فصل: 33- كتاب الرؤيا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


33- كتاب الرؤيا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

بضم الراء وسكون الهمزة وبالقصر ما يراه النائم في منامه‏.‏

1503- باب أَنّ رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّة

2307- حَدّثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ، حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ، حدثنا أَيّوبُ عن محمدِ بنِ سِيرِينَ عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِذَا اقْتَرَبَ الزّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثاً، وَرُؤْيَا المُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النّبُوّةِ، وَالرّؤْيَا ثَلاَثٌ‏:‏ فالرّؤْيَا الصّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ الله، والرّؤْيَا مِن تَحْزِينِ الشّيطانِ، وَالرّؤْيَا مِمّا يُحَدّثُ بِهَا الرّجُلُ نَفْسَهُ‏.‏ فإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ وَلْيَتْفُلْ وَلاَ يُحَدّثْ بِهِ النّاسَ قَالَ‏:‏ وَأُحِبّ القَيْدَ فِي النّوْمِ وَأَكْرَهُ الغُلّ‏.‏ القَيْدُ‏:‏ ثَبَاتٌ في الدّينِ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2308- حدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، انه سَمِعَ أَنَساً عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ‏:‏ ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النّبُوّة‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ وَأبي رَزِينٍ العُقَيْلِيّ وَأبي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ وَابنِ عُمر وأنس قال وحَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا اقترب الزمان‏)‏ قال صاحب الفائق فيه ثلاثة أقاويل‏:‏ أحدها- أنه أراد آخر الزمان واقتراب الساعة لأن الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه ومنه قيل للمقتصد متقارب ويقولون تقاربت إبل فلان إذا قلت، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب‏.‏ وثانيها- أنه أراد به استواء الليل والنهار لزعم العابرين أن أصدق الأزمان لوقوع العبادة وقت انفتاق الأنوار، وزمان إدراك الأثمار، وحينئذ يستوي الليل والنهار‏.‏ وثالثها- أنه من قوله صلى الله عليه وسلم يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة، قالوا‏:‏ يريد به زمن خروج المهدي وبسط العدل وذلك زمان يستقصر لاستلذاذه فيتقارب أطرافه‏.‏

قلت‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب‏"‏ أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة في باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان والدلو ‏(‏لم تكد‏)‏ أي لم يقرب ‏(‏وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً‏)‏ أي الذي هو أصدقهم حديثاً هو أصدقهم رؤيا ‏(‏ورؤيا المسلم جزأ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة‏)‏ كذا وقع في أكثر الأحاديث وفي حديث أبي هريرة عند مسلم جزء من خمسة وأربعين‏.‏ ووقع عند مسلم أيضاً من حديث ابن عمر‏:‏ جزء من سبعين جزءاً وعند الطبراني عن ابن مسعود‏:‏ جزء من ستة وسبعين‏.‏ وأخرج ابن عبد البر عن أنس‏:‏ جزء من ستة وعشرين‏.‏ وفي رواية‏:‏ جزء من خمسين جزءاً من النبوة‏.‏ وفي رواية‏:‏ جزء من أربعين‏.‏ وفي رواية‏:‏ جزء من أربعة وأربعين‏.‏ وفي رواية‏:‏ جزء من تسعة وأربعين‏.‏ ذكر هذه الروايات الحافظ في الفتح ثم قال‏:‏ أصحها مطلقاً الأول‏.‏ وقال وقد استشكل كون الرؤيا جزء من النبوة مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقيل في الجواب‏:‏ إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ قيل معناه إن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لأنها جزء باق من النبوة‏.‏ وقيل‏:‏ المعنى إنها جزء من علم النبوة لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق‏.‏ وتعقب بقول مالك فيما حكاه ابن عبد البر أنه سئل أيعبر الرؤيا كل أحد‏؟‏ فقال‏:‏ أبا النبوة يلعب‏؟‏ ثم قال‏:‏ الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة‏.‏ والجواب أنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما اشتبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم انتهى‏.‏ وقال صاحب مجمع البحار‏:‏ ولا حرج في الأخذ بظاهره فإن أجزاء النبوة لا تكون نبوة فلا ينا في حديث ذهب النبوة انتهى ‏(‏فالرؤيا الصالحة بشرى من الله‏)‏ أي إشارة إلى بشارة من الله تعالى للرائي أو المرئي له ‏(‏والرؤيا من تحزين الشيطان‏)‏ أي بأن يكدر عليه وقته فيريه في النوم أنه قطع رأسه مثلا ‏(‏والرؤيا مما يحدث بها الرجل نفسه‏)‏ كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر ‏(‏وليتفل‏)‏ قال في القاموس‏:‏ تفل يتفل ويتفل بصق ‏(‏قال وأحب القيد في النوم وأكره الغل‏)‏ قال المهلب‏:‏ الغل يعبر بالمكروه‏.‏ لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى ‏{‏أذ الأغلال في أعناقهم‏}‏ الاَية‏.‏ وقال النووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ إنما أحب القيد لأن محله الرجل وهو كف عن المعاصي والشر والباطل، وأبغض الغل لأن محله العنق وهو صفة أهل النار ‏(‏القيد ثبات في الدين‏)‏ وإنما جعل القيد ثباتاً في الدين لأن المقيد لا يستطيع المشي، فضرب مثلا للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ إنما خص هذا العدد لأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثاً وستين سنة، وكانت مدة نبوته منه ثلاثاً وعشرين سنة لأنه بعث عند استيفاء الأربعين وكان في أول الأمر يرى الوحي في المنام، ودام كذلك نصف سنة، ثم رأى الملك في اليقظة فإذا نسبت مدة الوحي في النوم وهي نصف سنة إلى مدة نبوته وهي ثلاثة وعشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزءاً وذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزءاً‏.‏ وقد تعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا بهذا العدد وجاء في بعضها جزء من خمسة وأربعين جزءاً ووجه ذلك أن عمره صلى الله عليه وسلم لم يكن قد استكمل ثلاثاً وستين، ومات في أثناء السنة الثالثة والستين‏.‏ ونسبة نصف السنة إلى اثنتين وعشرين سنة وبعض الأخرى نسبة جزء من خمسة وأربعين جزءاً وفي بعض الروايات جزء من أربعين‏.‏ ويكون محمولا على من روى أن عمره كان ستين سنة، فيكون نسبة نصف سنة إلى عشرين سنة كنسبة جزا إلى أربعين انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأبي رزين العقيلي وأنس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك وابن عمر‏)‏ أما حديث أبي هريرة فلعله أشار إلى حديث آخر له غير حديث الباب المذكور‏.‏ وأما حديث أبي رزين العقيلي فأخرجه الترمذي في باب تعبير الرؤيا‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والطبري وفيه‏:‏ جزأ من تسعة وأربعين كما في الفتح‏.‏ وأما حديث عوف بن مالك فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزأ من النبوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبادة حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1504- باب ذَهَبَتْ النّبوّةُ وبَقِيَتْ المُبَشّرات

بكسر الشين المعجمة جمع مبشرة وهي البشرى‏.‏ وقد ورد في قوله تعالى ‏{‏لهم البشري في الحياة الدنيا‏}‏ هي الرؤيا الصالحة أخرجه الترمذي في هذا الباب

2309- حَدّثنا الْحَسَنُ بنُ محمدٍ الزّعْفَرَانيّ، حدثنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمٍ حدثنا عَبْدُ الوَاحِدِ يعني ابن زياد، حدثنا المُخْتَارُ بنُ فُلْفُلٍ حدثنا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الرّسَالَةَ وَالنّبُوّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَلاَ رَسولَ بَعْدِي وَلاَ نَبيّ‏.‏ قَالَ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ‏:‏ لَكِنْ المُبَشّرَاتِ‏.‏ فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله وَمَا المُبَشّرَاتُ، قَالَ رُؤْيَا المُسْلِمِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النّبُوّةِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ وَحُذَيفَةَ بنِ أَسِيدٍ وابنِ عَبّاس وَأُمّ كُرْزٍ وأبي أسيد‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ المُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ‏.‏

2310- حَدّثنا ابنُ أبي عُمرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ ابنِ المنْكَدِرِ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قال‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ أَبَا الدّرْدَاءِ عَنْ قَوْلِ الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُمُ البُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا‏}‏ فَقَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرَكَ إِلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ سألْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيرَكَ مُنْذُ أُنْزِلَتْ هِيَ الرّؤْيَا الصّالِحَةُ يَرَاهَا المُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ‏.‏ قال هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

2311- حدّثنا قتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرّاجٍ عنْ أبي الهيْثَمِ عن أبي سَعِيدٍ عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏أَصْدَقُ الرّؤْيَا بالأَسْحَارِ‏"‏‏.‏

2312- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، حدثنا حَرْبُ بنُ شَدّادٍ و عِمْرانُ القَطّانُ عنْ يَحيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ عنْ أَبي سَلَمَةَ قَالَ نُبّئتُ عنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ قَالَ‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عنْ قَوْلِه تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِي الرّؤْيَا الصّالِحَةُ يَرَاهَا المُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ‏"‏‏.‏ قالَ حَرْبٌ فِي حَدِيثِهِ حدثني يَحيَى بن أبي كثير‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد ‏(‏حدثنا المختار بن فلفل‏)‏ بفاءين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة، مولى عمرو بن حريث، صدوق، له أوهام من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الرسالة والنبوة قد انقطعت‏)‏ أي ذهبت ولم تبق ‏(‏فلا رسول بعدي ولا نبي‏)‏ النبي في لسان الشرع من بعث إليه بشرع فإن أمر بتبليغه فرسول، وقيل هو المبعوث إلى الخلق بالوحي لتبليغ ما أوحاه‏.‏ والرسول قد يكون مرادفاً له وقد يختص بمن هو صاحب كتاب وقيل هو المبعوث لتجديد شرع أو تقريره، والرسول هو المبعوث للتجديد فقط‏.‏ وعلى الأقوال النبي أعم من الرسول ‏(‏قال فشق ذلك‏)‏ أي انقطاع للرسالة والنبوة ‏(‏فقاله لكن المبشرات الخ‏)‏ قال المهلب‏:‏ ما حاصله‏:‏ التعبير بالمبشرات خرج للأغلب، فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن رفقاً به ليستعد لما يقع قبل وقوعه‏.‏ وقال ابن التين‏:‏ معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموتي ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخباراً بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في الحديث في مناقب عمر‏:‏ قد كان فيمن مضى من الأمم محدثون‏.‏ وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بالفتح أيضاً، وقد أخبر كثير من الأولياء على أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف فإنه مختص بالبعض ومع كونه مختصاً فإنه نادر، فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وحذيفة بن أسيد وابن عباس وأم كرز‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري وأما حذيفة بن أسيد وهو بفتح الهمزة فأخرجه الطبراني مرفوعاً عنه‏:‏ ذهبت النبوة وبقيت المبشرات‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في ضمن حديث مرض موته صلى الله عليه وسلم مرفوعاً فقال‏:‏ يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له‏.‏ وأما حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي فأخرجه أحمد وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان مرفوعاً‏:‏ ذهبت النبوة وبقيت المبشرات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو يعلى كما في الفتح وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده والحاكم وقال على شرط مسلم قال المناوي وأقروه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن رجل من أهل مصر‏)‏ ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن هذا الرجل ليس بمعروف كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يراها المسلم‏)‏ أي لنفسه ‏(‏أو ترى‏)‏ بصيغة المجهول أي يراها رجل آخر ‏(‏له‏)‏ أي لأجله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبادة بن الصامت‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده وأبو داود الطيالسي وفي سنده رجل من أهل مصر وهو ليس بمعروف بتحسين الترمذي لشواهده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصدق الرؤيا بالأسحار‏)‏ أي ما رؤي بالأسحار‏.‏ وذلك لأن الغالب حينئذ أن تكون الخواطر مجتمعة والدواعي ساكنة ولأن المعدة خالية فلا يتصاعد منها الأبخرة المشوشة، ولأنها وقت نزول الملائكة للصلاة المشهودة ذكره الطيبي‏.‏ والحديث أخرجه الدارمي وأحمد وابن حبان والبيهقي‏.‏ وقال المناوي في شرح الجامع الصغير قال الحاكم صحيح وأقروه انتهى‏.‏

قلت في سنده ابن لهيعة وأيضاً في سنده دراج عن أبي الهيثم‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ قال الاَجري عن أبي داود أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن شداد‏)‏ اليشكري البصرى ثقه من السابعة ‏(‏نبئت‏)‏ بصيغة المتكلم المجهول من باب التفعيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال حرب في حديثه حدثنا يحيى‏)‏ يعني بصيغة التحديث وأما عمران القطان فقال عن يحيى بصيغة العنعنة وحديث عبادة هذا أخرجه أيضاً ابن ماجة وصححه الحاكم ورواته ثقات إلا أن أبا سلمة لم يسمعه من عبادة كذا في فتح الباري‏.‏

1505- باب ما جاء في قَوْلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي‏"‏

2313- حَدّثنا محمد بن بشار، حدثنا عَبْدُ الرّحمنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن أبي الأحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الله عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنّ الشّيْطَانَ لاَ يَتَمَثّلُ بِي‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ وأبي قَتَادَةَ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وأبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ عنْ أَبِيهِ وأبي بَكْرَةَ وأبي جُحَيفَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من رآني في المنام فقد رآني‏)‏ اختلف العلماء في معنى قوله فقد رآني‏.‏ فقال ابن الباقلاني‏:‏ معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث ولا من تشبيهات الشيطان ويؤيد قوله رواية‏:‏ فقد رأى الحق‏.‏ أي الرؤية الصحيحة‏.‏ قال وقد يراه الرائي خلاف صفته المعروفة كمن رآه أبيض اللحية وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والاَخر في المغرب ويراه كل منهما في مكانه‏.‏ وحكى الماري هذا عن ابن الباقلاني ثم قال وقال آخرون بل الحديث على ظاهره، والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك والعقل لا يحيله حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره‏.‏ فأما قوله بأنه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معاً فإن ذلك غلط في صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه‏.‏ وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئياً لكون ما يتخيل مرتبطاً بما يرى في العادة فيكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة ولا كون المرئي مدفوناً في الأرض ولا ظاهراً عليها‏.‏ وإنما يشترط كونه موجوداً ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث ما يقتضي بقاءه، قال‏:‏ ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية‏.‏ هذا كلام المازري‏.‏ قال القاضي‏:‏ ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فقد رآني أو فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي‏.‏ المراد به إذا رآه على صفته المعروفة في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة‏.‏ وهذا الذي قاله القاضي ضعيف‏.‏ بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها لما ذكره المازري‏.‏ قال القاضي قال بعض العلماء‏:‏ خص الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم، وكما خرق الله تعالى العادة للأنبياء عليهم السلام بالمعجزة، وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل، ولم يوثق بما جاء به مخالفة من هذا التصور فحماها الله تعالى من الشيطان ونزغه ووسوسته وكيده‏.‏ قال‏:‏ وكذا حمى رؤياهم بأنفسهم كذا في شرح مسلم للنووي ‏(‏فإن الشيطان لا يتمثل بي‏)‏ وفي رواية‏:‏ لا يتمثل في صورتي‏.‏ والمعنى لا يتشبه بصورتي‏.‏ وفي رواية‏:‏ لا يستطيع أن يتمثل بي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فيه إشارة إلى أن الله تعالى وإن أمكنه من التصور في أي صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد ذهب إلى هذا جماعة فقالوا في الحديث‏:‏ إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها‏.‏ ومنهم من ضيق الغرض في ذلك حتى قال لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة‏.‏ قال الحافظ‏.‏ والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما، سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره‏.‏ وقد يكون لما خالف ذلك تعبير ما يتعلق بالرائي كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأبي قتادة وابن عباس وأبي سعيد وجابر وأنس وأبي مالك الأشجعي عن أبيه وأبي بكرة وأبي جحيفة‏)‏‏.‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وابن ماجة‏.‏ وأما حديث أبي قتادة فأخرجه الشيخان وأبو داود‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجة‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري وابن ماجة‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وابن ماجة‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه البخاري‏.‏ وأما حديث أبي مالك عن أبيه فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه ابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة‏.‏

1506- باب إِذَا رَأَى فِي المَنامِ مَا يَكرَهُ مَا يَصْنَع

2314- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليْثُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمَنِ عنْ أَبي قَتَادَةَ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏الرّؤْيَا مِنَ الله وَالْحُلْمُ مِنَ الشّيْطَانِ، فإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عنْ يَسَارِهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ‏.‏ وَلْيَسْتَعِذْ بِالله مِنْ شَرّها فَإِنّهَا لاَ تَضُرّهُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَأبي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ‏.‏ قال وهذا حديث حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرؤيا من الله والحلم من الشيطان‏)‏ الحلم بضم الحاء وسكون اللام، ويضم‏:‏ ما يرى في المنام من الخيالات الفاسدة‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والأمر القبيح ومنه قوله تعالى ‏"‏أضغاث أحلام‏"‏ ويستعمل كل منهما موضع الاَخر وتضم لام الحلم وتسكن انتهى‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعاً من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها‏.‏ ويسر بها ‏(‏فلينفث‏)‏ عن يساره‏.‏ قال النووي‏:‏ ينفث بضم الفاء وكسرها‏.‏ قال‏:‏ وجاء في رواية‏:‏ فليبصق‏.‏ وفي رواية‏:‏ فليتفل‏.‏ وأكثر الروايات فلينفث‏.‏ وقد سبق في كتاب الطب بيان الفرق بين هذه الألفاظ من قال إنها بمعنى، ولعل المراد بالجميع النفث وهو نفخ لطيف بلا ريق‏.‏ ويكون التفل والبصق محمولين عليه مجازاً انتهى‏.‏ وقال الجزري التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه فأوله البزق ثم النفث ثم النفخ ‏(‏وليستعذ بالله من شرها‏)‏ وفي رواية‏:‏ فليبصق على يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه‏.‏ وفي رواية وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها‏.‏ وفي حديث أبي هريرة عند مسلم فإن رأى إحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس‏.‏ قال النووي‏:‏ فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها، فإذا رأى ما يكرهه نفث عن يساره ثلاثاً قائلاً‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان‏.‏‏.‏‏.‏ ومن شرها وليتحول إلى جنبه الاَخر وليصل ركعتين فيكون قد عمل بجميع الروايات وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث‏.‏ قال القاضي‏:‏ وأمر بالنفث ثلاثاً طرداً للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة، تحقيراً له واستقذاراً وخصت به اليسار لأنه محل الأقذار والمكروهات ونحوها، واليمين ضدها ‏(‏فإنها لا تضره‏)‏ معناه أن الله تعالى جعل هذا سبباً للسلامة من مكروه يترتب عليها، كما جعل الصدقة وقاية للمال وسبباً لدفع البلاء انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأبي سعيد وجابر وأنس‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه مسلم‏.‏ وأما أحاديث بقية الصحابة فلينظر من أخرجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1507- باب ما جَاءَ في تَعْبِيرِ الرّؤْيَا

2315- حَدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ قال‏:‏ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ قال‏:‏ أَخْبَرني يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ وكيعَ بنَ عُدُسٍ عَنْ أَبي رَزِينٍ العُقَيْلِيّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ منْ أَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النّبُوّةِ، وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ يُحَدّثْ بِهَا، فَإِذَا تُحُدّثَ بِهَا سَقَطَتْ‏.‏ قَالَ وَأَحْسَبُهُ قَالَ‏:‏ وَلاَ تُحَدّثْ بِهَا إِلاّ لَبِيباً أَوْ حَبِيباً‏"‏‏.‏

2316- حدّثنا الحسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ عن وَكِيعِ بنِ عُدُسٍ عَنْ عَمّهِ أبي رَزِينٍ عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏رُؤْيَا المُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سَتّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النّبُوّةِ وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائرٍ مَا لَمْ يُحَدّثْ بِهَا فَإِذَا حَدّثَ بِهَا وَقَعَتْ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو رَزِينٍ العُقَيْلِي اسْمُهُ لَقِيطُ بنُ عَامِرٍ‏.‏ وَرَوَى حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، فَقَالَ عَنْ وَكِيعِ بنِ حُدُسٍ‏.‏ وَقَالَ شُعْبَةُ وَ أَبُو عَوَانَةَ وَ هُشَيمٌ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ عن وَكِيعِ بنِ عُدُسٍ وَهَذَا أَصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت وكيع بن عدس‏)‏ بمهملات وضم أوله وثانيه، وقد يفتح ثانيه ويقال بالحاء بدل العين كنيته أبو مصعب العقيلي بفتح العين الطائفي‏.‏ وضبطه في الخلاصة بضم العين مقبول من الرابعة روى عن عمه أبي رزين العقيلي، وعنه يعلى ابن عطاء العامري وذكره ابن حبان في الثقات قاله الحافظ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وهي‏)‏ أي رؤيا المؤمن ‏(‏على رجل طائر‏)‏ هذا مثل في عدم تقرر الشيء أي لا تستقر الرؤيا قراراً كالشيء المعلق على رجل طائر ذكره ابن الملك‏.‏ فالمعنى أنها كالشيء المعلق برجل الطائر لا استقرار لها‏.‏ قال في النهاية‏:‏ أي لا يستقر تأويلها حتى تعبر، يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت‏.‏ كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله فكيف يكون ما على رجله ‏(‏ما لم يحدث‏)‏ أي ما لم يتكلم المؤمن أو الرائي ‏(‏بها‏)‏ أي بتلك الرؤيا أو تعبيرها ‏(‏فإذا تحدث بها سقطت‏)‏ أي تلك الرؤيا على الرائي يعني يلحقه حكمها‏.‏ وفي رواية أبي داود قال‏:‏ الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت‏.‏ قلت هذه الرواية تدل على أن المراد بقوله ما لم يحدث ما لم يتكلم بتعبيرها ‏(‏قال‏)‏ أي أبو رزين العقيلي وقائله وكيع بن عدس ‏(‏وأحسبه‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ولا تحدث بها إلا لبيباً‏)‏ أي عاقلا فإنه إما يعبر بالمحبوب أو يسكت عن المكروه ‏(‏أو حبيباً‏)‏ أو التنويع أي محباً لا يعبر لك إلا بما يسرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه ‏(‏وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر‏)‏ قال الحافظ في التقريب لقيط بن صبرة بفتح المهملة وكسر الموحدة صحابي مشهور يقال إنه جده واسم أبيه عامر وهو أبو رزين العقيلي والأكثر على أنهما اثنان‏.‏ وقد بسط الكلام في هذا في تهذيب التهذيب ‏(‏فقال وكيع بن حدس‏)‏ أي بضم الحاء والدال المهملتين ‏(‏وقال شعبة وأبو عوانة وهشيم عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن عدس‏)‏ أي بضم العين والدال المهملتين ‏(‏وهذا‏)‏ أي وكيع بن عدس بالعين والدال المهملتين ‏(‏أصح‏)‏ لأنه كذلك، كذا روى أكثر أصحاب يعلى‏.‏

1508- باب في تأويل الرؤيا ما يستحب منها وما يكره

2317- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ أبي عُبيدِ الله السّلِيميّ البَصْرِيّ، حدثنا يَزِيدُ بنَ زُرَيعٍ، أخبرنا سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ عن محمدِ بنِ سِيرِينَ عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الرّؤْيَا ثَلاَثٌ فَرُؤْيَا حَقّ وَرُؤْيَا يُحدّثُ بِهَا الرّجُلُ نَفْسَهُ وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشّيْطَانِ‏.‏ فمنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلّ وَكَانَ يَقُولُ يُعْجِبُنِي القَيْدَ وَأَكْرَهُ الغُلّ، القَيْدُ ثَبَاتٌ في الدّين‏.‏ وكان يقولُ‏:‏ مَنْ رَآنِي فَإِنِي أَنَا هُوَ، فَإِنّهُ لَيْسَ لِلشّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثّلَ بِي‏.‏ وكان يقولُ‏:‏ لا تُقَصّ الرّؤْيَا إِلاّ عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَنَسٍ وأبي بَكْرَةَ وأُمّ الْعَلاَءِ وابنِ عُمَرَ وعائشةَ وأبي سَعِيدٍ وجابرٍ وأبي مُوسَى وابنِ عَبّاسِ وعبدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله السليمي‏)‏ بمفتوحة وكسر لام فتحتية في المغنى، ثقة من العاشرة ‏(‏أخبرنا سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من رآني فإني أنا هو‏)‏ أي من رأى في المنام رجلاً مشابهاً بي فإني أنا ذلك الرجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس وأبي بكرة الخ‏)‏ اعلم أن الترمذي أطلق الباب أولا وقال باب ولم يقيده بترجمة، ثم أورد فيه حديث أبي هريرة المذكور، ثم قال وفي الباب عن أبي أنس وأبي بكرة إلخ، فالمراد بقوله وفي الباب أي وفي باب ما يشتمل عليه حديث أبي هريرة المذكور، ولينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ تقدم هذا الحديث في باب رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة‏.‏

1509- بابُ في الّذِي يَكْذِبُ في حُلمِه

2318- حَدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو أحمَدَ الزّبَيْرِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عن عبدِ الأَعْلَى عن أبي عبدِ الرحمَنِ السّلمي عن عَلِيّ قال أُرَاهُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ كَذَبَ في حُلْمِهِ كُلّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَقْدَ شَعِيرَةٍ‏"‏‏.‏

2319- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أبو عَوَانَةَ عن عبدِ الأَعْلَى عن أبي عبدِ الرحمَنِ السّلَمِيّ عن عَلِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ قال‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وأبي شُرَيْحٍ وَواثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا أَصَحّ مِنَ الحديثِ الأوّلِ‏.‏

2320- حدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عبدُ الْوَهّابِ، حدثنا أَيّوبُ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ تَحَلّمَ كَاذِباً كُلّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعْرَتَيْنِ وَلَنْ يَعْقِدَ بَيْنَهُمَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسن صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الأعلى‏)‏ بن عامر الثعلبي بالمثلثة والمهملة الكوفي، صدوق يهم من السادسة ‏(‏عن أبي عبد الرحمن‏)‏ هو السلمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أراه‏)‏ بضم الهمزة أي أظنه، يعني قال أبو عبد الرحمن أظن أن علياً قال عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقائل قال هو عبد الأعلى ‏(‏من كذب في حلمه‏)‏ أي في رؤياه ‏(‏كلف‏)‏ بضم الكاف وتشديد اللام مكسورة ‏(‏عقد شعيرة‏)‏ وفي الرواية الاَتية أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي شريح وواثلة بن الأسقع‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث أبي هريرة وحديث أبي شريح فلينظر من أخرجهما، وأما حديث واثلة فأخرجه أحمد في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح من الحديث الأول‏)‏ أي حديث قتيبة عن أبي عوانة عن عبد الأعلى أصح من حديث أبي أحمد الزبيري عن سفيان، وهو الثوري عن عبد الأعلى، لأن أبا أحمد الزبيري وإن كان ثقة ثبت، إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري كما في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال من تحلم‏)‏ بالتشديد أي طلب الحلم بأن ادعى أنه حلم حلماً، أي رأى رؤيا ‏(‏كاذباً‏)‏ في دعواه أنه رأى ذلك في منامه ‏(‏ولن يعقد بينهما‏)‏ لأن اتصال إحداهما بالأخرى غير ممكن فهو يعذب ليفعل ذلك ولا يمكنه فعله فهو كناية عن دوام تعذيبه‏.‏ قال الجزري في النهاية قوله‏:‏ من تحلم كلف أن يعقد بين شعيرتين أي قال إنه رأى في النوم ما لم يره يقال حلم بالفتح إذا رأى وتحلم إذا ادعى الرؤيا كاذباً‏.‏ فإن قيل إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته فلم زادت عقوبته ووعيده وتكليفه عقد الشعيرتين‏؟‏ قيل قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة والنبوة لا تكون إلا وحياً والكاذب في رؤياه يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره وأعطاه جزءاً من النبوة لم يعطه إياه‏.‏ والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

1510- باب في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم اللبن والقمص

2321- حَدّثنا قُتَيْبَةُ بن سعيد، حدثنا الّليْثُ عن عُقَيْلٍ عن الزّهريّ عن حَمْزَةَ بنِ عبدِ الله بنِ عُمَرَ عن ابن عُمَرَ قال‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ‏.‏ قالوا‏:‏ فمَا أَوّلْتَهُ يا رسولَ الله‏؟‏ قال‏:‏ الْعِلْمُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي الباب عن أبي هُرَيْرَةَ وأبي بَكْرَةَ وابنِ عَبّاسٍ وعبدِ الله بنِ سَلاَمٍ وخُزَيْمَةَ والطّفَيْلِ بنِ سَخْبَرَةَ وَسمرَةَ وأبي أُمَامَةَ وجابرٍ‏.‏ قال حديثٌ ابنِ عُمَرَ حديثٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عقيل‏)‏ بضم العين وفتح القاف مصغراً، ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام كنيته أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة ثبت من السادسة ‏(‏عن حمزة بن عبد الله بن عمر‏)‏ المدني، شقيق سالم ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينا‏)‏ أصله بين فأشبعت الفتحة ‏(‏إذ أتيت‏)‏ بضم الهمزة ‏(‏فشربت منه‏)‏ أي من ذلك اللبن ‏(‏قال العلم‏)‏ هو بالنصب وبالرفع في الرواية وتوجيههما ظاهر وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ اللبن رزق يخلقه الله طيباً بين أخباث من دم وفرث كالعلم نور يظهره الله في ظلمة الجهل فضرب به المثل في المنام قال بعض العارفين‏:‏ الذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل ويحفظ العمل عن غفلة وزلل وهو كما قال لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم، والذي ذكره قد يقع خارقاً للعادة فيكون من باب الكرامة‏.‏ وقال ابن أبي جمرة‏:‏ تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتباراً بما بين له أول الأمر حين أُتي بقدح خمر وقدح لبن، فأخذ اللبن، فقال له جبريل‏:‏ أخذت الفطرة الحديث، كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1511- باب

2322- حدّثنا الْحُسَيْنُ بنُ محمّدٍ الْجَرِيرِيّ الْبَلْخِي، حدثنا عبدُ الرّزّاقِ عن مَعْمَرٍ عن الزّهريّ عن أبي أُمَامَةَ بنِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ عن بَعْضِ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُدِيّ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ قال فَعُرِضَ عَلَيّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرّهُ‏.‏ قالوا فمَا أَوّلْتَهُ يا رسُولَ الله‏؟‏ قال‏:‏ الدّين‏"‏‏.‏

2323- حدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إِبراهيمَ بنِ سَعْدٍ عن أَبِيهِ عن صَالحِ بنِ كَيْسَانَ عن الزّهريّ عن أبي أُمَامَةَ بنِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ قال‏:‏ وَهَذَا أَصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسين بن محمد الحريري‏)‏ بالحاء المهملة، كذا وقع في النسخة الأحمدية وكتب في هامشها ما حاصله‏:‏ أنه وقع في نسخة صحيحة هكذا بالحاء ووقع في بعض النسخ الأخرى بالجيم انتهى‏.‏ قلت قال في الخلاصة‏:‏ الحسين بن محمد بن جعفر الجريري من ولد جرير النخيلي عن عبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وعنه الترمذي انتهى‏.‏ فعلم منه أنه الجريري بفتح الجيم وكسر الراء‏.‏ وفي شرح الشيخ ابن حجر الهيثمي على الشمائل الجريري بضم الجيم هو الصواب انتهى‏.‏ والظاهر أنه بفتح الجيم والله تعالى أعلم وهو مجهول كما في تهذيب التهذيب ‏(‏عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذا أبهمه معمر في هذه الرواية وقد صرح صالح بن كيسان في روايته الاَتية بذكر أبي سعيد‏)‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ كذا رواه أكثر أصحاب الزهري‏.‏ ورواه معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبهمه، أخرجه أحمد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليهم قمص‏)‏ بضمتين جمع قميص والجملة حالية ‏(‏منها‏)‏ أي من القمص ‏(‏ما يبلغ الثدي‏)‏ بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء، جمع ثدي بفتح ثم سكون وهو مذكر عند معظم أهل اللغة‏.‏ وحكي أنه مؤنث، والمشهور أنه يطلق في الرجل والمرأة، وقيل يختص بالمرأة، وهذا الحديث يرده‏.‏ ولعل قائل هذا يدعي أنه أطلق في هذا الحديث مجازاً والمعنى أن القميص قصير جداً بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها ‏(‏ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك‏)‏ وفي رواية البخاري ومنها ما دون ذلك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر فيكون أطول‏.‏ ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر، ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى في هذا الحديث فمنهم من كان قميصه إلى سرته، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته، ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه انتهى‏.‏ قلت ويؤيد الأول رواية أبي عيسى الترمذي هذه أيضاً ‏(‏فعرض على عمر‏)‏ أي في ما بينهم ‏(‏وعليه قميص يجره‏)‏ أي يسحبه في الأرض لطوله ‏(‏قالوا‏)‏ أي بعض الصحابة من الحاضرين ‏(‏فما أولته‏)‏ أي فما عبرت جر القميص لعمر ‏(‏قال الدين‏)‏ بالنصب أي أولته الدين ويجوز الرفع أي المأول به هو الدين‏.‏ قال النووي‏:‏ القميص الدين وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة، وسنته الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به‏.‏ وأما تفسير اللبن بالعلم فلكثرة الانتفاع بهما وفي أنهما سبباً للصلاح فاللبن غذاء الإنسان وسبب صلاحهم وقوة أبدانهم والعلم سبب للصلاح وغذاء للأرواح في الدنيا والاَخرة انتهى‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ قالوا وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا، والدين يسترها في الاَخرة ويحجبها عن كل مكروه والأصل فيه قوله تعالى ‏{‏ولباس التقوى ذلك خير‏}‏‏.‏ الاَية‏.‏ والعرب تكنى عن الفضل والعفاف بالقميص، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن الله سيلبسه قميصاً فلا تخلعه‏.‏ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان، واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏)‏ الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد، ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة ‏(‏وهذا أصح‏)‏ أي من الحديث الأول المذكور، لأن في سنده الحسين بن محمد وهو مجهول كما عرفت‏.‏

1512- باب ما جَاءَ في رُؤْيَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم المِيزَانِ وَالدّلْو

2324- حَدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا الأَنْصَارِيّ، حدثنا أَشْعَثُ عن الْحَسَنِ عن أبي بَكْرَةَ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذَاتَ يَوْمٍ‏:‏ ‏"‏مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا‏؟‏ فقال رَجُلٌ‏:‏ أَنَا رَأَيْتُ مِيزَاناً نَزَلَ مِنَ السّماءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكُرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بأَبي بكرٍ، وَوُزِنَ أبو بكرٍ وعُمَرُ فَرَجَحَ أبو بكرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وعُثْمانُ فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمّ رُفِعَ المِيزَانُ، فَرَأَيْنَا الْكَرَاهِيَةَ في وَجْهِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2325- حدّثنا أَبُو مُوسَى الأَنْصَارِيّ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، حدثني عُثْمانُ بنُ عبدِ الرحمَنِ عن الزّهريّ عن عُرْوَةَ عن عائشةَ قالت‏:‏ ‏"‏سُئِلَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ وَرَقَةَ، فقالت له خَدِيجَةُ‏:‏ إِنّهُ كَانَ صَدّقَكَ وَلكِنّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أُرِيتُهُ في المَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهلِ النّارِ لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غَيْرُ ذَلِكَ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وَعُثْمانُ بنُ عبد الرحمَنِ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الحديثِ بالْقَوِيّ‏.‏

2326- حدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا أبو عاصِمٍ، أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ اخبرني مُوسَى بنُ عُقْبَةَ، اخبرني سَالِمُ بنُ عبدِ الله، عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ، عن رُؤْيَا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعُمَرَ فقال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النّاسَ اجْتَمَعُوا فَنَزَعَ أبو بكرٍ ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ فِيهِ ضَعْفٌ وَالله يَغْفِرُ لَهُ، ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَنَزَعَ فَاسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّا يَفْرِي فَرْيَهُ حَتّى ضَرَبَ النّاسُ بعطن‏"‏‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

وهذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ من حديثِ ابنِ عُمَرَ‏.‏

2327- حدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا أبو عاصِمٍ، حدثنا ابنُ جُرَيجٍ أَخبرني مُوسَى بنُ عُقْبَةَ، أخبرني سَالِمُ بنُ عبدِ الله عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ عن رُؤْيَا النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حَتّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةٍ وَهِيَ الْجُحْفَةُ، فَأَوّلْتُهَا وَبَاءَ المَدِينَةِ يُنْقَلُ إِلَى الْجُحْفَةِ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

2328- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، حدثنا عبدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن أَيّوبَ عن ابنِ سِيرِينَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏في آخِرِ الزّمَانِ لا تَكَادُ رُؤْيَا المؤمِنِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثاً، وَالرّؤْيَا ثَلاَثٌ‏:‏ الْحَسَنَةُ بُشْرَى مِنَ الله، وَالرّؤْيَا يُحدّثُ الرّجُلُ بهَا نَفْسَهُ، والرّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشّيْطَانِ‏.‏ فإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلاَ يُحَدّثْ بِهَا أَحَداً وَليَقُمْ فَلْيُصَلّ‏"‏‏.‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُعْجِبُنِي القَيْدُ وَأَكْرَهُ الغُلّ القَيْدُ ثَبَاتٌ في الدّينِ‏.‏ قَالَ وَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النّبُوّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدُ رَوَى عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَيّوبَ مَرْفُوعاً، ورواه حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ وَوَقَفَهُ‏.‏

2329- حدّثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوهَرِيّ، حدثنا أَبُو اليَمَانِ، عَنْ شُعيبٍ وَهُوَ ابنُ أَبي حَمْزَةَ، عَنْ ابن أَبي حُسَينٍ وهو عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي حسين عَنْ نَافِعِ بنِ جُبَيرٍ، عَن ابنِ عَبّاسٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ رَأَيْتُ في المَنَامِ كَأَنّ في يَدَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فهَمّني شَأْنُهُما فَأُوحِيَ إِلَيّ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوّلْتُهُمَا كَاذِبَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي، يُقَالُ لأِحَدِهِمَا مَسيلَمةُ صاحبُ اليَمَامَةِ، وَالعَنْسِيّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2330- حدّثنا الْحُسَينُ بن محمدٍ، حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ، عَنْ عُبيدِ الله بنِ عَبْدِ الله، عنْ ابن عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ‏:‏ أَنّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ إِنّي رَأَيْتُ الّلْيلَةَ ظُلّةً يَنْطَفُ مِنهَا السّمْنُ وَالعَسَلُ، وَرَأَيْتُ النّاسَ يَسْتَقُونَ بِأَيْدِيهِمْ، فَالمُسْتَكْثِرُ وَالمُستقلّ وَرَأَيتُ سَبَباً وَاصِلاً مِنَ السّمَاءِ إِلَى الأرْضِ فَأَرَاكَ يَا رَسُولَ الله أَخَذْتَ بهِ فَعَلَوْتَ، ثم أَخَذَ بهِ رَجُلٌ بَعْدَكَ فَعَلاَ، ثُمّ أَخَذَ بهِ رَجُلٌ بَعْدَهُ فَعَلاَ، ثُمّ أَخَذَ بهِ رَجُلٌ فَقُطِعَ بِهِ ثُمّ وُصِلَ لَهُ فَعَلاَ بهِ، فَقَالَ أَبُو بكْرٍ‏:‏ أَي رَسُولَ الله بَأَبِي أَنْتَ وَأُمّي وَالله لتَدَعْنِي أَعْبُرُهَا، فَقَالَ‏:‏ اعْبُرْهَا‏.‏ فَقَالَ‏:‏ أَمّا الظّلّةُ فَظُلّةُ الاْسْلاَمِ، وَأَمّا ما يَنْطَفُ من السّمْنِ وَالعَسَلِ فَهُو القُرْآنُ لِينُهُ وَحَلاَوَتُهُ، وَأَمّا المُستَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلّ، فَهُوَ المُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلّ مِنْهُ، وَأَمّا السّبَبُ الواصِلُ منَ السّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَهُوَ الْحَقّ الّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ فأَخَذْتَ بهِ فيُعْلِيكَ الله، ثمّ يَأْخُذُ بِهِ بَعْدَكَ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثمّ يَأْخُذُ بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُوا بهِ، ثمّ يَأْخُذُ رجل آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثمّ يُوصَلُ فَيعْلُو بهِ، أَيْ رَسُولَ الله لَتُحَدّثَنّي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ‏؟‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَصَبْتَ بَعْضاً وَأَخْطَأْتَ بَعْضاً‏.‏ قَالَ‏:‏ أَقْسَمْتُ بِأبي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ الله لتُخْبِرَنّي مَا الّذِي أَخطأتُ‏؟‏ فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا تُقْسِمْ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2331- حدّثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارِ، حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرِ بن حازم عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبي رَجَاءٍ عَنْ سَمُرةَ بنِ جُنْدُبٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلّى بِنَا الصّبْحَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ بِوَجْهِهِ وَقَالَ‏:‏ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكمْ اللّيْلَةَ رُؤْيَا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَيُرْوَى هذا الحديث عَنْ عَوْفٍ وَجَرِير بنِ حَازِمٍ، عن أبي رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قِصّةٍ طَوِيلَةٍ، قال‏:‏ وَهَكَذَا رَوَى محمد بن بشار هَذا الْحَدِيثَ عن وَهْبِ بنِ جَرِيرٍ مُخْتَصِراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأن ميزاناً‏)‏ كأن بتشديد النون من الحروف المشبهة بالفعل ‏(‏فوزنت‏)‏ بصيغة المجهول المخاطب ‏(‏أنت‏)‏ ضمير فصل وتأكيد لتصحيح العطف ‏(‏فرجحت‏)‏ بفتح الجيم وسكون الحاء أي ثقلت وغلبت ‏(‏ثم رفع الميزان‏)‏ فيه إيماء إلى وجه ما اختلف في تفضيل علي وعثمان قاله القاري ‏(‏فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وذاك لما علم صلى الله عليه وسلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور، وظهور الفتن بعد خلافة عمر، ومعنى رجحان كل من الاَخر أن الراجح أفضل من المرجوح‏.‏ وقال المنذري‏:‏ قيل يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره وقوف التخيير وحصر درجات الفضائل في ثلاثة ورجا أن يكون في أكثر من ذلك فأعلمه الله أن التفضيل انتهى إلى المذكور فيه فساءه ذلك انتهى‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ إنما ساءه والله أعلم من الرؤيا التي ذكرها ما عرفه من تأويل رفع الميزان، فإن فيه احتمالاً لانحطاط رتبة الأمر في زمان القائم به بعد عمر رضي الله عنه عما كان عليه من النفاذ والاستعلاء والتمكن بالتأييد‏.‏ ويحتمل أن يكون المراد من الوزن موازنة أيامهم لما كان نظر فيها من رونق الإسلام وبهجته ثم إن الموازنة إنما تراعى في الأشياء المتقاربة مع مناسبة ما، فيظهر الرجحان فإذا تباعدت كل التباعد لم يوجد للموازنة معنى فلهذا رفع الميزان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ورقة‏)‏ بفتحات أي ابن نوفل ابن عم خديجة أم المؤمنين كان تنصر في الجاهلية وقرأ الكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمي ‏(‏فقالت‏)‏ بيان السؤال والسائل ‏(‏له‏)‏ أي لأجل ورقة وتحقيق أمره ‏(‏خديجة أنه‏)‏ أي الشأن أو أن ورقة ‏(‏كان‏)‏ أي في حياته ‏(‏صدقك‏)‏ بالتشديد أي في نبوتك ‏(‏وأنه مات قبل أن تظهر‏)‏ تعني أنه لم يدرك زمان دعوتك ليصدقك ويأتي بالأعمال على موجب شريعتك لكن صدقك قبل مبعثك، قاله الطيبي ‏(‏أريته في المنام‏)‏ بصيغة المجهول أي أرانيه الله وهو بمنزلة الوحي للأنبياء‏.‏ وحاصل الجواب أنه لم يأتني وحي جلي ودليل قطعي لكني رأيته في المنام ‏(‏وعليه ثياب بياض‏)‏ وفي المشكاة‏:‏ وعليه ثياب بيض ‏(‏ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك‏)‏ فيه أنه إذا رأى مسلم في المنام الثياب البيض على ميت مسلم فذلك دليل على حسن حاله، وأنه من أهل الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وهو حديث ضعيف ‏(‏وعثمان ابن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوي‏)‏ قال في التقريب عثمان بن عبد الرحمن ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري الوقاصي أبو عمرو المدني متروك، وكذبة ابن معين، وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال الهيثم بن عدي‏:‏ توفي في خلافة هارون، روى له الترمذي حديثاً واحداً في ذكر ورقة بن نوفل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزع أبو بكر ذنوباً‏)‏ بفتح الذال المعجمة، وهو الدلو فيها ماء، والملأى أو دون الملأى كذا في القاموس‏.‏

قال الحافظ‏:‏ واتفق من شرح هذا الحديث على أن ذكر الذنوب إشارة إلى مدة خلافته وفيه نظر، لأنه ولي سنتين وبعض سنة فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة‏.‏ والذي يظهر لي أن ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة‏.‏ ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر إلى عدد ما نزعه من الدلاء وإنما وصف نزعه بالعظمة، إشارة إلى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات‏.‏ وقد ذكر الشافعي تفسير هذا الحديث في الأم فقال بعد أن ساقه‏:‏ ومعنى قوله‏:‏ وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته انتهى‏.‏ فجمع في كلامه ما تفرق في كلام غيره‏.‏ انتهى ‏(‏فيه ضعف‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ وفي نزعه ضعف‏.‏ قال الحافظ أي على مهل ورق ‏(‏والله يغفر له‏)‏ قال النووي هذا دعاء من المتكلم أي أنه لا مفهوم له‏.‏ وقال غيره فيه إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام‏:‏ ‏{‏فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً‏}‏‏.‏ فإنها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه لأن سببه قصر مدته‏.‏ فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه ‏(‏فاستحالت غرباً‏)‏ أي انقلبت الدلو التي كانت ذنوباً غرباً أي دلواً عظيمة، والغرب بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ‏(‏فلم أر عبقرياً‏)‏ بفتح المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رجلاً قوياً ‏(‏يفري‏)‏ بفتح أوله وسكون الفاء وكسر الراء وسكون التحتانية ‏(‏فريه‏)‏ بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتانية المفتوحة، وروى بسكون الراء وخطأه الخليل‏.‏ ومعناه يعمل عمله البالغ ‏(‏حتى ضرب الناس بالعطن‏)‏ بفتح المهملتين وآخره نون هو مناخ الإبل إذا شربت ثم صدرت‏.‏ وسيأتي في مناقب عمر بلفظ‏:‏ حتى روى الناس وضربوا بعطن‏.‏ ووقع في حديث أبي الطفيل بإسناد حسن عند البزار والطبراني‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ بينا أنا أنزع الليلة إذ وردت على غنم سود وعفر، فجاء أبو بكر فنزع فذكره وقال في عمر فملأ الحياض وأروى الواردة وقال فيه فأولت السود العرب والعفر العجم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏هذا حديث صحيح غريب من ابن عمر‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رأيت‏)‏ أي في شأن المدينة ‏(‏ثائرة الرأس‏)‏ أي منتشرة شعر الرأس ‏(‏حتى قامت بمهيعة‏)‏ بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية والعين الأرض المبسوطة الواسعة ‏(‏وهي الجحفة‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وأظن قوله وهي الجحفة مدرجاً من قول موسى بن عقبة فإن أكثر الروايات خلا عن هذه الزيادة‏.‏ وثبتت في رواية سليمان بن جريح ‏(‏فأولتها‏)‏ من التأويل هو تفسير الشيء بما يؤول إليه ‏(‏وباء المدينة‏)‏ وهو بالمد ويقصر مرض عام أو موت ذريع، وقد يطلق على الأرض الوخمة التي تكثر فيها الأمراض لا سيما للغرباء أي حماها وأمراضها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب الخ‏)‏ تقدم شرح هذا الحديث في باب إن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو اليمان‏)‏ اسمه الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة من العاشرة ‏(‏عن ابن أبي حسين‏)‏ اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفل المكي النوفلي ثقة عالم بالمناسك من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سوارين‏)‏ بكسر السين أي قلبين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ السوار بكسر المهملة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة أسوار بضم الهمزة أوله ‏(‏فهمني شأنهما‏)‏‏:‏ أي أحزنني وفي حديث البخاري فكبرا علي‏.‏ قال الحافظ هو بمعنى العظم‏.‏ قال القرطبي وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب مما حرم على الرجال ‏(‏فأوحي إلي‏)‏ قال الحافظ‏:‏ كذا للأكثر على البناء للمجهول‏.‏ وفي رواية الكشميهني في حديث إسحاق بن نصر فأوحى الله إلي هذا الوحي يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك قاله القرطبي ‏(‏أن أنفخهما‏)‏ بضم الفاء وسكون الخاء المعجمة وإن هي مفسرة لما في الوحي من معنى القول وعليه كلام القاضي وغيره، وجوز الطيبي أن تكون ناصبة والجار محذوف والنفخ بالخاء المعجمة على ما صححه النووي، يقال نفخته ونفخت فيه ‏(‏فنفختهما فطارا‏)‏ قال الحافظ وكذا في رواية المقبري وزاد‏:‏ فوقع واحد باليمامة والاَخر باليمن‏.‏ وفي ذلك إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة‏.‏ ورده ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة ولم ينزل بالمسلمين قبله مثله‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو كذلك لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية، وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما ‏(‏فأولتهما كاذبين‏)‏ قال المهلب‏:‏ هذه الرؤيا ليست على وجهها وإنما هي من ضرب المثل، وإنما أوله النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه، فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له، وأيضاً ففي كونهما من ذهب والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب، وأيضاً فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام، انتهى ملخصاً ‏(‏يخرجان من بعدي‏)‏‏.‏ وفي رواية البخاري فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هذا ظاهر في أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين وهو كذلك، لكن وقع في رواية ابن عباس‏:‏ يخرجان بعدي، والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة‏.‏ نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين، وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمت ذلك واضحاً في أواخر المغازي‏.‏ وأما مسيلمة فكان ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر‏.‏ فإما أن يحمل ذلك على التغليب، وإما أن يكون المراد بقوله بعدي أي بعد نبوتي ‏(‏يقال لأحدهما مسلمة‏)‏ بفتح الميم واللام وبينهما سين ساكنة هو المشهور بمسيلمة مصغراً قتله الوحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق رضي الله عنه، وقيل لما قتله وحشي قال‏:‏ قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام ‏(‏صاحب اليمامة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ اليمامة القصد كاليمام وجارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وبلاد الجو منسوبة إليها وسميت باسمها وهي أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب، وهي دون المدينة في وسط الشرق من مكة على ستة عشر مرحلة من البصرة وعن الكوفة نحوها انتهى‏.‏ ‏(‏والعنسي صاحب صنعاء‏)‏ هو بلدة باليمن وصاحبها الأسود العنسي تنبأ بها في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقتله فيروز الديلمي في مرض وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ فاز فيروز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسين بن محمد‏)‏ هو الجريري البلخي ‏(‏عن عبيد الله بن عبد الله‏)‏ بن عتبة الهذلي المدني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني رأيت الليلة ظلة‏)‏ بضم الظاء المعجمة أي سحابة لها ظلة، وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة‏.‏ قاله الخطابي وفي رواية ابن ماجة، ظلة بين السماء والأرض ‏(‏ينطف‏)‏ أي يقطر من نطف الماء إذا سال ويجوز الضم والكسر في الطاء ‏(‏يستقون بأيديهم‏)‏ أي يأخذون بالأسقية‏.‏ وفي رواية البخاري يتكففون أي يأخذون بأكفهم ‏(‏فالمستكثر‏)‏ مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، أي فيهم المستكثر في الأخذ أي يأخذ كثيراً ‏(‏والمستقل‏)‏ أمي ومنهم المستقل في الأخذ أي يأخذ قليلا ‏(‏ورأيت سبباً‏)‏ أي حبلا ‏(‏واصلا‏)‏ من الوصول، وقيل هو بمعنى الموصول كقوله عيشة راضية أي مرضية ‏(‏فعلوت‏)‏ من العلو وفي رواية سليمان بن كثير فأعلاك الله ‏(‏ثم وصل له‏)‏ على بناء المجهول ‏(‏بأبي أنت وأبي‏)‏ أي مفدى بهما ‏(‏والله لتدعني‏)‏ بفتح اللام للتأكيد أي لتتركني‏.‏ وفي رواية سليمان ائذن لي ‏(‏أعبرها‏)‏ وفي رواية‏:‏ فلأعبرنها بزيادة لام التأكيد والنون ‏(‏أعبرها‏)‏ أمر من عبر يعبر من باب نصر ينصر، قال في القاموس‏:‏ عبر الرؤيا عبراً وعبارة وعَبّرَها فسرها وأخبر بآخر ما يؤول إليه أمرها، واستعبره إياها سأله عبرها ‏(‏وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه‏)‏ المراد بالحق الولاية التي كانت بالنبوة ثم صارت بالخلافة ‏(‏ثم يأخذ به‏)‏ أي بالسبب ‏(‏بعدك رجل‏)‏ وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ويقوم بالحق في أمته بعده ‏(‏ثم يأخذ بعده رجل آخر‏)‏ وهو عمر بن الخطاب ‏(‏ثم يأخذ آخر‏)‏ وهو عثمان ‏(‏فينقطع به ثم يوصل‏)‏ وفي حديث ابن عباس عند مسلم‏:‏ ثم يوصل له ‏(‏أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً‏)‏ قال النووي‏:‏ اختلف العلماء في معناه‏.‏ فقال ابن قتيبة وآخرون معناه أصبت في بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك بتفسيرها من غير أن آمرك به‏.‏ وقال آخرون‏:‏ هذا الذي قاله ابن قتيبة وموافقوه فاسد، لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك وقال أعبرها، وإنما أخطأ في تركه تفسير بعضها فإن الرائي قال‏:‏ رأيت ظلة تنطف السمن والعسل ففسره الصديق رضي الله عنه بالقرآن حلاوته ولينه، وهذا إنما هو تفسير العسل وترك تفسير السمن وتفسيره السنة، فكان حقه أن يقول‏:‏ القرآن والسنة‏.‏ وإلى هذا أشار الطحاوي‏.‏

وقال آخرون‏:‏ الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ بالسبب فانقطع به وذلك يدل على انخلاعه بنفسه‏.‏ وفسره الصديق بأنه يأخذ به رجل فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، وعثمان قد خلع قهراً وقتل وولي غيره‏.‏ فالصواب في تفسيره أن يحمل وصله على ولاية غيره من قومه‏.‏ وقال آخرون‏:‏ الخطأ في سؤاله ليعبرها‏.‏

قال المهلب‏:‏ وموضع الخطأ في قوله ثم وصل له لأن في الحديث ثم وصل ولم يذكر له‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هذه اللفظة وهي قوله له قد ثبتت في كثير من الروايات فذكرها ثم قال وبني المهلب على ما توهمه فقال‏:‏ كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا ولا يذكر الموصول له، فإن المعنى أن عثمان انقطع به الحبل ثم وصل لغيره أي وصلت الخلافة لغيره، وقد عرفت أن لفظة له ثابتة في نفس الخبر‏.‏ فالمعنى على هذا أن عثمان كاد ينقطع على اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة، فاتصل بهم فعبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم فلم يتم في تبيين الخطأ في التعبير المذكور ما توهمه المهلب انتهى‏.‏ وقد بسط الحافظ الكلام في هذا المقام في الفتح ‏(‏لا تقسم‏)‏ أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه دليل لما قاله العلماء أن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي جرير بن حازم ‏(‏عن أبي رجاء‏)‏ اسمه عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة، ويقال‏:‏ ابن تيم العطاردي، مشهور بكنيته، وقيل غير ذلك في اسم أبيه، مخضرم ثقة معمر، مات سنة خمس ومائة، له مائة وعشرون سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال هل رأى أحد منكم رؤيا‏)‏ على وزن فعلى بلا تنوين، ويجوز تنوينه كما قرئ به في الشاذة أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله‏:‏ وكذا روي منوناً قوله في الحديث‏:‏ ومن كان هجرته لدنيا ‏(‏الليلة‏)‏ أي هذه الليلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم بنحوه وأخرجه البخاري مطولا ‏(‏ويروى عن عوف وجرير بن حازم عن أبي رجاء عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة طويلة‏)‏ أخرجه البخاري بالقصة الطويلة في آخر أبواب التعبير ‏(‏وهكذا روى لنا بندار هذا الحديث مختصراً‏)‏ بندار هذا هو محمد بن بشار المذكور في السند المتقدم‏.‏

34- كتاب الشهادات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

هي جمع شهادة، وهي مصدر شهد يشهد قال الجوهري‏:‏ الشهادة خبر قاطع، والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود أي الحضور، لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره‏.‏ وقال في المغرب‏:‏ الشهادة الإخبار بصحة الشيء عن مشاهدة وعيان، ويقال‏:‏ شهد عند الحاكم لفلان على فلان بكذا شهادة، فهو شاهد وهم شهود وإشهاد، وهو شهيد وهم شهداء‏.‏

1513- جاء في الشهداء أيّهم خير

2332- حَدّثنا الأَنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكٌ عنْ عبدِ الله بن أَبي بَكْرِ بنِ مُحمدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عن أبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بن عُثْمَانَ عن أبي عَمْرة الأنْصَارِيّ عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الْجُهَنِي أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشّهَدَاءِ الّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا‏"‏‏.‏

2333- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ الْحَسَنِ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمةَ، عنْ مَالِكٍ نحوه‏.‏ وَقَالَ ابنُ أَبي عَمْرةَ قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَأَكْثَرُ النّاسِ يَقُولُونَ عَبْد الرّحمنِ بن أبي عَمرةَ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا عَلَى مَالِكٍ في رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ عنْ أبي عَمْرَةَ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عنْ ابن أبي عَمرةَ، وَهُوَ عَبْدُ الرّحمنِ بنُ أَبي عَمرةَ الأنْصَارِيّ‏.‏ وَهَذَا أَصَحّ لأنّهُ قَدْ رُوِي مِنْ غَيْرِ حديثِ مَالِكٍ عن عَبْدِ الرّحمَنِ بن أبي عَمْرةَ عن زَيدِ بنِ خَالِدٍ وَقَدْ رُوِيَ عن ابن أَبِي عَمْرَةَ عن زَيْدِ بنِ خَالِدٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ حديث صَحيحٌ أَيضاً وَأَبُو عَمْرةَ هُوَ مَوْلَى زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ، وَلَهُ حَدِيثُ الغَلَولِ لأبي عَمرةَ وأكثر الناس يقولون عبد الرحمن بن أبي عمرة‏.‏

2334- حدّثنا بِشْرُ بنُ آدَمَ ابنِ بنت أزْهَر السّمانِ، حدثنا زَيدُ بنُ الْحُبَابِ، حدثني أُبَيّ بنُ عَبّاسِ بنِ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ حدثني أَبُو بَكْرِ بنُ محمدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، قَالَ حَدّثَنِي عَبدُ الله بنُ عَمْرِو بنِ عُثمانَ، حدثني خَارِجَةُ بنُ زَيدِ بنِ ثَابتٍ، حدثني عبد الرحمنُ بنُ أبي عَمْرةَ، حدثني زَيْدُ بنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ، أَنّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏خَيْرُ الشّهَدَاءِ مَنْ أَدّى شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ مِن هذَا الوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم‏)‏ الأنصاري المدني القاضي ثقة من الخامسة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري البخاري بالنون والجيم المدني القاضي اسمه وكنيته واحد وقيل إنه يكنى أبا محمد ثقة عابد من الخامسة ‏(‏عن عبد الله بن عمرو بن عثمان‏)‏ الأموي يلقب بالمطرف بضم الميم وسكون المهملة وفتح الراء ثقة شريف من الثالثة ‏(‏عن أبي عمرة‏)‏ وفي الرواية الاَتية ابن أبي عمرة وهذا هو الأصح كما صرح به الترمذي قال في التقريب‏:‏ أبو عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد صوابه عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ أبو عمرة الأنصاري وقيل ابن أبي عمرة وقيل عبد الرحمن ابن أبي عمرة روى عن زيد بن خالد الجهني‏:‏ ألا أخبركم بخير الشهداء وعنه عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أخرج الجماعة سوى البخاري حديثه من رواية أبي بكر بن حزم عن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد، وسماه بعضهم في روايته عبد الرحمن انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بخير الشهداء‏)‏ جمع شاهد ‏(‏الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها‏)‏ بصيغة المجهول أي قبل أن يطلب منه الشهادة‏.‏ قال النووي وفي المراد بهذا الحديث تأويلان أصحهما وأشهرهما تأويل مالك وأصحاب الشافعي أنه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له‏.‏ والثاني أنه محمول على شهادة الحسبة وذلك في غير حقوق الاَدميين المختصة بهم، فمما تقبل فيه شهادة الحسبة الطلاق والعتق والوقف والوصايا العامة والحدود ونحو ذلك‏.‏ فمن علم شيئاً من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة قال الله تعالى ‏{‏وأقيموا الشهادة لله‏}‏ وكذا في النوع الأول يلزم من عنده شهادة الإنسان لا يعلمها أن يعلمه إياها لأنها أمانة له عنده‏.‏ وحكى تأويلا ثالثاً أنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادات بعد طلبها لا قبله، كما يقال‏:‏ الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعاً عقب السؤال من غير توقف انتهى ‏(‏وقال ابن أبي عمرة‏)‏ أي قال عبد الله بن مسلمة في روايته عن مالك بن أبي عمرة مكان أبي عمرة واسم ابن أبي عمرة عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم ومالك وأحمد وأبو داود وابن ماجة ‏(‏وأكثر الناس يقولون‏)‏ في رواياتهم ‏(‏عبد الرحمن بن أبي عمرة‏)‏ أي كما قال عبد الله بن مسلمة في روايته ‏(‏واختلفوا‏)‏ أي أصحاب مالك في رواية هذا الحديث عنه ‏(‏فروى بعضهم عن أبي عمرة‏)‏ كمعن ‏(‏وروى بعضهم عن ابن أبي عمرة‏)‏ كعبد الله بن مسلمة عند الترمذي ويحيى بن يحيى عند مسلم ‏(‏وهذا أصح عندنا‏)‏ أي رواية من روى عن مالك بلفظ‏:‏ عن ابن أبي عمرة أصح من رواية من روى عنه بلفظ عن أبي عمرة ‏(‏لأنه‏)‏ أي لأن هذا الحديث ‏(‏قد روي من غير حديث مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد‏)‏ رواه الترمذي بعد هذا، فهذه الرواية تؤيد رواية من روى عن مالك بلفظ عن ابن أبي عمرة، فقد روى عن أبي عمرة عن زيد بن خالد غير هذا الحديث، أي غير حديث الشهادة المذكور في الباب ‏(‏وأبو عمرة هو مولى زيد بن خالد الجهني‏)‏ أي أبو عمرة الذي روى عنه عن زيد بن خالد غير حديث الشهادة المذكور، هو مولى زيد بن خالد ‏(‏وله‏)‏ أي لزيد بن خالد الجهني ‏(‏حديث الغلول‏)‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى ابن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني‏:‏ أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين ‏(‏لأبي عمرة‏)‏ أي مولى زيد بن خالد يعني أن حديث زيد بن خالد هذا في الغلول، رواه عنه مولاه أبو عمرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان‏)‏ البصري أبو عبد الرحمن صدوق فيه لين من العاشرة ‏(‏حدثني أبيّ بن عباس بن سهل بن سعد‏)‏ الأنصاري الساعدي فيه ضعف من السابعة ماله في البخاري غير حديث واحد كذا في التقريب ‏(‏حدثني خارجة بن زيد بن ثابت‏)‏ الأنصاري المدني ثقة فقيه من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد بن زياد الدمشقي‏)‏ أو ابن أبي زياد القرشي، متروك من السابعة‏.‏

1514- باب ما جاء فيمن لا تجوز شهادته

2335- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيّ، عَنْ يَزِيدَ بنِ زِيَادٍ الدّمَشْقِي، عن الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تجوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلاَ خَائِنَةٍ وَلاَ مَجْلُودٍ حَدّاً وَلاَ مَجْلُودَةٍ وَلاَ ذِي غِمْرٍ لأَحْنَةٍ، ولا مجرّبِ شَهَادَةٍ، وَلاَ القَانِعِ أهلَ البيتِ لهم، ولاَ ظَنِينَ فِي وَلاَءٍ وَلاَ قَرَابةٍ‏"‏ قال الفَزَارِيّ‏:‏ القَانِعُ التّابِفعُ‏.‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حديثِ يزيدَ بنِ زِيَادٍ الدّمَشْقِي، وَيَزِيدُ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ‏.‏ وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ إِلأ مَنْ حَدِيثهِ‏.‏ وفي البابِ عن عَبدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏ قال ولاَ نَعْرِفُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلاَ يَصِحّ عندي مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ وَالعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلمِ في هذَا أَنّ شَهَادَةَ القَرِيبِ جَائِزَةٌ لِقَرَابَتِهِ‏.‏ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ في شَهَادَةِ الوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَالْوَلَدِ لوالده ولم يُجِزْ أَكثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ شَهَادَةَ الْوَالَدِ لِلْوَلِدِ وَلاَ الوَلِدِ لِلْوالَدِ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِذَا كَانَ عَدْلاً فَشَهَادَةُ الوَالِدِ لِلْوَلَدِ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الوَلَدِ للوَالِدِ، وَلمْ يَخْتَلِفُوا فِي شَهَادَةِ الأخِ لأَخِيهِ أَنّهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ كُلّ قَرِيبٍ لقريبه‏.‏ وَقَالَ الشّافَعِيّ‏:‏ لاَ تَجُوز شَهَادَز لِرجُلٍ عَلَى الاَخَرِ وَإِنْ كَانَ عَدْلاً إِذَا كانت بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ‏.‏ وَذَهَبَ إِلَى حَدِيث عَبْدِ الرحمنِ الأَعرجِ، عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏:‏ ‏"‏لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ صاحب إِحْنَةٍ‏"‏ يَعْنِي صَاحِبِ عَدَاوَةٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ صَاحِبِ غِمْرٍ لأخيه‏"‏‏.‏ يَعْنِي صَاحِبَ عَدَاوَةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تجوز‏)‏ أي لا تصح ‏(‏شهادة خائن ولا خائنة‏)‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ أي المشهور بالخيانة في أمانات الناس دون ما ائتمن الله عليه عباده من أحكام الدين، كذا قاله بعض علمائنا من الشراح‏.‏ قال القاضي‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد به الأعم منه وهو الذي يخون فيما ائتمن عليه، سواء ما ائتمنه الله عليه من أحكام الدين أو الناس من الأموال قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم‏}‏ انتهى‏.‏ فالمراد بالخائن هو الفاسق وهو من فعل كبيرة أو أصر على الصغائر، انتهى ما في المرقاة‏.‏ وقال في النيل‏:‏ صرح أبو عبيد بأن الخيانة تكون في حقوق الله كما تكون في حقوق الناس من دون اختصاص ‏(‏ولا مجلود حداً‏)‏ أي حد القذف‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ هو من جلد في حد القذف وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى أن المجلود فيه لا تقبل شهادته أبداً وإن تاب‏.‏ وقال القاضي‏:‏ أفرد المجلود حداً وعطفه عليه لعظم جنايته، وهو يتناول الزاني غير المحصن والقاذف والشارب، قال المظهر‏:‏ قال أبو حنيفة‏:‏ إذا جلد قاذف لا تقبل شهادته أبداً وإن تاب، وأما قبل الجلد فتقبل شهادته‏.‏ وقال غيره‏:‏ القذف من جملة الفسوق لا يتعلق بإقامة الحد بل إن تاب قبلت شهادته سواء جلد أو لم يجلد‏.‏ وإن لم يتب لم تقبل شهادته سواء جلد أو لم يجلد‏.‏

قلت‏:‏ قول من قال إن المجلود تقبل شهادته بعد التوبة، هو القول الراجح المنصور كما حققه الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين، والحافظ ابن حجر في الفتح ‏(‏ولا ذي غمر‏)‏ بكسر فسكون أي حقد وعداوة ‏(‏لإحنة‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة وبالنون، قال في القاموس الإحنة بالكسر الحقد والغضب‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ الإحنة العداوة ويجيء حنة بهذا المعنى على قلة انتهى‏.‏ ووقع في بعض النسخ الموجودة عندنا لأخيه بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة‏.‏ وكذا وقع عند الدارقطني وغيره ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود بلفظ‏:‏ ولا ذي غمر على أخيه ‏(‏ولا مجرب شهادة‏)‏ أي في الكذب ‏(‏ولا القانع أهل البيت‏)‏ أي الذي يخدم أهل البيت كالأجير وغيره ‏(‏لهم‏)‏ أي لأهل البيت لأنه يجر نفعاً بشهادته إلى نفسه لأن ما حصل من المال للمشهود له يعود نفعه إلى الشاهد لأنه يأكل من نفقته، ولذلك لا تقبل شهادة من جر نفعاً بشهادته إلى نفسه كالوالد يشهد لولده، أو الولد لوالده، أو الغريم يشهد بمال للمفلس على أحد ‏(‏ولا ظنين‏)‏ أي متهم ‏(‏في ولاء‏)‏ بفتح الواو وهو الذي ينتمي إلى غير مواليه ‏(‏ولا قرابة‏)‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ أي ولا ظنين في قرابة وهو الذي ينتسب إلى غير ذويه وإنما ردّ شهادته لأنه ينفي الوثوق به عن نفسه‏.‏ كذا قال بعض علمائنا من الشراح‏.‏ وقال المظهر‏:‏ يعني من قال أنا عتيق فلان وهو كاذب فيه بحيث يتهمه الناس في قوله ويكذبونه، لا تقبل شهادته لأنه فاسق، لأن قطع الولاء عن المعتق وأبنائه لمن ليس بمعتقه كبيرة وراكبها فاسق، كذلك الظنين في القرابة وهو الداعي القائل أنا ابن فلان أو أنا أخو فلان من النسب والناس يكذبونه فيه، انتهى ما في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الدارقطني والبيهقي وفيه ولاذي غمر لأخيه، وفي سنده يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك كما عرفت‏.‏ وقال أبو زرعة في العلل‏:‏ هو حديث منكر، وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت ورواه ابن ماجة أيضاً‏.‏ وفي الباب أيضاً عن أبي هريرة بلفظ لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة‏.‏ رواه الحاكم والبيهقي وفي الباب أيضاً من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب نحو حديث عائشة أخرجه الدارقطني والبيهقي، وفي إسناده عبد الأعلى وهو ضعيف، شيخه يحيى بن سعيد الفارسي وهو أيضاً ضعيف، قال البيهقي‏:‏ لا يصح من هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي الباب أيضاً عن عمر‏:‏ لا تقبل شهادة ظنين ولا خصم‏.‏ أخرجه مالك في الموطإ موقوفاً وهو منقطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعرف معنى هذا الحديث‏)‏ أي معنى قوله ولا ظنين في ولاء ولا قرابة فإنه بظاهره يوهم أنه لا يجوز شهادة قريب لقريب له ولم يقل بإطلاقه أحد، ولكن إذا فسر هذا بما ذكرنا فلا إشكال والله تعالى أعلم ‏(‏والعمل عند أهل العلم في هذا أن شهادة القريب جائزة لقرابته‏)‏ أي وظاهر قوله ولا ظنين في ولاء ولا قرابة يدل على خلافه، ولذلك قال الترمذي‏:‏ لا نعرف معنى هذا الحديث ‏(‏واختلف أهل العلم في شهادة الوالد للولد الخ‏)‏‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ اختلف في شهادة الولد لوالده والعكس، فمنع من ذلك الحسن البصري والشعبي وزيد بن علي والمؤيد بالله والإمام يحيى والثوري ومالك والشافعية والحنفية وعللوا بالتهمة فكان كالقانع وقال عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز والعترة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في قوله إنها تقبل لعموم قوله تعالى ‏{‏ذوي عدل‏}‏ انتهى‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر عندي هو قول المانعين والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏وقال الشافعي لا تجوز شهادة الرجل على الاَخر وإن كان عدلا إذا كان بينهما عداوة الخ‏)‏ قيل اعتمد الشافعي خبراً صحيحاً وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا تقبل شهادة خصم على خصم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ليس له إسناده لكن له طرق يتقوى بعضها ببعض فروى أبو داود في المراسيل من حديث طلحة بن عبد الله بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث منادياً أنها لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين‏.‏ ورواه أيضاً البيهقي من طريق الأعرج مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة‏.‏ يعني الذي بينك وبينه عداوة، رواه الحاكم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، يرفعه مثله، وفي إسناده نظر‏.‏

1515- باب ما جاء في شهادة الزور

2336- حَدّثنا حُمَيدُ بنُ مَسْعَدَةَ، حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ، عن الْجُرَيْرِيّ عنْ عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ عنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ‏؟‏ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ الاْشْرَاكُ بِالله وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزّورِ أَوْ قَوْلُ الزّورِ‏"‏‏.‏ قَالَ فَمَا زَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا حَتّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2337- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ عن سُفْيَانَ بنِ زِيَادٍ الأسَدِيّ، عَنْ فَاتِكِ بنِ فَضَالَةَ، عنْ أَيْمَنَ بنِ خُرَيْمٍ أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَامَ خَطِيباً فَقَالَ‏:‏ ‏"‏يأَيّهَا النّاسُ عدلَتْ شَهَادَةُ الزّورِ إِشراكاً بالله ثم قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فَاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزّورِ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ غريب إِنمَا نَعْرِفُهُ مِن حديثِ سُفْيَانَ بنِ زِيَادٍ‏.‏ واخْتَلَفُوا فِي رِوَايِة هَذَا الْحَدِيثِ عنْ سُفْيَانَ بنِ زِيَادٍ وَلاَ نَعْرِفُ لأَيْمَنَ بنِ خُرَيْمٍ سَمَاعاً من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد‏.‏

2338- حَدّثنا وَاصِلُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى، حدثنا محمدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن الأعْمَشِ عَنْ عَلِيّ بنِ مُدِرِكٍ عَنْ هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ عنْ عِمرانَ بنِ حُصيْنٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏خَيْرُ النّاسِ قَرْنِي ثُمّ الّذينَ يَلونَهُمْ، ثُمّ الذين يَلونَهُمْ ثمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلاَثَاً، ثُمّ يَجِيءُ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِهِمْ يَتَسَمّنُونَ وَيُحِبّونَ السّمَنَ يُعْطُونَ الشّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ غريبٌ مِنْ حَديثِ الأعْمَشِ عنْ عَلِيّ بنِ مُدْرِكٍ وَأَصْحَابُ الأعْمَشِ إِنّمَا رَوَوْا عنِ الأعْمَشِ، عَن هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ، عن عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏

2339- حدّثنا أَبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بن حُرَيثٍ، حدثنا وَكِيعٌ عن الأعْمَشِ، عنْ هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ، عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ وَهَذَا أَصَحّ من حديثِ مُحمدِ بنِ فُضَيْلٍ قال‏:‏ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ يُعْطُونَ الشّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا، إِنّمَا يَعْنِي شَهَادَةَ الزّورِ، يقُولُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ من غَيرِ أَنْ يُسْتَشْهَدَ‏.‏

وبيان هذا في حديث عُمرَ بنِ الْخَطّابِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَيْرُ النّاسِ قَرْنِي، ثمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثمّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتّى يَشْهَدَ الرّجُلُ وَلاَ يُسْتَشْهَدَ وَيَحْلِفَ الرجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفَ‏"‏‏.‏ وَمَعْنَى حديثِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏خَيْرُ الشّهَدَاءِ الّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا‏"‏ هُوَ عندنا إِذَا أشهِدَ الرجُلُ عَلَى الشّيْءِ أَنْ يُؤَدّيَ شَهَادَتَهُ وَلاَ يَمْتَنِعَ مِنَ الشّهَادَةِ‏.‏ هَكَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ عَنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الجريري‏)‏ بضم الجيم هو سعيد بن إلياس أبو مسعود البصري، ثقة من الخامسة، إختلظ قبل موته بثلاث سنين ‏(‏عن عبد الرحمن بن أبي بكرة‏)‏ ابن الحارث الثقفي ثقة‏.‏ من الثانية ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي أبي بكرة واسمه نفيع بن الحارس بن كلدة بفتحتين ابن عمرو الثقفي، صحابي مشهور بكنيته، وقيل اسمه مسروح بمهملات، أسلم بالطائف ثم نزل البصرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الإشراك بالله‏)‏ هو جعل أحد شريكا للاَخر والمراد ههنا إتخاذ إله غير الله وأراد به الكفر، وإختار لفظ الإشراك لأنه كان غالباً في العرب ‏(‏وعقوق الوالدين‏)‏ أي قطع صلتهما مأخوذ من العق وهو الشق والقطع، والمراد عقوق أحدهما، قيل هو إيذاء لا يتحمل مثله من الولد عادة، وقيل عقوقهما مخالفة أمرهما فيما لم يكن معصية وفي معناهما الأجداد والجدات ثم اقترانه بالإشراك لما بينهما من المناسبة، إذ في كل قطع حقوق السبب في الإيجاد والإمداد إن كان ذلك لله حقيقة وللوالدين صورة، ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا‏}‏ وقوله عز وجل ‏"‏أن اشكر لي ولوالديك‏"‏ ‏(‏وشهادة الزور‏)‏ أي الكذب وسمي زور لميلانه عن جهة الحق ‏(‏وقول الزور‏)‏ شك من الراوي ‏(‏حتى قلنا ليته سكت‏)‏ أي شفقة وكراهية لما يزعجه‏.‏ وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وسلم، والمحبة له والشفقة عليه، وتقدم هذا الحديث في باب عقوق الوالدين من أبواب البر والصلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان بن زياد الأسدي‏)‏ ويقال ابن دينار العصفري، ويكنى أبا الورقاء الأحمري أو الأسدي، كوفي ثقة من السادسة ‏(‏عن فاتك بن فضالة‏)‏ ابن شريك الأسدي الكوفي مجهول الحال من السادسة ‏(‏عن أيمن بن خريم‏)‏ بالمعجمة ثم الراء مصغراً ابن الأخرم الأسدي هو أبو عطية الشامي الشاعر مختلف في صحبته‏.‏ قال العجلي‏:‏ تابعي ثقة وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة الزور، وعن أبيه وعمه، وعنه فاتك بن فضالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله‏)‏ أي جعلت الشهادة الكاذبة مماثلة للإشراك بالله في الإثم لأن الشرك كذب على الله بما لا يجوز، وشهادة الزور كذب على العبد بما لا يجوز وكلاهما غير واقع في الواقع‏.‏ قال الطيبي‏:‏ والزور من الزور والازورار وهو الانحراف وإنما ساوى قول الزور الشرك لأن الشرك من باب الزور فإن المشرك زعم أن الوثن يحق العبادة ‏(‏ثم قرأ‏)‏ أي استشهاداً واعتضاداً ‏(‏فاجتنبوا الرجس من الأوثان‏)‏ من بيانية أي النجس الذي هو الأصنام ‏(‏اجتنبوا قول الزور‏)‏ أي قول الكذب الشامل لشهادة الزور‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وفي التنزيل عطف قول الزور على عبادة الأوثان وكرر الفعل استقلالاً فيما هو مجتنب عنه في كونهما من وادي الرجس الذي يجب أن يجتنب عنه، وكأنه قال فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رؤوس الرجس، واجتنبوا قول الزور كله، ولا تقربوا شيئاً منه لتماديه في القبح والسماجة‏.‏ وما ظنك بشيء من قبيل عبادة الأوثان، وسمي الأوثان رجساً على طريق التشبيه يعني إنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه فعليكم أن تنفروا من شبيه الرجس مثل تلك النقرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد‏)‏‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ وقد رواه جماعة عن سفيان بن زياد عن أبيه عن حبيب بن النعمان عن خريم بن فاتك واستصوبه ابن معين وقال إن مروان بن معاوية لم يقم إسناده انتهى‏.‏ وحديث أيمن بن خريم هذا في سنده فاتك بن فضالة وهو مجهول كما عرفت وأخرجه أيضاً أحمد وأخرجه أبو داود وابن ماجة عن خريم بن فاتك وهو صحابي‏.‏ قال في التقريب‏:‏ خريم بالتصغير بن فاتك الأسدي أبو يحيى وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك نسب لجد جده، صحابي شهد الحديبية، ولم يصح أنه شهد بدراً مات، في الرقة في خلافة معاوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن مدرك‏)‏ النخعى أبي مدرك الكوفي ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير الناس قرني‏)‏ أي الذين أدركوني وآمنوا بي وهم أصحابي ‏(‏ثم الذين يلونهم‏)‏ أي يقربونهم في الرتبة أو يتبعونهم في الإيمان والإيقان وهم التابعون ‏(‏ثم الذين يلونهم‏)‏ وهم أتباع التابعين‏.‏ والمعنى أن الصحابة والتابعين وتبعهم هؤلاء القرون الثلاثة المرتبة في الفضيلة‏.‏ ففي النهاية‏:‏ القرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم، وقيل القرن أربعون سنة وقيل ثمانون، وقيل مائة، وقيل هو مطلق من الزمان، وهو مصدر قرن يقرن‏.‏ قال السيوطي‏:‏ والأصح أنه لا ينضبط بمدة فقرنه صلى الله عليه وسلم هم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة‏.‏ وقرن التابعين من مائة سنة إلى نحو سبعين، وقرن أتباع التابعين من ثم إلى نحو العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهوراً فاشياً، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الأحوال تغيراً شديداً ولم يزل الأمر في نقص إلى الاَن، وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثم يفشو الكذب ‏(‏ثم الذين يلونهم ثلاثاً‏)‏ كذا في بعض النسخ، وليس هذا في بعضها‏.‏ وفي رواية البخاري في فضائل الصحابة‏:‏ خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم‏.‏ قال عمران‏:‏ فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقع مثل هذا الشك في حديث ابن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند أحمد، وجاء في أكثر الطرق بغير شك منها عن النعمان بن بشير عند أحمد، وعن مالك عند المسلم عن عائشة‏:‏ قال رجل يا رسول الله أي الناس خير‏؟‏ قال‏:‏ القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث‏.‏ ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه‏:‏ خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاَخرون أردا‏.‏ ورجاله ثقات إلا أن جعدة مختلف في صحبته انتهى ‏(‏يتسمنون‏)‏ أي يتكبرون بما ليس فيهم، ويدعون ما ليس لهم من الشرف‏.‏ وقيل أراد جمعهم الأموال وقيل يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ كنى به عن الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الدين، فإن الغالب على ذوي السمانة أن لا يهتموا بارتياض النفوس بل معظم همتهم تناول الحظوظ والتفرغ للدعة والنوم‏.‏ وفي شرح مسلم‏:‏ قالوا‏:‏ المذموم من السمن ما يستكسب وأما ما هو خلقة فلا يدخل في هذا انتهى ‏(‏ويحبون السمن‏)‏ بكسر السين وفتح الميم مصدر سمن بالكسر والضم سمانة بالفتح وسمنا كعنب فهو سامن وسمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ أصله في الصحيحين ‏(‏وأصحاب الأعمش‏)‏ يعني غير محمد بن فضيل ‏(‏إنما رووا عن الأعمش عن هلال بن يساف‏)‏ يعني بغير ذكر علي بن مدرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح من حديث محمد بن فضيل‏)‏ أي حديث وكيع عن الأعمش عن هلال بن يساف بغير ذكر علي بن مدرك أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف لأنه تفرد بذكره‏.‏ وقد روى غير واحد من أصحاب الأعمش مثل رواية وكيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبيان هذا في حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ أخرجه الترمذي في باب لزوم الجماعة من أبواب الفتن ‏(‏هو إذا استشهد الرجل على الشيء أن يؤدي شهادته ولا يمتنع من الشهادة هكذا وجه الحديث عند بعض أهل العلم‏)‏ ذكر النووي ثلاثة وجوه من التأويل في هذا الحديث كما عرفتها‏.‏ وذكر التأويل الثالث بقوله‏:‏ إنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لاقبله، كما يقال‏:‏ الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعاً عقب السؤال من غير توقف، انتهى‏.‏ وإلى هذا التأويل أشار الترمذي بقوله‏:‏ هو إذا استشهد الخ والله تعالى أعلم‏.‏