فصل: 1551- باب مَا جَاءَ، مثلُ ابن آدمَ واهله وولده وماله وعمله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1551- باب مَا جَاءَ، مثلُ ابن آدمَ واهله وولده وماله وعمله

2419- حَدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بنِ المبارك عن سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن عَبْدِ الله بنِ أبي بَكْرٍ ههو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَتْبَعُ المَيّتَ ثَلاَثٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ‏:‏ يَتْبَعُهُ أَهْله وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سويد‏)‏ بن نصر بن سويد المروزي ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ بن المبارك ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر‏)‏ بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتبع الميت‏)‏ أي إلى قبره ‏(‏ثلاث‏)‏ أي من أنواع الأشياء ‏(‏فيرجع اثنان‏)‏ أي إلى مكانهما ويتركانه وحده ‏(‏ويبقى واحد‏)‏ أي لا ينفك عنه ‏(‏يتبعه أهله‏)‏ أي أولاده وأقاربه وأهل صحبته ومعرفته ‏(‏وماله‏)‏ كالعبيد والإماء والدابة والخيمة‏.‏ قاله القاري‏.‏ وقال المظهر‏:‏ أراد بعض ماله وهو مماليكه‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ أتباع الأهل الحقيقة وأتباع المال على الاتساع، فإن المال حينئذ له نوع تعلق بالميت من التجهيز والتكفين ومؤنة الغسل والحمل والدفن، فإذا دفن انقطع تعلقه بالكلية ‏(‏وعمله‏)‏ أي من الصلاح وغيره ‏(‏ويبقى عمله‏)‏‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ معنى بقاء عمله أنه يدخل معه القبر‏.‏ وقد وقع في حديث البراء بن عازب الطويل في صفة المسألة في القبر عند أحمد وغيره ففيه‏:‏ ويأتيه الرجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح فيقول أبشر بالذي يسرك‏.‏ فيقول‏:‏ من أنت فيقول‏:‏ أنا عملك الصالح‏.‏ وقال في حق الكافر‏:‏ ويأتيه رجل قبيح الوجه الحديث وفيه بالذي يسوءك وفيه عملك الخبيث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

1552- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ كثْرَةِ الأَكْل

2420- حَدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ، حدثني أَبُو سَلْمَةَ الْحِمْصِيّ، وَحَبِيبُ بنُ صَالِحِ، عن يَحْيَى بنِ جَابِرٍ الطّائِيّ، عن مِقْدَامِ بنِ مَعْدِ يكَرِبَ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَامَلأَ آدمِيٌ وِعَاءً شَرّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلْثٌ لِنَفَسِهِ‏"‏‏.‏

- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أَخْبَرنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ نَحْوَهُ وَقَالَ المِقْدَامُ بنُ مَعْدِ يكَربَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَذْكُرْ فيه سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو سلمة الحمصي‏)‏ اسمه سليمان بن سليم الكلبي الشامي القاضي بحمص ثقه عابد من السابعة ‏(‏وحبيب بن صالح‏)‏ الطائي أبو موسى الحمصي ويقال حبيب بن أبي موسى ثقة من السابعة ‏(‏عن يحيى بن جابر الطائي‏)‏ أبي عمرو الحمصي القاضي ثقة من السادسة وأرسل كثيراً ‏(‏عن مقدام بن معد يكرب‏)‏ بن عمرو الكندي، صحابي مشهور نزل الشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما ملأ آدمي وعاء‏)‏ أي ظرفاً ‏(‏شراً من بطن‏)‏ صفة وعاء، جعل البطن أولاً وعاء كالأوعية التي تتخذ ظروفاً لحوائج البيت توهيناً لشأنه ثم جعله شر الأوعية لأنها استعملت فيما هي له والبطن خلق لأن يتقوم به الصلب بالطعام وامتلاؤه يفضي إلى الفساد في الدين والدنيا فيكون شراً منها ‏(‏بحسب ابن آدم‏)‏ مبتدأ أو الباء زائدة أي يكفيه وقوله ‏(‏أكلات‏)‏ بضمتين خبره نحو قوله بحسبك درهم والأكلة بالضم اللقمة أي يكفيه هذا القدر في سد الرمق وإمساك القوة ‏(‏يقمن‏)‏ من الإقامة ‏(‏صلبه‏)‏ أي ظهره تسمية للكل باسم جزئه، كناية عن أنه لا يتجاوز ما يحفظه من السقوط ويتقوى به على الطاعة ‏(‏فإن كان لا محالة‏)‏ بفتح الميم ويضم، أي إن كان لا بد من التجاوز عما ذكر فلتكن أثلاثاً ‏(‏فثلث‏)‏ أي فثلث يجعله ‏(‏لطعامه‏)‏ أي مأكوله ‏(‏وثلث‏)‏ يجعله ‏(‏لشرابه‏)‏ أي مشروبه ‏(‏وثلث‏)‏ يدعه ‏(‏لنفسه‏)‏ بفتح الفاء أي يبقى من ملئه قد الثلث ليتمكن من التنفس ويحصل له نوع صفاء ورقة وهذا غاية ما اختير للأكل ويحرم الأكل فوق الشبع‏.‏ وقال الطيبي رحمه الله‏:‏ أي الحق الواجب أن لا يتجاوز عما يقام به صلبه ليتقوى به على طاعة الله فإن أراد البتة التجاوز فلا يتجاوز عن القسم المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وقال صحيح‏.‏

1553- باب مَا جَاءَ في الرّيَاءِ والسّمْعَة

قال الحافظ في الفتح الرياء بكسر الراء وتخفيف التحتانية والمد وهو مشتق من الرؤية والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها، والسمعة بضم المهملة وسكون الميم مشقة من سمع والمراد بها نحو ما في الرياء، لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسة البصر انتهى‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ الرياء مشتق من الرؤية، والسمعة من السماع، وإنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم الخصال المحمودة‏.‏ فخذ الرياء هو إراؤة العبادة بطاعة الله تعالى، فالمرائي هو العابد والمراءي له هو الناس، والمراءى به هو الخصال الحميدة‏.‏ والرياء هوقصد إظهار ذلك

2421- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ عن شَيْبَانَ، عن فِرَاسٍ، عن عَطِيّةَ عن أَبي سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللّهُ بِهِ وَمَنْ يُسَمّعْ يُسَمّعِ الله بِهِ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ لاَ يَرْحَمِ النّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ الله‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن جُنْدُبٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث غريب حسن صحيح من هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

2422- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ اللّهِ بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، أخبرني الْوَلِيدُ بنُ أَبي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ المَدَائِنيّ، أَنّ عُقْبَةَ بنَ مُسْلِمٍ حَدّثَهُ أَنَ شُفَيّاً الأَصْبَحِديّ حَدّثَهُ أَنّهُ دَخَلَ المَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النّاسُ فَقَالَ‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدّثُ النّاسَ‏.‏ فَلّمَا سَكَتَ وَخَلاَ قُلْتُ لَهُ‏:‏ أَسْأَلُكَ بِحَقّ وَبِحَقّ لما حَدّثْتَنِي حَدِيثاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ أَفْعَلُ لأُحَدّثَنّكَ حَدِيثاً حَدّثَنِيِه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثم نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً، فمكَثْنَا قَلِيلاً، ثُمّ أَفَاقَ فَقَالَ‏:‏ لأُحَدّثَتّكَ حَدِيثاً حَدّثَنيِه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أخرى، ثُمّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ‏:‏ أَفْعَلُ لأُحَدّثَنّكَ حَدِيثاً حَدّثَنِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ مَامَعَنَا أَحدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أخرى، ثم مَالَ خَارّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ طَوِيلاً، ثُم أَفَاقَ فَقَالَ‏:‏ حدثني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنّ الله تبارك تَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى العِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكلّ أُمّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ الله، وَرَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ، فَيَقُولُ الله لِلقارئ‏:‏ أَلَمْ أُعَلِمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي‏؟‏ قَالَ بَلَى يَا رَبّ‏.‏ قالَ‏:‏ فَمَاذَا عُلّمتَ فِيمَا عَلِمْتَ‏؟‏ قالَ‏:‏ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ الّليلِ وَآنَاءَ النّهَارِ، فَيَقُولُ الله لَهُ‏:‏ كَذَبْتَ، وَتَقُولُ له المَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ، وَيَقُولُ الله لَهُ‏:‏ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إن فلاناً قارئ، فَقَدْ قِيْلَ ذَاكَ‏.‏ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ المَالِ، فَيَقُولُ الله‏:‏ أَلَمْ أُوَسّعْ عَلَيْكَ حَتّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ‏؟‏ قالَ بَلَى يَا رَبّ‏.‏ قالَ‏:‏ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ‏؟‏ قالَ‏:‏ كُنْتُ أَصِلُ الرّحِمَ وَأَتَصَدّقُ، فَيَقُولُ الله لَهُ‏:‏ كَذَبْتَ، وَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ لَهُ كَذَبْتَ، وَيَقُولُ الله تعالى‏:‏ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ وَقَد قِيلَ ذَاكَ‏.‏ وَيُؤْتَى بِالّذِي قُتِلَ في سَبِيلِ الله فَيَقُولُ الله لَهُ‏:‏ فِيمَاذَا قُتِلْتَ‏؟‏ فَيَقُولُ أَمَرْت بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فقاتَلْتُ حَتّى قُتِلْتُ‏.‏ فَيَقُولُ الله تعالى لَهُ كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلاَئِكَةُ كذَبْتَ، وَيَقُولُ الله تعالى‏:‏ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمّ ضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏"‏أُولِئَكَ الثّلاَثَةُ أَوّلُ خَلْقِ الله تُسَعّرُ بِهِمْ النّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ‏"‏‏.‏ وقالَ الْوَلِيدُ أبُو عُثْمَانَ المَدائِنيّ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بن مسلم أَنّ شُفَيّاً هُوَ الّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا‏.‏ قالَ أَبُو عُثْمَانَ‏:‏ وحدثني العَلاَءُ بنُ أَبي حَكِيمٍ أَنّهُ كَانَ سَيّافاً لِمُعَاوِيَةَ، قَالَ‏:‏ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عن أَبي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ‏:‏ قَدْ فُعِلَ بِهؤلاءِ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النّاسِ، ثُمّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيداً حَتّى ظَنَنّا أَنّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرّجُلُ بِشَرٍ، ثُمّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عن وَجْهِهِ وَقَالَ‏:‏ صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الذِينَ لَيْسَ لَهُمْ في الاَخِرَةِ إِلاّ النّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غريب‏.‏

2423- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثني المُحَارِبِيّ، عن عَمّارِ بنِ سَيْفٍ الضّبّي، عن أَبي مَعَانٍ البَصْرِيّ، عن ابنِ سِيرِينَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَعَوّذُوا بِالله مِنْ جُبّ الْحَزَنْ‏"‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ الله وَمَا جُبّ الْحَزَنِ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏وَادٍ في جَهَنّمَ يَتَعَوّذُ مِنْهُ جَهَنّمُ كلّ يَوْمٍ ماىَ مَرّةٍ‏.‏ قِييلَ‏:‏ يَا رسُولَ الله، وَمَنْ يَدْخُلُهُ‏؟‏ قال‏:‏ الْقَرّاءُ المُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- ‏(‏من يرائي يرائى الله به‏)‏ بإثبات الياء في الفعلين على أن من موصولة مبتدأ والمعنى‏:‏ من يعمل عملاً ليراه الناس في الدنيا يجازيه الله تعالى به بأن يظهر رياءه على الخلق ‏(‏ومن يسمع‏)‏ بتشديد الميم أي من عمل عملاً للسمعة بأن نوه بعمله وشهره ليسمع الناس به ويمتدحوه ‏(‏يسمع الله به‏)‏ بتشديد الميم أيضاً أي شهرة الله بين أهل العرصات وفضحه على رؤوس الأشهاد‏.‏ قال الخطابي‏:‏ معناه من عمل عملاً على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه‏.‏ وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثاً عند الناس الذين أراد ونيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الاَخرة‏.‏ ومعنى يرائي به يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها- إلى قوله- ما كانوا يعلمون‏)‏ وقيل المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاؤه على عمله ولا يثاب عليه في الاَخرة‏.‏ وقيل‏:‏ المعنى من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمعه المكروه‏.‏ وقيل غير ذلك ذكره الحافظ في الفتح قال‏:‏ وفي الحديث استحباب إخفاء العمل الصالح، لكن قد يستحب إظهار ممن يقتدي به على إرادته الاقتداء به ويقدر ذلك بقدر الحاجة ‏(‏من لا يرحم الناس لا يرحمه الله‏)‏ تقدم شرحه في باب رحمة الناس من أبواب البر والصلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جندب وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث جندب فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ من سمع الناس بعمله سمع الله به مسامع خلقه وصغره وحقره‏.‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏.‏ رواه الطبراني في الكبير بأسانيد أحدها صحيح والبيهقي انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه إلا الفصل الأخير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن عقبة بن مسلم‏)‏ التجيبي المصري القاص إمام المسجد العتيق بمصر ثقة من الرابعة ‏(‏أن شفياً الأصبحي‏)‏ قال في التقريب شفي بالفاء مصغراً ابن ماتع بمثناة الأصبحي ثقة من الثالثة أرسل حديثاً فذكره بعضهم في الصحابة خطأ‏.‏ مات في خلافة هشام قاله خليفة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه‏)‏ أي شفياً ‏(‏فلما سكت‏)‏ أي عن التحديث ‏(‏وخلا‏)‏ أي بقي منفرداً ‏(‏وأسالك بحق وبحق‏)‏ التكرار للتأكيد والباء زائدة‏.‏ والمعنى أسألك حقاً غير باطل ‏(‏لما حدثتني حديثاً‏)‏ كلمة لما ههنا بمعنى ألا‏.‏ قال في القاموس ولما يكون بمعنى حين ولم الجازمة وألا، وإنكار الجوهري كونه بمعنى ألا غير جيد‏.‏ يقال‏:‏ سألتك كما فعلت أي ألا فعلت ومنه‏.‏ ‏(‏أن كل نفس لما عليها حافظ‏)‏ ‏(‏وإن كل لما جميع لدينا محضرون‏)‏ انتهى ‏(‏ثم نشغ‏)‏ بفتح النون والشين المعجمة بعدها غين معجمة أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفاً أو خوفاً قاله المنذري‏.‏ وقال الجزري في النهاية‏:‏ النشغ في الأصل الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي وإنما يفعل الإنسان ذلك تشوقاً إلى شيء فائت وأسفاً عليه ومنه‏.‏ حديث أبي هريرة أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فنشغ نشغة أي شهق وغشى عليه انتهى ‏(‏مال خاراً‏)‏ من الخرور أي ساقطاً ‏(‏فأسندته‏)‏‏.‏ قال في الصراح إسناد تكية دادن جيزي رايجيزي ‏(‏وكل أمة جاثية‏)‏ قال في القاموس‏:‏ جثا كدعا ورمى جثواً وجثياً بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه انتهى ‏(‏يدعو‏)‏ أي الله تعالى ‏(‏به‏)‏ الضمير راجع إلى من ‏(‏رجل جمع القرآن‏)‏ أي حفظه ‏(‏قتل‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏فماذا عملت‏)‏ من العمل ‏(‏فيما علمت‏)‏ من العلم ‏(‏كنت أقوم به‏)‏ أي بالقرآن ‏(‏آناء الليل وآناء النهار‏)‏ أي ساعاتهما‏.‏ قال الأخفش‏:‏ واحدها إنىً مثل معىً، وقيل واحدها إنْىٌ وإنْوٌ وأنو، يقال مضى من الليل إنوان وإنيان ‏(‏فقد قيل ذلك‏)‏ أي ذلك القول فحصل مقصودك وغرضك ‏(‏ألم أوسع عليك‏)‏ أي ألم أكثر مالك ‏(‏حتى لم أدعك‏)‏ أي لم أتركك من ودع يدع ‏(‏جواد‏)‏ أي سخي كريم ‏(‏جريئي‏)‏ فعيل من الجرة فهو مهموز، وقد يدغم أي شجاع ‏(‏تسعر‏)‏ من التسعير أي توقد‏.‏ والحديث دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين‏)‏ وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد وإنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصاً، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصاً ‏(‏وحدثني العلاء بن أبي حكيم‏)‏ قال في التقريب‏:‏ العلاء بن أبي حكيم يحيى الشامي سياف معاوية ثقة من الرابعة ‏(‏قد فعل بهؤلاء‏)‏ أي القارئ والشهيد والجواد المذكورين في الحديث ‏(‏من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها‏)‏ يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر‏.‏ نزلت في كل من عمل عملاً يبتغي به غير الله عز وجل ‏(‏نوف إليهم أعمالهم فيها‏)‏ يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يوسع عليهم الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك ‏(‏وهم فيها لا يبخسون‏)‏ أي لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفورة ‏(‏أولئك الذين ليس لهم في الاَخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها‏)‏ أي وبطل ما عملوا في الدنيا من أعمال البر ‏(‏وباطل ما كانوا يعملون‏)‏ لأنه لغير الله‏.‏ واختلف المفسرون في المعنى بهذه الاَية فروى قتادة عن أنس أنها في اليهود والنصارى وعن الحسن مثله‏.‏ وقال الضحاك من عمل عملاً صالحاً في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجراً في الدنيا وهو أن يصل رحماً أو يعطي سائلاً أو يرحم مضطراً أو نحو هذا من أعمال البر فيعجل الله له ثواب عمله في الدنيا يوسع عليه في المعيشة والرزق ويقر عينه فيما حوله، ويدفع عنه المكاره في الدنيا وليس له في الاَخرة نصيب‏.‏ ويدل على صحة هذا القول سياق الاَية وهو قوله ‏(‏أولئك الذين ليس لهم في الاَخرة إلا النار‏)‏ الاَية‏.‏ وهذه حالة الكافر في الاَخرة‏.‏ وقيل نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم لأنهم كانوا لا يرجون ثواب الاَخرة‏.‏ وقيل إن حمل الاَية على العموم أولى فيندرج الكافر والمنافق الذي هذه صفته والمؤمن الذي يأتي بالطاعات وأعمال البر على وجه الرياء والسمعة‏.‏ قال مجاهد في هذه الاَية هم أهل الرياء وهذا القول مشكل لأن قوله سبحانه وتعالى ‏(‏أولئك الذين ليس لهم في الاَخرة إلا النار‏)‏ لا يليق بحال المؤمن إلا إذا قلنا إن تلك الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة لما كانت لغير الله استحق فاعلها الوعيد الشديد وهو عذاب النار، كذا في تفسير الخازن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمار بن سيف‏)‏ بفتح مهملة وسكون تحتية ‏(‏الضبي‏)‏ بالمعجمة ثم الموحدة الكوفي ضعيف الحديث، وكان عابداً من التاسعة ‏(‏أبي معان البصري‏)‏ في تهذيب التهذيب‏:‏ أبو معاذ، ويقال أبو معان وهو أصح، بصري عن أنس ومحمد بن سيرين وعنه عمار بن سيف الضبي‏.‏ وفي الميزان‏:‏ لا يعرف وفي التقريب‏:‏ مجهول من السادسة ‏(‏عن ابن سيرين‏)‏ الظاهر أنه محمد بن سيرين، ويحتمل أن يكون أنس بن سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعوذوا بالله من جب الحزن‏)‏ قال في المجمع‏:‏ الجب بالضم البئر غير المطوي وجب الحزن علم واد في جهنم والإضافة فيه كدار السلام إذ فيه السلامة من كل آفة وحزن انتهى ‏(‏مائة مرة‏)‏ وفي رواية ابن ماجه أربع مائة مرة ‏(‏القراءون‏)‏ قال في القاموس‏:‏ القراء كرمان الناسك المتعبد كالقارئ والمتقرئ والجمع قراؤون وقرارئ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده عمار بن سيف وهو ضعيف‏.‏ أبو معان وهو مجهول كما عرفت، والحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً‏.‏

1554- باب عمل السّر

2424- حَدّثنا محمّدُ بنُ المُثَنّى، أَخْبَرنَا أبو داوُدَ أَبو سِنَانٍ الشّيْبَانِيّ عن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قال رَجُلٌ‏:‏ يَا رسُولَ الله، الرّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيَسُرّهُ، فَإِذَا اطّلعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ ذلك، قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَهُ أَجْرَانِ‏:‏ أَجْرُ السّرّ وَأَجْرُ الْعَلانِيَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وقد روى الاعمَشُ وَغَيْرُهُ عن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ، عن أَبي صالح، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً، واصحاب الاعمَشِ لم يذكروا فيه عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وقد فَسّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هذا الحديثَ‏:‏ فقال إِذَا اطّلَعَ عَلَيْهِ فأَعْجَبَهُ، فإِنما مَعْنَاهُ أَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ النّاسِ عَلَيْهِ بالخَيْرِ لِقَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله في الارضِ، فَيُعْجِبُهُ ثَنَاءُ النّاسِ عَلَيْهِ لِهَذَا لما يرجو بثناء الناس عليه، فأَمّا إِذَا أَعْجَبَهُ لِيَعْلَمَ النّاسُ مِنْهُ الْخَيْرَ لِيُكَرمَ عَلَى ذَلِكَ ويعظّم عليه فَهَذَا رِيَاءٌ‏"‏‏.‏ وقال بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ إِذَا اطّلَعَ عَلَيْهِ فَأعجبه رَجَاءَ أَنْ يُعْمَلَ بِعَمَلِهِ، فَيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ، فَهَذَا لَهُ مَذْهَبُ أَيْضَاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏حدثنا أبو سنان الشيباني‏)‏ هو الأصغر، ويأتي ترجمته وترجمة أبي سنان الأكبر في باب كم وصف أهل الجنة من أبواب صفة الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيسره‏)‏ من الإسرار أي فيخفيه ‏(‏فإذا اطلع‏)‏ بصيغة المجهول، وقوله الرجل يعمل إلى قوله أعجبه إخبار فيه معنى الاستخبار، يعني هل تحكم على هذا أنه رياء أم لا ‏(‏أجر السر‏)‏ أي لإخلاصه ‏(‏وأجره العلانية‏)‏ أي للاقتداء به أو لفرحه بالطاعة وظهورها منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يعمل بعمله فتكون له مثل أجورهم‏)‏ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها ‏(‏فهذا له مذهب أيضاً‏)‏ أي هذا المعنى الثاني أيضاً صحيح يجوز أن يذهب إليه ويختار‏.‏

1555- باب مَا جَاءَ أَن المَرْءَ معَ مَنْ أَحَب

2425- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عن حَمِيدٍ، عن أَنَسٍ أَنّهُ قال‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يَا رسُولَ الله، مَتَى قِيَامُ السّاعَةِ‏؟‏ فَقَامَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الصّلاَةِ، فلَمّا قَضَى صَلاَتَهُ قال‏:‏ ‏"‏أَيْنَ السّائِلُ عَنْ قِيَامِ السّاعةِ‏؟‏ فقال الرّجُلُ‏:‏ أَنَا يا رسُولَ الله‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ما أَعْدَدْتَ لهَا‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ يَا رسُولَ الله، ما أَعْدَدْتُ لهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَصَوْمٍ إِلاّ أَنّي أُحِبّ الله ورَسُولَهُ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المَرْءُ معَ مَنْ أَحَبّ، وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ‏"‏، فمَا رَأَيْتُ فَرِحَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ الإسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بهذا‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

2426- حدّثنا أَبو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عن أَشْعَثَ، عن الْحَسَنِ، عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ وَلَهُ مَا اكْتَسَبَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عَلِيٍ، وعَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، وَصَفْوَانَ بنِ عَسّالٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَأَبي مُوسَى‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، عن أَنَسٍ بن مالك، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد رُوِيَ هذا الحديث من غير وجه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

2427- حدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ، حدثنا سُفْيَانُ عن عَاصِمٍ، عن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ، عن صَفْوَانَ بنِ عَسّالٍ قال‏:‏ جَاءَ أَعْرَابِيّ جَهْوَرِيّ الصّوْتِ فقال‏:‏ يا مُحمّدُ، الرّجُلُ يُحِبّ الْقَوْمَ وَلَمّا يَلْحَقْ هُوَ بِهِمْ‏.‏ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، أَخْبَرنَا حَمّادُ بن زَيْدٍ عن عاصِمٍ، عن زِرٍ، عن صَفْوَانَ بنِ عَسّالٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حديثِ مَحْمُودٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أشعث‏)‏ بن سوار الكندي النجار الأفرق الأثرم، صاحب التوابيت، قاضي الأهواز ضعيف من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المرء مع من أحب‏)‏ أي يحشر مع محبوبه، ويكون رفيقاً لمطلوبه قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم‏}‏ الاَية‏.‏ وظاهر الحديث العموم الشامل للصالح والطالح، ويؤيده حديث‏:‏ المرء على دين خليله كما مر‏.‏ ففيه ترغيب وترهيب ووعد ووعيد ‏(‏وله ما اكتسب‏)‏ وفي رواية البيهقي في شعب الإيمان‏:‏ أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت‏.‏ قال القاري‏:‏ أي أجر ما أحتسبت، والاحتساب طلب الثواب‏.‏ وأصل الاحتساب بالشيء الاعتداد به ولعله مأخوذ من الحساب أو الحسب واحتسب بالعمل إذا قصد به مرضاة ربه‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ وكلا اللفظين ‏(‏يعني احتسب واكتسب‏)‏ قريب من الاَخر في المعنى المراد منه‏.‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ وذلك لأن معنى ما اكتسب كسب كسباً يعتد به ولا يرد عليه سبب الرياء والسمعة، وهذا هو معنى الاحتساب لأن الافتعال للاعتمال انتهى‏.‏ ومعنى الحديث أن المرء يحشر مع من أحبه وله أجر ما أحتسب في محبته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود وصفوان بن عسال وأبي هريرة وأبي موسى‏)‏ أما حديث علي فأخرجه الطبراني في الصغير والأوسط بإسناد جيد‏.‏ وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث صفوان بن عسال فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي موسى فأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو نعيم كما في الفتح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ما أعددت لها‏)‏ قال الطيبي‏:‏ سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم لأنه سأل عن وقت الساعة فقيل له فيم أنت من ذكراها وإنما يهمك أن تهتم بأهبتها، وتعتني بما ينفعك عند إرسالها من العقائد الحقة والأعمال الصالحة، أجاب بقوله ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله انتهى ‏(‏ما أعددت لها كبير صلاة‏)‏ بالموحدة‏.‏ وفي رواية للبخاري كثير صلاة بالمثلثة ‏(‏وأنت مع من أحببت‏)‏ أي ملحق بهم حتى تكون من زمرتهم وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة فكيف تصح المعية‏؟‏ فيقال إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما ولا يلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية وإن تفاوتت الدرجات كذا في الفتح ‏(‏فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام‏)‏ أي بعد فرحهم به أو دخولهم فيه ‏(‏فرحهم‏)‏ بفتحات أي كفرحهم ‏(‏بها‏)‏ أي بتلك الكلمة وهي‏:‏ أنت مع من أحببت‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ قال إنك مع من أحببت‏.‏ فقلنا ونحن كذلك‏؟‏ قال نعم، ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي

- قوله‏:‏ ‏(‏عن صفوان بن عسال‏)‏ بمهملتين المرادي صحابي معروف نزل الكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء أعرابي جهوري الصوت‏)‏ أي شديد الصوت وعاليه، منسوب إلى جهور بصوته ‏(‏ولما يلحق هو بهم‏)‏ قال الحافظ‏:‏ هي أبلغ فإن النفي لما أبلغ من النفي بلم فيؤخذ منه أن الحكم ثابت ولو بعد اللحاق‏.‏ ووقع في حديث أنس عند مسلم‏:‏ ولم يلحق بعملهم‏.‏ وفي حديث أبي ذر عند أبي داود وغيره‏:‏ ولا يستطيع أن يعمل بعملهم‏.‏ وفي بعض طرق حديث صفوان بن عسال عند أبي نعيم ولم يعمل بمثل عملهم وهو يفسر المراد انتهى ‏(‏المرء مع من أحب‏)‏ يعني من أحب قوماً بالإخلاص يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم، وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم، وفيه حث على محبة الصلحاء والأخيار رجاء اللحاق بهم والخلاص من النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة‏.‏

1556- باب ما جَاءَ في حُسْنِ الظّنّ بالله تَعَالَى

2428- حَدّثنا أَبو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكِيعٌ، عن جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، عن يَزِيدَ بنِ الأَصَمّ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي فِيّ وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن جعفر بن برقان‏)‏ بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف، الكلابي، كنيته أبو عبد الله الرقي صدوق يهم في حديث الزهري من السابعة ‏(‏عن يزيد بن الأصم‏)‏ في التقريب يزيد بن الأصم، واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي أبو عوف، كوفي نزل الرقة وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين، يقال له رؤية ولا يثبت وهو ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا عند ظن عبدي بي‏)‏ أي أنا أعامله على حسب ظنه بي وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر، والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف وحسن الظن بالله كقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله‏.‏ ويجوز أن يراد بالظن اليقين‏.‏ والمعنى‏:‏ أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه على وأن ما قضيت به له أو عليه من خير أو شر لا مرد له‏.‏ لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، قاله الطيبي‏.‏ وقال القرطبي في المفهم‏:‏ قيل معنى ظن عبد بي ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكاً بصادق وعده قال ويؤيده قوله في الحديث الاَخر‏:‏ ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة‏.‏ قال ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه، موقناً بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور، فيظن بي عبدي ما شاء‏.‏ قال‏:‏ وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة، وهو يجر إلى مذهب المرجئة ‏(‏وأنا معه إذا دعاني‏)‏ أي بعلم، وهو كقوله إنني معكما أسمع وأرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه‏.‏

1557- باب ما جَاءَ في البِرّ وَالإِثْم

2429- حَدّثنا مُوسَى بنُ عبدِ الرّحمَنِ الْكِنْدِيّ الْكُوفِيّ، حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، حدثنا مُعَاوِيَةَ بنُ صالِحٍ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيّ عن أَبِيهِ، عن النّوّاسِ بنِ سَمْعَانَ، أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبِرّ وَالإِثْمِ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الْبِرّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النّاسُ‏"‏‏.‏

- حدّثنا محمد بن بشار، أَخْبَرَنَا عبدُ الرّحمنِ بنُ مَهْدِي، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صالحٍ نَحْوَهُ إِلا أَنّهُ قال‏:‏ سَأَلْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن النواس‏)‏ بتشديد الواو ثم مهملة ‏(‏ابن سمعان‏)‏ بفتح السين وكسرها ابن خالد الكلابي أو الأنصاري صحابي مشهور سكن الشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ البر‏)‏ أي أعظم خصاله أو البر كله مجملاً ‏(‏حسن الخلق‏)‏ أي مع الخلق‏.‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال العلماء‏:‏ البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ قيل فسر البر في الحديث بمعان شتى، ففسره في موضع بما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وفسره في موضع بالإيمان، وفي موضع بما يقربك إلى الله، وهنا بحسن الخلق، وفسر حسن الخلق باحتمال الأذى وقلة الغضب وبسط الوجه وطيب الكلام، وكلها متقاربة في المعنى ‏(‏والإثم ما حاك في نفسك‏)‏ أي تحرك فيها وتردد، ولن ينشرح له الصدر، وحصل في القلب منه الشك، وخوف كونه ذنباً‏.‏ وقيل يعني الإثم ما أثر قبحه في قلبك أو تردد في قلبك، ولم ترد أن تظهره لكونه قبيحاً وهو المعنى بقوله‏:‏ ‏(‏وكرهت أن يطلع الناس عليه‏)‏ أي أعيانهم وأماثلهم، إذ الجنس ينصرف إلى الكامل، وذلك لأن النفس بطبعها تحب اطلاع الناس على خيرها، فإذا كرهت للاطلاع على بعض أفعالها فهو غير ما تقرب به إلى الله، أو غير ما أذن الشرع فيه وعلم أنه لا خير فيه ولا بر فهو إذاً إثم وشر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح حسن‏)‏ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم في البر والصلة‏.‏

1558- باب ما جاءَ في الْحُبّ في الله

أي في ذات الله وجهته لا يشوبه الرياء والهوى، ومن هنا كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين جاهدوا فينا‏}‏

2430- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بنُ هِشَامٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ أَخْبَرنَا حَبِيبُ بنُ أَبي مَرْزُوقٍ عن عَطَاءِ بنِ أَبي رَبَاحٍ، عن أَبي مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيّ، حدثني مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ قال‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏قال الله عَزّ وَجَلّ‏:‏ المُتَحَابّونَ في جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النّبِيّونَ وَالشّهَدَاءُ‏"‏‏.‏ وفي البابِ، عن أَبي الدّرْدَاءِ، وَابنِ مَسْعُودٍ وَعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ، وَأَبي هُرَيْرَةَ، وَأَبي مَالِكِ الاشْعَرِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأَبو مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ ثوَبٍ‏.‏

2431- حدّثنا الانْصَارِيّ، حدثنا معن، حدثنا مَالِكٌ عن حُبَيْبِ بنِ عبدِ الرّحمنِ، عن حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، أَوْ عن أَبي سَعِيدٍ‏:‏ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سَبْعَةٌ يُظِلّهُمُ الله في ظِلّهِ يَوْمَ لاَ ظِلّ إِلاّ ظِلّهُ‏:‏ إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ بِعِبَادَةِ الله، وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلّقاً بالمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في الله فَاجْتَمعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرّقَا، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امرأة ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنّي أَخَافُ الله عَزّ وَجَلّ، وَرَجُلٌ تَصَدّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وهكذا رُوِيَ هذا الحديثُ عن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ من غيرِ وَجهٍ مِثْلَ هذا، وَشَكّ فِيهِ‏.‏ وقال عن أَبي هُرَيْرَةَ أَوْ عن أَبي سَعِيدٍ‏.‏ وَعُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ رَوَاهُ عن حُبَيْبِ بنِ عبدِ الرّحمنِ وَلَمْ يَشُكّ فِيهِ يقول عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

2432- حدّثنا سَوّارُ بنُ عبدِ الله الْعَنْبَرِيّ ومحمّدُ بنُ المُثَنّى، قالا‏:‏ أَخْبَرنَا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، حدثني حُبَيْبِ بنِ عبدِ الرّحمنِ، عن حَفْصِ بنِ عاصِمٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حديثِ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ بِمَعْنَاهُ إِلاّ أَنّهُ قال‏:‏ ‏"‏كَانَ قَلْبُه مُعَلّقّاً بالمَسَاجِدِ‏.‏ وقال‏:‏ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديث المقدام حديث حسن صحيح غريب، والمقدام يكنى أبا كُرَيمة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا كثير بن هشام‏)‏ الكلابي أبو سهل الرقي نزيل بغداد، ثقة من السابعة ‏(‏حدثنا حبيب بن أبي مرزوق‏)‏ الرقي ثقة فاضل من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المتحابون في جلالي‏)‏ أي لأجل إجلالي وتعظيمي ‏(‏يغبطهم النبيون والشهداء‏)‏ قال القاري‏:‏ بكسر الموحدة من الغبطة بالكسر، وهي تمني نعمة على ألا تتحول عن صاحبها، بخلاف الحسد فإنه تمني زوالها عن صاحبها فالغبطة في الحقيقة عبارة عن حسن الحال‏.‏ كذا قيل‏.‏ وفي القاموس‏:‏ الغبطة حسن الحال والمسرة، فمعناها الحقيقي مطابق للمعنى اللغوي، فمعنى الحديث يستحسن أحوالهم الأنبياء والشهداء‏.‏ قال‏:‏ وبهذا يزول الإشكال الذي تحير فيه العلماء‏.‏ وقال القاضي‏:‏ كل ما يتحلى به الإنسان أو يتعاطاه من علم وعمل فإن له عند الله منزلة لا يشاركه فيه صاحبه ممن لم يتصف بذلك وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدراً وأعز ذخراً فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون له مثل ذلك مفهوماً إلى ماله من المراتب الرفيعة أو المنازل الشريفة، وذلك معنى قوله‏:‏ يغبطهم النبيون والشهداء فإن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامة والخاصة، إلى غير ذلك من كليات أشغلتهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقها، والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة وفازوا بالفوز الأكبر، فلعلهم لن يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء، فإذا رأوهم يوم القيامة في منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله، ودوا لو كانوا ضامين خصالهم فيكونون جامعين بين الحسنتين وفائزين بالمرتبتين‏.‏ وقيل إنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على هؤلاء بل بيان فضلهم وعلو شأنهم وارتفاع مكانهم وتقريرها على آكد وجه وأبلغه‏.‏ والمعنى أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي الدرداء وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي مالك الأشعري وأبي هريرة‏)‏ أما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني بإسناد حسن، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني في الأوسط، وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أحمد بإسناد صحيح، وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم، وقال صحيح الإسناد‏.‏ ذكر المنذري أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في ترغيبه، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه مرفوعاً‏:‏ أن الله تعالى يقول يوم القيامة‏:‏ أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي‏.‏ وله أحاديث أخرى في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مالك وأحمد والطبراني والحاكم والبيهقي بلفظ‏:‏ قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو مسلم الخولاني‏)‏ الزاهد الشامي ‏(‏اسمه عبد الله بن ثوب‏)‏ بضم المثلثة وفتح الواو بعدها موحدة قال في التقريب‏:‏ وقيل بإشباع الواو وقيل ابن أثوب وزن أحمر، ويقال ابن عوف، أو ابن مشكم ويقال اسمه يعقوب بن عوف ثقة عابد من الثانية، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدركه وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الأنصاري‏)‏ هو إسحاق بن موسى الخطمي أبو موسى المدني ‏(‏عن حفص بن عاصم‏)‏ بن عمر بن الخطاب العمري، ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سبعة‏)‏ أي سبعة أشخاص ‏(‏يظلهم الله‏)‏ أي يدخلهم ‏(‏في ظله‏)‏‏.‏ قال عياض‏:‏ إضافة الظل إلى الله إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وكان حقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه، وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض‏.‏ وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن‏:‏ سبعة يظلهم الله في ظل عرشه فذكر الحديث قال‏:‏ وإذا كان المراد العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح، وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضاً تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود، قال‏:‏ وبهذا يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم إن ذلك مشترك لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فيرجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنة من حديث أبي سعيد مرفوعاً أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل انتهى ‏(‏إمام عادل‏)‏ قال الحافظ‏:‏ المراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئاً من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه‏:‏ إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا‏.‏ قال وأحسن ما فسر به العادل الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط وقدمه في الذكر لعموم النفع به ‏(‏وشاب‏)‏ خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى ‏(‏نشأ‏)‏ أي نما وتربى ‏(‏بعبادة الله‏)‏ أي لافى معصيته فجوزي بظل العرش لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه ‏(‏ورجل كان قلبه معلقاً بالمسجد‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ ورجل قلبه معلق في المساجد وقال الحافظ‏:‏ ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلاً إشارة إلى طول الملازمة بقلبه، وإن كان جسده خارجاً عنه‏.‏ ويدل عليه رواية الجوزقي‏:‏ كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد‏:‏ معلق بالمساجد وكذا رواية سليمان‏:‏ من حبها ‏(‏إذا خرج منه‏)‏ أي من المسجد ‏(‏حتى يعود إليه‏)‏ لأن المؤمن في المسجد كالسمك في الماء والمنافق في المسجد كالطير في القفص ‏(‏ورجلان‏)‏ مثلاً ‏(‏تحابا‏)‏ بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة، وأحب كل منهما الاَخر حقيقة لا إظهاراً فقط ‏(‏في الله‏)‏ أي لله أو في مرضاته ‏(‏فاجتمعا على ذلك‏)‏ أي على الحب في الله إن ‏(‏اختمعا وتفرقا‏)‏ أي إن تفرقاً يعني يحفظان الحب في الحضور والغيبة‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي، سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏‏:‏ عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان، لأن المحبة لاتتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنياً عن عد الاَخر، لأن الغرض عد الخصال لإعد جميع من اتصف بها ‏(‏ورجل ذكر الله‏)‏ أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر ‏(‏خالياً‏)‏ أي من الناس أو من الرياء أو مما سوى الله ‏(‏ففاضت عيناه‏)‏ أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت ‏(‏ورجل دعته‏)‏ امرأة إلى الزنا بها ‏(‏ذات حسب‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ الحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه وقيل الخصال الحميدة له ولاَبائه ‏(‏فقال إني أخاف الله عز وجل‏)‏ الظاهر أنه يقول ذلك بلسانه، أما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه‏.‏ قاله عياض قال القرطبي‏:‏ إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء ‏(‏ورجل تصدق بصدقة‏)‏ نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير، وظاهرة أيضاً يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء‏:‏ أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها ‏(‏فأخفاها‏)‏ قال ابن الملك هذا محمول على التطوع لأن إعلان الزكاة أفضل ‏(‏حتى لا تعلم‏)‏ بفتح الميم وقيل بضمها ‏(‏شماله ما تنفق يمينه‏)‏ قيل فيه حذف، أي لا يعلم من بشماله، وقيل يراد المبالغة في إخفائها، وإن شماله لو تعلم لما علمتها قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فقال‏:‏

وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله

محب عفيف ناشئ متصدق وباكٍ مُصَلٍ والإمام بِعَدْلِهِ

ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعاً‏:‏ من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية، فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له‏.‏ وقد تتبع الحافظ فوجد خصالاً أخرى غير الخصال المذكورة، وأوردها في جزء سماه معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مالك في موطئه ومسلم في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهكذا روي هذا الحديث عن مالك بن أنس من غير وجه مثل هذا وشك فيه وقال عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد‏)‏ وكذلك أخرجه مالك في موطئه بالشك وكذلك أخرجه مسلم من طريق مالك ‏(‏وعبيد الله بن عمر رواه عن خبيب بن عبد الرحمن ولم يشك فيه فقال عن أبي هريرة‏)‏ وكذلك روى الشيخان من طريق عبيد الله بن عمر عن خبيب عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة من غير شك قال الحافظ‏:‏ لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك ورواية مالك في الموطإ عن خبيب فقال عن أبي سعيد أو أبي هريرة على الشك، ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما وتابعه مصعب الزبيري وشذ في ذلك عن أصحاب‏.‏ مالك والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سوار بن عبد الله‏)‏ بن سوار بن عبد الله بن قدامة التميمي العتبري أبو عبد الله البصري قاضي الرصافة وغيرها، ثقة من العاشرة غلط من تكلم فيه ‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏عن عبيد الله بن عمر‏)‏ هو العمري ‏(‏عن خبيب بن عبد الرحمن‏)‏ بضم المعجمة وهو خال عيد الله الراوي عنه ‏(‏عن حفص بن عاصم‏)‏ هو جد عبيد الله المذكور لأبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذات منصب‏)‏ بكسر الصاد‏:‏ أصل أو شرف أو حسب أو مال ‏(‏وجمال‏)‏ أي مزيد حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي‏.‏

1559- باب ما جاءَ في إِعْلاَمِ الحُب

2433- حَدّثنا بُنْدَارٌ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ، أخبرنا ثَوْرُ بنُ يَزِيدَ عن حَبِيبِ بنِ عُبَيْدٍ، عن المِقْدَامِ بنِ مَعْد يكَرِبٍ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا أَحَبّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيّاهُ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبي ذَرٍ وَأَنَسٍ‏.‏ ‏(‏حديثُ المِقْدَامِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏)‏‏.‏

2434- حدّثنا هَنّادٌ وَقتَيْبَةُ، قالا‏:‏ أَخْبَرنَا حَاتِمُ بنُ إِسْماعيلَ، عن عِمْرَانَ بنِ مُسْلِمٍ الْقَصِيرِ، عن سَعِيدِ بنِ سَلْمَانَ، عن يَزِيدَ بن نُعَامَةَ الضّبّيّ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا آخَا الرّجُلُ الرّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنْ اسْمِهِ وَاسْم أَبِيِه وَمِمّنْ هُوَ‏؟‏ فَإِنّهُ أَوْصَلُ لِلْمَوَدّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من هذا الْوَجْهِ، ولا نعْرِف لِيَزِيدَ بنِ نُعَامَةَ سَمَاعاً مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَيُرْوى، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هذَا الحديثِ، ولا يَصِحّ إِسْنَادُهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن حبيب بن عبيد‏)‏ الرحبي أبي حفص الحمصي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أحب أحدكم أخاه‏)‏ في الدين ‏(‏فليعلمه‏)‏ أي فليخبره ندباً مؤكداً ‏(‏إياه‏)‏ أي أنه يحبه، وذلك لأنه إذا أخبره بذلك استمال قلبه واجتلب وده، فبالضرورة يحبه فيحصل الائتلاف ويزول الاختلاف بين المؤمنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي ذر وأنس‏)‏‏.‏ أما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد والضياء المقدسي، وأما حديث أنس فأخرجه ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث المقدام حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عمران بن مسلم‏)‏ المنقري القصير البصري صدوق ربما، وهم، قيل هو الذي روي عن عبد الله بن دينار وقيل بل هو غيره وهو مكي من السادسة ‏(‏عن سعيد بن سليمان‏)‏ وفي بعض النسخ سعيد بن سلمان قال الحافظ في التقريب‏:‏ سعيد بن سلمان أو ابن سليمان الربعي مقبول من السابعة، وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته ذكره ابن حبان في الثقات له في الترمذي حديث واحد يعني حديث يزيد ابن نعامة هذا عن يزيد بن نعامة بضم نون وفتح عين مهملة كذا ضبطه صاحب مجمع البحار في المغني ‏(‏الضبي‏)‏ بفتح المعجمة وكسر الموحدة مشددة نسبة لضبه قبيلة مشهورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أخا الرجل الرجل‏)‏ بمد الهمزة من المؤاخاة أي إذا اتخذه أخاً في الله ‏(‏فيسأله عن اسمه‏)‏ ما هو‏.‏‏.‏‏.‏ ‏(‏وممن هو‏)‏ أي من أي قبيلة وقوم هو ‏(‏فإنه‏)‏ أي السؤال عما ذكر ‏(‏أوصل‏)‏ أي أكثر وصلة ‏(‏للمودة‏)‏ أي للمحبة في الإخوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن سعد في الطبقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعرف ليزيد بن نعامة سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال في التقريب‏:‏ يزيد بن نعامة الضبي أبو مودود البصري، مقبول من الثالثة ولم يثبت أن له صحبة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث إذا آخا الرجل الرجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ولا يصح إسناده‏)‏ رواه البيهقي في شعب الإيمان ولفظه‏:‏ إذا آخيت رجلاً فاسأله عن اسمه واسم أبيه فإن كان غائباً حفظته، وإن كان مريضاً عدته، إن مات شهدته‏.‏ قال المناوي‏:‏ وفي إسناده ضعف قليل‏.‏

1560- باب ما جاء في كَرَاهِيَةِ المُدْحَةِ وَالمدّاحِين

قال في القاموس‏:‏ مدحه كمنعه مدحاً ومدحه‏:‏ أحسن الثناء عليه، كمدحه وامتدحه، والمديح والمدحة والأمدوحة ما يمدح به انتهى

2435- حَدّثنا محمد بن بشار، حدثنا عبدُ الرّحمنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عن حبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن أَبي مَعْمَرٍ قال‏:‏ قَامَ رَجُلٌ فأَثْنَى عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الأُمَرَاءِ، فَجَعَلَ المِقْدَادُ بنُ الاسْوَدِ يَحْثُو في وَجْهِهِ التّرَابَ وقال‏:‏ أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحْثُوَ في وُجُوهِ المَدّاحِينَ التّرَابَ‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد رَوَى زَائِدَةُ عن يَزِيدَ بنِ أَبي زِيَادٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن ابنِ عَبّاسٍ، عن المقداد وحديثُ مُجَاهِدٍ، عن أَبي مَعْمَرٍ أَصَحّ‏.‏ وَأَبُو مَعْمَرٍ اسْمُهُ عبدُ الله بنُ سُخْبَرَةَ‏.‏ وَالمِقْدَادُ بنُ الاسْوَدِ هُوَ المِقْدَادُ بنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيّ، ويُكْنَى أَبَا مَعْبَدٍ، وإِنما نُسِبَ إِلَى الاسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوثَ لانّهُ كَانَ قد تَبَنّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ‏.‏

2436- حدّثنا مُحَمّدُ بنُ عُثْمَانَ الكُوفِيّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، عن سَالِمٍ الْخَيّاطِ، عن الْحَسَنِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحْثُوَ في أَفْوَاهِ المَدّاحِينَ التّرَابَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب‏)‏ قيل يؤخذ التراب ويرمى به في وجه المداح عملاً بظاهر الحديث وقيل معناه الأمر بدفع المال إليهم إذا المال حقير كالتراب بالنسبة إلى العرض في كل باب، أي أعطوهم إياه واقطعوا به ألسنتهم لئلا يهجوكم وقيل معناه أعطوهم عطاء قليلاً فشبه لقلته بالتراب‏.‏ وقيل المراد منه أن يخيب المادح ولا يعطيه شيئاً لمدحه والمراد زجر المادح والحث على منعه من المدح لأنه يجعل الشخص مغروراً ومتكبراً‏.‏ قال الخطابي‏:‏ المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح‏.‏ فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن، والأمر المحمود يكون منه ترغيباً له في أمثاله وتحريضاً للناس على الاقتداء على أشباهه فليس بمداح‏.‏ وفي شرح الستة قد استعمل المقداد الحديث على ظاهره في تناول عين التراب وحثه في وجه المادح وقد يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان أي من تعرض لكم بالثناء والمدح فلا تعطوه واحرموه، كني بالتراب عن الحرمان كقولهم‏:‏ ما في يده غير التراب وكقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً‏.‏

قلت‏:‏ الأولى أن يحمل الحديث على ظاهره كما حمله عليه رواية المقداد بن الأسود، وإلا فالأولى أن يتأول على أن يكون معناه الخيبة والحرمان، وأما ما سواه من التأويل ففيه بعد كما لا يخفى والله أعلم‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ في المدح ست آفات أربع على المادح واثنتان على الممدوح، أما المادح فقد يفرط فيه فيذكره بما ليس فيه فيكون كذاباً، وقد يظهر فيه من الحب مالا يعتقده فيكون منافقاً، وقد يقول له مالا يتحققه فيكون مجازفاً، وقد يفرح الممدوح به وربما كان ظالماً فيعصي بإدخال السرور عليه، وأما الممدوح فيحدث فيه كبراً وإعجاباً وقد يفرح فيفسد العمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داود وابن ماجه كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحديث مجاهد عن أبي معمر أصح‏)‏ لأن حبيب بن أبي ثابت الذي رواه عن مجاهد ثقة فقيه جليل‏.‏ وأما يزيد بن أبي زياد الذي رواه عن مجاهد عن ابن عباس فهو ضعف كبر فتغير وصار يتلقن‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ ابن عثمان بن كرمة الكوفي ثقة من الحادية عشرة ‏(‏عن سالم‏)‏ بن عبد الله الخياط البصري نزل مكة، وهو سالم مولى عكاشة، وقيل هما اثنان صدوق سيء الحفظ من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو أي نرمي‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب من حديث أبي هريرة‏)‏ وهو منقطع لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئاً‏.‏

1561- باب مَا جَاءَ في صُحْبَةِ المؤمِن

2437- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخْبَرَنَاْ عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرنَا سَالِمُ بنُ غَيْلاَنَ أَنّ الْوَلِيدَ بنَ قَيْسٍ التّجيْبِيّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قال سَالِمُ أَوْ عن أَبي الْهَيْثَمِ عن أَبي سَعِيدٍ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏لا تُصَاحِبْ إِلاّ مُؤْمِناً وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاّ تَقِيٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ إِنما نَعْرِفُهُ من هذا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني سالم بن غيلان‏)‏ بفتح معجمة وسكون تحتية التجيبي المصري ليس به بأس من السابعة ‏(‏أن الوليد بن قيس‏)‏ بن الأخرم ‏(‏التجيبي‏)‏ بضم المثناة الفوقية ويجوز فتحها وكسر جيم وسكون مثناة تحت وحدة وبشدة ياء في الاَخر منسوب إلى تجيب بن ثوبان بن سليم مقبول من الخامسة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روي عن أبي سعيد أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سالم أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد‏)‏ وسياق سند أبي داود هكذا حدثنا عمرو بن عون أنبأنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن سالم بن غيلان عن الوليد بن قيس عن أبي سعيد أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد انتهى‏.‏

والحاصل‏:‏ أنه وقع الشك لسالم بن غيلان في أن الوليد بن قيس حدثه عن أبي سعيد بلا واسطة، أو حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تصاحب إلا مؤمناً‏)‏ أي كاملاً بلا مكملاً، أو المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين، لأن مصاحبتهم مضرة في الدين، فالمراد بالمؤمن من جنس المؤمنين ‏(‏ولا يأكل طعامك إلا تقي‏)‏ أي متورع يصرف قوة الطعام إلى عبادة الله والنهي وإن نسب إلى التقي ففي الحقيقة مسند إلى صاحب الطعام، فهو من قبيل‏:‏ لا أرينك ههنا‏.‏ فالمعنى لا تطعم طعامك إلا تقياً‏.‏ قال الخطابي هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة وذلك أنه تعالى قال‏:‏ ‏(‏ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً‏)‏ ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً غير مؤمنين وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته لأن المطاعم توقع الألفة، والمودة في القلوب‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ ولا يأكل نهي لغير التقي أن يأكل طعامه والمراد نهيه عن أن يتعرض لما لا يأكل التقي طعامه من كسب الحرام وتعاطي ما ينفر عنه التقي‏.‏ فالمعنى لا تصاحب إلا مطيعاً، ولا تخالل إلا تقياً انتهى‏.‏ قال القاري وهو في غاية من البهاء غير أنه لا يستقيم به وجه الحصر، فالصواب ما قدمناه‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال القاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي وابن حبان والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏ وقال المناوي أسانيده صحيحة‏.‏

1562- باب ما جاءَ في الصّبْرِ عَلى الْبَلاَء

2438- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليثُ عن يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبِ، عن سَعْدِ بنِ سِنَانٍ، عن أَنَسٍ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ في الدّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشّرّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتّى يُوَافى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ‏"‏‏.‏ وبهذا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِنّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عُظمِ الْبَلاَءِ، وَإِنّ الله إِذَا أَحَبّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرّضَى، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السّخَطُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوَجْهِ‏.‏

2439- حدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ عن الاعْمَشِ قال‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ‏.‏ يقولُ قالت عائِشةُ‏:‏ ‏"‏ما رَأَيْتُ الْوَجَعَ عَلَى أَحَدٍ أَشَدّ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2440- حدّثنا قُتَيْبَةُ، أَخبرنا شَرِيكٌ عن عاصِمٍ بن بهدلة، عن مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عن أَبِيهِ قال قلت‏:‏ يا رسولَ الله، أَيّ النّاسِ أَشَدّ بَلاَءً‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الانْبِيَاءُ ثُمّ الامْثَلُ فالامْثَلُ‏:‏ فَيُبْتَلَى الرّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِيِنِه، فَإِنْ كَانَ في دِيِنهِ صُلْباً اشْتَدّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ في دِيِنهِ رِقّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حسب دِيِنهِ، فمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بالْعَبْدِ حَتّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن أَبي هريرة واخت حذيفة بن اليمان ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل اي الناس أشد بلاء‏؟‏ قال‏:‏ الأنبياءُ ثم الامثلُ فالأمْثَلُ‏.‏

2441- حدّثنا محمدُ بنُ عبدِ الاعْلَى، حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عن محمّدِ بنِ عَمْرٍو عن أَبي سَلَمَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما يَزَالُ الْبَلاَءِ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتّى يَلْقَى الله وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأُخْتِ حُذَيْفَةَ بنِ الْيمَانِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد بن سنان‏)‏ قال في التقريب سعد بن سنان، ويقال سنان ابن سعد الكندي المصري، وصوب الثاني البخاري، وابن يونس صدوق له أفراد من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أراد الله بعبده الخير عجل‏)‏ بالتشديد أي أسرع ‏(‏له العقوبة‏)‏ أي الالبتلاء بالمكاره ‏(‏في الدنيا‏)‏ ليخرج منها وليس عليه ذنب ومن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطف به والمنة عليه ‏(‏أمسك‏)‏ أي أخر ‏(‏عنه‏)‏ ما تستحقه من العقوبة ‏(‏بذنبه‏)‏ أي بسببه ‏(‏حتى يوافي به يوم القيامة‏)‏ أي حتى يأتي العبد بذنبه يوم القيامة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يعني لا يجازيه بذنبه حتى يجيء في الاَخرة متوفر الذنوب وافيها، فيستوفي حقه من العقاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عظم الجزاء‏)‏ أي كثرته ‏(‏مع عظم البلاء‏)‏ بكسر المهملة، وفتح الظاء فيهما ويجوز ضمها مع سكون الظاء فمن ابتلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم ‏(‏ابتلاهم‏)‏ أي اختبرهم بالمحن والرزايا ‏(‏فمن رضي‏)‏ بما ابتلاه به ‏(‏فله الرضى‏)‏ منه تعالى وجزيل الثواب ‏(‏ومن سخط‏)‏ بكسر الخاء أي كره بلاء الله وفزع ولم يرض بقضائه ‏(‏فله السخط‏)‏ منه تعالى وأليم العذاب، ومن يعمل سوءاً يجز به، والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏ الظاهر أن الترمذي حسن الحديث الثاني ولم يحكم على الحديث الأول بشيء مع أنه أيضاً حسن عنده لأن سندهما واحد‏.‏ وذكر السيوطي الحديث الأول في الجامع الصغير وعزاه إلى الترمذي والحاكم، وذكر الحديث الثاني فيه أيضاً وعزاه إلى الترمذي وابن ماجه وذكر المنذري الحديث الثاني في الترغيب وقال رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا وائل يحدث يقول‏)‏ كذا في بعض النسخ ولم يقع في بعضها لفظ يحدث وهو الظاهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما رأيت الوجع‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ المراد بالوجع المرض، والعرب تسمي كل وجع مرضاً انتهى ‏(‏منه‏)‏ أي من الوجع ‏(‏على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي ما رأيت أحداً أشد وجعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أي الناس أشد‏)‏ أي أكثر وأصعب ‏(‏بلاء‏)‏ أي محنة ومصيبة ‏(‏قال الأنبياء‏)‏ أي هم أشد في الابتلاء لأنهم يتلذذون بالبلاء كما يتلذذ غيرهم بالنعماء، ولأنهم لو لم يبتلوا لتوهم فيهم الألوهية، وليتوهن على الأمة الصبر على البلية‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الناس أشد بلاءً‏؟‏ قال‏:‏ الانبياء، ثم الأمثل فالأمثل‏)‏ ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعاً والتجاء إلى الله تعالى ‏(‏ثم الأمثل فالأمثل‏)‏ قال الحافظ‏:‏ الأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء‏.‏ وقال ابن الملك‏:‏ أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة‏.‏ يعني من هو أقرب إلى الله بلاؤه أشد ليكون ثوابه أكثر قال الطيبي‏:‏ ثم فيه للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلاً من الأعلى إلى الأسفل واللام في الأنبياء للجنس‏.‏ قال القاري‏:‏ ويصح كونها للاستغراق إذ لا يخلو واحد منهم من عظيم محنة وجسيم بلية بالنسبة لأهل زمنه، ويدل عليه قوله‏:‏ ‏(‏يبتلي الرجل على حسب دينه‏)‏ أي مقداره ضعفاً وقوة ونقصاً وكمالاً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الجملة بيان للجملة الأولى واللام في الرجل الاستغراق في الأجناس المتوالية ‏(‏فإن كان‏)‏ تفصيل للابتلاء وقدره ‏(‏في دينه صلباً‏)‏ بضم الصاد المهملة أي قوياً شديدا وهو خبر كان واسمه ضمير راجع والجار متعلق بالخبر ‏(‏اشتد بلاؤه‏)‏ أي كمية وكيفية ‏(‏وإن كان في دينه رقة‏)‏ أي ذا رقة ويحتمل أن يكون رقة اسم كان أي ضعف ولين‏.‏ قال الطيبي‏:‏ جعل الصلابة صفة له والرقة صفة لدينه مبالغة وعلى الأصل‏.‏ قال القاري‏:‏ وكان الأصل في الصلب أن يستعمل في الجثث وفي الرقة أن تستعمل في المعاني، ويمكن أن يحمل على التفنن في العبارة انتهى ‏(‏ابتلى على قد ردينه‏)‏ أي ببلاء هين سهل، والبلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت النعمة عليه أكثر فبلاؤه أغزر ‏(‏فما يبرح البلاء‏)‏ أي ما يفارق أو ما يزال ‏(‏بالعبد‏)‏ أي الإنسان ‏(‏حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة‏)‏ كناية عن خلاصه من الذنوب، فكأنه كان محبوساً ثم أطلق وخلي سبيله يمشي ما عليه بأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان والحاكم كذا في الفتح‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ما يزال البلاء بالمؤمن‏)‏ أي ينزل بالمؤمن الكامل ‏(‏والمؤمنة‏)‏ الواو بمعنى أو بدليل إفراد الضمير في نفسه وماله وولده، ووقع في المشكاة بالمؤمن أو المؤمنة‏.‏ قال القاري‏:‏ أو للتنويع ووقع في أصل ابن حجر بالواو، فقال الواو بمعنى أو بدليل إفراد الضمير وهو مخالف للنسخ المصححة والأصول المعتمدة ‏(‏وولده‏)‏ بفتح الواو واللام وبضم فسكون أي أولاده ‏(‏حتى يلقى الله‏)‏ أي يموت ‏(‏وما عليه خطيئة‏)‏ بالهمزة والإدغام أي وليس عليه سيئة لأنها زالت بسبب البلاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مالك في الموطإ عنه مرفوعاً بلفظ‏:‏ ما يزال المؤمن يصاب في ولده وخاصته حتى يلقى الله وليست له خطيئة‏.‏ وأخرجه أيضاً أحمد وابن أبي شيبة بلفظ‏:‏ لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة، كذا في الفتح‏.‏ وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا‏:‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري‏.‏ وأما حديث أخت حذيفة بن اليمان فأخرجه النسائي وصححه الحاكم‏.‏ وأخت حذيفة اسمها فاطمة بنت اليمان صرح به الحافظ في الفتح‏.‏

1563- باب ما جاءَ في ذَهَابِ البَصَر

2442- حدثنا عبدُ الله بنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيّ، حدثنا عبدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا أَبو ظِلاَلٍ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله تَعَالى يَقُولُ إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَي عَبْدِي في الدّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَزاءٌ عِنْدِي إِلاّ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ‏.‏ وأَبو ظِلاَلٍ اسْمُهُ هِلاَلٌ‏.‏

2443- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا عبدُ الرّزَاقِ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الاعْمَشِ عن أَبي صالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يقول الله عَزّ وَجَلّ‏:‏ مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَاباً دُونَ الْجَنّةِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2444- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازِيّ، وَيُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطّانُ البَغْدَادِيّ قَالاَ‏:‏ أخبرنا عَبْدُ الرحمَنِ بنُ مَغْرَاءَ أَبُو زُهَيْرٍ، عن الاعْمَشِ، عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جَابِرٍ قالَ‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَوَدّ أَهْلُ الْعَافِيةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلاَءِ الثّوَابَ لَوْ أَنّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدّنْيَا بِالمَقَارِيضِ‏"‏‏.‏ وهذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ، عن الاعْمَشِ، عن طَلْحَةَ بنِ مُصَرّفٍ، عن مَسْرُوقٍ شَيْئاً مِنْ هَذَا‏.‏

2445- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله، قالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ أَحَد يَمُوتُ إِلاّ نَدِمَ‏"‏‏.‏ قالُوا وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولُ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏إِنْ كَانَ مُحْسِناً نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسيئاً نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ نَزَعَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ إِنمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوجْهِ، وَيَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله قَدْ تَكَلَمَ فِيهِ شُعْبَةُ وَهُوَ يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله بِنُ موهبٍ مدني‏.‏

2446- حَدّثنا سُوَيْدُ، أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله، قال‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَحْرُجُ في آخِرِ الزّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدّنْيَا بالدّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنّاسِ جُلُودَ الضّأْنِ مِنَ الّلينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السّكّرِ وَقُلِوبُهُمْ قُلُوبُ الذّئَابِ‏.‏ يَقُولُ الله عز وجل أَبي يَغْتَرّونَ أَمْ عَلَيّ تَجْتَرِئُونَ‏؟‏ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَاناً‏"‏‏.‏

وفي البابِ، عن ابنِ عُمَرَ‏.‏

2447- حدّثنا أَحمدُ بنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ، حدثنا محمّدُ بنُ عَبّادِ، أخبرنا حَاتِمُ بنُ إِسماعيلَ، أخبرنا حَمْزَةُ بنُ أَبي محمّدٍ، عن عبدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ الله تَعَالَى قَالَ‏:‏ لَقَدْ خَلَقْتُ خَلْقاً أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقُلُوبُهُمْ أَمَرّ مِنَ الصّبْرِ، فَبِي حَلَفْتُ لأُتِيحَنّهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حيْرَاناً، فبِي يَغْتَرّونَ أَمْ عَلَيّ يَجْتَرِئُونَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديثِ ابنِ عُمَر لا نعرفُه إِلاّ من هذا الوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن الله يقول إذا أخذت كريمتي عبدي‏)‏ أي أعمت عينه الكريمتين عليه وإنما سميتا بها لأنه لا أكرم عند الإنسان في حواسه منها ‏(‏لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة‏)‏ أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب، لأن العمى من أعظم البلايا، وهذا قيده في حديث أبي هريرة الاَتي بما إذا صبر واحتسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن أرقم‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه البزار من رواية جابر الجعفي بلفظ‏:‏ ما ابتلى عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره ومن ابتلى ببصره فصبر حتى يلقى الله لقي الله تبارك وتعالى ولا حساب عليه‏.‏ قال الحافظ في الفتح وأصله عند أحمد بغير لفظه بسند جيد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه البخاري ولفظه‏:‏ إن الله قال إذا ابتليت عبدي بحيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة بريد عينيه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من أذهبت حبيبتيه‏)‏ بالثنية قال الحافظ وقد فسرهما آخر الحديث بقوله يريد عينيه والمراد بالحبيبتين المحبوبتان، لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه ‏(‏فصبر واحتسب‏)‏ قال الحافظ المراد أنه يصبر مستحضراً ما وعد الله به الصابر من الثواب، لا أن يصبر مجرداً عن ذلك لأن الأعمال بالنيات وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه، بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد، وإلا يصير كما جاء في حديث سلمان‏:‏ إن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتباً، وإن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل‏.‏ أخرجه البخاري في الأدب المفرد موقوفاً انتهى ‏(‏لم أرض له ثواباً دون الجنة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا أعظم العوض لأن الالتذاذ بالصبر يفنى بفناء الدنيا، والالتذاذ بالجنة باق ببقائها وهو شامل لكل من وقع له ذلك بالشرط المذكور، ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في الأدب المفرد بلفظ‏:‏ إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت‏.‏ فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في وقوع البلاء فيفوض ويسلم وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود‏.‏ وقد مضى حديث أنس في الجنائز‏:‏ إنما الصبر عند الصدمة الأولى‏.‏ وقد وقع في حديث العرباض فيما صححه ابن حبان فيه بشرط آخر ولفظه‏:‏ إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثواباً دون الجنة إذا هو حمدني عليهما‏.‏ ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق، وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة، فالذي له أعمال صالحة أخرى يزاد في رفع الدرجات انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عرباض بن سارية‏)‏ أخرجها ابن حبان في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يذهب الله بحبيبتي عبد فيصبر ويحتسب إلا أدخله الله الجنة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ويوسف بن موسى‏)‏ بن راشد القطان البغدادي أبو يعقوب الكوفي نزيل الري ثم بغداد، صدوق من العاشرة ‏(‏أخبرنا عبد الرحمن بن مغراء‏)‏ كذا في نسخ الترمذي بالمد‏.‏ وكذا في تهذيب التهذيب‏.‏ والخلاصة ولكن ضبطه الحافظ في التقريب بالقصر، فقال عبد الرحمن بن مغرا بفتح الميم وسكون المعجمة ثم راء مقصوراً الدوسي ‏(‏أبو زهير‏)‏ بالتصغير، الكوفي نزيل الري، صدوق تكلم في حديثه عن الأعمش من كبار التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يود‏)‏ أي يتمنى ‏(‏أهل العافية‏)‏ أي في الدنيا ‏(‏يوم القيامة‏)‏ ظرف يود ‏(‏حين يعطى‏)‏ على البناء للمفعول ‏(‏الثواب‏)‏ مفعول ثان، أي كثير أو بلا حساب لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏)‏‏.‏ ‏(‏قرضت‏)‏ بالتخفيف ويحتمل التشديد للمبالغة والتأكيد أي قطعت ‏(‏في الدنيا‏)‏ قطعة قطعة ‏(‏بالمقاريض‏)‏ جمع المقراض ليجدوا ثواباً كما وجد أهل البلاء‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الود محبة الشيء وتمنى كونه له ويستعمل في كل واحد من المعنيين من المحبة والتمني‏.‏ وفي الحديث هو من المودة التي هي بمعنى التمني وقوله‏:‏ لو أن الخ نزل منزلة مفعول يود كأنه قيل يود أهل العافية ما يلازم لو أن جلودهم كانت مقرضة في الدنيا وهو الثواب المعطى‏.‏ قال ميرك‏:‏ ويحتمل أن مفعول يود الثواب على طريق التنازع‏.‏ وقوله لو أن جلودهم حال أي متمنين أن جلودهم الخ أو قائلين لو أن جلودهم على طريقة الالتفات من التكلم إلى الغيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي وابن أبي الدنيا من رواية عبد الرحمن بن مغرا وبقية رواته ثقات‏.‏ وقال الترمذي حديث غريب ورواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود موقوفاً عليه، وفيه رجل لم يسم انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن عبيد الله‏)‏ بن عبد الله بن موهب، التميمي المدني متروك وأفحش الحاكم فرماه بالوضع من السادسة ‏(‏قال سمعت أبي‏)‏ أي عبيد الله بن عبد الله بن موهب التميمي المدني مقبول من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من أحد يموت إلا ندم‏)‏ بكسر الدال أي تأسف واغتم فعلى كل أحد أن يغتنم الحياة قبل الممات وأن يستبق الخيرات قبل الوفاة ‏(‏قالوا وما ندامته‏)‏ أي وما وجه تأسف كل أحد ‏(‏إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد‏)‏ أي خيراً من عمله ‏(‏وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع‏)‏ أي أقلع عن الذنوب ونزع نفسه عن ارتكاب المعاصي وتاب وصلح حاله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه‏)‏ وهو ضعيف ‏(‏ويحيى بن عبيد الله قد تكلم فيه شعبة‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال علي بن المديني سألت يحيى يعني ابن سعيد عن يحيى بن عبيد الله فقال‏:‏ قال شعبة رأيته يصلي صلاة لا يقيمها فتركت حديثه، وذكر الحافظ فيه جروح أئمة الحديث فإن شئت الوقوف عليها فارجع إليه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يختلون الدنيا بالدين‏)‏ أي يطلبون الدنيا بعمل الاَخرة، يقال ختله يختله ويختله ختلاً وختلاناً‏:‏ إذا خدعه وراوغه، وختل الذئب الصيد إذا تخفى له ‏(‏يلبسون للناس جلود الضأن من اللين‏)‏ كناية عن إظهار اللين مع الناس‏.‏ وقال القاري‏:‏ المراد بجلود الضأن عينها أو ما عليها من الصوف وهو الأظهر‏.‏ فالمعنى أنهم يلبسون الأصواف ليظهم الناس زهاداً وعباداً تاركين الدنيا راغبين في العقبى‏.‏ وقوله من اللين‏:‏ أي من أجل إظهار التلين والتلطف والتمسكن والتقشف مع الناس وأرادوا به قلت‏:‏ حقيقة الأمر التملق والتواضع في وجوه الناس ليصيروا مريدين لهم ومعتقدين لأحوالهم، انتهى ‏(‏أحلى من السكر‏)‏ بضم السين المهملة وتشديد الكاف معرب شكر ‏(‏وقلوبهم قلوب الذئاب‏)‏ أي مسودة شديدة في حب الدنيا والجاه ‏(‏أبي تغترون‏)‏ الهمزة الاستفهام أي أبحلمي وإمهالي تغترون‏؟‏ والاغترار هنا عدم الخوف من الله، وإهمال التوبة، والاسترسال في المعاصي والشهوات ‏(‏أم علي تجترئون‏)‏‏؟‏ أم منقطعة اضرب إلى ما هو أشنع من الاغترار بالله أي تعملون الصالحات ليعتقد فيكم الصلاح فيجلب إليكم الأموال وتخدمون ‏(‏فبي حلفت‏)‏ أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك ‏(‏لأبعثن‏)‏ من البعث أي لأسلطن ولأقضين ‏(‏على أولئك‏)‏ أي الموصوفين بما ذكر ‏(‏منهم‏)‏ أي مما بينهم بتسليط بعضهم على بعض ‏(‏فتنة تدع الحليم‏)‏ أي تترك العالم الحازم فضلاً عن غيره ‏(‏حيراناً‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة بالتنوين‏.‏ وذكر المنذري هذا الحديث في الترغيب نقلاً عن الترمذي وفيه حيران بغير التنوين وكذلك في المشكاة وهو الظاهر أي حال كونه متحيراً في الفتنة لا يقدر على دفعها ولا على الخلاص منها لا بالإقامة فيها ولا بالفرار منها‏.‏ قال الأشرف‏:‏ من في منهم يجوز أن يكون للتبيين بمعنى الذين والإشارة إلى الرجال، وتقديره على أولئك الذين يختلون الدنيا بالدين وأن يجعل متعلقاً بالفتنة أي لأبعثن على الرجال الذين يختلون الدنيا بالدين فتنة ناشئة منهم كذا في المرقاة‏.‏ وهذا الحديث أيضاً ضعيف لأن في سنده أيضاً يحيى ابن عبيد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن سعيد‏)‏ بن صخر الدارمي أبو جعفر السرخسي ثقة حافظ من الحادية عشرة ‏(‏حدثنا محمد بن عباد‏)‏ بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق يهم من العاشرة ‏(‏أخبرنا حمزة بن أبي محمد‏)‏ المدني ضعيف من السابعة كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته له في الترمذي حديث واحد في خلق قوم ألسنتهم أحلى من العسل‏.‏ قال أبو حاتم ضعيف الحديث منكر الحديث لم يرو عنه غير حاتم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد خلقت خلقاً‏)‏ أي من الاَدميين ‏(‏ألسنتهم أحلى من العسل‏)‏ فيها يملقون ويداهنون ‏(‏وقلوبهم أمر من الصبر‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الصبر ككتف ولا يسكن إلا في ضرورة شعر عصارة شجر مر أي فيها يمكرون وينافقون ‏(‏لأنيحنهم‏)‏ بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لهم من أتاح له كذا أي قدر له وأنزل به ‏(‏فتنة‏)‏ أي ابتلاء وامتحاناً ‏(‏تدع الحليم‏)‏ بفتح الدال أي تتركه ‏(‏منهم حيراناً‏)‏ أي تترك العاقل منهم متحيراً، لا يمكنه دفعها، ولا كف شرها‏.‏ ‏(‏فبي يغترون‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ ذكر المنذري في الترغيب هذا الحديث ونقل تحسين الترمذي وأقره‏.‏

اعلم أن حديث ابن عمر هذا وحديث أبي هريرة الذي قبله، لا مناسبة لهما بباب ذهاب البصر، ولعله سقط قبلهما باب يناسب هذين الحديثين‏.‏

1564- باب ما جاءَ في حِفْظِ الّلسان

2448- حَدّثنا صالحُ بنُ عبدِ الله، حدثنا ابنُ المُبَارَكِ، وحدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن يَحْيَى بنِ أَيّوبَ، عن عُبَيْدِ الله بنِ زَحْرٍ، عن عَلِيّ بنِ يَزِيدَ، عن القَاسِمِ، عن أَبي أُمَامَةَ، عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ قالَ‏:‏ قلت‏:‏ يا رسولَ الله‏:‏ مَا النّجَاةُ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أمسك عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابُكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

2449- حدّثنا محمّدُ بنُ مُوسَى الْبَصْرِيّ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عن أَبي الصّهْبَاءِ، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن أَبي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَفَعَهُ قال‏:‏ ‏"‏إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنّ الأَعْضَاءَ كُلّهَا تُكَفّرُ الّلسَانَ فَتَقُولُ‏:‏ اتَقِ الله فِينَا فَإِنّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا‏"‏‏.‏

2450- حدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبو أُسَامَةَ عن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ ولم يَرْفَعْهُ‏.‏ وهذا أَصَحّ من حديثِ محمدِ بنِ مُوسَى‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ نعرفُه إِلاّ من حديثِ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ‏.‏ وقد رَوَاهُ غيرُ وَاحِد عن حَمّادِ بنِ زَيْدٍ ولم يَرْفَعُوهُ‏.‏

2451- حدّثنا صالحُ بنُ عبدِ الله، حدثنا حَمّادُ بنُ زيدٍ، عن أبِيْ الصّهْباءِ عن سعيدٍ بن جبير عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال أحسِبُه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه‏"‏‏.‏

2452- حدّثنا محمّدُ بنُ عبدِ الأَعْلَى الصّنْعَانِيّ، أَخْبَرنَا عُمَرُ بن عَلِيّ المُقَدّمِيّ، عن أَبي حَازِمٍ، عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قال‏:‏ قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ يَتَوَكّل لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَتَوَكّلُ لَهُ بالْجَنّةِ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديث سهل بن سعدٍ‏.‏

2453- حدّثنا أَبو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أَخْبَرَنَا أَبو خالِدٍ الاحْمَرُ، عن ابنِ عْجَلاَنَ عن أَبي حَازِمٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ وَقَاهُ الله شَرّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأَبو حازِمٍ الذي رَوَى عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، هُوَ أَبو حازِمٍ الزّاهِدُ مَدِيني واسْمُهُ‏:‏ سَلَمَةُ بنُ دِينَارٍ‏.‏ أَبو حازِمٍ الذي رَوَى عن أَبي هُرَيْرَةَ اسْمُهُ سَلْمَانُ الأَشْجَعِيّ مَوْلَى عَزّةَ الأَشْجَعِيّةِ وَهُوَ الكُوفِيّ‏.‏

2454- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُهْرِيّ، عن عبدِ الرّحمنِ بنِ مَاعِزٍ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عبدِ الله الثّقَفِيّ قال‏:‏ ‏"‏قلت‏:‏ يَا رَسُولَ الله، حَدّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ‏.‏ قال‏:‏ قُلْ رَبّي الله ثُمّ اسْتَقِمْ‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسولَ الله، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيّ‏؟‏ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمّ قَالَ‏:‏ هذا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ من غيرِ وَجْهٍ عن سُفْيَانَ بنِ عبدِ الله الثّقَفِيّ‏.‏

2455- حَدّثنا أَبو عَبْدِ الله محمّدُ بنُ أَبِي ثَلْجٍ الْبَغْدَادِيّ صَاحِبُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حدثنا عَلِيّ بنُ حَفْصٍ، أخبرنا إِبْرَهِيمُ بنُ عبدِ الله بنِ حاطِبٍ، عن عبدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُكْثِرِ الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الله، فَإِنّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الله قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنّ أَبْعَدَ النّاسِ مِنَ الله الْقَلْبُ الْقَاسِي‏"‏‏.‏

2456- حدّثنا أَبو بَكْرِ بنِ أَبي النّضْرِ، حدثني أَبو النّضْرِ، عن إِبراهيمَ بنِ عبدِ الله بنِ حَاطِبٍ عن عبدِ الله بنِ دِينَارِ عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بمعناه‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديثِ إِبْراهيمَ بنِ عبدِ الله بنِ حَاطِبٍ‏.‏

2457- حَدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ وغيرُ وَاحِدٍ، قالوا‏:‏ أَخْبَرنَا محمدُ بنُ يَزِيدٍ بن خُنَيْسٍ المَكّيّ قال‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ حَسَانَ المَخْزُومِيّ قال‏:‏ حَدّثَتْنِي أُمّ صالحٍ، عن صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عن أُمّ حَبِيبَةَ زَوْحِ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏كل كَلاَم ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لا لَهُ إِلاّ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ المُنْكَرِ أَوْ ذِكْرُ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفُه إِلاّ من حديثِ محمّدِ بنِ يَزِيدَ بنِ خُنَيْسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عقبة بن عامر‏)‏ الجهني صحابي مشهور اختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أبو حماد ولي إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين وكان فقيهاً فاضلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما النجاة‏)‏ أي ما سببها ‏(‏قال أملك عليك لسانك‏)‏ أمر من الملك‏.‏ قال في القاموس‏:‏ ملكه يملكه ملكاً مثلثة احتواه قادراً على الاستبداد به وأملكه الشيء وملكه إياه تمليكاً بمعنى انتهى‏.‏ قال الطيبي أي أحفظه عما لا خير فيه‏.‏ وقال صاحب النهاية‏:‏ أي لا تجره إلا بما يكون لك لا عليك‏.‏ وقال القاري في المرقاة‏:‏ وقع في النسخ المصححة يعني من المشكاة أملك بصيغة المزيدة مضبوطة انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر من حيث المعنى هو أملك من الثلاثي المجرد، وأما أملك من باب الأفعال فلا يستقيم معناه هنا إلا بتكلف ‏(‏وليسعك‏)‏ بكسر اللام أمر من وسع يسع‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الأمر في الظاهر وارد على البيت وفي الحقيقة على المخاطب أي نعرض لما هو سبب هزوم البيت من الاشتعال بالله والتوانسة بطاعته والخلوة عن الأغيار ‏(‏وابك على خطيئتك‏)‏ قال الطيبي من بكى معنى الندامة وعداه يعلى أي اندم على خطيئتك باكياً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن أبي الدنيا في العزلة وفي الصمت والبيهقي في كتاب المزهد وغيره كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عنه‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الصهباء‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ أبو الصهباء الكوفي عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري رفعه‏:‏ إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان الحديث‏.‏ وعنه حماد بن زيد وغيره ذكره ابن حبان في الثقات انتهى‏.‏ وقال في التقريب مقبول من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أصبح ابن آدم‏)‏ أي دخل في الصباح ‏(‏فإن الأعضاء‏)‏ جمع عضو كل عظم وافر بلحمه ‏(‏كلها‏)‏ تأكيد ‏(‏تكفر اللسان‏)‏ بتشديد الفاء المكسورة، أي نتذلل وتتواضع له من قولهم كفر اليهودي إذا خضع مطاطا رأسه وانحنى لتعظيم صاحبه كذا قيل‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ التكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريباً من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه ‏(‏فتقول‏)‏ أي الأعضاء له حقيقة أو هو مجاز بلسان الحال ‏(‏اتق الله فينا‏)‏ أي خفة في حفظ حقوقنا ‏(‏فإنا نحن بك‏)‏ أي نتعلق ونستقيم ونعوج بك ‏(‏فإن استقمت‏)‏ أي اعتدلت ‏(‏استقمنا‏)‏ أي اعتدلنا تبعاً لك ‏(‏وإن اعوججت‏)‏ أي ملت عن طريق الهدى ‏(‏اعوججنا‏)‏ أي ملنا عنه اقتداء بك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فإن قلت‏:‏ كيف التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب‏.‏ قلت‏:‏ اللسان ترجمان القلت وخليفته في ظاهر البدن، فإذا أسند إليه الأمر يكون على سبيل المجاز في الحكم، كما في قولك‏:‏ شفي الطبيب المريض‏.‏ قال الميداني في قوله‏:‏ المرء بأصغريه، يعني بهما القلب واللسان‏.‏ أي يقوم ويكمل معانيه بهما وأنشد لزهير‏.‏

وكائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن زيد‏)‏ وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان وابن أبي الدنيا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر بن علي‏)‏ بن عطاء بن مقدم المقدمي بصري أصله واسطي ثقة، وكان يدلس شديداً من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من يتوكل لي‏)‏ بالجزم على أن من شرطية‏.‏ قال في النهاية‏:‏ توكل بالأمر إذا ضمن القيام به‏.‏ وقيل هو بمعنى تكفل انتهى‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ من يضمن لي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ بفتح أوله وسكون الضاد المعجمة والجزم من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان وأراد لازمه‏.‏ وهو أداء الحق الذي عليه‏.‏ فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال انتهى ‏(‏ما بين لحييه‏)‏ بفتح اللام وسكون الحاء والتثنية هما العظمان اللذان ينبت عليهما الأسنان علواً وسفلاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والمراد بما بين اللحيين اللسان وما يتأتى به النطق، وبما بين الرجلين الفرج‏.‏ وقال ابن بطال‏:‏ دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وقى شرهما وقى أعظم الشر انتهى ما في الفتح ‏(‏أتوكل له‏)‏ بالجزم جواب الشرط وهو من باب المقابلة ‏(‏بالجنة‏)‏ أي دخولها أولاً أو درجاتها العالية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس‏)‏‏.‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق وفي كتاب المحاربين‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من وقاله الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه‏)‏ أراد شر لسانه وفرجه ‏(‏دخل الجنة‏)‏ أي بغير عذاب أو مع السابقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، ورواه ابن أبي الدنيا إلا أنه قال‏:‏ من حفظ ما بين لحييه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو حازم الذي روى عن سهل بن سعد هو أبو حازم الزاهد مديني واسمه سلمة بن دينار‏)‏ قال في التقريب سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج التمار المدني القاص مولى الأسود بن سفيان ثقة عابد من الخامسة ‏(‏وأبو حازم الذي روى عن أبي هريرة اسمه سلمان الأشجعي الخ‏)‏ تقدم ترجمته‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن ماعز‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عبد الرحمن بن ماعز، ويقال محمد بن عبد الرحمن بن ماعز، ويقال ماعز بن عبد الرحمن اختلف علي الزهري في ذلك والأول أقوى مقبول من الثالثة ‏(‏عن سفيان بن عبد الله‏)‏ بن ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي صحابي وكان عامل عمر على الطائف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني بأمر أعتصم به‏)‏ أي أستمسك به ‏(‏قال قل ربي الله ثم استقم‏)‏ هو لفظ جامع لجميع الأوامر والنواهي، فإنه لو ترك أمراً أو فعل منهياً فقد عدل عن الطريق المستقيمة حتى يتوب‏.‏ ومنه ‏(‏إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا‏)‏ فإن من رضي بالله رباً يؤدي مقتضيات الربوبية ويحقق مراضيه ويشكر نعماءه ‏(‏ما أخوف ما تخاف عليّ‏)‏ ما الأولى استفهامية مبتدأ خبره أخوف وهو اسم تفضيل بني للمفعول نحو أشهد وألوم وأشغل وما الثانية مضاف إليه خوف وهي موصولة والعائد محذوف أي أي شيء أخوف أشياء تخاف منها عليّ‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ مافي ما تخاف يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة وأن تكون مصدرية على طريقة جد جده، وجن جنونه، وخشيت خشيته ‏(‏فأخذ‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏بلسان نفسه‏)‏ الباء زائدة لمزيد التعدية ‏(‏ثم قال هذا‏)‏ هو مبتدأ أو خبر‏.‏ والمعنى هذا أكثر خوفي عليك منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد كذا في الترغيب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عبد الله محمد‏)‏ بن عبد الله بن إسماعيل ‏(‏بن أبي ثلج‏)‏ بمثلثة وجيم ‏(‏البغدادي‏)‏ أصله من الري صدوق من الحادية عشرة ‏(‏حدثنا علي ابن حفص‏)‏ المدائني نزيل بغداد صدوق من التاسعة ‏(‏أخبرنا إبراهيم بن عبد الله‏)‏ ابن الحارث ‏(‏بن حاطب‏)‏ الجمحي، صدوق، روى مراسيل من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تكثر الكلام بغير ذكر الله‏)‏ فيه إشارة إلى أن بعض الكلام مباح وهو ما يعنيه ‏(‏فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة‏)‏ أي سبب قساوة ‏(‏للقلب‏)‏ وهي النبو عن سماع الحق، والميل إلى مخالطة الخلق‏.‏ وقلة الخشية وعدم الخشوع والبكاء، وكثرة الغفلة عن دار البقاء ‏(‏وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي‏)‏ أي صاحبه، أو التقدير أبعد قلوب الناس القلب القاسي‏.‏ أو أبعد الناس من له القلب القاسي‏.‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ ويمكن أن يعبر بالقلب عن الشخص لأنه به كما قيل‏:‏ المرء بأصغريه أي بقلبه ولسانه فلا يحتاج إذاً إلى حذف الموصول مع بعض الصلة، قال تعالى ‏{‏ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة‏}‏ الاَية‏.‏ وقال عز وجل ‏{‏ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو النضر‏)‏ اسمه هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي، مولاهم البغدادي مشهور بكنيته ولقبه قصر ثقة ثبت من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب الخ‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي والبيهقي‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏سمعت سعيد بن حسان المخزومي‏)‏ المكي قاص أهل مكة، صدوق له أوهام من السادسة ‏(‏حدثتني أم صالح‏)‏ بنت صالح، لا يعرف حالها من السابعة ‏(‏عن صفية بنت شيبة‏)‏ بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية لها رؤية، وحدثت عن عائشة وغيرها من الصحابة‏.‏ وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر الدارقطني إدراكها كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلام ابن آدم عليه‏)‏ أي ضرره ووباله عليه وقيل يكتب عليه ‏(‏لا له‏)‏ أي ليس له نفع فيه أو لا يكتب له ذكره تأكيداً ‏(‏إلا أمر بمعروف‏)‏ مما فيه نفع الغير مع الأوامر الشرعية ‏(‏أو نهى عن المنكر‏)‏ مما فيه موعظة الخلق من الأمور المنهية ‏(‏أو ذكر الله‏)‏ أي ما فيه رضا الله من الأذكار الإلهية‏.‏ قال القاري‏:‏ وظاهر الحديث أنه لا يظهر في الكلام نوع يباح للأنام، اللهم إلا أن يحمل على المبالغة والتأكيد في الزجر عن القول الذي ليس بسديد‏.‏ وقد يقال إن قوله لا له تفسير لقوله عليه، ولا شك أن المباح ليس له نفع في العقبى‏:‏ أو يقال التقدير‏:‏ كل كلام ابن آدم حسرة عليه لا منفعة له فيه إلا المذكورات وأمثالها فيوافق بقية الأحاديث المذكورة، فهو مقتبس من قوله تعالى ‏(‏لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس‏)‏ وبه يرتفع اضطراب الشراح في أمر المباح انتهى كلام القاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وفي بعض النسخ حسن غريب وأخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان، قال المنذري في الترغيب‏:‏ رواته ثقات وفي محمد بن يزيد كلام قريب لا يقدح وهو شيخ صالح انتهى‏.‏

1565- باب

2458- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، حدثنا أَبُو العُمَيسِ، عن عَوْنِ بنِ أَبي جُحَيْفَةَ، عن أَبِيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏آخى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبي الدّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدّرْدَاءِ فَرَأَى أُمّ الدّرْدَاءِ مُتَبَذّلَةً‏.‏ فقَالَ‏:‏ مَا شَأْنُكِ مُتَبَذّلَةً قَالَتْ‏:‏ إِنّ أَخَاكَ أَبَا الدّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدّنْيَا، لعله قالَ‏:‏ فَلَمّا جَاءَ أَبُو الدّرْدَاءِ قَرّبَ إليه طَعَاماً فَقَالَ‏:‏ كُلْ فَإِنّي صَائِمٌ‏.‏ قالَ مَا أَنَا بآكلٍ حَتّى تَأْكُلَ، قالَ فَأَكَلَ‏.‏ فَلَمّا كَانَ الّليْلُ ذَهَبَ أَبُو الدّرْدَاءِ لِيَقُومَ‏.‏ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ‏:‏ نَمْ فَنَامَ‏.‏ ثُمّ ذَهَبَ لِيَقُومَ لَهُ نَمْ فَنَامَ‏.‏ فَلَمّا كَانَ عِنْدَ الصّبْحِ، قَالَ لَهُ سَلْمَانُ قُمْ الاَنَ، فَقَامَا فَصَلّيَا‏.‏ فَقَالَ‏:‏ إِنّ لِنَفسِكَ عَلَيْكَ حَقّا، وَلِرَبّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَلضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَإِنّ عَلَيْكَ حَقّاً فَأَعْطِ كُلّ ذِي حَقٍ حَقّهُ، فَأَتَيَا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏صَدَقَ سَلْمَانُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحِيحٌ وَأَبُو العُمَيْسِ اسْمُهُ عُتْبَةُ بنُ عَبْدِ الله، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ عَبْدِ الله المَسْعودِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جعفر بن عون‏)‏ بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي صدوق من التاسعة ‏(‏حدثنا أبو العميس‏)‏ بمهملتين مصغراً اسمه عتبة بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي ثقة من السابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي ويقال اسم أبيه وهب أيضاً مشهور بكنيته، ويقال له وهب الخير صحابي معروف وصحب علياً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء‏)‏ أي جعل بينهما أخوة‏.‏ قال الحافظ في الفتح ذكر أصحاب المغازي أن المواخاة بين الصحابة وقعت مرتين الأولى قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة على المواساة والمناصرة فكان من ذلك أخوة زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب، ثم آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار بعد أن هاجر وذلك بعد قدومه المدينة‏.‏ وسيأتي في أولى كتاب البيع حديث عبد الرحمن بن عوف‏:‏ لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع وذكر الواقدي أن ذلك كان بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر والمسجد يبنى انتهى ‏(‏فزار سلمان أبا الدرداء‏)‏ يعني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوجد أبا الدرداء غائباً ‏(‏متبذلة‏)‏ بفتح الفوقية والموحدة وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون الذل وهي المهنة وزناً ومعنى‏.‏ والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة‏.‏ وعند أبي نعيم في الحلية فرأى امرأته رثة الهيئة قال الحافظ‏:‏ وأم الدرداء‏.‏ هذه هي خيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بنت أبي حدرد الاسلمية صحابية بنت صحابي وحديثها عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره وماتت أم الدرداء هذه قبل أبي الدرداء ولأبي الدرداء أيضاً امرأة أخرى يقال لها أم الدرداء تابعية اسمها هجيمة عاشت بعد دهراً وروت عنه انتهى ‏(‏ما شأنك متبذلة‏)‏ بالنصب على الحالية ‏(‏ليس له حاجة في الدنيا‏)‏ وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن جعفر بن عون في نساء الدنيا، وزاد فيه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى عن جعفر بن عون يصوم النهار ويقوم الليل ‏(‏فقال‏)‏ أي أبو الدرداء ‏(‏كل فإني صائم قال‏)‏ أي سلمان ما أنا بآكل حتى تأكل، وفي رواية البزار عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقال وأقسمت عليك لتفطرن وغرض سلمان من هذا الإباء أن يصرفه عن رأيه فيما يصنعه من جهد نفسه في العبادة وغير ذلك مما شكته إليه امرأته ‏(‏فاكل‏)‏ أي أبو الدرداء ‏(‏فلما كان الليل‏)‏ أي في أوله وفي رواية بن خزيمة ثم بات عنده ‏(‏ذهب‏)‏ أي أراد وشرع ‏(‏فقال له سلمان تم‏)‏ زاد ابن سعد من وجه آخر مرسل فقال له أبو الدرداء اتمنعني أن أصوم لربي وأصلي لربي ‏(‏فقاما فصليا‏)‏ في رواية الطبراني فقاما فتوضأ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة ‏(‏وإن لأهلك عليك حقاً‏)‏ أي لزوجك عليك حقاً زاد الدارقطني فصم وافطر وصل ونم وائت أهلك ‏(‏فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له‏)‏ وفي رواية الدارقطني ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي قال له سلمان فقال له يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً مثل ما قال سلمان ففي هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار بينهما وليس ذلك في رواية محمد بن بشار فيحتمل الجمع بين الأمرين أنه كاشفهما بذلك أولا ثم اطلعه أبو الدرداء على صورة الحال فقال له صدق سلمان وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية المواخاة في الله وزيارة الإخوان والمبيت عندهم وجواز مخاطبة الأجنبية للحاجة والسؤال عما يترتب عليه المصلحة وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل وفيه النصح للمسلم وتنبيه من أغفل وفيه فضل قيام آخر الليل وفيه مشروعية تزيين المرأة لزوجها وثبوت حق المرأة على الزوج وحسن العشرة وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله ولأهلك عليك حقاً ثم قال وائت أهلك كما في رواية الدارقطني وقرره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور وأن الوعيد الوارد على من نهي مصلياً عن الصلاة مخصوص بمن نهاه ظلماً وعدواناً وفيه كراهية الحمل على النفس في العبادة كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

1566- بابُ

2459- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن عَبْدِ الوَهَابِ بنِ الْوَرْدِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ قالَ‏:‏ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أَنِ اكْتُبِي إِلَىّ كِتَاباً تُوصِينِي فِيهِ وَلاَ تُكْثِرِي عَلَيّ، قالَ‏:‏ فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها إِلَى مُعَاوِيَةَ‏:‏ سَلاَمٌ عَلَيْك أَمّا بَعْدُ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنِ الْتَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النّاسِ كَفَاهُ الله مُؤْنَةَ النّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رَضَا النّاسِ بِسَخَطِ الله وَكَلَهُ الله إِلَى النّاسِ‏"‏ وَالسّلامُ عَلَيْكَ‏.‏

- حدّثنا مُحمدُ بنُ يَحْيَى، أخبرنا مُحمدُ بنُ يُوسُفَ، عن سُفْيَانَ الثوري، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ أَنّهَا كَتَبَتْ إِلَى مُعَاوِيَةَ‏.‏ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الوهاب بن الورد‏)‏ بفتح الواو وسكون الراء القرشي مولاهم المكي ثقة عابد من كبار السابعة‏.‏ ولقب عبد الوهاب هذا وهيب‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ واسمه عبد الوهاب ووهيب لقب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من التمس‏)‏ أي طلب ‏(‏بسخط الناس‏)‏ السّخَط والسّخُطُ والسّخْطُ والمسْخَطُ الكراهة للشيء وعدم الرضا به ‏(‏كفاه الله مؤنة الناس‏)‏ لأنه جعل نفسه من حزب الله وهو لا يخيب من التجأ إليه، ألا إن حزب الله هم المفلحون‏.‏ ‏(‏وكله الله إلى الناس‏)‏ أي سلط الله الناس عليه حتى يؤذوه ويظلموا عليه‏.‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي ولم يسم الرجل ثم روي بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كتبت إلى معاوية قال فذكر الحديث بمعناه ولم يرفعه‏.‏ وروى ابن حبان في صحيحه المرفوع منه فقط ولفظه قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس انتهى‏.‏