فصل: تفسير الآيات (268- 269):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير التستري



.تفسير الآيات (268- 269):

{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269)}
وسئل عن قوله: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ} [268] قال: هو أن يأخذوا الشيء من غير حله، ويضعوه في غير محله.
وسئل عن قوله: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [269] قال: روى أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «القرآن حكمة اللّه عزّ وجلّ بين عباده فمن تعلم القرآن وعمل به فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه إلّا أنه لا يوحى إليه يحاسب حساب الأنبياء عليهم السلام إلّا في تبليغ الرسالة». وأخبرني محمد بن سوار عن عقيل عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «القرآن حكمة فمن تعلم القرآن في شبيبته خلط بلحمه ودمه. ألا وإن النار لا تمس قلبا وعى القرآن، ولا جسدا اجتنب محارمه وأحل حلاله وآمن بمحكمه ووقف عند متشابهه ولم يبتدع فيه».
وقال مجاهد وطاووس : الحكمة القرآن، كما قال في النحل: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125] يعني القرآن. وقال الحسن : الحكمة: الفهم في القرآن، والحكمة النبوة، كما قال في ص: {وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ} [ص: 20] يعني النبوة، وقال لداود عليه السلام: {وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [251] يعني النبوة من الكتاب.
وقال قتادة : الحكمة: هي الفقه في دين اللّه عزّ وجلّ، واتباع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال السّدي : الحكمة النبوة. وقال: زيد بن أسلم : الحكمة العقل. وقال الربيع ابن أنس : الحكمة خشية اللّه تعالى. وقال ابن عمر: الحكمة ثلاث: آية محكمة، وسنة ماضية، ولسان ناطق بالقرآن. وقال أبو بكر: قال سهل: الحكمة إجماع العلوم، وأصلها السنة، قال اللّه تعالى: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] فالآيات الفرض، والحكمة السنة. وأراد سهل من ذلك أن العرب تقول: حكمت الرجل إذا منعته من الضرر والخروج عن الحق مثل قوله: {حِكْمَةٌ بالِغَةٌ} [القمر: 5] قال: أي تامة، كما قال: {آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء: 74] فهي حينئذ بلغت إلى أهلها دون غيرهم، فهم في كل حال فيها ينطقون، وإلى أحكامها يفزعون، وعن معانيها يكشفون، كما قيل: زاحم الحكماء، فإن اللّه يحيي القلوب الميتة بالحكم، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر. ثم قال: رأس مال الحكمة ثلاث: الأول رياض النفس في المكروهات، والثاني فراغ القلب عن حب الشهوات، والثالث القيام على القلب بحفظ الخطرات، ومن راقب اللّه عند خطرات قلبه عصمه عند حركات جوارحه. وقال عمر بن واصل : {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ} [269] أي يؤتي الإصابة في كتابه من يشاء، كما قال اللّه تعالى لأزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عند تعداد النعم عليهن: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] فالآيات القرآن، والحكمة ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من المستنبط منها، كما قال علي رضي اللّه عنه: الآيات رجل آتاه اللّه فهما في كتابه.

.تفسير الآية رقم (273):

{لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
وسئل عن قوله: {لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [273] وعن الفرق بينهم وبين المساكين. فقال: اللّه تعالى وصف الفقير بصفة العدم من حال سؤال الافتقار واللجأ إليه، ووصفهم بالرضا والقنوع، فقال تعالى: {لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً} [273] وهم أصحاب صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهم نحو من أربعين رجلا، ليست لهم في المدينة مساكن ولا عشائر، فهذه أحوال أقوام مدحهم اللّه تعالى لشدة الافتقار إليه، لا استطاعة لهم ولا قوة إلا به ومنه، هو حولهم وقوتهم، نزع عنهم قوة سكون قلوبهم إلى غيره، وهو وسوسة النفس إلى شيء دون اللّه تعالى، فهم بهذا الوصف أعلى حالا، فمن ردّه اللّه تعالى إلى مساكنة نفسه فقال: {لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فردهم إلى حالتهم التي قد سكنوا إليها.
وأما الفقير الذي سلمه الفقر إلى اللّه تعالى إن حركته في موت نفسه فهو أحسن حالا من الذي سكن إلى حال له لمتابعة نفسه. قال عمر بن واصل: وإذا كان الفقير إلى اللّه عزّ وجلّ الراضي لا يسكن إلّا بالرضا والتسليم، فقد كمل له الاسمان جميعا الفقر والمسكنة. قال أبو بكر سمعت سهلا يقول الفقير الفقير العاجز، وهو الفقر بلبلبة القلب إلى اللّه عزّ وجلّ، والسكون إليه بالطاعة والمسكنة ذل، وهي المعصية للّه. قال: وحكى الحسن عن أنس رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال لما أنزلت هذه الآية: «صانعوا الفقراء ليوم ملكهم. فقيل: يا رسول اللّه ومتى ملكهم؟ قال: يوم القيامة».

.تفسير الآية رقم (281):

{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281)}
وسئل عن قوله: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [281] فقال: هي آخر آية ختم اللّه تعالى بها القرآن، وتوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد نزولها بثمانين يوما.
ثم قال: إذا دخلت مظالم ليلة أهل الدنيا لأهل الدنيا ذهب النوم والقرار عن أهل السجن، ما يدرون ما يصنع بهم بدعتي عليهم، فيقتلون أو يعذبون، أم يعفى عنهم فيطلقون، فهذه مظالم أهل الدنيا لأهل الدنيا، فكيف مظالم الحق لأهل العقبى؟.

.تفسير الآية رقم (286):

{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)}
قوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} [286] أي طاقتها، {لَها ما كَسَبَتْ} [286] أي ثواب العمل الصالح، {وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} [286] يعني أوزار الذنوب. ثم قال: من لم تهمه الذنوب السالفة لم يعصم في أيامه الغابرة، ومن لم يعصمه اللّه تعالى في بقية أيامه فهو من الهالكين في معاده. قيل له: متى يعرف الرجل ذنوبه؟ قال: إذا حفظ أنوار قلبه فلم يترك شيئا يدخل عليه ولا يخرج منه، إلّا بوزن، حينئذ يعرف ذنوبه، فمن فتح على نفسه باب حسنة فتح اللّه عليه سبعين بابا من التوفيق، ومن فتح على نفسه باب سيئة فتح اللّه عليه سبعين بابا من الشر من حيث لا يعلمه العبد، وما من قلب يهم بما لا يعنيه إلّا عوقب في الحال بتضييع ما يعنيه، ولا يعرف ذلك إلّا العلماء باللّه. وسئل عن قوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} [180] ما هذا الخير عندك؟
قال: المال الحلال، كما قال اللّه تعالى: {ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ} [215] أي من مال حلال في وجوهه وابتغاء مرضاته، فقال: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ} [272] أي من مال حلال، {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} [272] أي توفون الجزاء من اللّه تعالى على فعلكم وما قصدتم به. وسئل عن قوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ} [177] أي في بداية الأمر بالسنة، {وَالضَّرَّاءِ} [177] أي في اجتناب المنهي ظاهرا وباطنا في أكل الحلال، والبأساء في الظاهر الفقر، والضراء الشدة، {وَحِينَ الْبَأْسِ} [177] أي عند القتال.
وسئل عن قوله: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [206] قال: يعني الحمية، كما قال في ص: {فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ} [ص: 2] أي في حمية واختلاف. وقوله: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [165] أي يحبون الأنداد كحبهم اللّه عزّ وجلّ، فقد وصف اللّه تعالى شدة كفرهم وصدقهم في حال الكفر جهلا، ووصف محبة المؤمنين وصدقهم في الإيمان باللّه تعالى حقا، ثم فضل المؤمنين بالمعرفة فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [165] بمعرفتهم وسائر أسباب العبد المؤمن إلى الإقبال عليه وإقامة الذكر له، وتلك منزلة العارفين المحبين، إذ المحبة عطف من اللّه تعالى بخالصة الحق. فقيل له: ما علامة المحبة؟ قال: معانقة الطاعة ومباينة الفاقة.
وقد حكي أن اللّه تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: أتدري لم ألقيت عليك محبتي؟ فقال: لا يا رب. فقال: لأنك ابتغيت مسرتي. يا موسى: أنزلني منك على بال، ولا تنس ذكري على حال، وليكن همتك ذكري، فإن طريقك عليّ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

.السورة التي يذكر فيها آل عمران:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآيات (1- 2):

{الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}
{الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [1- 2] قال: هو اسم اللّه الأعظم مكتوب على السماء بالنور الأخضر من المشرق إلى المغرب. قوله:

.تفسير الآية رقم (4):

{مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)}
{وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ} [4] يعني القرآن فيه المخرج من الشبهة والضلالة.

.تفسير الآيات (7- 8):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (7) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}
قوله: {فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ} [7] يعني الكفر. {وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ} [7] يعني تفسيره على ما يوافق هوى نفوسهم. {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [7] قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: أنزل القرآن على أربعة أحرف، حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسيره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلّا اللّه تعالى، فمن ادعى علمه سوى اللّه عزّ وجلّ فهو كاذب.
قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [7] قال: حكي عن علي رضي اللّه عنه: هم الذين حجبهم العلم عن الاقتحام بالهوى والحجج المضروبة، دون الغيوب لما هداهم اللّه وأشرفهم على أسراره المغيبة في خزائن العلوم فقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا} [7] فشكر اللّه تعالى لهم وجعلهم أهل الرسوخ والمبالغة في العلم زيادة منه لهم، كما قال اللّه تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه: 114] قال سهل: استثنى اللّه تبارك وتعالى الراسخين في العلم بقولهم: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا} [7] يعني الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه، وهم الكاشفون عن العلوم الثلاثة إذ العلماء ثلاثة: الربانيون والنورانيون والذاتيون، وبعد العلوم الأربعة: الوحي والتجلي والعندي واللدني، كما قال تعالى: {آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف: 65]، {وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ} [البقرة: 269] أي وما يتذكر إلّا أولو الفهم والعقول الذين يقولون: {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا} [8] أي لا تمل قلوبنا عن الإيمان بعد إذ هديتنا بهداية منك، {وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [8] لمن رجع إليك بالافتقار والتضرع والمسكنة. ثم قال سهل: ليس للعبد حيلة سوى أن يواظب في جميع عمره على قول: «رب سلم سلم، الأمان الأمان، الغوث الغوث».
قال اللّه تعالى: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] يعني ينبغي للموحد أن يعلم يقينا أنه ليس كل من أحب الحق أحبه، لأن إبليس قابله بعلاء الحب فقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61] وأنت اللّه لا يجوز أن يعبد غيرك، حتى لعنه. فليس كل من تقرب إليه قبله وليس كل من أطاعه قبل طاعته، إنه بصير بما في الضمير، فلا يأمن أحد أن يفعل به كما فعل بإبليس لعنه بأنوار عصمته، وهو عنده في حقائق لعنته، ستر عليه ما سبق منه إليه حتى عاقبه بإظهاره عليه، فليس للعبد إلّا استدامة الغوث بين يديه. وقد كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «يا ثابت المثبتين ثبتني بثباتك، يا ثابت الوحدانية لا إله إلّا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين». وكان يقول: «يا ولي الإسلام وأهله ثبتني بالإسلام حتى ألقاك به»، قال: وموضع الإيمان باللّه تعالى القلب، وموضع الإسلام الصدر، وفيه تقع الزيادة والنقصان.

.تفسير الآية رقم (15):

{قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)}
وقوله: {وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ} [15] يعني من الأحداث التي كانت تنالهن في الدنيا من الحيض وغيره، ألا ترى إلى قوله: {وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} [الإنسان: 21] أي طهرهم به من بقاء أدناس الدنيا.