فصل: تفسير الآيات (127- 128):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآيات (127- 128):

قال الله تعالى: {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون (127) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}.
{عُوقِبْتُمْ بِهِ} أصل العقاب المجازاة على الفعل، فالفعل ابتداء ليس عقابا، وإنما سمّاه الله هنا عقابا على طريق المشاكلة {ضَيْقٍ} تخفيف الضيق أي في أمر ضيق، ويجوز أن يكون الضيق والضيق مصدرين كالقيل والقول.
لما أمره الله بدعوة الناس إلى الإسلام، وكان في ضمن الدعوة تسفيه آرائهم، وإبطال عقائدهم، وتضليل طرائقهم، وهذا مما يدعو إلى الحمية والاعتداء على الداعي بأنواع الاعتداء، وربما حمل ذلك الداعي على مقابلة الشر بأكثر منه، نهى الله هنا عن مقابلة الشر بأكثر منه، فقال: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ}، ثم دعا إلى الصبر، وعدم مقابلة الشر بمثله، وحبب فيه فقال: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}.
وقد قيل في سبب نزول هذه الآيات: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لما رأى حمزة وقد مثّل به المشركون، قال: «والله لأمثّلن بسبعين منهم مكانك» فنزل جبريل عليه السلام بخواتيم سورة النحل، فكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما أراد، وتكون سورة النحل مكية إلا هذه الآيات.
وقيل إنّ هذا كان قبل الأمر بالجهاد العام، حين كان المسلمون لا يقاتلون إلا من قاتلهم، ولا يبدؤون بالقتال، فتكون كقوله: {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}.
وحمل الآية على قصة حمزة غير ظاهر لأنّ ذلك يجعل الآيات مفككة لا ارتباط لها، فالظاهر ما حملنا الآية عليه، وقريب منه قول مجاهد وابن سيرين: إن المقصود من هذه الآية نهي المظلوم عن استيفاء الزيادة من الظالم، قال ابن سيرين: إن أخذ منك رجل شيئا فخذ منه مثله.
والضمير في قوله: {لَهُوَ} يرجع إلى المصدر في قوله: {صَبَرْتُمْ} والمصدر إما أن يراد به الجنس أي وللصبر خير للصابرين، وأنتم منهم إذا صبرتم. وإما أن يراد به صبركم، أي لصبركم خير لكم، فوضع الصابرين موضع لكم ثناء عليهم.
{وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} أمر الله بالصبر أمرا صريحا بعد أن ذكر حسن عاقبته، ولما كان الصبر شاقا ذكر ما يعين عليه فقال: {وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} فالجأ إليه في طلب الصبر، والتثبيت في الأمر {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} يدعوه إلى عدم الجزع والهلع بترك الحزن، والحزن سببه إما فوات محبوب أو توقع مكروه، فبيّن الله ما يستعين به على الصبر، وهو ترك الحزن، فقال: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي على إخوانك المسلمين الذين قتلوا، وهم قتلى أحد، ولا تك في ضيق مما يمكرون، أي ولا يضق صدرك من مكرهم، فإنّ الله ينجيك من مكرهم، لأنّه {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} بالنصر والمعونة، أي هو ولي الذين اجتنبوا المعاصي {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} في أعمالهم، ومن التقوى والإحسان الصبر.
وقيل: إن الضمير في قوله: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} يرجع إلى الكافرين، فيكون كقوله: {وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} [المائدة: 68] روي عن هرم بن حبان أنه قيل له حين احتضر: أوص، فقال: إنما الوصية من المال، ولا مال لي وأوصيكم بخواتيم سورة النحل.

.من سورة الإسراء:

.تفسير الآيات (78- 79):

قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)}.
{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ} أصل الدلوك: الميل والزوال، وهذا المعنى يصح أن يراد منه ميل الشمس عن كبد السماء، وزوالها عنه وقت الظهيرة، ويصح أن يراد منه ميلها وزوالها عن الأفق في وقت الغروب، ولعلّ هذا هو منشأ اختلاف العلماء في تعيين الوقت المأمور فيه بإقامة الصلاة لدلوك الشمس.
فقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين، ومنهم ابن عباس وابن مسعود إلى أنّ المراد من دلوك الشمس غروبها.
بل لقد روى ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقسم على ذلك. فقد أخرج أن أبا عبيدة بن عبد الله كتب إلى عقبة بن عبد الغافر أن عبد الله بن مسعود كان إذا غربت الشمس صلّى المغرب، ويفطر إن كان صائما، ويقسم عليها يمينا ما يقسمه على شيء من الصلوات، بالله الذي لا إله إلا هو إنّ الساعة لميقات هذه الصلاة، ويقرأ فيها تفسيرها من كتاب الله {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ}.
وأخرج أيضا عن مجاهد عن ابن عباس قال: دلوك الشمس غروبها.
وذهب آخرون إلى أن دلوكها ميلها إلى الزوال، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر والحسن، وعليه الجمهور، قالوا: والصلاة التي أمر بها ابتداء من هذا الوقت هي صلاة الظهر، وقد أيّدوا هذا القول بوجوه:
منها ما روي عن جابر أنه قال: طعم عندي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «هذا حين دلكت الشمس».
وهذا الحديث إن صحّ كان هو العمدة في الباب وابن جرير وإن كان من أنصار هذا الرأي ينصّ على أنّ الخبر ونحوه في إسناده شيء، وإن كان لم يعينه.
ومن الوجوه أيضا النقل عن أهل اللغة، فقد قالوا: إنّ الدلوك في كلام العرب الزوال، ولذا قيل الشمس إذا زالت دالكة. قال ابن جرير: وهذا تفسير أهل الغريب أبي عبيدة والأصمعي وأبي عمرو والشيباني وغيرهم، وقالوا أيضا: إنّ أصل الدلوك مأخوذ من دلك العين حين تنظر ما لا تقوى على النظر إليه، وهذا إنما يكون عند الزوال لقوة الشمس فيه، حتى إنّ الناظر لا يستطيع أن ينظر، حتى يضع كفه على حاجبه، يمنع عن عينه شعاع الشمس.
على أنّ الدلوك لو كان اسما لمطلق الميل لكان حمله على ميلها إلى الزوال في وقت الظهر أولى، وذلك لأنّ الآية تكون قد دلّت على الأمر بإقامة الصلاة ابتداء من الظهر إلى دخول الظلمة، أو إلى نصف الليل، فتكون قد انتظمت أربع صلوات.
{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} دلت على الصلاة الخامسة، ولو حملنا الدلوك على الغروب تكون الآية قد دلّت على صلاتي المغرب والعشاء: إن لم نقل إنها تدل على صلاة واحدة هي صلاة المغرب.
وقد قالوا: كلما كان المدلول عليه كثيرا كان الحمل عليه أولى، فيكون حمل الدلوك على ميل الشمس إلى الزوال في الظهيرة أولى من حمله على الزوال للغروب.
واللام في قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} لام الوقت والأجل، لأنّ الوقت سبب الوجوب.
{إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ} قيل: غسق الليل سواده وظلمته، وقال بعضهم: غسق الليل دخول أوله. وأصله من غسقت العين إذا هملت بالدمع، والغاسق السائل، فمعنى غسق الليل انصب بظلامه، وذلك أن الظلمة كأنها تنصب على العالم.
فمعنى الآية والله أعلم: أدم إقامة الصلاة من الظهيرة إلى وقت هجوم الظلمة، أو إلى غيبوبة الشفق، أو إلى منتصف الليل على ما قيل في تفسير الغسق. وعلى هذا تكون هذه الآية والتي بعدها على ما يجيء قد دلتا على الأمر بالصلاة من الظهيرة إلى العشاء، وذلك أربع صلوات على حسب البيان الذي وردت به السنة العملية، وعلى الأمر بالصلاة في الفجر، وتلك هي الصلاة الخامسة.
ولقد أراد بعضهم أن يفهم من الأمر بإقامة الصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل أنّ الله قد بين في الآيتين ثلاثة أوقات: وقت الدلوك، ووقت الغسق، ووقت الفجر، ووقت الدلوك فيه صلاتان، وهما: الظهر والعصر، ووقت الغسق فيه صلاتان: المغرب والعشاء، فدلّ ذلك على جواز الجمع بين الظهر والعصر، لأنّ وقتهما الدلوك، وجمع المغرب إلى العشاء، لأنّهما في الغسق، وهو استدلال عجيب، إذ إنّ كل ما في الآية أنّها أمرت بإقامة الصلاة من دلوك الشمس إلى الغسق، فهل هذا أمر يشغل كل هذا الوقت بالصلاة، أو أمر بفعل الصلاة في بعض أجزائه، وما مقدار هذا البعض؟ كل هذا خارج عن مدلول الآية، وقد بينته السنة، فإن كانت قد ورد فيها جمع الصلاتين، أو الصلوات من غير عذر، فبيانها هو الدليل، وإن كان قد ورد فيها أن الجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا بشروط، وفي أوقات دون أخرى، كان ذلك هو الدليل على أن الجمع إنما يجوز بهذه الشروط.
وحيث إنه قد انجر الكلام إلى الجمع فنقول: قد روي عن ابن مسعود وابن عباس جواز جمع الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء مطلقا ولو من غير عذر، والجمهور على خلاف مذهبهما.
فالشافعية: يجيزون جمع التقديم والتأخير بشروط تعلم من كتبهم، والحنفية يقولون: لا جمع إلا في الظهر والعصر جمع تقديم يوم عرفة، والمغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة، ويعرف ذلك من كتبهم أيضا.
{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً} {وَقُرْآنَ} معطوف على الصلاة، أي وأقم قرآن الفجر، وقد قال أبو بكر الرازي: إنّ ذلك يدلّ على وجوب القراءة في الصلاة، ووجه الدلالة أن الآية تدلّ على الأمر بقرآن الفجر، ولا نعلم قراءة واجبة في الفجر إلا أن تكون القراءة في صلاة الفجر، وقد حمل بعضهم القرآن في قوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} على الصلاة في الفجر. قال أبو بكر الرازي: وهو عدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل، وذلك غريب من أبي بكر، فإنّ الدليل هو ما قاله: من أنا لا نعلم قرآنا واجبا في ذلك الوقت، وإن كان له أن يقول: إن الفجر فيه قرآن واجب، وهو قرآن الفجر، ولكن هذا إن أثبت له ما أراد فهو يثبت وجوب القراءة في الفجر، فمن أين وجبت في كل الصلوات، سيقول من دليل آخر، فنقول: ذلك هو الدليل على وجوب القراءة.
على أنا لا نرى أنّ حمل القرآن في قوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} على الصلاة يؤدي إلى الغرض الذي أراده الجصاص من هذا، وهو أخذ وجوب القراءة في الصلاة، فإنّ تسمية صلاة الفجر بالقرآن إنما كانت لأن القراءة جزء مهمّ فيها، كما سميت الصلاة بالركوع والسجود.
وقد أراد الفخر الرازي أن يأخذ من قوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} دليلا على مذهب الشافعية، في استحباب التغليس بالفجر، ويقول في وجه الدلالة: إنّه أمر بإقامة الصلاة في الفجر، والفجر إنما سمي فجرا، لأنّ نور الصبح يفجر ظلمة الليل، قال وظاهر الأمر للوجوب، فمقتضى هذا اللفظ وجوب إقامة الصلاة في أول وقت الفجر، إلا أنا أجمعنا على أنّ الوجوب غير حاصل، فيبقى الأمر للندب.
وأنت تعلم أنّ أمر تحديد الصلوات قد ثبت بالسنة في حديث جبريل، الذي بيّن فيه أول الوقت وآخره، فدلّ ذلك على الجواز في كل الوقت، فأفضلية التقديم على التأخير والعكس تحتاج إلى دليل مستقل، كـ: «أبردوا بالظهر»، «ولا تزال أمتي بخير: ما عجّلوا المغرب وأخّروا العشاء»، فالتغليس بالفجر والتنوير والإسفار به يحتاج إلى دليل مستقل، فالحكم هو ما يدلّ عليه ذلك الدليل.
وقد أخذ الفخر الرازي من تسمية صلاة الفجر بالقرآن الحثّ على تطويل القراءة في الصلاة، وهو وجيه.
{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً} قالوا: إن معنى ذلك أنّ ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون في صلاة الصبح خلف الإمام.
قال الفخر- بعد سوق هذا الكلام- ويحتمل أن يكون المراد من قوله: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً} الترغيب في أن تؤدى هذه الصلاة بجماعة، ويكون المعنى: كونها مشهودة بالجماعة الكثيرة، وهو حسن أيضا.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)}.
{وَمِنَ اللَّيْلِ} الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره، قم، و(من) للتبعيض، والمعنى: قم بعض الليل {فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} الهجود: النوم، ولكنه أريد منه هنا التيقظ، فقال بعضهم: هو من أسماء الأضداد، حتى قال أبو عبيدة: الهاجد النائم، والهاجد المصلي بليل.
وذهب بعضهم إلى أن إطلاق المتهجد على المصلي بليل إطلاق شرعي، كأنه إنما سمّي بذلك لأنه ألقى الهجود، وهو: النوم عن نفسه، كما قيل للعابد: متحنث، لأنّه ألقى الحنث عن نفسه، ومتحرّج ومتأثمّ ومتحوّب لمن ألقى الحرج والإثم والحوب عن نفسه.
ويرى بعضهم أن التهجد أخصّ من الصلاة بالليل، فلا يقال لكل من صلّى بالليل: متهجد، وإنما يقال لمن نام، ثم قام فصلّى، ثم رقد، فقام فصلّى، وهو مروي عن الحجاج بن عمر المازني قال: أيحسب أحدكم إذا قام من الليل فصلّى حتى يصبح أنه قد تهجد، إنما التهجد الصلاة بعد الرّقاد، ثم صلاة أخرى بعد رقدة، ثم صلاة أخرى بعد رقدة، هكذا كانت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحينئذ فلا يكون إطلاق التهجد على المصلي على هذا النحو مجازيا، لأنّ الهاجد هو النائم، والمتهجد طالب النوم، لأنّه كلما صلّى كان طالبا للنوم بعد الصلاة، فيكون التهجد في هذا المعنى حقيقيا {بِهِ} بالقرآن {نافِلَةً لَكَ} النفل الزيادة، وقد اختلف العلماء في معنى كون التهجد زيادة خاصة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم لأن صلاة الليل ما تزال لكلّ من صلّى بليل، فذهب ابن جرير في جماعة من السلف إلى أنّ معنى زيادتها له، خاصة أنها فريضة عليه، زيدت على المكتوبات الخمس بالنسبة له خاصّة.
وذهب جماعة إلى أنّ معنى كونها نافلة له، أنّ النوافل إنما يحتاج إليها لتكون كفارة لذنوب من يفعلها، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد غفر له ما تقدم من ذنبه، فهي زائدة له، لأنّ غيره نافلته تكفّر ذنبه، وأما نافلة النبي صلّى الله عليه وسلّم فلا تلاقي ما تكفره، فمن هذا كانت زائدة، وهو مروي عن مجاهد وآخرين.
ولم يرتض هذا القول ابن جرير، وقال: نزلت سورة النصر قبل قبض الرسول صلّى الله عليه وسلّم وفيها أمره بالاستغفار {وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً} [النصر: 3].
وقد روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يزيد في الاستغفار في اليوم على مئة مرة، وكلما اشتد قرب العبد من ربه كلما زاد خوفه منه، وإن كان السيد قد أمنه، وذلك مقام يعرفه أهله.
{عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} كلمة (عسى) في كلام العرب تفيد التوقع، وهي هنا للوجوب، قالوا: إنما كانت للوجوب لأنّها تفيد الإطماع، ومن أطمع إنسانا في شيء، ثم حرمه منه كان غارّا، وهذا المعنى مستحيل على الله تعالى، وقد أفاض ابن جرير في بيان هذا المعنى.
والمقام المحمود: قال الواحدي: أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة العظمى في إسقاط العقاب.
وقد اختلف العلماء بعد هذا اختلافا يقصد منه إلى الكيفيات والتفاصيل، والمدار فيها على الأخبار الواردة، فما ورد منها من طريق صحيح كان المعوّل عليه في بيان كيفية الشفاعة والمقام المحمود، وكل ما تدلّ عليه الآية أن النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام سيبعثه الله مبعثا يحمده الناس عليه حمدا بالغا، وذلك لأنه منقذهم من هول العذاب.