فصل: 39- كتاب صفة جهنم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


39- كتاب صفة جهنم

قال النووي‏:‏ جهنم اسم لنار الاَخرة قال يونس وأكثر النحويين‏:‏ هي عجمية لا تنصرف للعجمة والتعريف‏.‏ وقال آخرون‏:‏ هي عربية لم تصرف بالتأنيث والعلمية وسميت بذلك لبعد قعرها‏.‏ قال روبة يقال بئر أي بعيدة القعر‏.‏ وقيل مشتقة من الجهومة وهي الغلظ، يقال جهنم الوجه أي غليظة فسميت جهنم لغلظ أمرها انتهى‏.‏

1614- باب ما جاءَ في صِفَةِ النّار

2632- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أَخبرنَا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، حدثنا أَبِي عن العَلاَءِ بنِ خَالِدٍ الكَاهِلِيّ، عن شَقِيقٍ بن سَلَمَةَ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يُؤْتَى بِجَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرّونَهَا‏"‏ قَالَ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَالثّوْرِيّ لاَ يَرْفَعُهُ‏.‏

- حدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَرَ وأَبُو عَامِرٍ العَقْدِيّ عَنْ سُفْيَانَ عن العَلاَءِ بنِ خَالِدٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعُهُ‏.‏

2633- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمحِيّ، أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ، عن الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَها عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنّي‏:‏ وُكّلْتُ بِثَلاَثَةٍ‏:‏ بِكُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلّ مَنْ دَعَا مَعَ الله إِلَهَاً آخَرَ، وَبِالمُصَوّرِينَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبِي سعيد‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حس غريبٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن عطية عن أَبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا‏.‏ وروى أشعث بن سوار عن عطية عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمر بن حفص بن غياث‏)‏ بكسر المعجمة واخره مثلثة، ابن الطلق الكوفي ثقة ربما وهم من العاشرة ‏(‏عن العلاء بن خالد‏)‏ الأسدي الكاهلي صدوق من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يؤتى بجهنم‏)‏ الباء للتعدية أي يؤتى بها من المكان الذي خلقها الله تعالى فيه، ويدل عليه قوله تعالى فيه ‏{‏وجيء يومئذ بجهنم‏}‏ ‏(‏يومئذ‏)‏ أي يوم القيامة ‏(‏لها سبعون ألف زمام‏)‏ بكسر الزاي وهو ما يشد به‏.‏ وقال في المجمع‏:‏ الزمام ما يجعل في أنف البعير دقيقاً، وقيل ما يشد به رؤوسها من حبل وسير انتهى ‏(‏يجرونها‏)‏ بتشديد الراء أي يسحبونها‏.‏ قال في اللمعات‏:‏ لعل جهنم يؤتى بها في الموقف ليراها الناس ترهيباً لهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن عبد الرحمن والثوري لا يرفعه‏)‏ حديث حفص بن غياث عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله بن مسعود المرفوع، أخرجه مسلم‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال رفعه وهم رواه الثوري ومروان وغيرهما عن العلاء بن خالد موقوفاً، قال وحفص ثقة حافظ إمام، فزيادة الرفع مقبولة كما سبق نقله عن الأكثرين والمحققين انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يخرج عنق من النار‏)‏ قال في القاموس‏:‏ العنق بالضم وبضمتين وكأمير وكصرد الجيد ويؤنث والجماعة من الناس‏.‏ وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ العنق بضم العين والنون أي طائفة وجانب من النار‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ أي طائفة منها، ومن بيانية‏.‏ قال القاري‏:‏ والأظهر أنها تتعلق بقوله يخرج كما أن قوله‏:‏ ‏(‏يوم القيامة‏)‏ ظرف له‏.‏ قال والظاهر أن المراد بالعنق الجيد على ما هو المعروف في اللغة إذ لا صارف عن ظاهره‏.‏ والمعنى أنه تخرج قطعة من النار على هيئة الرقبة الطويلة انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر عندي كما قال القاري والله تعالى أعلم ‏(‏يقول‏)‏ بصيغة التذكير وهو يدل من ينطق أو حال ‏(‏وإني وكلت بثلاثة‏)‏ أي وكلني الله بأن أدخل هؤلاء الثلاثة النار وأعذبهم بالفضيحة على رؤوس الأشهاد ‏(‏بكل جبار عنيد‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الجبار هو المتمرد العاتي، والعنيد الجائر عن القصد، الباغي الذي يرد الحق مع العلم به‏.‏

1615- باب ما جاءَ في صِفَةِ قَعْرِ جَهَنّم

2634- حَدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍ الجُعْفِيّ عن فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، عن هِشَامٍ بنِ حَسّانَ، عن الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ قالَ عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ عَلَى مِنْبَرِنَا هذا مِنْبَرِ البَصْرَةِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ الصّخْرَةَ العَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنّمَ فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَاماً مَا تُفضِي إِلَى قَرَارِهَا‏.‏ قالَ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ أَكْثِرُوا ذِكْرَ النّارِ، فَإِنّ حَرّهَا شَدِيدٌ، وَإِنّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ، وَإِنّ مَقَامِعهَا حَدِيدٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ لا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعاً من عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ، وَأَنّمَا قَدِمَ عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ البَصْرَةَ في زَمَنِ عُمَرَ، وَوُلِدَ الْحَسَنُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةَ عُمَرَ‏"‏‏.‏

2635- حدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدِ، حدثنا الحَسَنُ بنُ مُوسَى، عن ابنِ لَهِيعَةَ عن دَرّاجِ عن أَبِي الهَيْثَمِ، عن أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الصّعُودُ جَبَلٌ مِن نَارٍ يُتَصَعّدُ فِيِه الكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفَاً ويَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ منه أَبَداً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاَ من حديثِ ابنِ لَهِيعَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن فضيل بن عياض‏)‏ ابن مسعود التميمي أبي علي الزاهد المشهور أصله من خراسان وسكن مكة، ثقة عابد إمام من الثامنة، قاله الحافظ في التقريب‏:‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال أبو عماد الحسين بن حريث سمعت الفضل بن موسى يقول كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقى الجدران إليها إذ سمع تالياً يتلو ‏{‏ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله‏}‏ فلما سمعها قال بلى يا رب قد آن فرجع فأواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة فقال بعضهم نرتحل وقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال ففكرت قلت أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين يخافونني ههنا وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع‏.‏ اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام‏.‏ وقال ابن سعد‏:‏ كان ثقة نبيلا فاضلا عابداً ورعاً كثير الحديث انتهى ‏(‏قال عتبة‏)‏ بضم العين المهملة فمثناة فوقية ساكنة ‏(‏بن غزوان‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الزاي ابن جابر المازني، حليف بني عبد شمس، صحابي جليل مهاجري بدري، وهو أول من اختلط البصرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الصخرة‏)‏ بسكون الخاء وتفتح الحجر العظيم الصلب، كذا في القاموس‏.‏ فقوله‏:‏ ‏(‏العظيمة‏)‏ دل به على شدة عظمها ‏(‏لتلقى‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏من شفير جهنم‏)‏ أي جانبها وحرفها ‏(‏فتهوي‏)‏ أي تسقط ‏(‏ما تفضى‏)‏ من الإفضاء أي ما تصل ‏(‏إلى قرارها‏)‏ أي إلى قعرها أراد به وصف عمقها بأنه لا يكاد يتناهى، فالسبعين للتكثير ‏(‏قال وكاد عمر يقول‏)‏ ضمير قال يرجع إلى عتبة بن غزوان ‏(‏أكثروا ذكر النار‏)‏ أي نار جهنم ‏(‏وإن مقامعها حديد‏)‏ المقامع سياط من حديث رؤؤسها معوجة واحدها مقمعة بالكسر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نعرف للحسن سماعاً عن عتبة بن غزوان إلخ‏)‏ فالحديث منقطع‏.‏ قال المنذري في الترغيب في فصل‏:‏ وبعد قعر جهنم عن خالد بن عمير قال‏:‏ خطب عتبة ابن غزوان رضي الله عنه فقال إنه ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً والله لتملأنه أفعجبتم‏.‏ رواه مسلم هكذا، ورواه الترمذي عن الحسن قال‏:‏ قال عتبة بن غزوان‏:‏ وذكر الحديث‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الصعود‏)‏ أي المذكور في قوله تعالى ‏{‏سأرهقه صعوداً‏}‏ يتصعد فيه الكافر ‏(‏قال القاري‏)‏‏:‏ بصيغة المجهول أي يكلف الكافر ارتقاءه، وفي نسخة يعني من المشكاة بفتح أوله أي يطلع في ذلك الجبل ‏(‏سبعين خريفاً‏)‏ أي مدة سبعين عاماً ‏(‏ويهوي فيه‏)‏ بصيغة المجهول أي يكلف ذلك الكافر بسقوطه فيه، وفي نسخة من المشكاة بفتح الياء وكسر الواو أي ينزل على ما قال القاري ‏(‏كذلك‏)‏ أي سبعين خريفاً ‏(‏أبداً‏)‏ قيد للفعلين أي يكون دائماً في الصعود والهبوط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ رواه الترمذي هكذا مختصراً ورواه غيره مطولا‏.‏ ففي الترغيب عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله‏:‏ ‏{‏سأرهقه صعوداً‏}‏ قال جبل من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده عليه ذابت فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله عليه ذابت فإذا رفعها عادت، يصعد سبعين خريفاً ثم يهوي‏.‏ كذلك رواه أحمد والحاكم من طريق دراج وقال صحيح الإسناد ‏(‏لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث ابن لهيعة‏)‏ قال المندري‏:‏ رواه الحاكم مرفوعاً كما تقدم من حديث عمر بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عنه، ورواه البهيقي عن شريك عن عمار الذهبي عن عطية العوفي عنه مرفوعاً أيضاً‏.‏ ومن حديث إسرائيل وسفيان كلاهما عن عمار عن عطية عنه موقوفاً بنحوه بزيادة انتهى وحديث أبي سعيد، هذا أخرجه الترمذي أيضاً في تفسير سورة المدثر‏.‏

1616- باب ما جَاءَ في عِظَمِ أَهْلِ النّار

2636- حَدّثنا عَبّاسُ بنُ محمّدٍ الدّوْرِيّ، حدثنا عُبَيْدُ الله بن مُوسَى، أخبرنا شَيْبَانُ عنْ الاعْمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ غِلَظَ جِلْدِ الكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعِونَ ذِرَاعاً، وَإِنّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَإِنّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنّمَ كما بَيْنَ مَكّةَ وَالمَدِينَةِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ‏.‏

2637- حدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عَمّارِ، حدثني جَدّي مُحمّدُ بنُ عَمّارٍ وَصَالِحٌ مَوْلَى التَوْأَمَةِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ضِرْسُ الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَارِ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ مِثْلُ الرّبَذَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ ومِثلُ الرّبَذَةِ كَمَا بَيْنَ المَدِينَةِ وَالرّبَذَةِ‏.‏ وَالبَيْضَاءُ حَبَلٌ مثل أُحُدٍ‏.‏

2638- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرنَا مُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، عن فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ عن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قالَ‏:‏ ‏"‏ضِرْسُ الكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ الأَشْجَعِيّ واسْمُهُ سَلْمانُ مَوْلَى عَزّةَ الأَشْجَعِيّةَ‏.‏

2639- حدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عن الفَضْلِ بنِ يَزِيدَ عن أَبِي المُخَارِقِ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الكَافِرَ لَيَسْحَبُ لِسَانَهُ الفَرْسَخَ وَالفَرْسَخَيْنِ يتوطؤه النّاسُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ إِنمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَالفَضْلُ بنُ يَزِيدَ كَوفِيٌ قَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الأَئّمَةِ‏.‏ وَأَبُو المُخَارِقِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن عمار‏)‏ بن حفص بن عمر بن سعد، القرظي المدني، المؤذن الملقب كشاكش لا بأس به من السابعة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن جده لأن محمد بن عمار بن سعد القرظ وغيره وعنه علي بن حجر وغيره انتهى‏.‏ ‏(‏حدثني جدي محمد بن عمار‏)‏ بن سعد القرظ وثقة ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضرس الكافر‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الضرس بالكسر السن، وقال في المجمع الأضراس الأسنان سوى الثنايا الأربعة ‏(‏مثل أحد‏)‏ بضمتين أي مثل جبل أحد في المقدار ‏(‏وفخذه‏)‏ الفخذ ككنف ما بين الساق والورك مؤنث كالفخذ ويكسر أي فخذ الكافر ‏(‏مثل البيضاء‏)‏ هو اسم جبل كما صرح به الترمذي، أي يزاد في أعضاء زيادة في تعذيبه بزيادة المماسة للنار ‏(‏ومقعده‏)‏ أي موضع قعوده ‏(‏من النار‏)‏ أي فيها كما في رواية ‏(‏مسيرة ثلاث‏)‏ أي ثلاث ليال ‏(‏مثل الربذة‏)‏ بفتح الراء والموحدة والذل المعجمة قرية معروفة قرب المدينة أي مثل بعد الربذة من المدينة أو مثل مسافتها إليها فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث وهو في المدينة، ويؤيده ما رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ إن مقعده في النار ما بيني وبين الربذة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد ولفظه قال‏:‏ ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار كما بين قديدومكة، وكثافة جلدهم اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار‏.‏ قال المنذري‏:‏ الجبار ملك باليمن له ذراع معروف المقدار‏.‏ كذا قال ابن حبان وغيره، وقيل ملك بالعجم انتهى‏.‏

وأخرجه مسلم ولفظه قال‏:‏ ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا مصعب بن المقدام‏)‏ الخشعمي مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، صدوق له أوهام من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم بزيادة وغلظ جلده مسيرة ثلاث كما عرفت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا علي بن مسهر‏)‏ بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل ثقة من الثامنة ‏(‏عن الفضل بن يزيد‏)‏ الثمالي ويقال البجلي الكوفي صدوق من السادسة ‏(‏عن أبي المخارق‏)‏ قال في الخلاصة‏:‏ أبو مخارق عن ابن عمرو عنه الفضل الثمالي مجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الكافر ليسحب‏)‏ بلفظ المضارع المعلوم‏.‏ قال في القاموس‏:‏ سحبه كمنعه جره على وجه الأرض انتهى ‏(‏يتوطأه الناس‏)‏ أي يطؤه أهل الموقف بأقدامهم ويمشون عليه من وطئه بالكسر يطأه ذاسه، كوطأه وتوطأه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أحمد ‏(‏وأبو المخارق ليس بمعروف‏)‏ وقال الخزرجي‏:‏ إنه مجهول كما عرفت‏.‏

تنبيه‏:‏

علم أن الترمذي روى هذا الحديث من طريق الفضل بن يزيد، عن أبي المخارق عن ابن عمر‏.‏ وقال هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه الخ‏.‏ وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ رواه الفضل بن يزيد عن أبي العجلان قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال‏:‏ ‏"‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الكافر ليجر لسانه فرسخين يوم القيامة يتوطأه الناس‏"‏ أخرجه البيهقي وغيره وهو الصواب‏.‏ وقول الترمذي أبو المخارق ليس بمعروف وهم‏.‏ إنما هو أبو العجلان المحاربي ذكره البخاري في الكنى‏.‏ وقال أبو بكر سريع الحفظ ليس له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد إلا هذا الحديث انتهى‏.‏ وقال الذهبي في الميزان‏:‏ أبو المخارق عن ابن عمر لا يعرف، روى عنه الفضل بن يزيد الثمالي‏.‏ قال الترمذي‏:‏ ليس بمعروف، والصواب بدله عن أبي عجلان انتهى‏.‏ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب، أبو المخارق الكوفي عن ابن عمران‏:‏ إن الكافر ليجر لسانه، وعنه الفضل بن يزيد الثمالي، صوابه أبو العجلان المحاربي انتهى‏.‏ ثم اعلم أن رواية الترمذي هذه صريحة في أن هذا الحديث من مسندات ابن عمر بغير الواو، ورواية البيهقي التي نقلها المنذري صريحة في أنه من مسندات عبد الله بن عمرو بن العاص فتفكر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن غلظ جلد الكافر‏)‏ أي ذرع ثخانته ‏(‏اثنتان وأربعون‏)‏ وفي بعض النسخ اثنان وأربعين قيل الواو بمعنى مع ‏(‏ذراعاً‏)‏ في القاموس‏:‏ الذراع بالكسر من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، وذرع الثوب كمنع قاسه بها ‏(‏وإن ضرسه مثل أحد‏)‏ أي مثل مقدار جبل أحد ‏(‏وإن مجلسه‏)‏ أي موضع جلوسه ‏(‏من جهنم‏)‏ أي فيها ‏(‏ما بين مكة والمدينة‏)‏ أي مقدار ما بينهما من المسافة‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه، وهو مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه قال‏:‏ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار وضرسه مثل أحد‏.‏ ورواه الحاكم وصححه وهو رواية لأحمد بإسناد جيد قال‏:‏ ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعاً وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة‏.‏ قال أبو هريرة وكان يقال بطنه مثل بطن أضم انتهى‏.‏

1617- باب ما جَاءَ في صِفَةِ شَرَابِ أَهْلِ النّار

2640- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عن عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ عن دَرّاجٍ عن أَبِي الهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏كَالمُهْلِ‏}‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَعَكَرِ الزّيْتِ، فَإِذَا قَرّبَهُ إِلَى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيِه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ منْ حديثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ ورِشَدِينُ قَدْ تُكُلّمَ فِيِه مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏

2641- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السّمْحِ عن ابنِ حُجَيْرَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ الْحَمِيمَ لَيُصَبّ على رُؤوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتَ مَا في جَوْفِهِ حَتّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصّهْرُ، ثُمّ يُعَادُ كَمَا كَانَ‏"‏ وسعيد بن يزيد يُكَنّى أبا شجاع وهو مصري وقد رَوَى عنه الليث بن سعد وَابنُ حُجَيْرَةَ هُوَ عَبْدُ الرّحْمنِ بنُ حُجَيْرَةَ المِصْريّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

2642- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عن عُبَيْدِ الله بنِ بُسْرٍ، عن أَبِي أُمَامَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ ‏{‏وَيُسْقَى مِنْ مَاءِ صَدِيدِ يَتَجَرّعُهُ‏}‏ قَالَ يُقَرّبُ إِلَى فِيِه فَيَكْرَهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَفتُ فَرْوَةُ رَأُسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ حَتّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ‏.‏ يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطّعَ أَمْعَاءَهُمْ‏}‏، وَيَقُول‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئسَ الشّرَابُ وَسَاءَتُ مُرْتَفَقَاً‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ وَهَكَذَا قالَ مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ عن عُبَيْدِ الله بنِ بُسْرٍ، وَلاَ يُعْرَفُ عُبَيْدُ الله بنُ بُسْرٍ إِلاّ في هَذَا الحَدِيثِ‏.‏ وَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو عن عَبْدِ الله بنِ بُسْرِ صَاحِبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏ وَعَبْدُ الله بنُ بُسْرٍ لَهُ أَخٌ قَدْ سَمِعَ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَأَخْتُهُ قَدْ سَمِعَتْ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَعُبَيْدُ الله بنُ بُسْرٍ الّذِي رَوَى عَنْهُ صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو هذا الحديث رجل آخر ليس بصَاحِبٍ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ لَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ أَخَا عَبْدِ الله ابنِ بُسْرٍ‏.‏

2643- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المبارك، أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ، حدثني عَمْرُوٍ بنُ الحَارِثِ، عن دَرَاجٍ، عن أَبِي الهَيْثَمِ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏‏{‏كَالْمُهْلِ‏}‏ كَعَكَرِ الزّيْتِ فَإِذَا قُرّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيِه‏"‏ وبِهَذَا الإِسْنَاد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لَسُرَادِقُ النّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلّ جِدَارٍ مثل مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ‏"‏ وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لَوْ أَنّ دَلْواً مِنْ غَسّاقٍ يُهَرَاقُ في الدّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلُ الدّنْيَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ من حديثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ‏.‏ وَفي رِشْدِينَ ابنِ سَعْدٍ مَقَالٌ وقد تُكُلِمَ فيه من قِبَلِ حفظه ومعنى قوله‏:‏ كِثفُ كُل جِدَارٍ‏:‏ يعني غِلْظهُ‏.‏

2644- حدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرنَا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ عن الأعْمَشِ عن مُجَاهِدِ عن ابنِ عَبَاسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الاَيَةَ‏:‏ ‏{‏اتَقوا الله حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ أَنّ قَطْرَةً مِنَ الزّقُومِ قُطِرَتْ في دَارِ الدّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى اهْلِ الدّنْيَا مَعَايِشَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏في قوله كالمهل‏)‏ أي في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه‏}‏ ‏(‏كعكر الزيت‏)‏ بفتح العين والكاف أي دردية‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ أي الدون منه والدنس ‏(‏فإذا قربه‏)‏ أي العلمي ‏(‏سقطت فروة وجهه‏)‏ أي جلدته وبشرته ‏(‏فيه‏)‏ أي في المهل‏.‏ وفي النهاية‏:‏ فروة وجهه أي جلدته، والأصل فيه فروة الرأس، وهي جلدته بما عليها من الشعر، فاستعارها من الرأس وللوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه أحمد والترمذي من طريق رشدين ابن سعد عن عمرو بن الحرث عن دراج عن أبي الهيثم‏.‏ وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث رشدين‏.‏ قال قد رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن دراج، وقال الحاكم صحيح الإسناد انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سعيد بن يزيد‏)‏ الحميري القتياني أبو شجاع الإسكندراني ثقة عابد من السابعة ‏(‏عن أبي السمح‏)‏ هو دراج بن سمعان ‏(‏عن ابن حجيرة‏)‏ هو عبد الرحمن بن حجيرة بمهملة وجيم مصغراً المصري القاضي، وهو ابن حجيرة الأكبر ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الحميم‏)‏ أي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يصب من فرق رؤوسهم الحميم‏}‏ المفسر بالماء البالغ نهاية الحر ‏(‏فينفذ الحميم‏)‏ بضم الفاء من النفوذ وهو التأثير والدخول في الشيء، أي يدخل أثر حرارته من رأسه إلى باطنه ‏(‏حتى يخلص‏)‏ بضم اللام أي يصل ‏(‏إلى جوفه‏)‏ أي إلى بطنه ‏(‏فيسلت‏)‏ بضم اللام وكسرها من سلت القصعة إذا مسحها من الطعام فيذهب، وأصل السلت القطع، فالمعنى فيمسح ويقطع الحميم ‏(‏ما في جوفه‏)‏ أي من الأمعاء ‏(‏يمرق‏)‏ بضم الراء أي يخرج من مرق السهم إذا نفذ في الغرض وخرج منه ‏(‏وهو الصهر‏)‏ بفتح الصاد بمعنى الإذابة‏.‏ والمعنى ما ذكر من النفوذ وغيره هو معنى الصهر المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يصهر به ما في بطونهم والجلود‏}‏ ‏(‏ثم يعاد‏)‏ أي ما في جوفه ‏(‏كما كان‏)‏ لقوله تعالى ‏{‏كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي والبيهقي إلا أنه قال‏:‏ فيخلص فينفذ إلى الجمجمة حتى يخلص إلى وجهه انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏في قوله‏)‏ أي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويسقى من ماء صديد‏}‏ أي دم وقيح يسيل من الجسد ‏(‏يتجرعه‏)‏ أي يشربه لا بمرة بل جرعة بعد جرعة لمرارته وحرارته ولذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو يميت ومن ورائه عذاب غليظ‏}‏ ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏يقرب‏)‏ بفتح الراء المشددة أي يؤتى بالصديد قريباً ‏(‏إلى فيه‏)‏ أي إلى فم العاصي ‏(‏فيكرهه‏)‏ أي لعفونته وسخونته ‏(‏فإذا أدني‏)‏ بصيغة المجهول أي زيد في قربه ‏(‏منه‏)‏ أي من العاصى ‏(‏شوى وجهه‏)‏ أي أحرقه ‏(‏ووقعت‏)‏ أي سقطت ‏(‏فروة رأسه‏)‏ أي جلدته ‏(‏فإذا شربه‏)‏ أي الماء الصديد الحار الشديد ‏(‏قطع‏)‏ بتشديد الطاء للتكثير والمبالغة ‏(‏حتى يخرج أي الصديد وفي بعض نسخ المشكاة تخرج بالتاء أي الأمعاء ‏(‏من دبره‏)‏ بضمتين وهو ضد القبل ‏(‏ويقول‏)‏ أي الله تعالى في موضع آخر ‏(‏وإن يستغيثوا‏)‏ أي يطلبوا الغياث بالماء على عادتهم الاستغاثة في طلب الغيث أي المطر ‏(‏يغائوا‏)‏ أي يجابوا ويؤتوا ‏(‏بماء كالمهل‏)‏ بالضم أي كالصديد أو كعكر الزيت على ما صح عنه صلى الله عليه وسلم ‏(‏يشوي الوجوه‏)‏ أي ابتداء ثم يسري إلى البطون وسائر الأعضاء انتهاء ‏(‏بئس الشراب‏)‏ أي المهل أو الماء فإنه مكروه ومكره ‏(‏وساءت‏)‏ أي النار ‏(‏مرتفقاً‏)‏ أي منزلا يرتفق به نازلة أو متكأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم كذا في الترغيب ‏(‏هكذا قال محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏عن عبيد ابن بسر‏)‏ بعني بالتصغير ‏(‏وقد روى صفوان بن عمرو عن عبد الله بن بسر‏)‏ يعني بغير التصغير ‏(‏وعبد الله بن بسر الذي روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة لعله أن يكون أخا عبد الله بن بسر‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ عبيد الله بن بسر شامي من أهل حمص روى عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏من ماء صديد‏}‏ وعنه صفوان بن عمرو ذكره ابن حبان في الثقات ثم نقل كلام الترمذي هذا ثم قال‏:‏ وقال ابن أبي حاتم عبيد الله بن بسر ويقال عبد الله، روى عن أبي أمامة وعنه صفوان بن عمرو‏.‏ وقال الطبراني‏:‏ عبد الله بن بسر اليحصبي عن أبي أمامة ثم روى له هذا الحديث وحديثاً آخر من رواية بقية عن صفوان بن عمرو والله أعلم قال‏:‏ وذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة عبيد الله بن بسر أخو عبد الله بن بسر قاله السلماني انتهى كلام الحافظ‏.‏ وقال الحافظ الذهبي في الميزان‏:‏ عبيد الله بن بسر حمصي عن أبي أمامة، وعنه صفوان بن عمرو وحده لا يعرف، فيقال هو عبد الله الصحابي، وقيل عبيد الله بن بسر الحراني التابعي وهو أظهر انتهى‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ عبيد الله بن بسر الحراني الحمصي عن أبي أمامة له فرد حديث، وعنه صفوان بن عمرو وثقة ابن حبان انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الحاصل أن في عبيد بن بسر الذي وقع في هذا الحديث ثلاثة أقوال‏:‏ الأول أنه أخو عبد بن بسر الصحابي، والثاني أن عبد الله بن بسر يقال له عبيد الله ابن بسر وهما واحد والثالث أن عبيد الله بن بسر الحراني التابعي والله تعالى أعلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا قرب‏)‏ بضم فتشديد أي المهل ‏(‏إليه‏)‏ أي إلى وجه العاصي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبهذا الإسناد‏)‏ أي بالإسناد السابق الواصل إلى أبي سعيد رضي الله عند ‏(‏لسرادق النار‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ روي بفتح اللام على أنه مبتدأ أو كسرها على أنه خبر وهذا أظهر‏.‏ وفي النهاية‏:‏ السرادق كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء انتهى وهو إشارة إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها‏}‏ ‏(‏أربعة جدر‏)‏ بضمتين جمع جدار ‏(‏كثف كل جدار‏)‏ بكسر الكاف وفتح المثلثة أي الغلظ‏.‏ والمعنى‏:‏ كثافة كل جدار وغلظه، وهذا الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وقال صحيح الإسناد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو أن دلواً من غساق‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الغساق بالتخفيف والتشديد ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم، وقيل ما يسيل من دموعهم، وقيل هو الزمهرير انتهى‏.‏ وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ الغساق هو المذكور في القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هذا فليذوقوة حميم وغساق‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً‏}‏ وقد اختلف في معناه فقيل هو ما يسيل من بين جلد الكافر ولحمه‏.‏ قاله ابن عباس، وقيل هو صديد أهل النار قاله إبراهيم وقتادة وعطية وعكرمة‏.‏ وقال كعب‏:‏ هو عين في جهنم تسيل إليهما حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غير ذلك فيستنقع فيؤتى بالاَدمى فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلد، ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في عقبيه وكعبيه فيجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه، وقاله عبد الله بن عمرو‏:‏ الغساق القمح الغليظ لو أن قطرة منه تهراق في المغرب لأنتنت أهل المشرق ولو تهراق في المشرق لأنتنت أهل المغرب، وقيل غير ذلك انتهى ‏(‏يهراق‏)‏ بفتح الهاء ويسكن أي يصيب ‏(‏في الدنيا‏)‏ أي في أرضها ‏(‏لأنتن أهل الدنيا‏)‏ أي صاروا ذوي لتن منه، فأهل مرفوع على الفاعلية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشيدين بن سعد‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الحاكم وغيره من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث به، وقال الحاكم صحيح الإسناد انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاَية اتقوا الله‏)‏ أولها‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا- حق تقاته‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالوجبات واجتناب المحارم أي بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئاً، وهذا معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاتقوا الله ما استطعتم‏}‏، وقوله‏:‏ ‏(‏ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏)‏ تأكيد لهذا المعنى، أي لا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت‏.‏ فمن واظب على هذه الحالة وداوم عليها مات مسلماً وسلم في الدنيا من الاَفات وفي الأخرى من العقوبات، ومن تقاعد عنها وتقاعس وقع في العذاب في الاَخرة، ومن ثم اتبعه صلى الله عليه وسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لو أن قطرة من الزقوم‏)‏ كتنور من الزقم اللقم الشديد والشرب المفرط‏.‏ قال في المجمع‏:‏ الزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم والرائحة يكره أهل النار على تناوله انتهى ‏(‏قطرت‏)‏ بصيغة المعلوم ويجوز أن يكون بصيغة المجهول من باب نصر‏.‏ قال في الصراح‏:‏ قطر جكيدن اب وجزان وجكانيدن لازم ومتعد‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ قطر الماء والدمع قطراً وقطوراً وقطراناً محركة، وقطره الله وأقطره وقطره ‏(‏لأفسدت‏)‏ أي لمرارتها وعفونتها وحرارتها ‏(‏معايشهم‏)‏ بالياء وقد يهمز جمع معيشة ‏(‏فكيف بمن يكون‏)‏ أي الزقوم ‏(‏طعامه‏)‏ بالنصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال‏:‏ فكيف بمن ليس له طعام غيره، والحاكم إلا أنه قال فيه فقال‏:‏ والذي نفسي بيده لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الأرض لأفسدت أو قال لأمرت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه‏.‏ وقال صحيح على شرطهما‏.‏ وروى موقوفاً على ابن عباس انتهى‏.‏ ورواه أحمد أيضاً‏.‏

1618- باب ما جَاءَ في صِفَةِ طَعَامِ أَهْلِ النّار

2645- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ عبدِ الرحمنِ، أخبرنا عَاصِمُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا قَطْبَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ عن الأعْمَشِ عن شِمْرِ بنِ عَطِيّةَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أَبِي الدّرْدَاءِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النّارِ الْجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيِه مِنَ العَذَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ، لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يَغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَيَسْتَغِيِثُونَ بِالطّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصّةٍ، فَيَذْكُرُونَ أَنّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الغُصَصَ في الدّنْيَا بِالشّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشّرَابِ فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلاَلِيبِ الْحَدِيدِ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ، فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ، فَيَقُولُونَ ادْعُوا خَزَنة جَهَنَمَ، فَيَقُولُونَ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالبَيّنَاتِ قالُوا بَلى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلاَ في ضَلاَلٍ‏}‏ قالَ‏:‏ فَيَقُولُونَ ادْعُوا مَالِكاً، فَيَقُولُونَ ‏{‏يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّكَ‏}‏ قالَ‏:‏ فَيَجِييهُمْ ‏{‏إِنّكُمْ مَاكِثُونَ‏}‏ قالَ‏:‏ الأَعْمَشُ نُبّئْتُ أَنّ بَيْنَ دُعائهِمْ، وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَاهُمْ أَلْفَ عَامٍ، قالَ‏:‏ فَيَقُولُونَ ادْعُوا رَبّكُمْ فَلاَ أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبّكُمْ، فَيَقُولُونَ ‏{‏رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَالّينَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ‏}‏ قالَ‏:‏ فَيُجِيبُهُمْ ‏{‏اخْسَؤوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونَ‏}‏ قالَ‏:‏ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئسُوا مِنْ كُلّ خَيْرٍ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ في الزّفِيِرِ وَالْحَسْرَةِ وَالوَيْلِ‏"‏ قال عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، والنّاسُ لاَ يَرْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ إِنّمَا نعرف هَذَا الْحَدِيثُ عن الأَعْمَشِ عن شِمْرِ بنِ عَطِيّةَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أَبِي الدّرْدَاءِ قَوْلِهِ وَلَيْسَ بِمَرْفُوع وَقطْبَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ‏.‏

2646- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بْنُ المُبَارَكِ عن سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ أَبِي شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي السّمْحِ، عن أَبِي الهَيْثَمِ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏{‏وَهُمْ فِيهَا كَالِحُون‏}‏ قَالَ تَشْوِيه النّارِ فَتَقَلّصُ شَفَتُهُ العُلْيَا حَتّى تَبْلُغَ وَسطَ رَأْسِهِ وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السّفْلَى حَتّى تَضْرِبَ سُرّتَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

وَأَبُو الهَيْثَمِ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بنُ عَمْروٍ بنِ عَبْدِ العُتْوَارِيّ، وَكَانَ يَتِيما في حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ‏.‏

2647- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا سَعِيدُ بنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السّمْحِ، عن عِيسَى بنِ هِلاَلٍ الصّدفِيّ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ أَنّ رَضَاضَةً مِثْلُ هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ، أُرْسَلَتْ مِنَ السّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسُمَائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتْ الأَرْضَ قبْلَ الّليْلِ، وَلَوْ أَنّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السّلْسِلَةِ لَسَارتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً الّليْلَ والنّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ إِسْنَادُهُ حسنٌ صحيحٌ وسعيد بن يزيد هو مصري وقد روى عنه الليث بن سعدِ وغير واحد من الأَئِمَة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عاصم بن يوسف‏)‏ اليربوعي أبو عمرو الكوفي الحافظ روى عن قطبة بن عبد العزيز وغيره، وعنه الدارمي وغيره، وثقة مطين والدارقطني وابن حبان ومحمد بن عبد الله الحضرمي كذا في الخلاصة وتهذيب التهذيب ‏(‏عن شمر‏)‏ بكسر أوله وسكون الميم ‏(‏ابن عطية‏)‏ الأسدي الكاهلي الكوفي صدوق من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يلقى‏)‏ أي ‏(‏يسلط على أهل النار الجوع‏)‏ أي الشديد ‏(‏فيعدل‏)‏ بفتح الياء وكسر الدال، أي فيساوي الجوع ‏(‏ما هم فيه من العذاب‏)‏ المعنى أن ألم جوعهم مثل ألم سائر عذابهم ‏(‏فيستغيثون‏)‏ أي بالطعام ‏(‏فيغاثون بطعام من ضريع‏)‏ كأمير وهو نبت بالحجاز له شوك لا تقربه دابة لخبثه ولو أكلت منه ماتت‏.‏ والمراد هنا شوك من نار أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأحر من النار ‏(‏لا يسمن‏)‏ أي لا يشبع الجائع ولا ينفعه ولو أكل منه كثيراً ‏(‏ولا يغنى من جوع‏)‏ أي ولا يدفع ولو بالتسكين شيئاً من ألم الجوع‏.‏ وفيه إيماء إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس لهم طعام إلا من ضريع‏}‏ إلى آخره ‏(‏فيستغيثون بالطعام‏)‏ أي ثانياً لعدم نفع ما أغيثوا أولا ‏(‏فيغاثون بطعام ذي غصة‏)‏ أي مما ينشب في الحلق، ولا يسوغ فيه من عظم وغيره لا يرتقي ولا ينزل، وفيه إشعار إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن لدينا أنكالا وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً‏}‏‏.‏ والمعنى أنهم يؤتون بطعام ذي غصة فيتناولونه فيغصون به ‏(‏فيذكرون أنهم كانوا يجيزون‏)‏ من الإجازة بالزأي أن يسيغون ‏(‏الغصص‏)‏ جمع الغصة بالضم وهي ما اعترض في الحلق من عظم وغيره‏.‏ والمعنى أنهم كانوا يعالجونها ‏(‏في الدنيا بالشراب فيستغيثون‏)‏ أي على مقتضى طباعهم ‏(‏بالشراب‏)‏ أي لدفع ما حصل لهم من العذاب ‏(‏فيدفع إليهم الحميم‏)‏ بالرفع أي يدفع أطراف إناء فيه الحميم وهو الماء الحار الشديد ‏(‏بكلاليب الحديد‏)‏ جمع كلوب بفتح كاف وشدة لام مضمومة حديدة له شعب يعلق بها اللحم، كذا في المجمع‏.‏ وقال النووي‏:‏ الكلاليب جمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق عليها اللحم ويرسل في التنور انتهى ‏(‏فإذا دنت‏)‏ أي قربت أواني الحميم ‏(‏شوت وجوههم‏)‏ أي أحرقتها ‏(‏فإذا دخلت‏)‏ أي أنواع ما فيها من الصديد والغساق وغيرهما ‏(‏قطعت ما في بطونهم‏)‏ من الأمعاء قطعة قطعة ‏(‏فيقولون ادعوا خزنة جهنم‏)‏ نصب على أنه مفعول ادعوا، وفي الكلام حذف أي يقول الكفار بعضهم لبعض ادعوا خزنة جهنم فيدعونهم ويقولون لهم‏:‏ ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب ‏(‏فيقولون‏)‏ أي الخزنة ‏(‏ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا‏)‏ أي الكفار ‏(‏بلى قالوا‏)‏ أي الخزنة تهكماً بهم ‏(‏فادعوا‏)‏ أي أنتم ما شئتم فإنا لا نشفع للكافر ‏(‏وما دعاء الكافرين إلا في ضلال‏)‏ أي في ضياع، لأنه لا ينفعهم حينئذ دعاء لا منهم ولا من غيرهم‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الظاهر أن خزنة جهنم ليس بمفعول ‏"‏ادعوا‏"‏ بل هو منادى ليطابق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب‏}‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ألم تك تأتيكم‏)‏ إلزام للحجة وتوبيخ وأنهم خلفوا وراءهم أوقات الدعاء والتضرع وعطلوا الأسباب التي يستجيب لها الدعوات، قالوا فادعوا أنتم فإنا لا نجترئ على الله في ذلك، وليس قولهم فادعوا لرجاء المنفعة ولكن للدلالة على الخيبة فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكافرين ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فيقولون‏)‏ أي الكفار ‏(‏ادعوا مالكاً‏)‏ والمعنى أنهم لما أيسوا من دعاء خزنة جهنم لأجلهم وشفاعتهم لهم أيقنوا أن لاخلاص لهم ولا مناص من عذاب الله ‏(‏فيقولون يا مالك ليقض‏)‏ أي سل ربك داعياً ليحكم بالموت ‏(‏علينا ربك‏)‏ لنستريح، أو من قضى عليه إذا أماته، فالمعنى ليمتنا ربك فنستريح ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فيجيبهم‏)‏ أي مالك جواباً من عند نفسه أو من عند ربه تعالى بقوله‏:‏ ‏(‏إنكم ماكثون‏)‏ أي مكثاً مخلداً ‏(‏قال الأعمش نبئت‏)‏ بتشديد الموحدة المكسورة أي أخبرت ‏(‏أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم‏)‏ أي بهذا الجواب ‏(‏قال فيقولون‏)‏ أي بعضهم لبعض ‏(‏فلا أحد‏)‏ أي فليس أحد ‏(‏خير من ربكم‏)‏ أي في الرحمة والقدرة على المغفرة ‏(‏غلبت علينا شقوتنا‏)‏ بكسر فسكون وفي قراءة بفتحتين وألف بعدهما، وهما لغتان بمعنى ضد السعادة‏.‏ والمعنى سبقت علينا هلكتنا المقدرة بسوء خاتمتنا ‏(‏وكنا قوماً ضالين‏)‏ عن طريق التوحيد ‏(‏ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون‏)‏ وهذا كذب منهم فإنه تعالى قال‏:‏ ‏{‏ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه إنهم لكاذبون‏}‏ ‏(‏قال فيجيبهم‏)‏ أي الله بواسطة أو بغيرها إجابة إعراض ‏(‏اخسئوا فيها‏)‏ أي ذلوا وانزجروا كما ينزجر الكلاب إذا زجرت‏.‏ والمعنى ابعدوا أذلاء في النار ‏(‏ولا تكلمون‏)‏ أي لا تكلموني في رفع العذاب فإنه لا يرفع ولا يخفف عنكم ‏(‏قال فعند ذلك يئسوا‏)‏ أي قنطوا ‏(‏من كل خير‏)‏ أي مما ينجيهم من العذاب أو يخففه عنهم ‏(‏وعند ذلك‏)‏ أي أيضاً ‏(‏يأخذون في الزفير‏)‏ قيل الزفير أول صوت الحمار كما أن الشهيق آخر صوته‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏لهم فيها زفير وشهيق‏}‏ وقال المنذري في الترغيب‏:‏ الشهيق في الصدر والزفير إخراج النفس‏.‏ وروى البيهقي عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏لهم فيها زفير وشهيق‏)‏ قال صوت شديد وصوت ضعيف انتهى ‏(‏والحسرة‏)‏ أي وفي الندامة ‏(‏والويل‏)‏ أي في شدة الهلاك والعقوبة، وقيل هو واد في جهنم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏والناس لا يرفعون هذا الحديث‏)‏ بل يروونه موقوفاً على أبي الدرداء فهو وإن كان موقوفاً لكنه في حكم الموفوع فإن أمثال ذلك ليس مما يمكن أن يقال من قبل الرأي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهم فيها‏}‏ أي الكفار في النار ‏{‏كالحون‏}‏ أي عابسون حين تحترق وجوههم من النار‏.‏ كذا ذكره الطيبي‏.‏ وقيل‏:‏ أي بادية أسنانهم وهو المناسب لتفسيره صلى الله عليه وسلم كما بينه الراوي بقوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ وأعاده للتأكيد ‏(‏تشويه‏)‏ بفتح أوله أي تحرق الكافر ‏(‏فتقلص‏)‏ على صيغة المضارع بحذف إحدى التاءين أي تنقبض ‏(‏شفته العليا‏)‏ بفتح الشين وتكسر ‏(‏حتى تبلغ‏)‏ أي تصل شفته ‏(‏وسط رأسه‏)‏ بسكون السين وتفتح ‏(‏وتسترخي‏)‏ أي تسترسل ‏(‏شفته السفلى‏)‏ تأنيث الأسفل كالعليا تأنيث الأعلى ‏(‏حتى تضرب سرته‏)‏ أي تقرب شفته سرته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد ‏(‏وأبو الهيثم اسمه سليمان بن عمرو بن عبد‏)‏ ويقال عبيد بالتصغير ‏(‏للعتواري‏)‏ بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وبالراء نسبة إلى عتورة بطن من كنانة ‏(‏وكان يتيماً في حجر أبي سعيد‏)‏ وروى عنه وعن أبي هريرة وأبي نضرة وروى عنه دراج أبو السمح وغيره ثقة من الرابعة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عيسى بن هلال الصدفي‏)‏ المصري صدوق من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو أن رصاصة‏)‏ بفتح الراء والصادين المهملتين أي قطعة من الرصاص قال في القاموس‏:‏ الرصاص كسحاب معروف لا يكسر، ضربان أسود وهو الأسربّ، وأبيض وهو القلعي‏.‏ وقال في بحر الجواهر‏:‏ الرصاص بالفتح والعامة تقول بالكسر القلعي كذا في القانون وفي كنز اللغات‏.‏ وقال صاحب الاختيارات‏:‏ هو القلعي فارسيه أرزيز، ويستفاد من المغرب‏.‏ وفي النهاية والصراح والمقاييس وجامع بن بيطار أن الرصاص نوعان أحدهما أبيضت ويقال له القلعي بفتح اللام وهو منسوب إلى قلع بسكون اللام وهو معدنية وثانيهما أسود ويقال له الأسرب انتهى ‏(‏مثل هذه‏)‏ إشارة إلى محسوسة معينة هناك كما أشار إليه الراوي بقوله‏:‏ ‏(‏وأشار إلى مثل الجمجمة‏)‏ قال القاري‏:‏ بضم الجيمين في النسخ المصححة للمشكاة وهي قدح صغير‏.‏ وقال المظهر‏:‏ بالخاءين المعجمتين وهي حبة صغيرة صفراء، وقيل هي بالجيمين وهي عظيم الرأس المشتمل على الدماغ، وقيل الأول أصح انتهى والجملة حالية لبيان الحجم والتدوير المعين على سرعة الحركة‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ بين مدى قعر جهنم بأبلغ ما يمكن من البيان، فإن الرصاص من الجواهر الرزينة، والجوهر كلما كان أتم رزانة كان أسرع هبوطاً إلى مستقرة لا سيما إذا انضم إلى رزانته كبر جرمه ثم قدره على الشكل الدوري فإنه أقوى انحداراً وأبلغ مروراً في الجو انتهى قال القاري‏:‏ فالمختار عنده أن المراد بالجمجمة جمجة الرأس على أن اللام للعهد أو بدل عن المضاف إليه وهو المعنى الظاهر المتبادر من الجمجمة ‏(‏أرسلت‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏وهي‏)‏ أي مسافة ما بينهما ‏(‏ولو أنها‏)‏ أي الرصاصة ‏(‏أرسلت من رأس السلسلة‏)‏ أي المذكورة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه‏}‏ فالمراد من السبعين للكثرة، أو المراد بذرعها ذراع الجبار ‏(‏لسارت‏)‏ أي لنزلت وصارت مدة ما سارت ‏(‏أربعين خريفاً أي سنة ‏(‏الليل والنهار‏)‏ أي منهما جميعاً لا يختص سيرها بأحدهما ‏(‏قبل أن تبلغ‏)‏ أي الرصاصة ‏(‏أصلها‏)‏ أي أصل السلسة أو ‏(‏قعرها‏)‏ شك من الرواي‏.‏ قال القاري‏:‏ والمراد بقعرها نهايتها وهي معنى أصلها حقيقة أو مجازاً، فالترديد إنما هو في اللفظ المسموع‏.‏ قال وأبعد الطيبي حيث قال يراد به قعر جهنم لأن السلسلة لا قعر لها‏.‏ قال وجهنم في هذا المقام لا ذكر لها مع لزوم تفكيك الضمير فيها وإن كان قعرها عميقاً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إسناده حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبيهقي‏.‏

1619- باب ما جَاءَ أَنّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنّم

2648- حَدّثنا سُوَيْد بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ‏)‏ أخبرنا مَعْمَرٌ عن هَمّامِ بنِ مُنَبّهٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏نَارُكُمْ هَذِهِ الّتِي يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ حَرّ جَهَنمَ، قَالُوا وَالله إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رسولَ الله، قَالَ فَإِنّهَا فُضّلَتْ بِتِسْعَةِ وَسِتّينَ جُزْءَا كُلّهُنّ مِثْلُ حَرّهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وَهَمّامُ بنُ مُنَبّهٍ هُوَ أَخُو وَهْبِ بنِ مُنَبّهٍ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَهْبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً‏)‏ قال الحافظ في رواية لأحمد‏:‏ من مائة جزء والجمع بأن المراد البالغة في الكثرة لا العدد الخاص أو الحكم للزائد انتهى ‏(‏من حر جهنم‏)‏ وفي رواية البخاري من نار جهنم ‏(‏إن كانت لكافية‏)‏ إن هي المخففة من الثقلية واللام هي الفارقة، أي إن هذه النار التي نراها في الدنيا كانت كافية في العقبى لتعذيب العصاة، فهلا اكتفى بها ولأي شيء زيدت في حرها ‏(‏قال فإنها‏)‏ أي نار جهنم ‏(‏فضلت‏)‏ وفي رواية البخاري فضلت عليهن والمعنى على نيران الدنيا‏.‏ وفي رواية مسلم فضلت عليها أي على النار ‏(‏كلهن‏)‏ أي حرارة كل جزء من تسعة وستين جزءاً من نار جهنم ‏(‏مثل حرها‏)‏ أي مثل حرارة ناركم في الدنيا‏.‏ وحاصل الجواب منع الكفاية أي لا بد من التفضيل لحكمه كون عذاب الله أشد من عذاب الناس، ولذلك أوثر ذكر النار على سائر أصناف العذاب في كثير من الكتاب والسنة منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فما أصبرهم على النار‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة‏}‏ وإنما أظهر الله هذا الجزء من النار في الدنيا أنموذجاً لما في تلك الدار‏.‏ وقال الطيبي ما محصله‏:‏ إنما أعاد صلى الله عليه وسلم حكاية تفضيل نار جهنم على نار الدنيا، إشارة إلى المنع من دعوى الإجزاء، أي لا بد من الزيادة ليتميز ما يصدر من الخالق من العذاب على ما يصدر من خلقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي، وليس عند مالك كلهن مثل حرها، ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي فزادوا فيه‏:‏ وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله منفعة لأحد، وفي رواية للبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يحسبون أن نار جهنم مثل ناركم هذه هي أشد سواداً من القار هي جزء من بضعة وستين جزءاً منها أو نيف وأربعين، شك أبو سهيل انتهى

1620- باب منه

2649- حدّثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدّورِيّ، حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى حدثنَا شَبْيَانُ عن فِرَاسٍ، عن عَطِيّةَ، عن أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏نَارُكُمْ هَذِهِ جزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنّمَ لِكُلّ جُزْءٍ مِنْهَا حَرّهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديثِ أَبِي سَعِيدٍ‏.‏

2650- حَدّثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدِ الدّورِيّ البَغْدَادِيّ، أَخْبَرنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، أَخْبَرنَا شَرِيكٌ عن عَاصِمٍ هو ابن بهدلة، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏أُوْقِدَ عَلَى النّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتّى احْمَرَتْ ثمّ أُوْقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتّى ابْيَضّتْ، ثمّ أُوْقِدَ عَليْهَا أَلفَ سَنَةٍ حَتّى اسْوَدّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ‏"‏‏.‏

2651- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارك عن شَرِيكٍ عن عَاصِمٍ عن أَبِي صَالِحٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ في هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحّ وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ عن شَرِيكٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عطية‏)‏ هو ابن سعد العوفي الجدلي الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ناركم هذه‏)‏ التي توقدونها في الدنيا ‏(‏جزء‏)‏ واحد ‏(‏لكل جزء منها حرها‏)‏ أي حرارة كل جزء من السبعين جزءاً من نار جهنم مثل حرارة ناركم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا شريك‏)‏ هو ابن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي ‏(‏عن عاصم‏)‏ هو ابن بهدلة الكوفي أبو بكر المقرئ ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ هو ذكوان السمان الزيات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوقد‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏على النار‏)‏ أي نار جهنم‏.‏ قال الطيبي على هذا قريب من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوم يحمي عليها في نار جهنم‏}‏ أي يوقد الوقود فوق النار، أي النار ذات طبقات توقد طبقة فوق أخرى ومستعلية عليها ‏(‏حتى احمرت‏)‏ بتشديد الراء المبالغة في الاحمرار ‏(‏فهي‏)‏ الاَن ‏(‏سوداء مظلمة‏)‏ وفي رواية ابن ماجة فهي سوداء كالليل المظلم، والقصد الإعلام بفظاعتها والتحذير من فعل ما يؤدي إلى الوقوع فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي صالح أو رجل آخر‏)‏ أو للشك ‏(‏وحديث أبي هريرة هذا موقوف أصح‏)‏ كذا وقع في نسخ الترمذي موقوف بالرفع‏.‏ والظاهر أن يكون موقوفاً بالنصب‏.‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي يعني في كتاب البعث والنشور، قال ورواه مالك والبيهقي في الشعب مختصراً مرفوعاً، قال‏:‏ أترونها حمرا كناركم هذه لهي أشد سواداً من القار‏.‏ والقار‏:‏ الزفت‏.‏ زاد رزين‏:‏ ولو أن أهل النار أصابوا ناركم هذه لناموا فيها أو قال لقالوا فيها انتهى‏.‏

1621- باب ما جَاءَ أَنّ لِلنّارِ نفَسَيْنِ وَمَا ذُكرَ مَنْ يَخْرُجُ منَ النّارِ مِنْ أَهْلِ التّوْحِيد

2652- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الوَلِيدِ الكِنْدِيّ الكُوفيّ، أَخْبَرنَا المُفَضّلُ بنُ صَالِحٍ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اشْتَكَتِ النّارُ إِلَى رَبّهَا وَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ‏:‏ نَفَساً في الشّتَاءِ، وَنَفَساً في الصّيْفِ‏.‏ فَأَمّا نَفَسُهَا في الشّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ، وَأَمّا نَفَسُهَا في الصّيْفِ فَسَمُومٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ قَد رُوِيَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏ وَالمُفَضّلُ بنُ صَالِحٍ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ الْحَافِظِ‏.‏

2653- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاودَ، أخبرنا شُعْبَةَ وَهِشَامٌ، عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ قالَ هِشَامٌ‏:‏ ‏"‏يَخْرُجُ مِنَ النّارِ، وَقَالَ شُعْبَةُ‏:‏ أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَكَانَ في قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَكَانَ في قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرّةً، أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَكَانَ في قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرّةً‏"‏‏.‏ وَقَالَ شُعْبةُ مَا يَزِنُ ذَرَةً مُخَفّفَةً‏.‏

وفي البابِ عن جَابِرٍ وأَبِي سَعِيدٍ وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2654- حدّثنا مُحَمَدُ بنُ رَافِعٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، عن مُبَارَكِ بنَ فَضالَةَ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ أَنَسٍ عنْ أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏يَقُولُ الله أَخْرِجُوا مِنَ النّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْماً أَوْ خَافَنِي في مَقَامٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

2655- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن إِبْرَاهِيمَ عن عُبَيْدَةَ السّلْمَانِيّ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النّارِ خُرُوجاً رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفاً فَيَقُولُ‏:‏ يَا رَبّ قَدْ أَخَذَ النّاسُ المَنَازِلَ‏.‏ قال فَيُقَالُ لَهُ‏:‏ انْطَلِقْ إِلَى الْجَنَةِ فَادْخُلِ الْجَنَةَ، قالَ فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ فَيَجِدُ النّاسَ قَدْ أَخَذُوا المَنَازِلَ فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبّ قَدْ أَخَذَ النّاسُ المَنَازِلَ، قَالَ‏:‏ فَيُقَالُ لَهُ أَتَذْكُرُ الزّمَانَ الّذِي كُنْتَ فِيِه‏؟‏ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ تَمَنّى، قالَ‏:‏ فَيَتَمّنى، فَيُقَاَلُ لَهُ، فَإِنّ لَكَ الّذِي تَمَنّيْتَ وَعَشْرَةَ أَضْعَافِ الدّنْيَا، قالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ المَلِكُ، قَالَ‏:‏ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2656- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عنْ الأَعْمَشِ عن المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ عن أَبِي ذرٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النّارِ خُرُوجاً مِنْ النّارِ وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنّةِ دُخُولاً الْجَنّةَ، يُؤْتَى بِرَجُلٍ، فَيَقُولُ سَلُوا عن صِغَارِ ذُنُوبِهِ وَأَخْباوا كِبَارَهَا، فَيُقَالُ لَهُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، عَمِلْتَ كَذَ وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ‏:‏ فَيُقَالُ لَهُ فَإِنّ لَكَ مَكَانَ كُلّ سَيّئَةٍ حَسَنَةً، قَالَ‏:‏ فَيَقُولُ يَا رَبّ لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ مَا أَرَاهَا هَاهُنَا، قَالَ‏:‏ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ضحك حَتَى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2657- حدّثنا هَنّادٌ أَخْبَرنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن أَبِي سُفْيَانَ عن جَابِرٍ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يُعَذّبُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التّوْحِيدِ في النّارِ حَتّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَمَا، ثُمّ تُدْرِكُهُمْ الرّحْمَةُ فَيُخْرَجُونَ وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنّةِ‏.‏ قالَ فَيَرُشّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنّةِ الْمَاءَ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الغُثَاءُ فِي حُمَالَةِ السّيْلِ، ثُمّ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ‏.‏

2658- حدّثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ، حدثنَا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يَخْرُجُ مِنَ النّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرّةٍ مِنَ الاْيمَانِ‏"‏ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَمَنْ شَكَ فَلْيَقْرَأْ ‏{‏إِنّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرّةٍ‏}‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2659- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نِصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ، حدثني ابنُ أَنْعَمَ عن أَبِي عُثْمَانَ أَنّهُ حَدّثَهُ عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ رَجُلَيْنِ مِمّنْ دَخَلَ النّارَ اشْتَدّ صِيَاحُهُمَا فَقَالَ الرّبّ عز وجل أَخْرِجُوهُمَا، فَلَمّا أُخْرِجَا قَالَ لَهُمَا لاِيّ شَيْءٍ اشْتَدّ صِيَاحُكُمَا‏؟‏ قَالاَ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا، قَالَ رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النّارِ، فَيَنْطَلِقَانِ، فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَيَجْعَلُهَا عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاَماً، وَيَقُومُ الاَخَرُ فَلاَ يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرّبّ عز وجل‏:‏ مَامَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلقَى صَاحِبُكَ‏؟‏ فَيقُولُ يَا رَبّ إِنّي لارْجُو انْ لاَ تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَمَا أَخْرَجْتَنِي، فَيَقُولُ لَهُ الرّبّ عز وجل‏:‏ لَكَ رَجَاؤكَ فَيُدْخَلاَنِ الْجَنّةَ جَمِيعاً بِرَحْمَةِ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ لأَنَهُ عن رِشْدِينَ بنِ سعْدٍ، وَرِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عن ابنِ أَنْعَمَ وَهُوَ الاْفْرِيقِيّ، وَالإِفرِيِقيّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ‏.‏

2660- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ ذَكْوَانَ عن أَبِي رَجَاءِ العُطَارديّ، عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لَيَخْرُجُنّ قَوْمٌ مِنْ أُمّتِي مِنَ النّارِ بِشَفَاعَتِي يُسَمّوْنَ الْجَهَنّمِيُونَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو رَجَاءَ العُطَارِدِيّ اسْمُهُ عِمْرَانُ بنُ تَيمٍ، وَيُقَالُ ابنُ مَلْحَانَ‏.‏

2661- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بن المُبَارَكِ عن يَحْيَى بنِ عُبَيْدِ الله عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلاَ مِثْلَ الْجَنّةِ نَامَ طَالِبُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ عُبَيْدِ الله، وَيَحْيَى بنُ عُبَيْدِ الله ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَر أَهْلِ الحَدِيثِ، تَكَلَمَ فِيِه شُعْبَةُ ويَحيَى بن عُبيد الله هو ابن موهبٍ وهو مدني‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا المفضل بن صالح‏)‏ الأسدي النخاس الكوفي ضعيف من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اشتكت النار إلى ربها وقالت أكل بعضي بعضاً‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قد اختلف في هذا الشكوى هل هي بلسان القال أو بلسان الحال، واختار كلا طائفة‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح، وقال عياض‏:‏ إنه الأظهر، وقال القرطبي‏:‏ لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته، قال وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى‏.‏ وقال النووي نحو ذلك ثم قال حمله على حقيقته هو الصواب، وقال نحو ذلك التوربشتي، ورجح البيضاوي حمله على المجاز، فقال شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضاً مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها‏.‏ وقال الزين بن المنير‏:‏ المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقصره على اثنين فقط، بعيد من المجاز، خارج عما ألف من استعماله، انتهى ما في الفتح ‏(‏فجعل لها نفسين‏)‏ بفتح الفاء، والنفس معروف وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء ‏(‏فأما نفسها في الشتاء فزمهرير‏)‏ قال الحافظ‏.‏ المراد بالزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار ولا إشكال لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية‏.‏ وفي الحديث رد على من زعم من المعتزلة وغيرهم أن النار لا تخلق إلا يوم القيامة انتهى ‏(‏أما نفسها في الصيف فسموم‏)‏ بفتح السين‏:‏ الريح الحارة تكون غالباً بالنهار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال هشام‏)‏ أي في حديثه ‏(‏يخرج‏)‏ قال الحافظ‏:‏ بفتح أوله وضم الراء ويروى بالعكس، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى أخرجوا ‏(‏وقال شعبة‏)‏ أي في حديثه ‏(‏أخرجوا‏)‏ بصيغة الأمر الإخراج ‏(‏من قال لا إله إلا الله‏)‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فيه دليل على اشتراط النطق بالتوحيد، أو المراد بالقول هنا القول النفسي‏.‏ فالمعنى من أقر بالتوحيد وصدق، فالإقرار لا بد منه فلهذا أعاده في كل مرة، والتفاوت يحصل في التصديق‏.‏ فإن قيل‏:‏ فكيف لم يذكر الرسالة‏؟‏ فالجواب أن المراد المجموع وصار الجزء الأول علماً عليه كما تقول قرأت قل هو الله أحد أي السورة كلها انتهى ‏(‏وكان في قلبه من الخير‏)‏ أي من الإيمان كما في رواية ‏(‏ما يزن‏)‏ أي يعدل ‏(‏برة‏)‏ بضم الموحدة وتشديد الراء المفتوحة‏:‏ وهي القمحة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ومقتضاه أن وزن البرة دون وزن الشعيرة، لأنه قدم الشعيرة وتلاها بالبرة ثم الذرة، وكذلك هو في بعض البلاد‏.‏ فإن قيل إن السياق يعني سياق البخاري بالواو، وهي لا ترتب‏.‏ فالجواب‏:‏ أن رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ ثم وهي للترتيب، انتهى ‏(‏وكان في قلبه ما يزن ذرة‏)‏ بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قيل هي أقل الأشياء الموزونة‏.‏ وقيل هي الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر‏.‏ وقيل هي النملة الصغيرة، ويروى عن ابن عباس أنه قال إذا وضعت كفك في التراب فنفضتها فالساقط هو الذر، ويقال إن أربع ذرات وزن خردلة‏.‏ وللمصنف في أواخر التوحيد من طريق حميد عن أنس مرفوعاً‏:‏ أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، ثم من كان في قلبه أدنى شيء، وهذا معنى الذرة انتهى ‏(‏وقال شعبة‏)‏ أي في حديثه ‏(‏ما يزن ذرة مخففة‏)‏ أي بضم الذال المعجمة وفتح الراء المخففة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ صحفها يعني الذرة شعبة فيما رواه مسلم من طريق يزيد بن ذريع عنه، فقال ذرة بالضم وتخفيف الراء، وكان الحامل له على ذلك كونها من الحبوب فناسبت الشعيرة والبرة، قال مسلم في روايته‏:‏ قال يزيد صحف فيها أبو بسطام يعني شعبة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وعمران بن حصين‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث عمران بن حصين، فأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة عنه مرفوعاً‏:‏ يخرج قوم من النار بشفاعته فيدخلون ويسمون الجهنميين‏؟‏ هذا لفظ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس‏)‏ بن مالك أبي معاذ الأنصاري ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخرجوا من النار من ذكرني‏)‏ أي بشرط كونه مؤمناً مخلصاً ‏(‏يوماً‏)‏ أي وقتاً وزماناً ‏(‏وخافني في مقام‏)‏ أي مكان في ارتكاب معصية من المعاصي كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإنه الجنة هي المأوى‏}‏ قال الطيبي‏:‏ أراد الذكر بالإخلاص وهو توحيد الله عن إخلاص القلب وصدق النية، وإلا فجميع الكفار يذكرونه باللسان دون القلب، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة‏.‏ والمراد بالخوف كف الجوارح عن المعاصي وتقيدها بالطاعات، وإلا فهو حديث نفس حركة لا يستحق أن يسمى خوفاً، وذلك عند مشاهدة سبب هائل، وإذا غاب ذلك السبب عن الحسن، رجع القلب إلى الفضلة‏.‏ قال الفضيل‏:‏ إذا قيل لك هل تخاف الله‏؟‏ فاسكت فإنك إذا قلت‏:‏ لا كفرت، وإذا قلت نعم كذبت، أشار به إلى الخوف الذي هو كف الجوارح عن المعاصي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البيهقي في كتاب البعث والنشور‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو النخعي، ‏(‏عن عبيدة‏)‏ بفتح أوله ابن عمرو ‏(‏السلماني‏)‏ بسكون اللام ويقال بفتحها المرادي، أبي عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت، كان شريح إذا أشكل عليه شيئاً سأله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً‏)‏ زاد البخاري، وكذا مسلم‏:‏ وآخر أهل الجنة دخولا‏.‏ قال القاري‏:‏ الظاهر أنهما متلازمان، فالجمع بينهما للتوضيح، ولا يبعد أن يكون احترازاً مما عسى أن يتوهم من حبس أحد في الموقف من أهل الجنة حينئذ ‏(‏رجل يخرج منها‏)‏ أي من النار ‏(‏زحفاً‏)‏، وفي رواية للشيخين‏:‏ حبوا‏.‏ قال النووي‏:‏ قال أهل اللغة، الحبو المشي على اليدين والرجلين، وربما قالوا على اليدين والركبتين، وربما قالوا على يديه ومقعدته‏.‏ وأما الزحف فقال ابن دريد وغيره‏:‏ هو المشي على الإست مع إشرافه بصدره، فحصل من هذا أن الحبو والزحف مماثلان أو متقاربان، ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف وفي حال يحبو‏.‏ انتهى ‏(‏قال فيذهب ليدخل فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيرجع فيقول يا رب قد أخذ الناس المنازل‏)‏ يعني وليس لي مكان فيها‏.‏ وفي رواية للشيخين قال‏:‏ فيأيتها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى ‏(‏فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه‏)‏ أي الدنيا كذا قال الحافظ ‏(‏فيقال له تمن‏)‏ أمر مخاطب من التمني، وفي بعض النسخ تمنه بزيادة هاء السكتة ‏(‏فيقال له‏:‏ فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا‏)‏ وفي رواية عشرة أمثال الدنيا‏.‏ قال النووي‏:‏ هاتان الروايتان بمعنى واحد‏.‏ وإحداهما تفسير الأخرى، فالمراد الأمثال، فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل انتهى ‏(‏فيقول أتسخر بي وأنت الملك‏)‏ قال النووي‏:‏ في معنى أتسخر بي أقوال‏:‏ أحدها قال المازري إنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه، لأنه عاهد الله مراراً أن لا يسأله غير ما سأل، ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية، فقدر الرجل أن قول الله تعالى‏:‏ له أدخل الجنة وتردده إليها وتخييل كونها مملوءة ضرب من الإطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له، فسمي الجزاء على السخرية سخرية فقال‏:‏ تسخر بي أي تعاقبني بالإطماع والقول الثاني قاله‏:‏ أبو بكر الصيرفي أن معناه نفي السخرية، التي لا تجوز على الله تعالى‏.‏ كأنه قال إعلم أنك لا نهزأ بي لأنك رب العالمين، وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق، ولكن العجب أنك أعطيتني هذا، وأنا غير أهل له، قال والهمزة في أتسخر بي همزة نفي، قال وهذا كلام منبسط متدلل، والقول الثالث قال القاضي عياض أن يكون صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشاً وفرحاً فقاله‏:‏ وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق، وهذا كما قال النبي‏:‏ صلى الله عليه وسلم في الرجل الاَخر إنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال‏:‏ أنت عبد وأنا ربك انتهى‏.‏ ‏(‏ضحك حتى بدت نواجده‏)‏ قال النووي‏:‏ هو بالجيم والذال المعجمة‏.‏ قال أبو العباس‏:‏ ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة، وغريب الحديث وغيرهم، المراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل المراد بالنواجذ هنا الضواحك، وقيل المراد بها الأضراس وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة، ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه‏.‏ قال وفي هذا جواز الضحك أنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا يسقط للمروة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن المعرور بن سويد‏)‏ هو بالعين المهملة والراء المكررة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وآخر أهل الجنة دخولا الجنة‏)‏ أي فيها ‏(‏يؤتي برجل‏)‏ وزاد مسلم‏:‏ يوم القيامة ‏(‏فيقول سلوا عن صغار ذنوبه‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ‏(‏وأخبئوا كبارها‏)‏ ضبط في النسخة الأحمدية المطبوعة بالقلم بفتح الهمزة وكسر الموحدة‏.‏ وقال في هامشها أمر من الإخباء وهو والإخفاء انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر أنه أمر من الخبء، قال في القاموس‏:‏ خبأه كمنعه ستره كخبأه واختبأه انتهى‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ يقال خبأت الشيء أخبأه خبأ إذا أخفيته ‏(‏يوم كذا وكذا‏)‏ أي في الوقت الفلاني ‏(‏عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا‏)‏ زاد مسلم‏:‏ فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه ‏(‏فإن لك مكان كل سيئة حسنة‏)‏ قال القاري‏:‏ وهو إما لكونه تائباً إلى الله تعالى وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏إلا من تاب وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات‏}‏ لكن يشكل بأنه كيف يكون آخر أهل النار خروجاً، ويمكن أن يقال فعل بعد التوبة ذنوباً استحق بها العقاب، وإما وقع النبديل له من باب الفضل من الله تعالى، والثاني أظهر ويؤيده أنه حينئذ يطمع في كرم الله سبحانه ‏(‏فيقول يا رب لقد عملت أشياء‏)‏ أي من الكبائر ‏(‏ما أرها ههنا‏)‏ أي في الصحائف أو في مقام التبديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم في أواخر كتاب الإيمان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حتى يكونوا فيها حمما‏)‏ بضم الحاء وفتح الميم الأولى المخففة وهو الفحم، الواحدة حممة ‏(‏ويطرحون على أبواب الجنة‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فيجعلون بفناء الجنة ‏(‏فيرش عليهم أهل الجنة الماء‏)‏ أي ماء الحياة كما في حديث أبي هريرة عند البخاري في باب الصراط جسر جهنم ‏(‏فينبتون كما ينبت الغثاء‏)‏ بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة وبعد الألف همزة هو في الأصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبزور وغيرها، والمراد به هنا ما حمله من البزور خاصة ‏(‏في حمالة السيل‏)‏ حمالة السيل ما يحمله السيل من غثاء أو طين، والمراد ن الغثاء الذي يجيء به السيل يكون فيه الجنة فيقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة‏.‏ قال النووي‏:‏ المراد التشبيه في سرعة النبات وحسنة وطراوته انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم مطولا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فمن شك‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم الخ ‏{‏الله لا يظلم مثقال ذرة‏}‏ فسر البخاري قوله تعالى‏:‏ ‏(‏مثقال ذرة‏)‏ بقوله يعني زنة ذرة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏مثقال ذرة‏)‏ أي زنة ذرة ويقال هذا مثقال هذا أي وزنه وهو مفعال من الثقل انتهى‏.‏ وقد تقدم معنى الذرة في شرح الحديث الثاني من هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان مطولا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني ابن أنعم‏)‏ اسمه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ‏(‏عن أبي عثمان‏)‏ قال في تهذب التهذيب‏:‏ أبو عثمان عن أبي هريرة أن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما الحديث‏.‏ وعند عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال ابن عساكر‏:‏ إن لم يكن مسلم بن يسار فلا أدري من هو، ويجوز أن يكون هو أبو عثمان الأصيح عبيد بن عمرو ويحتمل أن يكون غيرهما‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ أبو عثمان شيخ لعبد الرحمن بن زياد هو مسلم بن يسار وإلا فمجهول من الثالثة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ممن دخلا‏)‏ كذا وقع في بعض النسخ بصيغة التثنية ووقع في بعضها دخل بصيغة الإفراد وهو الصواب ‏(‏اشتد صياحهما‏)‏ في القاموس‏:‏ الصيح والصيحة والصياح بالكسر والضم والصيحان محركة الصوت بأقصى الطاقة ‏(‏فقال الرب تبارك وتعالى‏)‏ أي للزبانية ‏(‏قالا فعلنا ذلك‏)‏ كي اشتداد الصياح ‏(‏رحمتي لكما أن تنطلقا‏)‏ أي تذهبا ‏(‏فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار‏)‏ قال الطيبي‏:‏ قوله أن تنطلقا فتلقيا خبر أن، فإن قلت كيف يجوز حمل الانطلاق إلى النار وإلقاء النفس فيها على الرحمة، قلت هذا من حمل السبب على المسبب وتحقيقه أنهما لما فرطا في جنب الله وقصرا في العاجلة في امتثال أمره أمراً هنالك بالامتثال في إلقاء أنفسهما في النار إيذاناً بأن الرحمة إنما هي مترتبة على امتثال أمر الله عز وجل ‏(‏فليقي أحدهما نفسه‏)‏ أي في النار ‏(‏فيجعلها‏)‏ الله ‏(‏عليه برداً وسلاماً‏)‏ أي كما جعلها برداً وسلاماً على إبراهيم ‏(‏ويقوم الاَخر‏)‏ أي يقف ‏(‏ما منعك أن تلقي نفسك‏)‏ أي من إلقائها في النار ‏(‏كما ألقى صاحبك‏)‏ أي كإنقائه فيها ‏(‏لك رجاؤك‏)‏ أي مقتضاه ونتيجته، كما أن لصاحبك خوفه وعمله بموجبه ‏(‏فيدخلان‏)‏ بصيغة المجهول من الإدخال أي فيدخلهما الله ويجوز أن يكون بصيغة المعلوم من الدخول‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة ‏(‏أخبرنا الحسن بن ذكوان‏)‏ أبو سلمة البصري، صدوق يخطئ، ورمي بالقدر وكان يدلس من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسمون الجهنميين‏)‏ جمع جهنمي وفي بعض النسخ الجهنميون بالواو فقيل إنه علم لهم فلم يغير‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ والنسائي من رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون فيقول الله هؤلاء عتقاء الله‏.‏ وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد وزاد فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم‏.‏ وفي حديث حذيفة عند البيهقي في البعث من رواية حماد بن أبي سليمان عن ربعي عنه يقال لهم الجهنميون فذكر لي أنهم استعفوا الله من ذلك الاسم فأعفاهم‏.‏ وزعم بعض الشراح أن هذه التسمية ليست تنقيصاً لهم بل للاستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكراً كذا قال وسؤالهم إذهاب ذلك الاسم عنهم يخدش في ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في أواخر الرقاق، وأبو داود في السنة، وابن ماجة في الشفاعة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏نام هاربها‏)‏ حال إن لم تكن رأيت من أفعال القلوب وإلا فهو مفعول ثان ‏(‏ولا مثل الجنة نام طالبها‏)‏ أي النار شديدة والخائفون منها نائمون غافلون وليس هذا شأن الهارب بل طريقة أن يهرول من المعاصي إلى الطاعات كذا في التيسير‏.‏ وقال في اللمعات‏:‏ ما رأيت مثل النار أي شدة وهو لا ينام هاربها ومن شأن الهارب من مثل هذا الشيء لا ينام ويجد في الهرب وذلك بالتزام الطاعة واجتناب المعاصي، ولا مثل الجنة أي بهجة وسرواً نام طالبها وينبغي له أن لا ينام ولا يغفل عن طلبها ويعمل عملاً يوصل إليها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما نعرفه الخ‏)‏ وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال المناوي في شرحه‏:‏ حسنة الهيثمي‏.‏

1622- باب مَا جَاءَ أَنّ أَكْثَرَ أَهْلِ النّارِ النّسَاء

2662- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرنَا أَيّوبُ عن أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيّ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اطّلَعْتُ فِي الجَنّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءُ، وَاطّلَعْتُ في النّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءُ‏"‏‏.‏

2663- حدّثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا ابنُ أَبِي عَدِيّ وَ مُحمدُ بنُ جَعْفَرٍ وَ عَبْدُ الوَهّابِ الثقفي، قَالُوا‏:‏ حدثنا عَوْفٌ هو ابن أَبِي جميلة عن أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيّ، عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قالَ‏:‏ قالٍ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اطّلَعْتُ فِي النّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءُ، وَاطَلَعْتُ فِي الجَنّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهَكَذَا يَقُولُ عَوْفٌ عن أَبِي رَجَاءٍ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَيَقُولُ أَيّوبُ عن أَبِي رَجَاءٍ عن ابنِ عَبّاسٍ‏:‏ وَكِلاَ الإِسْنَادَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا مَقَالٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رَجَاءٍ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعاً‏.‏ وَقَدْ رَوَى غَيْرُ عَوْفٍ أَيْضاً هَذَا الْحَدِيثَ عن أَبِي رَجَاءَ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏اطلعت في الجنة‏)‏ أي أشرفت عليها، ففي بمعنى على كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لأصلبنكم في جذوع النخل‏}‏ ‏(‏فرأيت‏)‏ أي علمت‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ضمن اطلعت بمعنى تأملت ورأيت بمعنى علمت ولذا عداه إلى مفعولين ولو كان رأيت بمعناه الحقيقي لكفاه مفعول واحد انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ظاهره أنه رأي ذلك ليلة الإسراء أو مناماً وهو غير رؤيته النار، وهو في صلاة الكسوف، ووهم من وحدهما‏.‏ وقال الداودي‏:‏ رأى ذلك ليلة الإسرار أو حين خسفت الشمس كذا قال انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأكثر أهلها الفقراء‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا لا يوجب فضل الفقير على الغني وإنما معناه أن الفقراء في الدنيا أكثر من الأغنياء، فأخبر عن ذلك كما تقول أكثر أهل الدنيا الفقراء إخباراً عن الحال، وليس الفقر أدخلهم الجنة وإنما دخلوا بصلاحهم مع الفقر، فإن الفقير إذا لم يكن صالحاً لا يفضل‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين لئلا يدخلن النار كما تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان في حديث‏:‏ تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار‏.‏ قيل بم‏؟‏ قال بكفركن‏.‏ قيل يكفرن بالله قال يكفرن بالإحسان‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ إنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الاَخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال الجزري‏:‏ هذا الحديث رواه البخاري من حديث عمران بن حصين ومن حديث أبي هريرة أيضاً، ورواه مسلم من حديث ابن عباس، ورواه الترمذي من حديث عمران وابن عباس كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكلا الإسنادين ليس فيهما مقال، ويحتمل أن يكون أبو رجاء سمع منهما جميعاً‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ وقال الخطيب في المدرج روى هذا الحديث أبو داود الطيالسي عن أبي الأشعب وجرير بن حازم وسلم بن زرير وحماد بن نجيح وصخر بن جويرية عن أبي رجاء عن عمران وابن عباس به، ولا نعلم أحداً جمع بين هؤلاء، فإن الجماعة رووه عن أبي رجاء عن ابن عباس‏.‏ وسلم إنما رواه عن أبي رجاء عن عمران ولعل جريراً كذلك وقد جاءت الرواية عن أيوب عن أبي رجاء بالوجهين، ورواه سعيد بن أبي عروبة عن فطر عن أبي رجاء عن عمران، فالحديث عن أبي رجاء عنهما والله أعلم انتهى‏.‏

1623- باب

2664- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ عن، شُعْبَةَ عن أَبِي إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ أَهْوَنَ أَهْلِ النّارِ عَذَاباً يوم القيامة رَجُلٌ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَالعَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلبِ وَأَبِي سَعِيدٍ الخدري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن أهون أهل النار‏)‏ أي أيسرهم قال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يراد به أبو طالب‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد بينت في قصة أبي طالب من المبعث النبوي أنه وقع في حديث ابن عباس عند مسلم التصريح بذلك ولفظه أهون أهل النار عذاباً أبو طالب ‏(‏رجل في أخمص قدميه‏)‏ بخاء معجمة وصاد مهملة وزن أحمر مالا يصل إلى الأرض من باطن القدم عند المشي ‏(‏جمرتان‏)‏ تثنية جمرة الجيم وسكون الميم‏:‏ وهي قطعة من نار ملتبهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم ولفظه‏:‏ إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشرا كان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وعباس بن عبد المطلب وأبي سعيد‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه ولفظه قال‏:‏ إن أدنى أهل النار عذاباً الذي له نعلان من نار يغلي منهما دماغه‏.‏ وأما حديث عباس بن عبد المطلب فلم أقف عليه‏.‏ نعم روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم مختصراً وغيره مطولا كما في الترغيب‏.‏

1624- باب

2665- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرنَا أَبُو نُعَيمٍ، أخْبَرَنَاْ سُفيَانُ عن مَعْبَدِ بنِ خَالِدٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيّ، يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنّةِ‏:‏ كُلّ ضَعِيفٍ مُتَضَعّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لابَرّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النّارِ‏:‏ كُلّ عُتُلّ جَوّاظٍ مُتَكَبّرٍ‏"‏‏.‏ قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن معبد بن خالد‏)‏ مرير الجدلي من جديلة قيس الكوفي ثقة عابد من الثالثة ‏(‏سمعت حارثة بن وهب الخزاعي‏)‏ هو أخو عبيد الله بن عمر لأمه له صحبة نزل الكوفة كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف‏)‏ هو برفع كل لأن التقدير كل ضعيف الخ ولا يجوز أن يكون بدلا من أهل ‏(‏متضعف‏)‏ قال النووي‏:‏ ضبطوه بفتح العين وكسرها، المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا، يقال تضعفه واستضعفه وأما رواية الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه‏.‏ قال القاضي‏:‏ وقد يكون الضعف ههنا رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان‏.‏ والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء كما أن معظم أهل النار القسم الاَخر وليس المراد الاستيعاب في الطرفين ‏(‏لو أقسم على الله لأبره‏)‏ قال النووي‏:‏ معناه لو حلف يميناً طمعاً في كرم الله تعالى بإبراره لأبره، وقيل لو دعاه لأجابه، يقال‏:‏ أبررت قسمه وبررته والأول هو المشهور انتهى‏.‏ وقال في المجمع‏:‏ لو أقسم على الله أي لو حلف على وقوع شيء لأبره أي أوقعه الله إكراماً له وصيانة له من الحنث لعظم منزلته عنده وإن احتقر عند الناس انتهى ‏(‏كل عتل‏)‏ بضم العين والتاء بعدها لام ثقيلة‏.‏ قال النووي‏:‏ هو الجافي الشديد الخصومة بالباطل، وقيل الحافي الفظ الغليظ ‏(‏جواظ‏)‏ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة هو الجموع الممنوع، وقيل كثير اللحم المختال في مشيته‏.‏ وقيل غير ذلك ‏(‏متكبر‏)‏ أي صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط الناس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة‏.‏