فصل: 1582- باب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1582- باب

2516- حَدّثنا هَنّادٌ، حدّثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ تُوفّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَنَا شَطْرٌ مِنْ شَعِيرٍ فَأَكَلْنَا مِنْهُ مَا شَاءَ الله، ثُمّ قُلْتُ لِلْجَارِيَةِ كِيلِيهِ فَكَالَتْهُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ فَنِيَ، قَالَتْ فَلَوْ كُنّا تَرَكْنَاهُ لأَكَلْنَا مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏ قولها شطر تعني شيئاً من شَعِيرٍ‏.‏

2517- حَدّثنا هنّادٌ، أخْبَرَنَاْ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن دَاوُدَ بنِ أَبي هِنْدٍ عن عُزْرَةَ، عن حُمَيْد بنِ عَبْدِ الرحمنِ الْحِمْيَرِيّ، عن سَعْدِ بنِ هِشَامٍ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ كَانَ لَنَا قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ عَلَى بَابِي، فَرَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ ‏"‏انْزَعِيهِ فَإِنّهُ يُذَكّرُنِي الدّنْيَا‏"‏ قَالَتْ وَكَانَ لَنَا سَمَلُ قَطيفةٍ تقول عَلَمُهَا من حَرِيرِ كُنّا نَلْبَسُهَا‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه‏.‏

2518- حدّثنا هنّادٌ، حدثنَا عَبْدَةٌ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ كَانَتْ وِسَادَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الّتِي يَضْطَجِعُ عَلَيْهَا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2519- حَدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عن سُفْيَانَ، عن أَبي إِسْحَاقَ، عن أَبي مَيْسَرَةَ، عن عَائِشَةَ أَنّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا بَقِيَ مِنْهَا‏؟‏‏"‏ قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاّ كَتِفُهَا‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏بَقِيَ كُلّهَا غَيْرَ كَتِفهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

وَأَبُو مَيْسَرَةَ هُوَ الْهَمْدَانِيّ اسْمُهُ عَمْرو بنُ شُرَحْبِيلَ‏.‏

2520- حَدّثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِيّ، أَخْبَرنَا عَبْدَةُ عن هِشَامِ بنِ عُرْوةَ عن أَبِيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏إِنْ كُنّا آلَ محمدٍ نَمْكُثُ شَهْرَاً مَا نَسْتَوْقِدُ بِنَار إِنْ هُوَ إِلاّ المَاءُ وَالتّمْرُ‏"‏‏.‏ قال هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

2521- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عبْدِ الرّحمَنِ، حدثنَا رَوْحُ بنُ أَسْلَم أَبُو حَاتِمٍ الْبَصْرِيّ، حدثنَا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، حدثنَا ثَابِتٌ عن أَنَسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَقَدْ أُخِفْتُ في الله وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في الله وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَالِي وَلِبِلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُه ذُو كَبِدٍ إِلاّ شَيْءٌ يُوَارِيه إِبْطُ بِلاَلٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم هَارِباً مِنْ مَكّةَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، إِنّمَا كَانَ مَعَ بِلاَلٍ مِنَ الطّعَامِ مَا يَحْمِلُه تَحْتَ إِبْطِهِ‏.‏

2522- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنَا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عن محمد بنِ إِسْحَاقَ، حَدّثَنِيْ يَزِيدُ بنُ زِيَادٍ عن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ، حدثني مَنْ سَمِعَ عَلِيّ بنَ أَبي طَالِبٍ يَقُولُ‏:‏ خَرَجْتُ في يَوْمٍ شَاتٍ مِن بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَاباً مَعْطُوباً فَجَوّبتُ وسَطَهُ فَأَدْخَلْتُهُ في عُنُقِي وَشَدَدْتُ وَسَطِي فَحَزَمْتُهُ بخُوصِ النّخْلِ، وَإِنّي لَشَدِيدُ الْجُوعِ وَلَوْ كَانَ في بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ لَطَعِمْتُ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ أَلتَمِسُ شَيْئاً فَمَرَرْتُ بِيَهُودِي في مَالٍ لَهُ وَهُوَ يَسْقِي بِبَكْرةٍ له فاطّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلمَةٍ في الْحَائِطِ، فَقَالَ مَالَكَ يَا أَعَرَابيّ، هَلْ لَكَ في كلّ دَلْوٍ بتَمْرَةٍ‏؟‏ قلت‏:‏ نَعَمْ فافْتَحْ البَابَ حتى أَدْخُلَ‏.‏ فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَأَعْطَاني دَلْوَهُ، فَكُلّمَا نَزَعْتُ دَلْواً أَعْطَانِي تَمْرَةً حَتّى إِذَا امْتَلأَتْ كَفّي أَرْسَلْتُ دَلوَهُ وَقُلْتُ حَسْبِي فَأَكَلْتُهَا، ثُمّ جَرَعْتُ مِنَ المَاءِ فَشَرِبْتُ ثُمّ جِئْتُ المَسْجِدَ فوَجَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2523- حدّثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، أَخْبَرنَا محمدُ بنُ جعْفَرٍ، أَخْبَرنَا شُعْبَةُ عن عَبّاسٍ الْجُرَيْرِيّ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النّهْدِيّ يُحَدّثُ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّهُ أَصَابَهُمْ جُوعٌ، فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً تَمْرَةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2524- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنَا عَبْدَةُ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ عن جَابِرٍ بنِ عَبد الله قالَ‏:‏ ‏"‏بَعَثَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ ثَلاَثُمَائَةَ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا فَفَنِيَ زَادُنَا حَتّى إِن كَانَ يَكونُ لِلرّجُلِ مِنّا كلّ يَوْمٍ تَمْرَةٌ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ الله وَأَيْنَ كَانَتْ تَقَعُ التَمْرَةُ مِنَ الرجُلِ‏؟‏ فقالَ‏:‏ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَها حِينَ فَقَدْنَاهَا فَأَتَيْنَا البَحْرَ فَإِذَا نَحْنُ بِحُوتٍ قَدْ قَذَفَهُ البَحْرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً مَا أَحْبَبْنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ من غير وجهٍ عن جَابر بن عبد الله ورواهُ مالك بن أَنَسٍ عن وهب بن كَيسان أَتم من هذا واطْول‏.‏

2525- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عن مُحمّدٍ بنِ إِسْحَاقَ، حدثني يَزيدُ بنُ زِيَادٍ عن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظيّ، حدثني مَنْ سَمِعَ عَلِيّ بنَ أَبي طَالِبٍ يَقُولُ‏:‏ إِنّا لَجُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ مَا عَلَيْهِ إِلاّ بُرْدَةٌ لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوٍ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَكَى لِلّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النّعْمَةِ وَالّذِي هُوَ فِيهِ اليَوْمَ‏.‏ ثُمّ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ في حُلّة وَرَاحَ في حُلّة وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ وَرُفعَتْ أُخْرَى وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ‏؟‏‏"‏ قَالُوا يَا رَسُولَ الله نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنّا اليَوْمَ نَتَفَرّغُ لِلْعِبَادَةِ وَنُكْفَى المُؤْنَةَ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ ويزيد بنُ زِيَادٍ هَذَا هُوَ ابن ميسرة وهو مَدِنيّ‏.‏ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وَيَزِيدُ بنُ زِيَادٍ الدّمَشْقّيّ الّذِي رَوَى عن الزّهْرِيّ رَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدُ بنُ أَبي زِيَادٍ كُوفِيٌ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَابنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَةِ‏.‏

2526- حَدّثنا هَنّادُ، حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، حدثني عُمَرُ بنُ ذَرٍ، حدثنَا مُجَاهِدٌ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ الصّفّةِ أَضْيَافُ أَهْلِ الاْسْلاَمِ، لا يَأْوُونَ عَلَى أَهْلِ وَلاَ مَالٍ، وَالله الّذِي لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ إِنْ كِنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ وَأَشُدّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ‏.‏ وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمَاً عَلَى طَرِيِقِهِمْ الّذِي يَخْرُجُونَ فِيِه، فَمَرَ بِي أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلَتْهُ عن آيَة مِنْ كِتَابِ الله مَا سَأَلْتُهُ إِلاّ لِيَسْتَتْبِعْنِي، فَمَرّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمّ مَرّ عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَا سَأَلْتُهُ إِلاّ لِيَسْتَتْبِعَنِي فَمَرّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمّ مَرّ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَتَبَسّمَ حِينَ رَآنِي وَقالَ‏:‏ ‏"‏أَبُو هُرَيْرَةَ‏؟‏‏"‏ قُلْتُ لَبّيْكَ يَا رَسُولَ الله‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏الْحَقْ‏"‏ وَمَضَى فَاتّبَعْتُهُ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَاسْتَأْذَنْتُ فَأُذِنَ لِي، فَوَجَدَ قَدَحاً من لبَنٍ، فقالَ‏:‏ مِنْ أَيْنَ هَذَا الّلبَنُ لَكُمْ‏؟‏ قِيلَ أَهْدَاهُ لَنَا فُلاَنُ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَبَا هُرَيْرَةَ‏"‏‏:‏ قُلْتُ لَبّيْكَ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصّفّةِ فادْعُهُمْ‏"‏ وَهُمْ أَضْيَافُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ يَأْوُونَ عَلَى أَهْلِ وَلاَ مَالٍ‏.‏ إِذَا أَتَتْهُ صّدَقَةُ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئَاً، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا فَسَاءَنِي ذَلِكَ، وَقُلْتُ مَا هَذَا القَدَحُ بَيْنَ أَهْلِ الصّفّةِ وَأَنَا رَسُولهُ إِلَيْهِمْ، فَسَيَأْمُرُنِي أَنْ أُدِيرَهُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَسَى أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ‏؟‏ وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنْهُ مَا يُغْنِينِي، وَلَمْ يَكُن بُدٌ مِنْ طَاعَةِ الله وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ‏.‏ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ فقالَ‏:‏ أَبَا هُرَيْرَةَ خُذِ القَدَحَ فَأَعْطِهِمْ، فَأَخَذْتُ القَدَحَ فَجَعَلْتُ أُنَاوِلُهُ الرّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتّى يَرْوَى ثمّ يَرُدّهُ فَأُنَاوِلُهُ الاَخرَ حَتّى انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلّهُمْ، فَأَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ثمّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَتَبَسّمَ وَقالَ‏:‏ ‏"‏أَبَا هُرَيْرَةَ اشْرَبْ‏"‏، فَشَربْتُ، ثمّ قالَ ‏"‏اشْرَبْ‏"‏، فَلَمْ أَزَلْ أَشْرَب وَيَقُولُ اشْرَبْ حتى قُلْتُ وَالّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكاً، فَأَخَذَ القَدَحَ فَحمِدَ الله وَسَمّى ثم شَرِبَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2527- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيدٍ الرّازِيّ، أَخْبَرنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله القُرَشِيّ، حدثني يَحْيَى البَكّاءُ، عنْ ابنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ تَجَشّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ ‏"‏كُفّ عَنّا جُشَاءَكَ فَإِنّ أَكْثَرَهُمْ شِبعَاً فِي الدّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعاً يَوْمَ القِيَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وفي البابِ عنْ أَبِي جُحَيْفَةَ‏.‏

2528- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عن قَتَادَةَ عن أَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي مُوسَى، عن أَبِيهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏يَا بُنَيّ لَوْ رَأَيْتَنَا وَنَحْنُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَأَصَابَتْنَا السّمَاءُ لَحَسِبْتَ أَنّ رِيحَنَا رِيحُ الضّأْنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ كَانَ ثِيَابَهُمُ الصّوفُ، فإِذَا أَصَابَهُمْ المَطرُ يَجِيءُ مِنْ ثِيَابِهِمْ ريحُ الضّأْنِ‏.‏

2529- حَدّثنا الْجَارُودُ، أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن أَبي حَمْزَةَ عن إِبْرَاهِيمَ النَخعي قالَ‏:‏ كُلّ بِنَاءِ وَبَالٌ عَلَيْكَ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ مَالاَ بُدّ مِنْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ أَجْرَ وَلا وِزْرَ‏.‏

2530- حدّثنا عَبّاسِ بن محمد الدّورِيّ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقْرِى، أَخْبَرنَا سَعِيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ، عن أَبي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرّحِيمِ بنِ مَيْمُونٍ عن سَهْلِ بن مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيّ، عن أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ تَرَكَ اللّبَاسَ تَوَاضُعاً لله وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، دَعَاهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتّى يُخَيّرُهُ مِنْ أَيّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا‏"‏ هذا حديثٌ حسنٌ وَمعنى قوله‏:‏ حُلل الإِيمان‏:‏ يعني ما يُعطى أَهل الإِيمان من حُللِ الجنَة‏.‏

2531- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ الْرّازِيّ، أَخْبَرنَا زَافِرُ بنُ سُلَيْمَان عن إِسْرَائِيلَ، عن شَبِيبِ بنِ بَشِيرٍ هكذا قال محمد بن حميد شبيب بن بشير وإِنما هو شبيب بن بشر، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏النّفَقَةُ كُلّهَا فِي سَبِيل الله إِلاّ البِنَاءَ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

2532- حدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن حَارِثَةَ بنُ مُضَرّبٍ قالَ‏:‏ ‏"‏أَتَيْنَا خَبّاباً نعُودُهُ، وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعَ كَيّاتٍ، فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ تَطَاوَلَ مَرَضِي، وَلَوْلاَ أَنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لاَ تَمَنّوْا المَوْتَ‏"‏ لَتَمَنّيْتُهُ، وَقَالَ‏:‏ ‏"‏يُؤْجَرُ الرّجُلُ في نَفَقَتِهِ كلهَا إِلاّ التّرَابَ أَوْ قالَ في البناء‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2533- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ، حدثنا خَالِدُ بنُ طُهْمَانَ أَبُو الْعَلاَءِ، حدثنا حُصَيْنُ قالَ‏:‏ ‏"‏جَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَ ابنَ عَبّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ للسّائِلِ‏:‏ أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ أَتَشْهَدُ أَن مُحَمّداً رَسُولُ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ وَتَصُومُ رَمَضَانَ‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ وَلِلسّائِلِ حَقٌ إِنّهُ لَحَقٌ عَلَيْنَا أَنْ نَصِلكَ، فَأَعْطَاهُ ثَوْباً ثمّ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً إِلاّ كَانَ في حِفْظِ الله مَا دَامَ مِنْهُ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

2534- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارِ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ وَ مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ وَ ابنُ أَبِي عَدِيٍ وَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عنْ عَوْفِ بنِ أَبِي جَمِيلَةَ الأعرابي عن زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى عن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا قَدِمَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي المَدِينَةَ، انْجَفَلَ النّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فٍجِئْتُ فِي النّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمّا اسْتَثْبَتُ وَجْهَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَابٍ، وَكَانَ أَوّلَ شَيْءٍ تَكَلّمَ بِهِ أَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏يَا أَيُهَا النّاسُ أَفْشُو السّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطّعَامَ وَصَلّوا وَالنّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الجَنّةِ بِسَلاَمٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

2535- حَدّثنا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَاريّ، أَخْبَرنَا مُحمّدُ بنُ مَعْنٍ الغِفَارِيّ، حدثني أَبِي عَنُ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏الطّاعِمُ الشّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصّائِمِ الصّابِرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2536- حَدّثنا الْحُسَيْنُ بنُ الْحَسَنِ المَرْوَزِيّ بِمَكَةَ، أَخْبَرنَا ابنُ أَبي عَدِيٍ، أَخْبَرنَا حُمَيْدٌ عن أَنَسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا قَدِمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ الله مَا رَأَيْنَا قَوْماً أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرِ وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَاءِ، حَتّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلّهِ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ مَا دَعَوْتُمُ الله لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه‏.‏

2537- حَدّثنا هَنّادٌ، أَخْبَرنَا عَبْدَةُ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن مُوسَى بنِ عُقْبَةَ، عن عَبْدِ الله بنِ عمرو الأَوْدِيّ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُود قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النّارِ، وَبِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النّارُ‏؟‏ عَلَى كُلّ قَرِيبٍ هَيّنٍ سَهْلٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2538- حدّثنا هَنّادٌ، أَخْبَرنَا وَكِيعٌ، عن شُعْبَةَ عن الْحَكَمِ، عن إِبْرَاهِيمَ عن الأَسْودِ بنِ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يَا عَائِشَةُ أَيّ شَيْءِ كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ‏؟‏ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ في مَهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصّلاَةُ قَامَ فَصَلّى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2539- حَدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن عِمْرانَ بنِ زَيْدٍ التّغْلبي، عن زَيْدٍ العَميّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتّى يَكُونَ الرّجُلُ الذي يَنْزِعُ، وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عن وَجْهِهِ حَتّى يَكُونَ الرّجُلُ هُوَ يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدّماً رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلَيْسٍ لَهُ‏"‏ قالَ‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

2540- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، عن أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏خَرَجَ رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلّةٍ لَهُ يَخْتَالُ فِيهَا، فَأَمَرَ الله الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فيها، أَوْ قَالَ يَتَلَجْلَجُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

2541- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارَكِ، عَنْ مُحمّدِ بنِ عَجْلاَنَ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ، عن جَدّهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏يُحْشَرُ المُتَكَبّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذّرّ فِي صُوَرِ الرجالِ، يَغْشَاهُمُ الذّلّ مِنْ كُلّ مَكَانِ، فيُسَاقُونَ إِلَى سَجْنٍ فِي جَهَنّمَ يُسَمّى بُولَس تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2542- حَدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَ عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدّورِيّ، قالاَ‏:‏ أَخْبَرنَا عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ المُقريُ، حدثنا سَعِيدُ بنُ أَبِي أَيّوبَ، حدثني أَبُو مَرْحُومٍ عَبْدُ الرَحِيمِ بنُ مَيْمُونٍ، عن سَهْلِ بنِ مُعَاذ بنِ أَنَسٍ، عن أَبِيهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ كَظَمَ غَيْظاً، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنَفّذَهُ، دَعَاهُ الله عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ يوم القيامة حَتّى يُخَيّرَهُ في أَي الْحُورِ شَاءَ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2543- حدّثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبِ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيّ المَدِنِيّ، حدثني أَبِي، عن أَبِي بَكْرِ بنِ المَنْكَدِرِ، عن جَابِرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثَلاَثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ نَشَرَ الله عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنّةَ‏:‏ الرّفْقٌ بالضّعِيفِ، وشَفَقَةُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وإحسان إِلَى المَمْلُوكِ‏"‏ قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وَأَبُو بكر بن المنكدر هو أَخو محمد بن المنكدر‏.‏

2544- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو الأَحْوَصِ عنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ عنْ أَبي ذَرّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَقُولُ الله تعالى يَا عِبَادِي كُلّكُمْ ضَالٌ إِلاَ مَنْ هَدَيْتُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ، وَكُلّكُم فَقِيْرٌ إِلاّ مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقُكُمْ، وَكُلّكُمْ مُذْنِبٌ إِلاّ مَنْ عَافَيْتُ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى المَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي، وَلوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيّكُمْ وَمَيّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيّكُمْ وَمَيّتَكُمْ وَرطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيّكُمْ وَمَيّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ كلّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيّتُهُ، فَأَعْطَيْتُ كلّ سَائِلٍ مِنْكُمْ، مَانَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلاَ كَمَا لَوْ أَنّ أَحَدَكُمْ مَرّ بِالبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنّي جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ، عَطَائي كلامٌ وَعَذَابِي كلامٌ، إِنّمَا أَمْرِي لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْتُه أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَرَوَى بَعضُهم هذا الحديث عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبِ عن مَعْدِ يكَرِبَ عن أَبي ذَرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

2545- حدّثنا عُبَيْدُ بنُ أَسبَاطَ بنِ محمّدٍ الْقُرَشِيّ، حدثنا أَبِي، أَخْبَرنَا الأَعْمَشُ عن عبدِ الله بنِ عبدِ الله الرّازي عن سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عن ابنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِثُ حَدِيثاً لَوْ لَمْ أَسْمَعُهُ إِلاّ مَرّةً أَوْ مَرَتَيْنِ حَتّى عَدّ سَبْعَ مَرّاتٍ وَلَكِنّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا يَتَوَرّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتّينَ دِينَاراً عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ‏:‏ ما يُبْكِيكِ أَكْرَهْتُكِ‏؟‏ قالت‏:‏ لا وَلَكِنّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلاَ الْحَاجَةُ، فقال‏:‏ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ وقال‏:‏ لا والله لا أَعْصِي الله بَعْدَهَا أَبَداً، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوباً عَلَى بَابِهِ أَنّ الله قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ قد رَوَاهُ شَيْبَانُ وغيرُ وَاحِدٍ عن الأَعْمَشِ نحو هذا وَرَفَعُوهُ، وَرَوَاهُ بعضُهم عن الأَعمشِ فلم يَرْفَعْهُ‏.‏ وَرَوَى أَبُو بكرِ بنِ عَيّاشٍ هذا الحديثَ عن الاعمشِ فَأَخْطَأَ فيه وقال عن عبدِ الله بن عبدِ الله عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عُمَرِو، وهو غيرُ محفوظٍ‏.‏ وعبدُ الله بنُ عبدِ الله الرّازِيّ هُوَ كُوفِيّ وَكَانَتْ جَدّتُهُ سُرّيّةٌ لِعَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ‏.‏

ورَوَى عن عبدِ الله بنِ عبدِ الله الرّازِيّ عُبَيْدَةُ الضّبّيّ وَالحَجّاجُ بنُ أَرْطَأَةَ وغيرُ وَاحِدٍ من كبار اهل العلم‏.‏

2546- حَدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ عن عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ عن الْحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ، حدثنا عبدُ الله بن مسعود بِحَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عن نَفْسِهِ وَالاَخَرُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال عبدُ الله‏:‏ ‏"‏إِنّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كأَنّهُ في أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ بِهِ هَكَذَا‏.‏

2547- حدّثنا فَطَارُ وقالَ قالَ‏:‏ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَلّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ دَوّيّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلّهَا، فَخَرَجَ في طَلَبِهَا حَتّى إِذَا أَدْرَكَهُ المَوْتُ، قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَفِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَالنّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ بنِ مَالِكٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

2548- حدّثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أخبرنا عَلِيّ بنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيّ، أخبرنا قَتَادَةُ عن أَنَسٍ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏كلّ ابْنِ آدَمَ خَطّاء، وَخيْرُ الْخَطّائِينَ التّوّابُونَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفَهُ إِلاَ من حديثِ عَلِيّ بنِ مَسَعَدَةَ عن قَتَادَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو معاوية‏)‏ اسمه محمد بن خازم بمعجمتين، الضرير الكوفي، عمي وهو صغير، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، عن كبار التاسعة وقد رمى بالإرجاء ‏(‏عن عروة‏)‏ هو ابن عبد الرحمَن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان لنا قرام ستر‏)‏ بكسر القاف وتخفيف الراء والتنوين وروى بحذف التنوين والإضافة وهو الستر الرقيق من صوف ذو ألوان ‏(‏فيه تماثيل‏)‏ جمع تمثال وهو الشيء المصور، قيل المراد‏:‏ صورة الحيوان ‏(‏انزعيه‏)‏ أي القرام ‏(‏وكان لنا سمل قطيفة‏)‏ قال في النهاية‏:‏ السمل الخلق من الثياب، وقد سمل الثوب وأسمل‏.‏ والقطيفة هي كساء له خمل انتهى‏.‏ أي كان لنا كساء خلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وفي بعض النسخ هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كانت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بكسر الواو‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ الوساد المتكأ والمخدة كالوسادة انتهى ‏(‏التي يضطجع عليها‏)‏ هذا بظاهره يدل على أن المراد بالوسادة الفراش دون المتكأ والمخدة ويدل عليه أيضاً رواية البخاري بلفظ‏:‏ كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم وحشوه من ليف‏.‏ ورواية ابن ماجه‏:‏ كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أدماً حشوه ليف ‏(‏من أدم‏)‏ بفتحتين اسم لجمع الأديم وهو الجلد المدبوع على ما في المغرب ‏(‏حشوها ليف‏)‏ قال في الصراح‏:‏ ليف بالكسر يوست درخت خرماً ليفة يكي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أنهم ذبحوا‏)‏ أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو أهل البيت رضي الله عنهم، وهو الظاهر ‏(‏ما بقي منها‏)‏ على الاستفهام أي شيء بقي من الشاة ‏(‏إلا كتفها‏)‏ أي التي لم يتصدق بها ‏(‏قال في كلها غير كتفها‏)‏ بالنصب والرفع أي ما تصدقت به فهو باق‏.‏ وما بقي عندك فهو غير باق، إشارة إلى قوله تعالى ‏"‏ما عندكم ينفد وما عند الله باق‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن كنا‏)‏ إن مخففة من المثقلة ‏(‏آل محمد‏)‏ بالنصب على الاختصاص ‏(‏نمكث شهراً ما نستوقد ناراً‏)‏ أي لا نخبز ولا نطبخ فيه شيئاً ‏(‏إن هو‏)‏ أي المأكول أو المتناول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وعندنا شطر من شعير‏)‏ قال الحافظ‏:‏ المراد بالشطر هنا البعض، والشطر يطلق على النصف وعلى ما قاربه وعلى الجهة وليست مرادة هنا، ويقال أرادت نصف وسق انتهى ‏(‏ثم قلت للجارية كيليه فكالته‏)‏ وفي رواية البخاري فكلته، والمراد أمرت بكيله ولا تخالف بين روايتين‏.‏ فإن قلت قول عائشة‏:‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا شطر من شعير يخالف حديث عمرو بن الحارث المصطلقي‏:‏ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ولا شيئاً‏.‏

قلنا‏:‏ لا تخالف بينهما، لأن مراده بالشيء المتقي ما تحلف عنه مما كان يختص به، وأما الذي أشارت إليه عائشة، فكانت بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان‏.‏

فإن قلت‏:‏ قول عائشة‏:‏ فلو كنا تركناه لأكلنا منه أكثر من ذلك، يخالف حديث المقدام بن معد يكرب‏:‏ كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه‏.‏

قلنا‏:‏ لا تخالف بينهما، فإن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حتى المتبايعين، فلهذا القصد يندب، وأما الكيل عند الإنفاق فقد يبعث عليه الشح فلذلك كره، ويؤيده حديث جابر عند مسلم‏:‏ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حيد صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في باب فضل الفقر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمَن‏)‏ هو الدرامي صاحب هذا المسند‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد أخفت‏)‏ بصيغة الماضي المجهول من الإخافة أي هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل ‏(‏في الله‏)‏ أي في إظهار دينه ‏(‏وما يخاف‏)‏ بصيغة المجهول أي مثل ما أخفت ‏(‏أحد‏)‏ أي غيري ‏(‏ولقد أوذيت‏)‏ بصيغة الماضي المجهول من الإيذاء، أي بالفعل بعد التخويف بالقول ‏(‏في الله‏)‏ أي في إظهار دينه وإعلاء كلمته ‏(‏ولم يؤذ‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏أحد‏)‏ أي من الناس في ذلك الزمان ‏(‏ولقد أتت‏)‏ أي مضت ‏(‏ثلاثون من بين يوم وليلة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ تأكيد للشمول أي ثلاثين يوماً وليلة متوانرات لا ينقص منها شيء من الزمان ‏(‏ومالي‏)‏ أي والحال أنه ليس لي ‏(‏يأكله ذو كبد‏)‏ بفتح فكسر أي حيوان ‏(‏إلا شيء‏)‏ أي قليل ‏(‏يواريه‏)‏ أي يستره ويغطيه ‏(‏إبط بلال‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الموحدة وتكسر وهو ما تحت المنكب‏.‏ والمعنى أن بلالا كان رفيقي في ذلك الوقت وما كان لنا من الطعام إلا شيء قليل بقدر ما يأخذه بلال تحت إبطه‏.‏ وقد تقدم الكلام في الجمع بين الروايات المختلفة في ضيق معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسعتها في باب معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه بن ماجه ابن حبان كذا في الجامع الصغير‏.‏ قال المناوي بإسناده صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى هذا الحديث حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هارباً من مكة ومعه بلال الخ‏)‏ قال في اللمات‏:‏ قوله ومعه بلال، أفاد أن هذا الخروج غير الهجرة إلى المدينة لأنه لم يكن منه بلال فيها فلعل المراد خروجه صلى الله عليه وسلم هارباً من مكة في ابتداء أمره إلى الطائف إلى عبد كلال بضم الكاف مخففاً رئيس أهل الطائف ليحميه من كفار مكة حتى يؤدي رسالة ربه فسلط على النبي صلى الله عليه وسلم صبيانه فرموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه صلى الله عليه وسلم وكان معه زيد بن حارثه لا بلال انتهى‏.‏ وكذا قال القاري في المرقاة وقال‏.‏ وقول الترمذي‏:‏ ومعه بلال لا ينافي كون زيد بن حارثه معه أيضاً، مع احتمال تعدد خروجه عليه الصلاة والسلام، لكن أفاد بقوله معه بلال أنه لم يكن هذا الخروج في الهجرة من مكة إلى المدينة لأنه لم يكن معه بلال حينئذ انتهى‏.‏

ـقوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد بن زياد‏)‏ بن أبي زياد، وقد ينسب لجده مولى بني مخزوم، مدني ثقة من السادسة روى عن محمد بن كعب القرظي وغيره، وعنه ابن إسحاق ومالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرجت في يوم شأت‏)‏ أي في يوم بارد ‏(‏وقد أخذت إهاباً معطوناً‏)‏ قال في المجمع‏:‏ هو المتن المتمزق الشعر من عطن الجلد إذا تمزق شعره وأنتن في الدباغ ‏(‏فجوبت وسطه‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الجواب الخرق كالاجتياب والقطع وجبت القميص أجوبة وأجيبة وجوبته عملت له جيباً انتهى ‏(‏فخزمته‏)‏ أي شددته قال في القاموس حزمه يحزمه شده ‏(‏بخوص النخل‏)‏ الخوص بالضم ورق النخل الواحدة بهاء والخواص بائعه‏.‏ وقال في مجمع البحار في باب الحاء مع الزاي‏:‏ وفيه نهى أن يصلي بغير حزام أي من غير أن يشد ثوبه عليه وإنما أمر به لأنهم كانوا قلما يتسرولون ومن كان عليه إزار وكان جيبه واسعاً ولم يتلبب أو لم يشد وسطه ربما انكشفت عورته ‏(‏في ماله‏)‏ في القاموس‏:‏ المال ما ملكته من كل شيء، والمراد هنا البستان والحائط ‏(‏وهو يسقي ببكرة‏)‏ بالفتح هي خشبة مستديرة في وسطها محز يستسقي عليها الماء ‏(‏من ثلمة‏)‏ أي فرجة والثلمة بالضم فرجة المكسور والمهدوم ‏(‏ثم جرعت من الماء‏)‏ في القاموس‏:‏ الجرعة مثلثة من الماء حسوة منه، أو بالضم والفتح الاسم من جرع الماء كسمع ومنع بلهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ في سنده رجل لم يم، وهو شيخ محمد بن كعب القرظي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر‏)‏ هو المعروف بغندر ‏(‏عن عباس الجريري‏)‏ بضم الجيم مصغراً‏.‏ وعباس هذا هو ابن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء وآخره معجمة البصري أبو محمد ثقة من السادسة ‏(‏سمعت أبا عثمان النهدي‏)‏ اسمه عبد الرحمن بن مل، بلام ثقيلة والميم مثلثة مشهور بكنيته، مخضرم من كبار، الثالثة ثقة ثبت عابد، والنهدي بفتح النون وسكون الهاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنهم أصابهم‏)‏ أي الصحابة رضي الله تعالى عنهم جوع أي شديد قال القاري‏:‏ والظاهر أنه في سفر بعيد‏.‏‏.‏‏.‏ والظاهر أنهم أصحاب الصفة‏.‏

قلت‏:‏ لم أجد رواية صريحة تدل على أنهم أصحاب الصفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجه بلفظ إنه أصابهم جوع وهم سبعة، قال فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات، لكل إنسان تمرة، وإسناده صحيح كذا في الترغيب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ثلاثمائة‏)‏‏.‏ وفي رواية، للبخاري في المغازي‏:‏ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة راكب، أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد غير قريش فأقمتا بالساحل نصف شهر‏.‏ وقد ذكر ابن سعد وغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال، وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيداً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هذا لا يغاير ظاهره ما في الصحيح لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيراً لقريش ويقصدون حياً من جهينة ويقوى هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى أرض جهينة فذكره القصة ‏(‏فقيل له‏)‏ أي لجابر رضي الله عنه ‏(‏يا أبا عبد الله‏)‏ هذا كنية جابر ‏(‏وأين كانت تقع الثمرة من الرجل‏)‏ وفي رواية البخاري فقلت ما تغنى عنكم تمرة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هو صريح في أن السائل عن ذلك وهب بن كيسان ‏(‏قال لقد وجدنا فقدها‏)‏ أي موثراً‏.‏ قال النووي‏:‏ وفي هذا بيان ما كان الصحابة ءضي الله تعالى عنهم عليه من الزهد في الدنيا، والتقلل منها، والصبر على الجوع وخشونة العيش، وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال ‏(‏فإذا نحن بحوت‏)‏ هواسم جنس لجميع السمك، وقيل هو مخصوص بما عظم منها ‏(‏قد قذفه البحر‏)‏ أي رماه، وفي رواية البخاري‏:‏ فألقى البحر حوتاً ميتاً لم ير مثله يقال له المنبر‏.‏ وفي رواية آخرى له‏:‏ فإذا حوت مثل الظرب وهو بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة الجبل الصغير ‏(‏فأكلنا منه ثمانية عشر يوماً ما أحببنا‏)‏ ما موصوله‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلاثمائة حتى سمنا‏.‏ وفي رواية أخرى له‏:‏ فأكلنا منها نصف شهر‏.‏ وفي رواية أخرى له‏:‏ فأكل منها الجيش ثمان عشرة ليلة‏.‏ قال النووي‏:‏ في الجمع بين هذه الروايات المختلفة ما لفظه طريق الجمع بين الروايات أن من روى شهراً هو الأصل ومعه زيادة علم ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها قدم المثبث، وقد قدمنا مرات أن المشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له‏.‏ فلا يلزم منه نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة، كيف وقد عارضه فوجب قبول الزيادة وجمع القاضي بينهما بأن من قال نصف شهر أراد أكلوا منه تلك المدة طرياً ومن قال شهراً أراذ أنهم قددوه فأكلوا منه بقية الشهر قديداً انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال ثمان عشر ضبط ما لم يضبطه غيره، وأن من قال نصف شهر ألفى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهراً جبر الكسر أو ضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها‏.‏ قال ووقع في رواية الحاكم اثني عشر يوماً وهي شاذة انتهى والحديث هكذا أخرجه الترمذي مختصراً وأخرجه الشيخان مطولا وفي آخر الحديث‏:‏ فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ كلوا رزقاً أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم فأكله‏.‏

وقد استدل بهذا الحديث على جواز أكل السمك الطافي قال النووي‏:‏ وأما السمك الطافي وهو الذي يموت في البحر بلا سبب فمذهبنا إباحته وبه قال جماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم منهم أبو بكر الصديق وأبو أيوب وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأحمد وأبو ثور وداود وغيرهم‏.‏ وقال جابر بن عبد الله وحابر بن زيد وطاوس وأبو حنيفة لا يحل دليلتا قوله تعالى ‏(‏أحل لكم صيد البحر وطعامه‏)‏ قال ابن عباس والجمهور‏:‏ صيده ما صدتموه وطعامه ما قذفه‏.‏ وبحديث جابر هذا وبحديث‏:‏ هو الطهور ماؤه الحل ميتته وهو حديث صحيح‏.‏ وبأشياء مشهورة غير ما ذكرنا‏.‏ وأما الحديث المروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفاً فلا تأكلوه فحديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شيء، كيف وهو معارض بما ذكرناه‏.‏ وقد أوضحت ضعفه وحاله في شرح المهذب في باب الأطعمة‏.‏ فإن قيل لا حجة في حديث العنبر لأنهم كانوا مضطرين قلنا‏:‏ الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير ضرورة‏.‏ قلت القول الراجح هو جواز كل السمك الطافي، وحديث جابر هذا نص صريح فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إنا لجلوس‏)‏ أي لجالسون ‏(‏في المسجد‏)‏ أي مسجد المدينة أو مسجد قباء ‏(‏إذ طلع‏)‏ أي ظهر ‏(‏مصعب بن عمير‏)‏ بضم الميم وفتح العين، وعمير بضم العين مصغراً ‏(‏ما عليه‏)‏ أي ليس على بدنه ‏(‏إلا بردة له‏)‏ أي كساء مخلوط السواد والبياض ‏(‏مرقوعة أي مرقعة ‏(‏بفرو‏)‏‏)‏ أي بجلد‏.‏ قال ميرك‏:‏ هو قرش هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وترك النعمة والأموال بمكة، وهو من كبار أصحاب الصفة الساكنين في مسجد قباء‏.‏ وقال صاحب المشاة في الإكمال عبدرى كان من أجلة الصحابة وفضلائهم، هاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها ثم شهد بدراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مصعباً بعد العقبة الثانية إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين‏.‏ وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشاً وألينهم لباساً، فلما أسلم زهد في الدنيا ‏(‏فلما رآه‏)‏ أي أبصر مصعباً بتلك الحال الصعباء ‏(‏بكى للذي‏)‏ أي للأمر الذي ‏(‏كان فيه‏)‏ أي قبل ذلك اليوم ‏(‏والذي هو فيه‏)‏ أي وللإمر الذي هو فيه من المحنة والمشقة ‏(‏اليوم‏)‏ أي في الوقت الحاضر ‏(‏كيف‏)‏ أي الحال ‏(‏بكم إذ غدا أحدكم‏)‏ أي ذهب أول النهار ‏(‏في حلة‏)‏ بضم فتشديد‏.‏ أي في ثوب أو في إزار ورادء ‏(‏وراح‏)‏ أي ذهب آخر النهار ‏(‏في حلة‏)‏ أي أخرى من الأولى قال ابن الملك‏:‏ أي كيف يكون حالكم إذا كثرت أموالكم بحيث يلبس كل منكم أول النهار حلة وآخره أخرى من غاية التنعم ‏(‏ورضعت بين يديه صحفة‏)‏ أي قصعة من مطعوم ‏(‏ورفعت أخرى‏)‏ أي من نوع آخر كما هو شأن المترفين وهو كناية عن كثرة أصناف الأطعمة الموضوعة على الأطباق بين يدي المنتمين ‏(‏وسترتم بيوتكم‏)‏ بضم الموحدة وكسرها أي جدارتها‏.‏ والمعنى زينتموها بالثياب النفيسة من فرظ التنعم ‏(‏كما تستر الكعبة‏)‏ فيه إشارة إلى أن سترها من خصوصياتها لا متيازها ‏(‏نحن يومئذ خير منا اليوم‏)‏ وبينوا سبب الخيرية بقولهم مستأنفاً فيه معنى التعليل ‏(‏نتفرغ‏)‏ أي عن الملاثق والعوائق ‏(‏للعبادة‏)‏ أي بأنفسنا ‏(‏ونكفي‏)‏ بصيغة المجهول المتكلم ‏(‏المؤنة‏)‏ أي بخدمنا والواو لمطلق الجمع‏.‏ فالمعنى ندفع عنا تحصيل القوت لحصوله بأسباب مهيأة لنا فتتفرغ للعبادة من تحصيل العلوم الشرعية والعمل بالخيرات البدنية والمبرات المالية ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا‏)‏ أي ليس الأمر كما ظننتم ‏(‏أقم اليوم خير منكم يومئذ‏)‏ لأن الفقير الذي له كفاف خير من الغني‏.‏ لأن الغني يشتغل بدنياه ولا يتفرغ للعبادة مثل من له كفاف لكثرة اشتغاله بتحصيل المال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو يعلي من قصة علي المذكورة من طريق محمد بن كعب القرظي وذكر المنذري في الترغيب لفظه بتمامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويزيد بن زاد هذا هو مدني الخ‏)‏ المقصود من هذا الكلام بيان الفرق بين هؤلاء الرجال الثلاثة المسمين بيزيد‏.‏ فالأول يزيد بن زياد المدني المذكورفي سند هذا الحديث قد تقدم ترجمته في هذا الباب، والثاني يزيد بن زياد الدمشقي وقد تقدم ترجمته في شرح الحديث الرابع من أبواب الشهادات، والثالث يزيد بن زياد الكوفي وقد تقدم ترجمته في باب السواك والطيب يوم الجمعة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمر بن ذر‏)‏ بن عبد الله بن زرارة الهمداني بالسكون المرهبي أبو ذر الكوفي ثقة رمى بالإرجاء من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان أهل الصفة أضياف أهل الإسلام‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر‏.‏ وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا على المائة كذا ذكره الحافظ في الفتح في باب علامات النبوة‏.‏ وقال في كتاب الرقاق‏:‏ وقداعتني بجمع أسماء، أهل الصفة أبو سعيد بن الأعرابي‏.‏ وتبعه أبو عبد الرحمن السلمي، فزاد أسماء وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل الحلية فسرد جميع ذلك ‏(‏لا يأوون على أهل ولا مال‏)‏ وكذا في رواية البخاري في الرفاق يلفظ على قال الحافظ في رواية روح‏:‏ والأكثر إلى بدل علي‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أويت منزلي وإليه أوياً بالضم وبكسر، نزلته بنفسي وسكنته وآويته وأوَيْتُه وأوّيته أنزلته‏.‏ وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عند البخاري في علامات النبوة أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة‏:‏ من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو بسادس أو كما قال‏.‏

ولأبي نعيم في الحيلة من مرسل محمد بن سيرين‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قسم ناساً من أصحاب الصفة بين ناس من أصحابه فيذهب الرجل بالرجل والرجل بالرجلين حتى ذكر عشرة- الحديث‏.‏ وله من حديث معاوية بن الحكم‏:‏ بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة، فجعل يوجه الرجل مع الرجل من الأنصاء والرجلين والثلاثة حتى بقيت في أربعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم خامسنا، فقال انطلقوا بنا فقال يا عائشة عشينا الحديث‏.‏ ‏(‏والله‏)‏ الواو للقسم ‏(‏إن كنت‏)‏ بسكون النون مخففة من المثقلة ‏(‏لأعتمد بكبدى على الأرض من الجوع‏)‏ أي ألصق بطني بالأرض وكأنه كان يستفيد بذلك ما يستفيده من شدة الحجر على بطنه، أو هو كناية عن سقوطه على الأرض مغشياً عليه‏.‏ قاله الحافظ وذكر روايات تدل على خرور أبي هريرة رضي الله عنه على الأرض من الجوع مغشياً عليه‏.‏ قلت الاحتمال الأول هو الظاهر، وأما خروره على الأرض من الجوع مغشياً عليه فحالة أخرى له من الجوع والله تعالى أعلم ‏(‏وأشد الحجر على بطني من الجوع‏)‏ قال العلماء‏:‏ فائدة شد الحجر المساعدة على الاعتدال والانتصاب أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكون الحجر بقدر البطن فيكون الضعف أقل، أو لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو لأن فيه الإشارة إلى كسر النفس ‏(‏ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون فيه‏)‏ ضمير طريقهم النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسمجد متحدة ‏(‏إلا ليستتبعني‏)‏ بمهملة ومثناتين وموحدة أي يطلب مني أن أتبعه ليطعمني ‏(‏فمر ولم يفعل‏)‏ أي الاستتباع ‏(‏ثم مر عمر‏)‏ قال الحافظ‏:‏ لعل العذر لكل من أبي بكر وعمر حمل سؤال أبي هريرة على ظاهره أو فهما ما أراده ولكن لم يكن عندهما إذ ذلك ما يطعمانه‏.‏ لكن وقع في رواية أبي حازم من الزيادة أن عمر تأسف على عدم إدخاله أبا هريرة داره ولفظه‏:‏ فلقيت عمر فذكرت له وقلت له ولي الله ذلك من كان أحق به منمك يا عمر، وفيه قال عمر والله لأن أكون أدخلتك أحب ألى من أن يكون لي حمر النعم، فإن فيه إشعاراً بأنه كان عنده ما يطعمه إذ ذاك فيرجح الاحتمال الأول، ولم يعرج على ما رمزه أبو هريرة من كنايته بذلك عن طلب ما يأكل ‏(‏فتبسم حين رآني‏)‏ زاد البخاري وعرف ما في نفسي وما في وجهي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قوله فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي‏.‏ استدل أبو هريرة بتبسمه صلى الله عليه وسلم على إنه عرف ما به لأن التبسم تارة يكون لما يعجب وتارة يكون لإيناس من تبسم إليه ولم تكن تلك الحال معجبة فقوى الحمل على الثاني‏.‏ وقوله وما في وجهي كأنه عرف عن حال وجهه ما في نفسه من احتياجه إلى ما يسد رمقه ‏(‏وقال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏أبو هريرة‏)‏ أي أنت أبو هريرة ‏(‏قال الحق‏)‏ بهمزة وصل وفتح المهملة أي اتبع ‏(‏فوجد قدحاً‏)‏ بالفتح فإن القدح لا يكسر ‏(‏فساءني ذلك‏)‏ إشارة إلى ما تقدم من قوله فادعهم، وقد بين ذلك بقوله ‏(‏وقلت‏)‏ أي في نفسي ‏(‏فسيأمرني‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أن أديره عليهم‏)‏ وكأنه عرف بالعادة ذلك لأنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه‏.‏ وقد أخرجه البخاري في تاريخه عن طلحة بن عبيد الله‏:‏ كان أبو هريرة مسكيناً لا أهل له ولا مال وكان يدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما دار ‏(‏ما يغنيني‏)‏ أي عن جوع ذلك اليوم ‏(‏فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح فوضعه على يده ثم رفع رأسه فتبسم‏)‏ وفي البخاري‏:‏ فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ كأنه صلى الله عليه وسلم تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أن لا يفضل له من اللبن شيء فلذلك تبسم إليه إشارة إلى أنه لم يفته شيء ‏(‏فحمد الله وسمى‏)‏ أي حمد الله على ما من به من البركة التي وقعت في اللبن المذكور مع قلته حتى روى القوم كلهم وأفضلوا وسمى في ابتداء الشرب ‏(‏وشرب‏)‏ أي الفضلة كما في رواية البخاري أي البقية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وغيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد العزيز بن عبد الله القرشي‏)‏ أبو يحيى النمرقي بفتح النون وسكون الراء وفتح الميم بعدها قاف الرازي‏.‏ منكر الحديث من الثامنة ‏(‏حدثني يحيى البكاء‏)‏ بتشديد الكاف ابن مسلم أو ابن سلم مصعراً وهو ابن خليد البصري المعروف بيحي البكاء، الحداني بضم المهملة وتشديد الدال مولاهم، ضعيف من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تجشأ رجل‏)‏ بتشديد الشين المعجمة بعدها همزة أي يخرج الجشاء من صدره وهو صوت مع ريح يخرج منه عند الشبع، وقيل عند امتلاء المعدة‏.‏ قال النوربشتي‏:‏ الرجل هو وهب أبو جحيفة السوائي‏.‏ روى عنه أنه قال أكلت ثريدة بريلحم وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشأ قلت قد أشار الترمذي إلى حديث أبي جحيفة هذا يقول‏:‏ وفي الباب عن أبي جحيفة وستقف على لفظه ومخرجيه ‏(‏فقال كف عنا‏)‏ أمر مخاطب من الكف بمعنى الصرف والدفع وفي رواية شرح السنة‏:‏ أقصر من جشائك ‏(‏جشاءك‏)‏ بضم الجيم ممدود أو النهي عن الجشاء هو النهي عن الشبع، لأنه السبب الجالب له ‏(‏فإن أكثرهم شبعاً‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الشبع بالفتح وكمنب ضد الجوع وشبع كسمن خبزاً ولحماً منهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ في سنده عبد العزيز بن عبد الله ويحيى البكاء وهما ضعيفان كما عرفت‏.‏ وأخرجه أيضاً ابن ماجه والبيهقي من طريقهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي جحيفة‏)‏ قال أكلت ثريدة من خبز ولحم ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ، فقال‏:‏ يا هذا كف عن جشائك، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة‏.‏ رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد‏.‏ قال الحافظ المنذري في الترغيب‏:‏ بل واه جداً فيه فهد بن عوف وعمر بن موسى، لكن رواه البزار بإسنادين، رواة أحدهما ثقات، ورواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي، وزادوا‏:‏ فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى، وفي رواية لأبن أبي الدنيا‏:‏ قال أبو جعيفة فما ملأت بطني منذ ثلاثين سنة أنتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يا نبي‏)‏ بضم الموحدة وفتح النون وشدة الياء ‏(‏ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصابتنا السماء‏)‏ الجملتان وقعتا حالين مترادنين أو متداخلين، أي لو رأيتنا حال كوننا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحال كوننا قد أصابتنا السماء‏.‏ والحديث يدل على جواز لبس الصوف قال ابن بطال‏:‏ كره ملك لبس الصوف، لمن يجد غيره لما فيه من الشهرة بالزهد، لأن إخفاه العمل أول، قال ولم ينحصر للتواضع في لبسه بل في القطن وغيره ما هو بدون ثمنه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه، قال المنذري في الترغيب ورواه الطبراني بإسناد صحيح أيضاً نحوه وزاد في آخره‏:‏ إنما لباسنا الصوف وطعامنا الأسودان التمر والماء‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من ترك اللباس‏)‏ أي لبس الثياب الحسنة المرتفعة القيمة ‏(‏تواضعاً لله‏)‏ أي لا ليقال إنه متواضع أو زاهد ونحوه، والناقد بصير ‏(‏دعاء الله يوم القيامة على روؤس الخلائق‏)‏ أي يشهره ويناديه ‏(‏من أي حلل الإيمان‏)‏ أي من أي حلل أهل الإيمان‏.‏ وفي حديث رجل من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه، قال بشر أحسبه قال تواضعاً كساه الله حلة الكرامة‏.‏ رواه أبو داود في حديث ولم يسم ابن الصحابي‏.‏ ورواه البيهقي من طريق زيان بن فائد عن سهل ابن معاذ عن أبيه بزيادة كذا في الترغيب‏.‏ وحديث معاذ بن أنس هذا ذكره المنذري في الترغيب وقال‏:‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن والحاكم في موضعين من المستدرك، قال في أحدهما صحيح الإسناد انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ليس في النسخ الموجودة عندنا قول الترمذي حديث حسن‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زافر بن سليمان‏)‏ بالفاء، الإيادي أبو سليمان القهستاني بضم القاف والهاء وسكون المهملة سكن الري ثم بغداد، وولي قضاء سجستان صدوق كثير الأوهام من التاسعة ‏(‏عن إسرائيل‏)‏ هو ابن يونس الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏النفقة كلها في سبيل الله‏)‏ أي فيؤخر المنفق عليها ‏(‏إلا البناء‏)‏ أي إلا النفقة في البناء ‏(‏فلا خير فيه‏)‏ أي في الإنفاق فيه فلا أجر فيه، وهذا في بناء لم يقصذ به قربة أو كان فوق الحاجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هكذا قال محمد بن حميد شبيب بن بشير وإنما هو شبيب بن بشر‏)‏ قال في التقريب‏:‏ شبيب بوزن طويل بن بشر أو ابن بشير البجلي الكوفي صدرق يخطئ من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا شريك‏)‏ هو ابن عبد الله النخعي الكوفي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو عمرو بن عبد الله السبيعي ‏(‏عن حارثه بن مغرب‏)‏ بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة العبدي الكوفي ثقة من الثانية غلط من نقل عن ابن المدني أنه تركه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتينا خباباً‏)‏ بموحدين الأول مثقلة ابن الأرث بتشديد الفوقية التميمي من السابقين إلى الإسلام وكان يعذب في الله وشهد بدراً ثم نزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين ‏(‏وقد اكتوى سبع كيات‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الكي علاج معروف في كثير من الأمراض وقد ورد النهي عن الكي فقيل النهي لأجل أنهم كانوا يرون أن الشفاء منه‏.‏ وأما إذا اعتقد أنه سبب وأن الشافي هو الله فلا بأس به، ويجوز أن يكون النهي من قبل التوكل وهو درجة أخرى غير الجواز انتهى‏.‏ ويؤيده خبر ‏"‏لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون‏"‏ ‏(‏لا تمنوا الموت‏)‏ بحذف إحدى التائين أي لضر نزل به وإنما نهى عن تمني الموت لما فيه من طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد ولزيادة العمل ‏(‏لتنميته‏)‏ أي لأستريح من شدة المرض الذي من شأن الجبلة البشرية أن تنفر منه ولا تصبر عليه ‏(‏وقال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏يؤجر الرجل في نفقته‏)‏ أي كلها ‏(‏إلا التراب‏)‏ أي إلا النفقة في التراب ‏(‏أو قال في التراب‏)‏ شك من الرواي أي في نفقته في البنيان الذي لم يقصد به وجه الله أو قد زاد على الحاجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الجارود‏)‏ هو ابن معاذ السلمي الترمذي ‏(‏عن أبي حمزة‏)‏ الظاهر أن أبا حمزة هذا هو ميمون الأعور القصاب‏.‏ مشهور بكنيته، ضعيف من السادسة، روى عن إبراهيم وغيره وعنه سفيان الثوري وغيره ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو ابن يزيد النخعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏البناء وكله وبال‏)‏ أي إذا كان فوق الحاجة وام يكن مما يتقرب به كالمسجد ‏(‏قلت أرأيت الخ‏)‏ أي أخبرني عن بناء لا بد منه ‏(‏قال لا أجر ولا وزر‏)‏ أي لا أجر لصاحبه ولا وزر عليه، هذا قول إبراهيم النخعي‏.‏ وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة، إلا مسجداً كذا في الجامع الصغير‏.‏ قال المناوي في شرح هذا الحديث‏:‏ قوله إلا مسجداً أي أو نحوه مما بني يقصد قربة إلى الله كمدرسة ورباط، واستثنى في خبر آخر ما لا بد منه لحاجة الإنسان انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد بن طهمان أبو العلاء‏)‏ الكوفي الخفاف‏.‏ مشهور بكنيته صدوق، رمى بالتشيع ثم اختلط من الخامسة ‏(‏حدثني حصين‏)‏ بن مالك البجلي الكوفي صدوق من الثالثة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ له عند الترمذي حديث واحد في أجر من كسا مسلماً ثوباً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏لحق‏)‏ اللام للتأكيد ‏(‏أن نصلك‏)‏ أي نعطيك ‏(‏إلا كان في حفظ الله‏)‏ فيحفظه الله من مكاره الدنيا والاَخرة ‏(‏ما دام منه‏)‏ أي من الثوب ‏(‏عليه‏)‏ أي على من كساه ‏(‏خرقة‏)‏ أي قطعة‏.‏ قال المناوي يعني حتى يبلى وقال ومفهوم هذا الحديث أنه لو كسا ذمياً لا يكون له هذا الوعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد، وقال المنذري رواه الترمذي والحاكم كلاهما من طريق خالد بن طهمان ولفظ الحاكم‏:‏ من كسا مسلماً ثوباً لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك، وقال الحاكم صحيح الإسناد انتهى‏.‏ قلت‏:‏ خالد بن طهمان اختلط في آخره عمره كما عرفت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ويحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏عن زرارة بن أوفى‏)‏ بضم الزاي العامري الحوشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة ‏(‏عن عبد الله بن سلام‏)‏ بالتخفيف الإسرائيل هو أبو يوسف حليف بني الخزرج قيل كان اسمه الحسين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله مشهور مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين ‏(‏يعني المدينة‏)‏ هذا قول بعض رواة الحديث ‏(‏انجفل الناس إليه‏)‏ أي ذهبوا مسرعين إليه يقال جفل وأجفل وانجفل ‏(‏فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال في الصراح‏:‏ استبان الشيء أي طهر وتبين مثله، واستبنته أنا عرفته، وتعينته أنا كذلك انتهى ‏(‏ليس بوجه كذاب‏)‏ بالإضافة وينون أي يوجه ذي كذب فإن الظاهر عنوان الباطن ‏(‏يا أيها الناس‏)‏ خطاب العام بكلمات جامعة للمعاملة مع الخلق والحق ‏(‏أفشوا السلام‏)‏ أي أظهروه وأكثروه على من تعرفونه وعلى من لا تعرفونه ‏(‏وأطعموا الطعام‏)‏ أي لنحو المساكين والأيتام ‏(‏وصلوا‏)‏ أي بالليل ‏(‏والناس نيام‏)‏ لأنه وقت الغفلة فلأرباب الحضور مزيد المثوبة أو لبعده عن الرياء والسمعة ‏(‏تدخلوا الجنة بسلام‏)‏ أي من الله أو من ملائكته من مكروه أو تعب ومشقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجه والدرامي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أَخْبَرَنَاْ حميد‏)‏ هو الطويل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‏)‏ أي حين جاءها أول قدومه ‏(‏أتاه المهاجرين‏)‏ أي بعد ما قام الأنصار بخدمتهم وإعطائهم أنصاف دورهم وبساتينهم إلى أن بعضهم طلق أحسن نسائه ليتزوجها بعض المهاجرين، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله ‏"‏والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قلبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يحدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‏"‏ ‏(‏فقالوا‏)‏ أي المهاجرون ‏(‏ما رأينا قوماً أبذل من كثير‏)‏ أي من مال كثير ‏(‏ولا أحسن مواساة من قليل‏)‏ أي من مال قليل ‏(‏من قوم نزلنا بين أظهرهم‏)‏ أي عندهم وفيما بينهم‏.‏ والمعنى أنهم أحسنوا إلينا سواء كانوا كثيري المال أو فقيري الحال‏.‏ قال الطيعي رحمه الله‏:‏ الجاران أعني من قليل ومن كثير متعلقان بالبذل والمواساة‏.‏ وقوله من قوم صلة لا بذل وأحسن على سبيل التنازع وقوم هو المفضل، والمراد بالقوم الأنصار وإنما عدل عنه إليه ليدل التنكير على التفخيم فيتمكن من إجراء الأوصاف التالية عليه بعد الإبهام ليكون أوقع لأن التبيين بعد الإبهام أوقع في النفس وأبلغ ‏(‏لقد كفونا‏)‏ من الكفاية ‏(‏المؤنة‏)‏ أي تحملو عنا مؤنة الخدمة في عمارة الدور والنخيل وغيرهما ‏(‏وأشركونا‏)‏ أي مثل الإخوان ‏(‏في المهنأ‏)‏ بفتح الميم والنون وهمز في آخره، ما يقوم بالكفاية وإصلاح المعيشة، وقيل ما يأتيك بلا تعب‏.‏ قال ابن الملك والمعنى أشركونا في ثمار نخيلهم وكفونا مؤنة سقيها وإصلاحها وأعطونا نصف ثمارهم‏.‏ وقال القاضي يريدون به ما أشركوهم فيه من زروعهم وثمارهم ‏(‏حتى لقد خفنا أن يذهبوا‏)‏ أي الأنصار ‏(‏بالأجر كله‏)‏ أي بأن يعطيهم الله أجر هجرتنا من مكة إلى المدينة وأجر عبادتنا كلها من كثرة إحسابهم إلينا، ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا‏)‏ أي لا يذهبون بكل الأجر فإن فضل الله واسع، فلكم ثواب العبادة ولهم أجر المساعدة ‏(‏ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم‏)‏ أي ما دمتم تدعون لهم بخير فإن دعاءكم يقوم بحسناتهم إليكم وثواب حسناتكم راجع عليكم‏.‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ يعني إذ حملوا المشقة والتعب على أنفسهم وأشركونا في الراحة والمهنأ فقد أحرزوا المثوبات‏.‏ فكيف نجازيهم‏؟‏ فأجاب لا‏.‏ أي ليس الأمر كما زعمتم فإنكم إذا أثنيتم عليهم شكراً لصنيعهم ودمتم عليه فقد جاز يتموه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي‏.‏

الله- قوله‏:‏ ‏(‏أَخْبَرَنَاْ محمد بن معن‏)‏ بن محمد بن معن ‏(‏المدني الغفاري‏)‏ أبو يونس المدني ثقة من الثامنة ‏(‏حدثني أبي‏)‏ هو معن بن محمد بن معن بن نضلة الغفاري مقبول من السادسة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الطاعم الشاكر‏)‏ أي الله تعالى بمنزلة الصائم الصابر لأن الطعم فعل والصوم كف، فالطاعم بطعمه يأتي ربه بالشكر والصائم بكفه عن الطعم يأتيه بالصبر‏.‏ قال القاري‏:‏ أقل شكره أن يسمى إذا أكل ويحمد إذا فرغ وأقل صبره أن يحبس نفسه عن مفسدات الصوم‏.‏ قال المظهر‏:‏ هذا تشبيه في أصل استحقاق كل واحد منهما الأجر لا في المقدار، وهذا كما يقال زيد كعمرو ومعناه زيد يشبه عمراً في بعض الخصال ولا يلزم الممائلة في جميعها فلا يلزم الممائلة في الأجر أيضاً، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم‏.‏ قال المناوي وصححه وأقروه‏.‏ وروي أحمد وابن ماجه عن سنان بن سنة مرفوعاً الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عمرو الأودي‏)‏ الكوفي مقبول من الثالثة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى له الترمذي هذا الحديث الواحد، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمن يحرم‏)‏ بضم الراء ‏(‏على النار‏)‏ أي يمنع عنها ‏(‏وبمن تحرم عليه النار‏)‏ قال القاري‏:‏ زيادة تأكيد وإلا فالمعنيان متلازمان، ولما كان مآلهما واحد اكتفى بالجواب عن الأول لأنه المعول والثاني مؤكد ‏(‏على كل قريب‏)‏ أي إلى الناس، ولم يقع في بعض النسخ لفظ على ‏(‏هين‏)‏ وفي المشكاة‏:‏ على كل هين لين‏.‏ قال القاري‏:‏ بتشديد التحتية فبهما أي تحرم على كل سهل طلق حليم لين الجانب قيل هما يطلقان على الإنسان بالتثقيل والتخفيف وعلى غيره بالتشديد‏.‏ وعن ابن الأعرابي بالتخفيف المدح وبالتشديد للذم، ثم قوله هين فيعل من الهون وهو السكون والوفار والسهولة فبينه واو فأبدلت وأدغمت انتهى ‏(‏سهل‏)‏ هو ضد الصعب، أي سهل الخلق كريم الشمائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والطبراني‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قالت كان‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏يكون في مهنة أهله‏)‏ ورواه البخاري من طريق آدم عن شعبة في باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج وزاد تعني خدمة أهله‏.‏ قال الحافظ بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما وقد فسرها في الحديث بالخدمة وهي من تفسير آدم بن أبي إياس، شيخ المصنف‏.‏ وقال في الصحاح‏:‏ المهنة بالفتح الخدمة، وهذا موافق لما قاله لكن نفسرها صاحب المحكم بأخص من ذلك فقال المهنة الحذق بالخدمة والعمل وقد، وقع مفسراً في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ‏:‏ والعمل وقد وقع مفسراً في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ‏:‏ ما كان إلا بشراً من البشر يفلى ثوبه ويحلب شأته ويخدم نفسه‏.‏ ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها‏:‏ يخيط ثوبه ويخصف نعله، وزاد ابن حبان‏:‏ ويرفع دلوه، وزاد الحاكم في الإكليل‏:‏ ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادماً‏:‏ والحديث فيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا ينزع‏)‏ بكسر الزاي أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لم ير‏)‏ بصيغة المجهول أي لم يبصر ‏(‏مقدماً‏)‏ بكسر الذال المشددة ‏(‏ركبتيه بين يدي جليس له‏)‏ أي مجالس له قيل أي ما كان يجلس في مجلس تكون ركبتاه متقدمتين على ركبتي صاحبه كما يفعل الجبابرة في مجالسهم‏.‏ وقيل ما كان يرفع ركبتيه عند من يجالسه بل كان يخفضها تعظيماً لجليسه‏.‏ وقالوا أراد بالركبتين الرجلين وتقديمهما مدهما وبسطهما، كما يقال قدم رجلا وأخر أخرى، ومعناه كان صلى الله عليه وسلم لا يمد رجله عند جليسه تعظيماً له‏.‏ قال الطيبي فيه‏:‏ وفي قوله كان لا يتزع يده قيل نزع صاحبه، تعليم لأمته في إكرام صاحبه وتعظيمه، فلا يبدأ بالمفارقة عنه ولا يهينه بمد الرجلين إليه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو السائب بن مالك أو ابن زيد الكوفي ثقة من الثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج رجل ممن كان قبلكم في حلة‏)‏ بضم الحاء المهملة وتشديد اللام إزاء ورداء بردأو غيره ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة كذا في القاموس ‏(‏يختال فيها‏)‏ من الاختيال وهو التكبر في المشي ‏(‏فأخذته‏)‏ أي ابتلعته ‏(‏فهو متجلجل أرِ قال يتلجلج فيها إلى يوم القيامة‏)‏ أي يغوص في الأرض ويضطرب في نزوله فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري عن ابن عمر بلفظ‏:‏ بينما رجل يجر إزاره خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر‏)‏ أي في الصغر والحفارة ‏(‏في صور الرجال‏)‏ أي من جهة وجوههم‏.‏ أو من حيثية هيئتهم من انتصاب القامة ‏(‏يغشاهم الذل‏)‏ أي يأتيهم ‏(‏من كل مكان‏)‏ أي من كل جانب‏.‏ والمعنى أنهم يكونون في غاية من المذلة والنقيصة يطأهم أهل الحشر بأرجلهم من هوانهم على الله‏.‏ وفي النهاية الذر النمل الأحمر الصغير واحدها ذرة ‏(‏يساقون‏)‏ بضم القاف أي يسحبون ويجرون ‏(‏إلى سجن‏)‏ أي مكان حبس مظلم مضيق منقطع فيه عن غيره ‏(‏يسمى‏)‏ أي ذلك السجن ‏(‏بولس‏)‏ قال في المجمع‏:‏ هو بفتح باء وسكون واو وفتح لام‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ بولس بضم الباء وفتح اللام سجن جهنم وقال الحافظ المنذري‏:‏ هو بضم الموحدة وسكون الواو وفتح اللام انتهى ‏(‏تعلوهم‏)‏ أي تحيط بهم وتغشاهم كالماء يعلو الغريق ‏(‏نار الأنيار‏)‏ قال في النهاية‏:‏ لم أجده مشروحاً ولكن هكذا يروى، فإن صحت الرواية فيحتمل أن يكون معناه نار النيران، فجمع النار على أنيار وأصلها أنوار لأنها من الواو كما جاء في ريح وعيد أرياح وأعياد وهما من الواو انتهى‏.‏ قيل‏:‏ إنما جمع بار على أنيار وهو واوي لئلا يشتبه بجمع النور‏.‏ قال القاضي‏:‏ وإضافة النار إليها للمبالغة كأن هذه النار لفرظ إحراقها وشدة حرها تفعل بسائو النيران ما تفعل النار بغيرها انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ أو لأنها أصل نيران العالم لقوله تعالى ‏{‏الذي يصلي النار الكبرى‏}‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم على ما ذكره البيضاوي انتهى ‏(‏ويسقون‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏من عصارة أهل النار‏)‏ بضم العين المهملة وهو ما يسيل منهم من الصديد والقبح والدم ‏(‏طينة الخيال‏)‏ بالجر بدل من عصارة أهل النار، والخيال بفتح الخاء المعجمة وهو في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه النسائي كما في الترغيب وأخرج عبد الله ابن أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يجاء بالجبارين والمتكبرين رجال في صور الذر يطأهم الناس من هوانهم على الله حتى يقضي بين الناس ثم يذهب بهم إلى نار الأنيار قيل‏:‏ يا رسول الله وما نار الأنيار قال‏:‏ عصارة أهل النار ذكره السيوطي في البدور السافرة في أحوال الاَخرة‏.‏

‏(‏تنبيه‏:‏‏)‏ حمل بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال على المجاز‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ يحمل ذلك على المجاز دون الحقيقة‏.‏ أي أذلاء مهانين يطأهم الناس بأرجلهم وإنما منعنا على القول بظاهره ما أخبرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء حتى أنهم يحشرون غرلا يعاد منهم ما انفصل عنهم من القلفة، وإلى هذا المعنى أشار بقوله‏:‏ يغشاهم الذل من كل مكان‏.‏ قال الأشرف‏:‏ إنما قال في صور الرجال بعد قوله أمثال الذر قطعاً منه‏:‏ حمل قوله أمثال الذر على الحقيقة ودفعاً لوهم من يتوهم أن المتكبر لا يحشر في صورة الإنسان وتحقيقاً لإعادة الأجساد المعدومة على ما كانت عليه من الأجزاء‏.‏ وقال المظهر‏:‏ يعني صورهم صور الإنسان وجثتهم كجثة الذر في الصغر‏.‏ قال الطيبي‏:‏ لفظ الحديث يساعد هذا المعنى لأن قوله أمثال الذر تشبيه لهم بالذر ولا بد من بيان وجه الشبه لأنه يحتمل أن يكون وجه الشبه الصغر في الجثة وأن يكون الحقارة والصغار فقوله في صور الرجال بيان للموجه ودفع وهم من يتوهم خلافه، وأما قوله إن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء فليس فيه أن لا تعاد تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذر لأنه تعالى قادر عليه، وفيه الخلاف المشهور بين الأصوليين وعلى هذه الحقارة ملزوم هذا التركيب فلا ينافي إرادة الجثة مع الحقارة‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر هو الحمل على الحقيقة ولا مخالفة بين هذا الحديث والأحاديث التي تدل على أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء حتى أنهم يحشرون غرلا‏.‏ قال القاري‏:‏ التحقيق إن الله يعيدهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صورهم وجمع أجزائهم المعدومة تخفيفاً لوصف الإعادة على وجه الكمال ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصورة المذكورة إهانة وتذليلا لهم، جزاءاً وفاقاً، أو يتصاغرون من الهيبة الإلهية عند مجيئهم إلى موضع الحساب وظهور أثر العقوبة السلطانية التي لو وضعت على الجبال لصارت هباء منثوراً انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله بن يزيد‏)‏ هو أبو عبد الرحمن المقري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كظم غيظاً‏)‏ أي كف عن إمضائه ‏(‏وهو يقدر أن ينفذه‏)‏ من التنفيذ أي يقدر على إمضائه وإنفاذه والجملة حالية ‏(‏دعاءه الله على رؤوس الخلائق‏)‏ أي شهره بين الناس وأثنى عليه وتباهى به ويقال في حقه هذا الذي صدرت منه هذه الخصلة العظيمة‏.‏ قال الطيبي وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله‏:‏ ‏"‏والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سلمة بن شبيب‏)‏ النيسابوري نزيل مكة ثقة من كبار الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا عبد الله بن إبراهيم‏)‏ بن أبي عمرو ‏(‏الغفاري‏)‏ أبو محمد المدني متروك ونسبه ابن حبان إلى الوضع من العاشرة ‏(‏حدثني أبي‏)‏ اسمه إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري المدني مجهول من الثامنة ‏(‏عن أبي بكر بن المنكدر‏)‏ بن عبد الله التيمي المدني ثقة، وكان أسن من أخيه محمد من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نشر الله عليه‏)‏ بشين معجمة من النشر ضد الطي ‏(‏كنفه‏)‏ بكاف ونون وفاء مفتوحات وهو الجانب والناحية، وهذا تمثيل لجعله تحت ظل رحمته يوم القيامة ‏(‏أدخله الجنة‏)‏ وفي بعض النسخ جنته والإضافة للتشريف ‏(‏والشفقة على الوالدين‏)‏ أي الأصلين وإن علوا ‏(‏والإحسان إلى المملوك‏)‏ أي مملوك الإنسان نفسه وكذا غيره بنحو إعانة أو شفاعة عند سيده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده عبد الله بن إبراهيم وهو متروك، وأبوه وهو مجهول، فالحديث ضعيف‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يا عبادي‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الخطاب للثقلين لتعاقب التقوى والفجور فيهم، ويحتمل أن يعم الملائكة فيكون ذكرهم مدرجاً في الجن لشمول الاجتنان لهم وتوجه هذا الخطاب لا يتوقف على صدور الفجور ولا على إمكانه انتهى‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر هو الاحتمال الأول ‏(‏إلا من هديت‏)‏ قيل المراد به وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا أنهم خلقوا في الضلالة‏.‏ والأظهر أن يراد أنهم لو تركوا بما في طباعهم لضلوا، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره‏.‏ وهو لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ كل مولود يولد على الفطرة، فإن المراد به الفطرة التوحيد والمراد بالضلالة جهالة تفصيل أحكام الإيمان وحدود الإسلام ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ووجدك ضالا‏}‏ ‏(‏وكلكم مذنب‏)‏ قيل أي كلكم يتصور منه الذنب ‏(‏إلا من عافيت‏)‏ أي من الأنبياء والأولياء، أي عصمت وحفظت، وإنما قال عافيت تنبيهاً على أن الذنب مرض ذاتي، وصحته عصمة الله تعالى وحفظه منه أو كلكم مذنب بالفعل‏.‏ وذنب كل بحسب مقامه إلا من عافيته بالمغفرة والرحمة والتوبة ‏(‏ولا أبالي‏)‏ أي لا أكترث ‏(‏ولو أن أولكم وآخركم‏)‏ يراد به الإحاطة والشمول ‏(‏وحيكم وميتكم‏)‏ تأكيد لإرادة الاستيعاب كقوله ‏(‏ورطبكم ويابسكم‏)‏ أي شبابكم وشيوخكم أو عالمكم وجاهلكم أو مطيعكم وعاصيكم‏.‏ قال الطيبي هما عبارتان عن الاستيعاب التام كما في قوله تعالى ‏{‏ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين‏}‏ والإضافة إلى ضمير المخاطبين تقتضي أن يكون الاستيعاب في نوع الإنسان فيكون تأكيداً للشمول بعد تأكيد الاستيعاب وتقريراً بعد تقرير انتهى ‏(‏اجتمعوا على أنقى قلب عبد من عبادي‏)‏ وهو نبينا صلى الله عليه وسلم ‏(‏ما زاد ذلك‏)‏ أي الاجتماع ‏(‏اجتمعوا على ثقى قلب عبد من عبادي‏)‏ وهو إبليس اللعين ‏(‏اجتمعوا في صعيد واحد‏)‏ أي أرض واسعة مستوية ‏(‏ما بلغت أمنيته‏)‏ بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء، أي مشتهاه وجمعها المنى والأماني، يعني كل حاجة تخطر بباله ‏(‏مانقص ذلك‏)‏ أي الإعطاء أو قضاء حوائجهم ‏(‏فغمس‏)‏ بفتح الميم أي أدخل ‏(‏إبرة‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الموحدة وهي المخيط ‏(‏ذلك‏)‏ أي عدم نقص ذلك عن ملكي ‏(‏بأني جواد‏)‏ أي كثير الجود ‏(‏واجد‏)‏ هو الذي يجد ما يطلبه ويريده وهو الواجد المطلق لا يفوته شيء ‏(‏ماجد‏)‏ هو بمعنى المجيد، كالعالم بمعنى العليم من المجد وهو سعة الكرم ‏(‏إنما أمري الشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون‏)‏ بالرفع والنصب، أي من غير تأخير عن أمري‏.‏ وهذا تفسير لقوله‏:‏ عطائي كلام وعذابي كلام‏.‏ قال القاضي يعني ما أريد إيصاله إلى عبد من عطاء أو عذاب لا أفتقر إلى كد ومزاولة عمل بل يكفي لحصوله ووصوله تعلق الإرادة به وكن من كان التامة أي أحدث فيحدث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه، وروى مسلم نحوه بزيادة ونقص‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عبد الله‏)‏ الرازي من بني هاشم القاضي أصله كوفي صدوق من الرابعة ‏(‏عن سعد مولى طلحة‏)‏ قال في التقريب سعد أو سعيد مولى طلحة، ويقال طلحة مولى سعد مجهول من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات‏)‏ جزاءه محذوف أي لم أحدث ذلك الحديث أحداً ولم أذكره ‏(‏كان الكفل‏)‏ بكسر الكاف وسكون الفاء اسم رجل ‏(‏لا يتورع من ذنب‏)‏ أي لا يحترز ولا يمتنع ‏(‏عمله‏)‏ الضمير المرفوع للكفل والمنصوب ذنب، والجملة صفة له ‏(‏أرعدت‏)‏ بصيغة المجهول من الإرعاد، أي زلزلت واضطربت من خشية الله ‏(‏أكرهتك‏)‏ بحذف همزة الاستفهام ‏(‏قالت لا‏)‏ أي لم تكرهني وليس ارتعادي وبكائي من إكراهك ‏(‏فقال أتفعلين أنت هذا‏)‏ أي لأجل الحاجة ‏(‏وما فعلته‏)‏ أي قبل هذا قط ‏(‏فهي‏)‏ أي الدنانير ‏(‏لك‏)‏ أي ملك لك، يعني وهبتها لك ‏(‏وقال‏)‏ أي الكافي ‏(‏فاصبح‏)‏ أي دخل الكفل في الصبح ‏(‏مكتوب‏)‏ كذا في النسخ الموجودة بالرفع، والظاهر أن يكون بالنصب‏.‏ فإنه خبر أصبح أو حال من ضميره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن حبان في صحيحه إلا أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين مرة يقول فذكر نحوه، والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها‏.‏ وقال الحاكم صحيح الإسناد كذا في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت جدته سرية لعلى بن أبي طالب‏)‏ قال في القاموس‏:‏ السرية بالضم‏:‏ الأمة التي نوأتها بيتاً منسوب إلى السر بالكسر للجماع من تغيير النسب‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ سرية بالضم على فعلية كنيزك فراشي وهي منسوبة إلى السر وهو الجماع، وإنما ضمت سنينه لأن الأبنية تغيرت في النسبة كدهري وسهلي بالضم فيهما من دهر وسهل‏.‏ قال الأخفش‏:‏ إنها مشتقة من السرور لأنه يسر بها جمعها سراري، ويقال منه كسررت الجارية وتسريتها كما تظننت وتظنيت انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو معاوية‏)‏ هو محمد بن خازم ‏(‏عن الحارث بن سويد‏)‏ التيمي أبي عائشة الكوفي ثقة ثبت من الثانية ‏(‏حدثنا عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحدهما عن نفسه‏)‏ أي من قوله ‏(‏إن المؤمن يرى ذنوبه‏)‏ قال الطيبي‏:‏ ذنوبه المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف أي كالجبال بدليل قوله كذباب أي عظيمة ثقيلة ‏(‏كأنه في أصل جبل‏)‏ أي قاعد في أصله ‏(‏يخاف أن يقع عليه‏)‏‏.‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور، فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة، وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المؤمن أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السيء ‏(‏وإن الفاجر‏)‏ أي الفاسق ‏(‏قال به‏)‏ أي أشار إليه أو فعل به ‏(‏هكذا‏)‏ أي دفع الذباب بيده‏.‏

- ‏(‏لله‏)‏ بفتح اللام‏)‏ بتوبة أحدكم‏)‏ أي من المعصية إلى الطاعة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ لما صور حال المذنب بتلك الصورة الفظيعة أشار إلى أن الملجأ هو التوبة والرجوع إلى الله تعالى انتهى‏.‏ يعني فحصلت المناسبة بين الحديثين من الموقوف والمرفوع ‏(‏من رجل‏)‏ متعلق بأفرح‏)‏ بأرض فلاة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها والصحراء الواسعة ‏(‏دوية‏)‏ بفتح الدال وتشديد الواو والياء‏:‏ نسبة للدو وهي الصحراء التي لا نبات بها ‏(‏مهلكة‏)‏ بفتح الميم واللام وكسرها‏:‏ موضع خوف الهلاك ‏(‏فأضلها‏)‏ وفي رواية البخاري فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته ‏(‏حتى إذا أدركه الموت‏)‏ أي أسبابه من الحر والعطش، وفي رواية البخاري‏:‏ ‏(‏حتى إذا اشتد الحر والعطش أو ما شاء الله قال‏)‏ أي في نفسه وهو جواب إذا ‏(‏أرجع‏)‏ بلفظ المتكلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأخرج مسلم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيه‏)‏ أي وفي الباب ‏(‏عن أبي هريرة والنعمان بن بشير وأنس ابن مالك‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم، وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه أيضاً مسلم، وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا علي بن مسعدة الباهلي‏)‏ أبو حبيب البصري صدوق له أوهام من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل بني آدم خطاء‏)‏ أي كثير الخطأ أفرد نظراً إلى لفظ الكل، وفي رواية خطاؤون نظراً إلى معنى الكل، قيل أراد الكل من حديث هو كل أو كل واحد‏.‏ وأما الأنبياء صلوات الله عليهم فإما مخصوصون عن ذلك، وإما أنهم أصحاب صغائر‏.‏ والأول أولى فإن ما صدر عنهم من باب ترك الأولى، أو يقال‏:‏ الزلات المنقولة عن بعضهم محمولة على الخطأ والنسيان من غير أن يكون لهم قصد إلى العصيان قاله القاري ‏(‏وخير الخطائين التوابون‏)‏ أي الرجاعون إلى الله بالتوبة من المعصية إلى الطاعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والدرامي والحاكم‏.‏ قال المناوي وقال الحاكم صحيح فقال الذهبي بل فيه لين انتهى‏.‏

1583- باب

2549- حَدّثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عبدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

وفي البابِ عن عائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيّ الْكَعْبِيّ، الخزاعي وَاسْمهُ خُوَيْلِدُ بنُ عمروٍ‏.‏

2550- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بنِ عمروٍ المعافري عن أَبي عَبدِ الرحمن الْحُبِليّ، عن عبدِ الله بنِ عمروٍ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ صمَتَ نَجَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاَ من حديثِ ابنِ لَهِيعَةَ وَابو عبد الرحمنِ الحُبُلي هو عبدُ الله بنُ يزيد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليكرم ضيفه‏)‏ في شرح السنة قال تعالى‏:‏ ‏{‏هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين‏}‏ قيل أكرمهم إبراهيم عليه السلام بتعجيل قراهم والقيام بنفسه عليهم وطلاقة الوجه لهم انتهى‏.‏ قالوا وإكرام الضيف بطلاقة الوجه وطيب الكلام والإطعام ثلاثة أيام في الأول بمقدوره وميسوره والباقي بما حضره من غير تكاف لئلا يثقل عليه وعلى نفسه وبعد الثلاثة يعد من الصدقة إن شاء فعل وإلا فلا ‏(‏فليقل خيراً أو ليصمت‏)‏ ضبطه النووي بضم الميم، وقال الطوفي سمعناه يكبرها وهو القباس كضرب يضرب ومعنى الحديث أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليفكر قبل كلامه فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى محرم ولا مكروه فليتكلم‏.‏ وإن كان مباحاً فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى المحرم والمكروه‏.‏ وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة وأنس وأبي شريح الكعبي‏)‏ أما حديث عائشة فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وغيرهما كما في الترغيب وأما حديث أبي شريح الكعبي فأخرجه الترمذي في باب الضيافة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من صمت‏)‏ أي سكت عن الشر ‏(‏نجا‏)‏ أي فاز وظفر بكل خير، أو نجا من آفات الدارين‏.‏ قال الراغب‏:‏ الصمت أبلغ من السكوت لأنه قد يستعمل فيما لا قوة له للنطق وفيما له قوة للنطق، ولهذا قيل لما لا نطق له الصامت والمصمت، والسكوت يقال لما له نطق فيترك استعماله‏.‏ فالصمت في الأصل سلامة لكن قد يجب النطق شرعاً‏.‏ ومقصود الحديث أن لا يتكلم فيما لا يعنيه ويقتصر على المهم ففيه النجاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة‏)‏ وأخرجه أحمد الدرامي والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث ضعيف لضعف ابن لهيعة‏.‏

1584- باب

2551- حَدّثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، حدثنَا أَبو أُسَامَةَ، حدثني بُرَيْدُ بنُ عبدِ الله عن أَبي بُرْدَةَ عن أَبي مُوسَى قال‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَيّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه من حديثِ أَبي مُوسَى‏.‏

2552- حَدّثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ أَخْبَرنَا مُحمّدُ بنُ الْحَسَنِ بنِ أَبي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيّ عن ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ عَيّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتّى يَعْمَلَهُ‏"‏‏.‏ قال احمدُ‏:‏ قَالُوا‏:‏ مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ ولَيْسَ إِسْنَادُه بِمُتّصِلٍ‏.‏ وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ لم يُدْرِكْ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ‏.‏ وَرُوِيَ عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ أَنّهُ أَدْرَكَ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومات معاذ بن جبل في خلافة عمر بن الخطاب، وخالد بن معدان روى عن غير واحد من اصحابِ معاذ عن معاذ غير حديث‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من سلم المسلمون‏)‏ أي والمسلمات إما تغليباً وإما تبعاً ويلحق بهم أهل الذمة حكماً‏.‏ وفي رواية ابن حبان من سلم الناس ‏(‏من لسانه‏)‏ أي بالشتم واللعن والغيبة والبهتان والنميمة والسعي إلى السلطان وغير ذلك ‏(‏ويده‏)‏ بالضرب والقتل والهدم والدفع والكتابة بالباطل ونحوها وخصا لأن أكثر الأذى بهما أو أريد بهما مثلا وقدم اللسان لأن الإيذاء به أكثر وأسهل، ولأنه أشد نكاية كما قال‏:‏

جراحات السنان لها النئامولا يلتام ما جرح اللسان

ولأنه يعم الأحياء والأموات وابتلى به الخاص والعام خصوصاً في هذه الأيام وعبر به دون القول ليشمل إخراجه استهزاء بغيره وقيل كني باليد عن سائر الجوارح لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها البطش والقطع والوصل والمنع والأخذ، فقيل في كل عمل هذا مما عملته أيديهم وإن لم يكن وقوعه بها ثم الحد والتعزيز وتأديب الأطفال والدفع لنحو العيال ونحوها فهي استصلاح وطلب للسلامة، أو مستثنى شرعاً أو لا يطلق عليه الأذى عرفاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني‏)‏ بالسكون أبو الحسن الكوفي، نزيل واسط، ضعيف من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عير‏)‏ من التعبير أي عاب ‏(‏أخاه‏)‏ أي في الدين ‏(‏بذنب‏)‏ أي قد تاب منه على ما فسر به الإمام أحمد ‏(‏لم يمت‏)‏ الضمير لمن ‏(‏حتى يعمله‏)‏ أي الذنب الذي عير به أخاه، وكأن من عير أخاه أي عابه من العار، وهو كل شيء لزم به عيب كما في القاموس يجاري بسلب التوفيق حتى يرتكب ما عير أخاه به وذاك إذا صحبه إعجابه بنفسه لسلامته مما عير به أخاه‏.‏ وفيه أن ذكر الذنب لمجرد التعيير قبيح يوجب العقوبة وأنه لا يذكر عيب الغير إلا للأمور الستة التي سلفت مع حسن القصد فيها قاله الأمير في السبل‏.‏ قلت‏:‏ قد ذكر الأمير هذه الأمور الستة في شرح حديث أبي هريرة في الغيبة في باب الترهيب من مساوي الأخلاق ‏(‏قال أحمد‏)‏ الظاهر أن أحمد هذا هو ابن منيع المذكور شيخ الترمذي وقيل المراد به الإمام أحمد بن حنبل ‏(‏قالوا‏)‏ أي العلماء في تفسير قوله بذنب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ هذا الحديث منقطع، ومع انقطاعه قد حسنه الترمذي فلعل تحسينه لمجيئه من وجه آخر أو لشاهد له فلا يضره انقطاعه‏.‏

1585- باب

2553- حَدّثنا عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُجَالِدِ بنِ سَعِيدٍ الهُمَدَانِيّ، أَخْبَرنَا حَفْص بنُ غِيَاثٍ ح‏.‏ حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ، أخبرنا أُمَيَةُ بنُ الْقَاسِمِ الحذاء البصري قال‏:‏ أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن بُرْدِ بنِ سِنَانٍ، عن مَكْحُولٍ عن وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَع قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُظْهِرْ الشّماتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ الله وَيَبْتَلِيِكَ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ ومكحولٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ وَأَبي هِنْدِ الدّارِيّ، ويُقَالُ إِنّهُ لم يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مِنْ هَؤُلاَءِ الثّلاَثَةِ‏.‏ وَمكحولٌ شّامِيّ يُكْنَى أَبَا عبدِ الله، وكَانَ عَبْداً فَأُعْتِقَ‏.‏ ومكحولٌ الأَزَدِيّ بَصْرِيّ سَمِعَ مِنْ عبدِ الله بنِ عَمْرٍو وَيَرْوِي عَنْهُ عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ‏.‏

2554- حدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْماعيلُ بنُ عَيّاشٍ عن تَمِيمٍ بنِ عَطِيّةّ قال‏:‏ كَثِيراً ما كُنْتُ أَسْمَعَ مكحولاً يُسْأَلُ فَيَقولُ‏:‏ ندانم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أمية بن القاسم‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ القاسم بن أمية الحذاء، بالمهملة والذال المعجمة الثقيلة، بصري صدوق من كبار العاشرة ضعفه ابن حبان بلا مستند‏.‏ ووقع في بعض نسخ الترمذي أمية بن القاسم وهو خطأ انتهى وقال في الأطراف‏:‏ هكذا وقع في مسنده أي الترمذي في جميع الروايات أمية بن القاسم، وهو خطأ منه أو من شيخه، والصواب القاسم بن أمية الحذاء العبدي ‏(‏عن وائلة بن الأسقع‏)‏ بالقاف ابن كعب الليثي، صحابي مشهور، نزل الشام وعاش إلى سنة خمس وثمانين وله مائة وخمس سنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تظهر الشماتة لأخيك‏)‏ الشماتة‏:‏ الفرح ببلية من يعاديك أو من تعاديه ‏(‏فيرحمه الله‏)‏ أي فإنك إن فعلت ذلك يرحمه الله رغماً لأنفك‏.‏ قال القاري‏:‏ فيرحمه الله بالنصب على جواب النهي‏.‏ وفي نسخة‏:‏ أي من المشكاة بالرفع وهو الملائم لمراعاة السجع في عطف قوله ويبتليك ‏(‏ويبتليك‏)‏ حيث ذكيت نفسك ورفعت منزلتك عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب، في ترجمة القاسم بن أمية‏:‏ وذكره ابن حبان في الضعفاء، وقال يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة ثم ساق له هذا الحديث يعني حديث لا تظهر الشماتة وقال لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال، وشهادة أبي زرعة وأبي حاتم له أنه صدوق أولى من تضعيف ابن حبان له انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومكحول قد سمع من واثلة بن الاسقع الخ‏)‏ أي مكحول المذكور في الإسناد، وهو أبو عبد الله الشامي، قد سمع من واثلة بن الأسقع الخ ‏(‏ومكحول الشامي يكنى أبا عبد الله‏)‏ هذه العبارة بظاهرها توهم أن مكحولا الشامي غير مكحول المذكور وليس كذلك، بل مكحول المذكور هو الشامي المكنى بأبي عبد الله فكان للترمذي أن يقول وهو مكحول الشامي ويكنى أبا عبد الله ‏(‏ومكحول الأزدي بصري‏)‏ مكحول الأزدي هذا غير مكحول الشامي المذكور ذكر ههنا ليتميز ذا عن هذا‏.‏ قال في التقريب‏:‏ مكحول اللأزدي البصري أبو عبد الله صدوق من الرابعة ‏(‏سمع من عبد الله بن عمرو‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة بالواو والمذكور في تهذيب التهذيب والخلاصة‏:‏ أنه روى عن ابن عمر بغير الواو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن تميم بن عطية‏)‏ كذا في بعض النسخ ووقع في النسخة الأحمدية عن تميم عن عطية بلفظ عن مكان بن وهو غلط‏.‏ قال في التقريب‏:‏ تميم بن عطية العنسي الشامي صدوق يهم من السابعة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن مكحول وفضالة بن دينار وعمير بن هانئ وغيرهم وعنه إسماعيل بن عياش وغيره‏.‏ روى له الترمذي أثراً موقوفاً عليه انتهى‏.‏ قلت‏:‏ هو هذا الأثر ‏(‏قال كثيراً ما كنت أسمع مكحولا يسأل‏)‏ بصيغة المجهول أي يسأله الناس عن مسائل ‏(‏فيقول ندانم‏)‏ أي لا أدري وهذه الكلمة فارسية وكان مكحول أعجمياً‏:‏ ويقال كان اسم أبيه سهراب‏.‏ وقال ابن سعد‏:‏ قال بعض أهل العلم كان مكحول من أهل كابل كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

1586- باب

2555- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن عَليّ بنِ الأقْمَرِ عن أَبي حُذَيْفَةَ، عن عائشةَ قالت‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما أُحِبّ أَنّي حَكَيْتُ أَحَداً وإنّ لِي كذا وكذا‏"‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2556- حدثنا محمّدُ بنُ بَشَارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ و عبدُ الرحمَنِ قالا أخبرنا سُفْيَانُ عن عَليّ بنِ الأَقْمَرِ عن أَبي حُذَيْفَةَ، وكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ، عن عائشةَ قالت‏:‏ حَكَيْتُ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم رجُلاً فقال‏:‏ ‏"‏ما يَسُرّنِي أَنّي حَكَيْتُ رَجُلاً وإنّ لِي كذا وكذا‏.‏ قالت فقلت‏:‏ يا رسول الله، إِنّ صَفِيّةَ امْرَأَةُ وقالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كأنها تَعْنِي قَصِيرَةً، فقال‏:‏ لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مُزِجَ بِهَا مَاءُ البَحْرِ لَمُزِجَ‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن الأقمر‏)‏ بن عمرو الهمداني الوادعي بكسر الدال المهملة وبالعين المهملة، كتبته أبو الوازع، كوفي ثقة من الرابعة ‏(‏عن أبي حذيفة‏)‏ اسمه سلمة بن صهيب، ويقال ابن صهيبة، ويقال غير ذلك، الأرحبي بحاء مهملة ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أحب أني حكيت أحداً‏)‏ أي فعلت مثل فعله، يقال حكاه وحاكاه وأكثر ما يستعمل في القبيح المحاكاة كذا في النهاية ‏(‏وأن لي كذا وكذا‏)‏ قال الطيبي‏:‏ جملة حالية واردة عن التتميم والمبالغة أي ما أحب أن أحاكي أحداً ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا‏.‏ قال القاري‏:‏ وفيه أن الأصول المعتمدة على فتح أن، والظاهر أنه معطوف على ما سبق من قوله أني، والمعنى أني ما أحب الجمع بين المحاكاة وحصول كذا وكذا من الدنيا وما فيها بسبب المحاكاة فإنها امر مذموم‏.‏ قال النووي‏:‏ ومن الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجاً أو مطأطئ رأسه أو غير ذلك من الهيآت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏وعبد الرحمن‏)‏ هو ابن مهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت بيدها‏)‏ أي أشارت بها ‏(‏تعني قصيرة‏)‏ أي تريد عائشة كونها قصيرة وفي المشكاة قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة ‏(‏لقد مزجت بكلمة‏)‏ أي أعمالك ‏(‏لو مزج‏)‏ بصيغة المجهول أي لو خلط ‏(‏بها أي‏)‏ على تقدير تجميدها وكونها مائعة ‏(‏المزج‏)‏ بصيغة المجهول أيضاً والمعنى تغير وصار مغلوباً‏:‏ وفي المشكاة‏:‏ لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته‏.‏ قال القاري‏:‏ أي غلبته وغيرته‏.‏ قال القاضي‏:‏ المزج الخلط والتعبير بضم غيره إليه‏.‏ والمعنى أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله، مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمال نزرة خلطت بها‏.‏

1587- باب

2557- حَدّثنا أَبُو مُوسَى محمّدُ بنُ المُثَنّى، حدثنا ابنُ أَبي عَدِيٍ عن شُعْبَةَ عن سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عن يَحْيَى بنِ وَثّابٍ عن شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ارَاهُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِنّ المُسْلِمَ إِذَا كَاَنَ يُخَالِطُ النّاسَ وَيَصْبُر عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ المُسْلِمِ الّذِي لا يُخَالِطُ النّاسَ ولا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ قال ابنُ أَبي عَدِيٍ‏:‏ كان شُعْبَةُ يَرَى أَنّهُ ابنُ عُمَرَ‏.‏

2558- حَدّثنا أَبُو يَحْيَى مُحمّدُ بنُ عبدِ الرّحِيمِ البَغْدَادِيّ، أَخْبَرنَا مُعَلّى بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عبدُ الله بنُ جَعْفَرٍ المَخْرمِيّ، هُوَ مِنْط وَلدِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، عن عُثْمَانَ بنِ محمّدٍ الأَخْنَسّي عن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِيّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَهَا الْحَالِقَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْه‏.‏ ومعنى قوله‏:‏ وَسُوءُ ذَاتِ الْبَيْنِ إِنَمّا يَعْنِي ‏(‏بِهِ‏)‏ الْعَدَاوَةَ وَالبَغْضاءَ‏.‏ وَقَوْلُهُ الْحَالِقَةُ يقول‏:‏ أَنّهَا تَحْلِقُ الدّينَ‏.‏

2559- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ، عن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عن سَالِم بن أَبي الْجَعْدِ عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أبي الدرداء قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصّيَامِ وَالصّلاَةِ وَالصّدَقَةِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى‏.‏ قال‏:‏ صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ ويُرْوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدينَ‏"‏‏.‏

2560- حدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍ عن حَرْبِ بنِ شَدّادٍ عن يَحْيَى بنِ أَبي كَثيرٍ عن يَعِيشَ بنِ الْوَلِيدِ أَنّ مَوْلَى الزّبَيْرِ حَدّثَهُ أَنّ الزّبَيْرَ بنَ الْعَوَامِ حَدّثَهُ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏دَبّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ‏:‏ الْحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدّينَ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنّةَ حَتّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حَتّفى تَحَابّوا، أَفَلاَ أُنْبّئُكُمْ بِمَا يُثَبّتُ ذَلِكَ لَكمْ‏:‏ أَفْشُوا السّلاَمَ بَيْنَكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث قد اختلفوا في روايته عن يحيى بن أَبي كثير فروى بعضهم عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن مَولى الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه عن الزبير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أراه‏)‏ بضم الهمزة، أي أظنه، وهو قول يحيى بن وثاب ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏يخالط الناس‏)‏ أي يساكنهم ويقيم فيهم ‏(‏ويصير على أذاهم‏)‏ أي على ما يصل إليه منهم من الأذى‏.‏ والحديث دليل لمن قال إن الخلطة أفضل من العزلة ‏(‏كان شعبة يرى‏)‏ أي يعتقد ‏(‏أنه ابن عمر‏)‏ الضمير يرجع إلى شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأمر كما رأى شعبة‏.‏ فروى ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على كذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصير على أذاهم‏.‏ كذا في بلوغ المرام‏:‏ قال الحافظ بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ وهو عند الترمذي إلا أنه لم يسم الصحابي‏.‏ قال في السبل‏:‏ في الحديث أفضلية من يخالط الناس مخالطة بأمرهم فيها بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحسن معاملتهم، فإنه أفضل من الذي يعتزلهم ولا يصير على المخالطة والأحوال تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان ولكل حال مقال‏.‏ ومن رجح العزلة فله على فضلها أدلة وقد استوفاها الغزالي في الإحياء وغيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البغدادي‏)‏ البزاز المعروف بصاعقة، ثقة حافظ من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرمي‏)‏ بسكون المعجمة وفتح الراء الحقيقة أبو محمد المدني ليس به بأس من الثامنة ‏(‏هو من ولد المسور بن مخرمة‏)‏ بضم الواو وسكون اللام أي من أولاده، والمسور بكسر الميم وسكون السين وفتح الواو له ولأبيه صحبة ‏(‏عن عثمان بن محمد‏)‏ بن المغيرة بن الأخنس الثقفي ‏(‏الأخنسي‏)‏ حجازي صدوق له أوهام من السادسة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إياكم وسوء ذات البين‏)‏ أي اتقوا منه، والمرا، بسوء ذات البين العداوة والبغضاء كما فسر به الترمذي‏.‏ وقال المناوي‏:‏ إياكم وسوء ذات البين، أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد ‏(‏فإنها‏)‏ أي الفعلة أو الخصلة المذكورة ‏(‏الحالقة‏)‏ أي تحلق الدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة‏)‏ قال الأشرف‏:‏ المراد بهذه المذكورات النوافل دون الفرائض‏.‏ قال القاري‏:‏ والله أعلم بالمراد إذ قد يتصور أن يكون الإصلاح في فساد يتفرع عليه سفك الدماء ونهب الأموال وهتك الحرم أفضل من فرائض هذه العبادات القاصرة مع إمكان قضائها على فرض تركها فهي من حقوق الله التي هي أهون عنده سبحانه من حقوق العباد فإذا كان كذلك فيصبح أن يقال هذا الجنس من العمل أفضل من هذا الجنس لكون بعض أفراده أفضل كالبشر خير من الملك، والرجل خير من المرأة ‏(‏قال صلاح ذات البين‏)‏ وفي رواية أبي داود إصلاح ذات البين‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أي أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال ألفة ومحبة واتفاق كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والله عليم بذات الصدور‏}‏ وهي مضمراتها‏.‏ ولما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين كقولهم‏:‏ اسقني ذا إناءك يريدون ما في الإناء من الشراب كذا في الكشاف في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأصلحوا ذات بينكم‏}‏ ‏(‏فإن فساد ذات البين هي الحالقة‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر، وقيل هي قطيعة الرحم والتظالم‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها، لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه‏.‏ فعلى هذا ينبغي أن يحمل الصلاة والصيام على الإطلاق، والحالقة على ما يحتاج إليه أمر الدين انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان في صحيحه وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب في باب الإصلاح بين الناس‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن الزبير بن العوام‏)‏ بن خويلد بن أسد أبا عبد الله القرشي الأسدي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دب إليكم‏)‏ بفتح الدال المهملة وتشديد الموحدة، أي سرى ومشى بخفية ‏(‏الحسد‏)‏ أي في الباطن ‏(‏والبغضاء‏)‏ أي العداوة في الظاهر ورفعهما على أنهما بيان للداء أو بدل وسميا داء لأنهما داء القلب ‏(‏وهي‏)‏ أي البغضاء وهو أقرب مبنى ومعنى أو كل واحدة منهما ‏(‏لا أقول تحلق الشعر‏)‏ أي تقطع ظاهر البدن فإنه أمر سهل ‏(‏ولكن تحلق الدين‏)‏ وضرره عظيم في الدنيا والاَخرة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أي البغضاء تذهب بالدين كالموسى تذهب بالشعر وضمير المؤنث راجع إلى البغضاء كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقوها‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة‏}‏ ولأن البغضاء أكثر تأثيراً في ثلمة الدين وإن كانت نتيجة الحسد ‏(‏لا تدخلوا الجنة‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة يحذف النون، ولعل الوجه أن النهي قد يراد به النفي كعكسه المشهور عند أهل العلم قاله القاري ‏(‏ولا تؤمنوا‏)‏ أي إيماناً كاملا ‏(‏حتى تحابوا‏)‏ بحذف أحدى التائين الفوقيتين وتشديد الموحدة، أي يحب بعضكم بعضاً ‏(‏أفلا أنبئكم بما يثبت‏)‏ من التثبيت ‏(‏ذلك‏)‏ أي التحليب ‏(‏أفشوا السلام بينكم‏)‏ أي أعلنوه وعموا به من عرفتموه وغيره، فإنه يزيل الضغائن ويورث التحابب‏.‏ والحديث في سنده مولى للزبير وهو مجهول، وأخرجه أحمد‏.‏ قال المنذري‏:‏ رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما‏.‏

1588- باب

2561- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ عن عُيَيْنَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أَبِيهِ، عن أَبي بَكْرَةَ قال‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجّلَ الله لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ في الدّنْيَا مَعَ مَا يَدّخِرُ لَهُ في الاَخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرّحِمِ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2562- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نصر، أَخْبَرنَا عبدُ الله بن المبارك عن المُثَنّى بنِ الصَبّاحِ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن جَدّهِ عبدِ الله بنِ عَمْرٍو قال‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ الله شَاكِراً صَابِراً، وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكتُبْهُ الله شَاكِراً وَلاَ صَابِراً‏:‏ مَنْ نَظَرَ في دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ، وَمَنْ نَظَرَ في دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ الله عَلَى مَا فَضّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ، كَتَبَهُ الله شَاكِراً وَصَابِراً، وَمَنْ نَظَرَ في دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ في دُنيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فوقه فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ لمْ يَكْتُبْهُ الله شَاكراً ولا صَابِراً‏"‏‏.‏

2563- حدّثنا مُوسَى بنُ حِزَامٍ الرجل الصالح، أخبرنا عَلِيّ بنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا عبدُ الله بن المبارك، أخبرنا المُثَنّى بنُ الصّبّاحِ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبِيهِ عن جَدّهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ ولم يَذْكُرْ سُوَيْدٌ بن نصر في حَدِيثِهِ عن أَبِيهِ‏.‏

2564- حدثنا أبو كريب، أخبرنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أَبي صالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ولا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ هو المعروف بابن علية ‏(‏عن عيينة‏)‏ بتحتانيتين مصغراً ‏(‏من عبد الرحمن‏)‏ بن جوشن بجيم ومعجمة مفتوحتين بينهما واو ساكنة الغطفاني بفتح المعجمة والمهملة ثم فاء صدوق من ا لسابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الرحمن بن جوشن بصري ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من ذنب‏)‏ ما نافية ومن زائدة للاستغراق ‏(‏أجدر‏)‏ أي أحرى ‏(‏أن يعجل الله‏)‏ صلة أجدر على تقدير الياء أي بتعجيله سبحانه ‏(‏لصاحبه‏)‏ أي لمرتكب الذنب ‏(‏العقوبة‏)‏ مفعول يعجل ‏(‏مع ما يدخر‏)‏ بتشديد الدال المهملة وكسر الحاء المعجمة أي مع ما يؤجل من العقوبة ‏(‏له‏)‏ أي لصاحب الذنب ‏(‏من البغي‏)‏ أي من بغي الباغي وهو الظلم أو الخروج على السلطان أو الكبرى ومن تفضيلية ‏(‏وقطيعة الرحم‏)‏ أي ومن قطع صلة ذوي الأرحام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن المثنى بن الصباح‏)‏ بالمهملة والموحدة الثقيلة اليماني الأبناوي كنيته أبو عبد الله أو أبو يحيى نزيل مكة ضعيف اختلط بآخره، وكان عابداً من كبار السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من نظر في دينه‏)‏ أي خصلة من نظر في أمر دينه من الأعمال الصالحة ‏(‏إلى من هو فوقه‏)‏ أي إلى من هو أكثر منه علماً وعبادة وقناعة ورياضة أحياء وأمواتاً ‏(‏ومن نظر في دنياه‏)‏ أي وخصلة من نظر في أمر دنياه وهذه الخصلة هي الثانية ‏(‏إلى من هو دونه‏)‏ أي إلى من هو أفقر منه وأقل منه مالا وجاهاً ‏(‏كتبه الله شاكراً‏)‏ أي للخصلة الثانية ‏(‏صابراً‏)‏ أي للخصلة السابقة ففيه لف ونشر مشوش اعتماداً على فهم ذوي العقول‏.‏ ولما كان المفهوم قد يعتبر وقد لا يعتبر ومع اعتباره المنطوق أقوى أيضاً صرح بما علم ضمناً حيث قال ‏(‏ومن نظر في دينه إلى من هو دونه‏)‏ أي في الأعمال الصالحة وأنتجه الغرور والعجب والخيلاء ‏(‏ونظر في دنياه إلى من هو فوقه‏)‏ أي من أصحاب المال والجاه وأورثه الحرص والأمل والرياء ‏(‏فأسف‏)‏ بكسر السين أي حزن ‏(‏على ما فاته منه‏)‏ أي من المال وغيره بعدم وجوده أو بحصول فقده وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم‏}‏ ‏(‏لم يكتبه الله شاكراً ولا صابراً‏)‏ لعدم صدور واحد منه بل قام بضديهما من الكفران والجزع والفزع باللسان والجنان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى بن حزام‏)‏ بزاي الترمذي أبو عمران نزيل بلخ ثقة فقيه عابد من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا علي بن إسحاق‏)‏ السلمي مولاهم المروزي أصله من ترمذ‏.‏ ثقة من العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده المثنى بن الصباح، وهو ضعيف كما عرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انظروا إلى من هو أسفل منكم‏)‏ أي في أمور الدنيا ‏(‏ولا تنظرو إلى من هو فوقكم‏)‏ فيها ‏(‏فإنه‏)‏ أي فالنظر إلى من هو أسفل لا إلى من هو فوق ‏(‏أجدر‏)‏ أي أحرى ‏(‏أن لا تزدروا‏)‏ أي بأن لا تحتقروا‏.‏ والازدراء الاحتقار فكان أصله الازتراء فأبدلت التاء بالدال ‏(‏نعمة الله عليكم‏)‏ فإن المرء إذا نظر إلى من فضل عليه في الدنيا استصغر ما عنده من نعم الله فكان سبباً لمقته، وإذا نظر للدون شكر النعمة وتواضع وحمد‏.‏ فينبغي للعبد أن لا ينظر إلى تجمل أهل الدنيا فإنه يحرك داعية الرغبة فيها ومصداقه‏:‏ ‏{‏ولا تمدن عينيك إلى ما منعتا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

1589- باب

2565- حَدّثنا بِشْرُ بنُ هِلاَلِ الْبَصْرِيّ حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سعيد الْجُريْرِيّ قال ح، وحدثنا هَارُونُ بنُ عَبْدِ الله الْبَزازُ، حدثنا سَيّارٌ، حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عن سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيّ وَالمَعْنَى وَاحِدٌ عن أَبي عُثْمَانَ عن حَنْظَلَةَ الأَسَيْدِيّ وَكَانَ مِنْ كُتّاب رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ مَرّ بأَبي بَكْرٍ وَهُوَ يَبْكى‏:‏ فَقَالَ مَالَكَ يَا حَنْظَلَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ،، نَكُونَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، يُذَكّرُنَا بالنّارِ وَالْجَنّةِ كأَنّا رَأْىَ عَيْنٍ، فَإِذَا رَجَعْنَا عافَسْنَا اْلأَزْوَاجَ والضّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيراً قال فَوَالله إنا لكَذَلِكَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقْنَا فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَالَكَ يَا حَنْظَلةُ‏؟‏‏"‏ قَالَ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسولَ الله، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكّرُنَا بِالنّارِ وَالْجَنّةِ حَتّى كَأَنّا رَأْىَ عَيْن‏:‏ فَإِذَا رَجَعْنَا عافسَنَا الأَزوَاجَ وَالضّيْعَةَ وَنَسِينَا كَثِيراً، قال‏:‏ فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الّذي تَقُومُونَ بهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ المَلائِكَةُ في مَجَالِسِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ وَفي طُرْقكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةَ سَاعَة وَسَاعَة‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

2566- حدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بن المبارك عن شُعْبَةَ، عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لاَ يُؤْمِنْ أَحَدُكُمْ حَتّى يُحِبّ لأِخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديث صحيحٌ‏.‏

2567- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ محمدِ بنِ مُوسَى، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ عن قَيْس بنِ الْحَجَاجِ، قالَ ح وحدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا أبُو الْوَلِيدِ، أخبرنا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ حدثني قَيْسُ بنُ الْحَجّاجِ، المَعْنَى وَاحِدٌ، عن حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ عن ابنِ عَبّاسٍ قال‏:‏ ‏"‏كُنْتُ خَلْفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً، فَقَالَ‏:‏ يَا غُلاَمُ، إِنّي أُعَلّمُكَ كِلمَاتٍ‏:‏ إِحْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، إِحْفَظِ الله تجِدْهُ تجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله، وَاعْلَمْ أَنّ الأُمّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، ولو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرّوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَفْلاَمُ وَجَفّتِ الصّحُف‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2568- حَدّثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، حدثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْقَطّانُ، أخْبَرَنَا المُغِيرَةُ بنُ أَبي قُرّةَ السّدُوسيّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ ‏"‏قال رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسولَ الله‏:‏ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكّلُ‏؟‏ قَالَ اعقِلْهَا وَتَوَكَلْ‏"‏ قَال عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، قال يَحْيَى وهَذَا عِنْدِي حَدِيثٌ مُنْكَرٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِطيثِ أَنَسٍ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بِنْ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْو هَذَا‏.‏

2569- حدّثنا أَبُو مُوسَى الأَنْصَارِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ، حدثنَا شُعْبَةُ عن بُرَيْدِ بنِ أَبي مَرْيَمَ عن أَبي الْحَوْرَاءِ السّعْدِيّ قال‏:‏ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بنِ عَلِيٍ مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏دَعْ مَا يَرِيُبكَ إِلَى مَالا يَرِيبُكَ، فَإِنّ الصّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنّ الكِذْبَ رِيبَةٌ‏"‏ وَفي الْحَدِيثِ قِصّةٌ، قالَ‏:‏ وَأَبُو الْحوْرَاءِ السّعْدِيّ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بنُ شَبْيَانَ قال‏:‏ وَهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2570- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، أَخْبَرنَا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرنَا شُعْبَةُ عن بُرَيْدٍ فَذَكر نَحْوَهُ‏.‏

2571- حدّثنا زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطائيّ الْبَصْرِيّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبي الْوَزِيرِ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيّ عن محمدِ بنِ عَبْدِ الرّحمنِ عن نُبَيْهٍ، عَنْ محمد بن المُنْكَدِرِ، عن جَابِرٍ قَالَ ‏"‏ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِعِبَادَةِ وَاجْتِهَادٍ، وَذُكِرَ آخَرُ بِرِعَةٍ فَقَال النبيّ صلى الله عليه وسلم لا تَعْدِلُ بالرّعَةِ‏"‏‏.‏

وعبد الله بن جعفر هو من ولد المسور بن مخرمة وهو مدني ثقة عند أهل الحديث‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن غريب لا نَعْرِفُهُ إِلا من هذا الْوَجْهِ‏.‏

2572- حدّثنا هَنّادٌ وَأَبو زُرْعَةَ وَغَيْرُ واحِدٍ، قَالُوا‏:‏ أخبرنا قَبِيصَةُ عن إِسْرَائِيلَ عن هِلاَلِ بنِ مِقْلاَصٍ الصّيْرَفِيّ عن أَبي بِشْرِ عن أَبي وَائِلٍ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيّ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ أَكَلَ طَيّباً وَعَمِلَ في سُنّةٍ وَأَمِنَ النّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنّةَ‏.‏ فقال رَجُلٌ‏:‏ يا رسولَ الله، إِنّ هَذَا الْيَوْمَ في النّاسِ لَكَثِيرٌ‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فَسَيَكُونُ في قُرُونٍ بَعْدِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ‏.‏

2573- حدّثنا عَبّاسُ بنُ محمدٍ، أَخْبَرنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، عن إِسْرائيلَ بِهذا الإِسْنَاد نحوه وسأَلت محمد بن إِسماعيل عن هذا الحديث فلم يعرفه إِلا من حديث إِسرائيل ولم يعرف اسم أَبي بشر‏.‏

‏(‏عن هِلاَلِ بنِ مِقْلاَصٍ نَحْوَ حديثِ قُبَيْصَةَ عن إِسْرائيلَ‏)‏‏.‏

2574- حدّثنا عَبّاسُ الدّورِيّ، حدثنَا عبدُ الله بنُ يَزِيدَ، حدثنَا سعيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ، عن أَبي مَرْحُومٍ عبد الرّحِيمِ بنِ مَيْمُونٍ، عن سَهَلِ بنِ مُعَاذٍ بن أنس الْجُهَنِيّ عن أَبِيهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ أَعْطَى لله وَمَنَعَ لله وَأَحَبّ لله وأَبْغَضَ لله وَأَنْكَحَ لله، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسنٌ‏.‏

2575- حدّثنا العّباسُ الدّوري حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا شيبان عن فِراس عن عطية عن أَبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أَولُ زُمرةٍ تدخل الجنة على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ والثانيةُ على لونِ احسنِ كوكبٍ دُريّ في السّماءِ لكلّ رجلٍ منهم زوجتان على كلّ زوجةٍ سبعونَ حُلةٍ يبدو مُخّ ساقِها من ورائِها‏"‏ قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن حنظلة الأسيدي‏)‏ قال النووي‏:‏ ضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة والثاني كذلك إلا أنه بإمكان الياء ولم يذكر القاضي إلا هذا‏.‏ والثاني وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم ‏(‏وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بضم الكاف وتشديد الفوقية جمع كاتب وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له الوحي وغيره قال ابن الجوزي في التلقيح تسمية من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وهو أول من كتب له وزيد بن ثابت الأنصاري ومعارية بن أبي سفيان وحنظلة بن الربيع الأسيدي وخالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي رضي الله عنهم وكان المداوم له على الكتابة له زيد ومعاوية، وكان يكتب له رجل فافتتن وتنصر انتهى ‏(‏يذكرنا‏)‏ بالتشديد أي يعظنا ‏(‏بالنار‏)‏ أي بعذابها تارة ‏(‏والجنة‏)‏ أي بنعيمها أخرى ترهيباً وترغيباً، أو يذكرنا الله بذكرهما أو بقربهما ‏(‏كأنا رأى عين‏)‏ قال القاضي‏:‏ ضبطناه رأى عين بالرفع أي كأنا بحال من يراهما بعينه، قال ويصح النصب على المصدر أي نراهما رأي عين ‏(‏عافسناه الأزواج‏)‏ بالفاء والسين المهملة قال الهراوي وغيره معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا ‏(‏والضيعة‏)‏ بالضاد المعجمة وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة ‏(‏قال نافق حنظلة‏)‏ معناه أنه خاف أنه منافق حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر والإقبال على الاَخرة، فإذا خرج اشتغل لازوجة والأولاد ومعاش الدنيا، وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر فخاف أن يكون ذلك نفاقاً فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك بل ساعة ساعة، أي ساعة كذا وساعة كذا ‏(‏ونسينا كثيراً‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ أي كثير مما ذكرتنا به أو نسياناً كثيراً كأنا ما سمعنا منك شيئاً قط، وهذا أنسب بقوله رأى عين ‏(‏لو تدومون‏)‏ أي في حال غيبتكم مني ‏(‏على الحال التي تقومون بها من عندي‏)‏ أي من صفاء القلب والخوف من الله تعالى لصافحتكم الملائكة قيل أي علانية وإلا فكون الملائكة يصافحون أهل الذكر حاصل‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ أي عياناً في سائر الأحوال ‏(‏في مجالسكم وعلى فرشكم وفي طرقكم‏)‏ قال الطيبي‏:‏ المراد الدوام ‏(‏ولكن يا حنظلة ساعة وساعة‏)‏ أي ساعة كذا وساعة كذا يعني لا يكون الرجل منافقاً بأن يكون في وقت على الجضور وفي وقت على الفتور، ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم، وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا يؤمن أحدكم‏)‏ أي إيماناً كاملاً ‏(‏حتى يحب لأخيه‏)‏ أي المسلم ‏(‏ما يحب لنفسه‏)‏ أي مثل جميع ما يحبه لنفسه‏.‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ معناه لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل إن لم يكن بهذه الصفة والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات، ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه‏.‏ قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله‏:‏ وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك، إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه‏.‏ والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئاً من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏أخبرنا أبو الوليد‏)‏ هو الطيالسي اسمه هشام بن عبد الملك ‏(‏عن حنش‏)‏ بفتح الحاء المهملة والنون الخفيفة بعدها معجمة‏.‏ قال في التقريب‏:‏ حنش بن عبد الله ويقال ابن علي بن عمرو السبتي، بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة، أبو رشدين الصنعاني، نزيل افريقية ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً‏)‏ أي رديفه ‏(‏يا غلام‏)‏ قال القاري‏:‏ بالرفع كذا في الأصول المعتمدة والنسخ المتعددة يعني من المشكاة والظاهر كسر الميم بناء على أن أصله يا غلامي بفتح الياء وسكونهما، ثم بعد حذفها تخفيفاً اكتفى بكسر ما قبلها ‏(‏احفظ الله‏)‏ أي في أمره ونهيه ‏(‏يحفظك‏)‏ أي يحفظك في الدنيا من الاَفات والمكروهات، وفي العقبى من أنواع العقاب والدركات ‏(‏احفظ الله تجده تجاهك‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي راع حق الله وتحر رضاه تجده تجاهك أي مقابلك وحذائك والتاء بدل من الواو كما في تقاة وتخمة، أي احفظ حق الله تعالى حتى يحفظك الله من مكاره الدنيا والاَخرة ‏(‏إذا سألت‏)‏ أي أردت السؤال ‏(‏فاسأل الله‏)‏ أي وحده لأن غيره قادر على الإعطاء والمنع ودفع الضرر وجلب النفع ‏(‏وإذا استعنت‏)‏ أي أردت الاستعانة في الطاعة وغيرها من أمور الدنيا والاَخرة ‏(‏فاستعن بالله‏)‏ فإنه المستعان وعليه التكلان ‏(‏رفعت الأفلام وجفت الصحف‏)‏ أي كتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر، فعبر عن سبق القضاء والقدر برفع القلم وجفاف الصحيفة تشبيهاً بفراغ الكاتب في الشاهد من كتابته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المغيرة بن أبي قرة السدوسي‏)‏ قال في التقريب‏:‏ مستورة من الخامسة، قال في تهذيب التهذيب‏:‏ وثقة ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعقلها‏)‏ بصيغة المتكلم وحرف الاستفهام محذوف قال في القاموس‏:‏ عقل البعير شد وظيفه إلى ذراعه كعقله واعتقله انتهى ‏(‏وأتوكل‏)‏ أي على الله بعد العقل ‏(‏أو أطلقها‏)‏ أي أرسها ‏(‏وأتوكل‏)‏ أي على الله بعد الإرسال ‏(‏قال اعقلها‏)‏ قال المناوي‏:‏ أي شد ركبة ناقتك مع ذراعيها بحبل ‏(‏وتوكل‏)‏ أي اعتمد على الله، وذلك لأن عقلها لا ينافي التوكل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان ‏(‏وهذا عندي حديث منكر‏)‏ لعل كونه منكراً عنده لأجل المغيرة بن أبي قرة قال ابن القطان لا يعرف حاله، وقال غيره كان كاتب يزيد بن المهلب وفتح معه حرجان في أيام سليمان بن عبد الملك، كذا في تهذيب التهذيب ‏(‏وقد روى عن عمرو بن أميه الضمري‏)‏ صحابي مشهور‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو موسى الأنصاري‏)‏ الظاهر أنه هو إسحاق بن موسى الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دع‏)‏ أي اترك ‏(‏ما يريبك‏)‏ بفتح الياء وضمها، والفتح أشهر، والريب الشك وقيل هو الشك مع التهمة ‏(‏إلى ما لا يريبك‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ أي اترك ما اعترض لك من الشك فيه منقلباً عنه إلى مالا شك فيه، يقال دع ذلك إلى ذلك استبدله به انتهى‏.‏ والمعنى اترك ما تشك فيه من الأقوال والأعمال أنه منهي عنه أولا أو سنة بدعة واعدل إلى مالا تشك فيه منهما والمقصود أن يبني المكلف أمره على اليقين البحث والتحقيق الصرف ويكون على بصيرة في دينه ‏(‏فإن الصدق طمأنينة‏)‏ بكسر همزة وسكون طاء وبعد ألف ونون مكسورة فتحتية فنون مفتوحة‏.‏ وفي المشكاة طمأنينة أي إن الصدق يطمئن إليه القلب ويسكن ‏(‏وإن الكذب ريبة‏)‏ بكسر الراء، وحقيقتها قلق النفس واضطرابها، فإن كون الأمر مشكوكاً فيه مما يقلق له النفس وكونه صحيحاً صادقاً مما تطمئن له ‏(‏وفي الحديث قصة‏)‏ روى أحد هذا الحديث في مسنده مع القصة عن أبي الحوراء، قال قلت للحسن بن علي‏:‏ ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في ضي، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فالقاها في التمر، فقال له رجي‏:‏ ما عليك أكل هذه التمرة‏؟‏ قال‏:‏ إنا لا نأكل الصدقة قال وكان يقول‏:‏ دع ما يريبك إلى مالا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة‏.‏ قال وكان يعلمنا هذا الدعاء‏:‏ اللهم اهدني فيمن هديت الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم ‏(‏وأبو الحوراء‏)‏ بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الراء ممدوداً ‏(‏واسمه ربيعة بن شيبان‏)‏ البصري ثقة من الثالثة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن عبد الرحمن بن نبيه‏)‏ بنون وموحدة مصغراً، مجهول من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعبادة واجتهاد‏)‏ أي في العبادة ‏(‏برعة‏)‏ بكسر الراء، أي بورع ‏(‏لا يعدل‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏بالرعة‏)‏ في المصباح ورع عن المحارم يرع بكسرتين ورعاً بفتحتين‏:‏ أي كثير الورع‏.‏ أي لا يعدل بكثرة الورع خصلة غيرهما من خصال الخير بل الورع أعظم فضلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده محمد بن عبد الرحمن بن نبيه، وهو مجهول كما عرفت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأبو زرعة‏)‏ اسمه عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا قبيصة‏)‏ هو ابن عقبة ‏(‏عن هلال بن مقلاص الصيرفي‏)‏ ويقال هلال بن أبي حميد أو ابن حميد أو ابن عبد الله الجهني مولاهم الوزان الكوفي ثقة من السادسة ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ قال الحافظ‏:‏ أبو بشر صاحب أبي وائل مجهول من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أكل طيباً‏)‏ بفتح فتشديد أي حلالا ‏(‏وعمل في سنة‏)‏ أي في موافقة سنة نكرها لأن كل عمل يفتقر إلى معرفة سنة وردت فيه ‏(‏وأمن الناس بوائقه‏)‏ أي دواهيه، والمراد الشرور كالظلم والغش والإيذاء ‏(‏دخل الجنة‏)‏ أي من اتصف بذلك استحق دخولها بغير عذاب أو مع السابقين، وإلا فمن لم يعمل بالسنة ومات مسلماً يدخلها وإن عذب ‏(‏إن هذا‏)‏ أي الرجل الموصوف المذكور ‏(‏اليوم‏)‏ ظرف مقدم لخبر إن ‏(‏كثير‏)‏ أي فما حال الاستقبال ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فسيكون‏)‏ أي هم كثيرون اليوم وسيوجد من يكون بهذه الصفة ‏(‏في قرون بعدي‏)‏ جمع قرن والمراد بالقرن هنا أهل العصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثناعباس بن محمد‏)‏ هو الدوري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا العباس الدوري‏)‏ هو ابن محمد ‏(‏حدثنا عبد الله بن يزيد‏)‏ المكي أبو عبد الرحمن المقري ‏(‏من أعطى لله‏)‏ لا لغرض سواه ‏(‏ومنع لله وأحب لله الخ‏)‏ وكذلك سائر الأعمال فتكلم لله وسكت لله وأكل لله وشرب لله كقوله تعالى حاكياً‏:‏ ‏{‏إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين‏}‏‏.‏ ‏(‏فقد استكمل إيمانه‏)‏ أي أكمل إيمانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث منكر‏)‏ وفي بعض النسخ هذا حديث حسن قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه أحمد والترمذي وقال حديث منكر والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي وغيرهما انتهى‏.‏

قلت‏:‏ لم يظهر لي وجه كون هذا الحديث منكراً ورواه أبو داود عن أبي أمامة وفي سنده القاسم بن عبد الرحمن الشامي‏.‏ قال المنذري وقد تكلم فيه غير واحد