فصل: تفسير الآيات (180- 186):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (180- 186):

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
{وَللَّهِ الأسمآء الحسنى فادعوه بِهَا} قال مقاتل: وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ودعا الرحمن، فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فأنزل الله {وَللَّهِ الأسمآء الحسنى} وهو تأنيث الأحسن كالكبرى والأكبر والصغرى والأصغر، والأسماء الحسنى هي الرحمن الرحيم. الملك القدوس السلام ونحوها.
الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً، مائة غير واحدة، من أحصاها كلّها دخل الجنّة».
{وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ}. قال ابن عباس: يكذبون، وقال قتادة: يشركون، وقال عطاء: ظامئون، زيد بن أسلم: يميلون عن الحق. ابن عباس ومجاهد: هم المشركون. وإلحادهم في أسماء الله عز وجل أنهم عدلوا بها عمّا هي عليه فسموا بها أوثانهم وزادوا فيها ونقصوا منها فاشتقوا اللات من الله تعالى والعزّى من العزيز ومنات من المنّان.
وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله تعالى يسميه بما لم يسم به ولا ينطق به كتاب ولا دعا إليه رسول، وأصل الإلحاد الميل والعدول عن القصد ومنه لحد القبر. فيقال: ألحد يلحد إلحاداً ولحد يلحد لحداً ولحوداً إذا مال.
وقد قرئ بهما جميعاً فقرأ يحيى بن رئاب والأعمش وحمزة: بفتح الياء والحاء هاهنا وفي النحل {رحم}. وقرأ الباقون: بضم الياء وكسر الحاء وهما لغتان صحيحتان.
وأمّا الكسائي فإنّه قرأ التي في النحل بفتح الياء والحاء وفي الأعراف {رحم} بالضم وكل يفرق بين الإلحاد واللحود فيقول: الالحاد العديل عن القصد واللحد واللحود الركون، ويزعم أن التي في النحل يعني الركون {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الآخرة {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ} عصبة {يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال قتادة وابن جريج: بلغنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فقال: «هي أحق بالحق يأخذون ويقضون ويعطون وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون».
قال الربيع بن أنس: قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: «إن من أمتي قوماً على الحق حتّى ينزل عيسى» عليه السلام.
عن عمير بن هاني قال: سمعت معاوية على هذا المنبر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال من أُمّتي أُمّة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من غالطهم حتّى يأتي أمر الله عزّ وجلّ، وهم ظاهرون على الناس».
وقال ابن حيان: هم مؤمنو أهل الكتاب. وقال عطاء: هم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان قد سماهم الله تعالى في سورة براءة.
وقال الكلبي: هم من جميع الخلق {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} قال بعضهم: سنأخذهم بالعذاب، وقال الكلبي: نزّين لهم أعمالهم فنهلكهم. وقال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة، وقال الخليل بن أحمد: سنطوي وإن أعمارهم في اغترار منهم.
وقال أبو عبيدة والمؤرخ: الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم.
وقال أهل المعاني: الاستدراج أن ندرج إلى الشيء في خفيّة قليلاً قليلاً ولا يباغت ولا يجاهر. يقال: استدرج فلاناً حتّى تعرف ما صنع أي لا يجاهر ولا يهجم عليه، قال: ولكن استخرج ما عنده قليلاً قليلاً وأصله من الدرج وذلك أن الراقي والنازل يرقى وينزل مرقاة مرقاة فاستعير هذا عنه. ومنه الكتاب إذا طوى شيئاً بعد شيء، ودرج القوم إذا مات بعضهم في دار بعض، ودرج الصبي إذا قارب من خطاه في المشي {وَأُمْلِي لَهُمْ} يعني أُمهلهم وأطيل من الملاواة وهو الدهر، ومنه مليت أي غشت دهراً {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي أخذي قوي مديد قلت: في المستهزئين، فقتلهم الله في ليلة واحدة {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ} قتادة: ذكر لنا «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ليلاً فجعل يدعو قريشاً فخذاً فخذاً يابني فلان يابني فلان يحذرهم بأس الله عزّ وجلّ، ووقائعه فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت حتى الصباح فأنزل الله {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ}» ما بمحمد من جنون.
{إِنْ هُوَ} ما هو {إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} مخوف {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ} ملك {السماوات والأرض وَمَا خَلَقَ الله} فيهما {مِن شَيْءٍ وَأَنْ عسى} وهي أن لعلّ {أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} فيهلكوا على الكفر ويصبروا إلى العذاب {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} بعد القرآن {يُؤْمِنُونَ} ثمّ بيّن العلّة في إعراضهم عن القرآن وتركهم الإيمان فقال عز من قائل: {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ} فلا مرشد له {وَيَذَرُهُمْ} قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة بالياء، لأن ذكر الله سبحانه قد مرَّ من قبل. والباقون بالنون، لأنّه كلام مستأنف ومن جزم الراء فهو ممدود على يضلل.

.تفسير الآيات (187- 188):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة} قال ابن عباس: قال وجيل بن أبي فشير وسمؤال بن زيد: وهما من اليهود: يامحمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً كما تقول فلنعلم متى هي؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال قتادة: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم إن بيننا وبينك قرابة فأشر إلينا متى الساعة فأنزل الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة} يعني القيامة {أَيَّانَ} متى، ومنه قول الراجز:
أيان تقضي حاجتي أيانا ** أما ترى لنجحها إبانا

{مُرْسَاهَا} قال ابن عباس: ومنتهاها، وقال قتادة: قيامها. وأصل الكلمة الثبات والحبس {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} استأثر بعلمها {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ} لا يجليها لا يكشفها ولا يظهرها.
وقال مجاهد: لا يأتي بها، وقال السدي: لا يرسلها لوقتها إلاّ هو {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} يعني ثقل علمها على أهل السموات والأرض لخفائها فلا يعرفون مجيئها ووقتها فلم يعلم قيامها مَلَك مقرّب ولا نبي مرسل.
وقال الحسن: يقول إذا جاءت ثقلت على السموات والأرض وأهلها وكبرت وعظمت وذلك أنها إذا جاءت انشقت السموات وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال. وليس من الخلق شيء إلاّ ويصيبه ضرر الساعة وثقلها ومشقتها {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} فجأة على غفلة منكم.
سعيد عن قتادة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الساعة تهيج الناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعه».
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال جبرئيل: تقوم الساعة عند ثلاث مواطن: إذا كثر القول وقلّ العمل وعند قلّة المواشي حتّى يمضي كل رجل ممّا عنده، وإذا قال الناس من يذكر الله فيها بدعة».
{يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} قال أهل التفسير في الآية تقديم وتأخير تقديرها. يسألونك عنها كأنّك حفي أي بار فيهم صديق لهم قريب، قاله ابن عباس وقتادة، وقال مجاهد والضحاك: كأنّك عالم بها وقد يوضع عن موضع مع الياء {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} إلى قوله: {نفعاً وضراً}.
فقال ابن عباس: إن أهل مكة قالوا: يامحمد ألا يخبرك بالسعر الرخيص قبل أن يغلا فتشتريه فتربح فيه، والأرض الذي تريد أن تجذب فترتحل منها إلى ما قد أخصبت فأنزل الله تعالى {قُل} يامحمد {لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً} أي اجتناب نفع ولا دفع {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} أي أملكه بتمليكه إياي {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير} يعني المال وتهيأت لسنة القحط ما يكفيها {وَمَا مَسَّنِيَ السواء} وما مسّني الله بسوء.
وقال ابن جريج: {لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً} يعني الهدى والضلالة ولو كنت أعلم الغيب متى أموت لاستكثرت من الخير من العمل الصالح وما مسّني السوء.
قال ابن زيد: فاجتنبت ما يكون من الشر وأتقيه. قال بعض أهل المعاني: لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من معرفته حتّى لا يخفى عليّ شيء {وَمَا مَسَّنِيَ السواء} يعني التكذيب.
وقال مقاتل: هذا متصل بالكلام الأول معناه: لا أقدر أن أسوق لنفسي خيراً أو أدفع عنها شراً حتّى ينزل بي فكيف أعلم وأملك علم الساعة؟ وتمام الكلام قوله: لاستكثرت من الخير، ثم ابتدأ فقال: {وما مسّني السوء} يعني الجنون.
وقيل يعني لم يلحقني تكذيب {إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون.

.تفسير الآيات (189- 195):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)}
{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم عليه السلام {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} خلق منها حواء {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} يستأنس إليها ويأوي إليها لقضاء حاجته {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا} واقعها وجامعها {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} وهو ماء الرجل خفيف عليها {فَمَرَّتْ} أي استمرت {بِهِ} وقامت وقعدت ولم تكترث بحملها، يدل عليه قراءة ابن عباس: فاستمرت به.
وقال قتادة: {فمرّت به} أي استبان حملها. وقرأ يحيى بن يعمر {فمرت} خفيفة الراء من لمرية أي: شكّت أحملت أم لا؟ {فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ} أي كبر الولد في بطنها وتحرك وصارت ذات ثقل بحملها كما يقال: أثمر إذا صار ذا ثمر {دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا} يعني آدم وحواء {لَئِنْ آتَيْتَنَا} ياربنا {صَالِحاً}.
قال الحسن: غلاماً ذكراً. وقال الآخرون: بشراً سويّاً مثلنا {لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} وذلك أنهما أشفقا أن يكون بهما أو شيئاً سوى آدمي أو غير سوي.
قال الكلبي: إن إبليس أتى حواء في صورة رجل لما أثقلت في أول ما حملت فقال: ما هذا الذي في بطنك قالت: ما أدري، قال: إني أخاف أن يكون بهيمة، فقالت ذلك لآدم، فلم يزالا في نِعَم من ذلك ثمّ عاد إليها فقال: إني من الله منزّل فإن دعوت الله فولدت انساناً أتسميّنه فيّ قالت: نعم، قال: فإنّي أدعو الله فأتاها وقد ولدت فقال: سميه باسمي، فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث، ولو سمّى نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث.
وقال سعيد بن جبير: لما هبط آدم وحواء عليهما السلام الأرض أُلقيت الشهوة في نفس آدم فأصابها فحملت فلما تحرك ولدها في بطنها جاءها إبليس فقال ما هذا ماترين في الأرض إلاّ ناقة أو بقرة أو ضاينة أو كاجزة أو نحوها فما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار وما يدريك من أين يخرج أمن دبرك فيقتلك أو أذنك أو عينيك أو فيك أو يشق بطنك فيقتلك، فخافت حواء من ذلك قال: فأطيعيني وسميه عبد الحرث. وكان اسمه في الملائكة الحرث، تلدين شبيهكما مثلكما، فذكرت ذلك لأدم فقال: لعلّه صاحبنا الذي قد علمت، فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتّى غرهما فسمّياه عبد الحرث.
قال السدي: ولدت حواء غلاماً فأتاها إبليس فقال سموه بي وإلاّ قتلته، قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتني من الجنّة، فأبى أن يطيعه فمات الغلام، فحملت بآخر فلما ولدته قال لهما مثل ذلك فأبيا أن يطيعاه، فمات الولد، فحملت بآخر فأتاهما وقال لهما: إذ غلبتماني فسمياه عبد الحرث، وكان اسم إبليس الحرث.
ولم يشعروا به فوالله لا أزال أقتلهم حتّى تسمياه عبد الحرث. كما قتلت الأول والثاني فسمياه عبد الحرث فعاش.
وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم فتسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال: إن وعدتكما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث فولدت ابناً فسمياه عبد الحرث ففيهما أنزل الله عزّ وجلّ {فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً} أي ولداً بشراً سوياً حياً آدمياً {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ}.
قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وأبان بن ثعلب وعاصم وعكرمة وأهل المدينة شركاء بكسر الشين والتنوين أي شركه.
قال أبو عبيدة: أي حظاً ونصيباً من غيره، وقرأ الباقون شركاء مضمومة الشين ممدودة على جمع شريك أخبر عن الواحد بلفظ الجمع، لقوله تعالى: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [آل عمران: 173] مفرداً، تم الكلام هاهنا ثمّ قال: {فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} يعني أهل مكة.
واختلف العلماء في تأويل الشرك المضاف إلى آدم وحواء فقال المفسرون: كان شركاء في التسمية والصفة لا في العبادة والربوبية.
وقال أهل المعاني: أنهما لم يذهبا إلى أن الحرث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحرث لكنهما قصدا إلى أن الحرث سبب نجاة الولد وسلامة أُمّه فسمياه، كما يُسمى ربّ المنزل، وكما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له لا على أن الضيف ربّه.
كما قال حاتم:
وإنّي لعبد الضيف ما دام ثاوياً ** وما فيّ إلاّ تلك من شيمة العبد

وقال قوم من أهل العلم: إن هذا راجع إلى المشركين من ذرية آدم وإن معناه جعل أولادهما له شركاء فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كقوله تعالى: {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82] وكما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء في تفريقهم بفعل آبائهم، فقال لليهود الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ اتخذتم العجل من بعده. وقال: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فادارأتم فِيهَا} [البقرة: 72]. وقال سبحانه: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ الله} [البقرة: 91] ونحوها، ويدل عليه ما روى معمر عن الحسن قال: عني بهذا من أشرك من ذرية آدم ولم يكن عنى آدم.
وروى قتادة عنه قال: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصّروا.
وقال ابن كيسان: هم الكفار جعلوا لله شركاء عبد العزى وعبد مناة.
وقال عكرمة: لم يخص بها آدم ولكن جعلها عامة لجميع بني آدم من بعد آدم.
قال الحسين بن الفضل: وهذا حجب إلى أهل النظر لما في القول الأول من إلصاق العظائم بنبي الله آدم عليه السلام ويدل عليه جمعه في الخطاب حيث قال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}، ثمّ قال: {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا} انصرف من ذلك الخطاب إلى الخبر يعني فلما تغشى الرجل منكم امرأته.
قال الله عزّ وجلّ: {أَيُشْرِكُونَ} يعني كفار مكة {مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} يعني الأصنام.
قال ابن زيد: ولد لآدم ولد فسمياه عبد الله فاتاهما إبليس فقال: ما سميتما ابنكما هذا؟
قال: وكان ولد لهما قبل ذلك ولد سمياه عبد الله فمات فقالا: سميناه عبد الله، فقال إبليس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما لا والله ليذهبن كما ذهب الآخر، ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد شمس.
فذلك قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. الشمس لا تخلق شيئاً حتّى يكون لها عبداً إنّما هي مخلوقة قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خدعهما مرتين خدعهما في الجنّة وخدعهما في الأرض».
والذي يؤيد القول الأول قراءة السلمي: أتشركون بالتاء.
{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى} يعني الأصنام {لاَ يَتَّبِعُوكُمْ} لأنها غير عاقلة {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ساكتون {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ} مخلوقة مملوكة مقدرة مسخرة {أَمْثَالُكُمْ} أشباهكم {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أنّها آلهة.
{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ} يأخذون بها {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ} يامعشر المشركين {ثُمَّ كِيدُونِ} أنتم وهم {فَلاَ تُنظِرُونِ}.