا بَصْرِيّ وَالاَخرُ مدنيّ وكانا في عَصْرٍ واحِدٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يرد القضاء إلا الدعاء‏)‏ القضاء هو الأمر المقدر وتأويل الحديث أنه إن أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه فإذا وفق للدعاء دفعه الله عنه فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقى عنه، يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم في الرقى‏:‏ هو من قدر الله‏.‏ وقد أمر بالتداوي والدعاء مع أن المقدور كائن لخفائه على الناس وجوداً وعدماً ولما بلغ عمر الشام وقيل له إن بها طاعوناً رجع، فقال أبو عبيدة‏:‏ أتفر من القضاء يا أمير المؤمنين‏؟‏ فقال‏:‏ لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قضاء الله إلى قضاء الله‏.‏ أو أراد برد القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر حتى كأنه لم ينزل، يؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل‏.‏ وقيل‏:‏ الدعاء كالترس والبلاء كالسهم والقضاء أمر مبهم مقدر في الأزل ‏(‏ولا يزيد في العمر‏)‏ بضم الميم وتسكن ‏(‏إلا البر‏)‏ بكسر الباء وهو الإحسان والطاعة‏.‏ قيل يزاد حقيقة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب‏}‏ وقال‏:‏ ‏"‏يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏"‏ وذكر في الكشاف أنه لا يطول عمر الإنسان ولا يقصر إلا في كتاب وصورته أن يكتب في اللوح إن لم يحج فلان أو يغز فعمره أربعون سنة، وإن حج وغزا فعمره ستون سنة، فإذا جمع بينهما فبلغ الستين فقد عمر، وإذا أفرد أحدهما فلم يتجاوز به الأربعين فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون‏.‏ وذكر نحوه في معالم التنزيل، وقيل معناه إنه إذا بر لا يضيع عمره فكأنه زاد‏.‏ وقيل قدر أعمال البر سبباً لطول العمر كما قدر الدعاء سبباً لرد البلاء‏.‏ فالدعاء للوالدين وبقية الأرحام يزيد في العمر إما بمعنى أنه يبارك له في عمره فييسر له في الزمن القليل من الأعمال الصالحة ما لا يتيسر لغيره من العمل الكثير فالزيادة مجازية لأنه يستحيل في الاَجال الزيادة الحقيقية‏.‏ قال الطيبي‏:‏ إعلم أن الله تعالى إذا علم أن زيداً يموت سنة خمس مائة، استحال أن يموت قبلها أو بعدها، فاستحال أن تكون الاَجال التي عليها علم الله تزيد أو تنقص، فتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكل بقبض الأرواح وأمره بالقبض بعد آجال محدودة، فإنه تعالى بعد أن يأمره بذلك أو يثبت في اللوح المحفوظ ينقص منه أو يزيد على ما سبق علمه في كل شيء، وهو بمعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏}‏ وعلى ما ذكر يحمل قوله عز وجل ‏{‏ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده‏}‏ فالإشارة بالأجل الأول إلى ما في اللوح المحفوظ وما عند ملك الموت وأعوانه، وبالأجل الثاني إلى ما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعنده أم الكتاب‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون‏}‏‏.‏ والحاصل أن القضاء المعلق يتغير، وأما القضاء المبرم فلا يبدل ولا يغير، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي أسيد‏)‏ بضم الهمزة وفتح السين مصغراً الساعدي وأما أبو أسيد بفتح الهمزة وكسر السين فله حديث واحد وهو‏:‏ كلوا الزيت وادهنوا به الحديث‏.‏ وحديث أبي أسيد الذي أشار إليه الترمذي لم أقف عليه فلينظر من أخرجه ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ثوبان وفي روايتهما‏:‏ ‏"‏لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يذنبه‏"‏ كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن الضريس‏)‏ بمعجمة ثم مهملة مصغراً البجلي الرازي القاضي صدوق من التاسعة ‏(‏وأبو مودود اثنان‏)‏ أي رجلان ‏(‏أحدهما يقال له فضة‏)‏ قال الحافظ بكسر الفاء وتشديد المعجمة أبو مودود البصري، نزيل خراسان مشهور بكنيته فيه لين من الثامنة ‏(‏والاَخر عبد العزيز بن أبي سليمان‏)‏ الهذلي مولاهم أبو مودود المدني القاص، مقبول من السادسة ‏(‏وكانا في عصر واحد‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ وذكر أبو حاتم آخر يقال له أبو مودود اسمه بحر بن موسى روى عن الحسن البصري وعنه الثوري وغيره، وقال‏:‏ أبو مودود المدني أحب إلى من أبي مودود بحر ومن أبي مودود فضة انتهى‏.‏

1428- باب ما جَاءَ أَنّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَي الرّحمن

2164- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةُ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبي سُفْيَانَ، عن أَنسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أنْ يقولَ‏:‏ يا مُقَلّبَ القُلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي على دِيِنكَ، فَقلت‏:‏ يَا نَبِيّ الله آمَنّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعْم، إِنّ القُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلّبُهَا كَيْفَ يشاء‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن النّوّاسِ بنِ سِمْعَانَ وأُمّ سَلَمَةَ وعبد الله وعَائِشَةَ وأبي ذر‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عن الأعْمَشِ عن أبي سُفْيَانَ عن أَنَسٍ‏.‏ ورَوَى بَعْضُهُمْ عن الأَعْمَشِ عن أبي سُفْيَانَ عن جَابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وحَدِيثُ أبي سُفْيَانَ عن أَنَسٍ أَصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر‏)‏ من الإكثار ‏(‏أن يقول‏)‏ أي هذا القول ‏(‏يا مقلب القلوب‏)‏ أي مصرفها تارة إلى الطاعة وتارة إلى المعصية وتارة إلى الحضرة وتارة إلى الغفلة ‏(‏ثبت قلبي على دينك‏)‏ أي اجعله ثابتاً على دينك غير مائل عن الدين القويم والصراط المستقيم ‏(‏فقلت يا نبي الله آمنا بك‏)‏ أي بنبوتك ورسالتك ‏(‏وبما جئت به‏)‏ من الكتاب والسنة ‏(‏فهل تخاف علينا‏)‏ يعني أن قولك هذا ليس لنفسك لأنك في عصمة من الخطأ والزلة، خصوصاً من تقلب القلب عن الدين والملة، وإنما المراد تعليم الأمة، فهل تخاف علينا من زوال نعمة الإيمان أو الانتقال من الكمال إلى النقصان ‏(‏قال نعم‏)‏ يعني أخاف عليكم ‏(‏يقلبها‏)‏ أي القلوب ‏(‏كيف شاء‏)‏ مفعول مطلق، أي تقليباً يريده أو حال من الضمير المنصوب أي يقلبها على أي صفة شاءها ‏(‏وفي الباب عن النواس بن سمعان وأم سلمة وعائشة وأبي ذر‏)‏ أما حديث النواس بن سمعان بكسر السين وفتحها وسكون الميم فأخرجه أحمد‏.‏ وأما حديث أم سلمة فأخرجه أيضاً أحمد‏.‏ وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أبي ذر فأخرجه ابن جرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة‏.‏

1429- باب مَا جَاءَ أَنّ الله كَتَبَ كِتَاباً لأَهْلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّار

2165- حَدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدثنا الّليْثُ عن أَبِي قَبِيلٍ عن شُفَيّ بنِ مَاتعٍ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ ‏"‏خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وفي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ‏:‏ أَتَدْرُونَ ما هَذَانِ الكِتَابَانِ‏؟‏ فَقُلْنَا‏:‏ لا يا رسولَ الله إِلاّ أَنْ تُخْبِرَنَا، فقال لِلّذِي في يَدِهِ الْيُمْنَى‏:‏ هذا كِتَاب مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنّةِ وَأَسْمَاءُ آبائهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، ثم أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَداً‏.‏ ثم قال للّذِي في شِمَالِهِ هذا كِتَابٌ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النّارِ وَأَسْمَاءُ آبائهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثم أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَداً‏.‏ فقال أَصْحَابُهُ‏:‏ فَفِيمَ الْعَمَلُ يا رسولَ الله إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ‏؟‏ فقال‏:‏ سَدّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنّ صَاحِبَ الْجَنّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجنّة وَإِنْ عَمِلَ أي عَمَلٍ وإنّ صاحِبَ النّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ وإنْ عَمِلَ‏.‏ أَيّ عَمَلٍ‏.‏ ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُما ثم قال‏:‏ فَرَغَ رَبّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ، فَرِيقٌ في الْجَنّةِ وَفَرِيقٌ في السّعِيرِ‏"‏‏.‏

- 2166- حدّثنا قُتَيْفبَةُ، أخبرنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عن أبي قَبِيلٍ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن ابن عُمَرَ‏.‏ قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

وأبو قَبِيلٍ اسمُه حُبَيّ بنُ هانئ‏.‏

2167- أخبرنا عليّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسماعيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ، فَقِيلَ‏:‏ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يا رسولَ الله‏؟‏ قال‏:‏ يُوَفّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوْتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي قبيل‏)‏ اسمه حيي بضم الحاء مهملة وبيائين مصغراً قال في التقريب‏:‏ حيي بن هانئ بن ناضر، بنون ومعجمة أبو قبيل، بفتح القاف وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة المعافري البصري صدوق يهم من الثالثة ‏(‏عن شفي بن ماتع‏)‏ قال في التقريب‏:‏ شفي بضم الشين المعجمة وبالفاء مصغراً، ابن ماتع بمثناة الأصبحي، ثقة من الثالثة‏.‏ أرسل حديثاً فذكره بعضهم في الصحابة خطأ، مات في خلافة هشام، قاله خليفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي يده‏)‏ بالإفراد والمراد به الجنس وفي المشكاة‏:‏ يديه بالتثنية والواو للحال ‏(‏أتدرون ما هذان الكتابان‏)‏ الظاهر من الإشارة أنهما حسيان وقيل تمثيل واستحضار للمعنى الدقيق الخفي في مشاهدة السامع حتى كأنه ينظر إليه رأى العين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما كوشف له بحقيقة هذا الأمر وأطلعه الله عليه اطلاعاً لم يبق معه خفاء صور الشيء الحاصل في قلبه بصورة الشيء الحاصل في يده وأشار إليه إشارة إلى المحسوس ‏(‏فقلنا لا‏)‏ أي لا ندري ‏(‏يا رسول الله إلا أن تخبرنا‏)‏ استثناء مفرغ، أي لا نعلم بسبب من الأسباب إلا إخبارك إيانا‏.‏ وقيل الاستثناء منقطع أي لكن إن أخبرتنا علمنا، وكأنهم طلبوا بهذا الاستدراك إخباره إياهم ‏(‏فقال الذي في يده اليمنى‏)‏ أي لأهله وفي شأنه أو عنه، وقيل قال بمعنى أشار فاللام بمعنى إلى ‏(‏هذا كتاب من رب العالمين‏)‏ خصه بالذكر دلالة على أنه تعالى مالكهم وهم له مملوكون يتصرف فيهم كيف يشاء فيسعد من يشاء ويشقي من يشاء وكل ذلك عدل وصواب فلا اعتراض لأحد عليه، وقيل الظاهر أن هذا كلام صادر على طريق التصوير والتمثيل مثل الثابت في علم الله تعالى أو المثبت في اللوح بالمثبت بالكتاب الذي كان في يده ولا يستبعد إجراؤه على الحقيقة، فإن الله تعالى قادر على كل شيء والنبي صلى الله عليه وسلم مستعد لإدراك المعاني الغيبية ومشاهدة الصور المصوغة لها ‏(‏فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم‏)‏ الظاهر أن كل واحد من أهل الجنة وأهل النار يكتب أسماؤهم وأسماء آبائهم وقبائلهم سواء كانوا من أهل الجنة أو النار للتمييز التام كما يكتب في الصكوك ‏(‏ثم أجمل على آخرهم‏)‏ من قولهم أجمل الحساب إذا تمم ورد التفصيل إلى الإجمال، وأثبت في آخر الورقة مجموع ذلك وجملته كما هو عادة المحاسبين أن يكتبوا الأشياء مفصلة ثم يوقعوا في آخرها فذلكة ترد التفصيل إلى الإجمال، وضمن أجمل معنى أوقع فعدى يعلى، أي أوقع الإجمال على من انتهى إليه التفصيل، وقيل ضرب بالإجمال على آخر التفصيل أي كتب ويجوز أن يكون حالاً أي أجمل في حال انتهاء التفصيل إلى آخرهم، فعلى بمعنى إلى ‏(‏فلا يزاد فيهم‏)‏ جزاء شرط أي إذا كان الأمر على ما تقرر من التفصيل والتعيين والإجمال بعد التفصيل في الصك فلا يزاد فيهم ‏(‏ولا ينقص‏)‏ يصيغة المجهول ‏(‏منهم أبداً‏)‏ لأن حكم الله لا يتغير‏.‏ وأما قوله تعالى ‏{‏ولكل أجل كتاب‏.‏ يمحو الله ما يشاء ويثبت‏}‏ فمعناه لكل انتهاء مدة وقت مضروب، فمن انتهى أجله يمحوه ومن بقي من أجله يبقيه على ما هو مثبت فيه وكل ذلك مثبت عند الله في أم الكتاب وهو القدر، كما يمحو ويثبت هو القضاء، فيكون ذلك عين ما قدر وجرى في الأجل فلا يكون تغييراً أو المراد منه محو المنسوخ من الأحكام وإثبات الناسخ أو محو السيئات من التائب وإثبات الحسنات بمكافأته وغير ذلك، ويمكن أن يقال المحو والإثبات يتعلقان بالأمور المعلقة دون الأشياء المحكمة كذا في المرقاة ‏(‏ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه‏)‏ بصيغة المجهول، يعني إذا كان المدار على كتابة الأزل فأي فائدة في اكتساب العمل ‏(‏فقال سددوا‏)‏ أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة، وهو القصد في الأمر والعدل فيه، قاله في النهاية‏.‏ ‏(‏وقاربوا‏)‏ أي اقتصدوا في الأمور كلها واتركوا الغلو فيها والتقصير، يقال قارب فلان في أموره إذا اقتصد، كذا في النهاية والجواب من أسلوب الحكيم أي فيم أنتم من ذكر القدر والاحتجاج به وإنما خلقتم للعبادة فاعملوا وسددوا‏.‏ قاله الطيبي ‏(‏فإن صاحب الجنة يختم له‏)‏ يصيغة المجهول ‏(‏بعمل أهل الجنة‏)‏‏:‏ أي يعمل مشعر بإيمانه ومشير بإبقائه ‏(‏وإن عمل‏)‏ أي ولو عمل قبل ذلك ‏(‏أي عمل‏)‏ من أعمال أهل النار ‏(‏وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار‏)‏ أعم من الكفر والمعاصي ‏(‏وإن عمل أي عمل‏)‏ أي قبل ذلك من أعمال أهل الجنة ‏(‏ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه‏)‏ أي أشار بهما، والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال فتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول قال بيده، أي أخذ وقال برجله أي مشى ‏(‏فنبذهما‏)‏ أي طرح ما فيهما من الكتابين وفي الأزهار‏:‏ الضمير في نبذهما لليدين لأن نبذ الكتابين بعيد من دأبه انتهى‏.‏ قال القاري وفيه أن نبذهما ليس بطريق الإهانة بل إشارة إلى أنه نبذهما إلى عالم الغيب‏.‏ ثم هذا كله إذا كان هناك كتاب حقيقي، وأما على التمثيل فيكون المعنى نبذهما أي اليدين‏.‏

قلت‏:‏ ولا مُلجِئ لحمل لفظ الكتاب في هذا الحديث على معناه المجازي، ولا مانع من إرادة معناه الحقيقي، فالظاهر أن يحمل على الحقيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا بكر بن مضر‏)‏ بن محمد بن حكيم المصري أبو محمد أو أبو عبد الملك ثقة ثبت من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه البزار كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوفقه لعمل صالح قبل الموت‏)‏ ثم يقبضه عليه كما في رواية، أي يميته وهو متلبس به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم‏.‏

1430- باب ما جاءَ لا عَدْوَى وَلاَ هَامةَ وَلاَ صَفَر

قال الجزري في النهاية‏:‏ الهامة الرأس واسم طائر وهو المراد في الحديث، وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها وهي من طير الليل وقيل هي البومة‏.‏ وقيل كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت‏.‏ وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة فتطير ويسمونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه انتهى

2168- حَدّثنا بُنْدَارٌ، أخبرنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عن عِمَارَةَ بنِ الْقَعْقَاعِ، حدثنا أبو زُرْعَةَ بنُ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ قال‏:‏ أخبرنا صَاحِبٌ لَنَا عن ابنِ مسعودٍ قال‏:‏ ‏"‏قَامَ فِينَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لا يُعْدِي شَيْءٌ شِيْئاً‏.‏ فقال أَعْرابيّ‏:‏ يا رسولَ الله، الْبَعِيرُ أَجْرَبُ الْحَشَفَةِ نُدْبِنُهُ فَيُجْرِبُ الاْبِلَ كُلّهَا‏؟‏ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فَمَنْ أَجْرَبَ الاوّلَ‏؟‏ لا عَدْوَى ولا صَفَرَ، خَلَقَ الله كلّ نَفْسٍ فَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَرِزْقَهَا وَمَصَائِبَهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي الباب عن أبي هُرَيْرَةَ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَنَسٍ قال‏:‏ وسَمِعْتُ محمدَ ابنَ عَمْرِو بنِ صَفْوَانَ الثّقَفِيّ الْبَصْرِيّ، قال‏:‏ سَمِعْتُ عليّ بنَ المَدِيِنيّ يقولُ‏:‏ لَوْ حلفْتُ بَينَ الرّكُنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفْتُ أَني لَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ عبدِ الرحمنِ ابنِ مَهْدِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة بن القعقاع‏)‏ بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة أرسل عن ابن مسعود وهو من السادسة‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير‏)‏ بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من الثالثة‏.‏

وذكر الحافظ في اسمه أقوالاً ‏(‏قال‏:‏ أخبرنا صاحب لنا‏)‏ لم أقف على اسم صاحبه هذا ولم يذكره الحافظ في مبهمات التقريب وتهذيب التهذيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لا يعدي شيء شيئاً‏)‏ من الإعداء‏.‏ قال في القاموس‏:‏ العدوى ما يعدي من جرب أو غيره وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ العدوى اسم من الإعداء كالدعوى والبقوى من الإدعاء والإبقاء، يقال أعداه الداء يعديه إعداء، وهو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلاً فتتقي مخالطته بإبل أخرى حذراً أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه فقد أبطله الإسلام لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك، وإنما الله هو الذي يمرض وينزل الداء انتهى ‏(‏البعير أجرب الحشفة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الحشفة محركة ما فوق الختان، وقال في المجمع‏:‏ هي رأس الذكر ‏(‏ندبنه‏)‏ قد ضبط هذا اللفظ في النسخة الأحمدية بضم نون وسكون دال مهملة وكسر موحدة بصيغة المضارع المتكلم من الإدبان ولم يظهر لي معناه اللهم إلا أن يقال إنه مأخوذ من الدبن‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الدبن بالكسر حظيرة الغنم‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ الدبن حظيرة الغنم إذا كانت من القصب وهي من الخشب زريبة ومن الحجارة صيرة انتهى‏.‏ ثم يقال إن المراد بالدبن هنا معاطن الإبل والمعنى ندخل البعير أجرب الحشفة في المعاطن فيجرب الإبل كلها ويحتمل أن يكون بذنبه بالباء حرف الجر وبذال معجمة ونون مفتوحتين وموحدة وبالضمير المجرور الراجع إلى البعير‏.‏ والمعنى أن البعير يجرب أولاً حشفته بذنبه ثم يجرب الإبل كلها والله تعالى أعلم ‏(‏فمن أجرب الأول‏)‏ أي إن كان جربها حصل بالإعداء فمن أجرب البعير الأول‏.‏ والمعنى من أوصل الجرب إليه ليبني بناء الإعداء عليه، بل الكل بقضائه وقدره في أول أمره وآخره‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وإنما أتى بمن الظاهر أن يقال فما أعدى الأول ليجاب بقوله‏:‏ الله تعالى أي الله أعدى لاغيره ‏(‏لا عدوى‏)‏ قد تقدم شرح هذا مبسوطاً في باب الطيرة من أبواب السير ‏(‏ولا صفر‏)‏ قال الإمام البخاري‏:‏ هو داء يأخذ البطن قال الحافظ‏:‏ كذا جزم بتفسير الصفر وهو بفتحتين، وقد نقل أبو عبيدة معمر بن المثنى في غريب الحديث له عن يونس بن عبيد الجرمي أنه سأل رؤبة بن العجاج فقال‏:‏ هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس وهي أعدى من الجرب عند العرب، فعلى هذا فالمراد بنفي الصفر ما كانوا يعتقدونه فيه من العدوى‏.‏ ورجح عند البخاري هذا القول لكونه قرن في الحديث بالعدوى، وكذا رجح الطبري هذا القول واستشهد له بقول الأعشى‏:‏ ولا يعض على شرسوفوفه الصفر، والشرسوف‏:‏ الضلع، والصفر‏:‏ دود يكون في الجوف فربما عض الضلع أو الكبد فقتل صاحبه، وقيل المراد بالصفر الحية لكن المراد بالنفي نفي ما يعتقدون أن من أصابه قتله، فرد ذلك الشارع بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل‏.‏ وقد جاء هذا التفسير عن جابر وهو أحد رواة حديث لا صفر قاله الطبري‏.‏ وقيل في الصفر قول آخر وهو أن المراد به شهر صفر، وذلك أن العرب كانت تحرم صفر وتستحل المحرم، فجاء الإسلام برد ما كانوا يفعلونه من ذلك، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا صفر‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وهذا القول مروي عن مالك انتهى‏.‏ وحديث ابن مسعود المذكور في الباب أخرجه أيضاً ابن خزيمة كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وأنس‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري وغيره‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه في الطب‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه البخاري وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت محمد بن عمرو بن صفوان‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري روى عن علي بن المديني وغيره، وروى عنه الترمذي هكذا نسبه الترمذي في عامة روايته عنه، وقال مرة حدثنا محمد بن عمرو بن أبي صفوان انتهى‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ مقبول من الحادية عشرة‏.‏

1431- باب ما جاءَ أَنّ الاْيمَانَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّه

2169- حَدّثنا أبو الْخَطّابِ زِيَادُ بنُ يَحْيَى الْبَصْرِيّ، أخبرنا عبدُ الله بنُ مَيْمُونٍ عن جَعْفَرِ بنِ محمدٍ عن أَبِيهِ عن جابرِ بنِ عبدِ الله قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ حَتّى يَعْلَمَ أَنّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن عُبَادَةَ وجابرٍ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

وهذا حديثٌ غريبٌ لا نعرِفُه إلا من حديثِ عبدِ الله بنِ مُيْمُونٍ‏.‏ وعبدُ الله بنُ مُيْمُونٍ مُنْكَرُ الحديثِ‏.‏

2170- حدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو داوُدَ، قال‏:‏ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن منصورٍ عن رِبْعِيّ بنِ حِراشٍ عن عليّ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ‏:‏ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ الله بَعَثَنِي بِالْحَقّ، ويُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ، ويُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، ويُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ‏"‏‏.‏

2171- حدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا النّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ عن شُعْبَةَ نحوَهُ، إِلاّ أَنّهُ قال رِبْعِيّ عن رَجُلٍ عن عليّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي داوُدَ عن شُعْبَةَ عِنْدِي أَصَحّ من حديثِ النّضْرِ، وهكذا رَوَى غيرُ وَاحِدٍ عن منصورٍ عن رِبْعِيّ عن عليّ‏.‏

2172- حدّثنا الجارودي قال سَمِعْتُ وَكِيعاً يقولُ‏:‏ بَلَغَنِا أَنّ رَبْعِيّاً لَمْ يَكْذِبْ في الاْسْلاَمِ كَذِبَةً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري‏)‏ النكري بضم النون ثقة من العاشرة ‏(‏أخبرنا عبد الله بن ميمون‏)‏ بن داود القداح المخزومي المكي منكر الحديث متروك من الثامنة ‏(‏حتى يؤمن بالقدر خيره وشره‏)‏ أي بأن جميع الأمور الكائنة خيرها وشرها حلوها ومرها بقضائه وقدره وإرادته وأمره، وانه ليس فيها لهم إلا مجرد الكسب ومباشرة الفعل ‏(‏حتى يعلم أن ما أصابه‏)‏ من النعمة والبلية والطاعة والمعصية مما قدره الله له وعليه ‏(‏لم يكن ليخطئه‏)‏ أي يجاوزه ‏(‏وأن ما أخطأه‏)‏ من الخير والشر ‏(‏لم يكن ليصيبه‏)‏ وهذا وضع موضع، المحال كأنه قيل محال أن يخطئه وفيه ثلاث مبالغات دخول أن ولحوق اللام المؤكدة للنفي وتسليط النفي على الكينونة وسراينه في الخبر وهو مضمون قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا‏}‏ وفيه حث على التوكل والرضاء، ونفى الحول والقوة، وملازمة القناعة، والصبر على المصائب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبادة وجابر وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث عبادة وهو ابن الصامت فأخرجه الترمذي بعد خمسة أبواب‏.‏ وأما حديث جابر وعبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يؤمن عبد‏)‏ هذا نفي أصل الإيمان أي لا يعتبر ما عنده من التصديق القلبي ‏(‏حتى يؤمن بأربع يشهد‏)‏ منصوب على البدل من قوله‏:‏ ‏"‏يؤمن‏"‏ وقيل مرفوع تفصيل لما سبقه، أي يعلم ويتيقن ‏(‏أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏)‏ أي يؤمن بالتوحيد والرسالة، وعدل إلى لفظ الشهادة أمنا من الإلباس بأن يشهد ولم يؤمن أو دلالة على أن النطق بالشهادتين أيضاً من جملة الأركان، فكأنه قيل يشهد باللسان بعد تصديقه بالجنان، أو إشارة إلى أن الحكم بالظواهر والله أعلم بالسرائر‏.‏ ‏(‏بعثني بالحق‏)‏ استئناف كأنه قيل لم يشهد، فقال بعثني بالحق أي إلى كافة الإنس والجن‏.‏ ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة أو خبراً بعد خبر فيدخل على هذا في حيز الشهادة، وقد حكى صلى الله عليه وسلم على القولين كلام المشاهد بالمعنى إذ عبارته أن محمداً وبعثه ‏(‏ويؤمن بالموت‏)‏ بالوجهين ‏(‏ويؤمن بالبعث‏)‏ أي يؤمن بوقوع البعث ‏(‏بعد الموت‏)‏ تكرير الموت إيذان للاهتمام بشأنه‏.‏ ‏(‏ويؤمن‏)‏ بالوجهين ‏(‏بالقدر‏)‏ قال القاري نقلاً عن المظهر‏:‏ المراد بهذا الحديث نفي أصل الإيمان لا نفي الكمال‏.‏ فمن لم يؤمن بواحد من هذه الأربعة لم يكن مؤمناً‏.‏ الأول‏:‏ الإقرار بالشهادتين وأنه مبعوث إلى كافة الإنس والجن‏.‏ والثاني‏:‏ أن يؤمن بالموت أي يعتقد فناء الدنيا وهو احتراز عن مذهب الدهرية القائلين بقدم العالم وبقائه أبداً‏.‏ قال القاري وفي معناه التناسخي، ويحتمل أن يراد اعتقاد أن الموت يحصل بأمر الله لا بفساد المزاج كما يقوله الطبيعي‏.‏ والثالث‏:‏ أن يؤمن بالبعث‏.‏ والرابع‏:‏ أن يؤمن بالقدر يعني بأن جميع ما يجري في العالم بقضاء الله وقدره انتهى‏.‏ وحديث علي هذا رجاله رجال الصحيح‏.‏ وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أنه‏)‏ أي النضر بن شميل ‏(‏قال ربعي عن رجل عن علي‏)‏ أي زاد بين ربعي وعلي رجلاً ‏(‏حديث أبي داود عن شعبة‏)‏ أي بلا زيادة رجل بين ربعي وعلي ‏(‏أصح من حديث النضر‏)‏ أي الذي فيه زيادة رجل ‏(‏وهكذا‏)‏ أي بلا زيادة رجل ‏(‏روى غير واحد‏)‏ أي من أصحاب منصور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلغني أن ربعي‏)‏ بكسر المهملة وسكون الموحدة ‏(‏بن حراش‏)‏ بكسر المهملة وآخره معجمة العبسي الكوفي ثقة عابد مخضرم من الثانية، مات سنة مائة، وقيل غير ذلك ‏(‏لم يكذب في الإسلام كذبة‏)‏ قال العجلي‏:‏ تابعي ثقة من خيار الناس لم يكذب كذبة قط‏.‏

1432- باب ما جاءَ أَنّ النّفْسَ تَمُوتُ حَيْثُ مَا كُتبَ لَهَا

2173- حَدّثنا بُنْدَارٌ حدثنا مُؤَمّلٌ حدثنا سُفْيَانُ عن أبي إِسْحَاقَ عن مَطَرِ بنِ عُكَامِسٍ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا قَضَى الله لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن أبي عَزّةَ‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا يُعَرفُ لمَطَرِ بنِ عُكَامِسٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذا الحديثَ‏.‏

2174- حدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا مُؤَمّلٌ وأبو داوُدَ الحُفَرِيّ عن سُفْيَانَ نحوَهُ‏.‏

2175- حدّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ وعليّ بنُ حُجْرٍ المَعْنَى وَاحِدٌ، قالا‏:‏ حدثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ عن أَيّوبَ عن أبي المَلِيحِ عن أبي عَزّةَ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا قَضَى الله لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً أَوْ قَالَ بِهَا حَاجَةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ وأبو عزّةَ لَهُ صُحْبَةٌ اسمُهُ يَسَارُ بنُ عَبْدٍ‏.‏ وأبو المَلِيحِ ابنُ أُسَامَةَ عامر بن أسامة بنُ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مؤمل‏)‏ بوزن محمد بهمزة ابن إسماعيل البصري أبو عبد الرحمن نزيل مكة صدوق سيء الحفظ من صغار التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قضى الله‏)‏ أي أراد أو قدر أو حكم ‏(‏جعل‏)‏ أي أظهر الله، ‏(‏له إليها حاجة‏)‏ أي فيأتيها ويموت فيها إشارة إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما تدري نفس بأي أرض تموت‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي عزة‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح ‏(‏ولا نعرف لمطر‏)‏ بفتحتين ‏(‏بن عكامس‏)‏ بضم المهملة وتخفيف الكاف وكسر الميم بعدها مهملة السلمي صحابي سكن الكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ هو المعروف بابن علية ‏(‏عن أبي المليح‏)‏ ابن أسامة بن عمير الهذلي اسمه عامر، وقيل زيد، وقيل زياد ثقة من الثالثة ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والطبراني وأبو نعيم في الحلية بلفظ‏:‏ إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له بها حاجة ‏(‏وأبو عزة‏)‏ بفتح المهملة وتشديد الزاي ‏(‏اسمه يسار بن عبد‏)‏ الهذلي صحابي مشهور بكنيته له حديث واحد كذا في التقريب‏.‏ وصرح في تهذيب التهذيب بأنه روى حديث الباب‏.‏

1433- باب ما جاءَ لا تَرُدّ الرّقَى ولا الدّوَاءُ مِنْ قَدَرِ الله شَيْئاً

2176- حدثنا سَعِيدُ بنُ عبدِ الرّحمنِ المخزوميّ، حدثنا سُفْيانُ بن عُيينة عن ابنِ أبي خِزامةَ عن أَبِيهِ‏:‏ أَنّ رَجُلاً أَتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏يا رسول الله أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرقِيهَا وَدَوَاءً نَتَفدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتّقيها هَلْ تَرُدّ مِنْ قَدَرِ الله شَيْئاً‏؟‏ قال‏:‏ هِيَ مِنْ قَدَرِ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لا نعرفُهُ إِلاّ من حديثِ الزّهريّ‏.‏ وقد رَوَى غيرُ وَاحِدٍ هذا عن سُفْيَانَ عن الزّهريّ عن أبي خِزَامَةَ عن أَبِيهِ وهذا أَصَحّ‏.‏ وهكذا قال غيُر وَاحِدٍ عن الزّهريّ عن أبي خِزَامَةَ عن أَبِيهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ سعيد بن عبد الرحمن بن حسان أبو عبد الله المخزومي، روى عن سفيان بن عيينة وغيره وعنه الترمذي والنسائي وغيرهما‏.‏ قال النسائي‏:‏ ثقة وقال مرة‏:‏ لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات ‏(‏عن ابن أبي خزامة‏)‏ بكسر الخاء وتخفيف الزاي مجهول من الثالثة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو خزامة بن يعمر السعدي أحد بني الحارث بن سعد بن هذيم، يقال اسمه زيد بن الحارث ويقال الحارث وكلاهما وهم، وهو صحابي له حديث في الرقى كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت رقى نسترقيها‏)‏ جمع رقية كظلم جمع ظلمة وهي ما يقرأ لطلب الشفاء والاسترقاء طلب الرقية ‏(‏ودواء‏)‏ منصوب ‏(‏نتداوى به‏)‏ أي نستعمله ‏(‏وتقاة‏)‏ بضم أوله ‏(‏نتقيها‏)‏ أي نلتجئ بها أو نحذر بسببها، وأصل تقاة وقاة من وفى وهي اسم ما يلتجئ به الناس من خوف الأعداء كالترس وهو ما يقي من العدد أي يحفظ ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الاتقاء‏.‏ فالضمير في نتقيها للمصدر‏.‏ قيل وهذه المنصوبات أعني وقي وما عطف عليها موصوفات بالأفعال الواقعة بعدها ومتعلقة بمعنى أرأيت أي أخبرني عن رقى نسترقيها فنصبت على نزع الخافض‏.‏ ويجوز أن يتعلق بلفظ أرأيت والمفعول الأول الموصوف مع الصفة والثاني الاستفهام بتأويل مقولاً في حقها ‏(‏هل ترد‏)‏ أي من هذه الأسباب ‏(‏قال هي‏)‏ أي المذكورات الثلاث ‏(‏من قدر الله‏)‏ أيضاً يعني كما أن الله قدر الداء وقدر زواله بالدواء، ومن استعمله ولم ينفعه فليعلم أن الله تعالى ما قدره‏.‏ قال في النهاية‏:‏ جاء في بعض الأحاديث جواز الرقية كقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ استرقوا لها فإن بها النظرة‏.‏ أي اطلبوا لها من يرقيها وفي بعضها النهي عنها كقوله عليه الصلاة والسلام في باب التوكل‏:‏ الذين لا يسترقون ولا يكتوون‏؟‏ والأحاديث في القسمين كثيرة‏.‏ ووجه الجمع أن ما كان من الرقية بغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، أو بغير اللسان العربي وما يعتقد منها أنها نافعة لا محالة فيتكل عليها، فإنها منهية وإياها أراد عليه الصلاة والسلام بقوله‏:‏ ‏"‏ما توكل من استرقى‏"‏‏.‏ وما كان على خلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرقى المروية فليست بمنهية ولذلك قال عليه الصلاة والسلام الذي رقي بالقرآن وأخذ عليه أجراً‏:‏ ‏"‏من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق‏"‏‏.‏ وأما قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا برقية إلا من عين أو حمة، فمعناه لا رقية أولى وأنفع منهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الزهري‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه ‏(‏وهذا أصح‏)‏ أي رواية غير واحد عن سفيان عن الزهري عن أبي خزامة بحذف لفظ ابن أصح من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، أخبرنا سفيان عن ابن أبي خزامة بزيادة لفظ ابن ‏(‏هكذا‏)‏ أي بحذف لفظ ابن‏.‏

1434- باب ما جاءَ في الْقَدَرِيّة

بفتح القاف والدال‏.‏

2177- حَدّثنا وَاصِلُ بنُ عبدِ الأعْلَى الكوفي، حدثنا محمدُ بن فُضَيْلٍ عن الْقَاسِمِ بنِ حَبِيبٍ وعليّ بنُ نِزَارٍ عن نِزَارٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاس قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏صِنْفَانِ مِنْ أُمّتِي لَيْسَ لَهُمَا في الاْسْلاَمِ نَصِيبٌ‏:‏ المُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيّةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن عُمَرَ وَابْنِ عَمْرٍو وَرَافِعِ بنِ خَدِيجٍ‏.‏

وهذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2178- حدّثنا مُحمّدُ بنُ رَافِعٍ، حدثنا محمدُ بنُ بِشْرٍ، حدثنا سَلاّمُ بنُ أبي عَمْرَةَ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا واصل بن عبد الأعلى‏)‏ بن هلال الأسدي أبو القاسم أو أبو محمد الكوفي ثقة من العاشرة ‏(‏عن القاسم بن حبيب‏)‏ التمار الكوفي لين من السادسة ‏(‏وعلي بن نزار‏)‏ بكسر نون وبزاي وراء ابن حيان بفتح حاء مهملة وشدة تحتية وبنون، الأسدي الكوفي ضعيف من السادسة ‏(‏عن نزار‏)‏ هو ابن حيان الأسدي مولى بني هاشم ضعيف من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صنفان‏)‏ أي نوعان ‏(‏من أمتي‏)‏ أي أمة الإجابة ‏(‏ليس لهما في الإسلام نصيب‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ ربما يتمسك به من يكفر الفريقين والصواب أن لا يسارع إلى تفكير أهل البدع لأنهم بمنزلة الجاهل أو المجتهد المخطئ‏؟‏ وهذا قول المحققين من علماء الأمة احتياطاً، فيحمل قوله‏:‏ ليس لهما نصيب على سوء الحظ وقلة النصيب كما يقال ليس للبخيل من ماله نصيب‏.‏ وأما قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏يكون في أمتي خسف‏"‏ وقوله ‏"‏ستة لعنتهم‏"‏ وأمثال ذلك فيحمل على المكذب به أي بالقدر إذا أتاه من البيان ما ينقطع به العذر أو على من تفضي به العصبية إلى تكذيب ما ورد فيه من النصوص أو إلى تكفير من خالفه، وأمثال هذه الأحاديث واردة تغليظاً وزجراً انتهى‏.‏ وقال القاري قال ابن حجر يعني المكي‏:‏ فمن أطبق تكفير الفريقين أخذ بظاهر هذا الخبر فقد استروح بل الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا إن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي، لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم، ومن ثم لم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم وإنكاحهم والصلاة على موتاهم ودفنهم في مقابرهم، لأنهم وإن كانوا مخطئين غير معذورين حقت عليهم كلمة الفسق والضلال، إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم، لكن لتقصيرهم بتحكيم عقولهم وأهويتهم وإعراضهم عن صريح السنة والاَيات من تأويل سائغ، وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل آخر عندهم مقاوم لدليل غيرهم من جنسه، فلم يقصروا، ومن ثم أثيبوا على اجتهادهم انتهى كلام القاري‏.‏ ‏(‏المرجئة‏)‏ يهمز ولا يهمز من الإرجاء مهموزاً ومعتلاً وهو التأخير‏.‏ يقولون الأفعال كلها بتقدير الله تعالى، وليس للعباد فيها اختيار وإنه لا يضر مع الإيمان معصية‏.‏ كما لا ينفع مع الكفر طاعة‏.‏ كذا قاله ابن الملك‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ قيل هم الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل فيؤخرون العمل عن القول، وهذا غلط، بل الحق أن المرجئة هم الجبرية القائلون بأن إضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجمادات، سموا بذلك لأنهم يؤخرون أمر الله ونهيه عن الاعتداد بهما ويرتكبون الكبائر‏.‏ فهم على الإفراط والقدرية على التفريط والحق ما بينهما انتهى‏.‏

‏(‏والقدرية‏)‏ بفتح الدال وتسكن وهم المنكرون للقدر، القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة بقدرتهم ودواعيهم لا بقدرة الله وإرادته، إنما نسبت هذه الطائفة إلى القدر لأنهم يبحثون في القدر كثيراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وابن عمر ورافع بن خديج‏)‏، أما حديث عمر رضي الله عنه فأخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ ‏"‏لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم‏"‏ وأخرجه أيضاً أحمد والحاكم‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي بعد بابين‏.‏ وأما حديث رافع بن خديج فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب حسن‏)‏ وأخرجه ابن ماجه والبخاري في التاريخ وفي سنده علي بن نزار وأبوه نزار وهما ضعيفان كما عرفت‏.‏ وقد ذكر صاحب المشكاة هذا الحديث وقال في آخره رواه الترمذي، وقال غريب ولم يذكر لفظ حسن فظهر أن نسخ الترمذي مختلفة في ذكر لفظ حسن‏.‏ وقال القاري في المرقاة‏:‏ عده في الخلاصة من الموضوعات لكن قال في جامع الأصول أخرجه الترمذي قال صاحب الأزهار حسن غريب وكتب مولانا زاده وهو من أهل الحديث في زماننا إنه رواه الطبراني وإسناده حسن، ونقل عن بعضهم أيضاً أن رواته مجهولون، كذا ذكره العيني‏.‏ وقال الفيروزآبادي‏:‏ لا يصح في ذم المرجئة والقدرية حديث‏.‏ وفي الجامع الصغير بعد ذكره الحديث المذكور رواه البخاري في تاريخه والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس، وابن ماجه عن جابر والخطيب عن ابن عمر والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد، ورواه أبي نعيم في الحلية عن أنس ولفظه‏:‏ صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي يوم القيامة المرجئة والقدرية انتهى ما في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن بشر العبدي أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ من التاسعة ‏(‏حدثنا سلام بن أبي عمرة‏)‏ بتشديد اللام الخراساني أبو علي، ضعيف ومن السادسة، قال في تهذيب التهذيب‏:‏ له في الترمذي حديث واحد في المرجئة والقدرية‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ يروي عن الثقات المقلوبات لا يجوز الاحتجاج بخبره، قال الأزدي‏:‏ واهي الحديث‏.‏

1435- باب

2179- حَدّثنا أبو هُرَيْرَةَ محمدُ بنُ فِراسٍ الْبَصْرِيّ، أخبرنا أبو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ، حدثنا أبو الْعَوّامِ عن قَتَادَةَ عن مُطَرّفِ بنِ عبدِ الله بنِ الشّخيرِ عن أَبِيهِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مُثّلَ ابنُ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيّةً، إِنْ أَخْطَأَتْهُ المَنَايَا وَقَعَ في الْهَرَمِ حَتّى يَمُوتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعْرِفُه إِلا من هذا الْوَجْهِ‏.‏

وأبو الْعَوّامِ هُوَ عِمْرَانُ وهو ابن دَاوُدَ الْقَطّانُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو هريرة محمد بن فراس‏)‏ بكسر الفاء وتخفيف الراء الصيرفي صدوق من الحادية عشر ‏(‏أخبرنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة‏)‏ الشعيري الخراساني نزيل البصرة صدوق من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل‏)‏ بضم الميم وتشديد مثلثة أي صور وخلق ‏(‏ابن آدم‏)‏ بالرفع نائب الفاعل، وقيل مثل ابن آدم بفتحتين وتخفيف المثلثة ويريد به صفته وحاله العجيبة الشأن‏.‏ وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده، أي الظرف وتسع وتسعون مرتفع به أي حال ابن آدم أن تسعاً وتسعين منية متوجهة إلى نحوه منتهية إلى جانبه، وقيل خبره محذوف والتقدير‏:‏ مثل ابن آدم مثل الذي يكون إلى جنبه تسع وتسعون منية‏.‏ ولعل الحذف من بعض الرواة ‏(‏وإلى جنبه‏)‏ الواو للحال أي بقربه ‏(‏تسع وتسعون‏)‏ أراد به الكثرة دون الحصر ‏(‏منية‏)‏ بفتح الميم أي بلية مهلكة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ أي سبب موت ‏(‏إن أخطأته المنايا‏)‏ قال الطيبي‏:‏ المنايا جمع منية وهي الموت لأنها مقدرة بوقت مخصوص من المنى وهو التقدير، وسمى كل بلية من البلايا منية لأنها طلائعها ومقدماتها انتهى أي إن جاوزته فرضاً أسباب المنية من الأمراض والجوع والغرق والحرق وغير ذلك مرة بعد أخرى ‏(‏وقع في الهرم‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الهرم محركة أقصى الكبر ‏(‏حتى يموت‏)‏ قال بعضهم يريد أن أصل خلقه الإنسان من شأنه أن لا تفارقه المصائب والبلايا والأمراض والأدواء كما قيل‏:‏ البرايا أهداف البلايا‏.‏ وكما قال صاحب الحكم ابن عطاء‏:‏ ما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع الأكدار، فإن أخطأته تلك النوائب على سبيل الندرة أدركه من الأدواء الداء الذي لا دواء له وهو الهرم‏.‏ وحاصله أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فينبغي للمؤمن أن يكون صابراً على حكم الله، راضياً بما قدره الله تعالى وقضاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الضياء المقدسي كما في الجامع الصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو العوام هو عمران وهو ابن داود القطان‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عمران بن داور بفتح الواو بعدها راء، أبو العوام القطان البصري، صدوق يهم، ورمى برأي الخوارج من السابعة‏.‏

1436- باب ما جاءَ في الرّضَا بالْقَضَاء

2180- حَدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا أبو عامِر عن محمدِ بنِ أبي حُمَيْدٍ عن إسماعيلَ بنِ محمدِ بنِ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ عن أَبِيهِ عن سَعْدٍ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مِنْ سَعَادَةِ ابنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى الله لَهُ، وَمِنْ شَقاوَةِ ابنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ الله، وَمِنْ شَقَاوَةِ ابنِ آدَمَ سُخْطُهُ بِمَا قَضَى الله لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفُه إِلا من حديثِ محمدِ بنِ أبي حُمَيْدٍ، ويُقَالُ له أيضاً‏:‏ حَمّادُ بنُ أبي حُمَيْدٍ، وَهُوَ أبُو إِبراهيمَ المدني، وليس هُوَ بِالْقَوِيّ عِنْدَ أهلِ الحديثِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص‏)‏ الزهري المدني ثقة حجة من الرابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري أبو القاسم المدني نزيل الكوفة، كان يلقب ظل الشيطان لقصره، ثقة من الثالثة، قتله الحجاج ‏(‏عن سعد‏)‏ بن أبي وقاص، أحد العشرة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له‏)‏ أي من سعادة ابن آدم تركه استخارة الله ثم رضاه بما حكم به وقدره وقضاه كما يدل عليه مقابلته بقول ‏(‏ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله‏)‏ أي طلب الخيرة منه فإنه يختار له ما هو خير له ‏(‏ومن شقاوة ابن آدم سخطه‏)‏ أي غضبه وعدم رضاه ‏(‏بما قضى الله له‏)‏‏.‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ أي الرضا بقضاء الله، وهو ترك السخط علامة سعادته، وإنما جعله علامة سعادة العبد لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ ليتفرغ للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء يكون مهموماً أبداً مشغول القلب بحدوث الحوادث، ويقول لم كان كذا ولم لا يكون كذا‏؟‏ والثاني‏:‏ لئلا يتعرض لغضب الله تعالى لسخطه، وسخط العبد أن يذكر غير ما قضى الله له‏.‏ وقال إنه أصلح وأولى فيما لا يستيقن فساده وصلاحه‏.‏ فإن قلت ما موقع قوله ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله بين المتقابلين‏.‏ قلت موقعه بين القرينتين لدفع توهم من يترك الاستخارة ويفوض أمره بالكلية انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم ‏(‏لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد‏)‏ الأنصاري الزرقي المدني لقبه حماد ضعيف من السابعة‏.‏

1437- باب

2181- حَدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا أبو عاصِمٍ، أخبرنا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، أخبرني أبو صَخْرٍ، قال‏:‏ حدثني نَافِعٌ أَنّ ابنَ عُمَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فقال‏:‏ إِنّ فُلاَناً يُقْرِيءُ عَلَيْكَ السّلاَمَ، فقال‏:‏ أَنّهُ بَلَغَنِي أَنّهُ قَدْ أَحْدَثَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ فَلاَ تُقْرِئْهُ مِنّي السّلاَمَ فَإِنّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏في هَذِهِ الأُمّةِ أَوْ في أُمّتِي- الشّكّ مِنْهُ- خَسْفٌ أُوْ مَسْخٌ أَوْ قَذْفٌ في أَهْلِ الْقَدَرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ وأبو صَخْرٍ اسمُه حُمَيْدُ بنُ زِيَادٍ‏.‏

2182- حدّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى، حدثنا أبو داوُدَ الطّيَالِسِيّ، حدثنا عبدُ الْوَاحِدِ بنُ سُلَيمٍ قال‏:‏ قَدِمْتُ مَكّةَ فَلَقِيتُ عَطَاءَ بنَ أبي رَبَاحٍ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ يَا أَبَا محمدٍ، إِنّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ في الْقَدَرِ، قال‏:‏ يَا بُنَيّ، أَتَقْرَأ الْقُرْآنَ‏؟‏ قلت‏:‏ نَعَمْ، قال‏:‏ فَاقْرَأْ الزّخْرُفَ، قال‏:‏ فَقَرَأْتُ‏:‏ ‏{‏حم وَالْكِتَابِ المُبِينِ إِنّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّا لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنّهُ في أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيمٌ‏}‏ فقال‏:‏ أَتَدْرِي مَا أُمّ الْكِتَابِ‏؟‏ قلت‏:‏ الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قال‏:‏ فَإِنّهُ كِتَابٌ كَتَبَهُ الله قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّماءَ وَقَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الأَرْضَ، فِيهِ أَنّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَهْلِ النّارِ، وَفِيهِ ‏{‏تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ‏}‏‏.‏

قال عَطَاءٌ‏:‏ فَلَقِيتُ الْوَلِيدَ بنَ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ صَاحِبَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْتُهُ‏:‏ مَا كَانَتْ وَصِيّةُ أَبِيكَ عِنْدَ المَوْتِ‏؟‏ قال‏:‏ دَعَانِي فَقَالَ‏:‏ يَا بُنَيّ اتّقِ الله وَاعْلَمْ أَنّكَ لَنْ تَتّقِىَ الله حَتّى تُؤْمِنَ بِالله وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلّهِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ، فَإِنْ مُتّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النّارَ‏.‏ إِنّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏إِنّ أَوّلَ مَا خَلَقَ الله الْقَلَمَ‏.‏ فقال‏:‏ اكْتُبْ‏.‏ قال‏:‏ مَا أَكْتُبُ‏؟‏ قال‏:‏ اكْتُبْ الْقَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ غريب من هذا الوجه‏.‏

2183- حَدّثنا إِبراهيمُ بنُ عبدِ الله بنِ المُنْذِرِ الصّغائي، أخبرنا عبد الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِيّ، حدثنا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، حدثني أبو هانئ الْخَوْلاَنِيّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرحمنِ الْحُبُلِيّ يقولُ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو يقولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏قَدّرَ الله المَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَوَاتِ وَالأَرضِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

2184- حَدّثنا محمدُ بنُ الْعَلاَءِ ومحمدُ بنُ بَشّارٍ، قالا‏:‏ أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن زِيَادِ بنِ إِسماعيلَ عن محمدِ بنِ عَبّادِ بنِ جَعْفَرٍ المخْزُومِيّ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ ‏"‏جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إِلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يُخَاصِمُونَ في الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ ‏{‏يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسّ سَقَرٍ إِنّا كلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حيوة‏)‏ بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو ‏(‏بن شريح‏)‏ مصغراً بن صفوان النجيبي أبو زرعة المضري ثقة فقيه زاهد من السابعة ‏(‏أخبرني أبو صخر‏)‏ اسمه حميد بن زياد بن أبي المخارق الخراط صاحب العباء مدني سكن مصر، ويقال هو حميد بن صخر أبو مردود الخراط‏.‏ وقيل أنهما اثنان، صدوق يهم من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن فلاناً يقرئ عليك السلام‏)‏ ضبط في النسخة الأحمدية بضم الياء التحتانية وكسر الراء‏.‏ وقال في القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه ولا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوباً ‏(‏فقال‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏إنه‏)‏ أي الشأن وتفسيره الخبر وهو قوله‏:‏ ‏(‏بلغني أنه قد أحدث‏)‏ أي ابتدع في الدين ما ليس منه من التكذيب بالقدر ‏(‏فإن كان قد أحدث‏)‏ أي ما ذكر ‏(‏فلا تقرئه مني السلام‏)‏ كناية عن عدم قبول سلامه، كذا قاله الطيبي‏.‏ قال القاري‏:‏ والأظهر أن مراده أن لا تبلغه مني السلام أورده فإنه ببدعته لا يستحق جواب السلام ولو كان من أهل الإسلام ‏(‏في هذه الأمة‏)‏ ‏(‏وفي أمتي‏)‏ يحتمل الدعوة والإجابة ‏(‏الشك منه‏)‏ الظاهر أن قائله الترمذي والضمير المجرور يرجع إلى شيخه محمد بن بشار ويحتمل غير ذلك والله تعالى أعلم ‏(‏خسف‏)‏ قال في القاموس خسف المكان يخسف خسوفاًن ذهب في الأرض ‏(‏أو مسخ‏)‏ أي تغيير في الصورة ‏(‏أو قذف‏)‏ أي رمي بالحجارة كقوم لوط‏.‏ قال ميرك شاة‏:‏ الظاهر أنه شك من الراوي‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ يحتمل التنويع أيضاً‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر عندي أن أو ههنا للتنويع والله تعالى أعلم ‏(‏في أهل القدر‏)‏ بدل بعض من قوله في أمتي بإعادة الجار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثن عبد الواحد بن سليم‏)‏ المالكي البصري ضعيف من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أبا محمد‏)‏ هو كنية عطاء بن أبي رباح ‏(‏يقولون في القدر‏)‏ أي بنفي القدر ‏(‏فاقرأ الزخرف‏)‏ أي أول هذه السورة ‏(‏قال فقرأت حم والكتاب‏)‏ أي القرآن ‏(‏المبين‏)‏ أي المظهر طريق الهدى وما يحتاج إليه من الشريعة ‏(‏إنا جعلناه‏)‏ أي الكتاب ‏(‏قرآناً عربياً‏)‏ بلغة العرب ‏(‏لعلكم‏)‏ يا أهل مكة ‏(‏تعقلون‏)‏ تفهمون معانيه ‏(‏وإنه‏)‏ مثبت ‏(‏في أم الكتاب‏)‏ أصل الكتاب أي اللوح المحفوظ ‏(‏لدينا‏)‏ بدل عندنا ‏(‏لعلي‏)‏ أي الكتب قبله ‏(‏حكيم‏)‏ ذو حكمة بالغة ‏(‏قال فإنه‏)‏ أي أم الكتاب ‏(‏فيه‏)‏ أي في الكتاب الذي كتبه الله ‏(‏فإن مت‏)‏ بضم الميم من مات يموت وبكسرهها من مات يميت ‏(‏على غير هذا‏)‏ أي على اعتقاد غير هذا الذي ذكرت لك من الإيمان بالقدر ‏(‏دخلت النار‏)‏ يحتمل الوعيد ويحتمل التهديد قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر هو الأول ‏(‏إن أول ما خلق الله القلم‏)‏ بالرفع خبر إن قال في الأزهار‏:‏ أول ما خلق الله القلم يعني بعد العرش والماء والريح، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض يخمسين ألف سنة قال‏:‏ وعرشه على الماء‏.‏ رواه مسلم وعن ابن عباس سئل عن قوله تعالى‏:‏ ‏"‏وكان عرشه على الماء‏"‏ على أن شيء كان الماء‏؟‏ قال على متن الريح‏.‏ رواه البيهقي ذكره الأبهري فالأوليه إضافية ‏(‏فقال‏)‏ أي الله ‏(‏قال ما اكتب‏)‏ ما استفهامية مفعول مقدم على الفعل ‏(‏قال أكتب القدر‏)‏ أي القدر المقضي ‏(‏ما كان وما هو كائن‏)‏ بدل من المقدر أو عطف بيان، وفي المشكاة‏:‏ قال اكتب القدر، فكتب ما كان وما هو كائن‏.‏ قال القاري في المرقاة المضي بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ليس حكاية عما أمر به القلم وإلا لقبل‏:‏ فكتب ما يكون وإنما هو إخبار باعتبار حاله عليه الصلاة والسلام‏.‏ أي قبل تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لا قبل القلم‏.‏ لأن الغرض أنه أول مخلوق نعم إذا كانت الأولية نسبية صح أن يراد ما كان قبل القلم‏.‏ وقال الأبهري‏:‏ ما كان يعني العرش والماء والريح وذات الله وصفاته انتهى ‏(‏إلى الأبد‏)‏ قيل الأبد هو الزمان المستمر غير المنقطع، لكن المراد منه ههنا الزمان الطويل‏.‏ قلت‏:‏ ويدل على ذلك رواية ابن عباس ففيها‏:‏ إلى أن تقوم الساعة‏.‏ رواها البيهقي وغيره والحاكم وصححها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عليه هو والمنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إبراهيم بن عبد اللهن بن المنذر الصنعاني‏)‏ مستور من الحادية عشرة ‏(‏حدثنا عبد الله بن يزيد المقري‏)‏ المكي أبو عبد الرحمن أصله من البصرة أو الأهواز ثقة فاضل أقرأ القرآن نيفاً وسبعين سنة من التاسعة ‏(‏حدثني أبو هانئ الخولاني‏)‏ اسمه حميد بن هاني المصري لا بأس به من الخامسة ‏(‏أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي‏)‏ بضم المهملة والموحدة هو عبد الله بن يزيد المعافري ثقة من الثالثة ‏(‏سمعت عبد الله بن عمرو‏)‏ بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بالنصغير ابن سعد بن سهم السهمي، أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدر الله المقادير‏)‏ جمع مقدار، وهو الشيء الذي يعرف به قدر الشيء وكميته كالمكيال والميزان، وقد يستعمل بمعنى القدر نفسه، وهو الكمية والكيفية ‏(‏قبل أن يخلق السموات والأرضين‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ كتب الله مقادير الخلائق‏.‏ قال بعض الشراح‏:‏ أي أمر الله القلم أن يثبت في اللوح ما سيوجد من الخلائق ذاتاً وصفة وفعلاً وخيراً وشراً على ما تعلقت به إرادته، وقال النووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره لا أصل التقدير فإن ذلك أزلي لا أول له انتهى ‏(‏بخمسين ألف سنة‏)‏ زاد مسلم‏:‏ وكان عرشه على الماء‏.‏ قال النووي‏:‏ أي قبل خلق السماوات والأرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زياد بن إسماعيل‏)‏ المخزومي أو السهمي المكي صدوق سيء الحفظ من السادسة ‏(‏عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي‏)‏ المكي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخاصمون‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم ‏{‏يوم يسحبون‏}‏ أي يجرون ‏{‏ذوقوا من سقر‏}‏ أي إصابة جهنم لكم‏.‏ والتقدير يقال لهم ذوقوا إلخ ‏{‏إنا كل شيء‏}‏ منصوب بفعل يفسره ‏{‏خلقناه بقدر‏}‏ بتقدير حال من كل، أي مقدراً‏.‏ قال النووي‏:‏ المراد بالقدر ههنا القدر المعروف وهو ما قدر الله وقضاه وسبق به علمه وإرادته‏.‏ وأشار الباجي إلى خلاف هذا وليس كما قال‏.‏ وفي هذه الاَية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شيء فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله، مراد له انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة‏.‏