فصل: 35- كتاب الزهد عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


35- كتاب الزهد عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

هو ضد الرغبة قال القاموس‏:‏ زهد فيه كمنع وسمع وكرم زهداً وزهادة ضد الرغبة انتهى‏.‏ والمراد هنا ترك الرغبة في الدنيا على ما يقتضيه الكتاب والسنة‏.‏

1516- باب

2340- حَدّثنا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله وَ سُوَيدُ بنُ نَصْرٍ، قَالَ صَالِحٌ حدثنا، وَقَالَ سُوَيْدٌ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النّاسِ الصّحّةُ وَالْفَرَاغُ‏"‏‏.‏

2341- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ سَعِيدِ بنِ أَبي هنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَن ابن عَبّاسٍ عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

قال وفي البابِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ‏.‏ وقال هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، فرفعوه وَأوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ الله بنِ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ‏.‏

2342- حَدّثنا بِشْرُ بن هِلاَلٍ الصّوافُ البصري، حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن أَبي طَارِقٍ عن الْحَسَنِ عن أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ يَأْخُذُ عَنّي هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِن أو يُعَلّمُ مَنْ يعْمَلُ بِهِنّ‏؟‏‏"‏ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ فقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ الله‏.‏ فَأَخَذَ بِيَدِي فعَدّ خَمْساً وَقَالَ‏:‏ ‏"‏اتّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النّاسِ، وَارْضَ بِما قَسَمَ الله لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِناً، وَأَحِبّ لِلنّاسِ ما تُحِبّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِماً، وَلاَ تُكْثِرِ الضّحِكَ فَإِنّ كَثْرَةَ الضّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمانَ وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئاً، هَكَذَا رُوِيَ عنْ أَيّوبَ ويُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ وَعَلِيّ بنُ زَيْدٍ‏.‏ قالوا لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ وَرَوَى أَبُو عُبْيْدَةَ النّاجِيّ عَنْ الْحَسَنِ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعمتان‏)‏ مبتدأ ‏(‏مغبون فيهما كثيرون من الناس‏)‏ صفة له خبره ‏(‏الصحة والفراغ‏)‏ أي صحة البدن وفراغ الخاطر بحصول الأمن ووصول كفاية الأمنية‏.‏ والمعنى لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها، ولا ينفعهم الندم قال تعالى ‏{‏ذلك يوم التغابن‏}‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها وفي حاشية السيوطي رحمه الله قال العلماء‏:‏ معناه أن الإنسان لا يتفرغ للطاعة إلا إذا كان مكفياً صحيح البدن فقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، وقد يكون صحيحاً ولا يكون مستغنياً فلا يكون متفرغاً للعلم والعمل لشغله بالكسب، فمن حصل له الأمران وكسل عن الطاعة فهو المغبون أي الخاسر في التجارة مأخوذ من الغبن في البيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن بشار‏)‏ هو بندار ‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان أخرجه الإسماعيلي من هذا الطريق ثم قال‏:‏ قال بندار بما حدث به يحيى بن سعيد ولم يرفعه كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس بن مالك‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بشر بن هلال الصواف‏)‏ أبو محمد النميري بضم النون، ثقة من العاشرة ‏(‏عن أبي طارق‏)‏ السعدي البصري مجهول من السابعة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى الحسن عن أبي هريرة حديث‏:‏ من يأخذ عني هؤلاء الكلمات وعنه جعفر بن سليمان الضبعي انتهى‏.‏ وقال في الميزان‏:‏ لا يعرف ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات‏)‏ أي الأحكام الاَتية للسامع المصورة في ذهن المتكلم ومن للاستفهام ‏(‏فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن‏)‏ أو في الحديث بمعنى الواو كما في قوله تعالى ‏{‏عذراً أو نذراً‏}‏ ذكره الطيبي‏.‏ قال القاري وتبعه غيره‏:‏ والظاهر أن أو في الاَية للتنويع كما أشار إليه البيضاري بقوله عذر للمحققين أو نذر للمبطلين ويمكن أن تكون أو في الحديث بمعنى بل إشارة إلى الترقي من مرتبة الكمال إلى منصة التكميل على أن كونها للتنويع له وجه وجيه، وتنبيه نبيه على أن العاجز عن حمله قد يكون باعثاً لغيره على مثله كقوله فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه انتهى ‏(‏قلت أنا‏)‏ أي آخذ عنك وهذه مبايعة خاصة، ونظيره ما عهد بعض أصحابه بأنه لا يسأل مخلوقا‏.‏ وكان إذا وقع سوطه من يده وهو راكب نزل وأخذه من غير أن يستعين بأحد من أصحابه ‏(‏فأخذه بيدي‏)‏ أي لعد الكلمات الخمس أو لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ عند التعليم بيد من يعلمه ‏(‏فعد خمساً‏)‏ أي من الخصائل أو من الأصابع على ما هو المتعارف واحدة بعد واحدة ‏(‏وقال اتق المحارم‏)‏ أي احذر الوقوع فيما حرم الله عليك ‏(‏تكن أعبد الناس‏)‏ أي من أعبدهم لأنه يلزم نم ترك المحارم فعل الفرائض‏.‏ ‏(‏وارض بما قسم الله لك‏)‏ أي أعطاك ‏(‏تكن أغنى الناس‏)‏ فإن فرض قنع بما قسم له ولم يطمع فيما في أيدي الناس استغنى عنهم، ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغني غني النفس‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ سأل شخص السيد أبا الحسن الشاذلي رحمه الله عن الكيماء فقال‏:‏ هي كلمتان، اطرح الخلق عن نظرك‏.‏ واقطع طمعك عن الله أن يعطيك غير ما قسم لك ‏(‏وأحسن إلى جارك‏)‏ أي مجاورك بالقول والفعل ‏(‏تكن مؤمناً‏)‏ أي كامل الإيمان ‏(‏وأحب للناس ما تحب لنفسك‏)‏ من الخير ‏(‏تكن مسلماً‏)‏ أي كامل الإسلام ‏(‏ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب‏)‏ أي تصيره مغموراً في الظلمات، ومنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها مكروهاً، وذا من جوامع الكلم ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏ وقال المنذري بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ الحسن لم يسمع من أبي هريرة‏.‏ ورواه البزار والبيهقي بنحوه في كتاب الزهد عن مكحول من واثلة عنه وقد سمع مكحول من واثلة قاله الترمذي وغيره لكن بقية إسناده فيه ضعف‏.‏

1517- باب مَا جَاءَ فِي المبَادَرَةِ بِالْعَمَل

2343- حَدّثنا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مُحْرِزِ بنِ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ الرّحَمنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَلْ تُنْظَرُونَ إِلاّ إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ أَوْ هَرَمٍ مُفْنِدٍ أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ أَوْ الدّجّالِ فَشَرّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ أَوْ السّاعَةِ‏؟‏ فالسّاعةُ أَدْهَى وَأَمَرّ‏"‏‏.‏

قال هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حديثِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلاّ مِنْ حَديثِ مُحْرِزِ بنِ هَارُونَ، وقد رَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَمّنْ سَمِعَ سَعِيداً المَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محرز‏)‏ بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي ‏(‏بن هارون‏)‏ بن عبد الله التيمي‏.‏ قال في الخلاصة‏:‏ محرز بن هارون كذا ضبطه عبد الغني وابن أبي حاتم وذكره البخاري بمهملتين انتهى‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ محرر بن هارون بن عبد الله بن محرر بن الهدير التيمي ذكره البخاري في من اسمه محرر براءين‏.‏ وذكره ابن أبي حاتم وغيره في من اسمه محرز بالزاي‏.‏ روى عن الأعرج وغيره، وعنه أبو مصعب وغيره‏.‏ قال البخاري والنسائي‏:‏ منكر الحديث‏.‏ وقال ابن حبان يروي عن الأعرج ما ليس من حديثٌ لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به انتهى مختصراً‏.‏ وقال في التقريب محرر براءين وزن محمد على الصحيح متروك من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال بادروا بالأعمال سبعاً‏)‏ أي سابقوا وقوع الفتن بالاشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها ‏(‏هل تنظرون إلا إلى فقر منس‏)‏ وفي المشكاة ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغياً أو فقراً منسياً الخ قال القاري‏:‏ خرج مخرج التوبيخ على تقصير المكلفين في أمر دينهم، أي متى تعبدون ربكم فإنكم إن لم تعبدوه مع قلة الشواغل وقوة البدن فكيف تعبدون مع كثرة الشواغل وضعف القوى‏؟‏ لعل أحدكم ما ينتظر إلا غنى مطغياً انتهى‏.‏ وقوله منس من باب الأفعال، ويجوز أن يكون من باب التفعيل، ولكن الأول أولى لمشاكلة الأولى، أي جاعل صاحبه مدهوشاً ينسيه الطاعة من الجوع والعري، والتردد في طلب القوت ‏(‏أو غنى مطغ‏)‏ أي موقع في الطغيان ‏(‏أو مرض مفسد‏)‏ أي للبدن لشدته أو للدين لأجل الكسل الحاصل به ‏(‏أو هرم مفند‏)‏ أي موقع في الكلام المحرف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ الفند بالتحريك الخزف وإنكار العقل الهرم أو مرض، والخطأ في القول والرأي‏.‏ والكذب كالإفناد، وفنده تفنيداً كذبه وعجزه، وخطأ رأيه كأفنده‏.‏ ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا ‏(‏أو موت مجهز‏)‏ بجيم وزاي من الإجهاز، أي قاتل بغتة من غير أن يقدر على توبة ووصية‏.‏ ففي النهاية‏:‏ المجهز هو السريع، يقال أجهز على الجريح إذا أسرع قتله، أو الدجال أي خروجه فشر غائب ينتظر بصيغة المجهول، أو الساعة أي القيامة ‏(‏فالساعة أدهى‏)‏ أي أشد الدواهي وأقطعها وأصعبها ‏(‏وأمر‏)‏ أي أكثر مرارة من جميع ما يكابده الإنسان في الدنيا من الشدائد لمن غفل عن أمرها، ولم يعد لها قبل حلولها‏.‏ والقصد الحث على البدار بالعمل الصالح قبل حلول شيء من ذلك، وأخذ منه ندب تعجيل الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب حسن‏)‏ وأخرجه النسائي والحاكم وصححه قال المناوي وأقروه انتهى قلت في سند الترمذي‏:‏ محرز بن هارون وقد عرفت حاله‏.‏

1518- باب مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ المَوْت

2344- حَدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْرٍو، وعنْ أَبي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ الّلذّاتِ‏"‏ يَعْنِي المَوْت‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عنْ أَبِي سَعِيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أكثروا ذكر هاذم اللذات‏)‏ بالذال المعجمة‏:‏ أي قاطعها‏.‏ قال ميرك صحح الطيبي بالدال المهملة حيث قال شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة، ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهادم لئلا يستمر على الركون إليها، ويشتغل عما يجب عليه من الفرار إلى دار القرار انتهى كلامه‏.‏ لكن قال الإسنوي في المهمات‏:‏ الهاذم بالذال المعجمة هو القاطع كما قاله الجوهري وهو المراد هنا، وقد صرح السهيلي في الروض الأنف بأن الرواية بالذال المعجمة، ذكر ذلك في غزوة أحد في الكلام على قتل وحشي لحمزة‏.‏ وقال الشيخ الجزري‏:‏ هادم يروى بالدال المهملة أي دافعها أو مخربها، وبالمعجمة أي قاطعها‏.‏ واختاره بعض من مشائخنا وهو الذي لم يصحح الخطابي غيره وجعل الأول من غلط الرواة كذا في المرقاة ‏(‏يعني الموت‏)‏ تفسير من الراوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب حسن‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجة وأخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه وزاد‏:‏ فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه كذا في الترغيب للمنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ وأخرجه الترمذي في أبواب صفة القيامة، وفي الباب أيضاً عن ابن عمر مرفوعاً‏:‏ أكثروا ذكر هاذم اللذات‏.‏ يعني الموت فإنه ما كان في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا جزله‏.‏ رواه الطبراني بإسناد حسن وفي الباب أيضاً عن أنس رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي‏.‏

1519- باب

2345- حَدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا يَحْيَى بنُ مَعِينٍ، أخبرنا هِشَامُ بنُ يُوسفَ، حدثني عَبْدُ الله بنُ بجيرٍ أَنّهُ سَمِعَ هَانِئاً مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتّى يَبُلّ لِحْيتَهُ، فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنّةُ وَالنّارُ فَلاَ تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إِنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إِنّ الْقَبْرَ أَوّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الاَخِرَةِ فإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدّ مِنْهُ‏"‏ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً قَطّ إِلاّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ‏"‏‏.‏

قال هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بنِ يُوسُفَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن معين‏)‏ بن عون الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل من العاشرة ‏(‏حدثنا هشام بن يوسف‏)‏ الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي ثقة من التاسعة ‏(‏حدثنا عبد الله بن بجير‏)‏ بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة بن ريسان بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مهملة، أبو وائل القاص الصنعاني وثقه ابن معين واضطرب فيه كلام ابن حبان ‏(‏أنه سمع هانئاً مولى عثمان‏)‏ كنيته أبو سعيد البربري الدمشقي، روى عن مولاه وغيره وعنه أبو وائل عبد الله بن بحير وغيره‏.‏ قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بكى حتى يبل‏)‏ بضم الموحدة أي بكاؤه يعني دموعه ‏(‏لحيته‏)‏ أي يجعلها مبلولة من الدموع ‏(‏فلا تبكي‏)‏ أي من خوف النار واشتياق الجنة ‏(‏وتبكي من هذا‏)‏ أي من القبر يعني من أجل خوفه‏؟‏ قيل إنما كان يبكي عثمان رضي الله عنه وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة، أما الاحتمال أنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر، بل ولا عدم عذاب النار مطلقاً مع احتمال أن يكون التبشير مقيداً بقيد معلوم أو مبهم، ويمكن أن ينسى البشارة حينئذ لشدة الفظاعة، ويمكن أن يكون خوفاً من ضغطة القبر كما يدل حديث سعد رضي الله عنه على أنه لم يخلص منه كل سعيد إلا الأنبياء ذكره القاري ‏(‏أن القبر أول منزل من منازل الاَخرة‏)‏ ومنها عرضة القيامة عند العرض، ومنها الوقوف عند الميزان، ومنها المرور على الصراط، ومنها الجنة أو النار في بعض الروايات، وآخر منزل من منازل الدنيا ولذا يسمى البرزخ ‏(‏فإن نجا‏)‏ أي خلص المقبور ‏(‏منه‏)‏ أي من عذاب القبر ‏(‏فما بعده‏)‏ أي من المنازل ‏(‏أيسر منه‏)‏ أي أسهل لأنه لو كان عليه ذنب لكفر بعذاب القبر ‏(‏وإن لم ينج منه‏)‏ أي لم يتخلص من عذاب القبر ولم يكفر ذنوبه به وبقي عليه شيء مما يستحق العذاب به ‏(‏فما بعده أشد منه‏)‏ لأن النار أشد العذاب والقبر حفرة من حفر النيران ‏(‏قال‏)‏ أي عثمان ‏(‏ما رأيت منظراً‏)‏ بفتح الميم والظاء أي موضعاً ينظر إليه وعبر عن الموضع بالمنظر مبالغة لأنه إذا نفي الشيء مع لازمه ينتفي بالطريق البرهاني ‏(‏قط‏)‏ بفتح القاف وتشديد المضمومة‏:‏ أي أبداً وهو لا يستعمل إلا في الماضي ‏(‏إلا القبر أفظع منه‏)‏ من فظع الأمر ككرم اشتدت شناعته وجاوز المقدار في ذلك، يعني أشد وأفظع وأنكر من ذلك المنظر‏.‏ قيل المستثنى جملة حالية من منظر وهو موصوف حذفت صفته، أي ما رأيت منظراً فظيعاً على حالة من أحوال الفظاعة، إلا في حالة كون القبر أقبح منه، فالاستثناء مفرغ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ قال المنذري وزاد رزين فيه مما لم أره في شيء من نسخ الترمذي قال هانئ‏.‏ وسمعت عثمان ينشد على قبر‏:‏

فإن تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخا لك ناجيا

انتهى‏.‏ والحديث أخرجه أيضاً ابن ماجة والحاكم وصححه واعترض قاله المناوي‏.‏

1520- باب مَنْ أَحَب لقَاءَ الله أَحَبّ الله لِقَاءَه

2346- حَدّثنا مَحْمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَنَساً يُحَدّثُ عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ، عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَحَبّ لِقَاءَ الله أَحَبّ الله لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ الله لِقَاءَهُ‏"‏‏.‏ قال وفي البابِ عن أبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَنَسٍ، قال حدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحدث عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من أحب لقاء الله الخ‏)‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه من أبواب الجنائز‏.‏

1521- بَابُ مَا جَاءَ في إِنْذَارِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَوْمَه

2347- حَدّثنا أبُو الأشْعَثِ أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العجلي، حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ الطّفَاوِيّ، حدثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيةُ ‏{‏وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقَربينَ‏}‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَا صَفِيّةُ بِنْتَ عَبْدِ المُطّلِبِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمّدٍ، يَا بَنِي عَبْدِ المُطّلِبِ‏:‏ إِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئاً سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبِي مُوسَى، قال‏:‏ حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثُ حَسَنٌ غريبٌ هكذا روى بعضهم عن هشام بن عروة نحوه‏.‏ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام‏)‏ العجلي بصري، صدوق صاحب حديث، طعن أبو داود في مروته من العاشرة، روى عنه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ وكان يعلم المجان المجون فأنا لا أحدث عنه‏.‏ قال ابن عدي‏:‏ وهذا لا يؤثر فيه لأنه من أهل الصدق كذا في التقريب وتهذيب التهذيب‏.‏ وقال في ميزان الاعتدال‏:‏ كان بالبصرة مجان يلقون صرة الدراهم ويرقبونها، فإذا جاء من لحظها فرفعها صاحوا به وخجلوه، فعلمهم أبو الأشعث أن يتخذوا صرة فيها زجاج فإذا أخذوا صرة الدراهم فصاح صاحبها وضعوا بدلها في الحال صرة الزجاج انتهى‏.‏ قال في القاموس‏:‏ مجن مجوناً صلب وغلظ، ومنه الماجن لمن لا يبالي قولا وفعلا كأنه صلب الوجه وقد مجن مجوناً ومجانة ومجناً بالضم انتهى‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ مجن مجون بيباكي مجن يمجن مجانة كذلك فهو ماجن وهم مجان بالضم والتشديد انتهى‏.‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي‏)‏ أبو المنذر البصري صدوق يهم من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا صفية‏)‏ بالرفع ‏(‏بنت عبد المطلب‏)‏ وبالنصب وكذا قوله يا فاطمة بنت محمد، وصفية هذه هي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا أملك لكم من الله‏)‏ أي من عذابه ‏(‏شيئاً‏)‏ أي من الملك والقدرة والدفع والمنفعة، والمعنى أني لا أقدر أن أدفع عنكم من عذاب الله شيئاً إن أراد الله أن يعذبكم وهو مقتبس من قوله سبحانه ‏{‏قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً‏}‏ بل قال الله تعالى ‏{‏قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله‏}‏ ‏(‏سلوني من مالي ما شئتم‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ أرى أنه ليس من المال المعروف في شيء وإنما عبر به عما يملكه من الأمر وينفذ تصرفه فيه ولم يثبت عندنا أنه كان ذا مال لا سيما بمكة‏.‏ ويحتمل أن الكلمتين أعني من وما وقع الفصل فيهما من بعض من لم يحققه من الرواة فكتبهما منفصلتين انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ وفيه أنه يرده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ووجدك عائلا فأغنى‏}‏ أي بمال خديجة رضي الله عنها على ما قاله المفسرون‏.‏ وأيضاً لم يلزم من عدم وجود المال الحاضر للجواد أن لا يدخل في يده شيء من المال في الاستقبال، فيحمل الوعد المذكور على تلك الحال، ومهما أمكن الجمع لتصحيح الدراية تعين عدم التخطئة في الرواية انتهى‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ واستدل بعض المالكية بقوله‏:‏ يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغنى عنك من الله أن النيابة لا تدخل في أعمال البر، إذ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلصها، فإذا كان عمله لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع‏.‏ وتعقب بأن هذا كان قبل أن يعلمه الله تعالى بأنه يشفع فيمن أراد وتقبل شفاعته حتى يدخل قوماً الجنة بغير حساب ويرفع درجات قوم آخرين، ويخرج من النار من دخلها بذنوبه، أو كان المقام مقام التخويف والتحذير، أو أنه أراد المبالغة في الحض على العمل، ويكون في قوله لا أغنى شيئاً إضمار إلا إن أذن الله لي بالشفاعة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وأبي موسى‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في التفسير، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان، وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في التفسير‏.‏

اعلم أن هذه القصة إن كانت واقعة في صدر الإسلام بمكة فلم يدركها ابن عباس لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ولا أبو هريرة لأنه إنما أسلم بالمدينة، وفي نداء فاطمة يومئذ أيضاً ما يقتضي تأخر القصة لأنها كانت حينئذ صغيرة أو مراهقة، والذي يظهر أن ذلك وقع مرتين مرة في صدر الإسلام ورواية ابن عباس وأبي هريرة لها من مرسل الصحابة ويؤيد ذلك ما وقع في حديث ابن عباس من أن أبا لهب كان حاضراً لذلك وهو مات في أيام بدر، ومرة بعد ذلك حيث يمكن أن تدعى فيها فاطمة عليها السلام أو يحضر ذلك أبو هريرة أو إبن عباس، كذا قال الحافظ في باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية‏.‏ وقال في باب قوله‏:‏ ‏(‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏)‏ من كتاب التفسير تحت حديث ابن عباس ما لفظه‏:‏ وقع عند الطبراني من حديث أبي أمامة قال لما نزلت ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم ونساءه وأهله فقال‏:‏ يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم، يا عائشة بنت أبي بكر، يا حفصة بنت عمر، يا أم سلمة، فذكر حديثاً طويلاً‏.‏ فهذا إن ثبت دل على تعدد القصة لأن القصة الأولى وقعت بمكة بتصريحه في حديث الباب يعني حديث ابن عباس أنه صعد الصفا ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة عنده ومن أزواجه إلا بالمدينة، فيجوز أن تكون متأخرة عن الأولى فيمكن أن يحضرها أبو هريرة وابن عباس أيضاً، ويحمل قوله لما نزلت جمع أي بعد ذلك لأن الجمع وقع على الفور، ولعله كان نزل أولا ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ فجمع قريشاً فعمّ ثم خص، ثم نزل ثانياً ورهطك منهم المخلصين، فخص بذلك بني هاشم ونساءه والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن‏)‏ وأخرجه الترمذي في التفسير وصححه‏.‏

1522- باب مَا جَاءَ في فَضْلِ البُكاءِ مِنْ خَشْيَةِ الله تعالى

2348- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ عَبْدِ الله المَسْعُودِيّ، عن مُحَمّدِ بنِ عَبْدِ الرّحمنِ، عنْ عيسَى بنِ طَلْحَةَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسوُلُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَلِجُ النّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله حَتّى يَعُودَ الّلبَنُ في الضّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبيلِ الله وَدُخَانُ جَهَنّمَ‏"‏‏.‏‏.‏ قال وفي البابِ عنْ أَبِي رَيْحَانَةَ وَابنِ عَبّاسٍ‏.‏ قال هذا حديثٌ حسن صحيحٌ‏.‏ وَمُحَمدُ بنُ عَبْدِ الرّحمنِ هُوَ مَوْلَى آله طَلْحَةَ وهو مدني ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثّوْرِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن عبد الله‏)‏ بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي صدوق اختلط قبل موته، وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط من السابعة كذا في التقريب‏.‏‏.‏‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال أبو النضر هاشم بن القاسم إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي، كنا عنده وهو يعزى في ابن له إذ جاءه إنسان فقال غلامك أخذ من مالك عشرة آلاف وهرب، ففزغ وقام فدخل في منزله ثم خرج إلينا وقد اختلط انتهى‏.‏ ‏(‏عن محمد بن عبد الرحمن‏)‏ بن عبيد القرشي مولى آل طلحة، كوفي ثقة من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يلج‏)‏ من الولوج أي لا يدخل ‏(‏رجل بكى من خشية الله‏)‏ فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية ‏(‏حتى يعود اللبن في الضرع‏)‏ هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى ‏{‏حتى يلج الجمل في سم الخياط‏}‏ ‏(‏ولا يجتمع غبار في سبيل الله‏)‏ أي في الجهاد ‏(‏ودخان جهنم‏)‏ فكأنهما ضدان لا يجتمعان، وقد تقدم هذا الحديث في باب فضل الغبار في سبيل الله من أبواب فضائل الجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي ريحانة وابن عباس‏)‏‏.‏ أما حديث أبي ريحانة فأخرجه أحمد عنه مرفوعاً‏:‏ حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله، وذكر عيناً ثالثة، وأخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد، كذا في الترغيب‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب فضل الحرس في سبيل الله من أبواب فضائل الجهاد‏.‏

1523- باب في قَوْلِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً‏"‏

2349- حَدّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ، حدثنا إِسْرَائِيل، عن إِبْرَاهِيمَ بنِ المُهَاجِرٍ، عنْ مُجَاهِدٍ عن مُوَرّقٍ، عن أَبي ذَرّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ، أَطّتْ السّمَاءُ وَحُقّ لَهَا أَنْ تَئِطّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعٍ إِلاّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً لله‏.‏ وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا تَلَذّذْتُمْ بالنّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى الله لَوَدِدْتُ أَنّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وابنِ عَباسٍ وَأَنَسٍ‏.‏

قال هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ‏.‏ وَيُرْوَى مِنْ غيْرِ هَذَا الوَجْهِ أَنّ أَبَا ذَرّ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَوَ دِدْتُ أَنّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ وَيُرْوَى عن أَبِي ذَرٍ مَوْقُوفاً‏.‏

2350- حدّثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرِو بنُ عَلِيّ الفلاس، حدثنا عبدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ عن مُحَمدِ بنِ عَمْرٍو، عن أبي سلَمَةَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً‏"‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مورق‏)‏ بضم الميم وتشديد الراء المكسورة ابن مشمرج‏.‏ قال في التقريب‏:‏ بضم أوله وفتح المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم‏:‏ ابن عبد الله العجلي البصري، ثقة عابد، من كبار الثالثة‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ مشمرج بفتح الراء كمدحرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني أرى مالا ترون‏)‏ أي أبصر مالا تبصرون بقرينة قوله وأسمع مالا تسمعون ‏(‏أطت السماء‏)‏ بتشديد الطاء من الأطيط، وهو صوت الأقتاب، وأطيط الإبل أصواتها وحنينها على ما في النهاية أي صوتت ‏(‏وحق‏)‏ بصيغة المجهول أي ويستحق وينبغي ‏(‏لها أن تئط‏)‏ أي تصوت ‏(‏ما فيها‏)‏ أي ليس في السماء جنسها ‏(‏موضع أربع أصابع‏)‏ بالرفع على أنه فاعل الظرف المعتمد على حرف ‏(‏إلا وملك‏)‏ أي فيه ملك ‏(‏واضع جبهته لله ساجداً‏)‏ قال القاري‏:‏ أي منقاداً ليشمل ما قيل أن بعضهم قيام وبعضهم ركوع وبعضهم سجود، كما قال تعالى حكاية عنهم ‏{‏وما منا إلا له مقام معلوم‏}‏ أو خصه باعتبار الغالب منهم، أو هذا مختص بإحدى السماوات‏.‏ قال ثم اعلم أن أربعة بغير هاء في جامع الترمذي وابن ماجة ومع الهاء في شرح السنة وبعض نسخ المصابيح وسببه أن الإصبع يذكر ويؤنث قال الطيبي رحمه الله‏:‏ أي أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثمة أطيط وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ ما المحوج عن عدول كلامه صلى الله عليه وسلم من الحقيقة إلى المجاز مع إمكانه عقلا ونقلا حيث صرح بقوله‏:‏ وأسمع مالا تسمعون مع أنه يحتمل أن يكون أطيط السماء صوتها بالتسبيح والتحميد والتقديس لقوله سبحانه ‏{‏وإن من شيء إلا يسبح بحمده‏}‏ ‏(‏على الفرش‏)‏ بضمتين جمع فراش ‏(‏لخرجتم‏)‏ أي من منازلكم ‏(‏إلى الصعدات‏)‏ بضمتين أي الطرق وهي جمع صعد وصعد جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات وقيل هي جمع صعدة كظلمة وهي فناء باب الدار وممر الناس بين يديه، كذا في النهاية‏.‏ وقيل المراد بالصعدات هنا البراري والصحاري ‏(‏تجأرون إلى الله‏)‏ أي تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء ‏(‏لوددت أني كنت شجرة تعضد‏)‏ بصيغة المجهول أي تقطع وتستأصل، وهذا قول أبي ذر رضي الله عنه كما ستعرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وأنس‏)‏ أما حديث عائشة وحديث ابن عباس فلينظر من أخرجهما، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث أنس فأخرجه البخاري في تفسير سورة المائدة وفي الرقاق وفي الاعتصام، ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، والترمذي في التفسير، والنسائي في الرقائق، وابن ماجة في الزهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال لوددت الخ‏)‏ رواه أحمد في مسنده وفيه‏:‏ تجأرون إلى الله، قال فقال أبو ذر‏:‏ والله لوددت أني شجرة تعضد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو تعلمون ما أعلم‏)‏ أي من عقاب الله للعصاة وشدة المناقشة يوم الحساب لضحكتم جواب لو ‏(‏ولبكيتم كثيراً‏)‏ أي بكاء كثيراً أو زماناً كثيراً أي من خشية الله ترجيحاً للخوف على الرجاء، وخوفاً من سوء الخاتمة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزاع والموت وفي القبر ويوم القيامة، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف، وقد جاء لهذا الحديث سبب أخرجه سنيد في تفسيره بسند واه، والطبراني عن ابن عمر‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون فقال‏:‏ والذي نفسي بيده، فذكر هذا الحديث‏.‏ وعن حسن البصري‏:‏ من علم أن الموت مورده، والقيامة موعده، والوقوف بين يدي الله مشهده، فحقه أن يطول في الدنيا حزنه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي‏.‏

1524- باب ما جاءَ مَنْ تَكَلّمَ بالْكلمَةِ يُضْحِكَ بها النّاس

2351- حَدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا ابنُ أبِي عَدِيّ، عن محمّدِ بنِ إِسْحَاقَ، حدثني محمّدُ بنُ إِبراهيمَ عن عِيسَى بنِ طَلْحَةَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الرّجُلَ لَيَتَكَلّمُ بالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْساً يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً في النّارِ‏"‏‏.‏

قال هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ‏.‏

2352- حدّثنا محمد بن بشار، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، حدثني أَبِي عن جَدّي قال‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ وَيْلٌ لِلّذِي يُحَدّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الرجل‏)‏ يعني الإنسان ‏(‏بالكلمة‏)‏ أي الواحدة ‏(‏لا يرى بهما بأساً‏)‏ أي سوءاً، يعني لا يظن أنها ذنب يؤاخذ به ‏(‏يهوي بها‏)‏ أي يسقط بسبب تلك الكلمة يقال هوى يهوي كرمى يرمي هوياً بالفتح سقط إلى أسفل، كذا في مختار الصحاح ‏(‏سبعين خريفاً في النار‏)‏ لما فيها من الأوزار التي غفل عنها، والمراد أنه يكون دائماً في صعود وهوي، فالسبعين للتكثير لا للتحديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويل‏)‏ أي هلاك عظيم أو واد عميق ‏(‏ليضحك‏)‏ بضم أوله وكسر الحاء من الإضحاك ‏(‏به‏)‏ أي بسبب تحديثه أو الكذب ‏(‏القوم‏)‏ بالنصب على أنه مفعول ثان ويجوز فتح الياء والحاء ورفع القوم ثم المفهوم منه أنه إذا حدث بحديث صدق ليضحك القوم فلا بأس به كما صدر مثل ذلك من عمر رضي الله تعالى عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم حين غضب على بعض أمهات المؤمنين‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وحينئذ ينبغي أن يكون من قبيل مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون إلا حقاً ولا يؤذي قلباً ولا يفرط فيه‏.‏ فإن كنت أيها السامع تقتصر عليه أحياناً وعلى الندور فلا حرج عليك‏.‏ ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة، ويواظب عليه ويفرط فيه ثم يتمسك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كمن يدور مع الزنوج أبداً لينظر إلى رقصهم، ويتمسك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضي الله عنها في النظر إليهم وهم يلعبون ‏(‏ويل له ويل له‏)‏ كرّره إيذاناً بشدة هلكته، وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم وجماع كل شر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه النجار ومسلم والنسائي عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن العبد ليتكلم ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب‏.‏ ولأبي هريرة حديث آخر عند البيهقي ذكره صاحب المشكاة في باب حفظ اللسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والحاكم والدارمي‏.‏

1525- باب

2353- حَدّثنا سُلَيْمانُ بنُ عبدِ الْجَبّارِ الْبَغْدَادِيّ، أخبرنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، حدثنا أَبِي عن الأعْمَشِ عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ قال‏:‏ تُوُفّي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فقالَ- يَعْني رَجُلٌ‏:‏ أَبْشِرْ بالْجَنّةِ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَوَ لاَ تَدْرِي فَلَعَلّهُ تَكَلّمَ فِيمَا لا يعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بِمَا لا يَنْقُصُهُ‏"‏‏.‏

قال هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

2354- حدّثنا أحمَدُ بنُ نَصْر النّيْسَابُورِيّ وَغَيرُ وَاحِدٍ قالوا حدثنا أبو مُسْهِرٍ عن إسماعِيلَ بنِ عبدِ الله بنِ سَمَاعَةَ، عن الأوْزَاعيّ، عن قُرّةَ، عن الزّهْرِيّ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، لا نَعْرِفُه من حديثِ أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ من هذا الوَجْهِ‏.‏

2355- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عن الزّهْرِيّ، عن عَلِيّ بنِ حُسَيْنِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكَهُ مَالاَ يَعْنِيهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الزّهْرِيّ عن الزّهْرِيّ، عن عَلِيّ بنِ حُسَيْنِ، عن النبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي‏)‏ الخياط أبو أيوب صدوق ابن الحادية عشرة ‏(‏حدثنا عمر بن حفص بن غياث‏)‏ بكسر المعجمة وآخره مثلثة من طلق الكوفي ثقة، ربما وهم من العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏توفي رجل من أصحابه‏)‏ أي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي المشكاة من الصحابة ‏(‏فقال يعني رجلا‏)‏ وفي بعض النسخ رجل، أي قال رجل للرجل المتوفي ‏(‏أبشر بالجنة‏)‏ من باب الإفعال أي افرح بها قال الله تعالى ‏{‏وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون‏}‏ ويجوز أن يكون من باب علم أو ضرب‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أبشر فرح ومنه أبشر بخير وبشرت به كعلم وضرب سردت ‏(‏أو لا تدري‏)‏ بفتح الواو على أنها عاطفة على محذوف أي تبشر ولا تدري أو تقول أو على أنها للحال أي والحال أنك لا تدري ‏(‏فلعله تكلم فيما لا يعنيه‏)‏ أي ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه ‏(‏أو بخل بمالا ينقصه‏)‏ الضمير المنصوب للرجل والمرفوع لما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال في المرقاة‏:‏ ورجاله رجال الصحيحين إلا سليمان بن عبد الجبار البغدادي شيخ الترمذي وقد ذكره ابن حبان في الثقات كذا في التصحيح انتهى‏.‏ وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ رواته ثقات وروى ابن أبي الدنيا وأبو يعلى عن أنس أيضاً قال‏:‏ استشهد رجل منا يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت‏:‏ هنيئاً لك يا بني الجنة‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، ويمنع ما لا يضره وروى أبو يعلي أيضاً والبيهقي عن أبي هريرة قال‏:‏ قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً فبكت عليه باكية فقالت‏:‏ واشهيداه‏.‏ قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما يدريك أنه شهيد‏؟‏ لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، أو يبخل فيما لا ينقصه، انتهى‏.‏

قلت رجال حديث الباب ثقات كما قال المنذري، لكن الأعمش ليس له سماع من أنس‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة الأعمش‏:‏ روى عن أنس ولم يثبت له منه سماع، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحمد بن نصر النيسابوري‏)‏ الزاهد المقري أبو عبد الله بن أبي جعفر ثقة فقيه حافظ من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا أبو مسهر‏)‏ اسمه عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي، ثقة فاضل من كبار العاشرة ‏(‏عن إسماعيل بن عبد الله بن سماعة‏)‏ العدوي مولى آل عمر الرملي، وقد ينسب إلى جده، ثقة، قديم الموت من الثامنة ‏(‏عن قرة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن بن حيوئيل وزن جبرئيل المعافري البصري، يقال اسمه يحيى، صدوق له مناكير من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من حسن إسلام المرء‏)‏ أي من جملة محاسن إسلام الإنسان وكمال إيمانه ‏(‏تركه ما لا يعنيه‏)‏ قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث ما لفظه‏:‏ معنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصاره على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أنه يتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال عناه يعنيه‏:‏ إذا اهتم به وطلبه، وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمل إسلامه انتهى مختصراً‏.‏ قال القاري في معنى تركه ما لا يعنيه‏:‏ أي ما لا يهمه ولا يليق به قولا وفعلا، ونظراً وفكراً وقال‏:‏ وحقيقة ما لا يعنيه مالا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشه بدونه ممكناً‏.‏ وهو في استقامة حاله بغيره متمكناً، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وحد ما يعنيك أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مال‏.‏ ومثاله أن تجلس مع قوم فتحكي معهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار، وما وقع لك من الوقائع، وما استحسنته من الأطعمة والثياب، وما تعجبت منه من مشائخ البلاد ووقائعهم، فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تتضرر، وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة، ولا اغتياب لشخص، ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى، فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك، ومحاسب على عمل لسانك، إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، لأنك لو صرفت زمان الكلام في الذكر والفكر، ربما ينفتح لك من نفحات رحمة الله تعالى ما يعظم جدواه، ولو سبحت الله بنى لك بها قصر في الجنة‏.‏ وهذا على فرض السلامة من الوقوع في كلام المعصية، وأن لا تسلم من الاَفات التي ذكرناها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان‏.‏ وقال ابن رجب‏:‏ هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏.‏ وقال الترمذي غريب‏.‏ وقد حسنه الشيخ المصنف يعني الإمام النووي لأن رجال إسناده ثقات، وقرة بن عبد الرحمن بن جبريل وثقه قوم وضعفه آخرون‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات، وهذا موافق لتحسين الشيخ له‏.‏ وأما أكثر الأئمة فقالوا‏:‏ ليس هو بمحفوظ بهذا الإسناد، إنما هو محفوظ عن الزهري عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا‏.‏ كذلك رواه الثقات عن الزهري منهم مالك في الموطإ ويونس ومعمر وإبراهيم بن سعد إلا أنه قال‏:‏ من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه‏.‏ وممن قال إنه لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا، الإمام أحمد ويحيى بن معين والبخاري فالدارقطني‏.‏ وقد خلط الضعف في إسناده على الزهري تخليطاً فاحشاً والصحيح فيه المرسل‏.‏ ورواه عبد الله بن عمر العمري عن علي بن حسين عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله، وجعله من مسند الحسين بن علي‏.‏ وأخرجه الإمام أحمد في مسنده من هذا الوجه والعمري ليس بالحافظ‏.‏ وأخرجه أيضاً من وجه آخر عن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم وضعفه البخاري في تاريخه من هذا الوجه أيضاً وقال‏:‏ لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا‏.‏ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر وكلها ضعيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن الحسين‏)‏ بن علي بن أبي طالب زين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور، قال ابن عيينة عن الزهري‏:‏ ما رأيت قرشياً أفضل منه، من الثالثة‏.‏

1526- باب في قِلّةِ الْكلاَم

2356- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا عَبْدَةُ عن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو، وحدثني أَبِي عن جَدّي قالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ بِلاَلَ بنَ الْحَارِثِ المُزَنِيّ صَاحِبَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ‏:‏ إِنّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلّمُ بِالكَلِمَةِ مِن رِضْوَانِ الله ما يَظُنّ أَنْ تَبْلُغَ ما بَلَغَتْ فَيَكْتُبَ الله لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله مَا يَظُنّ أَنّ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبَ الله عَلَيْهِ بهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ‏"‏‏.‏ قال وفي البابِ عن أُمّ حَبِيبَةَ‏.‏ قال هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهَكَذَا رواه غَيْرُ وَاحِدٍ عن مُحمدِ بنِ عَمْرٍو نَحْوَ هَذَا، قَالُوا عن مُحمدِ بنِ عَمْرٍو عن أَبِيهِ عن جَدّهِ عن بِلاَلِ بنِ الْحَارِثِ‏.‏ وَرَوَى هذا الحديث مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن مُحمدِ بنِ عَمْرٍو عن أَبِيهِ عن بِلاَلِ بنِ الْحَارِثِ وَلَمْ يَذْكُرْ فيه عن جَدّهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان ‏(‏حدثني أبي‏)‏ هو عمرو بن علقمة ابن وقاص الليثي المدني، مقبول من السادسة ‏(‏عن جدي‏)‏ هو علقمة بن وقاص بتشديد القاف الليثي المدني، ثقة ثبت من الثانية، أخطأ من زعم أن له صحبة وقيل إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات في خلافة عبد الملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليتكلم بالكلمة من رضوان الله‏)‏ بكسر الراء أي مما يرضيه ويحبه ‏(‏ما يظن أن تبلغ‏)‏ أي لا يعلم أن تبلغ تلك الكلمة ‏(‏ما بلغت‏)‏ من رضا الله بها عنه والجملة حال‏.‏ وفي المشكاة‏:‏ أن الرجل ليتكلم بالكلمة من الخير ما يعلم مبلغها‏.‏ قال القاري أي قدر تلك الكلمة ومرتبتها ‏(‏فيكتب الله له‏)‏ أي لأحدكم المتكلم بالكلمة المذكورة ‏(‏بها‏)‏ أي بتلك الكلمة ‏(‏رضوانه‏)‏ أي رضاه ‏(‏إلى يوم يلقاه‏)‏‏.‏ وفي الجامع الصغير إلى يوم القيامة ‏(‏فيكتب الله عليه بها سخطه‏)‏ أي غضبه‏.‏ قال ابن عيينة‏:‏ هي الكلمة عند السلطان فالأولى ليرده بها عن ظلم، والثانية ليجره بها إلى ظلم‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم خلافاً في تفسيرها بذلك نقله السيوطي‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فإن قلت ما معنى قوله يكتب الله له بها رضوانه ‏(‏وما فائدة التوقيت إلى يوم يلقاه‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ معنى كتبه رضوان الله توفيقه لما يرضي الله تعالى من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات ليعيش في الدنيا حميداً، وفي البرزخ يصان من عذاب القبر ويفسح له قبره، ويقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، ويحشر يوم القيامة سعيداً ويظله الله تعالى في ظله، ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم، ثم يفوز بلقاء الله ما كل ذلك دونه وفي عكسه قوله يكتب الله عليه بها سخطه، ونظيره قوله تعالى لإبليس‏:‏ ‏{‏إن عليك لعنتي إلى يوم الدين‏}‏ كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم حبيبة‏)‏ أخرجه الترمذي في باب حفظ اللسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجة والبغوي في شرح السنة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد‏.‏ قال في تهذيب التهذيب في ترجمة عمرو بن علقمة‏:‏ روى عن أبيه عن بلال بن الحارث حديث‏:‏ إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث، وعنه ابنه محمد ذكره ابن حبان في الثقات أخرجوا له الحديث المذكور صححه الترمذي‏.‏ قلت‏:‏ وكذا صححه ابن حبان وصحح له ابن خزيمة حديثاً آخر من روايته عن أبيه أيضاً انتهى‏.‏

1527- باب ما جَاءَ في هَوَانِ الدّنْيَا عَلَى الله عز وجل

2357- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنُ سُلَيْمَانَ، عن أبي حَازِمٍ عن سهلِ بنِ سَعْدٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ كَانَتْ الدّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏

2358- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن مُجَالِدٍ، عن قَيْسِ بنِ أَبي حَازِمٍ، عن المُسْتَورِدِ بنِ شَدّادٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ مَعَ الرّكْبِ الذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السّخْلَةِ المَيّتَةِ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا‏؟‏ قَالُوا مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ‏:‏ فالدّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا‏"‏ ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن جَابِرٍ وَابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ المُسْتَورِدِ حدِيثٌ حَسَنٌ‏.‏

2359- حَدّثنا مُحمدُ بنُ حَاتِمٍ المكتّب، أخبرنا عَلِيّ بنُ ثَابِتٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ، قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءَ بنَ قُرّة، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ ضَمْرَةَ، قالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ألاَ إِنّ الدّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاّ ذِكْرُ الله وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمٌ أَو مُتَعَلّمٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ‏.‏

2360- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حَدّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا إِسماعيلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ أخبرني قَيْسُ بنُ أَبي حَازِمٍ، قالَ سَمِعْتُ مُسْتَوْرِداً أَخَا بَنِي فِهْرٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا الدّنْيَا فِي الاَخِرَةِ إِلاّ مِثْلَ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعُه فِي الْيَمّ فَلْيَنْظُرْ بِمَاذَا يرجع‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وإسماعيل بن أبي خالد يكنى أبا عبد الله ووالد قيسٍ أبو حازم اسمه عبد بن عوف وهو من الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الحميد بن سليمان‏)‏ الخزاعي الضرير أبو عمر المدني نزيل بغداد ضعيف من الثامنة وهو أخو فليح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعدل‏)‏ بفتح التاء وكسر الدال أي تزن وتساوي ‏(‏عند الله جناح بعوضة‏)‏ هو مثل للقلة والحقارة‏.‏ والمعنى أنه لو كان لها أدنى قدر ‏(‏ما سقى كافراً منها‏)‏ أي من مياه الدنيا ‏(‏شربة ماء‏)‏ أي يمتع الكافر منها أدنى تمتع، فإن الكافر عدو الله والعدو لا يعطي شيئاً مما له قدر عند المعطي، فمن حقارتها عنده لا يعطيها لأوليائه كما أشار إليه حديث‏:‏ إن الله يحمي عبده المؤمن عن الدنيا كما يحمي أحدكم المريض عن الماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والضياء المقدسي‏.‏ وقال المناوي بعد نقل قول الترمذي هذا‏:‏ ونوزع‏.‏ يعني ونوزع الترمذي في تصحيح الحديث، ووجه المنازعة أن في سند هذا الحديث عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مجالد‏)‏ بضم أوله وتخفيف الجيم‏:‏ ابن سعيد بن عمير الهمداني أبي عمرو الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره من صغار السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على السخلة‏)‏ بفتح السين وسكون خاء معجمة‏:‏ ولد معز أو ضأن ‏(‏أترون هذه هانت على أهلها‏)‏ قال في القاموس‏:‏ هان هوناً بالضم وهواناً ومهانة ذل انتهى ‏(‏قالوا من هوانها‏)‏ أي من أجل هوانها ‏(‏الدنيا أهون‏)‏ أي أذل وأحقر ‏(‏على الله‏)‏ أي عنده تعالى ‏(‏من هذه‏)‏ أي من هوان هذه السخلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وابن عمر‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه مسلم في أوائل الزهد وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، كذا في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث المستورد وحديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن حاتم الكتب‏)‏ الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم، الخراساني نزيل العسكر، ثقة من العاشرة ‏(‏أخبرنا علي بن ثابت‏)‏ الجزري أبو أحمد الهاشمي مولاهم، صدوق ربما أخطأ، وقد ضعفه الأزدي بلا حجة من التاسعة ‏(‏أخبرنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان‏)‏ العنسي بالنون الدمشقي الزاهد صدوق يخطئ ورمي بالقدر وتغير بآخره من السابعة ‏(‏قال سمعت عطاء بن قرة‏)‏ السلولي بفتح المهملة وضم اللام الخفيفة صدوق من السادسة ‏(‏قال سمعت عبد الله بن ضمرة‏)‏ السلولي وثقه العجلي من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏إن الدنيا ملعونة‏"‏ أي مبغوضة من الله لكونها مبعدة عن الله ‏"‏ملعون ما فيها‏"‏ أي مما يشغل عن الله ‏"‏إلا ذكر الله‏"‏ بالرفع‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏وما والاه‏"‏ أي أحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب، أو معناه ما والى ذكر الله أي قاربه من ذكر خير أو تابعه من أتباع أمره ونهيه لأن ذكره يوجب ذلك‏.‏ قال المظهر أي ما يحبه الله في الدنيا، والوالاة المحبة بين اثنين‏.‏ وقد تكون من واحد وهو المراد هنا يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله وما أحبه الله مما يجري في الدنيا وما سواه ملعون‏.‏ وقال الأشرف‏:‏ هو من الموالاة وهي المتابعة ويجوز أن يراد بما يوالي ذكر الله تعالى طاعته، واتباع أمره واجتناب نهيه ‏"‏وعالم أو متعلم‏"‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ أو بمعنى الواو أو للتنويع فيكون الواوان بمعنى أو‏.‏ وقال الأشرف‏:‏ قوله وعالم أو متعلم في أكثر النسخ مرفوع واللغة العربية تقتضي أن يكون عطفاً على ذكر الله فإنه منصوب مستثنى من الموجب‏.‏ قال الطيبي رحمه الله هو في جامع الترمذي هكذا وما والاه‏.‏ وعالم أو متعلم بالرفع، وكذا في جامع الأصول إلا أن بدل أو فيه الواو‏.‏ وفي سنن ابن ماجة أو عالماً أو متعلماً بالنصب مع أو مكرراً والنصب في القرائن الثلاث هو الظاهر والرفع فيها على التأويل‏.‏ كأنه قيل الدنيا مذمومة لا يحمد ما فيها إلا ذكر الله وعالم أو متعلم انتهى ما في المرقاة‏.‏ قال المناوي‏:‏ قوله ملعونة أي متروكة مبعدة متروك ما فيها أو متروكة الأنبياء والأصفياء كما في خبر‏:‏ لهم الدنيا ولنا الاَخرة‏.‏ وقال‏:‏ الدنيا ملعونة لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذتها فأمالتها عن العبودية إلى الهوى وقال بعد ذكر قوله وعالماً أو متعلماً‏:‏ أي هي وما فيها مبعد عن الله إلا العلم النافع الدال على الله فهو المقصود منها، فاللعن وقع على ما غر من الدنيا لا على نعيمها ولذتها، فإن ذلك تناوله الرسل والأنبياء انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والبيهقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سمعت مستورداً‏)‏ هو ابن شداد القرشي الفهري ‏(‏أخا بني فهر‏)‏ أي كان مستورد من بني فهر ‏(‏ما الدنيا‏)‏ ما نافية، أي ما مثل الدنيا من نعيمها وزمانها ‏(‏في الاَخرة‏)‏ أي في جنبها ومقابلة نعيمها وأيامها ‏(‏إلا مثل‏)‏ بكسر الميم ورفع اللام ‏(‏ما يجعل أحدكم‏)‏ ما مصدرية أي مثل جعل أحدكم ‏(‏أصبعه‏)‏ الظاهر أن المراد بها أصغر الأصابع قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ وقع في رواية مسلم أصبعه هذه في اليم وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة ‏(‏في اليم‏)‏ أي مغموساً في البحر المفسر بالماء الكثير ‏(‏فلينظر بماذا ترجع‏)‏ أي بأي شيء ترجع أصبع أحدكم من ذلك الماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1528- باب مَا جَاءَ أَنّ الدّنْيَا سِجْنُ المؤمِنِ وجَنّةُ الكافِر

2361- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ، عن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عن أَبِيهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الدّنْيَا سِجْنُ المؤمِنِ وَجَنّةُ الكَافِرِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عبدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر‏"‏ قال النووي رحمه الله‏:‏ معناه أن المؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة، مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان‏.‏ وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد انتهى‏.‏ وقال المناوي‏:‏ لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن، والكافر عكسه فكأنه في جنة انتهى‏.‏ وقيل‏:‏ كالسجن للمؤمن في جنب ما أعد له في الاَخرة من الثواب والنعيم المقيم، وكالجنة للكافر في جنب ما أعد له في الاَخرة من العقوبة والعذاب الأليم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأحمد وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ أخرجه أحمد والطبراني وأبو نعيم في الحلية والحاكم بإسناد صحيح عنه مرفوعاً‏:‏ الدنيا سجن المؤمن وسنته فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة‏.‏

1529- باب مَا جَاءَ مَثَلُ الدّنْيَا مِثْلُ أَرْبَعَةِ نَفَر

2362- حَدّثنا محمدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا أَبُو نُعَيْمٍ، أخبرنا عُبَادَةُ بنُ مُسْلِمٍ، حدثنا يُونُسُ بنُ خَبّابٍ عَنْ سَعِيدٍ الطّائِيّ أَبِي البَختَرِيّ أَنّه قَالَ حدثني أبو كَبْشَةَ الأَنْمَارِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ثَلاَثٌ أُقسِمُ عَلَيْهِنّ وَأُحَدّثكُمْ حَدِيثاً فاحْفَظُوهُ‏.‏ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلاّ زَادَهُ الله عِزّا، وَلاَ فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلاّ فَتَحَ الله عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةٍ نَحْوَهَا وَأُحَدّثُكُمْ حَدِيثاً فاحْفَظُوهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ إِنّمَا الدّنْيَا لأرْبَعَةِ نَفَرٍ‏:‏ عَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَعِلْماً فَهُوَ يَتّقِي رَبّهُ فِيهِ وَيَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لله فِيهِ حَقّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله عِلْماً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النّيّةِ يَقُولُ‏:‏ لَوْ أَنّ لِيَ مَالاً لَعمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيّتِهِ فأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْماً فهو يُخْبَطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتّقِي فِيهِ رَبّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ لله فِيهِ حَقّا فَهَذا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ الله مَالاً وَلاَ عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ‏:‏ لَوْ أَنّ لِيَ مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبادة بن مسلم‏)‏ الفزاري أبو يحيى البصري ثقة اضطرب فيه قول ابن حبان من السادسة ‏(‏أخبرنا يونس بن خباب‏)‏ بمعجمة وموحدتين الأولى منهما مشددة، الأسدي مولاهم الكوفي صدوق يخطئ ورمي بالرفض من السادسة ‏(‏عن سعيد الطائي أبي البختري‏)‏ بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة، ابن فيروز ابن أبي عمران الطائي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت فيه تشيع قليل في كثير الإرسال من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول ثلاث‏)‏ أي من الخصال ‏(‏أقسم عليهن‏)‏ أي أحلف عليهن ‏(‏وأحدثكم‏)‏ عطف على قوله ثلاث بحسب المعنى فكأنه قال أخبركم بثلاث أؤكدهن بالقسم عليهن وأحدثكم ‏(‏حديثاً‏)‏ أي تحديثاً عظيماً أو بحديث آخر ‏(‏فاحفظوه‏)‏ أي الأخيرأ والمجموع ‏(‏ما نقص مال عبد من صدقة‏)‏ تصدق بها منه بل يبارك له فيه بما يجبر نقصه الحسي ‏(‏ولا ظلم عبد‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏مظلمة‏)‏ بفتح الميم وكسر اللام مصدر ‏(‏صبر‏)‏ أي العبد ‏(‏عليها‏)‏ أي على تلك المظلمة ولو كان متضمناً لنوع من المذلة ‏(‏إلا زاده الله عزاً‏)‏ في الدنيا والاَخرة ‏(‏ولا فتح‏)‏ أي على نفسه ‏(‏باب مسألة‏)‏ أي سؤال للناس ‏(‏إلا فتح الله عليه باب فقر‏)‏ أي باب احتياج آخر وهلم جرا أو بكن سلب عنه ما عنده من النعمة فيقع في نهاية من النقمة كما هو مشاهد ‏(‏وأحدثكم حديثاً فاحفظوه‏)‏ عني، لعل الله تعالى أن ينفعكم به ‏(‏إنما الدنيا لأربعة نفر‏)‏ أي إنما حال أهلها حال أربعة‏:‏ الأول ‏(‏عبد‏)‏ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وبالجر على أنه بدل مما قبله ‏(‏رزقه الله مالا‏)‏ من جهة حل ‏(‏وعلماً‏)‏ أي شرعياً نافعاً ‏(‏فهو يتقي ربه فيه‏)‏ أي في الإنفاق من المال والعلم ‏(‏ويصل به‏)‏ أي بكل منها ‏(‏رحمه‏)‏ أي بالصلة من المال وبالإسعاف بجاه العلم ‏(‏ويعلم لله فيه حقاً‏)‏ من وقف وإقراء وإفتاء وتدريس ‏(‏فهذا‏)‏ أي العبد الموصوف بما ذكر ‏(‏بأفضل المنازل‏)‏ أي بأفضل الدرجات عند الله تعالى ‏(‏وعبد رزقه الله علماً‏)‏ أي شرعياً نافعاً ‏(‏ولم يرزقه مالا‏)‏ ينفق منه في وجوه القرب ‏(‏يقول‏)‏ فيما بينه وبين الله ‏(‏بعمل فلان‏)‏ أي الذي له مال ينفق منه في البر ‏(‏فهو بنيته‏)‏ أي يؤجر على حسبها ‏(‏فأجرهما سواء‏)‏ أي فأجر من عقد عزمه على أنه لو كان له مال أنفق منه في الخير، وأجر من له مال ينفق منه سواء ويكون أجر العلم زيادة له ‏(‏يخبط في ماله‏)‏ بكسر الباء جملة حالية أو استئناف بيان أي يصرفه في شهوات نفسه ‏(‏بغير علم‏)‏ بل بمقتض نفسه‏.‏ قال القاري‏:‏ أي بغير استعمال علم بأن يمسك تارة حرصاً وحباً للدنيا، وينفق أخرى للسمعة والرياء والفخر والخيلاء ‏(‏لا يتقى فيه ربه‏)‏ أي لعدم علمه في أخذه وصرفه ‏(‏ولا يصل فيه رحمه‏)‏ أي لقلة رحمته وعدم حلمه وكثرة حرصه وبخله ‏(‏ولا يعلم الله فيه حقاً‏)‏ وفي المشكاة‏:‏ ولا يعمل فيه بحق‏.‏ قال القاري رحمه الله أي بنوع من الحقوق المتعلقة بالله وبعباده ‏(‏فهو بأخبث المنازل‏)‏ عند الله تعالى أي أخسها وأحقرها ‏(‏لعملت فيه بعمل فلان‏)‏ أي من أهل الشر ‏(‏فهو بنيته‏)‏ أي فهو مجزي بنيته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة‏.‏

1530- باب مَا جَاءَ فِي الهَمّ في الدّنْيَا وَحُبّها

2363- حَدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ بَشِيرٍ أبي إِسْمَاعِيلَ عَنْ سَيّارٍ عَنْ طَارِق بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنّاسِ لَمْ تُسَدّ فَاقَتُهُ‏.‏ وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالله فَيُوشِكُ الله لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ‏.‏

2364- حَدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالأعْمَشُ عَنْ أَبي وَائلٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ مُعَاوِيَةُ إِلَى أَبِي هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ يَعُودُهُ، فَقَالَ‏:‏ يَا خَالُ مَا يُبْكِيكَ‏؟‏ أَوَجَعٌ يُشْئِزُكَ أم حِرْصٌ عَلَى الدّنْيَا‏؟‏ قَالَ كُلّ لاَ‏.‏ وَلَكِنْ رَسُوَلَ الله صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيّ عَهْداً لَمْ آخُذْ بِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ إِنّمَا يَكْفِيكَ مِنْ جَميعِ الْمَالِ خَادِمٌ وَمَرْكَبٌ في سَبِيلِ الله، وَأَجِدُني الْيَوْمَ قَدْ جَمَعْتُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وقد رَوَاهُ زَائِدَةُ وَعَبِيدَةُ بنُ حُمَيدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ عن أَبي وَائِلٍ، عَنْ سَمُرَةَ بنِ سَهْمٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَبي هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏ وفي البابِ عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيّ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

2365- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بنِ عَطِيّةَ عن المُغِيرَةِ بنِ سَعْدِ بنِ الأَخْرَمِ عَنْ أَبِيهِ عنْ عَبْدِ الله بن مسعود قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ تَتّخِذُوا الضّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدّنْيَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن بشير أبي إسماعيل‏)‏ هو ابن سلمان الكندي الكوفي والد الحكم ثقة يغرب من السادسة ‏(‏عن سيار‏)‏ هو أبو حمزة قال في التقريب سيار أبو حمزة الكوفي مقبول من الخامسة ووقع في الإسناد عن سيار أبي الحكم عن طارق والصواب عن سيار أبي حمزة وقال في تهذيب التهذيب في ترجمة سيار أبي الحكم ما لفظه‏:‏ وروى أبو داود والترمذي حديث بشير بن إسماعيل حدثنا سيار أبو الحكم عن طارق بن شهاب عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته الحديث‏.‏ قال أبو داود عقبه هو سيار أبو حمزة ولكن بشيراً كان يقول سيار أبو الحكم وهو خطأ‏.‏ قال أحمد هو سيار أبو حمزة وليس قولهم سيار أبو الحكم بشيء، وقال الدارقطني‏:‏ قول البخاري سيار أبو الحكم سمع طارق بن شهاب وهم منه وممن تابعه، والذي يروي عن طارق هو سيار أبو حمزة، قال ذلك أحمد ويحيى وغيرهما انتهى‏.‏

قلت في قوله‏:‏ وروى أبو داود والترمذي حديث بشير بن إسماعيل وهم والصواب بشير أبي إسماعيل لأن راوي هذا الحديث عن سيار هو بشير بن سلمان أبو إسماعيل لا بشير بن إسماعيل بل وليس في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة راو مسمى باسم بشير بن إسماعيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من نزلت به فاقة‏)‏ أي حاجة شديدة وأكثر استعمالها في الفقر وضيق المعيشة ‏(‏فأنزلها بالناس‏)‏ أي عرضها عليهم وأظهرها بطريق الشكاية لهم وطلب إزالة فاقته منهم‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يقال نزل بالمكان ونزل من علو ومن المجاز نزل به مكروه وأنزلت حاجتي على كريم‏.‏ وخلاصته أن من اعتمد في سدها على سؤالهم ‏(‏لم تسد فاقته‏)‏ أي لم تقض حاجته ولم تزل فاقته وكلما تسد حاجته أصابته أخرى أشد منها ‏(‏فأنزلها بالله‏)‏ بأن اعتمد على مولاه ‏(‏فيوشك الله له‏)‏ أي يسرع له ويعجل ‏(‏برزق عاجل‏)‏ بالعين المهملة ‏(‏أو آجل‏)‏ بهمزة ممدودة وفي رواية أبي داود‏:‏ أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى عاجل‏.‏ قال القاري في شرح قوله إما بموت عاجل قيل بموت قريب له غني فيرثه‏.‏ وقال في شرح قوله أو غنى عاجل بكسر وقصر أي يسار‏.‏ قال الطيبي‏:‏ هو هكذا أي بالعين في أكثر نسخ المصابيح وجامع الأصول‏.‏ وفي سنن أبي داود والترمذي أو غنى آجل بهمزة ممدودة وهو أصح دراية لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله‏}‏ انتهى‏.‏ قلت وفي نسخ أبي داود الحاضرة عندنا عاجل بالعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي وائل‏)‏ اسمه شقيق بن سلمة الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة ‏(‏جاء معاوية‏)‏ هو ابن أبي سفيان ‏(‏إلى أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس صحابي أسلم يوم الفتح وسكن الشام وكان خال معاوية ابن أبي سفيان روى من حديثه أبو وائل شقيق بن سلمة ‏(‏وهو مريض‏)‏ جملة حالية والضمير يرجع إلى أبي هاشم ‏(‏يعوده‏)‏ جملة حالية أيضاً والضمير المرفوع يرجع إلى معاوية والمنصوب إلى أبي هاشم ‏(‏فقال‏)‏ أي معاوية ‏(‏ما يبكيك‏)‏ من الإبكاء أي أي شيء يبكيك‏؟‏ ‏(‏أوجع يشئزك‏)‏ بشين معجمة ثم همزة مكسورة وزاي أي يقلقك وزنه ومعناه قاله المنذري‏.‏ وقال في الصراح أشأزبي آرام كردا نيدن ‏(‏قال‏)‏ أي أبو هاشم ‏(‏كل‏)‏ من هذين الأمرين ‏(‏لا‏)‏ أي لا يبكيني يعني لا يبكيني واحد من هذين الأمرين بل يبكيني أمر آخر فبينه بقوله‏:‏ ‏(‏ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً لم آخذ به‏)‏ أي أوصاني بوصية لم أعمل بها ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل من عهد أو تفسير وبيان للعهد، واختار الطيبي رح الأول حيث قال بدل منه بدل الفعل من الفعل كما في قوله‏:‏

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطباً جزلا وناراً تأججا

أبدل تلمم بنا من قوله تأتنا ‏(‏إنما يكفيك من جمع المال‏)‏ أي للوسيلة بحسن المال ‏(‏خادم‏)‏ للحاجة إليه ‏(‏ومركب‏)‏ أي مركوب يسار عليه ‏(‏في سبيل الله‏)‏ أي في الجهاد أو الحج أو طلب العلم والمقصود منه القناعة والاكتفاء بقدر الكفاية مما يصح أن يكون زاداً للاَخرة كما رواه الطبراني والبيهقي عن خباب‏:‏ إنما يكفي أحدكم ما كان في الدينا مثل زاد الراكب ‏(‏وأجدني اليوم قد جمعت‏)‏‏.‏ وفي رواية رزين‏:‏ فلما مات حصل ما خلف فبلغ ثلاثين درهماً وحسبت فيه القصعة التي كان يعجن فيها وفيها يأكل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سمرة بن سهم‏)‏ القرشي الأسدي مجهول من الثانية ‏(‏فذكر نحوه‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر الحديث المذكور‏:‏ رواه الترمذي والنسائي، ورواه ابن ماجة عن سمرة بن سهم عن رجل من قومه لم يسمه‏.‏ قال نزلت على أبي هاشم بن عقبة فجاءه معاوية فذكر الحديث بنحوه‏.‏ ورواه ابن حبان في صحيحه عن سمرة بن سهم قال‏:‏ نزلت على أبي هاشم بن عتبة وهو مطعون فأتاه معاوية فذكر الحديث‏.‏ وذكره رزين فزاد فيه‏:‏ فلما مات إلى آخر ما نقلت قبل هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن بريدة الأسلمي‏)‏ أخرجه أحمد ص 360 ج5 والنسائي والضياء المقدسي عنه مرفوعاً‏:‏ ليكف أحدكم من الدنيا خادم ومركب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن شمر بن عطية‏)‏ بكسر الشين المعجمة وسكون الميم الأسدي الكاهلي الكوفي صدوق من السادسة ‏(‏عن المغيرة بن سعد بن الأخرم‏)‏ الطائي مقبول من الخامسة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي سعد بن الأخرم الطائي الكوفي مختلف في صحبته، روى عن ابن مسعود حديث‏:‏ لا تتخذوا الضيعة‏.‏ وعنه ابنه المغيرة وذكره مسلم في الطبقة الأولى من أهل الكوفة وذكره ابن حبان في الصحابة ثم أعاد ذكره في التابعين من الثقات كذا في تهذيب التهذيب ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود ‏(‏لا تتخذوا الضيعة‏)‏ هي البستان والقرية والمزرعة‏.‏ وفي النهاية‏:‏ الضيعة في الأصل المرة من الضياع، وضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك انتهى‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ الضيعة العقار والأرض المغلة ‏(‏فترغبوا في الدنيا‏)‏ أي فتميلوا إليها عن الأخرى، والمراد النهي عن الاشتغال بها وبأمثالها مما يكون مانعاً عن القيام بعبادة المولى وعن التوجه كما ينبغي إلى أمور العقبى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ المعنى لا تتوغلوا في اتخاذ الضيعة فتلهوا بها عن ذكر الله قال تعالى‏:‏ ‏{‏رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان‏.‏

1531- باب مَا جَاءَ في طولِ العُمرِ لِلْمُؤْمِن

2366- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عنْ عَمْرِو ابنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ بسر‏:‏ ‏"‏أَنّ أَعْرَابِيّا قَالَ يَا رَسُولَ الله‏:‏ مَنْ خَيْرُ النّاسِ‏؟‏ قَالَ مَنْ طَالَ عُمرهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ من هذَا الوَجْهِ‏.‏

2367- حَدّثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرو بنُ عَلِيّ، حدثنا خَالِدُ بنُ الْحَارِثِ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيّ بنِ زَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ الله أَيّ النّاسِ خَيْرٌ‏؟‏ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ‏.‏ قَالَ فَأَيّ النّاسِ شَرّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَنْ طَالَ عُمُرهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ‏"‏‏.‏

ف قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن قيس‏)‏ بن ثور بن مازن الكندي الحمصي، ثقة من الثالثة ‏(‏عن عبد الله بن قيس‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة بالقاف والتحتية والسين المهملة وهو غلط، والصواب عن عبد الله بن بسر بالموحدة والسين المهملة والراء فإنه ذكر هذا الحديث الحافظ السيوطي في الجامع الصغير‏.‏ وقال بعد ذكره‏:‏ رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن بسر‏.‏ وذكر الحافظ المنذري هذا الحديث في الترغيب فقال عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس من طال عمره الخ‏.‏ وقال رواه الترمذي‏.‏ وروى أحمد هذا الحديث في مسانيد عبد الله بن بسر، ففي مسنده حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن عياش حدثنا حسان بن نوح عن عمرو بن قيس عن عبد الله بن بسر قال‏:‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان‏.‏ فقال أحدهما من خير الرجال يا محمد‏؟‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من طال عمره وحسن عمله الحديث‏.‏ فظهر من هذا كله أن ما وقع في النسخ الحاضرة غلط والصواب عن عبد الله بن بسر فاحفظ هذا ‏(‏من طال عمره‏)‏ بضمتين على ما هو الأفصح الوارد في كلامه سبحانه‏.‏ وفي القاموس‏:‏ العمر بالفتح وبالضم وبضمتين الحياة ‏(‏وحسن عمله‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ إن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر فينبغي أن يتجر فيما يربح فيه وكلما كان رأس ماله كثيراً كان الربح أكثر، فمن انتفع من عمره بأن حسن عمله فقد فاز وأفلح، ومن أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسراناً مبيناً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وجابر‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية ابن إسحاق ولم يصرح فيه بالتحديث ولفظه‏:‏ ألا أخبركم بخياركم‏؟‏ قالوا بلى يا رسول الله‏.‏ قال‏:‏ أطولكم أعماراً وأحسنكم أخلاقاً‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه الحاكم عنه مرفوعاً‏:‏ خياركم أطولكم أعماراً وأحسنكم أعمالا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن زيد‏)‏ هو ابن جدعان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال من طال عمره وساء عمله‏)‏ قال القاري وبقي صنفان مستويان ليس فيها زيادة من الخير والشر وهما من قصر عمره وحسن عمله أو ساء عمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والدارمي، وكذا رواه الطبراني بإسناد صحيح والحاكم والبيهقي‏.‏

1532- باب مَا جَاءَ في فناءِ أَعمَارِ هَذِهِ الأُمّةِ مَا بَيْنَ السّتّينَ إِلَى السّبْعِين

2368- حَدّثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيّ، حدثنا مُحَمّدُ بنُ رَبيعَةَ عَنْ كَامِلٍ أَبي العَلاَءِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ عُمْرُ أُمّتِي مِنْ سِتّينَ سَنَةً إِلَى سَبْعِينَ سَنَة‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن كامل أبي العلاء‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ كامل بن العلاء التميمي السعدي ويقال أبو عبد الله الكوفي، روى عن أبي صالح ميناء وغيره وعنه محمد بن ربيعة وغيره‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ صدوق يخطئ من السابعة ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ أبو صالح مولى ضباعة‏.‏ قال مسلم‏:‏ اسمه ميناء روى عن أبي هريرة حديث‏:‏ أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين‏.‏ وعنه كامل أبو العلاء ذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين‏)‏ قيل معناه آخر عمر متى ابتداؤه إذا بلغ ستين سنة وانتهاؤه سبعون سنة وقل من يجوز سبعين‏.‏ وهذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال فإن منهم من لم يبلغ ستين سنة، ومنهم من يجوز سبعين ذكره الطيبي رحمه الله‏.‏ قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا‏:‏ وفيه أن اعتبار الغلبة في جانب الزيادة على سبعين واضح جداً، وأما كون الغالب في آخر عمر الأمة بلوغ ستين في غاية من الغرابة المخالفة لما هو ظاهر في المشاهدة‏.‏ فالظاهر أن المراد به أن عمر الأمة من سن المحمود الوسط المعتدل الذي مات فيه غالب الأمة ما بين العددين، منهم سيد الأنبياء وأكابر الخلفاء، كالصديق والفاروق والمرتضى وغيرهم من العلماء والأولياء، مما يصعب فيه الاستقصاء انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏.‏ قال بعض الحكماء‏:‏ الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان، وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين، فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط‏.‏ فينبغي له الإقبال على الاَخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة‏)‏ رواه الترمذي في أواخر أبواب الدعوات بسند آخر غير السند المذكور‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ سنده حسن‏.‏

1533- باب ما جاءَ في تَقَارُبِ الزّمَنِ وقِصَرِ الأَمَل

2369- حَدّثنا عَبّاسُ بنُ محمدٍ الدّوْرِيّ، أخبرنا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ عُمرَ العمري عَنْ سَعْدِ بنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَتَقَارَبَ الزّمَانُ وَتَكُونَ السّنَةُ كَالشّهْرِ، وَالشّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَاليَوْمِ، وَيَكُونَ اليَوْمُ كَالسّاعَةِ، وَتَكُونَ السّاعَةُ كَالضّرْمَةِ بِالنّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَسَعْدُ بنُ سَعِيدٍ هُوَ أَخُو يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد بن مخلد‏)‏ القطواني بفتح القاف والطاء أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي صدوق يتشيع وله أفراد من كبار العاشرة‏.‏ روى عن سليمان بن بلال وعبد الله بن عمر العمري وغيرهما ‏(‏أخبرنا عبد الله بن عمر‏)‏ هو العمري ‏(‏عن سعد بن سعيد الأنصاري‏)‏ هو أخو يحيى صدوق سيء الحفظ من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان‏)‏ قال التوربشتي رحمه الله يحمل ذلك على قلة بركة الزمان وذهاب فائدته في كل مكان أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد وشغل قلبهم بالفتن العظام لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم ‏(‏والشهر‏)‏ أي ويكون الشهر ‏(‏كالجمعة‏)‏ بضم الميم ويسكن والمراد به الأسبوع ‏(‏وتكون الجمعة كاليوم‏)‏ أي كالنهار ‏(‏ويكون اليوم كالساعة‏)‏ أي العرفية النجومية وهي جزء من أجزاء القسمة الأثنتي عشرية في اعتدال الأزمنة الصيفية والشتائية، قاله القاري وفيه ما فيه‏.‏ ‏(‏وتكون الساعة كالضرمة‏)‏ بفتح الضاد وسكون الراء ويفتح أي مثلها في سرعة ابتدائها وانقضائها‏.‏ قال القاضي رحمه الله أي كزمان إيقاد الضرمة وهي ما يوقد به النار أولا كالقصب والكبريت‏.‏ وفي القاموس‏:‏ الضرمة محركة السعفة أو الشيحة في طرفها نار‏.‏ وفي الأزهار‏:‏ الضرمة بفتح المعجمة وسكون الراء غصن النخل والشيحة نبت في طرفها نار فإنها إذ اشتعلت تحرق سريعاً انتهى‏.‏ فالمراد بها الساعة اللغوية، وهي أدنى ما يطلق عليه اسم الزمان من اللمحة واللحظة والطرفة‏.‏ قال الخطابي ويكون ذلك في زمن المهدي أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما‏.‏ قال القاري‏:‏ والأخير هو الأظهر لظهور هذا الأمر في خروج الدجال وهو زمانهما‏.‏

1534- باب مَا جَاءَ فِي قِصَرِ الأَمل

2370- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو أَحْمَدَ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عنْ ابنِ عُمرَ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِي فقَالَ‏:‏ ‏"‏كُنْ فِي الدّنْيَا كَأَنّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ القُبُورِ‏"‏، فَقَالِ لِي ابنُ عُمر‏:‏ ‏"‏إِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تُحَدّث نَفْسَكَ بالمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تُحَدّثْ نَفْسَكَ بالصّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي يَا عَبْدَ الله ما اسْمُكَ غَداً‏"‏‏.‏

2371- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبيّ البَصْرِيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابنِ عُمرَ عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابنِ عُمرَ ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ نَحْوَهُ‏.‏

2372- حدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، حدثنا عَبْدُ الله بن المبارك عَنْ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَذَا ابنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ قَفَاهُ ثُمّ بَسَطَهَا فَقَالَ‏:‏ وَثَمّ أَملُهُ وَثَمّ أَمَلُه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وفي البابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ‏.‏

2373- حدّثنا هَنّاد، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي السّفَرِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ ‏"‏مَرّ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصّا لَنَا، فَقَالَ‏:‏ مَا هَذَا‏؟‏ فَقُلْنَا قَدْ وَهِيَ فنحن نُصْلِحُهُ، فَقَالَ‏:‏ مَا أَرَى الأمْرَ إِلاّ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وأبو السّفَرِ اسمه سعيد بن محمد، ويقال ابن أحمد الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو أحمد‏)‏ هو الزبيري قوله‏:‏ ‏(‏ببعض جسدي‏)‏ وفي رواية البخاري بمنكبي، ففي هذه الرواية تعيين ما أبهم في رواية الترمذي، ونكتة الأخذ تقريبه إليه وتوجهه عليه، ليتمكن في ذهنه ما يلقى لديه قال‏:‏ ‏"‏كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل‏"‏ قال الطيبي‏:‏ ليست أو للشك بل للتخيير والإباحة، والأحسن أن تكون بمعنى بل فشبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه، ولا مسكن يسكنه‏.‏ ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر السبيل، لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة، بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع بينهما أودية مردية، ومفاوز مهلكة وقطاع طريق، فإن من شأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة، ومن ثم عقبه بقوله‏:‏ إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح إلخ، وبقوله‏:‏ وعد نفسك في أهل القبور، والمعنى استمر سائراً ولا تفتر، فإنك إن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية، وهذا معنى المشبه به وأما المشبه فهو قوله‏:‏ وخذ من صحتك لمرضك أي أن العمر لا يخلو عن صحة ومرض‏.‏ فإذا كنت صحيحاً فسر سير القصد وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائماً مقام ما لعله يفوت حالة المرض والضعف، ذكره الحافظ في الفتح‏.‏ وقال النووي رحمه الله‏:‏ معنى الحديث‏:‏ لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها، ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه انتهى‏.‏ ‏"‏وعد نفسك‏"‏ بضم العين المهملة وفتح الدال المشددة‏:‏ أي اجعلها معدودة ‏"‏من أهل القبور‏"‏ أي من جملتهم وواحدة من جماعتهم، ففيه إشارة إلى ما قيل موتوا قبل أن تموتوا وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ‏"‏فقال لي ابن عمر‏"‏ هذا قول مجاهد أي قال لي ابن عمر من قوله‏:‏ ‏"‏إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء الخ‏"‏ وفي رواية البخاري وكان ابن عمر يقول‏:‏ إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ‏"‏وخذ من صحتك‏"‏ أي زمن صحتك ‏"‏قبل سقمك‏"‏ بفتحتين أو بضم السين وسكون القاف أي قبل مرضك‏.‏ وفي رواية البخاري‏:‏ لمرضك‏:‏ والمعنى اشتغل في الصحة بالطاعة بحيث لو حصل تقصير في المرض ليجبر بذلك ‏"‏ما اسمك غداً‏"‏ قال الحافظ‏:‏ أي هل يقال له شقي أو سعيد ولم يرد اسمه الخاص به فإنه لا يتغير‏.‏ وقيل المراد هل يقال هو حي أو ميت انتهى‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر عندي هو المعنى الثاني والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وقد روى هذا الحديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر نحوه‏"‏ رواه البخاري في صحيحه‏.‏ قال السيوطي في الجامع الصغير‏:‏ ‏"‏كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل‏"‏‏.‏ رواه البخاري عن ابن عمر زاد أحمد والترمذي وابن ماجة‏:‏ ‏"‏وعد من نفسك من أهل القبور‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سويد‏)‏ هو ابن نصر ‏(‏عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس‏)‏ ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏هذا ابن آدم‏"‏ الظاهر أن هذا إشارة حسية إلى صورة معنوية وكذا قوله‏:‏ ‏"‏وهذا أجله‏"‏ وتوضيحه أنه أشار بيده إلى قدامه في مساحة الأرض أو في مساحة الهواء بالطول أو العرض، وقال هذا ابن آدم ثم أخرها وأوقفها قريباً مما قبله وقال هذا أجله ‏(‏ووضع يده‏)‏ أي عند تلفظه بقوله‏:‏ هذا ابن آدم وهذا أجله ‏(‏عند قفاه‏)‏ أي في عقب المكان الذي أشار به إلى الأجل ‏(‏ثم بسطها‏)‏ أي نشر يده على هيئة فتح ليشر بكفه وأصابعه أو معنى بسطها وسعها في المسافة من المحل الذي أشار به إلى الأجل فقال‏:‏ ‏"‏وثم‏"‏ بفتح المثلثة وتشديد الميم أي هنالك وأشار إلى بعد مكان ذلك ‏(‏أهله‏)‏ أي مأموله، وهو مبتدأ خبره ظرف، قدم عليه للاختصاص والاهتمام كذا شرح القاري هذا الحديث وقال هذا ما سنح لي في هذا المقام من توضيح المرام‏.‏ وقال الطيبي رحمه الله‏:‏ قوله ووضع يده الواو للحال، وفي قوله وهذا أجله للجمع مطلقاً، فالمشار إليه أيضاً مركب فوضع اليد على قفاه معناه أن هذا الإنسان الذي يتبعه أجله هو المشار إليه وبسط اليد عبارة عن مدها إلى قدام انتهى‏.‏ وقال الشيخ عبد الحق في ترجمة المشكاة ‏(‏هذا ابن آدم وهذا أجله‏)‏ أين أدمى ست وأين أجل اوست يعني نزديك است بوي ‏(‏ووضع يده عند قفاه‏)‏ ونهاد انحضرت ازيرلي تصوير وتمثيل قرب موت رابا دمى دستخودر انزدقاي خود يعني مركدر قفاي ادمي ست وقريب بوي ‏(‏ثم بسط‏)‏ يس تربكشا دود رازكرد انحضرت دست داود ورد أشت ازقفا ازبراي نمودن درازي أمل ‏(‏فقال وثم أمله‏)‏ وانجاست يعني بجاي دور امل واميداو يعني أجل نزديك امد وامل دور رفته أست انتهى بلفظه‏.‏

قلت‏:‏ كل من المغنيين اللذين ذكرهما القاري والشيخ محتمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ أخرجه أحمد من رواية علي بن علي عن أبي المتوكل عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز عوداً بين يديه ثم غرز إلى جنبه آخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال‏:‏ هذا الإنسان وهذا أجله وهذا أمله‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ والأحاديث متوافقة على أن الأجل أقرب من الأمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه ورواه النسائي، أيضاً وابن ماجة بنحوه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي السفر‏)‏ بفتح السين المهملة والفاء، هو سعيد بن يحمد، بضم الياء التحتانية وكسر الميم الهمداني الثوري الكوفي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحن نعالج خصاً لنا‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الخص بالضم البيت من القصب أو البيت يسقف بخشبة كالأزج، جمعه خصاص وخصوص انتهى‏.‏ وقال فيه‏:‏ الأزج محركة ضرب من الأبنية‏.‏ والمعنى نصلح بيتاً لنا‏.‏ وفي رواية‏:‏ وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي ‏(‏قد وهي‏)‏ أي ضعف، قال في الصراح‏:‏ وهي ضعيف شدن ونزديك شدن ديوار بافتادن‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ الوهى الشق في الشيء جمعه وهي وأوهية وهي كوعي وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه ‏(‏فقال ما أرى‏)‏ بضم الهمزة أي ما أظن ‏(‏الأمر‏)‏ أي الأجل ‏(‏إلا أعجل من ذلك‏)‏ وفي رواية قال‏:‏ الأمر أسرع من ذلك، قيل الأجل أقرب من تخرب هذا البيت أي تصلح بيتك خشية أن ينهدم قبل أن تموت وربما تموت قبل أن ينهدم فإصلاح عملك أولى من إصلاح بيتك‏.‏ قال‏:‏ الطيبي رحمه الله‏:‏ أي كوننا في الدنيا كعابر سبيل أو راكب مستظل تحت شجرة أسرع مما أنت فيه من أشتغالك بالبناء انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه‏.‏

1535- باب مَا جَاءَ أَنّ فِتْنَةَ هَذهِ الأُمّةِ فِي الْمَال

2374- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ سَوّارٍ، أخبرنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ أن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، حَدّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كَعْبِ بنِ عِيَاضٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ إِنّ لِكُلّ أُمّةٍ فِتْنَةٌ وَفِتْنَةُ أُمّتِي الْمَالُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن بن سوار‏)‏ بفتح المهملة وتثقيل الواو البغوي أبو العلاء المروزي صدوق من التاسعة ‏(‏عن عبد الرحمن بن جبير‏)‏ بجيم وموحدة مصغراً ‏(‏بن نفير‏)‏ بنون وفاء مصغراً الحمصي ثقة من الرابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي جبير بن نفير ابن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي ثقة جليل من الثانية مخضرم ‏(‏عن كعب بن عياض‏)‏ الأشعري له صحبة عداده في أهل الشام روى عنه جبير بن نفير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن لكل أمة فتنة‏)‏ أي ضلالا ومعصية ‏(‏وفتنة أمتي المال‏)‏ أي اللهو به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الاَخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏، وأخرجه الحاكم وقال‏:‏ صحيح وأقروه‏.‏

1536- باب مَا جَاءَ ‏"‏لَوْ كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغى ثَالِثاً‏"‏

2375- حَدّثنا عَبْدُ الله بنِ أبي زِيَادٍ، حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ، حدثنا أَبي عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ ابنِ شِهَابٍ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لَوْ كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِياً مِنْ ذَهَبٍ لأَحَبّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَانِياً وَلاَ يَمْلأُ فَاهُ إِلاّ التّرَابُ وَيَتُوبُ الله عَلَى مَنْ تَابَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ وَأَبي سَعِيدٍ وَعَائِشَةَ وَابنِ الزّبَيْرِ وأبي وَاقِدٍ وَجَابِرٍ وابنِ عَبّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏)‏ بن أبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف المدني، نزيل بغداد، ثقة فاضل من صغار التاسعة ‏(‏أخبرنا أبي‏)‏ أي إبراهيم بن سعد بن إبراهيم أبو إسحاق، ثقة حجة، تكلم فيه بلا قادح من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وادياً‏)‏ كذا وقع في أصل الكروخي، والصواب واد وثان كذا في هامش النسخة الأحمدية من ذهب، وفي رواية من فضة وذهب ‏(‏ولا يملأ فاه‏)‏ أي فمه، وفي رواية‏:‏ ولا يملأ جوف ابن آدم‏.‏ وفي رواية‏:‏ لا يسد جوف ابن آدم ‏(‏إلا التراب‏)‏ معناه‏:‏ لا يزال حريصاً على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره، وهذا الحديث يخرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا ‏(‏ويتوب الله على من تاب‏)‏ أي أن الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره‏.‏ قيل وفيها إشارة إلى ذم الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك والحرص عليه للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب، ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ يمكن أن يكون معناه أن بني آدم مجبولون على حب المال والسعي في طلبه، وأن لا يشبع منه إلا من عصمه الله ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم‏.‏ فوضع قوله‏:‏ ويتوب الله على من تاب موضعه إشعاراً بأن هذه الجبلة المركوزة مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بن كعب الخ‏)‏ أما حديث أبي بن كعب فأخرجه الترمذي في فصله من أبواب المناقب‏.‏ وأما حديث أبي سعيد وحديث عائشة فلينظر من أخرجهما‏.‏ وأما حديث ابن الزبير فأخرجه البخاري‏.‏ وأما حديث أبي واقد فأخرجه أحمد وأبو عبيد في فضائل القرآن ذكره الحافظ في الفتح‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن كما في الفتح‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

1537- باب مَا جَاءَ في قَلْبُ الشّيْخِ شابّ عَلَى حُبّ اثْنَتَيْن

2376- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عنْ ابنِ عَجْلاَنَ، عَنْ القَعْقَاعِ بنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏قَلْبُ الشّيْخِ شَابّ عَلَى حُبّ اثْنَتَيْنِ‏:‏ طُولِ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

2377- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏يَهْرَمُ ابنُ آدَمَ وَيَشبّ مِنْهُ اثْنَتَانِ‏:‏ الْحِرْصُ عَلَى الْعُمْرِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ‏"‏‏.‏

هذا حديث حسن صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن القعقاع بن حكيم‏)‏ الكناني المدني، ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلب الشيخ شاب‏)‏ أي قوي نشطان ‏(‏طول الحياة وكثرة المال‏)‏ بالجر فيهما بدل من اثنتين ويجوز الرفع والنصب‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا مجاز واستعارة ومعناه‏:‏ أن قلب الشيخ كامل الحب لكثرة المال وطول الحياة، محتكم كاحتكام قوة الشاب في شبابه‏.‏ هذا صوابه‏.‏ وقيل في تفسيره غير هذا مما لا يرتضى انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري في باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر من كتاب الرقاق، ومسلم في باب كراهة الحرص على الدنيا من كتاب الزكاة، والنسائي في الرقاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهرم‏)‏ بفتح الراء من باب علم أي يشيب والهرم كبر السن ‏(‏ويشب‏)‏ بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة من باب ضرب أي ينمو ويقوى ‏(‏منه‏)‏ أي من أخلاقه ‏(‏اثنتان‏)‏ أي خصلتان ‏(‏الحرص على العمر‏)‏ أي طوله ‏(‏والحرص على المال‏)‏ أي على جمعه ومنعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏