فصل: تفسير الآية رقم (84):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (84):

قال الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84)}.
ذكر في تفسير قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] ما رواه البخاري وغيره عن ابن عمر حين أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي على عبد الله بن أبي.
ونسوق الحديث بتمامه هنا لأنّ فيه ذكر السبب في نزول هذه الآية:
قال ابن عمر رضي الله عنهما: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلّي عليه! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما خيّرني الله فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق. قال: فصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ الآية».
وفي رواية له عن ابن عباس عن عمر أنه قال: فلما أكثرت عليه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أخّر عني يا عمر، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» الحديث.
والظاهر أنّ عمر فهم النهي الذي أشار إليه بقوله: تصلي عليه وقد نهاك ربك من قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية، وليس كما قال بعضهم أنه فهم النهي من قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] إلخ، إذ لو كان عمر يشير إلى هذه الآية لما طابق الجواب السؤال.
وأخرج أبو يعلى وغيره عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يصلّي على عبد الله بن أبي، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه فقال: {وَلا تُصَلِّ...} الآية.
فرواية أبي يعلى تدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يصل على عبد الله بن أبي.
ولكنّ أكثر الروايات تدل على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى عليه فكان في ذلك تعارض.
فبعض العلماء يقول: رواية أبي يعلى لا تعارض رواية البخاري، فالمعوّل عليه رواية البخاري، وبعضهم جمع بين الروايتين حسبما أمكن فقال: المراد في الصلاة في رواية عمر وابنه الصلاة اللغوية بمعنى الدعاء، أو أنّ المراد بقوله: (فصلّى عليه) أنه دعا الناس للصلاة عليه، وتوجّه بهم إلى مكان الميت، فلما همّ بالصلاة عليه صلاة الجنازة أخذ جبريل بثوبه إلخ.
والمراد من الصلاة المنهي عنها صلاة الجنازة المعروفة، وفيه دعاء للميت واستغفار واستشفاع.
و{ماتَ} ماض بالنسبة إلى سبب النزول وزمان النهي، ولا ينافي عمومه وشموله لمن سيموت.
و{أَبَداً} ظرف متعلق بالنهي.
ومعنى {وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ} النهي عن الوقوف على قبره حين دفنه، أو لزيارته.
ومعنى القبر على هذا مدفن الميت. وجوّز بعضهم أن يراد بالقبر: الدفن ويكون المعنى: لا تتول دفنه.
{إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} تعليل للنهي عن الصلاة والقيام على القبر فإنّ الصلاة على الميت والقيام على قبره احتفال بالميت، وإكرام له واحترام، وليس الكافر من أهل الاحترام والتعظيم.
{وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ} معناه أنّهم مع كفرهم متمردون في دينهم خارجون عن الحد فيه.
والظاهر أنّ هذه الآية لا تدل على وجوب الصلاة على موتى المسلمين، بل غاية ما تفيده أنّ الصلاة على الميت مشروعة، والوجوب مستفاد من الأحاديث الصحيحة، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صلوا على صاحبكم».
وقد نقل العلماء الإجماع على ذلك إلا ما حكي عن بعض المالكية أنّه جعلها سنة.
وقد دلت الآية على معان:
منها حظر الصلاة على موتى الكفار، وحظر الوقوف على قبورهم حين دفنهم، وكذلك تولي دفنهم، وألحق بعض العلماء بذلك تشييع جنائزهم.
ومنها مشروعية الوقوف على قبر المسلم إلى أن يدفن، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله. وقد قام على قبر حتى دفن الميت، وكان ابن الزبير إذا مات له ميت لم يزل قائما على قبره حتى يدفن. وفي صحيح مسلم أنّ عمرو بن العاص رضي الله عنه قال عند موته: إذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر الجزور، ويقسّم لحمها حتى أستأنس بكم، وانظر ماذا أراجع به رسل ربي.
قال الجصاص: من الناس من جعل قوله تعالى: {وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ} قيام الصلاة.
قال: وهذا خطأ من التأويل، لأنه تعالى قال: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ} فنهى عن القيام على القبر كنهيه عن الصلاة على الميت، فغير جائز أن يكون المعطوف هو المعطوف عليه بعينه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (103):

قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}.
{وَتُزَكِّيهِمْ}: تنمي حسناتهم وأموالهم.
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}: ادع لهم، واستغفر لهم.
{سَكَنٌ} من معاني السكن والسكون، وما تسكن النفس إليه وتطمئن من الأهل والمال والوطن. وكلّ من هذين المعنيين يصحّ أن يكون مرادا.

.سبب النزول:

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم لمّا تاب الله عليهم جاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله! هذه أموالنا التي كانت سببا في تخلفنا، فتصدق بها عنا، واستغفر لنا.
فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» فنزلت هذه الآية، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أموالهم الثلث.
قال الحسن: وكان ذلك كفارة الذنب الذي حصل منهم.
وقد راع كثير من المفسرين سبب النزول، فجعل الضمير في قوله تعالى: {خُذْ} خاصا بهذه الحادثة، وتكون الصدقة المأخوذة منهم صدقة تطوع معتبرة في كمال توبتهم، وجارية في حقهم مجرى الكفارة، وليس المراد بها الزكاة المفروضة، لأنها كانت واجبة من قبل.
وعن الجبائي أن المراد بها الزكاة، وأمر صلّى الله عليه وسلّم بأخذها هنا دفعا لتوهم إلحاقهم ببعض المنافقين، فإنها لم تكن تقبل منهم، كما يشير إليه قوله تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} [التوبة: 53].
ومن الناس من لم يجعل سبب النزول حكما على الآية حيث قال: إنّ الضمير في قوله تعالى: {مِنْ أَمْوالِهِمْ} راجع إلى أرباب الأموال من المؤمنين مطلقا، ويدخل فيهم الذين اعترفوا بذنوبهم، وقد عرف مرجع الضمير بدلالة الحال عليه، كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر: 1] وقوله جل شأنه: {ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] وقوله عزّ اسمه: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} [ص: 32] وعلى هذا الرأي أكثر الفقهاء، إذا استدلوا بهذه الآية. على إيجاب الزكاة. قال الجصاص: وهو الصحيح، إذ لم يثبت أن هؤلاء القوم- يعني المعترفين- أوجب الله عليهم صدقة دون سائر الناس سوى زكاة الأموال، وإذا لم يثبت بذلك خبر فالظاهر أنهم وسائر الناس سواء في الأحكام والعبادات، وأنهم غير مخصوصين بها دون غيرهم من الناس، وإذا كان مقتضى الآية وجوب هذه الصدقة على سائر الناس كانت الصدقة هي الزكاة المفروضة، إذ ليس في أموال الناس حقّ واجب يقال له صدقة سوى الزكاة المفروضة.
وليس في قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} دلالة على أنها صدقة مكفرة للذنوب غير الزكاة المفروضة، لأنّ الزكاة المفروضة أيضا تطهّر وتزكي مؤدّيها. وسائر الناس من المكلفين محتاجون إلى ما يطهّرهم ويزكيهم.
وقوله تعالى: {مِنْ أَمْوالِهِمْ} عام في أصناف الأموال، فيقتضي ظاهره أن يؤخذ من كل صنف بعضه، وحكى الجصاص عن شيخه أبي الحسن الكرخي أنه كان يقول: متى أخذ من صنف واحد فقد قضى عهده الآية، وكذلك يقتضي ظاهر اللفظ، أنه لا يجزئ أخذ القيمة.
والمقدار المأخوذ مجمل هنا، قد وكل الله بيانه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وأكثر الآيات التي ذكر الله فيها إيجاب الزكاة ذكرت في مواضع من كتابه بلفظ مجمل مفتقر إلى البيان في المأخوذ والمأخوذ منه، ومقادير النّصب، ووقت الاستحقاق، فكان البيان فيها موكولا إلى بيان السنة، وبعض الآيات نصّ الله فيها على الصنف الذي تجب فيه الزكاة، فيما نصّ الله تعالى عليه من أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة الذهب والفضة بقوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] ومما نص عليه زكاة الزرع والثمار في قوله جل شأنه: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ} إلى قوله: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} [الأنعام: 141] وبينت السنة سائر الأموال التي تجب فيها الزكاة، مثل: عروض التجارة والإبل والبقر والغنم السائمة على اختلاف الفقهاء في بعض ذلك.
وظاهر قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أنّه يجب على الإمام أو نائبه إذا أخذ الزكاة أن يدعو للمتصدق، وبهذا أخذ داود وأهل الظاهر. وأما سائر الأئمة فقد حملوا الأمر هنا على الندب والاستحباب، قالوا: وإن ترك الدعاء جاز، لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لمعاذ: «أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وتردّ في فقرائهم».
ولم يأمره بالدعاء لهم، ولأنّ الفقهاء جميعا متفقون فيما لو دفع المالك الزكاة إلى الفقراء أنّه لا يلزمهم الدعاء، فيحمل الأمر على الاستحباب قياسا على أخذ الفقراء.
وأما صيغة الدعاء فلم يرد فيها تعيين إلا ما رواه الستة غير الترمذي من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى».
ومن هنا قال الحنابلة وداود وأهل الظاهر: لا مانع أن يقول آخذ الزكاة اللهم صل على آل فلان، وقال باقي الأئمة: لا يجوز أن يقال: اللهم صل على آل فلان، وإن ورد في الحديث، لأنّ الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أنّ قولنا: عزّ وجلّ مخصوص بالله تعالى، وكما لا يقال: محمد عزّ وجلّ، وإن كان عزيزا جليلا، ولا يقال: أبو بكر صلّى الله عليه وسلّم أو علي صلّى الله عليه وسلّم، وإن صح المعنى.
قالوا: وإنما أحدث الصلاة على غير الأنبياء مبتدعو الرافضة في بعض الأئمة، والتشبه بأهل البدع منهيّ عنه.
ولا خلاف أنه يجوز أن يجعل غير الأنبياء تبعا لهم، فيقال: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، لأنّ السلف استعملوه، وأمرنا به في التشهد ولأن الصلاة على التابع تعظيم للمتبوع. قالوا: والسلام في حكم الصلاة، لأنّ الله تعالى قرن بينهما، فلا يفرد به غائب غير الأنبياء.
وأما استحبابه في مخاطبة الأحياء تحية لهم، وفي تحية الأموات، فهو أمر معروف وردت به السنة الصحيحة.
هذا وقد قال الشافعي: وبأي لفظ دعا جاز، وأحبّ أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهورا، وبارك لك فيما أبقيت.
واحتج مانعو الزكاة في زمان أبي بكر رضي الله عنه بهذه الآية، فقالوا: إنه تعالى أمر رسوله بأخذ الصدقات، ثم أمره بأن يصلّي عليهم، وذكر أن صلاته سكن لهم، فكان وجوب الزكاة مشروطا بحصول ذلك السكن، ومعلوم أنّ غير الرسول لا يقوم مقامه في حصول ذلك السكن، فلا يجب دفع الزكاة إلى أحد غير الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
وهذه شبهة ضعيفة، فإنّه لو سلم لهم أنّ هذه الآية وردت في وجوب الزكاة المفروضة، فإنّ نائب الرسول- وهو الإمام العادل- قائم مقام الرسول في كل ما يتعلق بأحكام الدين، إلا ما قام الدليل على اختصاص الرسول به، وليس تخصيص الرسول بالخطاب دليلا على اختصاص الحكم به، فإنّ معظم الأحكام الشرعية وردت خطابا للرسول عليه الصلاة والسلام: وإن سائر الآيات دلت على أنّ الزكاة إنما وجبت دفعا لحاجة الفقير، وإعانة على أبواب من البر في مصلحة الأمة، فنظام الزكاة من النظم الجليلة التي تحقق مصلحة عامة لمجموع الأمة، فهي باقية ما بقيت الأمة.
{وَاللَّهُ سَمِيعٌ} يسمع الاعتراف بالذنب {عَلِيمٌ} بما في الضمائر من الندم. أو أنه سميع يجيب دعاءك لهم، عليم بما تقتضيه الحكمة في مصالح الناس.