فصل: تفسير الآية رقم (78)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الألوسي المسمى بـ «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏لَقَدْ جئناكم بالحق ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كارهون‏}‏ خطاب توبيخ وتقريع من جهته تعالى مقرر لجواب مالك ومبين لسبب مكثهم، ولا مانع من خطابه سبحانه الكفرة تقريعاً لهم، وقيل‏:‏ هو من كلام بعض الملائكة عليهم السلام وهو كما يقول أحد خدم الملك للرعية أعلمناكم وفعلنا بكم قيل لا يجوز أن يكون من قول مالك لا لأن ضمير الجمع ينافيه بل لأن مالكاً لا يصح منه أن يقوله لأنه لا خدمة له غير خزنه للنار‏.‏

وفيه بحث، وقيل‏:‏ في ‏{‏قَالَ‏}‏ ضميره تعالى فالكل مقوله عز وجل، وقيل‏:‏ إن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكُمْ ماكثون‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 77‏]‏ خاتمة حال الفريقين، وقوله سبحانه لقد الخ كلام آخر مع قريش والمراد عليه جئناكم في هذه السورة أو القرآن بالحق، وعلى ما تقدم لقد جئناكم في الدنيا بالحق وهو التوحيد وسائر ما يجب الايمان به وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب ولكن أكثركم للحق أي حق كان كارهون لا يقبلونه وينفرون منه وفسر الحق بذلك دون الحق المعهود سواء كان الخطاب لأهل النار أو لقريش لمكان ‏{‏أَكْثَرَكُمْ‏}‏ فإن الحق المعهود كلهم كارهون له مشمئزون منه، وقد يقال‏:‏ الظاهر العهد وعبر بالأكثر لأن من الأتباع من يكفر تقليداً‏.‏ وقرىء ‏{‏لَقَدِ جِئْتُكُم‏}‏ وقوله تعالى‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً‏}‏ كلام مبتدأ ناع على المشركين ما فعلوا من الكيد برسول الله صلى الله عليه وسلم، و‏{‏أَمْ‏}‏ منقطعة وما فيها معنى بل للانتقال من توبيخ أهل النار إلى حكاية جناية هؤلاء والهمزة للإنكار فإن أريد بالإبرام الأحكام حقيقة فهي لإنكار الوقوع واستبعاده، وإن أريد الأحكام صورة فهي لإنكار الواقع واستقباحه أي بل أبرم مشركو مكة أمراً من كيدهم ومكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏فَإِنَّا مُبْرِمُونَ‏}‏ كيدنا حقيقة لا هم أو فإنا مبرمون كيدنا بهم حقيقة كما أبرموا كيدهم صورة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 42‏]‏ والآية إشارة إلى ما كان منهم من تدبير قتله عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وإلى ما كان منه عز وجل من تدميرهم، وقيل‏:‏ هو من تتمية الكلام السابق، والمعنى أم أبرموا في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته فإنا مبرمون أمراً في مجازاتهم، فإن كان ذاك خطاباً لأهل النار فإبرام الأمر في مجازاتهم هو تخليدهم في النار معذبين؛ وإن كان خطاباً لقريش فهو خذلانهم ونصر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فكأنه قيل‏:‏ فإنا مبرمون أمراً في مجازاتهم وإظهار أمرك، وفيه إشارة إلى أن إبرامهم لا يفيدهم، ولا يغني عنهم شيئاً والعدول عن الخطاب في أكثركم إلى الغيبة في أبرموا على هذا القيل للاشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم ويؤيده ما ذكر أولاً على ما قيل قوله تعالى‏:‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏80 - 81‏]‏

‏{‏أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ‏(‏80‏)‏ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ‏}‏ لأنه يدل على أن ما أبرموه كان أمراً قد أخفوه فيناسب الكيد دون تكذيب الحق لأن الكفرة مجاهرون فيه والمراد بالسر هنا حديث النفس أي بل أيحسبون أنا لا نسمع حديث أنفسهم بذلك الكيد ‏{‏ونجواهم‏}‏ أي تناجيهم وتحادثهم سراً‏.‏

وقال غير واحد‏:‏ السر ما حدثوا به أنفسهم أو غيرهم في مكان خال والنجوي ما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي ‏{‏بلى‏}‏ نسمعهما ونطلع عليهما ‏{‏وَرُسُلُنَا‏}‏ الذين يحفظون عليهم أعمالهم ‏{‏لَدَيْهِمْ‏}‏ ملازمون لهم ‏{‏يَكْتُبُونَ‏}‏ أي يكتبونهما أو يكتبون كل ما صدر عنهم من الأفعال والأقوال التي من جملتها ما ذكر‏.‏

والمضارع للاستمرار التجددي، وهو مع فاعله خبر و‏{‏لَدَيْهِمْ‏}‏ حال قدم للفاصلة أو خبر أيضاً وجملة المبتدأ والخبر إما عطف على ما يترجم عنه بلى أو حال أي نسمع ذلك والحال أن رسلنا يكتبونه، وإذا كان المراد بالسر حديث النفس فالآية ظاهرة في أن السر والكلام المخيل مسموع له تعالى، وكذا هي ظاهرة في أن الحفظة تكتبه كغيره من أقوالهم وأفعالهم الظاهرة، ولا يبعد ذلك بأن يطلعهم الله تعالى عليه بطريق من طرق الاطلاع فيكتبوه‏.‏

ومن خص كتابهم بالأمور الغير القلبية خص السر بما حدث به الغير في مكان خال؛ والظاهر أن حسبانهم ذلك حقيقة ولا يستبعد من الكفرة الجهلة، فقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ بينا ثلاثة عند الكعبة وأستارها قرشيان وقفي أو ثقفيان وقرشي فقال واحد منهم ترون الله تعالى يسمع كلامنا فقال واحد‏:‏ إذا جهرتم سمع وإذا أسررتم لم يسمع فنزلت ‏{‏أَمْ يَحْسَبُونَ الاية‏}‏‏.‏

وقيل‏:‏ إنهم نزلوا في إقدامهم على الباطل وعدم خوفهم من الله عز وجل منزلة من يحسب أن الله سبحانه لا يسمع سره ونجواه ‏{‏قُلْ‏}‏ أي للكفرة تحقيقاً للحق وتنبيهاً لهم على أن مخالفتك لهم بعدم عبادتك ما يعبدون من الملائكة عليهم السلام ليس لبغضك وعداوتك لهم أو لمعبوديهم بل إنما هو لجزمك باستحالة ما نسبوا إليهم وبنوا عليه عبادتهم من كونهم بنات الله سبحانه وتعالى ‏{‏إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين‏}‏ أي لذلك الولد وكان بمعنى صح كما يقال ما كان لك أن تفعل كذا وهو أحد استعمالاتها، و‏{‏أَوَّلُ‏}‏ أفعل تفضيل والمفضل عليه المقول لهم، وجوز اعتبار ذلك مطلقاً، والمراد إظهار الرغبة والمسارعة، والمنساق إلى الذهن الأول‏.‏

ووجه الملازمة أنه عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بشؤنه تعالى وبما يجوز عليه وبما لا يجوز وأحرصهم على مراعاة حقوقه وما توجبه من تعظيم ولده سبحانه فإن حق الوالد على شخص يوجب عليه تعظيم ولده لما أن تعظيم الولد تعظيم الوالد، فالمعنى إن كان للرحمن ولد وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فإنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لعظم أبيه، وهذا نفي لكينونة ولد له سبحانه على أبلغ وجه وهو الطريق البرهاني والمذهب الكلامي، فإنه في الحقيقة قياس استثنائي استدل فيه بنفي اللازم البين انتفاؤه وهو عبادته صلى الله عليه وسلم للولد على نفي الملزوم وهو كينونة الولد له سبحانه، وذلك نظير قوله تعالى‏:‏

‏{‏لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 22‏]‏ لكنه جيء بأن دون لو لجعل ما في حيزها بمنزلة ما لا قطع بعدمه على طريق المساهلة وإرخاء العنان للتبكيت والإفحام‏.‏

وفي الكشف أن في الآية مبالغة من حيث أنه جعل الممكن في نفسه أعني عبادته عليه الصلاة والسلام لما يدعونه ولداً محالاً فهو نفي لعبادة الولد على أبلغ وجه حيث جعل مسبباً عن محال ثم نفي للولد كذلك من طريق آخر وهو أنه لما لم يعبد صلى الله عليه وسلم الولد مع كونه أولى بعبادته لو كان دل على نفيه، ونحوها ذكر في الآية مروياً عن قتادة‏.‏ والسدى‏.‏ والطبري‏.‏

وأخرج عبد الرزاق‏.‏ وعبد بن حميد‏.‏ وابن جرير عن مجاهد أن المعنى قل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول من عبد الله تعالى وحده وكذبكم بما تقولون فالمراد من كونه عليه الصلاة والسلام أول العابدين كونه صلى الله عليه وسلم من ينكر ذلك عليهم، والملازمة في الشرطية باعتبار أن نسبتهم الولد له تعالى تقتضي أن يكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون أول من ينكره لأنه صاحب الدعوة إلى التوحيد، وقد خفى ذلك على الإمام فنفى صحة هذا الوجه، وتكلف بعضهم فقال‏:‏ إن تسبب الجزاء عن الشرط عليه باعتبار الأولية في العبادة والتوحيد من بينهم فإنهم إذا أطبقوا على ذلك الزعم يكون النبي صلى الله عليه وسلم أولهم في عبادة الله تعالى وحده لا محالة، وقيل‏:‏ إن السببية باعتبار الأخبار والذكر نحو أن تضربني فأنا لا أضربك وهو أولى مما قبله، والإنصاف أن الارتباط خفي لا يظهر إلا لمجاهد، وحكى أبو حاتم عن جماعة ولم يسم أحداً منهم أن ‏{‏العابدين‏}‏ من عبد يعبد كفرح يفرح إذا أنف من الشيء، ومنه قوله‏:‏

وأعبد أن اهجو كليباً بدارم *** وقول الآخر‏:‏

متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله *** ويعبد عليه لا محالة ظالماً

أي أن كان للرحمن ولد فأنا أول الآنفين من الولد أو من كونه لله سبحانه ونسبته له عز وجل‏.‏ وروي نحو هذا عن ابن عباس أخرج الطستي عنه أن نافع بن الأزرق قال له‏:‏ أخبرني عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين‏}‏ فقال‏:‏ أنا أول من ينفر عن أن يكون لله تعالى ولد، وأيد ذلك بقراءة السلمي‏.‏

واليماني ‏{‏العابدين‏}‏ جمع عبد كحذر وحذرين وهو المعروف في معنى أنف وقلما يقال فيه فابد، ومن هنا ضعف ابن عرفة هذا الوجه لما فيه من استعمال ما قل استعماله في كلامهم، وذكر الخليل في كتاب «العين» أنه قرىء ‏{‏العابدين‏}‏ بسكون الباء تخفيف العبدين بكسرها، وقال أبو حاتم‏:‏ العبد بكسر الباء الشديد الغضب، وقال أبو عبيدة‏:‏ العرب تقول عبدني حقي أي جحدني، وروي عن الحسن‏.‏ وابن زيد‏.‏ وزهير بن محمد وهو رواية عن ابن عباس‏.‏ وقتادة‏.‏ والسدى أيضاً أن ‏{‏ءانٍ‏}‏ نافية أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول من قال ذلك وعبد ووحد، و‏{‏كَانَ‏}‏ عليه للاستمرار والمقصود استمرار النفي لا نفي الاستمرار والفاء للسببية‏.‏ وتعقب بأنه خلاف الظاهر مع خفاء وجه السببية أو حسنها، وزعم مكي أنه لا يجوز لا يهامه نفي الولد فيما مضى وهو كما ترى‏.‏

وقرأ عبد الله‏.‏ وابن وثاب‏.‏ وطلحة‏.‏ والأعمش‏.‏ وحمزة‏.‏ والكسائي كما قال القاضي ‏{‏وَلَدَ‏}‏ بضم الواو وسكون اللام جمع ولد بفتحهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏سبحان رَبّ السموات والارض رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏ أي عن وصفهم أو الذي يصفونه به من كونه سبحانه له ولد، وفي إضافة اسم الرب إلى أعظم الإجرام وأقواها تنبيه على أنها وما فيها من المخلوقات حيث كانت تحت ملكوته تعالى وربوبيته عز وجل كيف يتوهم أن يكون شيء منها جزأ منه سبحانه وهو ينافي وجوب الوجود، وفي تكرير ذلك الاسم الجليل تفخيم لشأن العرش‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏فَذَرْهُمْ‏}‏ فدعهم غير ملتفت إليهم حيث لم يذعنوا للحق بعد ما سمعوا هذا البرهان الجلي ‏{‏يَخُوضُواْ‏}‏ في أباطيلهم ‏{‏وَيَلْعَبُواْ‏}‏ في دنياهم فإن ما هم فيه من الأقوال والأفعال ليس إلا من باب الجهل، والجزم لجواب الأمر ‏{‏حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ‏}‏ وهو يوم القيامة عند الأكثرين، وعن عكرمة‏.‏ وجماعة أنه يوم بدر وقد وعدوا الهلاك فيه، وقريب منه تفسيره بيوم الموت، وقيل‏:‏ ينبغي تفسيره به دون يوم القيامة لأن الغاية للخوض واللعب إنما هو يوم الموت لانقطاعهما بالموت، وانتصر للأكثرين بأن يوم القيامة هو الويم الموعود وبه سمي في لسان الشرع وتفسيره بذاك مخالف للمعروف ولما بعد من ذكر الساعة، وما ذكر من أمر الانقطاع مدفوع بأن الموت وما بعده في حكم القيامة ولذا ورد من مات فقد قامت قيامته ومثله قد يراد به الدلالة على طول المدة مع قطع النظر عن الانتهاء فيقال‏:‏ لا يزال في ضلالة إلى أن تقوم القيامة‏.‏

وقرأ أبو جعفر‏.‏ وابن محيصن‏.‏ وعبيد بن عقيل‏.‏ عن أبي عمرو ‏{‏يلاقوا‏}‏ مضارع لقي، والآية قيل منسوخة بآية السيف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الذى فِى السماء إله وَفِى الارض إله‏}‏ الظرفان متعلقان بإله لأنه صفة بمعنى معبود من أله بمعنى عبد وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو إله وذلك عائد الموصول وحذف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه‏.‏

وقال غير واحد‏:‏ الجار متعلق بإله باعتبار ما ينبىء عنه من معنى المعبودية بالحق بناء على اختصاصه بالمعبود بالحق وهذا كتعلق الجار بالعلم المشتهر بصفة نحو قولك‏:‏ هو حاتم في طيء حاتم في تغلب، وعلى هذا تخرج قراءة عمر‏.‏ وعلي‏.‏ وعبد الله‏.‏ وأبي‏.‏ والحكم بن أبي العالي‏.‏ وبلال بن أبي بردة‏.‏ وابن يعمر‏.‏ وجابر‏.‏ وابن زيد‏.‏ وعمر بن عبد العزيز‏.‏ وأبو شيخ الهنائي‏.‏ وحميد‏.‏ وابن مقسم‏.‏ وابن السميقع ‏{‏وَهُوَ الذى فِى السماء الله وَفِيكُمْ الارض الله‏}‏ فيعلق الجار بالاسم الجليل باعتبار الوصف المشتهر به، واعتبر بعضهم معنى الاستحقاق للعبادة وعلل ذلك بأن العبادة بالفعل لا تلزم، وجوز كون الجار والمجرور صلة الموصول، و‏{‏إِلَهٍ‏}‏ خبر مبتدأ محذوف أيضاً على أن الجملة بيان للصلة وأن كونه سبحانه في السماء على سبيل الإلهية لا على معنى الاستقرار‏.‏

واختيار كون ‏{‏إِلَهٍ‏}‏ في هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف على كونه خبراً آخر للمبتدأ المذكور أو بدلاً من الموصول أو من ضميره بناء على تجويزه لأن إبدال النكرة الغير الموصوفة من المعرفة إذا أفادت ما لم يستفد أولاً كما هنا جائز حسن على ما قال أبو علي في الحجة لأن البيان ههنا أتم وأهم فلذا رجح مع ما فيه من التقدير وحينئذ فلا فاصل أجنبي بين المتعاطفين، ولا يجوز كون اجلار والمجرور خبر مقدماً وإله مبتدى مؤخراً للزوم خلو الجملة عن العائد مع فساد المعنى، وفي الآية نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاص الإلهية به عز جل لما فيها من تعريف طرفي الإسناد، والموصول في مثل ذلك كالمعرف بالأداة وللاعتتاء بكل من إلهيته تعالى في السماء وإلهيته عز وجل في الأرض قيل دوهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله‏}‏ ولم يقل‏:‏ وهو الذي في السماء وفي الأرض إله أو هو الذي في السماء والأرض إله، وحديث الإعادة قيل مما لا يجري ههنا لأن القاعدة أغلبية كأكثر قواعد العربية‏.‏

وقال بعض الأفاضل‏:‏ يجوز إجراء القاعدة فيه والمغايرة بين الشيئين أعم من أن تكون بالذات أو بالوصف والاعتبار والمراد هنا الثاني ولا شك أن طريق عبادة أهل السماء له تعالى غير طريق عبادة أهل الأرض على ما يشهد به تتبع الآثار فإذا كان إله بمعنى معبود كان معنى الآية أنه تعالى معبود في السماء على وجه ومعبود في الأرض على وجه آخر، وإن كان بمعنى التحير فيه فالتحير في أهل السماء غير التحير في أهل الأرض فلا جرم تكون أطوارهم مخالفة لأطوار أهل الأرض، ومن ذلك اختلاف علومهم فإن علوم أهل الأرض إن كانت ضرورية فأكثرها مستندة إلى الحس وإن كانت نظرية كانت مكتسبة من النظر فإذا انسد طريق النظر والحس عجزوا وتحيروا ولا كذلك أهل السماء لتنزههم عن الكسب والحسن فتحيرهم على نحو آخر، أو نقول التحير في إدراك ذاته تعالى وصفاته إنما ينشأ من مشاهدة آثار عظمته وكمال قدرته سبحانه ولا شك أن تلك الآثار في السماء أعظم من الآثار في الأرض وعليه فيجوز أن يكون الإله بمعنى المتحير فيه ويكون مجازاً عن عظيم الشأن من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم فيكون المعنى أنه تعالى عظيم الشأن في السماء على نحو وعظيم الشأن في الأرض على نحو آخر اه، ولا يخلو عن شيء كما لا يخفى ‏{‏وَهُوَ الحكيم العليم‏}‏ كالدليل على النفي والاختصاص المشار إليهما فإن من لا يتصف بكمال الحكمة والعلم لا يستحق الإلهية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏وَتَبَارَكَ الذى لَهُ مُلْكُ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا‏}‏ كالهواء ومخلوقات الجو المشاهدة وغيرها ‏{‏وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة‏}‏ أي العلم بالساعة أي الزمان الذي تقوم القيامة فيه فالمصدر مضاف لمفعوله، والساعة بمعناها اللغوي وهو مقدار قليل من الزمان، ويجوز أن يراد بها معناها الشرعي وهو يوم القيامة، والمحذور مندفع بأدنى تأمل، وفي تقديم الخبر إشارة إلى استئثاره تعالى بعلم ذلك ‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ للجزاء، والالتفات إلى الخطاب للتهديد، وقرأ الأكثر بياء الغيبة والفعل في القراءتين مبني للمفعول؛ وقرىء بفتح تاء الخطاب والبناء للفاعل، وقرىء ‏{‏تُحْشَرُونَ‏}‏ بتاء الخطاب أيضاً والبناء للمفعول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ‏}‏ أي ولا يملك آلهتهم الذين يدعونهم ‏{‏مِن دُونِهِ الشفاعة‏}‏ كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله عز وجل، وقرىء ‏{‏تَدْعُونَ‏}‏ بتاء الخطاب والتخفيف؛ والسلمي‏.‏ وابن وقاب بها وشد الدال ‏{‏إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق‏}‏ الذي هو الوتحيد ‏{‏وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ أي يعلمونه، والجملة في موضع الحال، وقيد بها لأن الشهادة عن غير علم بالمشهود به لا يعول عليها، وجمع الضمير باعتبار معنى من كما كما أن الافراد أولا باعتبار لفظه، والمراد به الملائكة‏.‏ وعيسى وعزيز‏.‏ وأضرابهم صلاة الله تعالى وسلامه عليهم، والاستثناء قيل‏:‏ متصل إن أريد بالذين يدعون من دونه كل ما يعبد من دون الله عز وجل ومنفصل إن أريد بذلك الاصنام فقط، وقيل‏:‏ هو منفصل مطلقاً وعلل بإن المراد نفي ملك الآلهة الباطلة السفاعة للكفرة ومن شهد بالحق منها لا يملك الشفاعة لهم أيضاً وإنما يملك الشفاعة للمؤمنين فكأنه قيل على تقدير التعميم‏:‏ ولا يملك الذين يدعونهم من دون الله تعالى كائنين ما كانوا السفاعة لهم لكن من شهد بالحق يملك الشفاعة لمن شاء الله سبحانه من المؤمنين؛ فالكلام نظير قولك‏)‏ ما جاء القوم إلى إلا زيدا جاء إلى عمرو فتأمل‏.‏

وقال مجاهد‏.‏ وغيره‏:‏ المراد بمن شهد بالحق المشفوع فيهم، وجعل الاستثناء عليه متصلا والمستثنى منه محذوفاً كأنه قيل‏:‏ ولا يملك هؤلاء الملائكة واضرابهم الشفاعة في أحد إلا فيمن وحد عن إيقان وإخلاص ومثله في حذف المستثنى منه قوله‏:‏

نجا سالم والنفس منه بشرقة *** ولم ينج إلا جفن سيف ومئزراً

أي ولم ينج شيء إلا جفن سيف، واستدل بالآية على أن العلم ما لا بد منه في الشهادة دون المشاهدة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ‏}‏ أي سألت العابدين أو المعبودين ‏{‏لَيَقُولُنَّ الله‏}‏ لتعذر المكابرة في ذلك من فرط ظهوره ووجه قول المعبودين ذلك أظهر من أن يخفى ‏{‏فأنى يُؤْفَكُونَ‏}‏ فكيف يصرفون عن عبادته تعالى إلى عبادة غيره سبحانه ويشركونه معه عز وجل مع إقرارهم بأنه تعالى خالقهم أو مع علمهم بإقرار آلهتهم بذلك، والفاء جزائية أي إذا كان الأمر كذلك فإني الخ، والمراد التعجب من اشراكهم مع ذلك، وقيل‏:‏ المعنى فكيف يكذبون بعد علمهم بذلك فهو تعجب من عبادة غيره تعالى وإنكارهم للتوحيد مع أنه مركوز في فطرتهم، وأياً ما كان فهو متعلق بما قبله من التوحيد والإقرار بأنه تعالى هو الخالق، وأما كون المعنى فكيف أو أين يصرفون عن التصديق بالبعث مع أن الإعادة أهون من الإبداء وجعله متعلقاً بأمر الساعة كما قيل فيأباه السياق‏.‏

وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو ‏{‏تُؤْفَكُونَ‏}‏ بتاء الخطاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏وَقِيلِهِ يارب رَبّ إِنَّ *هَؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ‏}‏ بجر ‏{‏قيله‏}‏ وهي قراءة عاصم‏.‏ وحمزة‏.‏ والسلمي‏.‏ وابن وثاب‏:‏ والأعمش‏.‏

وقرأ الأعرج‏.‏ وأبو قلابة‏.‏ ومجاهد‏.‏ والحسن‏.‏ وقتادة‏.‏ ومسلم بن جندب برفعه وهي قراءة شاذة‏.‏

وقرأ الجمهور بنصبه، واختلف في التخريج فقيل الجر على عطفه على لفظ الساعة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 85‏]‏ أي عنده علم قيله، والنصب على عطفه على محلها لأنها في محل نصب بعلم المضاف إليها فإنه كما قدمنا مصدر مضاف لمفعوله فكأنه قيل‏:‏ يعلم الساعة ويعلم قيله، والرفع على عطفه على ‏{‏عِلْمُ الساعة‏}‏ على حذف مضاف والأصل وعلم قيله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ونسب الوجه الأول لأبي علي والثالث لابن جنى وجميع الأوجه للزجاج وضمير ‏{‏قيله‏}‏ عليها للرسول صلى الله عليه وسلم المفهوم من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 87‏]‏ والقيل والقال والقول مصادر جاءت بمعنى واحد، والمنادي وما في حيزه مقول القول، والكلام خارج مخرج التحسر والتحزن والتشكي من عدم إيمان أولئك القوم، وفي الإشارة إليهم بهؤلاء دون قوله قومي ونحوه تحقير لهم وبتر منهم لسوء حالهم، والمراد من أخباره تعالى بعلمه ذلك وعيده سبحانه إياهم، وقيل‏:‏ الجر على إضمار حرف القسم والنصب على حذفه وإيصال فعله إليه محذوفاً والرفع على نحو لعمرك لأفعلن وإليه ذهب الزمخشري وجعل المقول يا رب وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَؤُلآء‏}‏ الخ جواب القسم على الأوجه الثلاثة وضمير ‏{‏قيله‏}‏ كما سبق، والكلام اخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون وإقسامه سبحانه عليه بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رب لرفع شأنه عليه الصلاة والسلام وتعظيم دعائه والتجائه إليه تعالى، والواو عنده للعطف أعني عطف الجملة القسمية على الجملة الشرطية لكن لما كان القسم بمنزلة الجملة الاعتراضية صارت الواو كالمضمحل عنها معنى العطف، وفيه أن الحذف الذي تضمنه تخريجه من ألفاظ شاع استعمالها في القسم كعمرك وايمن الله واضح الوجه على الأوجه اللثلاثة، وأما في غيرها كالقيل هنا فلا حكاه في البحر وهو كما ترى، وقيل‏:‏ النصب على العطف على مفعول يكتبون المحذوف أي يكتبون أقوالهم وأفعالهم وقيله يا رب الخ وليس بشيء، وقيل‏:‏ هو على العطف على مفعول ‏{‏يعلمون‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 86‏]‏ أعني الحق أي يعلمون الحق وقيل الخ، وهو قول لا يكاد يعقل، وعن الأخفش أنه على العطف على ‏{‏سِرَّهُمْ ونجواهم‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 80‏]‏ ورد بأنه ليس بقوى في المعنى مع وقوع الفصل بما لا يحسن اعتراضاً ومع تنافر النظم‏.‏ وتعقب أن ما ذكر من الفصل ظاهر وأما ضعف المعنى وتنافر النظم فغير مسلم لأن تقديره أم يحسبون أنه لا نسمع سرهم ونجواهم وانا لا نسمع قيله الخ وهو منتظم أتم انتظام، وعنه أيضاً أنه على اضمار فعل من القيل ناصب له على المصدرية والتقدير قال قيله ويؤيده قراءة ابن مسعود ‏{‏وقال الرسول‏}‏ والجملة معطوفة على ما قبلها‏.‏

ورد بأنه لا يظهر فيه ما يحسن عطفه على الجملة قبله وليس التأكيد بالمصدر في موقعه ولا ارتباط لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاصفح‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 89‏]‏ به، وقال العلامة الطيبي‏:‏ في توجيهه إن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 87‏]‏ تقديره وقلنا لك‏:‏ ولئن سألتهم الخ وقلت‏:‏ يا رب يأسا من إيمانهم وإنما جعل غائباً على طريق الالتفات لأنه كأنه صلى الله عليه وسلم فاقد نفسه للتحزن عليهم حيث لم ينفع فيهم سعيه واحتشاده، وقيل‏:‏ الواو على هذا الوجه للحال وقال بتقدير قد والجملة حالية أي فاني يؤفكون وقد قال الرسول يا رب الخ، وحاصله فإني يؤفكون وقد شكا الرسول عليه الصلاة والسلام اصرارهم على الكفر وهو خلاف الظاهر، وقيل‏:‏ الرفع على الابتداء والخبر يا رب إلى لا يؤمنون أو هو محذوف أي مسمون أو متقبل فملة النداء وما بعده في موضع نصب بقيله والجملة حال أو معطوفة، ولا يخفى ما في ذلك، والأوجه عندي ما نسب إلى الزجاج، والاعتراض عليه بالفصل هين، وبضعف المعنى والتنافر غير مسلم، ففي الكشف بعد ذكر تخريج الزجاج الجر أن الفاصل أعني من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ إلى يُؤْفَكُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 85 87‏]‏ يصلح اعتراضاً لأن قوله سبحانه ‏{‏وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 85‏]‏ مرتبط بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 83‏]‏ على ما لا يخفى، والكلام مسوق للوعيد البالغ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ إلى قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 85، 68‏]‏ متصل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 85‏]‏ اتصال العصا بلحاها، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ‏}‏ خطاب لمن يتأنى منه السؤال تتميم لذلك الكلام باستحقاقهم ما أوعدوه لعنادهم البالغ، ومنه يظهر وقوع التعجب في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فَإِنّي يُؤْفَكُونَ‏}‏ وعلى هذا ظهر ارتباط وعلم قيله بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة‏}‏ وأن الفاصل متصل بهما اتصالاً يجل موقعه، ومن هذا التقرير يلوح أن ما ذهب إليه الزجاج في الأوجه الثلاثة حسن، ولك أن ترجحه على ما ذهب إليه الأخفش بتوافق القراءتين، وأن حمل ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ‏}‏ على الخطاب المتروك إلى غير معين أوفق بالمقام من حمله على خطابه عليه الصلاة والسلام وسلامته من اضمار القول قبل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ‏}‏ مع أن السياق غير ظاهر الدلالة عليه اه، وهو أحسن ما رأيته للمفسرين في هذا المقام‏.‏ وقرأ أبو قلابة ‏{‏قَالَتْ رَبّ‏}‏ بفتح الباء ووجه ظاهر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

‏{‏فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ‏(‏89‏)‏‏}‏

‏{‏فاصفح‏}‏ فأعرض ‏{‏عَنْهُمْ‏}‏ ولا تطمع في إيمانهم، وأصل الصفح لي صفحة العنق فكنى به عن الإعراض‏.‏

‏{‏وَقُلْ‏}‏ لهم ‏{‏سلام‏}‏ أي امرى سلام تسلم منكم ومتاركة فليس ذلك أمراً بالسلام عليهم والتحية وإنما هو أمر بالمتاركة، وحاصله إذا أبيتم القبول فأمري التسلم منكم، واستدل بعضهم بذلك على جواز السلام على الكفار وابتدائهم بالتحية، أخرج ابن أبي شيبة‏.‏ عن شعيب بن الحبحاب قال‏:‏ كنت مع علي بن عبد الله البارقي فمر علينا يهودي أو نصراني فسلم عليه قال شعيب‏:‏ فقلت‏:‏ إنه يهودي أو نصراني فقرأ على آخر سورة الزخرف ‏{‏وَقِيلِهِ يارب‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 88‏]‏ إلى الآخر، وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن عون بن عبد الله أنه قال قلت لعمر بن عبد العزيز كيف تقول أنت في ابتداء أهل الذمة بالسلام‏؟‏ فقال‏:‏ ما أرى بأساً أن نبتدئهم قلت لم‏؟‏ قال‏:‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سلام‏}‏ ومما ذكرنا يعلم ضعفه، وقال السدى‏:‏ المعنى قل خيراً بدلاً من شرهم، وقال مقاتل‏:‏ اردد عليهم معروفاً، وحكى الماوردي أي قل ما تسلم به من شرهم والكل كما ترى والحق ما قدمنا ‏{‏فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏}‏ حالهم السيئة وإن تأخر ذلك وهو وعيد من الله سبحانه لهم وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقرأ أبو جعفر‏.‏ والحسن‏.‏ والأعرج‏.‏ ونافع‏.‏ وهشام ‏{‏تَعْلَمُونَ‏}‏ بتاء الخطاب على أنه داخل في حيز ‏{‏قُلْ‏}‏ وإن أريد من الآية الكف عن القتال فهي منسوخة وإن أريد الكف عن مقابلتهم بالكلام فليست بمنسوخة والله تعالى أعلم‏.‏

‏[‏سورة الدخان‏]‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏1 - 2‏]‏

‏{‏حم ‏(‏1‏)‏ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏حم والكتاب المبين‏}‏ الكلام فيه كالذي سلف في السورة السابقة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّا أنزلناه‏}‏ أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعول عليه ‏{‏فِى لَيْلَةٍ مباركة‏}‏ هيب ليلة القدر على ما روي عن ابن عباس‏.‏ وقتادة‏.‏ وابن جبير‏.‏ ومجاهد‏.‏ وابن زيد‏.‏ والحسن‏.‏ وعليه أكثر المفسرين والظواهر معهم، وقال عكرمة‏.‏ وجماعة‏:‏ هي ليلة النصف من شعبان‏.‏ وتسمى ليلة الرحمن والليلة المباركة وليلة الصك وليلة البراءة، ووجه تسميتها بالأخيرين أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة والصك كذلك أن الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة والصك في هذه الليلة‏.‏ وظاهر كلامهم هنا أن البراءة وهي مصدر بريء براءة إذا تخلص تطلق على صك الأعمال والديون وما ضاهاها وأنه ورد في الآثار ذلك وهو مجاز مشهور وصار بذلك كالمشترك، وفي المغرب بريء من الدين والعيب براءة، ومنه البراءة لخط الابراء والجمع براءات وبروات عامية اه‏.‏

وأكثر أهل اللغة على أنه لم يسمع من العرب وأنه عامي صرف وإن كان من باب المجاز الواسع‏.‏

قال ابن السيد في المقتضب البراءة في الأصل مصدر برىء براءة، وأما البراءة المستعملة في صناعة الكاتب فتسميتها بذلك اما على أنها من برىء من دينه إذا أداه وبرئت من الأمر إذا تخيلت منه فكأن المطلوب منه أمر تبرأ إلى الطالب أو تخلي، وقيل‏:‏ أصله أن الجاني كان إذا جنى وعفا عنه الملك تب له كاتب أمان مما خافه فكان يقال‏:‏ كتب السلطان لفلان براءة ثم عمم ذلك فيما كتب من أولي الأمر وأمثالهم اه‏.‏

وذكروا في فضل هذه الليلة أخباراً كثيرة، منها ما أخرجه ابن ماجه‏.‏ والبيهقي في شعب الإيمان عن علي كرم الله وجهه قال‏:‏ «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول‏:‏ ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر» وما أخرجه الترمذي‏.‏ وابن أبي شيبة‏.‏ والبيهقي‏.‏ وابن ماجه‏.‏ عن عائشة قالت‏:‏ «فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبيقع رافعاً رأسه إلى السماء فقال يا عائشة‏:‏ أكنت تخافين أن يحيف الله تعالى عليك ورسوله‏؟‏ قلت‏:‏ ما بي من ذلك ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال‏:‏ إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماءالدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب» وما أخرجه أحمد بن حنبل في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏"‏ يطلع الله تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن وقاتن نفسه ‏"‏ وذكر بعضهم فيها صلاة مخصوصة وأنها تعدل عشرين حجة مبرورة وصيام عشرين سنة مقبولاً، ولاوي في ذلك حديثاً طويلاً عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقد أخرجه البيهقي ثم قال‏:‏ يشبه أن يكون هذا الحديث موضوعاً وهو منكر وفي رواته مجهولون وأطال الوعاظ الكلام في هذه الليلة وذكر فضائلها وخواصها، وذكروا عدة أخبار في أن الآجال تنسخ فيها‏.‏ وفي الدر المنثور طرف غير يسير من ذلك وسنذكر بعضاً منه إن شاء الله تعالى‏.‏ وفي البحر قال الحافظ أبو بكر بن العربي‏:‏ لا يصح فيها شيء ولا نسخ الآجال فيها ولا يخلو من مجازفة والله تعالى أعلم‏.‏ والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملة إلى السماء الدنيا من الولح فالإنزال المنجم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أن المحل الذي أنزل فيه من تلم السماء البيت المعمور وهو مسامت للكعبة بحيث لو نزل لنزل عليها‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قال‏:‏ نزل القرآن جملة على جبريل عليه السلام وكان جبريل عليه السلام يحجيء به بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال غير واحد‏:‏ المراد ابتداء إنزاله في تلك الليلة على التجوز في الطرف أو النسبة واستشكل ذلك بأن ابتداء السنة المحرم أو شهر ربيع الأول لأنه ولد فيه صلى الله عليه وسلم ومنه اعتبر التاريخ في حياته عليه الصلاة والسلام إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وهو الأصح، وقد كان الوحي إليه صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين سنة من مدة عمره عليه الصلاة والسلام على المشهور من عدة أقوال فكيف يكون ابتداء الإنزال في ليلة القدر من شهر رمضان أو في ليلة البراءة من شعبان‏.‏

وأجيب بأن ابتداء الوحي كان مناماً في شهر ربيع الأول ولم يكن بأنزال شيء من القرآن والوحي يقظة من الإنزال كان في يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان، وقيل لسبع منه، وقيل لأربع وعشرين ليلة منه، وأنت تعلم كثرة اختلاف الأقوال في هذا المقام فمن يقول باتبداء أنزاله في شهر يلتزم منها ما لا يأباه‏.‏

واختلف في أول ما نزل منه، ففي «صحيح مسلم» أنه ‏{‏يأَيُّهَا المدثر‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏]‏ وتعقبه النووي في شرحه فقال‏:‏ إنه ضعيف بل باطل والصواب أن أول ما نزل على الأطلاق ‏{‏اقرأ باسم رَبّكَ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1‏]‏ كما صرح به في حديث عائشة، وأما ‏{‏رَّحِيمٌ يأَيُّهَا المدثر‏}‏ فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة‏.‏

عن جابر‏.‏

وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يكذر اه والكلام في ذلك مستوفى في الاتقان فليرجع إليه من أراده‏.‏

ووصف الليلة بالبركة لما أن إنزال القرآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وفضيلة العبادة أو لما فيها من ذلك وتقدير الأرزاق وفصل الأقصية كالآجال وغيرها وإعطاء تمام الشفاعة له عليه الصلاة والسلام، وهذا بناء على أنها ليلة البراءة، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم سأل ليلة الثالق عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد على الله تعالى شراد البعير، وأياً ما كان فقد قيل‏:‏ إن التعليل إنما يحتاج إليه بناء على القول بما اختاره العز بن عبد السلام من أن الأمكنة والأزمنة كلها متساوية في حد ذاتها لا يفضل بعضها بعضاً إلا بما يقع فيها من الأعمال ونحوها، وزاد بعضهم أو يحل لتدخل البقعة التي ضمته صلى الله عليه وسلم فإنها أفضل البقاع الأرضية والسماوية حتى قيل وبه أقول إنها أفضل من العرش‏.‏

والحق أنه لا يبعد أن يخص الله سبحانه بعضها بمزيد، تشريف حتى يصير ذلك داعياً إلى إقدام المكلف على الأعمال فيها أو لحكمة أخرى، وجملة ‏{‏إِنَّا أنزلناه‏}‏ جواب القسم، وفي ذلك مبالغة نحو ما في قوله‏:‏

وثناياك أنها إغريض *** وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ‏}‏ استئناف يبين المقتضى للإنزال، وقوله تعالى‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏}‏ استئناف أيضاً لبيان التخصيص بالليلة المباركة فكأنه قيل‏:‏ أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب وكان إنزاله في تلك الليلة المباركة لأنه من الأمور الدالة على الحكم البالغة وهي ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم ففي الكلام لف ونشر، واشتراط أن يكون كل منهما بجملتين مستقلتين مما لا داعي إليه، وقيل‏:‏ إن جملة ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ‏}‏ الخ صفة أخرى لليلة وما بينهما اعتراض لا يضر الفصل به بل لا يعد الفصل به فصلاً، وقيل إن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 3‏]‏ هو جواب القسم وما بينهما اعتراض وإليه ذهب ابن عطية زاعماً أنه لا يجوز جعل ‏{‏إِنَّا أنزلناه‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 3‏]‏ جواباً له لما فيه من القسم بالشيء على نفسه‏.‏

واعترض بأن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏}‏ يكون حينئذ من تتمة الاعتراض فلا يحسن تأخره عن المقسم عليه ولا يدفعه أن هذه الجملة مستأنفة لا صفة أخرى لأنه استئناف بياني متعلق بما قبل كما سمعت آنفاً فلا يليق الفصل أيضاً كما لا يخفى على من له ذوق سليم، وما ذكر من حديث القسم بالشيء على نفسه فقد أشرنا إلى جوابه، وقيل أن قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ‏}‏ جواب آخر للقسم وفيه تعدد المقسم عليه من غير عطف ولم نر من تعرض له، ومعنى يفرق ويفصل ويلخص، والحكيم بمعنى المحكم لأنه لا يبدل ولا يغير بعد إبرازه للملائكة عليهم السلام بخلافه قبله وهو في اللوح فإن الله تعالى يمحو منه ما يشاء ويثبت‏.‏

وجوز أن يكون بمعنى المحكوم به ونسبته إلى الأمر عليها حقيقة، ويجوز أن يكون المعنى كل أمر ملتبس بالحكمة والأصل حكيم صاحبه فتجوز في النسبة، وقيل‏:‏ إن حكيم للنسبة كتامر ولابن وقد أبهم سبحانه هذا الأمر‏.‏

وأخرج محمد بن نصر‏.‏ وابن المنذر‏.‏ وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في ذلك‏:‏ يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو موت أو حياة أو مطر حتى يكتب الحاج يحج فلان ويحج فلان‏.‏

وأخرج عبد بن حميد‏.‏ وابن جرير عن ربيعة بن كلثوم قال‏:‏ كنت عند الحسن فقال له رجل‏:‏ يا أبا سعيد ليلة القدر في كل رمضان هي‏؟‏ قال‏:‏ إي والله إنها لفي كل رمضان وإنها لليلة يفرق فيها كل أمر حكيم فيها يقضي الله تعالى كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها، وروي هذا التعميم عن غير واحد من السلف‏.‏

وأخرج البيهقي عن أبي الجوزاء فيها يفرق كل أمر حكيم هي ليلة القدر يجاء بالديوان الأعظم السنة إلى السنة فيغفر الله تعالى شأنه لمن يشاء ألا ترى أنه عز وجل قال‏:‏

‏{‏رَحْمَةً مّن رَّبّكَ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 6‏]‏ وفيه بحث، وإلى مثل ذلك التعميم ذهب بعض من قال‏:‏ إن الليلة المباركة هي ليلة البراءة، أخرج ابن جرير‏.‏ وابن المنذر‏.‏ وابن أبي حاتم من طريق محمد بن سوقة عن عكرمة أنه قال في الآية‏:‏ في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد، وفي كثير من الأخبار الاقتصار على قطع الآجال، أخرج ابن جرير‏.‏ والبيهقي في «شعب الإيمان» عن الزهري عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخفش قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ‏"‏، وأخرج الدينوري في المجالسة عن راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ في ليلة النصف من شعبان يوحي الله تعالى إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة ‏"‏ ونحوه كثير، وقيل‏:‏ يبدأن في استنساخ كل أمر حكيم من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل عليه السلام ونسخة الحروب إلى جبرائيل عليه السلام وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ونسخة الأعمال إلى إسماعيل عليه السلام صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت‏.‏

وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تقضي الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان وتسلم إلى أربابها ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان‏.‏ واعترض بما ذكر على الاستدلال بالظواهر على أن الليلة المذكورة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان ومن تدبر علم أنه لا يخدش الظواهر، نعم حكي عن عكرمة أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر ويلزمه تأويل ما يأبى ظاهره ذلك فتدبر، وسيأتي إن شاء الله عز وجل الكلام في هذا المقام مستوفى على أتم وجه في تفسير سورة القدر وهو سبحانه الموفق‏.‏

وقرأ الحسن‏.‏ والأعرج‏.‏ والأعمش ‏{‏يُفْرَقُ‏}‏ بفتح الياء وضم الراء ‏{‏كُلٌّ‏}‏ بالنصب أي يفرق الله تعالى، وقرأ زيد بن علي فيما ذكر الزمخشري عنه ‏{‏نُفَرّقُ‏}‏ بالنون ‏{‏كُلٌّ‏}‏ بالنصب وفيما ذكر أبو علي الأهوازي عنه بفتح الياء وكسر الراء ونصب ‏{‏كُلٌّ‏}‏ ورفع ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ على أنه الفاعل بيفرق، وقرأ الحسن‏.‏ وزائدة عن الأعمش ‏{‏يُفْرَقُ‏}‏ بالتشديد وصيغة المفعول وهو للتكثير وفيه رد على قول بعض اللغويين كالحريري أن الفرق مختص بالمعاني والتفريق بالأجسام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا‏}‏ نصب على الاختصاص وتنكيره للتفخيم، والجار والمجرور في موضع الصفة له وتعلقه بيفرق بيس بشيء، والمراد بالعندية أنه على وفق الحكمة والتدبير أي أعني بهذا الأمر أمراً فخيماً حاصلاً على مقتضى حكمتنا وتدبيرنا وهو بيان لزيادة فخامته ومدحه، وجوز كونه حالاً من ضمير ‏{‏أمر‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 4‏]‏ السابق المستتر في حكيم الواقع صفة له أو من ‏{‏أَمْرٍ‏}‏ نفسه، وصح مجىء الحال منه مع أنه نكرة لتخصصه بالوصف على أن عموم النكرة المضاف إليها كل مسوغ للحالية من غير احتياج الوصف، وقول السمين‏:‏ إن فيه القول بالحال من المضاف إليه في غير المواضع المذكورة في النحو صادر عن نظر ضعيف لأنه كالجزء في جواز الاستغناء عنه بأن يقال‏:‏ يفرق أمر حكيم على إرادة عموم النكرة في الإثبات كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 14‏]‏ وقيل‏:‏ حال من ‏{‏كُلٌّ‏}‏ وأياً ما كان فهو مغاير لذي الحال لوصفه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مّنْ عِنْدِنَا‏}‏ فيصح وقوعه حالاً من غير لغوية فيه‏.‏

وكونها مؤكدة غير متأت مع الوصفية كما لا يخفى على ذي الذهن السليم، وهو على هذه الأوجه واحد الأمور وجوز أن يراد به الأمر الذي هو ضد النهي على أنه واحد الأوامر فحينئذٍ يكون منصوباً على المصدرية لفعل مضمر من لفظه أي أمرنا أمراً من عندنا، والجملة بيان لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏يُفْرَقُ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 4‏]‏ الخ، وقيل‏:‏ إما أن يكون نصباً على المصدرية ليفرق لأن كتب الله تعالى للشيء إيجابه وكذلك أمره عز وجل به كأنه قيل‏:‏ يؤمر بكل شأن مطلوب على وجه الحكمة أمراً فالأمر وضع موضع الفرقان المستعمل بمعنى الأمر، وإما أن يكون على الحالية من فاعل ‏{‏أَنزَلْنَا‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 3‏]‏ أو مفعوله أي إنا أنزلناه آمرين أمراً أو حال كون الكتاب أمراً يجب أن يفعل؛ وفي جعل الكتاب نفس الأمر لاشتماله عليه أيضاً تجوز فيه فخامة، وتعقب ذلك في «الكشف» فقال‏:‏ فيه ضعف للفصل بالجملتين بين الحال وصاحبها على الثاني ولعدم اختصاص الأوامر الصادرة منه تعالى بتلك الليلة على الأول‏.‏

ووجهه أن تخص بالقرآن ولا يجعل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ‏}‏ علة للإنزال في الليلة بل هو تفصيل لما أجمل في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 3‏]‏ على معنى فيها أنزل الكتاب المبين الذي هو المشتمل على كل مأمور به حكيم كأنه جعل الكتاب كله أمراً أو ما أمر به كل المأمورات وفيه مبالغة حسنة، ولا يخفى أن في فهمه من الآية تكلفاً‏.‏

وقال الخفاجي في أمر الفصل‏:‏ إنه لا يضر ذلك الفاصل على الاعتراض وكذا على التعليل لأنه غير أجنبي‏.‏

وجوز بعضهم على تقدير أن يراد بالأمر ضد النهي كونه مفعولاً له والعامل فيه ‏{‏يُفْرَقُ‏}‏ أو ‏{‏أَنزَلْنَا‏}‏ أو ‏{‏مُّنذِرِينَ‏}‏‏.‏

وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ‏{‏أَمْرٍ‏}‏ بالرفع وهي تنصر كون انتصابه في قراءة الجمهور على الاختصاص لأن الرفع عليه فيها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏6‏)‏‏}‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ‏}‏ تعليل ليفرق أو لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا‏}‏ ورحمة مفعول به لمرسلين وتنوينها للتفخيم، والجار والمجرور في موضع الصفة لها، وإيقاع الإرسال عليها هنا كإيقاعه عليها في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 2‏]‏ والمعنى على ما في «الكشاف» يفصل في هذه الليلة كل أمر لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة أي أن المقصود الأصلي بالذات من ذلك الرحمة أو تصدر الأوامر من عندنا لأن من عادتنا ذلك والأوامر الصادرة من جهته تعالى من باب الرحمة أيضاً لأن الغاية لتكليف العباد تعريضهم للمنافع، وفيه كما قيل إشارة إلى أن جعله تعليلاً لقوله سبحانه‏:‏ أمراً من عندنا إنما هو على تقدير أن يراد بالأمر مقابل النهي وهو يجري على تقديري المصدرية والحالية‏.‏

وفي «الكشف» أن قوله‏:‏ يفصل الخ أو تصدر الأوامر الخ تبيين لمعنى التعليل على التفسيرين في ‏{‏يُفْرَقُ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 4‏]‏ لأنه أما بمعنى الفصل على الحقيقة من قسمة الأرزاق وغيرها أو بمعنى يؤمر والشأن المطلوب يكون مأموراً به لا محالة فحاصله يرجع إلى قوله‏:‏ أو تصدر الأوامر من عندنا لا لوجهي التعليل من تعلقه بيفرق أو بأمراً فإن تعلقه بأمراً إنما يصح إذا نصب على الاختصاص وإذ ذاك ليس الأمر ما يقابل النهي لأن الأمر إذا كان المقابل فهو إما مصدر وإنما يعلل فعله وإما حال مؤكدة فيكون راجعاً إلى تعليل الإنزال المخصوص وليس المقصود وإنما لم يذكر المعنى على تقدير تعلقه بأمراً لأن المعنى الأول يصلح تفسيراً له أيضاً انتهى‏.‏

والظاهر كون ذلك تبييناً لوجهي التعليل، وما ذكر في نفيه لا يخلو عن بحث كما يعرف بالتأمل، واعتبار العادة في بيان المعنى جاء من كنا فإنه يقال‏:‏ كان يفعل كذا لما تكرر وقوعه وصار عادة كما صرحوا به في الكتب الحديثية وغيرها ولإفادة ذلك عدل عن أنا مرسلون الأخصر وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏مِن رَبّكَ‏}‏ وضع فيه الظاهر موضع الضمير والأصل منا فجىء بلفظ الرب مضافاً إلى ضميره صلى الله عليه وسلم على وجه تخصيص الخطاب به صلى الله عليه وسلم تشريفاً له عليه الصلاة والسلام ودلالة على أن كونه سبحانه ربك وأنت مبعوث رحمة للعالمين مما يقتضي أن يرسل الرحمة‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ خص الخطاب برسوله عليه الصلاة والسلام والمراد العموم، والأصل من ربكم وجىء بلفظ الرب ليؤذن بأن المربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين وليكون تمهيده يبتني عليه التعليل الآتي المتضمن للتعريض بواسطة الحصر بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئاً وتعقب بأنه لو أريد العموم لفاتت النكتة المذكورة ولزم أن يدخل المؤمنون في قوله تعالى‏:‏

‏{‏إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 7‏]‏ وما بعده وليس المعنى عليه وفي القلب منه شيء وفسر بعضهم الرحمة المرسلة بنبينا صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن صحة التعليل تأبى ذلك‏.‏

وجوز أن يكون قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ‏}‏ بدلاً من قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إنا كنا منذرين‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 3‏]‏ الواقع تعليلاً لإنزال الكتاب بدل كل أو اشتمال باعتبار الإرسال والإنذار، ويكون ‏{‏رَحْمَةً‏}‏ حينئذٍ مفعولاً له أي أنزلنا القرآن لأن عادتنا إرسال الرسل والكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم واختيار كون الرحمة مفعولاً له ليتطابق البدل والمبدل منه إذ معنى المبدل منه فاعلين الإنذار ويطابقه فاعلين الإرسال ولم يجوز كونها كذلك على وجه التعليل بل أوجب كونها مفعولاً به ليصح إذ لو قيل‏:‏ فيها تفصيل كل شأن حكيم لأنا فاعلون الإرسال لأجل الرحمة لم يفد أن الفصل رحمة ولا أنه سبحانه مرسل فلا يستقيم التعليل قيل وينصر نصب رحمة على المفعول قراءة الحسن وزيد بن علي برفعها لأن الكلام عليه جملة مستأنفة أي هي ‏{‏رَحْمَةً‏}‏ تعليلاً للإرسال فيلائم القول بأنها في قراءة النصب مفعول له وليطابق قراءتهما في كون معنى ‏{‏إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ‏}‏ إنا كنا فاعلين الإرسال، وقال بعض أجلة المحققين‏:‏ أن القول بأنه تعليل أظهر من القول بأنه بدل ليكون الكلام على نسق في التعليل غب التعليل، ولما ذكر في الحالة المقتضية للإبدال ولوقوع الفصل، وأشار على ما قيل بما ذكر في الحالة المقتضية للإبدال بأن المبدل منه غير مقصود وأنه في حكم السقوط وههنا ليس كذلك، وتعقب هذا بأنه أغلبي لا مطرد، وقوله‏:‏ لوقوع الفصل أي بين البدل والمبدل منه بأن الفاصل غير أجنبي فلا يضر الفصل به فتدبر، وجوز كون رحمة مصدراً لرحمنا مقدر وكونها حالاً من ضمير ‏{‏مُرْسِلِينَ‏}‏ وكونها بدلاً من ‏{‏أمْراً‏}‏ فلا تغفل ‏{‏إِنَّهُ هُوَ السميع‏}‏ لكل مسموع فيسمع أقوال العباد ‏{‏العليم‏}‏ لكل معلوم فيعلم أحوالهم، وتوسيط الضمير مع تعريف الطرفين لإفادة الحصر، والجملة تحقيق لربوبيته عز وجل وأنها لا تحق إلا لمن هذه نعوته، وفي تخصيص ‏{‏السميع العليم‏}‏ على ما قال الطيبي إدماج لوعيد الكفار ووعد المؤمنين الذين تلقوا الرحمة بأنواع الشكر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏رَّبُّ السماوات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا‏}‏ بدل من ‏{‏رَبَّكَ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 6‏]‏ أو بيان أو نعت‏.‏

وقرأ غير واحد من السبعة والأعرج‏.‏ وابن أبي إسحاق‏.‏ وأبو جعفر‏.‏ وشيبة بالرفع على أنه خبر آخر لإن أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب، والجملة مستأنفة لإثبات ما قبلها وتعليله ‏{‏إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ‏}‏ أي إن كنتم ممن عنده شيء من الإيقان وطرف من العلوم اليقينية على أن الوصف المتعدي منزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى ما يتعلق به، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم من أهل الإيقان علمتم كونه سبحانه رب السموات والأرض لأنه من أظهر اليقينيات دليلاً وحينئذٍ يلزمكم القول بما يقتضيه مما ذكر أولاً، ويجوز أن يكون مفعوله مقدراً أي إن كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم عمن خلق السموات والأرض فقلتم الله تعالى خلقهن، والجواب أيضاً محذوف أي إن كنتم موقنين في إقراركم بذلك علمتم ما يقتضيه مما تقدم لظهور اقتضائه إياه، وجعل غير واحد الجواب على الوجهين تحقق عندكم ما قلناه، ولم يجوزوا جعله مضمون ‏{‏رَبّ السموات‏}‏ الخ لأنه سبحانه كذلك أيقنوا أم لم يوقنوا فلا معنى لجعله دالاً عليه، وكذا جعله مضمون ما بعد بل هذا مما لا يحسن باعتبار العلم أيضاً‏.‏

وفي هذا الشرط تنزيل إيقانهم منزلة عدمه لظهور خلافه عليهم، وهو مراد من قال‏:‏ إنه من باب تنزيل العالم منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، قيل‏:‏ ولا يصح أن يقال‏:‏ إنهم نزلوا منزلة الشاكين لمكان قوله سبحانه بعد‏:‏ ‏{‏بْل هُمْ فَى شَكّ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 9‏]‏ ولا أرى بأساً في أن يقال‏:‏ إنهم نزلوا أولاً كذلك ثم سجل عليهم بالشك لأنهم وإن أقروا بأنه عز وجل رب السموات والأرض لم ينفكوا عن الشك لإلحادهم في صفاته سبحانه وإشراكهم به تعالى شأنه‏.‏

وجوز أن يكون ‏{‏مُّوقِنِينَ‏}‏ مجازاً عن مريدين الإيقان والجواب محذوف أيضاً أي إن كنتم مريدين الإيقان فاعلموا ذلك، وفيه بعد، وأما جعل ‏{‏ءانٍ‏}‏ نافية كما حكاه النيسابوري فليس بشيء كما لا يخفى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ إله إِلاَّ هُوَ‏}‏ جملة مستأنفة مقررة لما قبلها، وقيل‏:‏ خبر لمبتدأ محذوف أي هو سبحانه لا إله إلا هو؛ وجملة المبتدأ وخبره مستأنفة مقررة لذلك، وقيل‏:‏ خبر آخر لإن على قراءة ‏{‏رَبّ السموات‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 7‏]‏ بالرفع وجعله خبراً، وقيل‏:‏ خبر له على تلك القراءة وما بينهما اعتراض ‏{‏لاَ إله‏}‏ مستأنفة كما قبلها، وكذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ الاولين‏}‏ بإضمار مبتدأ أو بدل من ‏{‏رَبّ السموات‏}‏ على تلك القراءة أو بيان أو نعت له، وقيل‏:‏ فاعل ليميت، وفي ‏{‏يُحْىِ‏}‏ ضمير راجع إليه والكلام من باب التنازع أو إلى ‏{‏رَبّ السموات‏}‏، وقيل‏:‏ ‏{‏لاَ إله‏}‏ خبر آخر لرب السموات وكذا ‏{‏رَبُّكُمْ‏}‏ وقيل‏:‏ هما خبران آخران لإن، وقرأ ابن أبي إسحاق‏.‏ وابن محيصن‏.‏ وأبو حيوة‏.‏ والزعفراني وابن مقسم‏.‏ والحسن‏.‏ وأبو موسى‏.‏ وعيسى بن سليمان‏.‏ وصالح كلاهما عن الكسائي بالجر بدلاً من ‏{‏رَبّ السموات‏}‏ على قراءة الجر، وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي بالنصب على المدح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏بْل هُمْ فَى شَكّ‏}‏ إضراب إبطالي أبطل به إيقانهم لعدم جريهم على موجبه، وتنوين ‏{‏شَكٌّ‏}‏ للتعظيم أي في شك عظيم ‏{‏يَلْعَبُونَ‏}‏ لا يقولون ما يقولون مما هو مطابق لنفي الأمر عن جد وإذعان بل يقولونه مخلوطاً بهزء ولعب وهذه الجملة خبر بعد خبر لهم‏.‏

وجوز أن تكون هي الخبر والظرف متعلق بالفعل قدم للفاصلة، والالتفات عن خطابهم لفرط عنادهم وعدم التفاتهم، والفاء في قوله تعالى‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏فارتقب‏}‏ لترتيب الارتقاب أو الأمر به على ما قبلها فإن كونهم في شك يلعبون مما يوجب ذلك حتماً أي فانتظر لهم ‏{‏يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ‏}‏ أي يوم تأتي بجدب ومجاعة فإن الجائع جداً يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان وهي ظلمة تعرض للبصر لضعفه فيتوهم ذلك فإطلاق الدخان على ذلك المرئي باعتبار أن الرائي يتوهمه دخاناً، ولا يأباه وصفه بمبين وإرادة الجدب والمجاعة منه مجاز من باب ذكر المسبب وإرادة السبب أو لأن الهواء يتكدر سنة الجدب بكثرة الغبار لقلة الأمطار المسكنة له فهو كناية عن الجدب وقد فسر أبو عبيدة الدخان به، وقال القتيبي‏:‏ يسمى دخاناً ليبس الأرض حتى يرتفع منها ما هو كالدخان، وقال بعض العرب‏:‏ نسمي الشر الغالب دخاناً، ووجه ذلك بأن الدخان مما يتأذى به فأطلق على كل مؤذ يشبهه، وأريد به هنا الجدب ومعناه الحقيقي معروف، وقياس جمعه في القلة أدخنة وفي الكثرة دخنان نحو غراب وأغربة وغربان، وشذوا في جمعه على فواعل فقالوا‏:‏ دواخن كأنه جمع داخنة تقديراً، وقرينة التجوز فيه هنا حالية كما ستعلمه إن شاء الله تعالى من الخبر، والمراد باليوم مطلق الزمان وهو مفعول به لارتقب أو ظرف له والمفعول محذوف أي ارتقب وعد الله تعالى في ذلك اليوم وبالسماء جهة العلو، وإسناد الإتيان بذلك إليهما من قبيل الإسناد إلى السبب لأنه يحصل بعدم إمطارها ولم يسند إليه عز وجل مع أنه سبحانه الفاعل حقيقة ليكون الكلام مع سابقه المتضمن إسناد ما هو رحمة إليه تعالى شأنه على وزان قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 7‏]‏ وتفسير الدخان بما فسرناه به مروى عن قتادة‏.‏ وأبي العالية‏.‏ والنخعي‏.‏ والضحاك‏.‏ ومجاهد‏.‏ ومقاتل وهو اختيار الفراء‏.‏ والزجاج‏.‏

وقد روي بطرق كثيرة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أخرج أحمد‏.‏ والبخاري‏.‏ وجماعة عن مسروق قال‏:‏ جاء رجل إلى عبد الله فقال‏:‏ إني تركت رجلاً في المسجد يقول في هذه الآية ‏{‏يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ‏}‏ الخ‏:‏ يغشى الناس قبل يوم القيامة دخان، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام فغضب وكان متكئاً فجلس ثم قال‏:‏ من علم منكم علماً فليقل به، ومن لم يكن يعلم فليقل الله تعالى أعلم‏.‏ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله تعالى أعلم، وسأحدثكم عن الدخان إن قريشاً لما استصعبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبطؤا عن الإسلام قال‏:‏ اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينه كهيئة الدخان من الجوع، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏فارتقب‏}‏ إِلَى ‏{‏أَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 11‏]‏ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل‏:‏ يا رسول الله استسق الله تعالى لمضر فاستسقى لهم عليه الصلاة والسلام، فسقوا فأنزل الله تعالى‏:‏

‏{‏إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 15‏]‏ الخبر‏.‏ وفي رواية أخرى صحيحة أنه قال‏:‏ لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدباراً قال‏:‏ اللهم سبعاً كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام، فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا‏:‏ يا محمد إنك تزعم أنك قد بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا، فادع الله تعالى فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعاً فشكا الناس كثرة المطر فقال‏:‏ اللهم حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقى الناس حولهم قال‏:‏ فقد مضت آية الدخان وهو الجوع الذي أصابهم الحديث، وظاهره يدل كما في تاريخ ابن كثير على أن القصة كانت بمكة فالآية مكية‏.‏

وفي بعض الروايات أن قصة أبي سفيان كانت بعد الهجرة فلعلها وقعت مرتين، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في سورة المؤمنين‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج أنه قال في هذا الدخان‏:‏ كان في يوم فتح مكة وفي «البحر» عنه أنهق ال‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَأْتِى السماء‏}‏ وهو يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة، وفي رواية ابن سعيد أن الأعرج يروي عن أبي هريرة أنه قال‏:‏ كان يوم فتح مكة دخان، وهو قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فارتقب يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ‏}‏ ويحسن على هذا القول أن يكون كناية عما حل بأهل مكة في ذلك اليوم من الخوف والذل ونحوهما، وقال علي كرم الله تعالى وجهه‏.‏ وابن عمر‏.‏ وابن عباس‏.‏ وأبو سعيد الخدري‏.‏ وزيد بن علي‏.‏ والحسن‏:‏ إنه دخان يأتي من السماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ويعتري المؤمن كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص‏.‏

وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً أول الآيات الدجال ونزول عيسى ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا والدخان، قال حذيفة‏:‏ يا رسول الله وما الدخان‏؟‏ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فارتقب يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ‏}‏ وقال‏:‏ يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره، فالدخان على ظاهره والمعنى فارتقب يوم ظهور الدخان‏.‏

وحكى السفاريني في «البحور الزاخرة» عن ابن مسعود أنه كان يقول‏:‏ هما دخانان مضى واحد والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض ولا يصيب المؤمن إلا بالزكمة وأما الكافر فيشق مسامعه فيبعث الله تعالى عند ذلك الريح الجنوب من اليمن فتقبض روح كل مؤمن ويبقى شرار الناس، ولا أظن صحة هذه الرواية عنه‏.‏

وحمل ما في الآية على ما يعم الدخانين لا يخفى حاله، وقيل‏:‏ المراد بيوم تأتي السماء الخ يوم القيامة فالدخان يحتمل أن يراد به الشدة والشر مجازاً وأن يراد به حقيقته‏.‏

وقال الخفاجي‏:‏ الظاهر عليه أن يكون قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَأْتِى السماء‏}‏ إلى آخره استعارة تمثيلية إذ لا سماء لأنه يوم تشقق فيه السماء فمفرداته على حقيقتها، وأنت تعلم أنه لا مانع من القول بأن السماء كما سمعت أولاً بمعنى جهة العلو سلمنا أنها بمعنى الجرم المعروف لكن لا مانع من كون الدخان قبل تشققها بأن يكون حين يخرج الناس من القبور مثلاً بل لا مانع من القول بأن المراد من إتيان السماء بدخان استحالتها إليه بعد تشققها وعودها إلى ما كانت عليه أولاً كما قال سبحانه‏:‏ ‏{‏ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِىَ دُخَانٌ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 11‏]‏ ويكون فناؤها بعد صيرورتها دخاناً‏.‏

هذا والأظهر حمل الدخان على ما روي عن ابن مسعود أولاً لأنه أنسب بالسياق لما أنه في كفار قريش وبيان سوء حالهم مع أن في الآيات بعد ما هو أوفق به، فوجه الربط أنه سبحانه لما ذكر من حالهم مقابلتهم الرحمة بالكفران وأنهم لم ينتفعوا بالمنزل والمنزل عليه عقب بقوله تعالى شأنه‏:‏ ‏{‏فارتقب يَوْمَ‏}‏ الخ، للدلالة على أنهم أهل العذاب والخذلان لا أهل الإكرام والغفران‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏يغشى الناس‏}‏ أي يحيط بهم، والمراد بهم كفار قريش، ومن جعل الدخان ما هو من أشراط الساعة حمل ‏(‏الناس‏)‏ على من أدركه ذلك الوقت، ومن جعل ذلك يوم القيامة حمل ‏(‏الناس‏)‏‏}‏ على العموم‏.‏ والجملة صفة أخرى للدخان‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ‏}‏ في موضع نصب بقول مقدر وقع حالاً أي قائلين أو يقولون هذا الخ‏.‏ والإشارة للتفخيم، وقيل‏:‏ يجوز أن يكون هذا عذاب أليم إخباراً منه عز وجل تهويلاً للأمر كما قال سبحانه وتعالى في قصة الذبيح ‏{‏إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 106‏]‏ فهو استئناف أو اعتراض والإشارة بهذا للدلالة على قرب وقوعه وتحققه، وما تقدم أولى، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا‏}‏ إلى آخره كما صرح به غير واحد من المفسرين وعد منهم بالإيمان إن كشف جل وعلا عنهم العذاب، فكأنهم قالوا‏:‏ ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا لكن عدلوا عنه إلى ما في المنزل إظهاراً لمزيد الرغبة وحملوه على ذلك لما في بعض الروايات أنه لما اشتد القحط بقريش مشى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم وواعده أن دعا لهم وزال ما بهم آمنوا والمراد بقوله سبحانه وتعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏أنى لَهُمُ الذكرى‏}‏ نفي صدقهم في الوعد وأن غرضهم إنما هو كشف العذاب والخلاص أي كيف يتذكرون أو من أين يتذكرون بذلك ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم‏.‏

‏{‏وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ‏}‏ أي والحال أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات الاتعاظ ما هو أعظم من ذلك في إيجابهما حيث جاءهم رسول عظيم الشأن ظاهر أمر رسالته بالآيات والمعجزات التي تخر لها صم الجبال أو مظهر لهم مناهج الحق بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ‏}‏ أي عن ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام وهو هو والجملة عطف على قوله تعالى‏:‏ و‏{‏قَدْ جَاءهُمُ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 13‏]‏ إلى آخره، وعطفها على قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏ 12‏]‏ الخ لأنه على معنى قالوا‏:‏ ربنا الخ ليس بذاك، وثم للاستبعاد والتراخي الرتبي وإلا فهم قد تولوا ريثما جاءهم وشاهدوا منه ما شاهدوا مما يوجب الإقبال إليه صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَقَالُواْ‏}‏ مع ذلك في حقه عليه الصلاة والسلام‏.‏

‏{‏مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ‏}‏ أي قالوا تارة‏:‏ يعلمه عداس غلام رومي لبعض ثقيف وأخرى مجنون أو يقول بعضهم كذا وآخرون كذا ولم يقل ومجنون بالعطف لأن المقصود تعديد فبائحهم وقرأ زر بن حبيش معلم بكسر اللام فمجنون صفة له وكأنهم أرادوا رسول مجنون وحاشاه ثم حاشاه صلى الله عليه وسلم‏.‏