فصل: تفسير الآية رقم (122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير التستري



.تفسير الآية رقم (122):

{وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}
قوله تعالى: {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [122] قال: ليتعلموا ما يحتاج إليه في أمر الدين. وقد حكي عن الحسن البصري أنه قال: الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير في أمر دينه. وسئل سهل عن معنى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، فقال: يعني علم الحال. قيل: وما علم الحال؟ قال: من الباطن الإخلاص، ومن الظاهر الاقتداء، فمن لم يكن ظاهره إمام باطنه، وباطنه كمال ظاهره فهو في تعب من البدن. قيل: وما تفسير ذلك؟ قال: إن اللّه قائم عليك في سرك وعلانيتك وحركاتك وسكونك لا تغيب عنه طرفة عين، كما قال: {أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} [الرعد: 33]. وقال: {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] الآية، وقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وهو العرق الذي في جوف القلب، فأخبر أنه أقرب إلى القلب من ذلك العرق. فإذا علمت ذلك، ينبغي أن تستحي منه، وما هاج في القلب شيء مما تهوى النفس. فذكر العبد قيام اللّه عزّ وجلّ عليه، فتركه إلّا دخل قلبه من علم حاله ما لو قسم ما أعطى ذلك العبد على أهل المدينة لسعدوا جميعا وفازوا به، وقد أشار إليه مالك بن أنس رضي اللّه عنهما حيث قال: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يجعله اللّه في القلب.
قيل له: كيف يعرف الرجل الحال والعلم به؟ فقال: إذا كنت تتكلم فحالك الكلام، وإذا سكت فحالك السكوت، وإذا قمت فحالك القيام، وإذا قعدت فحالك القعود، والعلم به أن تنظر أن هذا الحال للّه أو لغيره، فإن كانت للّه استقررت عليها، وإن كانت لغيره تركتها، وهو المحاسبة التي أمر بها عمر رضي اللّه عنه حيث قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا. وقد كان عمر رضي اللّه عنه يضرب نفسه بالدرة في المحاسبة.

.السورة التي يذكر فيها يونس عليه السلام:

.تفسير الآيات (2- 3):

{أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3)}
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} [2] قال: يعني سابقة رحمة أودعها في محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} [3] قال: يقضي القضاء وحده، فيختار للعبد ما هو خير له، فخيرة اللّه خير له من خيرته لنفسه. وقيل لسهل حين احتضر: فيما تكفن، وأين تقبر، ومن يصلي عليك بعد موتك؟ فقال: أدبر أمري حيا وميتا، وقد كفيت عنه بسابق تدبير اللّه تعالى لعبده.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قوله تعالى: {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ} [12] قال: الدعاء هو التبري مما سوى اللّه تعالى.

.تفسير الآية رقم (22):

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قوله: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [22] قال: الإخلاص هو المشاهدة، وحياة القلب في شيئين، الإيمان في الأصل والإخلاص في الفرع، وإن الإخلاص خطر عظيم، وصاحبه منه على حذر حتى يصل إخلاصه بالموت، لأن الأعمال بالخواتيم، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].

.تفسير الآية رقم (25):

{وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [25] قال: الدعوة عامة والهداية خاصة، فإنه رد الهداية إلى المشيئة وهي سابقة القدر من اللّه تعالى.

.تفسير الآية رقم (51):

{أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [51] يعني كنتم تستعجلون بالجحود بنا، وتذكرون غيرنا، فإذا صرتم إلينا وعاينتم ما وعدناكم من عذابنا آمنتم حين لا ينفع، فلا بد للخلق كلهم من الإقرار بالتوحيد في الآخرة عند تجلي حكم الذات، ونزول الأضداد والأنداد، والدعاوي بها، لزوال الشك وخوف العذاب.

.تفسير الآية رقم (58):

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [58] أي بتوحيده ونبيه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم كما قال: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

.تفسير الآية رقم (62):

{أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [62] قال سهل: هم الذين وصفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا رؤوا ذكر اللّه» وهم المجاهدون في اللّه السابقون إليه الذين توالت أفعالهم على الموافقة {أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4] وقال: اجتمع الخير كله في هذه الأربعة وبها صاروا أبدالا: إخماص البطون، والاعتزال عن الخلق، وسهر الليل، والصمت. قيل له: لم سمي الأبدال أبدالا؟ فقال: لأنهم يبدلون الأحوال، أخرجوا أبدانهم عن الحيل في سرهم، ثم لا يزالون ينقلبون من حال إلى حال، ومن علم إلى علم، فهم أبدا في المزيد من العلم فيما بينهم وبين ربهم.
قيل: الأوتاد أفضل أم الأبدال؟ قال: الأوتاد. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الأوتاد قد بلغوا وثبتت أركانهم، والأبدال ينقلبون من حال إلى حال. وقال سهل: لقيت ألفا وخمسمائة صدّيق، فمنهم أربعون بديلا وسبعة أوتاد، وطريقهم ومذهبهم ما أنا عليه. وكان يقول: أنا حجة اللّه عليكم خاصة، وعلى الناس عامة. وكان من طريقه وسيرته أنه كان كثير الشكر والذكر، دائم الصمت والفكر، قليل الخلاف، سخي النفس، قد ساد الناس بحسن الخلق والرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم، متمسكا بالأصل، عاملا بالفرع، قد حشى اللّه قلبه نورا، وأنطق لسانه بالحكمة، وكان من خير الأبدال، وإن قلنا من الأوتاد فقد كان القطب الذي يدور عليه الرحى، ولو لا أن الصحابة لا يقاس بهم أحد لصحبتهم ورؤيتهم لكان كأحدهم، عاش حميدا ومات غريبا بالبصرة رحمة اللّه عليه. وقد كان رجل يصحب سهلا يقال له عبد الرحمن بن أحمد، فقال يوما لسهل: يا أبا محمد، إني ربما أتوضأ للصلاة فيسيل الماء من بين يدي فيصير قضبان ذهب وفضة. فقال سهل: يا حبيبي، أما علمت أن الصبي إذا بكى يناول خشخاشة حتى يشتغل بها، فانظر أي شيء هو هذا يعمل. وقال: كان في منزله بيت يقال له بيت السباع، وكانت السباع تجيء سهلا، فكان يدخلها ذلك البيت، ويضيفها فيطعمها اللحم، ثم يخليها.

.تفسير الآية رقم (109):

{وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)}
قوله: {وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ} [109] قال: أجرى اللّه في الخلق أحكامه، وأيدهم على اتباعها بفضله وقدرته، ودلّهم على رشدهم بقوله: {وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ} [109] فالصبر على الاتباع ترك تدبير النفس، ففيه النجاة عاجلا من رعونات النفس، وآجلا من حياء المخالفة.

.السورة التي يذكر فيها هود عليه السلام:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآية رقم (1):

{الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
قوله تعالى: {فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [1] أي بيّن فيها الوعد على الطاعة، والوعيد بالعقاب على المعصية والإصرار عليها.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
قوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [3] قال: الاستغفار هو الإجابة، ثم الإنابة ثم التوبة، ثم الاستغفار فالإجابة بالظاهر، والإنابة بالقلب، والتوبة مداومة الاستغفار من تقصيره فيها.
قوله: {يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً} [3] قال: ترك الخلق والإقبال على الحق.

.تفسير الآية رقم (15):

{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15)}
قوله: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ} [15] قال: يعني من أراد بعلمه غير اللّه آتاه اللّه أجر عمله في الدنيا، فلا يبقى له في الآخرة شيء، لأنه لم يخلص بعمله للّه لما أحب له من المنزلة في الدنيا، ولو علم أن اللّه سخر الدنيا وأهلها لطلاب الآخرة لم يراء بعلمه. وقد قيل لسهل: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص. قيل: ولم ذلك؟
فقال: لأنه ليس للنفس فيه نصيب. وسئل: هل يدخل الفرائض رياء؟ فقال: نعم، قد دخل الإيمان الذي هو أصل الفرائض حتى أبطله وصار نفاقا، فكيف العمل، فكل من لم يعب أحد عليه في ظاهره، ويعلم اللّه خلافه من سره في أي حال كان، فهو المرائي الذي لا شك فيه.

.تفسير الآية رقم (23):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23)}
قوله تعالى: {وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ} [23] أي خشعت قلوبهم إلى ربهم، وهو الخشية، فالخشوع ظاهر والخشية سر، كما قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه». فقد حكي أن موسى صلوات اللّه عليه قص في بني إسرائيل، فمزق واحد منهم قميصه، فأوحى اللّه تعالى إلى موسى أن قل له: مزق لي قلبك ولا تمزق لي ثيابك.

.تفسير الآية رقم (40):

{حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)}
قوله تعالى: {وَفارَ التَّنُّورُ} [40] قال: كان تنورا من حجارة، وهو تنور آدم صار لنوح قد جعل اللّه فوران الماء منه علامة عذابه، وجعل ينبوع عيون قلب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بأنوار العلوم رحمة لأمته، إذ أكرمه اللّه تعالى بهذه الكرامة، فنور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نوره، ونور الملكوت من نوره، ونور الدنيا والآخرة من نوره، فمن أراد المحبة حقيقة فليتبعه، قال اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فجعل المحبة في اتباعه، وجعل جزاء اتباعه محبته لعباده، وهي أعلى الكرامة.
وقد حكي عن أبي موسى الأشعري قال: بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ أقبل بنا حتى نصبنا وجهه كأنه يريد أن يخبرنا، ثم سجد وسجدنا معه في أول النهار، حتى كان نحو نصف من النهار، حتى وجد بعضنا طعم التراب في أنفه، حتى قال بعضنا لبعض: قد مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم رفع رأسه فقال: اللّه أكبر. فقلنا: اللّه أكبر. فقال له قائل: يا رسول اللّه، لقد ظننا أنك مت، ولو كان ذلك ما بالينا أن تقع السماء على الأرض. فقال: أتاني حبيبي جبريل صلوات اللّه عليه، فقال لي: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن يدخل ثلث أمتك الجنة، وبين الشفاعة، فلما طمعت في الثلث اخترت الشفاعة، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم، فأتاني فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن يدخل ثلثي أمتك الجنة، وبين الشفاعة، فلما طمعت في الثلثين اخترت الشفاعة، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم، ثم أتاني فقال لي: يا محمد، إن ربك قد شفعك في الثلثين، ولم يجبك في الثلث، فسجدت شكرا للّه تعالى فيما أعطاني.
وقال سهل: انتهت همم العارفين إلى الحجب، فوقفت مطرقة، فأذن لها بالدخول، فدخلت فسلمت، فخلع عليها خلع التأييد، وكتب لها من الرقع براءات، وأن همم الأنبياء صلوات اللّه عليهم جالت حول العرش، فألبست الأنوار، ورفع منها الأقدار، واتصلت بالجبار فأفنى حظوظها، وأسقط مرادها، وجعلها متصرفة به له. وقال: آخر درجات الصديقين أول أحوال للأنبياء صلوات اللّه عليهم، وإن صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه تعالى بجميع أحوال الأنبياء، وليس في الجنة ورقة من أوراق الأشجار إلا ومكتوب عليها محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، به ابتدأ الأشياء وبه ختمها، فسماه خاتم النبيين.