فصل: الجزء السابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


الجزء السابع

1538- باب مَا جَاءَ في الزّهَادَةِ في الدّنْيَا

2378- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمَنِ، أخبرنا محمدُ بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا عَمْرو بنُ وَاقِدٍ، أخبرنا يُونُسُ بنُ حَلْبَسَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِي، عن أَبِي ذَرٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏الزّهَادَةُ فِي الدّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلاَلِ وَلاَ إِضَاعَةِ المَالِ وَلَكِنْ الزّهَادَةَ في الدُنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثقَ مِمّا فِي يَدِ الله، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ المُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبُ فِيهَا لَوْ أَنّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَأَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ اسْمُهُ عَائِذُ الله بنُ عَبْدِ الله وَعَمْرِو بنُ وَاقِدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ‏.‏

2379- حَدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، أخبرنا حُرَيثُ بنُ السّائِبِ، قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حدثني حُمْرَانُ بنُ أَبَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفّانَ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ لابنِ آدَمَ حَقٌ فِي سِوَى هذِهِ الخِصَالِ‏:‏ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ، وَ ثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وَجِلْفِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَهُوَ حدِيثُ الحُرَيثِ بنِ السّائِبِ‏.‏ وَسَمِعْتُ أَبَا دَاوْدُ سُلَيْمَانَ بنَ سَلْمٍ البَلْخِيّ يَقُولُ، قَالَ النّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ‏:‏ جِلْفُ الْخُبْزِ يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُ إِدَامٌ‏.‏

2380- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرّفٍ، عن أَبِيِه أَنّهُ انْتَهَى إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَلْهَا كُمُ التّكَاثُرُ‏.‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ ابنُ آدَمَ مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلاّ ما تَصَدّقْتَ فأَمضَيْتَ أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

2381- حَدّثنا محمد بن بشار أْخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ يُونَسَ هو اليمامي، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ، أخبرنا شَدّادُ بنُ عَبْدِ الله، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَا ابنَ آدَمَ إِنّكَ إِنْ تَبْذُلِ الفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌ لَكَ، وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السّفْلَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَشَدّادُ بنُ عَبْدِ الله يُكْنَى أَبَا عَمّارٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏أخبرنا محمد بن المبارك‏)‏ الصوري نزيل دمشق القلانسي القرشي ثقة من كبار العاشرة ‏(‏أخبرنا عمرو بن واقد‏)‏ الدمشقي أبو حفص مولى قريش متروك من السادسة ‏(‏أخبرنا يونس بن حلبس‏)‏ هو ابن ميسرة قال في التقريب يونس بن ميسرة بن حلبس بفتح المهملة والموحدة بينهما لام ساكنة وآخره مهملة وزن جعفر وقد ينسب لجده ثقة عابد معمر من الثالثة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الزهادة في الدنيا‏)‏ بفتح الزاي أي ترك الرغبة فيها ‏(‏ليست بتحريم الحلال‏)‏ كما يفعله بعض الجهلة زعماً منهم أن هذا من الكمال فيمتنع من أكل اللحم والحلواء والفواكه ولبس الثوب الجديد ومن الزواج ونحو ذلك وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين‏}‏ وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذه الأفعال، ولا أكمل من حالة الكمال ‏(‏ولا إضاعة المال‏)‏ أي بتضييعه وصرفه في غير محله بأن يرميه في بحر أو يعطيه للناس من غير تمييز بين غني وفقير ‏(‏ولكن الزهادة‏)‏ أي المعتبرة الكاملة ‏(‏في الدنيا‏)‏ أي في شأنها ‏(‏أن لا تكون بما في يديك‏)‏ من الأموال أو من الصنائع والأعمال ‏(‏أوثق‏)‏ أي أرجى منك ‏(‏مما في يد الله‏)‏ وفي رواية ابن ماجه أوثق منك بما في يد الله أي بخزائنه الظاهرة والباطنة، وفيه نوع من المشاكلة‏.‏ والمعنى ليكن إعماد له بوعد الله لك من إيصال الرزق إليك ومن إنعامه عليك من حيث لا تحتسب، ومن وجه لا تكتسب، أقوى وأشد مما في يديك من الجاه والكمال والعقار وأنواع الصنائع، فإن ما في يديك يمكن تلفه وفناؤه بخلاف ما في خزائنه فإنه محقق بقاؤه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما عندكم ينفد وما عند الله باق‏}‏ ‏(‏وأن تكون‏)‏ عطف على أن لا تكون ‏(‏إذ أنت أصبت بها‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏أرغب فيها‏)‏ أي في حصول المصيبة ‏(‏لو أنها‏)‏ أي لو فرض أن تلك المصيبة ‏(‏أبقيت لك‏)‏ أي منعت لأجلك وأخرت عنك فوضع أبقيت موضع لم تصب وجواب لو ما دل عليه ما قبلها‏.‏ وخلاصته أن تكون رغبتك في وجود المصيبة لأجل ثوابها أكثر من رغبتك في عدمها فهذان الأمران شاهدان عدلان على زهدك في الدنيا وميلك في العقبى قاله القاري‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ لو أنها أبقيت لك حال من فاعل أرغب وجواب لو محذوف وإذا ظرف‏.‏ والمعنى أن تكون في حال المصيبة وقت إصابتها أرغب من نفسك في المصيبة حال كونك غير مصاب بها، لأنك تثاب بها إليك ويفوتك الثواب إذا لم تصل إليك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حريث بن السائب‏)‏ التميمي، وقيل الهلالي البصري المؤذن صدوق يخطئ من السابعة ‏(‏سمعت الحسن‏)‏ هو البصري رحمه الله ‏(‏حدثني حمران‏)‏ بمضمومة وسكون ميم وبراء مهملة ‏(‏بن أبان‏)‏ مولى عثمان بن عفان اشتراه في زمن أبي بكر الصديق ثقة من الثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس لابن آدم حق‏)‏ أي حاجة ‏(‏في سوى هذه الخصال‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ موصوف سوى محذوف أي في شيء سوى هذه الخ والمراد بها ضروريات بدنه المعين على دينه ‏(‏بيت‏)‏ بالجر ويجوز الرفع، وكذا فيما بعده من الخصال المبينة ‏(‏يسكنه‏)‏ أي محل يأوى إليه رفعاً للحر والبرد ‏(‏وثوب يواري عورته‏)‏ أي يسترها عن أعين الناس ‏(‏وجلف الخبز‏)‏ بكسر جيم وسكون لام ويفتح‏.‏ ففي النهاية الجلف الخبز وحده لا أدم معه‏.‏ وقيل الخبز الغليظ اليابس، ويروى بفتح اللام جمع جلفة وهي الكسرة من الخبز، وقال الهروي الجلف ههنا الظرف مثل الخرج والجوالق يريد ما يترك فيه الخبز انتهى‏.‏ وفي الغريبين‏:‏ قال شمر عن ابن الأعرابي الجلف الظرف مثل الخرج والجوالق‏.‏ قال القاضي رحمه الله‏:‏ ذكر الظرف وأراد به المظروف أي كسرة خبز وشربة ماء انتهى‏.‏ والمقصود غاية القناعة ونهاية الكفاية ‏"‏والماء‏"‏ قال القاري رحمه الله‏:‏ بالجر عطفاً على الجلف أو الخبز وهو الظاهر المفهوم من كلام الشراح‏.‏ وفي بعض النسخ يعني من المشكاة بالرفع بناء على أنه إحدى الخصال، قيل أراد بالحق ما وجب له من الله من غير تبعة في الاَخرة وسؤال عنه، وإذا اكتفى بذلك من الحلال لم يسأل عنه لأنه من الحقوق التي لا بد للنفس منها‏.‏ وأما ما سواه من الحظوظ يسأل عنه ويطالب بشكره‏.‏ وقال القاضي رحمه الله‏:‏ أراد بالحق ما يستحقه الإنسان لافتقاره إليه وتوقف تعيشه عليه، وما هو المقصود الحقيقي من المال‏.‏ وقيل أراد به ما لم يكن له تبعة حساب إذا كان مكتسباً من وجه حلال انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الحاكم في مستدركه قال المناوي إسناده صحيح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن مطرف‏)‏ بن عبد الله بن الشخير العامري الجرشي البصري ثقة عابد فاضل من الثانية ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي عبد الله بن الشخير بن عوف العامري صحابي من مسلمة الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي وصل إليه ‏(‏وهو‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ألهاكم التكاثر‏)‏ أي أشغلكم طلب كثرة المال ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏مالي مالي‏)‏ أي يغتر بنسبة المال إلى نفسه تارة، ويفتخر به أخرى ‏(‏وهل لك من مالك‏)‏ أي هل يحصل لك من المال وينفعك في المال ‏(‏إلا ما تصدقت فأمضيت‏)‏ أي فأمضيته وأبقيته لنفسك يوم الجزاء قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما عندكم ينفد وما عند الله باق‏}‏ وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له‏}‏‏.‏ ‏(‏أو أكلت‏)‏ أي استعملت من جنس المأكولات والمشروبات ففيه تغليب أو اكتفاء ‏(‏فأفنيت‏)‏ أي فأعدمتها ‏(‏أو لبست‏)‏ من الثياب ‏(‏فأبليت‏)‏ أي فأخلقتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم في الزهد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمر بن يونس‏)‏ بن القاسم الخفي أبو حفص اليمامي الجرشي ثقة من التاسعة ‏(‏أخبرنا عكرمة بن عمار‏)‏ العجلي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة صدوق يغلط‏.‏ وفي روايته عن يحيى بن كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب من الخامسة ‏(‏أخبرنا شداد بن عبد الله‏)‏ القرشي أبو عمار الدمشقي ثقة يرسل من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنك إن تبذل الفضل‏)‏ أي إنفاق الزيادة على قدر الحاجة والكفاف فإن مصدرية مع مدخولها مبتدأ خبره ‏(‏خير لك‏)‏ أي في الدنيا والأخرى ‏(‏وإن تمسكه‏)‏ أي ذلك الفضل وتمنعه‏.‏ قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنك أن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، هو بفتح همزة أن معناه أن بذلت الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه، وإن أمسكته فهو شر لك لأنه إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه وإن أمسك عن المندوب فقد نقص ثوابه وفوت مصلحة نفسه في آخرته وهذا كله شر انتهى ‏(‏ولا تلام على كفاف‏)‏ بالفتح وهو من الرزق القوت وهو ما كف عن الناس وأغنى عنهم‏.‏ والمعنى لا تذم على حفظه وإمساكه أو على تحصيله وكسبه ومفهومه إنك إن حفظت أكثر من ذلك ولم تتصدق بما فضل عنك فأنت مذموم وبخيل وملوم، قاله القاري‏.‏ وقال النووي‏:‏ معنى لا تلام على كفاف أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه وهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي كمن كان له نصاب زكوي ووجبت الزكاة بشروطها وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه وجب عليه إخراج الزكاة ويحصل كفايته من جهة مباحة انتهى‏.‏ ‏(‏وابدأ‏)‏ أي ابتدئ في إعطاء الزائد على قدر الكفاف ‏(‏بمن تعول‏)‏ أي بمن تمونه ويلزمك نفقته‏.‏ قال النووي فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم‏.‏ وفيه الابتداء بالأهم فالأهم في الأمور الشرعية ‏(‏اليد العليا‏)‏ أي النفقة ‏(‏خير من اليد السفلى‏)‏ أي السائلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم في الزكاة‏.‏

1539- باب في التوكل على الله

2382- حَدّثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ، حدثنا ابنُ المُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الله بنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيم الْجَيْشَانِيّ، عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ أَنّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكّلُونَ عَلَى الله حَقّ تَوَكّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطّيْرُ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَأَبُو تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ مَالِكٍ‏.‏

2383- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارِ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ الطّيالِسيّ، حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ كَان أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَالاََخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لَعَلّكَ تُرْزَقُ بِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

2384- حَدّثنا عَمْرُو بنُ مَالِكٍ، وَ مَحْمُودُ بنُ خِدَاشٍ البَغْدَادِيّ، قَالاَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الرحمنِ بنُ أَبي شُمَيْلَةَ الأَنْصَارِيّ عَنْ سَلَمَةَ بنِ عُبَيْدِ الله بنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيّ، عن أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحبةٌ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِه مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدّنْيَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ‏.‏ حيزَتْ‏:‏ جُمِعَتْ‏.‏

2385- حدّثنا بذلك محمدُ بنُ إِسْمَاعيِلَ، أَخْبَرَنَا الْحُمَيْدِيّ، أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ نَحْوَهُ‏.‏

وفي البابِ عن أَبي الدرداء‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن سعيد‏)‏ بن مسروق الكندي الكوفي صدوق من العاشرة ‏(‏عن بكر بن عمرو‏)‏ المعافري المصري إمام جامعها، صدوق عابد من السادسة ‏(‏عن عبد الله بن هبيرة‏)‏ بضم الهاء وفتح الموحدة مصغراً ابن أسعد السبائى بفتح المهملة والموحدة ثم همزة مقصورة، الحضرمي كنيته أبو هبيرة المصري ثقة من الثالثة ‏(‏عن أبي تميم الجيشاني‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم بمهملتين أبو تميم الجيشاني بجيم وياء ساكنة بعدها معجمة مشهورة بكنيته المصري ثقة مخضرم من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو انكم كنتم توكلون‏)‏ بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي تعتمدون ‏(‏حق توكله‏)‏ بأن تعلموا يقيناً أن لا فاعل إلا الله، وأن لا معطي ولا مانع إلا هو ثم تسعون في الطلب بوجه جميل وتوكل ‏(‏لرزقتم كما ترزق الطير‏)‏ بمثناة فوقية مضمومة أوله ‏(‏تغدو‏)‏ أي تذهب أول النهار ‏(‏خماصاً‏)‏ بكسر الخاء المعجمة جمع خميص أي جياعاً ‏(‏وتروح‏)‏ أي ترجع آخر النهار ‏(‏بطاناً‏)‏ بكسر الموحدة جمع بطين، وهو عظيم البطن والمراد شباعاً‏.‏ قال المناوي أي تغدو بكرة وهي جياع وتروح عشاء وهي ممتلئه الأجواف، فالكسب ليس برازق بل الرازق هو الله تعالى فأشار بذلك إلى أن التوكل ليس التبطل والتعطل، بل لا بد فيه من التوصل بنوع من السبب لأن الطير ترزق بالسعي والطلب، ولهذا قال أحمد‏:‏ ليس في الحديث ما يدل على ترك الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق، وإنما أراد لو توكلوا على الله في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وعلموا أن الخير بيده لم ينصرفوا إلا غانمين سالمين كالطير‏.‏ لكن اعتمدوا على قوتهم وكسبهم وذلك لا ينافي التوكل انتهى‏.‏ وقال الشيخ أبو حامد‏:‏ وقد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة أو كلحم على وضم، وهذا ظن الجهال، فإن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على المتوكلين فكيف ينال مقام من مقامات الدين محظور من محظورات الدين، بل نكشف عن الحق فيه فنقول‏:‏ إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعمله إلى مقاصده‏.‏ وقال الإمام أبو القاسم القشيري‏:‏ اعلم أن التوكل محله القلب، وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب بعدما يحقق العبد أن الرزق من قبل الله تعالى، فإن تعسر شيء فبتقديره وإن تيسر شيء فبتيسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كان أخوان‏)‏ أي اثنان من الإخوان ‏(‏على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي في زمنه فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم أي لطلب العلم والمعرفة ‏(‏والاَخر يحترف‏)‏ أي يكتسب أسباب المعيشة فكأنهما كانا يأكلان معاً ‏(‏فشكا المحترف‏)‏ أي في عدم مساعدة أخيه إياه في حرفته وفي كسب آخر لمعيشته فقال ‏(‏لعلك ترزق به‏)‏ بصيغة المجهول أي أرجو وأخاف أنك مرزوق ببركته لأنه مرزوق بحرفتك فلا تمنن عليه بصنعتك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ومعنى لعل في قوله‏:‏ لعلك يجوز أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفيد القطع والتوبيخ كما ورد فهل ترزقون إلا بضعفائكم وأن يرجع المخاطب ليبعثه على التفكر والتأمل فينتصف من نفسه، انتهى‏.‏ وحديث أنس هذا ذكره صاحب المشكاة‏.‏ وقال رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح غريب انتهى‏.‏ وليس قول الترمذي هذا في النسخ الحاضرة عندنا‏.‏ وأخرجه أيضاً الحاكم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو بن مالك‏)‏ الراسبي أبو عثمان البصري ضعيف من العاشرة ‏(‏ومحمود بن خداش البغدادي‏)‏ قال في التقريب محمود بن خداش بكسر المعجمة ثم مهملة خفيفة وآخره معجمة الطالقاني نزيل بغداد صدوق من العاشرة ‏(‏حدثنا عبد الرحمن بن أبي سميلة‏)‏ بمعجمة مصغراً الأنصاري المدني القبائي بضم القاف وتخفيف الموحدة‏.‏ ممدود مقبول من السابعة ‏(‏عن سلمة بن عبيد الله بن محصن‏)‏ بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين‏.‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ سلمة بن عبد الله ويقال ابن عبيد الله بن محصن الأنصاري الخطمي المدني مجهول من الرابعة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن أبيه ويقال له صحبة‏.‏ وروى عنه عبد الرحمن بن أبي شميلة الأنصاري ذكره ابن حبان في الثقات له في السنن حديث واحد‏:‏ من أصبح منكم آمناً في سربه الحديث‏.‏ قال وقال أحمد‏:‏ لا أعرفه‏.‏ وقال العقيلي‏:‏ لا يتابع على حديثه انتهى‏.‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي عبيد الله بن محصن قال في التقريب عبد الله بن محصن الأنصاري يقال عبيد الله بالتصغير ورجح، مختلف في صحبته له حديث انتهى‏.‏ ‏(‏وكانت له صحبة‏)‏ قال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ قال ابن عبد البر أكثرهم يصحح صحبته‏.‏ وقال أبو نعيم‏:‏ أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه‏.‏ وذكره البخاري وغير واحد فيمن اسمه عبيد الله يعني مصغراً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أصبح منكم‏)‏ أي أيها المؤمنون ‏(‏آمناً‏)‏ أي غير خائف من عدو ‏(‏في سربه‏)‏ المشهور كسر السين أي في نفسه، وقيل السرب الجماعة، فالمعنى في أهله وعياله، وقيل بفتح السين أي في مسلكه وطريقه، وقيل بفتحتين أي في بيته‏.‏ كذا ذكره القاري عن بعض الشراح‏.‏ وقال التوربشتي رح أبي بعضهم إلا السرب بفتح السين والراء أي في بيته ولم يذكر فيه رواية‏:‏ ولو سلم له قوله أن يطلق السرب على كل بيت كان قوله هذا حرباً بأن يكون أقوى الأقاويل إلا أن السرب يقال للبيت الذي هو في الأرض‏.‏ وفي القاموس‏:‏ السرب الطريق وبالكسر الطريق والبال والقلب والنفس والجماعة، وبالتحريك جحر الوحشي والحفير تحت الأرض انتهى‏.‏ فيكون المراد من الحديث المبالغة في حصول الأمن ولو في بيت تحت الأرض ضيق كجحر الوحش أو التشبيه به في خفائه وعدم ضياعه ‏(‏معافى‏)‏ اسم مفعول من باب المفاعلة أي صحيحاً سالماً من العلل والأسقام ‏(‏في جسده‏)‏ أي بدنه ظاهراً وباطناً ‏(‏عنده قوت يومه‏)‏ أي كفاية قوته من وجه الحلال ‏(‏فكأنما حيزت‏)‏ بصيغة المجهول من الحيازة وهي الجمع والضم ‏(‏له‏)‏ الضمير عائد لمن رابط للجملة أي جمعت له ‏(‏الدنيا‏)‏ وزاد في المشكاة بحذافيرها‏.‏ قال القاري أي بتمامها والحذافير الجوانب، وقيل الأعالي واحدها حذفار أو حذفور‏.‏ والمعنى فكأنما أعطى الدنيا بأسرها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري رح ‏(‏أخبرنا الحميدي‏)‏ هو عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي المكي أبو بكر ثقة حافظ فقيه أجل أصحاب ابن عيينة من العاشرة‏.‏ قال الحاكم‏:‏ كان البخاري إذا وجد الحديث عند الحميدي لا يعدوه إلى غيره كذا في التقريب‏.‏

1540- باب مَا جَاءَ في الكَفَافِ والصّبْرِ عَلَيْه

قال في النهاية‏:‏ الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه

2386- أخبرنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرِ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيّوبَ، عن عُبَيْدٍ اللّهِ بنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيّ بنِ يَزِيدَ، عَنْ الْقَاسِمِ أَبي عَبْدِ الرحمنِ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُوحَظٍ مِنَ الصّلاَةِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبّهِ وَأَطَاعَهُ فِي السّرّ وَكَانَ غَامِضاً فِي النّاسِ لا يُشَارُ إِلَيْهِ بالاصَابِعِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبرَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ ثم نَقَرَ بإصْبَعَيْهِ فَقَالَ‏:‏ عُجّلْتْ مَنِيّتُهُ قَلّتْ بَوَاكِيهِ قَلّ تُرَاثُهُ‏"‏‏.‏ وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏عَرَضَ عَلَيّ رَبّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكّةَ ذَهَباً‏.‏ قلت‏:‏ لاَ يَا رَبّ، وَلَكِنْ أشْبَعُ يَوْماً وَأَجُوعُ يَوْماً، أَوْ قَالَ ثَلاَثاً، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ‏"‏ قَالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

وفي البابِ عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدِ القَاسم‏.‏

هذا هُوَ ابنُ عَبْدِ الرحْمنِ وَيُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرحمنِ، وَيقالُ أَيضاً يكنيِ أَبا عبد الملك وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرحمنِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ شَامِيّ ثِقَةٌ، وَعَلِيّ بنُ يَزِيدَ ضعيف الْحَدِيثِ وَيُكْنَى أَبا عَبْدِ المَلِكِ‏.‏

2387- حدثنا العَبّاسُ بنُ محمد الدّورِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِيّ، حدثنا سَعِيدُ بنُ أَبِي أَيّوبَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن الحُبُلِيّ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏:‏ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏قَدْ أَفَلَح مَنْ أَسْلَم وكان رزقه كَفَافَاً وَقَنّعَهُ الله‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

2388- حدّثنا عَبّاسُ بنُ مُحمدٍ الدّورِيّ، أَخْبَرنَا عَبدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِيّ، حدثنا حَيْوَةُ بنُ شُرَيحٍ أَبُو هَانِيء الْخَوْلاَنِيّ‏:‏ أَنّ أَبَا عَلِيٍ عَمْرو بنَ مَالِكِ الْجَنْبِيّ، أَخْبَرَهُ عَنْ فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ لْلاِسْلاَمِ وَكَاَنَ عَيْشُهُ كَفَافاً وَقَنَعَ‏"‏ قال وَأَبُو هَانِيءِ الْخَوْلاَنِيّ اسْمُهُ حُمَيْدُ بنُ هانئ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسن صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن أيوب‏)‏ هو الغافقي ‏(‏عن عبيد الله بن زحر‏)‏ بفتح الراء وسكون المهملة الضمري مولاهم الإفربقي صدوق يخطئ من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أغبط أوليائي‏)‏ أفعل تفضيل بني للمفعول لأن المغبوط به حاله أي أحسنهم حالا وأفضلهم مالا ‏(‏عندي‏)‏ أي في اعتقادي ‏(‏لمؤمن‏)‏ اللام زائدة‏.‏ في خبر المبتدأ للتأكيد أو هي للابتداء أو المبتدأ محذوف أي لهو مؤمن ‏(‏خفيف الحاذ‏)‏ بتخفيف الذال المعجمة أي خفيف الحال الذي يكون قليل المال وخفيف الظهر من العيال‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ الحاذ والحال واحد وأصل الحاذ طريقة المتن وهو ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس أي خفيف الظهر من العيال انتهى‏.‏ ومجمل المعنى‏:‏ أحق أحبائي وأنصاري عندي بأن يغبط ويتمنى حاله مؤمن بهذه الصفة ‏(‏ذو حظ من الصلاة‏)‏ أي ومع هذا هو صاحب لذة وراحة من المناجاة مع الله والمراقبة واستغراق في المشاهدة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قرة عيني في الصلاة‏.‏ وأرحنا بها يا بلال‏"‏ قاله القاري ‏(‏أحسن عبادة ربه‏)‏ تعميم بعد تخصيص والمراد إجادتها على الإخلاص ‏(‏وأطاعه في السر‏)‏ أي كما أطاعه في العلانية فهو من باب الاكتفاء والتخصيص لما فيه من الاعتناء قاله القاري‏.‏ وجعله الطيبي عطف تفسير على أحسن وكذا المناوي ‏(‏وكان غامضاً‏)‏ أي خاملاً خافياً غير مشهور ‏(‏في الناس‏)‏ أي فيما بينهم ‏(‏لا يشار إليه بالأصابع‏)‏ بيان وتقرير لمعنى الغموض ‏(‏وكان رزقه كفافاً‏)‏ أي بقدر الكفاية لا أزيد ولا أنقص ‏(‏فصبر على ذلك‏)‏ أي على الرزق الكفاف أو على الخمول والغموض، أو على ما ذكر دلالة على أن ملاك الأمر الصبر وبه يتقوى على الطاعة قال تعالى ‏(‏واستعينوا بالصبر والصلاة‏)‏ وقال ‏(‏أولئك يجزون الغرفة بما صبروا‏)‏ ‏(‏ثم نقر بيديه‏)‏ بفتح النون والقاف وبالراء‏.‏ ووقع في المشكاة نقد بالدال المهملة بدل الراء، قال في المجمع‏:‏ ثم نقد بيده بالدال من نقدته بأصبعي واحداً بعد واحد وهو كالنقر بالراء ويروي به أيضاً والمراد ضرب الأنملة على الأنملة أو على الأرض كالمتقلل للشيء أي يقلل عمره وعدد بواكيه ومبلغ تراثه‏.‏ وقيل هو فعل المتعجب من الشيء‏.‏ وقيل للتنبيه على أن ما بعده مما يهتم به ‏(‏عجلت‏)‏ بصيغة المجهول من التعجيل ‏(‏منيته‏)‏ أي موته قال في المجمع‏:‏ أي يسلم روحه سريعاً لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شوقه إلى الاَخرة‏.‏ أو أراد أنه قليل مؤن الممات كما كان قليل مؤن الحياة، أو كان قبض روحه سريعاً ‏(‏قلت بواكيه‏)‏ جمع باكية أي امرأة تبكي على الميت ‏(‏قل تراثه‏)‏ أي ميراثه وماله المؤخر عنه مما يورث وتراث الرجل ما يخلفه بعد موته من متاع الدنيا وتاءه بدل من الواو‏.‏ وحديث أبي أمامة هذا أخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبهذا الإسناد‏)‏ أي بالإسناد المذكور المتقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرض علي ربي‏)‏ أي إلى عرضاً حسياً أو معنوياً وهو الأظهر‏.‏ والمعنى شاورني وخيرني بين الوسع في الدنيا، واختيار البلغة لزاد العقبي من غير حساب ولا عتاب‏.‏ قاله القاري ‏(‏بطحاء مكة‏)‏ أي أرضها ورمالها ‏(‏ذهباً‏)‏ أي يدل حجرها ومدرها‏.‏ وأصل البطحاء مسيل الماء، وأراد هنا عرصة مكة وصحاريها فإضافته بيانية‏.‏ قال الطيبي‏:‏ قوله بطحاء مكة تنازع فيه عرض وليجعل أي عرض على بطحاء مكة ليجعلها لي ذهباً، وقال في اللمعات‏:‏ وجعلها ذهباً- إما يجعل حصاه ذهباً أو ملء مثله بالذهب‏.‏ والأول أظهر وجاء في بعض الروايات‏:‏ جعل جبالها ذهباً انتهى ‏(‏قلت لا‏)‏ أي لا أريد ولا أختار ‏(‏ولكن أشبع يوماً‏)‏ أي أختار أو أريد أن أشبع وقتاً أي فأشكر ‏(‏وأجوع يوماً‏)‏ أي فأصبر ‏(‏أو قال ثلاثاً أو نحو هذا‏)‏ شك من الراوي ‏(‏تضرعت إليك‏)‏ بعرض الافتقار عليك ‏(‏وذكرتك‏)‏ أي في نفسي وبلساني ‏(‏فإذا شبعت شكرتك‏)‏ على إشباعك وسائر نعمائك ‏(‏وحمدتك‏)‏ أي بما ألهمتني من ثنائك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن فضالة بن عبيد‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعلي بن يزيد يضعف في الحديث الخ‏)‏ قال في التقريب‏:‏ علي بن يزيد ابن أبي زياد الألهاني أبو عبد الملك الدمشقي صاحب القاسم بن عبد الرحمن ضعيف من السادسة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن شرحبيل بن شريك‏)‏ المعافري أبي محمد المصري ويقال شرحبيل ابن عمرو بن شريك صدوق من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد أفلح‏)‏ أي فاز وظفر بالمقصود ‏(‏من أسلم‏)‏ أي انقاد لربه ‏(‏ورزق‏)‏ أي من الحلال ‏(‏كفافاً‏)‏ أي ما يكف من الحاجات ويدفع الضرورات ‏(‏وقنعه الله‏)‏ أي جعله قانعاً بما آتاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي‏)‏ بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحدة، الهمداني بصري ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طوبى لمن هدي للإسلام‏)‏ ببناء هدي للمفعول ‏(‏وكان عيشه كفافاً‏)‏ أي لا ينقص عن حاجته ولا يزيد على كفايته فيبطر ويطغي‏.‏ ‏(‏وقنع‏)‏ كمنع أي رضي بالقسم ولم تطمح نفسه لزيادة عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه ابن حبان والحاكم‏.‏ قال المناوي في شرح الجامع الصغير‏:‏ قال الحاكم على شرط مسلم وأقروه‏.‏

1541- باب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الفَقْر

2389- حَدّثنا مُحمدُ بنُ عَمْرِو بنِ نَبْهَانَ بنِ صَفْوَانَ الثقَفِيّ البَصْرِيّ، أَخْبَرنَا رَوْحُ بنُ أَسْلَمَ، أَخْبَرنَا شَدّادٌ أَبُو طَلْحَةَ الرّاسِبِيّ، عَنْ أَبي الوَازِعِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفّلٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَجُلٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ الله وَالله إِنّي لأُحِبّكَ، فَقَالَ لَهُ ‏"‏انْظُرْ مَا تَقُولُ‏"‏، قَالَ وَالله إِنّي لأُحِبّكَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، فقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنْ كِنْتَ تُحِبّنِي فَأَعِدّ لِلفَقْرِ تِجْفَافاً، فَإِنّ الفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبّنِي مِنَ السّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ‏"‏‏.‏

2390- حدّثنا نَصْرُ بنُ عَلِيٍ، حدثنا أَبي، عَنْ شَدّادٍ أَبي طَلْحَةَ نَحْوَهُ بِمْعَنَاهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ، وَأَبُو الوَازِعِ الرّاسِبِيّ اسْمُهُ جَابِرُ بنُ عَمْرٍو، وَهُوَ بَصْرِيٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا روح‏)‏ بفتح راء وسكون واو وإهمال حاء ‏(‏بن أسلم‏)‏ الباهلي أبو حاتم البصري ضعيف من التاسعة ‏(‏أخبرنا شداد‏)‏ بن سعيد ‏(‏أبو طلحة الراسي‏)‏ البصري، صدوق يخطئ من الثامنة ‏(‏عن أبي الوازع‏)‏ اسمه جابر بن عمرو الراسي صدوق يهم من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله إني لأحبك‏)‏ أي حباً بليغاً وإلا فكل مؤمن يحبه ‏(‏فقال له انظر ما تقول‏)‏ أي رمت أمراً عظيماً وخطباً خطيراً فتفكر فيه، فإنك توقع نفسك في خطر‏.‏ وأي خطر أعظم من أن يستهدفها غرضاً لسهام البلايا والمصائب، فهذا تمهيد لقوله‏:‏ فأعد للفقر تجفافاً ‏(‏قال والله إني لأحبك ثلاث مرات‏)‏ ظرف لقال ‏(‏إن كنت تحبني‏)‏ حباً بليغاً كما تزعم ‏(‏فأعد‏)‏ أمر مخاطب من الإعداد، أي فهيء ‏(‏للفقر‏)‏ أي بالصبر عليه بل بالشكر والميل إليه ‏(‏تجفافاً‏)‏ بكسر الفوقية وسكون الجيم‏:‏ أي درعاً وجنة‏.‏ ففي المغرب‏:‏ هو شيء يلبس على الخيل عند الحرب كأنه درع، تفعال من جف لما فيه من الصلابة واليبوسة انتهى‏.‏ فتاؤه زائدة على ما صرح به في النهاية‏.‏ وفي القاموس‏:‏ التجفاف بالكسر آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب‏.‏ فمعنى الحديث‏:‏ إن كنت صادقاً في الدعوى ومحقاً في المعنى فهيء آلة تنفعك حال البلوى، فإن البلاء والولاء متلازمان في الخلا والملا‏.‏ ومجمله أنه تهيأ للصبر خصوصاً على الفقر لتدفع به عن دينك بقوة يقينك ما ينافيه من الجزع والفزع، وقلة القناعة وعدم الرضا بالقسمة‏.‏ وكني بالتجفاف عن الصبر لأنه يستر الفقر كما يستر التجفاف البدن عن الضر‏.‏ قاله القاري‏:‏ ‏(‏من السيل‏)‏ أي إذا انحدر من علو ‏(‏إلى منتهاه‏)‏ أي مستقره في سرعة وصوله‏.‏ والمعنى أنه لابد من وصول الفقر بسرعة إليه، ومن نزول البلايا والرزايا بكثرة عليه، فإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، خصوصاً سيد الأنبياء، فيكون بلاؤه أشد بلائهم، ويكون لأتباعه نصيب على قدر ولائهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا نصر بن علي‏)‏ بن نصر بن علي الجهضمي، ثقة ثبت، طلب للقضاء فامتنع من العاشرة ‏(‏أخبرنا أبي‏)‏ أي علي بن نصر بن علي الجهضمي البصري، ثقة من كبار التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

1542- باب مَا جَاءَ أَنّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ يَدخُلُونَ الْجَنّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائهِم

2391- حَدّثنا محمدُ بنُ مُوسَى البَصْرِيّ، أَخْبَرنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ الله، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيّةَ بنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فُقُرَاءُ المُهَاجِرِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِخَمْسِمَائةِ سنة‏"‏‏.‏ وفي البابِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏

2392- حدّثنا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ وَاصِلٍ الْكُوفِيّ، أَخْبَرنَا ثَابِتُ بنُ مُحمّدٍ العَابِدُ الكُوفِيّ، أَخْبَرنَا الْحَارِثُ بنُ النّعْمَانِ الّليْثِيّ عن أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الّلهُمّ أَحْيِنِي مِسْكِيناً وَأَمِتْنِي مِسْكِيناً وَاحْشُرْنِي في زُمْرَةِ المَسَاْكِينِ يَوْمَ القِيَامَةِ‏"‏‏.‏ فَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ لِمَ يَا رَسُولَ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً، يَا عَائِشَةُ لاَ تَرُدّي المِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ أحِبّي المَسَاكِينَ وَقَرّبيهِمْ فَإِنّ الله يُقَرّبُكِ يَومَ القِيَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

2393- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا قَبِيصَةُ، حدثنا سُفْيَانُ عن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَمَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمَائةِ عَامٍ، نِصْفِ يَوْمٍ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2394- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا المُحَارِبيّ، عن مُحمدِ بنِ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَمَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَدْخُلُ فُقَرَاءِ المُسْلِمِنَ الْجَنّةَ قَبْلَ أَغنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَهُوَ خَمْسُمَائَةِ عَامٍ‏"‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2395- حدّثنا العَبّاسُ بنُ مُحَمّدِ الدّورِيّ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِيّ، أَخْبَرنَا سَعِيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ عن عَمْرٍو بنِ جَابِرِ الْحَضْرَمِيّ، عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏تدخل فُقَرَاءُ المُسْلِمينَ الْجَنّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بأَرْبَعِينَ خَرِيفاً‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا زياد بن عبد الله‏)‏ بن الطفيل العامر البكائي‏.‏ أبو محمد الكوفي صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين من الثامنة ولم يثبت أن وكيعاً كذبه‏.‏ وله في البخاري موضع واحد متابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة‏)‏ فالفقراء في تلك المدة لهم حسن العيش في العقبى مجازاة لما فاتهم من التنعم في الدنيا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية‏}‏ أي الماضية أو الخالية عن المأكل والمشرب صياماً أو وقت المجاعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه مسلم في الزهد‏.‏ وفيه أن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا ثابت بن محمد العابد الكوفي‏)‏ أبو محمد، ويقال أبو إسماعيل صدوق زاهد، يخطئ في أحاديث من التاسعة ‏(‏أخبرنا الحارث بن النعمان‏)‏ بن سالم الليثي الكوفي ابن أخت سعيد بن جبير ضعيف من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم أحيني مسكيناً‏)‏ قيل هو من المسكنة وهي الذلة والافتقار، فأراد صلى الله عليه وسلم بذلك إظهار تواضعه، وافتقاره إلى ربه، إرشاداً لأمته إلى استشعار التواضع، والاحتراز عن الكبر والنخوة، وأراد بذلك التنبيه على علو درجات المساكين وقربهم من الله تعالى قاله الطيبي رحمه الله ‏(‏واحشرني في زمرة المساكين‏)‏ أي أجمعني في جماعتهم بمعنى أجعلني منهم لكن لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل الإخبات والتواضع والخشوع‏.‏ قال السهروردي‏:‏ لو سأل الله أن يحشر المساكين في زمرته لكان لهم الفخر العميم والفضل العظيم، فكيف وقد سأل أن يحشر في زمرتهم‏؟‏ ‏(‏لم يا رسول الله‏)‏ أي لأي شيء دعوت هذا الدعاء واخترت الحياة والممات والبعث مع المساكين والفقراء دون أكابر الأغنياء ‏(‏قال إنهم‏)‏ استئناف في معنى التعليل، أي لأنهم مع قطع النظر عن بقية فضائلهم وحسن أخلاقهم وشمائلهم ‏(‏بأربعين خريفاً‏)‏ أي بأربعين سنة، قال الجزري في النهاية‏:‏ الخريف الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء، ويريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، فإذا انقضى أربعون خريفاً فقد مضت أربعون سنة انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف التوفيق، بين هذا الحديث وبين الحديث السابق، فإنهما بظاهرهما متخالفان‏.‏

قلت‏:‏ أوجه التوفيق بينهما أن يقال المراد بكل من العددين إنما هو التكثير لا التحديد، فتارة عّبر به وأخرى بغيره تفنناً ومآلهما واحد أو أخبر أولاً بأربعين كما أوحى إليه ثم أخبر ثانياً بخمس مائة عام زيادة من فضله على الفقراء ببركته صلى الله عليه وسلم والتقدير بأربعين خريفاً إشارة إلى أقل المراتب وبخمسمائة عام إلى أكثرها‏.‏ ويدل عليه ما رواه الطبراني عن مسلمة بن مخلد ولفظه‏:‏ سبق المهاجرون الناس بأربعين خريفاً إلى الجنة ثم يكون الزمرة الثانية مائة خريف‏.‏ فالمعنى أن يكون الزمرة الثالثة مائتين وهلم جرا وكأنهم محصورون في خمس زمر أو الاختلاف باختلاف مراتب أشخاص الفقراء في حال صبرهم ورضاهم وشكرهم، وهو الأظهر المطابق لما في جامع الأصول حيث قال‏:‏ وجه الجمع بينهما أن الأربعين أراد بها تقدم الفقير الحريص على الغني‏.‏ وأراد بالخمس مائة تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد وهذه نسبة الأربعين إلى الخمس مائة، ولا تظنن أن التقدير وأمثاله يجري على لسان النبي صلى الله عليه وسلم جزافاً، ولا باتفاق بل لسر أدركه ونسبة أحاط بها علمه، فإنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ‏(‏أحيي المساكين‏)‏ أي بقلبك ‏(‏وقربيهم‏)‏ أي إلى مجلسك حال تحديثك ‏(‏فإن الله يقربك يوم القيامة‏)‏ أي بتقريبهم تقريباً إلى الله سبحانه وتعالى‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ إن لم يكن دليل آخر غير هذا الحديث لكفى حجة واضحة على أن الفقير الصابر خير من الغني الشاكر‏.‏ وأما حديث‏:‏ الفقر فخري وبه أفتخر‏.‏ فباطل لا أصل له على ما صرح به من الحفاظ العسقلاني وغيره‏.‏ وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفراً، فهو ضعيف جداً وعلى تقدير صحته فهو محمول على الفقر القلبي المؤدي إلى الجزع والفزع بحيث يفضي إلى عدم الرضاء بالقضاء، والاعتراض على تقسيم رب الأرض والسماء، ولذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ليس الغني عن كثرة العرض إنما الغنى غني النفس‏"‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ في التلخيص قوله يستدل على أن الفقير أحسن حالاً من المسكين بما نقل‏:‏ الفقر فخري وبه أفتخر‏.‏ وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال‏:‏ إنه كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المروية، وجزم الصغائي بإنه موضوع انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما وجه الجمع بين حديث هذا وبين حديث عائشة الذي فيه استعاذته صلى الله عليه وسلم من الفقر‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب، والذي اختاره وارتضاه طرح المال‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت والكفاف، ولا يستقر معه في النفس غنى، لأن الغنى عنده صلى الله عليه وسلم غنى النفس وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ووجدك عائلاً فأغنى‏}‏ ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله‏.‏ وكان الغني في محله قلبه ثقة بربه، وكان يستعيذ من فقر منس وغنى مطغ، وفيه دليل على أن الغنى والفقر طرفين مذمومين، وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان‏.‏ وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي واستغربه، وإسناده ضعيف‏.‏ وقال وفي الباب عن أبي سعيد رواه ابن ماجه وفي إسناده ضعف أيضاً، وله طريق أخرى في المستدرك من حديث عطاء عنه وطوله البيهقي ورواه البيهقي من حديث عبادة بن الصامت‏.‏

تنبيه‏:‏

أسرف ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في الموضوعات وكأنه أقدم عليه لما رآه مبايناً للحال التي مات عليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مكفياً‏.‏ قال البيهقي‏:‏ ووجهه عندي أنه لم يسأل المسكنة التي يرجع معناها إلى القلة، وإنما سأل المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏بخمسمائة عام نصف يوم‏)‏ بالجر على أنه بدل، أو عطف بيان عن خمسمائة عام، فإن اليوم الأخروي مقدار طوله ألف سنة من سني الدنيا، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون‏}‏ فنصفه خمسمائة‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‏}‏ فمخصوص من عموم ما سبق أو محمول على تطويل ذلك اليوم على الكفار كما يطوى حتى يصير كساعة بالنسبة إلى الأبرار كما يدل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال المنذري بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه‏.‏ وقال الترمذي حديث حسن صحيح‏.‏ قال ورواته محتج بهم في الصحيح انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن جابر الحضرمي‏)‏ أبي زرعة المصري، ضعيف شيعي، من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والتحسين للشواهد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وهو خمسمائة عام‏)‏ فإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ تقدم هذا الحديث آنفاً من وجه آخر‏.‏

1543- باب مَا جَاءَ في مَعِيشَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأَهْله

2396- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا عَبّادُ بنُ عَبّادٍ المُهَلّبِيّ، عن مُجَالِدٍ، عن الشّعْبِيّ، عن مَسْرُوقٍ قالَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَدَعَتْ لِي بِطَعَامٍ وَقَالَتْ‏:‏ ‏"‏مَا أَشْبَعُ مِنْ طَعَامٍ فَأَشَاءُ أَنْ أَبْكِي إِلاّ بَكَيْتُ‏.‏ قالَ‏:‏ قُلْتُ لِمَ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ أَذْكُرُ الْحَالَ الّتِي فَارَقَ عَلَيْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الدّنْيَا‏:‏ وَالله مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ مَرّتَيْنِ في يَوْمٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2397- حدّثنا مَحمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبأَنَا شُعْبَةُ عن أَبي إِسْحَاقَ، قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرحمنِ بنَ يَزِيدَ يُحَدّثُ، عن الأَسْوَدِ بن يزيد، عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏مَا شَبِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم منْ خُبْزِ شَعِير يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتّى قُبِضَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وَفي البَابِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

2398- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحمّدُ بنُ العَلاءِ، حدثنا المُحَارِبِيّ، حدثنا يَزِيدَ بنِ كَيْسَانَ، عن أَبي حَازِمٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏مَا شَبِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ ثَلاَثاً تِبَاعاً مِنْ خُبْزِ البُرّ حَتّى فَارَقَ الدّنْيَا‏"‏‏.‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ حسن غريب من هذا الوجه‏.‏

2399- حدّثنا عَبّاسُ بنُ مُحمدِ الدّورِيّ، أَخْبَرنَا يَحْيَى بنُ أَبي بُكَيْرٍ، أَخْبَرنَا جَرير بنُ عُثْمَانَ، عن سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ يَفْضُلُ عن أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خُبْزُ الشّعِيرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ منْ هذَا الْوَجْهِ، ويحْيَى بن أَبي بكير هذا كوفي، وابو بكير، والد يحيى روى له سفيان الثوري، ويحيى بن عبد الله بن بكير مصري صاحب الليث‏.‏

2400- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيّ، أَخْبَرنَا ثَابِتُ بنُ يزِيدَ، عن بِلاَلِ بنِ خَبّابٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، يبَيتُ الّليَالِيَ المُتَتَابِعَةَ طَاوِياً وَأَهْلهُ لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهُمْ خُبْزَ الشّعِيرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2401- حدثنا أبُو عَمّارٍ، حدثنا وَكِيعٌ، عن الأَعْمَشِ، عن عِمَارَةَ بنِ الْقَعْقَاعِ عن أبي زُرْعَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الّلهم اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمدٍ قُوتاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2402- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عن ثَابِتٍ، عن أَنَسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يَدّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَريبٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحديث، عن جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ عن ثَابِت، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

2403- حدّثنا عبدُ الله بن عَبْدِ الرّحْمَنِ، أَخْبَرنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍو، أَخْبَرنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عن سَعِيدِ بنِ أَبي عَروبَةَ، عن قَتَادَةَ، عن أَنَسِ س/ قالَ‏:‏ ‏"‏مَا أَكَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى خِوَانِ وَلاَ أَكَلَ خُبْزاً مُرَقّقاً حَتّى مَاتَ‏"‏‏.‏ قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بنِ أَبي عَرُوبَةٍ‏.‏

2404- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمنِ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ المَجِيدِ الْحَنَفِيّ، أخبرنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ عَبْدِ الله بنِ دينَارٍ، أخبرنا أَبُو حَازِمٍ، عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ أَنّهُ قِيلَ لَهُ‏:‏ أَكَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النّقِيّ يَعْنِي الْحُوّارَى‏؟‏ فَقَالَ سَهْلُ‏:‏ ما رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النّقِيّ حَتّى لَقِيَ الله‏.‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَنَاخِلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالَ‏:‏ مَا كَانَتْ لَنَا مَنَاخِلٌ‏.‏ قِيْلَ‏:‏ فكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بالشّعِيرِ‏؟‏ قالَ‏:‏ كُنّا نَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَثُمّ نُثَرّيهِ فَنَعْجِنُهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد رَوَاهُ مَالِكُ بنُ أَنَسِ، عن أَبي حَازِمٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ما أشبع من طعام‏)‏ بصيغة المتكلم المعلوم ‏(‏فأشاء أن أبكي‏)‏ أي أريد البكاء والفاء للتعقيب فإن البكاء لازم للشبع الذي يعقبه المشيئة وليست المشيئة لازمة للشبع‏:‏ ولذا قالت فأشاء لم يقتصر على ما أشبع من طعام إلا بكيت‏.‏ وقيل إنها للسببية ‏(‏والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز وزيت في يوم واحد مرتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ ما شبع آل محمد ‏(‏من خبز شعير‏)‏ فمن البر بالأولى ‏(‏حتى‏)‏ أي استمر عدم الشبع على الوجه المذكور حتى ‏(‏قبض‏)‏ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال القاري‏:‏ وفيه رد على من قال صار صلى الله عليه وسلم في آخر عمره غنياً، نعم وقع مال كثير في يده لكنه ما أمسكه بل صرفه في مرضاة ربه، وكان دائماً غني القلب بغنى الرب انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثاً‏)‏ أي ثلاثة أيام بلياليها ‏(‏تباعاً‏)‏ بكسر فوقية وخفة موحدة أي متوالية‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالباً كان بسبب قلة الشيء عندهم على أنهم كانوا قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن أبي بكير‏)‏ اسمه نسر الكرماني، كوفي الأصل، نزل ببغداد، ثقة من التاسعة ‏(‏أخبرنا حريز‏)‏ بفتح أوله وكسر الراء وآخره زاي ‏(‏بن عثمان‏)‏ الرحبي الحمصي، ثقة ثبت، رمي بالنصب من الخامسة ‏(‏عن سليم بن عامر‏)‏ هو الكلاعي الخبائري الحمصي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما كان يفضل‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الفضل ضد النقص، وقد فضل كنصر وعلم، وأما فضل كعلم يفضل كينصر فمركبة منهما انتهى‏.‏ والمعنى‏:‏ لم يتيسر لهم من دقيق الشعير ما إذا خبزوه يفضل عنهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أيضاً في الشمائل‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا ثابت بن يزيد‏)‏ الأحوال أبو زيد البصري وثقة ابن معين وأبو حاتم ‏(‏عن هلال بن خباب‏)‏ بمعجمة وموحدتين العبدي مولاهم أبو العلاء البصري نزيل المدائن، صدوق تغير بآخره من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يبيت الليالي المتتابعة طاوياً‏)‏ أي جائعاً‏.‏ قال في النهاية‏:‏ طوى من الجوع يطوي طوى فهو طاوٍ أي خالي البطن جائع لم يأكل انتهى ‏(‏لا يجدون عشاء‏)‏ بالفتح الطعام الذي يؤكل عند العشاء بالكسر وهو أول الظلام أو من المغرب إلى العتمة، أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ‏(‏وكان أكثر خبزهم‏)‏ أي خبز النبي صلى الله عليه وسلم وأهله ‏(‏خبز الشعير‏)‏ فكانوا يأكلونه من غير نخيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اجعل رزق آل محمد‏)‏ أي أهل بيته ‏(‏قوتاً‏)‏ أي بقدر ما يمسك الرمق من المطعم كذا في النهاية‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على الترفه والتبسط في الدنيا‏.‏ قال ومعنى الحديث أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من حالات الغنى والفقر جميعاً انتهى‏.‏ وقال ابن بطال‏:‏ فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفير نعيم الاَخرة، وايثاراً لما يبقى على ما يفنى، فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئاً‏)‏ لسماحة نفسه ومزبد ثقته بربه ‏(‏لغد‏)‏ أي ملكاً بل تمليكاً، فلا ينافي أنه أدخر قوت سنة لعياله، فإنه كان خازناً قاسماً، فلما وقع المال بيده قسم لهم كما قسم لغيرهم فإن لهم حقاً في الفيء‏.‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يحمل حديث لا يدخر شيئاً لغد، على الادخار لنفسه، وحديث‏:‏ ويحبس لأهله قوت سنتهم على الادخار لغيره ولو كان له في ذلك مشاركة لكن المعنى أنهم المقصد بالادخار دونه حتى لو لم يوجدوا لم يدخر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال المناوي في شرح الجامع الصغير‏:‏ إسناده جيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى هذا غير بن جعفر سليمان عن ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏ وفي بعض النسخ‏:‏ وقد روى هذا عن جعفر بن سليمان الخ بلفظ عن مكان غير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو معمر عبد الله بن عمرو‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ميسرة التميمي أبو معمر المقعد المنقري، ثقة ثبت، رمى بالقدر من العاشرة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي طعاماً ‏(‏على خوان‏)‏ قال في المجمع‏:‏ الخوان بضم خاء وكسرها المائدة المعدة، ويقال الأخوان وجمعه أخوية وخون وهو معرب، والأكل عليه من دأب المترفين لئلا يفتقر إلى التطاطؤ والانحناء انتهى‏.‏ وقد تقدم تفسير الخوان مفصلاً في باب على ما كان يأكل النبي صلى الله عليه وسلم من أبواب الأطعمة ‏(‏ولا أكل خبزاً مرققاً‏)‏‏.‏ قال عياض‏:‏ قوله مرققاً أي مليناً محسناً كخبز الحواري وشبهه، والترقيق التليين ولم يكن عندهم مناخل‏.‏ وقد يكون المرقق الرقيق الموسع انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا هو المتعارف‏.‏ وبه جزم ابن الأثير قال‏:‏ الرقاق الرقيق مثل طوال وطويل وهو الرغيف الواسع الرقيق‏.‏ وأغرب ابن التين فقال‏:‏ هو السميد وما يصنع منه من كعك وغيره‏.‏ وقال ابن الجوزي‏:‏ هو الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهي الخشبة التي يرقق بها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي‏)‏ أبو علي البصري، صدوق لم يثبت أن يحيى بن معين ضعفه من التاسعة ‏(‏أحبرنا عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار‏)‏ مولى ابن عمر صدوق يخطئ من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو حازم عن سهل بن سعد أنه قيل له‏:‏ أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي‏)‏ وفي رواية البخاري عن أبي حازم قال‏:‏ سألت سهل ابن سعد فقلت‏:‏ هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ‏؟‏ والنقي‏:‏ بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء ‏(‏يعني الحوارى‏)‏ بضم الحاء وتشديد الواو وفتح الراء وهو الذي نخل مرة بعد مرة حتى يصير نظيفاً أبيض ‏(‏ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي حتى لقي الله‏)‏ أي ما رآه فضلاً عن أكله، ففيه مبالغة لا تخفى‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أظن أن سهلاً احترز عما قبل البعثة لكونه صلى الله عليه وسلم كان سافر في تلك المدة إلى الشام تاجراً، وكانت الشام إذ ذاك مع الروم والخبز النقي عندهم كثير، وكذا المناخل وغيرها من آلات الترفه، فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم فأما بعد البعثة فلم يكن إلا بمكة والطائف والمدينة، ووصل إلى تبوك وهي من أطراف الشام لكن لم يفتحها ولا طالت إقامته بها انتهى ‏(‏هل كانت لكم مناخل‏)‏ جمع منخل، بضم الميم وسكون النون وضم الخاء ويفتح، وهو الغربال ‏(‏قال ما كانت لنا مناخل‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ قال ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبض الله ‏(‏قيل‏:‏ كيف كنتم تصنعون بالشعير‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ قلت‏:‏ كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول ‏(‏قال‏:‏ كنا ننفخه‏)‏ بضم الفاء أي نطيره بعد الطحن إلى الهواء بأيدينا أو بأفواهنا ‏(‏فيطير منه ما طار‏)‏ أي يذهب منه ما ذهب من النخالة وما فيه خفة ‏(‏ثم نثريه‏)‏ بمثلثة وراء ثقيله‏:‏ أي نبله بالماء من ثرى التراب تثرية أي رش عليه ‏(‏فنعجنه‏)‏‏.‏ قال في القاموس‏:‏ عجنه فهو يعجنه معجون وعجين، اعتمد عليه بجمع كفه يغمزه كاعتجنه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي‏.‏

تنبيه‏:‏

قال الطبري‏:‏ استشكل بعض الناس كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعاً مع ما ثبت أنه كان يرفع لأهله قوت سنة، وأنه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير مما أفاء الله عليه، وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابي بقطيع من الغنم، وغير ذلك مع من كان معه من أصحاب الأموال كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه‏.‏ وقد أمر بالصدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة فجهزهم عثمان بألف بعير إلى غير ذلك‏.‏

والجواب‏:‏ أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة، لا لعوذ وضيق، بل تارة الإيثار وتارة لكراهة الشبع، ولكثرة الأكل‏.‏ ذكره الحافظ في الفتح ثم قال وما نفاه مطلقاً فيه نظر لما تقدم من الأحاديث آنفاً وقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة‏:‏ من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئاً من التمر والودك‏.‏ وتقدم في غزوة خيبر من رواية عكرمة عن عائشة لما فتحت خيبر قلنا الاَن نشبع من النمر‏.‏ وتقدم في كتاب الأطعمة حديث منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة‏:‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من التمر‏.‏ وفي حديث ابن عمر‏:‏ لما فتحت خيبر شبعنا من التمر‏.‏ والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة حيث كانوا بمكة ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح‏.‏ فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم كما تقدم ذلك واضحاً في كتاب الهبة‏.‏ وقريب من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة مالي ولبلال طعام يأكله أحد إلا شيء يواريه إبط بلال‏"‏‏.‏ أخرجه الترمذي وصححه‏.‏ وكذا أخرجه ابن حبان بمعناه‏.‏ نعم كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له‏.‏ كما أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة‏:‏ ‏"‏عرض على ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت شكرتك‏"‏ انتهى‏.‏

1544- باب مَا جَاءَ في مَعِيشَةِ أَصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم

2405- حَدّثنا عمرو بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُجَالِدِ بنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرنَا أَبي، عن بَيَانٍ، عن قَيْسٍ بن أَبي حازم، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ أَبي وَقَاصٍ يَقُولُ‏:‏ إنّي لأَوّلُ رجُلٍ أَهْرَاقَ دَماً في سَبِيلِ الله، وَإِنّي لأَوّلُ رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ الله، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَغْزُو في العِصَابَةِ مِنْ أَصْحَابِ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا نَأْكُلُ إِلاّ وَرَقَ الشّجَرِ وَالْحُبْلَةَ، حَتّى إِنّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشّاةُ وَالبَعِيرُ وَأَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدِ يُعَزّرُوني في الدّينِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذَنْ وَضَلّ عَمَلِي‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ بَيَانٍ‏.‏

2406- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ خَالِدٍ، حدثنا قَيْسٌ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ‏:‏ إِنّي أَوّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ الله، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلاّ الْحُبْلَةَ وَهَذَا السّمرَ، حَتّى إِنّ أَحَدَنَا ليَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشّاةُ، ثُمّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ يُعَزرُنِي في الدّينِ لَقَدْ خِبْتُ إِذَنْ وَضَلَ عَمَلي‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وفي البابِ عَنْ عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ‏.‏

2407- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عن أَيّوبَ، عن مُحمّدِ بنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ كُنّا عِنْدَ أَبي هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشّقَانِ مِنْ كَتّانِ فَتَمَخَطَ في أَحَدِهِمَا ثُمّ قَالَ بَخْ بَخْ يَتَمَخَطُ أَبُو هُرَيْرَةَ في الكِتّانِ لَقَدْ، رَأَيْتُنِي وَإِنّي لأَخِرّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مِنَ الْجُوعِ مَغْشِياً عَلَيّ فَيَجِيّ الْجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي يُرَى أَنّ بيَ الجُنُونَ وَمَا بي جُنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاّ الْجُوعُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه‏.‏

2408- حدّثنا العَبّاسُ بنُ محمدٍ الدوري، حدثنا عَبْدُ الله بن يَزِيدَ المُقْرِي، أَخْبَرنَا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، أخبرني أَبُو هَانيءٍ الْخَوْلاَنِيّ أَنّ أَبَا عَلِيّ عَمْرَو بنَ مَالِكٍ الْجَنْبِيّ، اخبره عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلّى بالنّاسِ يَخِرّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصّلاَةِ مِنَ الْخَصَاصَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الصّفّةِ حَتّى يَقُولَ الاّعْرَابُ هَؤُلاَءِ مَجَانِينُ أَوْ مَجَانُونُ فَإِذَا صَلّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لَوْ تَعْلَمُونَ مَالَكُمْ عِنْدَ الله لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فاقَةً وَحَاجَةً‏"‏‏.‏ قالَ فَضَالَةُ‏:‏ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

2409- حدّثنا مُحمدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، حدثنا آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ، حدثنا شَيْبَانُ أبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عن أَبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمنِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في سَاعَةٍ لاَ يَخْرِجُ فِيهَا وَلاَ يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ ‏"‏مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بكْرٍ‏"‏‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَالتّسْلِيمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْجُوعُ يَا رَسُولَ الله‏"‏، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ‏"‏، فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبي الْهَيْثَمِ بنِ التّيّهَانِ الأَنْصَارِيّ، وَكَانَ رَجُلاً كَثِيرَ النّخْلِ وَالشّاءِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالُوا لاِمْرَأَتِهِ‏:‏ أَيْنَ صَاحِبُكِ‏؟‏ فَقَالَتِ‏:‏ انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الهيْثَمِ بِقِرْبَةِ يَزْعَبُهَا فَوَضَعَهَا، ثُمّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَيُفْدّيِهِ بِأَبِيِهِ وَأُمّهِ، ثُمّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطاً، ثُمّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ فَجَاءَ بِقِنْوٍ فَوَضَعَهُ‏.‏ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَفَلاَ تَنَقّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ‏"‏‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله إِنّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا أَوْ قَالَ تَخَيّرُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هَذَا وَالذِي نَفْسيِ بِيَدِهِ مِنَ النّعِيمِ الّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ظِلّ بَارِدٌ وَرُطَبٌ طَيّبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ‏"‏‏.‏ فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامَاً، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تَذْبَحَنّ ذَاتَ دَرٍ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقاً أَوْ جَدْياً فَأَتَاهُمْ بِهَا فَأَكَلُوا‏.‏ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هَلْ لَكَ خَادِمٌ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ قَالَ ‏"‏فَإِذَا أَتَانَا سَبيٌ فَأْتِنَا‏"‏‏.‏ فَأُتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَتَاهُ أَبُو الهَيْثَمِ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اخْتَرْ مِنْهُمَا‏"‏‏.‏ فَقَالَ‏:‏ يَا نَبيّ الله اخْتَرْ لِي، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ المسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هَذَا فَإِنّي رَأَيْتُهُ يُصَلّي وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفاً‏"‏‏.‏ فَانْطَلَقَ أَبُو الهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ‏:‏ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ فِيِه النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ أَنْ تُعْتِقَهُ، قَالَ‏:‏ فهُوَ عَتِيق‏.‏ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله لَمْ يَبْعَثْ نَبِياً وَلاَ خَلِيفَةً إِلاّ وَلَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وتَنَهَاهُ عَنِ المُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لاَ تَأْلُوهُ خَبَالاً وَمَنْ يُوْقَ بِطَانَةَ السّوءِ فَقَدْ وُقِيَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غريبٌ‏.‏

2410- حدّثنا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بن عُمَيْرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحْمنِ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْماً وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ‏"‏ فَذَكَرَ نَحْوَ هذا الْحَديثِ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيِه عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ شَبْيَانَ أَتَمّ من حَدِيثِ أَبي عَوَانَةَ وَأَطْولُ، وَشَيْبَانُ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ صَاحِبُ كِتَابِ، وقد رُوي، عن أَبي هريرة هذا الحديث من غير هذا الوجه وَرُوِيَ عن ابن عباس ايضاً‏.‏

2411- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ أَبي زِيَادٍ، أَخْبَرنَا سَيّارٌ بن حَاتِم عن سَهْلِ بنِ أَسْلَمَ، عن يَزِيدَ بنِ أَبي مَنصُورٍ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عن أَبي طَلْحَةَ قال‏:‏ شَكَوْنَا إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الْجُوعَ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ حَجَرَيْنِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من هذا الْوَجْهِ‏.‏

2412- حدّثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا أَبُو الاحْوَصِ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ قال‏:‏ سَمِعْتُ النّعمانَ بنَ بَشِيرٍ يقولُ‏:‏ أَلَسْتُمْ في طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ‏؟‏ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيّكُمْ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدّقْلِ مَا يمْلأُ بَطْنَهُ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وهَذَا حديثً صحيحٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وروى أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ نَحْوَ حديثِ أَبي الاحْوَصِ وَرَوَى شُعْبَةُ هذا الحديثَ، عن سِمَاكٍ، عن النّعمانِ بنِ بَشِيرٍ عن عُمَرَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد‏)‏ الهمداني الكوفي نزيل بغداد متروك من صغار العاشرة ‏(‏أخبرنا أبي‏)‏ أي إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني أبو عمرو الكوفي نزيل بغداد، صدوق يخطئ من الثامنة ‏(‏عن بيان‏)‏ هو ابن بشر ‏(‏عن قيس‏)‏ هو ابن أبي حازم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأول رجل أهراق دماً‏)‏ أي أراقه‏.‏ قال في المجمع أبدل الهمزة من الهاء ثم جمع بينهما ‏(‏وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وفي رواية ابن سعد في الطبقات من وجه آخر عن سعد أن ذلك كان في السرية التي خرج فيها مع عبيدة بن الحارث في ستين راكباً وهي أول السرايا بعد الهجرة ‏(‏أغزو في العصابة‏)‏ بكسر العين‏:‏ هم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها ‏(‏ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة‏)‏ بضم المهملة والموحدة وبسكون الموحدة أيضاً‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبياء، وقيل هو ثمر العضاه ‏(‏حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة والبعير‏)‏ أراد أن نجوهم يخرج بعراً ليبسه من أكلهم ورق الشجر وعدم الغذاء المألوف ‏(‏وأصبحت بنو أسد‏)‏ أي ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وبنو أسد كانوا فيمن ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي لما ادعى النبوة ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر وكسرهم ورجع بقيتهم إلى الإسلام وتاب طليحة وحسن إسلامه وسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص وهو أمير الكوفة إلى عمر حتى عزله‏.‏ وقالوا في جملة ما شكوه إنه لا يحسن الصلاة انتهى ‏(‏يعزروني في الدين‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ تعزرني على الإسلام‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أي تؤدبني والمعنى تعلمني الصلاة أو تعيرني بأني لا أحسنها‏.‏ قال أبو عبيد الهروي أي توقفني، والتعزير التوقيف على الأحكام والفرائض‏.‏ وقال الطبري‏:‏ معناه تقومني وتعلمني ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب‏.‏ والمعنى أن سعداً أنكر أهلية بني أسد، لتعليمه الأحكام مع سابقيته وقدم صحبته‏.‏ وقال الحربي‏:‏ معنى تعزرني تلومني وتعتبني‏.‏ وقيل توبخني على التقصير ‏(‏لقد خبت إذن‏)‏ من الخيبة أي مع سابقتي في الإسلام إذا لم أحسن الصلاة وأفتقر إلى تعليمهم كنت خاسراً ‏(‏وضل عملي‏)‏ أي فيما مضى من صلاتي معه صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال ابن الجوزي‏:‏ إن قيل كيف ساع لسعد أن يمدح نفسه، ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه‏؟‏ فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله، والمدحة إذا خلت من البغي والاستطالة وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره، كما لو قال القائل‏:‏ إني لحافظ لكتاب الله عالم بتفسير وبالفقه في الدين، قاصداً إظهار الشكر أو تعريف ما عنده ليستفاد ولو لم يقل ذلك لم يعلم حاله ولهذا‏.‏ قال يوسف عليه السلام‏:‏ إني حفيظ عليم وقال علي‏:‏ سلوني عن كتاب الله‏:‏ وقال ابن مسعود‏:‏ لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني لأوتيته‏.‏ وساق في ذلك أخباراً وآثاراً عن الصحابة والتابعين تؤيد ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح الخ‏)‏ وأخرجه البخاري في المناقب، وفي الأطعمة وفي الرقاق، ومسلم في الزهد، والنسائي في المناقب، وفي الرقايق وابن ماجه في الفضائل‏.‏

اعلم أن الترمذي قد صحح هذا الحديث وفي سنده عمر بن إسماعيل بن مجالد وهو متروك فالظاهر أن تصحيحه له لمجيئه من طرق أخرى صحيحة، ويحتمل أن يكون هو عنده صالحاً للاحتجاج والله تعالى أعلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ومالنا طعام إلا الحبلة وهذا السمر‏)‏ بفتح المهملة وضم الميم، قال في النهاية‏:‏ هو ضرب من شجر الطلح الواحدة سمرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ تقدم تخريجه آنفاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عتبة بن غزوان‏)‏ أخرجه مسلم وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وعليه ثوبان ممشقان‏)‏ أي مصبوغان بالشق وهو بكسر الميم الغرة ‏(‏من كتان‏)‏ بفتح الكاف وتشديد الفوقية‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الكتان معروف ثيابه معتدلة في الحر والبرد واليبوسة ولا يلزق بالبدن ويقل قمله انتهى‏.‏ ‏(‏فمخط في أحدها‏)‏ أي انتثر فيه ‏(‏ثم قال بخ بخ‏)‏ كلمة تقال عند الرضاء والإعجاب بالشيء أو الفخر والمدح ‏(‏وأني لأخر‏)‏ أي لأسقط ‏(‏يرى‏)‏ بضم الياء أي يظن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يخر رجال من قامتهم في الصلاة‏)‏ أي قيامهم فيها قال في القاموس‏:‏ قام قوماً وقومة وقياماً وقامة انتصب ‏(‏من الخصاصة‏)‏ بالفتح، أي الجوع والضعف، وأصلها الفقر والحاجة ‏(‏وهم أصحاب الصفة‏)‏ بضم الصاد وتشديد الفاء هم زهاد من الصحابة فقراء غرباء وكانوا سبعين ويقلون حيناً ويكثرون حيناً يسكنون صفة المسجد لا مسكن لهم ولا مال ولا ولد، وكانوا متوكلين ينتظرون من يتصدق عليهم بشيء يأكلونه ويلبسونه‏.‏ ‏(‏هؤلاء مجانين أو مجانون‏)‏ الشك من الراوي، والأول جمع تكسير لمجنون، والثاني شاذ كقراءة تتلو الشياطون، كذا في المجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن حبان في صحيحه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏أخبرنا آدم بن أبي إياس‏)‏ عبد الرحمن العسقلاني أصله خراساني، يكنى أبا الحسن، نشأ ببغداد، ثقة عابد من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنظر في وجهه والتسليم عليه‏)‏ بالنصب على أنه مفعول فعل محذوف أي أسلم التسليم أو أريه التسليم ‏(‏فلم يلبث أن جاء عمر فقال ما جاء بك يا عمر‏؟‏ قال الجوع يا رسول الله‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة‏؟‏ قال الجوع يا رسول الله ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏وأنا قد وجدت بعض ذلك‏)‏ أي الجوع وفي رواية مسلم‏:‏ وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات، قال وفيه‏:‏ جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم ونحوه لا على سبيل التشكي وعدم الرضاء بل للتسلية والتصبير، كفعله صلى الله عليه وسلم ههنا، ولالتماس دعاء أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض، فهذا كله ليس بمذموم إنما يذم ما كان تشكياً وتسخطاً وتجزعاً ‏(‏فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم‏)‏ اسمه مالك ‏(‏بن التيهان‏)‏ بفتح المثناة فوق وتشديد المثناة تحت مع كسرها وفي رواية مسلم‏:‏ قوموا فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه جواز الإدلال على الصاحب الذي يوثق به واستتباع جماعة إلى بيته وفيه منقبة له إذ جعله النبي صلى الله عليه وسلم، أهلاً لذلك، وكفى له شرفاً بذلك ‏(‏وكان رجلاً كثير النخل والشاء‏)‏ أي الغنم وهي جمع شاة، وأصلها شاهة والنسبة، شاهي وشاوي وتصغيرها شويهة وشوية ‏(‏فقالوا لامرأته أين صاحبك‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فلما رأته المرأة قالت مرحباً وأهلاً فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين فلان‏؟‏ قال النووي‏:‏ وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة وجواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت علماً محققاً أنه لها لا يكرهه بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة ‏(‏يستعذب لنا الماء‏)‏ أي يأتينا بماء عذب وهو الطيب الذي لا ملوحة فيه ‏(‏يزعبها‏)‏ قال في القاموس من زعب القربة كمنع احتمالها ممتلئة‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ أي يتدافع بها ويحملها لثقلها وقيل زعب بحمله إذا استقام انتهى ‏(‏يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي يضمه إلى نفسه ويعانقه ‏(‏ثم انطلق بهم إلى حديقته‏)‏ في القاموس الحديقة الروضة ذات الشجر البستان من النخل والشجر أو كل ما أحاط به البناء أو القطعة من النخل ‏(‏فجاء بقنو‏)‏ بالكسر‏.‏ قال في النهاية‏:‏ القنو العذق بما فيه من الرطب وفي رواية مسلم‏:‏ فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب قال النووي‏:‏ العذق هنا بكسر العين وهي الكباسة وهي الغض من النخل قال وفيه دليل على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما، وفيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسّر وإكرامه بعده بطعام يصنعه له وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة لأن ذلك يمنعه من الإخلاص وكمال السرور بالضيف وأما فعل الأنصاري وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه بل لو ذبح أغناماً لكان مسروراً بذلك مغبوطاً به انتهى ‏(‏أفلا تنقيت لنا من رطبه‏)‏ قال في القاموس‏:‏ أنقاه وتنقاه وانتقاه اختاره‏.‏ وقال في الصراح انتقاه بركزيدن وتنقي كذلك ‏(‏إني أردت أن تختاروا أو قال تخيروا‏)‏ شك من الراوي ‏(‏من رطبه وبسره‏)‏ بضم الموحدة وهو التمر قبل إرطابه، قال في المجمع المرتبة لثمرة النخل أولها طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب انتهى ‏(‏هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر‏:‏ والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم‏.‏ يوم القيامة، قوله أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم‏.‏ قال الطيبي قوله أخرجكم الخ جملة مستأنفة بيان لموجب السؤال عن النعيم يعني حيث كنتم محتاجين إلى الطعام مضطرين إليه فنلتم غاية مطلوبكم من الشبع والري يجب أن تسألوا ويقال لكم هل أديتم شكرها أم لا‏.‏ وقال النووي‏:‏ فيه دليل على جواز الشبع وما جاء في كراهته محمول على المداومة عليه لأنه يقسي القلب وينسى أمر المحتاجين وأما السؤال عن هذا النعيم فقال القاضي عياض‏:‏ المراد السؤال عن القيام بحق شكره والذي نعتقده أن السؤال ههنا سؤال تعداد النعم وأعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة بإسباغها لاسؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة انتهى ‏(‏لا تذبحن ذات در‏)‏ أي لبن، وفي رواية مسلم‏:‏ إياك والحلوب ‏(‏فذبح لهم عناقاً أو جدياً‏)‏ شك من الراوي‏.‏

قال في القاموس‏:‏ العناق كسحاب الأنثى من أولاد المعز والجدي من أولاد المعز ذكرها ‏(‏فإذا أتانا سبي‏)‏ أي أساري ‏(‏فأتنا‏)‏ أي جيء ‏(‏برأسين‏)‏ أي من العبيد ‏(‏اختر منهما‏)‏ أي واحداً منهما أو بعضهما ‏(‏اختر لي‏)‏ أي أنت أولى بالاختيار ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ توطئة وتمهيداً ‏(‏إن المستشار‏)‏ من استشاره طلب رأيه فيما فيه المصلحة ‏(‏مؤتمن‏)‏ اسم مفعول من الأمن أو الأمانة ومعناه أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته ‏(‏خذ هذا‏)‏ أي مشاراً إلى أحدهما ‏(‏فإني رأيته يصلي‏)‏ فيه أنه يستدل على خيرية الرجل بما يظهر عليه من آثار الصلاح لاسيما الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ‏(‏واستوص به معروفاً‏)‏ قال القاري أي استيصاء معروف قيل معناه لا تأمره إلا بالمعروف والنصح، وقيل وص في حقه بمعروف كذا ذكره زين العرب‏.‏ وقال الطيبي أي قبل وصيتي في حقه وأحسن ملكته بالمعروف ‏(‏إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة‏)‏ وفي حديث أبي سعيد عند البخاري‏:‏ ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة‏.‏ قال الحافظ في الفتح في رواية صفوان بن سليم‏:‏ ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة والرواية التي في الباب تفسر المراد بهذا وأن المراد ببعث الخليفة استخلافه ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام‏:‏ ما من وال وهو أعم انتهى ‏(‏إلا وله بطانتان‏)‏ البطانة بالكسر الصاحب الوليجة وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به، شبه ببطانة الثوب ‏(‏بطانة تأمره بالمعروف‏)‏ أي ما عرفه الشرع وحكم بحسنه ‏(‏وتنهاه عن المنكر‏)‏ أي ما أنكره الشرع ونهى عن فعله ‏(‏وبطانة لا تألوه خبالا‏)‏ أي لا تتصرفي إفساد أمره وهو اقتباس من قوله تعالى ‏(‏لا لوتكم خبالاً‏)‏ وفي حديث أبي سعيد‏:‏ وبطانة تأمره بالشر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي، لأنه وإن جاز عقلاً أن يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور منه أن يصغي إليه ولا يعمل بقوله لوجود العصمة، وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من ذاك بقوله‏:‏ فالمعصوم من عصم الله تعالى، فلا يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالشر أن يقبل منه، وقيل المراد بالبطانتين في حق النبي الملك والشيطان وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ولكن الله أعانني عليه فأسلم قال‏:‏ وفي معنى حديث الباب حديث عائشة مرفوعاً‏:‏ من ولى منكم عملاً فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه‏.‏ قال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين الوزيرين، ويحتمل أن يكون الملك والشيطان‏.‏ وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين، والنفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة المحرضة على الخير، إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والحمل على الجمع أولى إلا أنه جائز أن لا يكون لبعضهم إلا لبعض‏.‏ وقال المحب الطبري‏:‏ البطانة الأولياء والأصفياء وهو مصدر وضع موضع الاسم يصدق على الواحد والاثنين والجمع مذكراً ومؤنثاً انتهى ‏(‏ومن يوق بطانة السوء‏)‏ بأن يعصمه الله منها ‏(‏فقد وقى‏)‏ الشر كله‏.‏ وفي حديث أبي سعيد فالمعصوم من عصم الله‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والمراد به إثبات الأمور كلها لله تعالى فهو الذي يعصم من شاء منهم فالمعصوم من عصمه الله لا من عصمته نفسه إذ لا يوجد من تعصمه نفسه حقيقة إلا إن كان الله عصمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم دون قوله‏:‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل لك خادم‏؟‏ قال‏:‏ لا الخ‏.‏ وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ المستشار مؤتمن‏.‏ فقد أخرجه الأربعة، عن أبي هريرة والترمذي، عن أم سلمة، وابن ماجه، عن أبي مسعود‏.‏ وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة الخ فأخرجه أحمد، وابن حبان، والحاكم، والنسائي، وأخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سيار‏)‏ بتحتانية مثقلة ابن حاتم العنزي أبو سلمة البصري صدوق له أوهام من كبار التاسعة ‏(‏عن سهل بن أسلم‏)‏ العدوي مولاهم البصري صدوق من الثامنة ‏(‏عن يزيد ابن أبي منصور‏)‏ الأزدي أبي روح البصري لا بأس به من الخامسة وهم من ذكره في الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورفعنا عن بطوننا‏)‏ أي كشفنا ثيابنا عنها كشفاً صادراً ‏(‏عن حجر حجر‏)‏ أي لكل منا حجر واحد ورفع عنه، فالتكرير باعتبار تعداد المخبر عنهم بذلك‏.‏ قال الطيبي عن الأولى‏:‏ متعلقة برفعنا على تضمين الكشف، والثانية صفة مصدر محذوف أي كشفنا عن بطوننا كشفاً صادراً عن حجر‏.‏ ويجوز أن يحمل التنكير في حجر على نوع أي عن حجر مشدود على بطوننا فيكون بدلاً وعادة من اشتد جوعه وخمص بطنه أن يشد على بطنه حجراً ليتقوم به صلبة، انتهى‏.‏ ‏(‏فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفائدة ربط الحجر على البطن أنها تضمر من الجوع فيخشى على انحناء الصلب بواسطة ذلك فإذا وضع فوقها الحجر وشد عليها العصابة استقام الظهر‏.‏ وقال الكرماني‏:‏ لعله لتسكين حرارة الجوع ببرد الحجر، لأنها حجارة رقاق قدر البطن تشد الأمعاء فلا يتحلل شيء مما في البطن فلا يحصل ضعف زائد بسبب التحلل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الترمذي في شمائله أيضاً وقال‏:‏ معنى قوله ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر كان أحدهم يشد في بطنه الحجر من الجهد والضعف الذي به من الجوع‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يقول ألستم‏)‏ الخطاب للصحابة بعده صلى الله عليه وسلم أو التابعين ‏(‏في طعام وشراب ما شئتم‏)‏ قال الطيبي‏:‏ صفة مصدر محذوف أي لستم منغمسين في طعام وشراب مقدار ما شئتم من التوسعة والإفراط فيه، فما موصولة ويجوز أن تكون مصدرية والكلام فيه تعيير وتوبيخ ولذلك تبعه بقوله ‏(‏لقد رأيت نبيكم‏)‏ وأضافه إليهم للإلزام حين لم يقتدوا به عليه السلام في الإعراض عن الدنيا ومستلذاتها وفي التقليل لمشتهياتها من مأكولاتها ومشروبتها ثم رأيت إن كان بمعنى النظر فقوله‏:‏ ‏(‏وما يجد من الدقل‏)‏ حال وإن كان بمعنى العلم فهو مفعول ثان وأدخل الواو تشبيهاً له بخبر كان وأخواتها على مذهب الأخفش والكوفيين كذا حققه الطيبي‏.‏ قال القاري‏:‏ والأول هو المعول والدقل بفتحتين التمر الرديء ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً على ما في النهاية ثم قوله‏:‏ ‏(‏ما يملأ به بطنه‏)‏ مفعول يجد وما موصولة أو موصوفة، ومن الدقل بيان لما قدم عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم في الزهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى شعبة في هذا الحديث، عن سِمَاك عن النعمان بن بشير، عن عمر‏)‏ وصله مسلم فقال‏:‏ حدثنا محمد بن مثنى وابن بشار واللفظ لابن مثنى، قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سِمَاك بن حرب قال‏:‏ سمعت النعمان يخطب قال‏:‏ ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال‏:‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلاً يملأ به بطنه‏.‏

1545- باب ما جَاءَ أَنّ الغِنَى غِنَى النّفْس

2413- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلٍ بنِ قُرَيْشٍ الْيَامِيّ الْكُوفِيّ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ عن أَبي حَصِينٍ، عن أَبي صالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنّ الْغِنَى غِنَى النّفْسِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وابو حصين اسمه عثمان بن عاصمٍ الأُسديّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن بديل بن قريش اليامي‏)‏ بالتحتانية أبو جعفر قاضي الكوفة، صدوق له أوهام من العاشرة ‏(‏عن أبي حصين‏)‏ هو عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ هو السمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس الغنى‏)‏ بكسر أوله مقصود أي الحقيقي المعتبر النافع ‏(‏عن كثرة العرض‏)‏ بفتح المهملة والراء ثم ضاد معجمة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أما عن فهي سببية وأما العرض فهو ما ينتفع به من متاع الدنيا، ويطلق بالاشتراك على ما يقابل الجوهر وعلى كل ما يعرض للشخص من مرض ونحوه‏.‏ وقال أبو عبيد‏:‏ العروض الأمتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار، ومالا يدخله كيل ولا وزن‏.‏ وقال ابن فارس‏:‏ العرض بالسكون كل ما كان من المال غير نقد وجمعه عروض‏.‏ وأما بالفتح فما يصيبه الإنسان من حظه في الدنيا قال تعالى ‏{‏تريدون عرض الدنيا‏}‏ وقال ‏{‏وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه‏}‏، ‏(‏ولكن الغنى غنى النفس‏)‏ وقال ابن بطال معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيراً ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه وإنما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ معنى الحديث إن الغني النافع أو العظيم أو الممدوح هو غني النفس وبيانه، أنه إذا استغنت نفسه كفت على المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله ويكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل‏.‏ والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما رزقه لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واجد أبداً‏.‏ والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أعطي بل هو أبداً في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه‏.‏ ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطي فكأنه ليس بغني‏.‏ ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرص والطلب‏.‏ وما أحسن قول قائل‏:‏

غني النفس ما يكفيك من سد حاجة

فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقراً

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه‏.‏

1546- باب ما جَاءَ في أَخْذِ الْمال

2414- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليْثُ عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبي الْوَلِيدِ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ قَيْفسٍ وَكَانَتْ تَحْتَ حَمْزَةَ بنِ عَبْد المُطّلِبِ تقولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏إِنّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَرُبّ مُتخوّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاّ النّارُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَابو الْوَلِيدِ اسْمُهُ عُبَيْد سُنُوطَى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏سمعت خولة بنت قيس‏)‏ بن فهر بن قيس بن ثعلبة الأنصارية صحابية لها حديث كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمتها‏:‏ روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدنيا خضرة حلوة الحديث‏.‏ وعنها أبو الوليد سنوطاً وغيره‏.‏ قال عبيد‏:‏ دخلت على أم محمد وكانت عند حمزة، وتزوجها بعده رجل من الأنصار انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خضرة‏)‏ بفتح فكسر ‏(‏حلوة‏)‏ بضم الحاء وسكون اللام قال الحافظ في الفتح‏:‏ معناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة، والعرب تسمي كل شيء مشرق ناضر أخضر‏.‏ وقال ابن الأنباري قوله‏:‏ المال خضرة حلوة ليس هو صفة المال وإنما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضراء الحلوة، والتاء في قوله خضرة وحلوة باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا أو على معنى فائدة المال أي أن الحياة به أو العيشة أو أن المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏المال والبنون زينة الحياة الدنيا‏}‏ وقد وقع في حديث أيضاً المخرج في السنن‏:‏ ‏"‏الدنيا خضرة حلوة‏"‏‏.‏ فيتوافق الحديثان‏.‏ ويحتمل أن تكون التاء فيهما للمبالغة ‏(‏من أصابه بحقه‏)‏ أي بقدر حاجته من الحلال ‏(‏ورب متخوض‏)‏ أي متسارع ومتصرف‏.‏ قال في المجمع‏:‏ أصل الخوض المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التلبيس بالأمر والتصرف فيه أي رب متصرف في مال الله بما لا يرضاه الله أي يتصرفون في بيت المال ويستبدون بمال المسلمين بغير قسمة، وقيل هو التخليط في تحصيله من غير وجه كيف أمكن انتهى ‏(‏فيما شاءت نفسه‏)‏ أي فيما أحبته والتذت به ‏(‏ليس له‏)‏ أي جزاء ‏(‏يوم القيامة إلا النار‏)‏ أي دخول جهنم وهو حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله تعالى فيكون مشعراً بالعلية وهذا حث على الاستغناء عن الناس وذم السؤال بلا ضرورة‏.‏ قال الغزالي رحمه الله‏:‏ مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة، وإن أصابها الغبي فقد لقي البلاء المهلك انتهى‏.‏ وتوضيحه ما قاله عارف‏:‏ إن الدنيا كالحية فكل من يجوز له أخذها، وإلا فلا، فقيل‏:‏ وما رقيتها‏؟‏ فقال‏:‏ أن يعرف من أين يأخذها يعرف رقيتها، وفي أين يصرفها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو الوليد اسمه عبيد سنطا‏)‏ وفي بعض النسخ سنوطاً‏.‏ قال في القاموس‏:‏ وسنوطى كهيولى لقب عبيد المحدث أو اسم والده، انتهى‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ عبيد سنوطاً بفتح المهملة وضم النون، ويقال ابن سنوطاً أبو الوليد المدني وثقة العجلي من الثالثة انتهى‏.‏

1547- باب

2415- حَدّثنا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصّوّافُ، حدثنا عبدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ، عن يُونُسَ عن، الْحَسَنِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لُعن عَبْدُ الدّينَارِ‏.‏ لُعِنَ عَبْدُ الدّرْهَمِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ‏.‏ وقد رُوِيَ هذا الحديث من غيرِ هذا الْوَجْهِ، عن ابي صالح، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضاً أَتَمّ مِنْ هَذَا وَأَطْوَلَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن عبيد بن دينار العبدي مولاهم أبو عبيد البصري ثقة فاضل ورع من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن عبد الدينار‏)‏ أي طرد وأبعد طالبه الحريص على جمعه، القائم على حفظه فكأنه لذلك خادمه وعبده‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لا يجد خلاصاً‏.‏ ولم يقل مالك الدنيا ولا جامع الدنيا، ولأن المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة‏.‏ وقال غيره جعله عبداً لهما لشغفه وحرصه فمن كان عبداً لهواه لم يصدق في حقه إياك نعبد، فلا يكون من اتصف بذلك صديقاً ‏(‏لعن عبد الدرهم‏)‏ خصاً بالذكر لأنهما أصل أموال الدنيا وحطامها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي من غير هذا الوجه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ أخرجه البخاري في الجهاد والرقاق، ولفظه في الجهاد‏:‏ تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط الحديث‏.‏

1548- باب

2416- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ عن محمدِ بنِ عبدِ الرّحْمنِ بنِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ، عن ابنِ كَعْبِ بنِ مَالِكِ الانْصَارِيّ، عن أَبِيهِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ في غَنَمِ بِأَفْسَدَ لهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرءِ عَلَى الْمَالِ وَالشّرَفِ لِدِيِنِه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ويُرْوَى في هذا البَابِ، عن ابنِ عُمَرَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا يَصِحّ إِسْنَادُهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة‏)‏ الأنصاري المدني وهو محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن زرارة، ويقال ابن محمد بدل عبد الله، ومنهم من ينسبه إلى جده لأمه، فيقول محمد بن عبد الرحمن بن أسعد ابن زرارة وثقه النسائي كذا في تهذيب التهذيب ‏(‏عن ابن كعب بن مالك الأنصاري‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ ابن كعب بن مالك في لعق الأصابع هو عبد الرحمن‏.‏ وجاء بالشك عبد الله أو عبد الرحمن، وفي حديث‏:‏ أرواح الشهداء هو عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب نسب لجده‏.‏ وفي حديث‏:‏ ما ذئبان جائعان لم يسم وهو أحد هذين‏.‏ وكذا في حديث‏:‏ من طلب العلم وإن امرأة ذبحت شاة بحجر، وقيل في هذا الأخير عن ابن كعب عن أخيه‏.‏ والذي يظهر أنه عبد الرحمن بن كعب انتهى ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري السلمي المدني صحابي مشهور وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما‏)‏ نافية ‏(‏جائعان‏)‏ أي به للمبالغة ‏(‏أرسلا‏)‏ أي خليا وتركا ‏(‏في غنم‏)‏ أي قطيعة غنم ‏(‏لدينه‏)‏ متعلق بأفسد‏.‏ والمعنى إن حرص المرء عليهما أكثر فساداً لدينه المشبه بالغنم لضعفه يجنب حرصه من إفساد الذئبين للغنم‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ما بمعنى ليس، وذئبان اسمها‏.‏ وجائعان صفة له، وأرسلا في غنم الجملة في محل الرفع على أنها صفة بعد صفة، وقوله بأفسد خبر لما والباء زائدة وهو أفعل تفضيل أي بأشد إفساد والضمير في لها للغنم واعتبر فيها الجنسية فلذا أنث، وقوله من حرص المرء هو المفضل عليه لاسم التفضيل، وقوله على المال والشرف يتعلق بالحرص والمراد به الجاه، وقوله لدينه اللام فيه بيان كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لمن أراد أن يتم الرضاعة‏}‏ كأنه قيل بأفسد لأي شيء، قيل لدينه‏.‏ ومعناه ليس ذئبان جائعان أرسلا في جماعة من جنس الغنم بأشد إفساداً لتلك الغنم من حرص المرء على المال والجاه، فإن إفساده لدين المرء أشد من إفساد الذئبين الجائعين لجماعة من الغنم إذا أرسلا فيها‏.‏ أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوات ويجر إلى التنعم في المباحات فيصير التنعم مألوفاً، وربما يشتد أنسه بالمال ويعجز عن كسب الحلال فيقتحم في الشبهات مع أنها ملهية عن ذكر الله تعالى، وهذه لا ينفك عنها أحد‏.‏ وأما الجاه فيكفى به إفساداً أن المال يبذل للجاه ولا يبذل الجاه للمال وهو الشرك الخفي، فيخوض في المراآة والمداهنة والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة، فهو أفسد وأفسد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي والدارمي وابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروى في هذا الباب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح أسناده‏)‏ حديث ابن عمر هذا رواه البزار بلفظ‏:‏ ما ذئبان ضاريان في حظيرة يأكلان ويفسدان بأضر فيها من حب الشرف وحب المال في دين المرء المسلم‏.‏ قال المنذري في الترغيب‏:‏ إسناده حسن‏.‏

وقد صنف ابن رجب الحنبلي جزءاً لطيفاً في شرح حديث كعب بن مالك المذكور في الباب، وقال فيه بعد ذكره ما لفظه‏:‏ وروي من وجه آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأسامة بن زيد وجابر وأبي سعيد الخدري وعاصم بن عدي الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين‏.‏ قال‏:‏ وقد ذكرتها كلها مع الكلام عليها في كتاب شرح الترمذي وفي لفظ حديث جابر‏:‏ ما ذئبان ضاريان يأتيان في غنم غاب رعاؤها بأفسد للناس من حب الشرف والمال لدين المؤمن انتهى‏.‏

1549- باب

2417- حَدّثنا مُوسَى بنُ عبدِ الرّحمنِ الْكِنْدِيّ، أَخْبَرنَا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أخبرني المَسْعُودِيّ، أَخْبَرنَا عَمْرُو بنُ مُرّةَ عن إِبْرَاهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ نَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثّرَ في جَنْبِهِ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله لَوْ اتّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَالِي وَلِلدّنْيَا، ما أَنَا في الدّنْيَا إِلاّ كَرَاكِبٍ اسْتَظلّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمّ رَاحَ وَتَرَكَهَا‏"‏‏.‏

ف قالَ‏:‏ وفي البابِ عن عُمَرَ وَابنِ عَبّاسِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا زيد بن حباب‏)‏ هو أبو الحسين العكلي ‏(‏حدثني المسعودي‏)‏ هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي صدوق اختلط قبل موته وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط من السابعة كذا في التقريب ‏(‏أخبرنا عمرو بن مرة‏)‏ هو الجملي المرادي أبو عبد الله الكوفي ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو النخعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام‏)‏ أي عن النوم ‏(‏وقد أثر‏)‏ أي أثر الحصير ‏(‏لو اتخذنا لك وطاء‏)‏ بكسر الواو وفتحها ككتاب وسحاب أي فراشاً وكلمة ‏"‏لو‏"‏ تحتمل أن تكون للتمني وأن تكون للشرطية والتقدير لو اتخذنا لك بساطاً حسناً وفراشاً ليناً لكان أحسن من اضطجاعك على هذا الحصير الخشن ‏(‏مالي وللدنيا‏)‏ قال القاري‏:‏ ما نافية أي ليس لي ألفة ومحبة مع الدنيا ولا للدنيا ألفة ومحبة معي حتى أرغب إليها، وأنبسط عليها وأجمع ما فيها ولذتها أو استفهامية أي‏:‏ أي ألفة ومحبة لي مع الدنيا أو أي شيء لي مع الميل إلى الدنيا أو ميلها إلي فإني طالب الاَخرة وهي ضرتها المضادة لها‏.‏ قال واللام في للدنيا مقحمة للتأكيد إن كان الواو بمعنى مع وإن كان للعطف فالتقدير مالي مع الدنيا وما للدنيا معي ‏(‏استظل تحت شجرة ثم راح وتركها‏)‏ وجه التشبيه سرعة الرحيل وقلة المكث ومن ثم خص الراكب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس‏)‏، أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في باب قصر الأمل، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي بنحو حديث عبد الله المذكور في الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والضياء المقدسي‏.‏

1550- باب

2418- حَدّثنا مُحمدُ بنُ بَشّارِ، أخبرنا أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو دَاوُدَ قَالاَ‏:‏ أخْبَرَنَا زُهَيْرُ بنُ مُحمدٍ، حدثني مُوسَى بنُ ورْدَانَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُو‏.‏ لُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الرجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو عامر‏)‏ العقدي البصري ‏(‏وأبو داود‏)‏ الطيالسي ‏(‏قالا‏:‏ أخبرنا زهير بن محمد‏)‏ التميمي ‏(‏حدثني موسى بن وردان‏)‏ العامري مولاهم أبو عمر المصري مدني الأصل صدوق ربما أخطأ من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرجل‏)‏ يعني الإنسان ‏(‏على دين خليله‏)‏ أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته ‏(‏فلينظر‏)‏ أي فليتأمل وليتدبر ‏(‏من يخالل‏)‏ من المخالة وهي المصادقة والإخاء، فمن رضي دينه وخلقه خالله ومن لا تجنبه، فإن الطباع سراقة والصحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده‏.‏ قال الغزالي‏:‏ مجالسة الحريص ومخالطته تحرك الحرص ومجالسة الزاهد ومخاللته تزهد في الدنيا، لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء بل الطبع من حيث لا يدري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ قال صاحب المشكاة بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي في شعب الإيمان وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏ وقال النووي إسناده صحيح انتهى‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ذكره في رياض الصالحين‏.‏ وغرض المؤلف من إيراده والإطناب فيه دفع الطعن في هذا الحديث ورفع توهم من توهم أنه موضوع‏.‏ قال السيوطي‏:‏ هذا الحديث أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح، وقال إنه موضوع‏.‏ وقال الحافظ ابن حجر في رده عليه‏:‏ قد حسنه الترمذي وصححه الحاكم كذا في المرقاة‏.‏