فصل: تفسير الآيات (157- 159):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (157- 159):

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}
{الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي} الآية قال نوف البكالي الحميري: لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله تعالى لموسى أجعل لكم في الأرض مسجداً وطهوراً تصلّون حيث أدركتكم الصلاة إلاّ عند مرحاض أو حمام أو قبر وأجعل السكينة في قلوبكم وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهور قلوبكم، يقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير.
فقال ذلك موسى لقومه فقالوا: لا نريد أن نصلي في الكنائس ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا، ولا نريد أن نقرأها إلاّ نظراً، فقال الله {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} إلى قوله: {المفلحون} فجعلها الله لهذه الأمة، فقال موسى: رب اجعلني نبيهم، فقال: نبيهم منهم، قال: رب اجعلني منهم، قال: إنك لن تدركهم، فقال موسى: يارب أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا فأنزل الله تعالى {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ} أنفسهم {بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فرضي موسى، قال نوف: إلا تحمدون ربّاً حفظ غيّكم وأجزل لكم سهمكم وجعل وفادة بني إسرائيل لكم.
واختلف العلماء في معنى الأُمّي.
فقال ابن عباس: هو منكم كان أميّاً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحاسب قال الله تعالى {وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] وقال صلى الله عليه وسلم: «إنا أُمة أُميّة لا نكتب ولا نحاسب».
وقيل: هو منسوب إلى أُمّته كأن أصله أُمتي فسقطت التاء من النسبة كما سقطت من اليكي والمدى.
وقيل: منسوب إلى أُم القرى وهي مكّة أُم القرى {الذي يَجِدُونَهُ} أي صفته ونبوّته ونعته وأمره {مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} قال عطاء بن يسار: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن. {ياأيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: 45] وحرزاً للأُميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتّى يقيم الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلاّ الله فيفتح به قلوباً غلفاً وآذناً صُماً وأعيناً عمياً.
قال عطاء: ثمّ لقي كعباً فسأله عن ذلك فما اختلفا حرفاً إلاّ أن كعباً قال: بلغته قلوباً غلوفياً وآذاناً صموياً وأعيناً عموميّاً.
وروى كعب في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مولده مكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال وفي كل منزلة، يُوَضِئون أطرافهم وويتورّون إلى الجهاد وفيهم وعاة الشمس ويصلون الصلاة حيث أدركتهم ولو على ظهر الكناسة، صفهم في القول مثل صفهم في الصلاة ثمّ قرأ: {الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} [الصف: 4].
وقال الواقدي: حدّثني عثمان بن الضحاك عن يزيد بن الهادي عن ثعلبة بن مالك أن عمر بن الخطاب أنه سأل أبا مالك عن صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوراة وكان من علماء اليهود، فقال: صفته في كتاب بني هرون الذي لم يغير ولم يبدّل أحد من ولد إسماعيل بن إبراهيم ومن آخر الأنبياء وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف، يأتزر على وسطه ويغسل أطرافه في عينيه حمرة وبين كتفية خاتم النبوّة مثل زر الحجلة، ليس بالقصير ولا بالطويل، يلبس الشملة ويجرى بالبلغة ويركب الحمار ويمشي في الأسواق، معه حرب وقتل وسبي سيفه على عاتقه لا يبالي مَن لقي مِن الناس، معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة.
مولده بمكّة ومنشأه بها وبدء نبوّته بها ودار هجرته يثرب بين جرّة ونخل وسبخة وهو أُمّي لا يكتب بيده، هو بجهاد، يحمد الله على كل شدة ورخاء، سلطانه الشام، صاحبه من الملائكة جبرئيل يلقى من قومه أذىً شديداً. ويحبّونه حبّاً شديداً ثمّ يدال على قومه يحصرهم حصر الجرين، يكون له وقعات في يثرب، منها له ومنها عليه، ثمّ يكون له العاقبة يعدّ معه أقوام هم إلى الموت أسرع من الماء من رأس الجبل إلى أسفله، صدورهم أناجيلهم قربانهم دماؤهم ليوث النهار ورهبان بالليل يرعب منه عدوه بمسيرة شهر، يباشر القتال بنفسه حتّى يخرج ويكلم لا شرطة معه ولا حرس يحرسه.
{يَأْمُرُهُم بالمعروف} أي بالايمان {وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر} يعني الشرك، وقيل: المعروف والشريعة والسنة والمنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنّة.
وقال عطاء: يأمرهم بالمعروف وبخلع الأنداد ومكارم الأخلاق وصلة الأرحام ينهاهم عن المنكر عن عبادة الأصنام وقطع الأرحام {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات} يعني الحلالات التي كانت أهل الجاهلية تحرمها: البحائر السوائب والوصائل والحوامي {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث} يعني لحم الخنزير والدم والميتة والربا وغيرها من المحرمات. {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} ابن عباس والحسن والضحاك والسدي ومجاهد يعني: جهدهم الذي كان يأخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة. وقال ابن زيد وقتادة: يعني الشدائد الذي كان عليهم في الدين {والأغلال} يعني الأثقال: {التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} بما أُمروا به من قتل الأنفس في التوراة وقطع الأبهاء، شبّه ذلك بالأغلال كما قال الشاعر:
فليس لعهد الدار يا أم مالك ** ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل

وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ** سوى العدل شيئاً واستراح العواذل

فشبه حدود الإسلام وموانعه عن التخطّي إلى المحذورات بالسلاسل المحيطات بالرقاب {فالذين آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ} أعانوه ووقّروه {وَنَصَرُوهُ واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} يعني القرآن {أولئك هُمُ المفلحون * قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} إلى قوله تعالى: {بالله وَكَلِمَاتِهِ}.
قال قتادة: وآياته. وقال مقاتل والسدي: يعني عيسى ابن مريم {واتبعوه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِن قَوْمِ موسى} يعني بني إسرائيل {أُمَّةٌ} جماعة {يَهْدُونَ بالحق} أي يرشدون إلى الحق، وقيل: خلفاء يهتدون ويستقيمون عليه ويعملون به {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أي ينصفون من أنفسهم ويحمدون.
وقال السدي: هم قوم بينكم وبينهم قوم من سهل.
وقال ابن جريج: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطاً تبرأ سبط منهم ممّا صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينه ففتح الله عليم نفقاً في الأرض فساروا فيه سنة ونصف حتّى خرجوا من وراء الصين، فهم هناك حقاً مسلمون يستقبلون قبلتنا.
قال الكلبي والربيع والضحاك وعطاء: هم قوم من قبل المغرب خلف الصين على نهر من الرمل يسمى نهر أودق وليس لأحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويصبحون بالنهار ويزرعون لا يصل إليهم منّا أحدٌ ولا منهم إلينا أحدٌ وهم على الحق وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبرئيل ذهب إليهم ليلة أُسري به فكلّمهم فقال لهم جبرئيل: هل تعرفون مَنْ تُكلّمون؟
قالوا: لا.
قال: هذا محمدٌ النبيّ فآمنوا به، وقالوا: يا رسول الله إنّ موسى أوصانا أن من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه منّي السلام.
فردّ محمد صلى الله عليه وسلم على موسى: فعليه السلام، ثمّ أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فأمرهم بالصلاة والزكاة وأمرهم أن يُقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمعوا وأن يتركوا السبت.

.تفسير الآيات (160- 162):

{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}
{وَقَطَّعْنَاهُمُ} يعني بني إسرائيل {اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم: وقطعناهم بالتخفيف وأراد بالأسباط القبائل والفرق ولذلك أنشأ العدد والأسباط جمع مذكر.
قال الشاعر:
وإن قريشاً كلّها عشر أبطن ** وأنت بريءٌ من قبائلها العشر

فذهب بالبطن إلى القبيلة والفصيلة فلذلك كان البطن مذكر وإنما قال: {أسباطاً أُمماً} بالجمع ولا يقال: أتاني اثنا عشر رجالاً، لأنه أراد الأعداد والجموع فأقام كل عدد مقام واحد، وقيل: معناه وقطعناهم أسباطاً أمماً اثني عشر.
{وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ} في التيه {أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} قال عطاء: كان الحجر أربعة وجوه لكل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين لا يُخالطهم سواه {فانبجست} أخصبت وانفجرت.
قال أهل التفسير: انبجست وانفجرت واحد، وكان أبو عمرو بن العلاء يفرق بينهما فيقول انبجست عرفت وانفجرت سالت.
قال عطاء: كان يظهر على كل موضع من الحجر يضربه موسى عليه السلام مثل ثدي المرأة فيعرق أوّلاً ثمّ يسيل {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ} من كل سبط {مَّشْرَبَهُمْ} لا يدخل سبط على غيره في شربه وكل سبط من أب واحد. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغمام} في التيه يقيهم من الشمس {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ المن والسلوى} إلى قوله: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيائاتكم} وقرأ أهل المدينة يغفر بياء مضمومة وخطاياكم بالرفع، وقرأ ابن عامر بتاء مضمومة.

.تفسير الآيات (163- 166):

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}
{وَسْئَلْهُمْ} واسأل يامحمد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك سؤال تقرير وتوبيخ {عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} أي بقربه وعلى شاطئه، واختلفوا فيها فروى عكرمة عن ابن عباس قال: هي قرية يقال لها ايلديس مدين والطور.
وروى عليّ بن أبي طلحة عنه فقال: هي قرية على شاطئ البحر من مصر والمدينة يقال لها: ايله وقال ابن زيد: هي قرية يقال لها: مقنى بين مدين وعينونا، وقيل: هي الطبريّة {إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت} أي يتجاوزون أمر الله وقرأ أبو نهيك إذ تعدون بضم الياء وكسر العين بتثقيل الدال من الأعداد يريد يهيبون الآلة لأخذها.
وقرأ ابن السميقع: في الاسبات، على جمع السبت {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} قرأ ابن عبد العزيز يوم إسباتهم شرعاً إلى شراع ظاهرة على الماء كثيرة، وقال الضحاك: متتابعة {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ} أي لا يفعلون السبت. يقال سبت يسبت سبتاً وسبوتاً إذا أعظم السبت.
وقرأ الحسن: يُسبتون بضم الياء أي يدخلون في السبت كما يقال أجمعنا وأشهرنا أي دخلنا في الجمعة والشهر {لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم} نختبرهم {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وسمعت الحسن بن محمد بن الحسن سمعت إبراهيم بن محارب بن إبراهيم سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل هل تجد في كتاب الله الحلال لا يأتيك إلاّ قوتاً والحرام يأتيك جزفاً جزفاً؟ قال: نعم، في قصّة داود وتأويله: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ}.
قال عكرمة: جئت ابن عباس يوماً فإذا هو يبكي ووضع المصحف في حجرة فقلت: مايُبكيك جعلني الله فداك. قال: هؤلاء الورقات فإذا هو في سورة الأعراف، فقال: تعرف الآية؟ قلت: نعم، قال: فإنّه كان بها حي من اليهود في زمن داود حرم عليهم الحيتان في السبت، وذلك أنّ اليهود أمروا باليوم الذي أمرتهم به يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت فابتلوا به وحرّم عليهم فيه الصيد فأمروا بتعظيمه إن أطاعوا لم يؤجروا وإن عصوا عذبوا، وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاء سماناً كأنها الماخض تنتطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم حتّى لا يرى الماء من كثرتها ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فكانوا كذلك برهة من الدهر.
ثمّ إنّ الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فأتّخذوا الحياض وكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتسقي فيها ولا يمكنها الخروج منها لقلة الماء فيأخذونها يوم الأحد.
وقال ابن زيد: كانوا قد قرّبوا بحب الحيتان وكان في غير يوم السبت لا تأتيهم حوت واحد فأخذ رجل منهم حوتاً فربط في ذنبه خيطاً فأخذه وشواه فوجد جار له ريح الحوت. فقال له: يا فلان أنا أجد في بيتك ريح نون، قال: لا فتطلع في تنوره فإذا هو فيه فقال: إني أرى الله سيعذّبك، فلما لم يره عذب ولم يعجل عليهم بالعذاب أخذ في السبت الأُخرى حوتين اثنين.
فلما رأوا أن العذاب لا يعاجلهم أكلوا وملحوا وباعوا وأثروا وكثر مالهم، وكانوا نحواً من سبعين ألف، فصارت أهل القرية ثلاثاً: ثلث نُهوا وكانوا نحواً من اثني عشر ألفاً وثلث قالوا: لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم، وثلث أصحاب الخطيئة، فلما لم ينتهوا قال المسلمون: لا نسألهم فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: إن للناس شأناً لعل الخمر غلبتهم فعلوا على الجدار فنظروا فإذا بهم قردة ففتحوا الباب ودخلوا عليهم وعرفت القردة أنسابها من الأنس. ولا تعرف الأنس أنسابهم من القرود. فجعلت القردة تأتي نسيبها من الأنس وتشم ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم؟ فتقول برأسها: نعم.
قال قتادة: صار الشبان قردة والشيوخ خنازير فما نجا إلاّ الذين نهوا وهلك سائرهم.
واختلف العلماء في الفرقة الذين قالوا: {لِمَ تعظون قوماً} كانت من الناجية أو من الهالكة؟ فقال بعضهم: كانت من الناجية لأنّها كانت من الناهية.
وقال آخرون: كانت من الفرقة الهالكة، لأنّهم كانوا من الخاطئة وذلك أنهم لما نهوا وقالوا لهم انتهوا عن هذا العمل قبل أن ينزل بكم العذاب فإنّا قد علمنا أن الله تعالى منزل عليكم بأسه إن لم تنتهوا قالوا لهم {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ} إذ علمتم أنّ الله معذبهم {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} أي هذه معذرة، وقرأ حفص: معذرة أي يفعل ذلك معذرة {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} صيد الحيتان والصواب أنها كانت من الفرقة الناجية وأن هذا الكلام من قول المؤمنين بعضهم لبعض لأنّه لو كان الخطاب للمعتدين لقالوا: ولعلكم تتّقون يدلّ عليه قول يمان بن رئاب نحن الطائفتان اللذان قالوا {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ} والذين قالوا {مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} فأهلك الله أهل المعصية الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة وخنازير.
وقال ابن عباس: ليت شعري ما فعل هؤلاء الذين قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ} قال عكرمة: فقلت له: جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ} فلم أزل به حتّى عرّفته أنهم قد نجوا فكساني حلّة.
{فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} تركوا ما وعظوا به {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السواء} أي المعصية {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ} أي عاقبنا باعتدائهم في السبت واستحلالهم ما حرم الله {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} شديد وجيع من البأس وهو الشدة والفعل منه بَؤس يبَئوسُ، فاختلف القراء فيها فقرأ أهل المدينة بِيْس بكسر الباء وجزم الياء من غير همزة على وزن فعل، وقرأ ابن عامر كذلك على وزن فِعْل إلاّ أنّه الهمزة.
وقرأ عاصم: في رواية أبي بكر: بَيْئس بفتح الباء وجزم الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل مثل صيقل ويثرب.
كما قال الشاعر:
كلاهما كان رئيساً بيئسا ** يضرب في الهيجاء منه القونسا

وقرأ بعضهم: بَيئِس بفتح الباء وكسر الهمزة على وزن فعل مثل حذر كقول ابن قيس الرقيات:
ليتني ألقى رقيّة في ** خلوة من غير ما بيئس

وقرأ الحسن: بكسر الباء وفتح السين على معنى بيئس العذاب.
وقرأ مجاهد: بايئس على وزن فاعل وقرأ أبو أياس بفتح الباء والياء من غير همزة.
وقرأ نصر بن عاصم: بيئس بفتح الباء وكسر الياء مشدداً من غير همزة.
وقرأ بعض أهل مكة بئيس بكسر الياء والهمزة كما يقال: بعر للبعير. وقال أهل اللغة: كل فعل ثانية أحد حروف الحلق فإنّه يجوز كسر أوّله مثل بِعير وصغير ورحيم وحميم وبخيل، وقرأ الباقون بئيس على وزن فعيل وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لأن فعيلاً أشبهه بصفات التعريف كقول ذي الاصبع العدواني:
لقد رأيت بني أبيك ** محمجين إليك شوساً

حنقاً عليّ ولن ترى ** لي فيهم أثراً بئيساً

وقوله: {فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ} قال ابن عباس: أبوا أن يرجعوا عن المعصية {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} صاغرين. قال سعيد بن جبير: رأى موسى عليه السلام رجلاً يحمل قصباً يوم السبت فضرب عنقه، أبو روق: الخاسئون الذين لا يتكلّمون.
وقال المؤرخ مبعدين كما بَعُد الكلاب. قال ابن عباس: مكثوا ثلاث أيام ينظر إليهم الناس ثمّ هلكوا ولم يتوالدوا ولم يتناسلوا ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام.
قال مقاتل: عاشوا سبعة أيام يعرف الكبير بكبره والصغير بصغره، ثمّ ماتوا.
وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لم يمسخ شيئاً فجعل له نسلاً وعاقبه».