فصل: تفسير الآيات (148- 152):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (148- 152):

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}
{واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ} أي من بعد انطلاقه إلى الجبل {مِنْ حُلِيِّهِمْ} التي استعاروها من قوم فرعون.
وكانت بنو إسرائيل في القبط بمنزلة أهل الجزية في الإسلام، وكان لهم يوم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فزامن ذلك عيدهم فاستعادوا الحلي للقبط فلما أخرجهم الله من مصر وغرق فرعون بقيت تلك الحلي في أيديهم فاتخذ السامري منها عجلاً وهو ولد البقر {عِجْلاً جَسَداً} مجسّد لا روح فيه.
وقال وهب: جسداً لحماً ودماً {لَّهُ خُوَارٌ} وهو صوت البقر خار خورة واحدة ثمّ لم تعد. وقال وهب: كان يسمع منه الخوار إلاّ أنّه لا يتحرك. وقرأ عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه: خوار بالجيم والهمز وهو الصوت أيضاً واختلفت القراء في قوله حليهم، فقرأ يعقوب بفتح الحاء وجزم اللام وتخفيف الياء على الواحد.
وقرأ حمزة والكسائي: حليّهم بكسر الحاء وتشديد الياء، الباقون بضم الحاء وهما لغتان مثل صلى وجثى وبكى وعثى يجوز فيها الكسر والضم {أَلَمْ يَرَوْاْ} يعني الذين عبدوا العجل من دون الله {أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} قال الله {اتخذوه} عبدوه واتخذوه إلهاً {وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} كافرين {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} أي ندموا على عبادة العجل وهذا من فصيحات القرآن.
والعرب تقول لكل نادم أو عاجز عن شيء: سقط في يديه وأسقط، وهما لغتان وأصله من الاستئسار وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره فيكتفه، والمرمي فيه مسقوط في يد الساقط.
{وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} يتب علينا ربنا {وَيَغْفِرْ لَنَا} ويتجاوز عنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} بالعقوبة {وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} قال أبو الدرداء: الأسف منزلة وراء الغضب أشد منه، وقال ابن عباس والسدي: رجع حزيناً من صنيع قومه قال الحسن بن غضبان: حزيناً {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بعدي} أي بئس الفعل فعلتم بعد ذهابي، يقال: منه خلفه بخير أو شر إذا ألاه في أهله أو قومه بعد شخوصه عليهم خيراً أو شراً.
{أَعَجِلْتُمْ} أسبقتم {أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواح} غضباً على قومه حين عبدوا العجل، وقال قتادة: إنّما ألقاها حين سمع من فضائل أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم وفي الألواح: قال: يا رب اجعلني من أُمّة محمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أخي موسى ما المخبر كالمعاين لقد أخبره الله بفتنة قومه فعرف أنّ ما أخبره الله حق وأنه على ذلك لمتمسّك بمّا في يديه، فرجع إلى قومه ورآهم فغضب وألقى الألواح».
قالت الرواة: كانت التوراة سبعة أسباع فلمّا ألقى الألواح تكسرت فوقع منها ستة أسباع وبقي سبع وكان فيها رُقع موسى وفيما بقي الهدى والرحمة {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} أي لحيته وذقنه {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} وكان هرون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحبّ إلى بني إسرائيل من موسى، لأنه كان لين الغضب {قَالَ} هرون عند ذلك يا {ابن أُمَّ} قرأ أهل الكوفة بكسر الميم هاهنا وفي طه أراد يا بن أُمي فحذف ياء الإضافة، لأنه مبنى النداء على الحذف وأبقى الكسرة في الميم لتدل على الاضافة كقوله: {يا عباد} [الزمر: 10] [الزمر: 16] [الزخرف: 68] يدل عليه، قراءة ابن السميقع: يا ابن أُمي بإثبات الياء على الأصل، وقرأ الباقون بفتح الميم فهما على معنى يا ابن اُماه جعل أصله إسماً واحداً وبناه على الفتح كقولهم: حضرموت وخمسة عشر ونحوهما.
{إِنَّ القوم استضعفوني} باتخاذهم العجل {وَكَادُواْ} يعني همّوا وقاربوا {يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ} بضم التاء وكسر الميم ونصب الأعداء قرأه العامّة وقرأ مالك بن دينار فلا تشمت {بِيَ الأعدآء} بفتح التاء والميم الأعداء رفع {وَلاَ تَجْعَلْنِي} في موعدتك عليّ وعقوبتك لي {مَعَ القوم الظالمين} يعني أصحاب العجل {قَالَ} موسى لمّا تبيّن له عذر أخيه {رَبِّ اغفر لِي} ما صنعت إلي {وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا} جميعاً أنا وأخي {فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين * إِنَّ الذين اتخذوا العجل إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ} في الآخرة {وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا} قال أبو العالية: هو ما أُمروا به من قتل أنفسهم.
وقال عطيّة العوفي: أراد سينالهم أولادهم الكبير كابراً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وذُلّة في الحياة الدنيا، وهو ما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء لتوليتهم متخذي العجل ورضاهم به، وقال ابن عباس: هو الجزية.
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين} الكاذبين قال أبو قلابة: هي والله جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة، قال يذله الله عزّ وجلّ.
وسمعت أبا عمرو الفراتي سمعت أبا سعيد بكر بن أبي عثمان الخيري سمعت السراج سمعت سوار بن عبد الله الغزّي سمعت أبي يقول: قال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلاّ وتجد فوق رأسه ذلّة ثمّ قرأ {إِنَّ الذين اتخذوا العجل} الآية يعني المبتدعين.

.تفسير الآيات (153- 156):

{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
{والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ} إلى قوله: {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى} يعني سكن عن موسى {الغضب} يدلّ عليه قراءة معاوية بن مغيرة: ولمّا سكن، بالنون.
قال أبو النجم:
وهمت الأفعى بأن تسيحا ** وسكت المكاء أن يصيحا

وأصله الكف عن الشيء، ومنه الساكت عن الكلام.
{أَخَذَ الألواح} التي ألقاها وذهب منها ستة أسباعها {وَفِي نُسْخَتِهَا} أي فما نسخ منها.
قال عطاء: يعني فيما بقي منها، ولم يذهب من الحدود والأحكام شيء فقال ابن عباس: وعمرو بن دينار: صام موسى أربعين يوماً فلمّا ألقى الألواح فتكسّرت صام مثلها فردّت عليه وأُعيدت له في لوحين مكان الذي انكسر ولم يفقد منها شيئاً {هُدًى وَرَحْمَةٌ}.
قال ابن عباس: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} يخلفون وقال الراجز:
يصنع الجزع فيها أو استحيوا ** للماء في أجوافها خريراً

أي من أصل الجزع {واختار موسى قَوْمَهُ} أي من قومه فلمّا نزع حرف الصفة نصب كقول الفرزدق:
ومنّا الذي أُختير الرجال سماحة ** وبراً إذا هبّ الرياح الزعازع

وقال آخر:
اخترتك للناس إذ رثت خلائقهم ** واعتل مَنْ كان يُرجى عنده السؤل

أي من الناس، واختلفوا في سبب اختيار موسى السبعين.
وقال السدي: أمر الله أن سيأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعد موعداً، واختار موسى من قومه {سَبْعِينَ رَجُلاً} ثمّ ذهب إليه ليعتذر فلمّا أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة وإنّك قد كلّمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا.
وقال ابن إسحاق: اختارهم ليتوبوا إليه مما صنعوه ويسألوه التوبة على من تركوا وراءهم من قومهم.
وقال مجاهد: اختارهم لتمام الموعد.
وقال وهب: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: إن طائفة يزعمون أنّ الله لا يكلمك ولو كلمك فأقمت لكلامه ألم ترَ أنّ طائفة منّا سألوه النظر إليه فماتوا فلا تسأله أن ينزل طائفة منّا حتّى يكلمك فيسمعوا كلامه فيؤمنوا وتذهب التهمة، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن اختر من خيارهم سبعين رجلاً، ثمّ ارتق بهم إلى الجبل أنت وهرون. واستخلف على بني إسرائيل يوشع بن نون يقول كما أمر الله تعالى واختار سبعين رجلاً.
روى المنهال عن الربيع بن حبيب قال: سمعنا أبا سعيد الرقاشي وقرأ هذه الآية قال: كان السبعون ابناً ما عدا عشرين. ولم يتجاوز الأربعين. وذلك أن ابن عشرين قد ذهب جماله وصباه وأنّ من لم يتجاوز الأربعين لم يعد من عقله شيءٌ. وقال الآخرون: كانوا شيوخاً.
قال الكلبي: اختار موسى سبعين رجلاً لينطلقوا إلى الجبل فلم يصب إلاّ ستين شيخاً وأوحى الله تعالى إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختار وأصبحوا شيوخاً فاختار من كل سبط ستّة رهط فصاروا اثنين وسبعين.
فقال موسى: إنّما أمرت سبعين رجلاً فاستخلف منكم رجلان فتشاجروا على ذلك. فقال: إن لِمن قعد مثل أجر من خرج، فقعد رجلان أحدهما كالب بن يوقيا والآخر يوشع بن نون.
فأمر موسى السبعين أن تصوموا وتطهروا، وتطهّروا ثيابكم ثمّ خرج بهم إلى طورسيناء لميقات ربّه وكان لا يأتيه إلاّ بإذن منه وذلك قوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا} {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة} اختلفوا في كيفية هذه الرجفة وسبب أخذها إياهم.
فقال ابن إسحاق والسدي: إنّهم لمّا أتوا ذلك المكان قالوا لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربّنا فقال: أفعل، فلمّا دنا موسى عليه السلام من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتّى يغشي الجبل كله ودنا موسى ودخل فيه وقال للقوم: ادنوا وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه، فضرب دونه الحجاب ودنا القوم حتّى إذا دخلوا في الغمام وهو عمود فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره فيها: افعل لا تفعل فلما فرغ انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فماتوا جميعاً.
وقال ابن عباس: إن السبعين الذين قالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة كانوا قبل السبعين الذين أخذتهم الرجفة، وإنما أمر الله موسى أن يختار من قومه سبعين رجلاً فاختارهم وبرزهم ليدعوا ربهم، فكان فيما دعوا أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحداً قبلنا ولا تعطيه أحداً بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة.
قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: إنّما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم على موسى قبل هارون، وذلك أن موسى وهارون وشبر وشبير عليهم السلام انطلقوا إلى سفح جبل فنام هارون على سرير فتوفّاه الله فلمّا مات دفنه موسى فلمّا رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه الله، فقالوا: بل أنت قتلته عمداً على خُلُقه وَليِنْهِ، قال: فاختاروا من شئتم، فاختاروا سبعين رجلاً وذهب بهم، فلما انتهوا إلى القبر قال موسى: يا هارون أقتلتَ أم تُوفّيت؟
فقال هارون: ما قتلني أحد. ولكن الله توفاني إليه.
فقالوا: ياموسى لن تقصّ بعد اليوم فأخذتهم الرجفة وصعقوا وماتوا، وقال موسى: يارب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم، يقولون: أنت قتلتهم فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلّهم.
وقال ابن عباس: إنّما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا ولم ينهوا عن العجل، وقال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب: أخذتهم الرجفة لأنّهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل ولم يأمروهم بالمعروف ولم ينهوهم عن المنكر.
وقال وهب: لم تكن تلك الرجفة موتاً ولكن القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرجفة وخلقوا فرجفوا حتّى كادت أن تبيّن مفاصلهم وتنقص ظهورهم فلمّا رأى ذلك موسى عليه السلام رحمهم وخاف عليهم الموت واشتدّ عليه فقدهم وكانوا له ولداً على الخير سامعين مطيعين فعند ذلك دعا وبكى وناشد ربّه فكشف الله عنهم تلك الرجفة والرعدة فسكنوا واطمأنوا وسمعوا كلام ربهم فذلك قوله: {قَالَ} يعني موسى {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} بقتل القبطي {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ} يعني عبدة العجل.
وظن موسى أنّه عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل.
وقال السدي: أوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل وكان موسى لا يعلم ذلك فقال موسى: يارب كيف أرجع إلى بني إسرائيل وقد أهلكت أخيارهم وليس معي رجلٌ واحدٌ فما الذي يصدقوني به ويأمنونني عليه بعد هذا، فأحياهم الله، وقال المبرّد: قوله أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا استعلام واستعطاف أي لا تهلكنا قد علم موسى أن الله أعدل من أن يؤاخذ بجريرة الجاني غيره ولكنّه كقول عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الآية.
{إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ} أي اختيارك.
قال سعيد بن جبير وأبو العالية والربيع: محنتك، وقال ابن عباس: عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عن من تشاء {تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا} ناصرنا ومولانا وحافظنا {فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين * واكتب لَنَا} أي حقق ووفقنا للأعمال الصالحة يقال: كتب الله عليك السلامة {فِي هذه الدنيا حَسَنَةً} يعني الأعمال الصالحة {وَفِي الآخرة} يعني المغفرة والجنّة {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} قرأ أبو رجزة السعدي: وكان مصححاً من القراء شاعراً. هدنا بكسر الهاء يقال: هاد يهيد ويهود إذا رجع وتحرك فأدلّه الميل قال الشاعر:
قد علمت سلمى رجلاً ** أني من الناس لها هايد

{قَالَ} الله تعالى: {عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ} من خلقي وقال الحسن وابن السميقع: مَنْ أشاء [......] من الإشاءة {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ} عمّت {كُلَّ شَيْءٍ} قال الحسن وقتادة: إن رحمته في الدنيا وسعت البر والفاجر وهي يوم القيامة للمتّقين خاصة.
وقال عطيّة العوفي: وسعت كل شيء ولكن لا يجيب إلاّ الذين يتقون، وذلك أنّ الكافر يرزق ويدفع عنه بالمؤمن لسعة رحمة الله للمؤمن يعيش فيها، فإذا صار إلى الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمسير في كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه، قال أبو روق: ورحمتي وسعت كل شيء يعني الرحمة التي قسمها بين الخلائق يعطفه بها بعضهم على بعض، وقال ابن زيد: {ورحمتي وسعت كل شيء} هو التوبة، وقال آخرون: لفظه عام ومعناه خاص لهذه الأُمّة.
وقال ابن عباس وقتادة وابن جرير وأبو بكر الهذلي: لما نزلت هذه الآية {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} قال إبليس: أنا من ذلك الشيء ونزعها الله من إبليس فقال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} فقالت اليهود والنصارى نحن نتّقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فنزعها الله منهم وجعلها لهذه الأُمة.