فصل: تفسير الآيات (103- 116):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (103- 116):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)}
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم} أي من بعد قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب {موسى بِآيَاتِنَآ} بحجّتنا وأدلّتنا {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ} فجحدوا وكفروا {بِهَا فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} وكيف فعلنا بهم {وَقَالَ موسى} لمّا دخل على فرعون واسمه قابوس في قول أهل الكتاب.
قال وهب: كان اسمه الوليد بن مصعب بن الربان وكان من القبط وعَمّرَ أكثر من أربعمائة عام وقال موسى: {يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين} إليك فقال فرعون كذبت فقال موسى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق} يعني أنا خليق بأن لا أقول على الله إلاّ الحق، فعلى بمعنى الباء، كما يقال: رميت بالقوس على القوس وجاءني على حال حسنة وبحالة حسنة يدل عليه، قول الفراء والأعمش: حقيق بأن لا أقول. وقال أبو عبيدة: معناه حريص على أن لا أقول على الله إلاّ الحق، وقرأ شيبة ونافع: حقيق على تشديد الياء يعني حق واجب عليَّ ترك القول على الله عزّ وجلّ إلاّ الحق.
{قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني العصا وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت عليّ بن مهدي الطبري يقول: إنّه تعريض يقول: لحقيق مصرف الخطاب و{حَقِيقٌ} فعيل من الحق يكون بمعنى القائل {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ} أي اطلق عنهم وخلهم يرجعون إلى الأرض المقدسة.
قال وهب: وكان سبب استعباد فرعون بني إسرائيل أنّ فرعون حاجّ موسى وكان أشد من فرعون يوسف [........] في يوسف وانقرضت الأسباط عليهم فرعون فاستعبدهم فأنقذهم الله بموسى.
قال: وكان بين اليوم الذي دخل يوسف مصر واليوم الذي دخل موسى رسولاً أربعمائة عام {قَالَ} فرعون مجيباً لموسى {إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * فألقى عَصَاهُ} من يده {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ}.
قال ابن عباس والسدي: كانت عظيمة ذكراً من الحيات، إذا فتحت فاها صار شدقها ثمانين وقد ملأت ما بين سماطي فرعون واضعة لحييها ذراعاً واضع لحية الأسفل في الأرض الأعلى على سور القصر، حتى رأى بعض من كان خارج مدينة مصر رأسها.
ثمّ توجهت نحو فرعون لتبتلعه فوثب فرعون من سريره وهرب منها فأحدث ولم يكن حدث قبل ذلك وهرب الناس وصاحوا وحملت على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً قتل بعضهم بعضاً، ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى خذها وأنا مؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فعادت عصا كما كانت.
ثمّ قال له فرعون: هل معك آية أُخرى، قال: نعم، فأدخل يده في جيبه ثمّ نزعها فأخرجها بيضاء مثل الثلج لها شعاع غلب على نور الشمس، وكان موسى أدم ثمّ أدخلها جيبه فصارت يداً كما كانت.
{قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} يعنون أنّه يأخذ بأعين الناس بخداعه إيّاهم حتّى تخيّل إليهم العصا حيّة والأدم أبيض يري الشيء بخلاف ما هو به، كما قيل سحر المطر الأرض إذا جاءها فقطع نباتها من أصلها وقلب الأرض على البطن فهو يسحرها سحراً والأرض مسحورة فشبه سحر الساحر به لتخيله إلى من سحره أنّه يري الشيء بخلاف ما هو به، ومنه قول بني الرمة في صفة السراب:
وساحرة العيون من الموامي ** ترقص في نواشزها الأروم

{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ} من القبط {مِّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} هذا من قول فرعون للملأ ولم يذكر فرعون فيه كقوله: {الآن حَصْحَصَ الحق} [يوسف: 51] {أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين * ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 51-52] هذا من كلام يوسف ولم يذكر {قالوا أَرْجِهْ} أحبسه {وَأَخَاهُ} هارون ولا تقتلهما ولا يؤمن بهما، وقال عطاء: احبسه وهذا أعجب إليّ لأنّه قد علم أنه لا يقدر على حبسه بعد ما رأى الآيات من العصا واليد.
{وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} يعني الشرطة وكانت له مدائن فيها السحرة عدة للأشياء إذا حزّ به أمر أرسل.
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} قرأها أهل الكوفة على التكثير وقرأ العامّة كل ساحر. والفرق بين الساحر والسحّار أن الساحر الذي لا يعلم والسحار الذي يعلم ولا يعلم. وقال المؤرخ: الساحر من سحره في وقت دون وقت، والسحار من قديم السحر.
قال: فإن غلبهم موسى صدقناه على ذلك وعلمت أنه ساحر.
قال ابن عباس وابن إسحاق والسدي: قال فرعون لمّا رأى من سلطان الله في العصا ما رأى: إنا لا نغالب موسى إلاّ بمَنْ هو مثله فأخذ غلمان بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية يقال لها الفرقاء يعلّمونهم السحر كما يعلّم الصبيان الكتابة في المكتب فعلّموهم سحراً كثيراً وواعد فرعون موسى موعداً، فبعث فرعون إلى السحرة فجاء بهم ومعهم معلمهم فقال له ماذا صنعت؟ قال: قد علمتهم سحراً لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلاّ أن يكون أمر من السماء فإنّه لا طاقة لهم به، ثم بعث فرعون الشرطي في مملكته فلم يترك في سلطانه ساحراً إلاّ أتى به واختلفوا في عدد السحرة الذين جمعهم فرعون.
فقال مقاتل: كان السحرة اثنين وسبعين ساحراً اثنان فيهم من القبط وهما رئيسا القوم وسبعون من بني إسرائيل.
وقال الكلبي: كانوا سبعين ساحراً غير رئيسهم وكان الذين يعلّمونهم السحر رجلين مجوسيين من أهل نينوى، وقال كعب: كانوا اثني عشر ألفاً. قال السدي: كانوا بضعة وثلاثين. عكرمة: سبعين ألفاً، ابن المنكدر: ثمانين ألفاً فاختار منهم سبعة آلاف ليس منهم إلا ساحر ماهر ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين من كبرائهم وعلمائهم، وقاله ابن جريج، فلمّا أجتمع السحرة {قالوا} لفرعون {إِنَّ لَنَا لأَجْراً} أي جعلاً وثواباً.
{إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين * قَالَ} فرعون {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} في المنزلة عندي.
قال الكلبي: أوّل مَنْ يدخل عليّ وآخر مَنْ يخرج {قَالُواْ} يعني السحرة.
{ياموسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} بعصيّنا وحبالنا.
{قَالَ} موسى {أَلْقَوْاْ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم} أي أرعبوهم وأفزعوهم {وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} وذلك أنّهم ألقوا حبالاً وعظاماً وخشباً طوالاً فإذا هي حيّات كالجبال قد ملأت الوادي يأكل بعضهم بعضاً.

.تفسير الآيات (117- 136):

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}
{وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} تبتلع، ومَنْ قرأ تلقف ساكنة اللام خفيفة القاف فهو من لقف يلقف، ودليله قراءة سعيد بن جبير: تلقم من لقم يلقم.
{مَا يَأْفِكُونَ} يُكذّبون، وقيل: يقلبون ويزوّرون على الناس فأكلت سحرهم كله فقالت السحرة: لو كان هذا سحراً لبقت حبالنا وعصينا. فذلك قوله: {فَوَقَعَ الحق} أي ظهر.
قال النضير بن شميل: فوقع الحق أي فزعهم وصدّعهم كوقع الميقعة {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من السحر {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ} وبطل ما كانوا يعملون {وانقلبوا صَاغِرِينَ} ذليلين ومقهورين.
{وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} لله حيث عرفوا أنّ ذلك أمر سماوي وليس سحراً، وقيل: ألهمهم الله ذلك، وقال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا {قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين} فقال فرعون: إياي تعنون فقالوا {رَبِّ موسى وَهَارُونَ}.
قال عطاء: فكان رئيس السحرة بأقصى مدائن مصر وكانا أخوين فلمّا جاءهما رسول فرعون قالا لأُمّهما دلّينا على قبر أبينا فدلتهما عليه فأتياه فصاحا باسمه فأجابهما فقالا: إن الملك وجه إلينا رسولاً أن نقدم عليه، لأنّه أتاه رجلان ليس معهما رجال ولا سلاح ولهما عزّ ومنعة وقد ضاق الملك ذرعاً من عزّهما، ومعهما عصا إذا ألقياها لا يقوم لهما شيء تبلغ الحديد والحجر والخشب. فأجابهما أبوهما: انظرا إذا هما ناما فإنّ قدرتما أن تسلا العصا فسلاّها فإنّ الساحر لا يعمل سحره إذا نام، وإن عملت العصا وهما نائمان فذلك أمر ربّ العالمين، ولا طاقة لكما به ولا الملك ولا جميع أهل الدنيا، فأتاهما في خفية وهما نائمان ليأخذا العصا فقصدتهما العصا قاله مقاتل.
قال موسى للساحر الأكبر: تؤمن بيّ إن غلبتك فقال لآتينَ بسحر لا يغلبه سحر ولئن غلبتني لأؤمنن بك وفرعون ينظر {قَالَ} لهم فرعون حين آمنوا {آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ} صنيع وخديعة {مَّكَرْتُمُوهُ} صنعتموه أنتم وموسى {فِي المدينة} في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع.
{لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا} بسحركم {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما أفعل بكم.
{لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} وهو أن يقطع من شق طرفا قال سعيد بن جبير: أوّل مَنْ قطع من خلاف فرعون {ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} على شاطئ نهر مصر {قالوا} يعني السحرة لفرعون {إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} راجعون في الآخرة {وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ} قرأ العامّة بكسر القاف.
وقرأ الحسن وابن {المحيصن} بفتح القاف وهما لغتان نقَم ينقَم ونقم ينقِم.
قال الشاعر:
وما نقموا من بني أميّة إلا ** أنّهم يحلمون إن غضبوا

وقال الضحاك وغيره: يعني وما يطعن علينا. قال عطاء: ما لنا عندك من ذنب وما ارتكبنا منك مكروهاً تعذّبنا عليه {إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا} ثمّ فزعوا إلى الله عز وجل فقالوا {رَبَّنَآ أَفْرِغْ} اصبب {عَلَيْنَا صَبْراً} أُصبب علينا الصبر عند القطع والصلب حتّى لا نرجع كفاراً {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} واقبضنا إليك على دين موسى، فكانوا أول النهار كفاراً سحرة وآخره شهداء بررة.
{وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ} أتدع {موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ} كي يفسدوا عليك ملكك عبيدك {فِي الأرض} في أرض مصر {وَيَذَرَكَ} يعني وليذرك.
وروى سليمان التيمي عن أنس بن مالك أنّه قرأ ويذرك بالرفع والنون، أخبروا عن أنفسهم أنهم يتركون عبادته إن ترك موسى حياً فيصرفهم عنّا.
وقرأ الحسن {ويذرك} بالرفع على تقدير المبتدأ، أي وهو يذرك، {آلِهَتَكَ} فلا نعبدك ولا نعبدها. قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة يعبدها وكانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، ولذلك أخرج السامري لهم عجلاً.
وروى عمرو عن الحسين قال: كان لفرعون حنانة معلقة في نحره يعبدها ويسجد عليها كأنّه صنم كان عابده يحن إليه.
وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال: كان فرعون يصنع لقومه أصناماً صغاراً ويأمرهم بعبادتها ويقول لهم: أنا رب هذه الأصنام، وذلك قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24].
قال أبو عبيد: وبلغني عن الحسن أنه قيل له: هل كان فرعون يعبد شيئاً؟ قال: نعم كان يعبد تيساً.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وبكر بن عبد الله الشعبي والضحاك وابن أبي إسحاق: إلهتك بكسر الألف أي إلهك فلا يعبدك كما تعبد. قالوا: لأن فرعون كان يُعبد ولا يَعبد.
وقيل أراد بالآلهة الشمس وكانوا يعبدونها.
قال عيينة بن شهاب:
تروحنا من الأعيان عصراً ** فأمحلنا الآلهة أن تؤوبا

بمعنى الشمس {قَالَ} يعني فرعون سنقتل أبنائهم بالتشديد على التكثير. وقرأ أهل الحجاز بالتخفيف {وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} غالبون.
قال ابن عباس: كان فرعون يقتل بني إسرائيل في العام الذي قيل له إنّه يولد مولود يذهب بملكك فلم يزل يقتلهم حتّى أتاهم موسى عليه السلام بالرسالة فلما كان من أمر موسى ما كان أمر بإعادة عليهم القتل فشكت بنو إسرائيل إلى موسى عليه السلام فعند ذلك {قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا إِنَّ الأرض للَّهِ} يعني أرض مصر {يُورِثُهَا} يُعطيها {مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} وقرأ الحسن يورثها بالتشديد والاختيار والتخفيف لقوله تعالى وأورثنا الأرض {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} يعني النصر والظفر، وقيل: السعادة والشهادة، وقيل: الجنّة.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: لما آمنت السحرة اتّبع موسى ست مائة ألف من بني إسرائيل {قالوا} يعني قوم موسى {أُوذِينَا} بقتل الأبناء واستخدام النساء والتسخير. {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا} بالرسالة {وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} بالرسالة وإعادة القتل والتعذيب وأخذ الأموال والأتعاب في العمل.
قال وهب: كانوا أصنافاً في أعمال فرعون فأما ذوو القوة منهم فيسلخون السوابي من الجبال وقد [.......] أعناقهم وعواتقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطع ذلك وقتله.
وطائفة أُخرى قد قرحوا من ثقل الحجارة وسير الليل له، وطائفة يلبنون اللبن ويطنبون الأجر، وطائفة نجارون وحدادون، والضعفاء بينهم عليهم الخراج ضريبة يودون كانت ضربت عليه الشمس، قيل: وإن يردى ضريبته غلت يده إلى عنقه شهراً، وأما النساء فيقرن اختان وينسجنه فقال موسى عليه السلام لهم {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض} ويسكنكم مصر من بعدهم بالتسخير والاستعباد وهم بنو إسرائيل {مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا} يعني مصر والشام {التي بَارَكْنَا فِيهَا} بالماء والأشجار والثمار وإنما ذكر بلفظ [.....].