فصل: تفسير الآيات (36- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (36- 40):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} ليصرفوا عن دين الله الناس.
قال سعيد بن جبير: وابن ابزى نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أُحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم سوى من أشخاص من العرب. وفيهم يقول كعب بن مالك:
فجينا إلى موج البحر وسطه ** أحابيش منهم حاسر ومقنع

وفينا رسول الله نتبع قوله ** إذ قال فينا القول لاينقطع

ثلاثة الألف ونحن نظنه ثلاث ** مئين أن كثرن فاربع

وقال الحكم بن عيينة: نزلت في أبي سفيان بن حرب حيث أنفق على المشركين يوم أُحُد أربعين أوقية وكانت أوقيته اثنين وأربعين مثقالاً.
وقال ابن إسحاق عن رجاله: لما أُصيبت قريش من أصحاب القليب يوم بدر، فرجع فِيَلهم إلى مكّة ورجع أبو سفيان ببعيره إلى مكّة مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أميّة في رجال من قريش أُصيب أباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلّموا أبا سفيان بن حرب ومَنْ كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه أملنا أن ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا، ففعلوا فأنزل الله فيهم هذه الآية. وقال الضحاك: هم أهل بدر.
وقال مقاتل والكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا: عتبه وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وبنيه ومنبه ابنا الحجّاج البحتري بن هشام والنضر بن حارث وحكم بن حزام وأبي بن خلف، وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر ونوفل والعباس بن عبد المطلب كلهم من قريش، وكان يطعم كل واحد منهم عشر جزر.
قال الله {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} ولا يظفرون {والذين كفروا} منهم خصّ الكفّار لأجل مَنْ أسلم منهم {إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ الله} بذلك الحشر {الخبيث مِنَ الطيب} الكافر من المؤمن فيدخل الله المؤمن الجنان والكافر النيران.
وقال الكلبي: يعني العمل الخبيث من العمل الطيب الصالح فيثيب على الأعمال الصالحة الجنّة ويثيب على الأعمال الخبيثة النار.
قرأ أهل الكوفة والحسن وقتادة والأعمش وعيسى: {لِيَمِيزَ الله} بالتشديد.
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
وقال ابن زيد: يعني الإنفاق الطيب في سبيل الله من الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان فجعل نفقاتهم في قعر جهنم ثمّ يقال لهم: الحقوا بها.
وقال مرّة الهمداني: يعني يميز المؤمن في علمه السابق الذي خلقه حين خلقه طيباً من الخبيث الكافر في علمه السابق الذي خلقه خبيثاً، وذلك أنّهم كانوا على ملة الكفر فبعث الله الرسول بالكتاب ليميّز الله الخبيث من الطيب فمن أطاع استبان أنّه طيب ومن خالفه استبان أنّه خبيث {وَيَجْعَلَ الخبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ} بعضه فوق بعض {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً} أي يجمعه حتّى يصيّره مثل السحاب الركام وهو المجتمع الكثيف {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} فوحد الخبر عنهم لتوحيد قول الله تعالى {لِيَمِيزَ الله الخبيث} ثمّ قال: {أولئك هُمُ الخاسرون} فجمع، رده إلى أول الخبر، يعني قوله: {الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} {أولئك هُمُ الخاسرون} الذين غنيت صفقتهم وخسرت تجارتهم لأنّهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة {قُل لِلَّذِينَ كفروا} أبي سفيان وأصحابه {إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ} ان ينتهوا من الشرك وقال محمد: يغفر لهم {مَّا قَدْ سَلَفَ} من عملهم قبل الإسلام {وَإِنْ يَعُودُواْ} لقتال محمد صلى الله عليه وسلم {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} في نصر الأنبياء والأولياء وهلاك الكفّار والأعداء مثل يوم بدر.
قال الأستاذ الإمام أبو إسحاق: سمعت الحسن بن محمد بن الحسن يقول: سمعت أبي يقول: سمعت عليّ بن محمد الوراق يقول: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: إنّي لأرجو أنّ توحيداً لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب.
وأنشدني أبو القاسم الحبيبي بذلك أنشدني أبو سعيد أحمد بن محمد الزيدي:
يستوجب العفو الفتى إذا اعترف ** ثمّ انتهى عمّا أتاه واقترف

لقوله سبحانه [في المعترف:] {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ}.
{وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي شرك، وقال أبو العالية: بلاء، وقال الربيع: حتّى لا يفتن مؤمن عن دينه {وَيَكُونَ الدِّينُ} التوحيد خالصاً {كُلُّهُ لله} عزّ وجلّ ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد.
وقال قتادة: حتّى يقال: لا إله إلاّ الله، عليها قاتل نبي الله وإليها دعا.
وقيل: حتّى تكون الطاعة والعبادة لله خالصة دون غيره {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر والقتال {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْاْ} عن الإيمان وعادوا إلي فقال أهله {فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ} ناصركم ومعينكم {نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير} الناصر.

.تفسير الآيات (41- 44):

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
{واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} حتّى الخيط والمخيط.
واختلف العلماء في معنى الغنيمة والفي، ففرّق قوم بينهما:
قال الحسن بن صالح: سألت عطاء بن السائب عن الفي والغنيمة فقال: إذا ظهر المسلمون على المشركين على أرضهم فأخذوه عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة. وأمّا الأرض فهو في سواد هذا الفيء.
وقال سفيان الثوري: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، والفي ما كان من صلح بغير قتال.
وقال قتادة: هما بمعنى واحد ومصرفهما واحد وهو قوله تعالى: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ}.
اختلاف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم قوله: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} مفتاح الكلام. ولله الدنيا والآخرة فإنّما معنى الكلام: فأنّ للرسول خُمسه وهو قول الحسن وقتادة وعطاء، فإنّهم جعلوا سهم الله وسهم الرسول واحداً، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس. قالوا: كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، وقسّم الخمس الباقي على خمسة أخماس: خمس للنبيّ صلى الله عليه وسلم كان له ويصنع فيه ما شاء وسهم لذوي القربى، وخمس اليتامى وخمس للمساكين وخُمس لابن السبيل. فسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس.
وقال بعضهم: معنى قوله: {فأن لله} فإن لبيت الله خمسه. وهو قول الربيع وأبي العالية قالا: كان يجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم، فجعل أربعة لمن شهد القتال ويعزل أسهماً فيضرب يده في جميع ذلك فما قبض من شيء جعله للكعبة وهو الذي سُميّ لله ثمّ يقسّم ما بقي على خمسة أسهم: سهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى، وسهم اليتامى، وسهم للمساكين، وخمس لابن السبيل، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس.
وقال ابن عباس: سهم الله وسهم رسوله جميعاً لذوي القربى وليس لله ولا لرسوله منه شيء.
وكانت الغنيمة تُقسّم على خمسة أخماس فأربعة منها لمن قاتل عليها وخمس واحد تقسّم على أربعة، فربع لله والرسول ولذي القربى. فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبيّ من الخمس شيئاً. والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل.
وأمّا قوله: {ولذي القربي} فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس مكان الصدقة واختلفوا فيهم.
فقال مجاهد وعليّ بن الحسين وعبد الله بن الحسن: هم بنو هاشم.
وقال الشافعي: هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب خاصّة. واحتج في ذلك بما روى الزهري عن سعيد بن جبير بن مطعم قال: «لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً لذوي القربى من خيبر على بني هاشم والمطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخوانك بنو هاشم لا تنكر فضلهم مكانك الذي حملك الله منهم أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنّما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال صلى الله عليه وسلم» إنّهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام. إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد «ثمّ أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى يديه بالأُخرى».
وقال بعضهم: هم قريش كلّها.
كتب نجدة إلى ابن عباس وسأله عن ذوي القربى فكتب إليه ابن عباس: قد كنا نقول: إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: قريش كلّها ذو قربى.
واختلفوا في حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ابن عباس والحسن يجعلانه في الخيل والسلاح، والعدّة في سبيل الله ومعونة الإسلام وأهله.
وروى الأعمش عن إبراهيم. قال: كان أبو بكر رضي الله عنه وعمر يجعلان سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح، فقلت لإبراهيم: ما كان لعليّ رضي الله عنه قول فيه. قال: كان أشدهم فيه.
قال الزهري: إنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر الصديق يطلبان ميراثهم من فدك وخيبر.
فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركنا صدقة» فانصرفا.
وقال قتادة: كان سهم ذي القربى طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيّاً. فلمّا توفي جعل لولي الأمر بعده.
وقال عليّ كرم الله وجهه: يعطى كل إنسان نصيبه من الخمس لا يعطى غيره، ويلي الإمام سهم الله ورسوله.
وقال بعضهم: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود بعده في الخمس. والخمس بعده مقسوم على ثلاث أسهم: على اليتامى والمساكين وابن السبيل وهو قول جماعة من أهل العراق.
وقال عمرو عن عيينة: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من المغنم فلمّا فرغ أخد وبره من جسد البعير فقال: «إنّه لا يحلّ لي من هذا المغنم مثل هذا إلاّ الخمس، والخمس مردود فيكم».
وقال آخرون: الخمس كلّه لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال المنهال ابن عمرو: سألت عبد الله بن محمد بن عليّ وعليّ بن الحسين عن الخمس فقالا: هو لنا، فقلت لعلي رضي الله عنه: إن الله تعالى يقول: {واليتامى والمساكين وابن السبيل} فقال: يتامانا ومساكيننا.
وأمّا اليتامى فهم أطفال المسلمين الذين هلك أباؤهم، والمساكين أهل الفاقة والحاجة من المسلمين، وابن السبيل المسافر المنقطع.
وقال ابن عباس: هو الفتى الضعيف الذي ترك المسلمين {إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله وَمَآ أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا} محمد صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ الفرقان} يوم فرق فيه بين الحق والباطل ببدر {يَوْمَ التقى الجمعان} جمع المسلمين وجمع المشركين وهو يوم بدر وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة وكان يوم الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِذْ أَنتُمْ} يا معشر المسلمين {بِالْعُدْوَةِ الدنيا} شفير الوادي الأدنى إلى المدينة {وَهُم} يعني عدوكم من المشركين {بالعدوة القصوى} من الوادي الأقصى من المدينة {والركب أَسْفَلَ مِنكُمْ} إلى ساحل البحر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي والمشركين بأسفله والعير قد انهرم به أبو سفيان على الساحل حتّى قدم مكّة.
وفي العدوة قراءتان: كسر العين وهو قراءة أهل مكّة والبصرة.
وضم العين وهو قرأ الباقين واختيار أبي عبيد وأبي حاتم، وهما لغتان مشهورتان كالكُسوة والكَسوة. والرُشوة والرَشوة. وينشد بيت الراعي:
وعينان حمر مآقيهما ** كما نظر العِدوة الجؤذر

بكسر العين.
وينشد بيت أوس بن حجر:
وفارس لو تحل الخيل عُدوته ** ولّوا سراعاً وما همّوا بإقبال

بالضم.
والدنيا تأنيث الأدنى، والقصوى تأنيث الأقصى.
وكان المسلمون خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها فالتقوا من غير ميعاد قال الله {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد} لقلّلكم وكثرة عدوكم {ولكن لِّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه {لِّيَهْلِكَ} هذه اللام مكررة على اللام في قوله: {لِّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} ويهلك {مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ} أي ليموت مَنْ يموت على بينة ولَهَاً وعِبْرةً عاينها وحجّة قامت عليه، وكذلك حياة من يحيى لوعده {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15].
وقال محمد بن إسحاق: ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت معذرته ويؤمن من آمن على مثواك.
وقال قتادة: ليضل من ضل عن بينة ويهتدي من اهتدى على بيّنة.
وقال عطاء: ليهلك من هلك عن بينة عن علم بما دخل فيه من الفجور {ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} عن علم ويقين بلا إله إلاّ الله. وفي {حي} قولان، قرأ أهل المدينة: {حيي} بيائين مثل خشيي على الإيمان، وقرأ الباقون {حيّ} بياء واحدة مشددة على الإدغام، لأنّه في الكتاب بياء واحدة {وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ يُرِيكَهُمُ الله} يا محمد يعني المشركين {فِي مَنَامِكَ} أي في نومك، وقيل: في موضع نومك يعني عينك {قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ} لجبنتم {وَلَتَنَازَعْتُمْ} اختلفتم {فِي الأمر} وذلك أن الله تعالى أراهم إياه في منامه قليلا فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك، فكان تثبيتاً لهم ونعمة من الله عليهم شجعهم بها على عدوهم فذلك قوله عزّ وجلّ {ولكن الله سَلَّمَ} قال ابن عباس: سلم الله أمرهم حين أظهرهم على عدوهم {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} قال مقاتل: ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن العدو قليل قبل لقاء العدو فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بما رأى.
فقالوا: رؤيا النبيّ حق، القوم قليل، فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين المؤمنين وأصدق رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الله بن مسعود: لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر حتّى قلت لرجل إلى جنبي: نراهم سبعين قال أراهم مائة فأسرنا رجلا فقلنا كم كنتم؟ قال: ألفاً. ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعينهم.
قال السدي: قال أُناس من المشركين: إن العير قد انصرفت فارجعوا. فقال أبو جهل: الآن إذا ينحدر لكم محمد وأصحابه فلا ترجعوا حتّى تستأصلوهم ولا تقتلوهم بالسلاح خذوهم أخذاً كي لا يعبد الله بعد اليوم، إنّما محمد وأصحابه أكلة جزور فاربطوهم بالجبال.
كقوله من القدرة على نفسه.
قال الكلبي: استقلّ المؤمنون المشركين والمشركون المؤمنين، البحتري: بعضهم على بعض. {لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} كائناً في علمه، نصر الإسلام وأهله وذل الشرك وأهله.
وقال محمد بن إسحاق: ليقضي الله أمرا كان مفعولاً بالانتقام من أعدائه والإنعام على أوليائه {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور}.