فصل: تفسير الآية رقم (234):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (234):

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}.
ذكر {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} وترك الخبر عنهم إلى الخبر عن أزواجهم، فقال: {يَتَرَبَّصْنَ} وقد اختلف في توجيه ذلك، فذهب ابن جرير إلى أن ذلك جائز، لأنه لم يقصد الخبر عنهم، وإنما يقصد الخبر عن الواجب على المعتدّات، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم إلى أزواجهن كقول الشاعر:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة ** على ابن أبي زيّان أن يتندّما

فقال: لعلي، ثم صرف الخبر عن نفسه إلى ابن أبي زيان فقال: أن يتندما.
وقال الزمخشري: إنه حذف المضاف، والأصل: وزوجات الذين يتوفون منكم يتربصن، أو أراد يتربصن بعدهم، كقولهم: السمن منوان بدرهم. أي منه، وقال: {وَعَشْراً} والمراد: الأيام، ذهابا إلى الليالي، والأيام داخلة، قال الزمخشري: ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام. تقول: صمت عشرا. ولو ذكرت خرجت من كلامهم: ومن البين فيه قوله تعالى: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً} [طه: 103] ثم: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً} [طه: 104] بيّن الله هنا عدّة المتوفى عنها زوجها، وهي تربّص أربعة أشهر وعشر، إلا أن تكون حاملا، فعدتها وضع حملها، كما قال تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فآية الحمل مخصّصة لهذه الآية.
وقد اختلف العلماء في الذي يتربّص عنه هذه المدة، فقال بعضهم: يتربصن عن النكاح، والطيب والزينة والنقلة من المسكن الذي كن يسكنّه مع أزواجهن.
أخرج ابن جرير عن أم سلمة أنّ امرأة توفي عنها زوجها، واشتكت عينها، فأتت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تستفتيه في الكحل، فقال: «لقد كانت إحداكنّ تكون في الجاهلية في شرّ أحلاسها فتمكث في بيتها حولا إذا توفّي عنها زوجها، فيمرّ عليها الكلب فترميه بالبعرة، أفلا أربعة أشهر وعشرا».
وروي عن حفصة بنت عمر زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم تحدّث عن النبي قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ فوق ثلاث إلا على زوج، فإنّها تحدّ عليه أربعة أشهر وعشرا».
قال يحيى: والإحداد عندنا ألا تتطيب، ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران، ولا تكتحل ولا تتزيّن.
وأخرج ابن جرير عن الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري قالت، قتل زوجي وأنا في داره، فاستأذنت رسول الله في النّقلة فأذن لي، ثم ناداني بعد أن توليت، فرجعت إليه فقال: «يا فريعة حتّى يبلغ الكتاب أجله».
فحجتهم أن الله ذكر التربص، والرسول بيّن ما يتربّص عنه.
وقال آخرون: إنما عدّة المتوفى عنها زوجها أن تتربص بنفسها عن الأزواج خاصة، فأما عن الطيب والزينة والنقلة من المنزل، فلم تنه عن ذلك. واحتجوا بما روي عن أسماء بنت عميس قالت: لمّا أصيب جعفر قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تسلّبي ثلاثا. ثم اصنعي ما شئت».
وليس في هذا الحديث حجة لهم، إذ يحتمل أن يكون أمرها بالتسلّب ثلاثا، ثم لبس ما شاءت من الثياب التي يجوز للمعتدّة لبسها، مما لم يكن زينة ولا تطيبا، لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب.
والحكمة في هذه العدة استبراء الرّحم من ماء الزوج المتوفّى، فمنع نكاح المعتدّة حتى تمضي مدة تتبيّن فيها: أحامل هي، فيلحق ولدها بالزّوج المتوفى؟ أو حائل، فإذا تزوّجت وولدت، ألحق الولد بالزّوج الثاني؟
ومنعت الطّيب والزينة لأنّها من دواعيه والذرائع إليه ومنعت الخروج من البيت الذي كانت تسكنه، لأن هذه الرقابة أدعى إلى الصيانة، ومنع العقد عليها، والخطبة في العدة، لأنّ ذلك ذريعة، ورخّص في التعريض {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: فإذا انقضت عدّتهنّ {فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} أيها الأولياء {فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} من اختيار الأزواج، وتقدير الصداق، وقوله: {بِالْمَعْرُوفِ} معناه على ما أذن الله لهنّ فيه {وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فيعلم من يعضل النساء فيجازيه.

.تفسير الآية رقم (235):

قال الله تعالى: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
{عَرَّضْتُمْ} التعريض: هو القول المفهم للمقصود، وليس بنص فيه.
{أَكْنَنْتُمْ} سترتم.
{سِرًّا} السرّ: الوطء، قال الأعشى:
ولا تقربنّ جارة إنّ سرّها ** عليك حرام فانكحن أو تأبّدا

منع الله من خطبة المرأة صريحا في العدة، وأجاز التعريض بالخطبة لها أو لوليها في العدة، كأن يقول: إنك لجميلة، أو عسى أن ييسرّ الله لي امرأة صالحة، أو نحو ذلك، حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه، ولا يصرّح بالخطبة.
أخرج ابن جرير عن سكينة بنت حنظلة بن عبد الله بن حنظلة قالت: دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي، فقال: يا ابنة حنظلة أنا من علمت قرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحق جدي عليّ، وقدمي في الإسلام، فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر! أتخطبني في عدتي، وأنت يؤخذ عنك؟ فقال: أو قد فعلت؟ إنما أخبرتك بقرابتي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وموضعي، قد دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمّ سلمة، وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفّي عنها، فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر لها منزلته من الله، وهو متحامل على يده حتى أثّر الحصير في يده من شدة تحامله على يده، فما كانت تلك خطبة.
{أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} أي سترتم، وأضمرتم في أنفسكم فلم تذكروه تصريحا {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} فاذكروهن، ولكن لا تواعدوهنّ سرّا، اختار ابن جرير أن السر هنا هو الزنى، فالمعنى لا توعدوهنّ فاحشة، وقيل: إنّ المراد به العقد، والسرّ في الأصل يطلق على الوطء، فأطلق على العقد الذي هو سببه.
{إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً} بالتعريض دون التصريح، أي: لا تواعدوهنّ إلا لتقولوا قولا معروفا، أي: لا تواعدوهنّ إلا بالتعريض.
{وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} نهى عن العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح، لأنه إذا نهى عن العزم على العقد، كان عن العقد أشدّ نهيا، وقيل: معناه لا تقطعوا عقد عقدة النكاح، لأنّ العزم القطع {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} أي المكتوب والمفروض من العدّة.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ} من العزم على ما لا يجوز {فَاحْذَرُوهُ} بالكفّ عن ذلك {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} فلا يعجّل العقوبة، فلا تغترّوا بإمهاله.
وإذا عقد عليها في العدة، وبنى بها، فسخ النكاح، لنهي الله عنه، وتأبد تحريمها عليه، فلا يحلّ نكاحها أبدا عند مالك وأحمد والشافعي وبه قضى عمر، لأنه استحل ما لا يحلّ، فعوقب بحرمانه، كالقاتل يعاقب بحرمانه ميراث من قتله.
وقال غيرهم: يفسخ النكاح، فإذا خرجت من العدة كان خاطبا من الخطاب، ولم يتأبدّ التحريم، لأنّ الأصل أنها لا تحرم، إلا أن يقوم دليل على الحرمة من كتاب أو سنة أو إجماع من الأمة، وليس في المسألة شيء من هذا، ورأي الصحابيّ ليس حجة، وهناك إنكار من عليّ على عمر في هذا القضاء، وروي أنّ عمر رجع عنه.

.تفسير الآية رقم (236):

قال الله تعالى: {لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}.
المس هنا كناية عن الجماع {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} الفرض في اللغة التقدير، والمراد: أو تقدروا لها مقدارا من المهر يوجبه على نفسه.
وظاهر الآية يفيد أنّ رفع الجناح مشروط بعدم المسيس، وهو مشكل عند الفقهاء، لأنّه لا جناح عليه في الطلاق بعد المسيس أيضا، ولذلك أجابوا بجملة أجوبة ليس منها التزام هذا الحكم، وأقرب هذه الأجوبة أن المراد: لا تبعة عليكم من إيجاب مهر إن طلقتم النساء ما لم تمسوهنّ، ولا شك أنّ رفع المهر عنه مشروط بعدم المسيس، وعدم فرض مهر لها.
قالوا: والدليل على أن الجناح هنا تبعة المهر قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ} فأوجب نصف المهر في مقابله، وقوله: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} بمعنى إلا أن تفرضوا، أو حتّى تفرضوا، وقال بعضهم: إن (أو) بمعنى الواو، وبالجملة فإنّ الآية رفعت المهر عمّن طلّق قبل الدخول وقبل: تسمية المهر، وطلبت المتعة لها.
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وأعطوهن ما يتمتعن به من أموالكم على أقداركم، ومنازلكم من الغنى والإقتار.
والموسع: الذي له سعة.
والمقتر: الضيق الحال.
وقدره: مقداره الذي يطيقه، وكان ابن عباس يقول: متعة الطلاق أعلاها الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة.
وقد اختلف في هذه المتعة المطلوبة للمطلّقة قبل المسيس وقبل الفرض: أواجبة هي أم غير واجبة؟ فذهب قوم منهم أبو حنيفة إلى أنها واجبة، لظاهر قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ}، وقوله: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}.
وذهب مالك إلى أنها مستحبة، لأنّ الله قال: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، ولو كانت واجبة لكانت حقا على الخلق أجمعين، والظاهر القول بالوجوب لظاهر الأمر، وكأنّ الله جعل لها المتعة في مقابل ما جعل للمسمّى لها من نصف الصّداق، وأما قوله: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} فليبيّن أن مقتضى الإحسان يوجب ذلك.
{مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ} مصدر مؤكّد لمتعوهنّ، أي متعوهن تمتيعا بالمعروف بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} حقّ ذلك حقا على المحسنين.

.تفسير الآية رقم (237):

قال الله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}.
هذا هو القسم الثاني، لأنّ المطلقة قبل المسيس: إما أن لا يكون قد فرض لها مهر، أو يكون قد فرض.
الأولى: لم يجعل الله لها شيئا من المهر، وجعل لها المتعة.
والثانية: جعل لها نصف الصّداق.
وقد بقيت المطلّقة بعد الدخول، وهذه فيها قسمان، لأنها: إما أن يكون قد سمّي لها مهر، أو لا يكون، وللأولى جميع المسمّى، وللثانية مهر مثلها.
وقوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} أي المطلقات {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} أي الولي، وقيل: هو الزوج ويكون المعنى على المعنى الأول إلا أن تسقط المطلقات ما وجب لهن من نصف الصداق، إن كنّ مالكات لأنفسهن، أو يسقط الولي إن لم يكنّ كذلك: وذلك الأب في ابنته البكر، أو السيد في أمته، وعلى الثاني إلا أن تعفو المطلقات، أو يعفو الزوج عن نصف الصّداق فيجعل المهر كله لها.
وإلى الأوّل ذهب ابن عباس والحسن وعكرمة وطاوس وعطاء وزيد بن أسلم وربيعة وهو مذهب مالك.
وإلى الثاني ذهب علي، وشريح وسعيد بن المسيب وجبير بن مطعم ومجاهد والثوري. واختاره أبو حنيفة والشافعي في أصح قوليه.
وحجة القائلين بأنه الزوج أنّ الله قال: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وليس إعطاء المرء مال غيره فضلا، فلا ينطبق على الولي.
وحجة من قال: إنه الولي، أنّ الخطاب في أول الآية للأزواج، فلو أراد الزوج لقال: أن يعفو، ولا موجب لمخالفة مقتضى الظاهر. وثانيا: أن {يَعْفُونَ} بمعنى يسقطن، والثاني أن {يَعْفُوَا} الثانية بمعنى يسقط أيضا، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الذي بيده عقدة النكاح هو الولي، أما إذا كان هو الزوج فيكون بمعنى يعطي.
ومذهب أبي حنيفة، وأحمد أن المهر جميعه يتقرّر بالخلوة الصحيحة، ومشهور مذهب مالك أنه لا يتقرر المهر بالخلوة، إلا إذا اقترن بها مسيس، وظاهر القرآن يعضده.
ويؤخذ من تقسيم الله المطلقة إلى قسمين- مطلقة لم يفرض لها، ومطلقة فرض لها- أن نكاح التفويض جائز، وهو كل نكاح عقد من غير ذكر الصّداق، ولا خلاف فيه.
ويفرض بعد ذلك الصّداق، فإن فرض بعد العقد وقبل الطلاق فهل تكون من المسمّى لها فيكون لها نصف المسمّى. أو ممن لم يسمّ لها فلا يكون لها النصف؟ ذهب مالك إلى الأول. فألحق من سمّي لها بعد العقد بمن سمّي لها في العقد.
وذهب أبو حنيفة إلى الثاني نظرا إلى أنها لم يسمّ لها في العقد.
وإذا مات الزوج قبل أن يفرض لها: أفيكون حكمها حكم المطلقة، فلا صداق لها؟ أم لا يكون، فيكون لها الصداق؟ ذهب مالك إلى الأول، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى الثاني.
وحجة مالك أنّه فراق في نكاح قبل الفرض، فلم يجب فيه صداق أصله الطلاق.
وحجة الشافعي وأبي حنيفة ما رواه النسائي وأبو داود أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قضى في بروع بنت واشق وقد مات زوجها قبل أن يفرض لها بالمهر والميراث والعدة.
{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} قيل: المخاطبون بذلك الأزواج والزوجات جميعا، أي: وأن تعفوا- أيها الناس- بعضكم عما وجب له قبل حاجته من الصداق أقرب له إلى تقوى الله، وقيل: المخاطبون بذلك الأزواج خاصّة، فتكون الآية انتظمت عفو الزوجات، والولي، والزوج {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ولا تغفلوا أيها الناس التفضل بينكم فتتركوه وتستقصوا {إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيعلم من عفا وعامل بالإحسان، ومن لم يفعل ذلك، ويحصيه. ويجازي عليه.