فصل: تفسير الآيات (17- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (17- 22):

{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ} بيان وحجة {مِّن رَّبِّهِ} وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} يتبعه من يشهد له ويصدقه.
واختلفوا في هذا الشاهد فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد والضحاك وأبو صالح وأبو العالية وعكرمة: هو جبريل عليه السلام، وقال الحسن رضي الله عنه: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن وقتادة: هو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن الحنفية: قلت لأبي أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} قال: وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: الشاهد صورة النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخائله، لأنّ كل من كان له عقل ونظر إليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن في نظمه وإعجازه والمعاني الكثيرة منه في اللفظ القليل. وروى ابن جريج وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو ملك يحفظه ويسدّده. وقيل: هو علي بن أبي طالب.
أخبرني عبد الله الأنصاري عن القاضي أبو الحسين النصيري، أبو بكر السبيعي، علي بن محمد الدهان والحسن بن إبراهيم الجصاص، قال الحسين بن حكيم، الحسين بن الحسن عن حنان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} علي خاصة رضي الله عنه.
وبه عن السبيعي عن علي بن إبراهيم بن محمد العلوي، عن الحسين بن الحكيم، عن إسماعيل بن صبيح، عن أبي الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت علياً يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو ثنيت لي وسادة فأُجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ وأنا أعرف به يساق إلى جنة أو يقاد إلى نار. فقام رجل فقال: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه.
وبه عن السبيعي، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثني الحسن بن علي بن برقع وعمر بن حفص الفراء، حدثنا صباح القرامولي، عن محارب عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان، فقال له رجل: فأنت أي شيء نزل فيك؟ قال علي رضي الله عنه: أما تقرأ الآية التي في هود، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}.
وفي الكلام محذوف تقديره: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن هو في الضلالة متردّد، ثم قال: {وَمِن قَبْلِهِ} يعني ومن قبل محمد والقرآن كان {كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً أولئك} أي بني إسرائيل {يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ} أي بمحمد وقيل بالقرآن، وقيل بالتوراة {مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ}.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستمع لي يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار».
قال أبو موسى فقلت في نفسي: إن النبي لا يقول مثل هذا القول إلاّ من الفرقان فوجدت الله يقول: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُه}.
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} أي في شكّ {مِّنْهُ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} زعم أن لله ولداً أو شريكاً أو كذب بآيات القرآن {أولئك} يعني الكاذبين، {يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} فيسألهم عن أعمالهم ويجزيهم بها.
{وَيَقُولُ الأشهاد} يعني الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا، في قول مجاهد والأعمش، وقال الضحاك: يعني الأنبياء والرسل، وقال قتادة: يعني الخلائق.
وروى صفوان بن محرز المازني قال: بينا نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر إذ عرض له رجل فقال: يا بن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدنو المؤمن من ربّه حتى يضع كتفيه عليه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف ما فعلت؟ يقول: رب أعرف مرّتين، حتى إذا بلغ ما شاء الله أن يبلغ فقال: وإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وقال ثمّ يعطى صحيفة حسناته، أو كتابه بيمينه قال: وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الأشهاد».
{هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين * الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ * أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض} قال ابن عباس: سابقين.
مقاتل بن حيان: قانتين، قتادة: هراباً {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ} أنصار تُغني عنهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} يعني يزيد في عذابهم.
{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} اختلف في تأويله: قال قتادة [....]: {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} الهدى، وقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] قال ابن عباس: إن الله تعالى إنّما حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا، وأما في الدنيا فإنه قال: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} فإنه قال: فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم، وقال بعضهم: إنما عنى بذلك الأصنام.
{أولئك} وآلهتهم {لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} ولا يسمعونه {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} [......] فلا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما يقول: لا يجزينك ما عملت وبما عملت.
{أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ} أي [.....]، قال الفرّاء: معناها لابدّ ولا محالة {أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} يعني من غيرهم، وإنْ كان الكل في الخسار.
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ} بيان وحجة {مِّن رَّبِّهِ} وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} يتبعه من يشهد له ويصدقه.
واختلفوا في هذا الشاهد فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد والضحاك وأبو صالح وأبو العالية وعكرمة: هو جبريل عليه السلام، وقال الحسن رضي الله عنه: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن وقتادة: هو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن الحنفية: قلت لأبي أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} قال: وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: الشاهد صورة النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخائله، لأنّ كل من كان له عقل ونظر إليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن في نظمه وإعجازه والمعاني الكثيرة منه في اللفظ القليل. وروى ابن جريج وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو ملك يحفظه ويسدّده. وقيل: هو علي بن أبي طالب.
أخبرني عبد الله الأنصاري عن القاضي أبو الحسين النصيري، أبو بكر السبيعي، علي بن محمد الدهان والحسن بن إبراهيم الجصاص، قال الحسين بن حكيم، الحسين بن الحسن عن حنان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} علي خاصة رضي الله عنه.
وبه عن السبيعي عن علي بن إبراهيم بن محمد العلوي، عن الحسين بن الحكيم، عن إسماعيل بن صبيح، عن أبي الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت علياً يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو ثنيت لي وسادة فأُجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ وأنا أعرف به يساق إلى جنة أو يقاد إلى نار. فقام رجل فقال: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه.
وبه عن السبيعي، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثني الحسن بن علي بن برقع وعمر بن حفص الفراء، حدثنا صباح القرامولي، عن محارب عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان، فقال له رجل: فأنت أي شيء نزل فيك؟ قال علي رضي الله عنه: أما تقرأ الآية التي في هود، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}.
وفي الكلام محذوف تقديره: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن هو في الضلالة متردّد، ثم قال: {وَمِن قَبْلِهِ} يعني ومن قبل محمد والقرآن كان {كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً أولئك} أي بني إسرائيل {يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ} أي بمحمد وقيل بالقرآن، وقيل بالتوراة {مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ}.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستمع لي يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار».
قال أبو موسى فقلت في نفسي: إن النبي لا يقول مثل هذا القول إلاّ من الفرقان فوجدت الله يقول: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُه}.
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} أي في شكّ {مِّنْهُ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} زعم أن لله ولداً أو شريكاً أو كذب بآيات القرآن {أولئك} يعني الكاذبين، {يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} فيسألهم عن أعمالهم ويجزيهم بها.
{وَيَقُولُ الأشهاد} يعني الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا، في قول مجاهد والأعمش، وقال الضحاك: يعني الأنبياء والرسل، وقال قتادة: يعني الخلائق.
وروى صفوان بن محرز المازني قال: بينا نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر إذ عرض له رجل فقال: يا بن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدنو المؤمن من ربّه حتى يضع كتفيه عليه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف ما فعلت؟ يقول: رب أعرف مرّتين، حتى إذا بلغ ما شاء الله أن يبلغ فقال: وإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وقال ثمّ يعطى صحيفة حسناته، أو كتابه بيمينه قال: وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الأشهاد».
{هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين * الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ * أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض} قال ابن عباس: سابقين.
مقاتل بن حيان: قانتين، قتادة: هراباً {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ} أنصار تُغني عنهم {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} يعني يزيد في عذابهم.
{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} اختلف في تأويله: قال قتادة [....]: {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} الهدى، وقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] قال ابن عباس: إن الله تعالى إنّما حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا، وأما في الدنيا فإنه قال: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} فإنه قال: فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم، وقال بعضهم: إنما عنى بذلك الأصنام.
{أولئك} وآلهتهم {لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} ولا يسمعونه {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} [......] فلا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما يقول: لا يجزينك ما عملت وبما عملت.
{أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ} أي [.....]، قال الفرّاء: معناها لابدّ ولا محالة {أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} يعني من غيرهم، وإنْ كان الكل في الخسار.

.تفسير الآيات (23- 40):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)}
{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ} قال عطية عن ابن عباس وقتادة: أنابوا وتضرّعوا إليه، مجاهد: اطمأنّوا إلى ذكره، مقاتل: أخلصوا، الأخفش: تخشّعوا له، وقيل: تواضعوا له.
{أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ الفريقين} المؤمن والكافر {كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} قال الفرّاء: وإنّما لم يقل هل يستوون مثلا، لأنّ الأعمى والأصم في خبر كأنهما واحد، لأنهما من وصف الكافر، والسميع والبصير في خبر كأنهما واحد، لأنهما من وصف المؤمن. {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ إِنَّي} قرأ أهل مكة وأبو عمرو والكسائي: أني بفتح الألف ويعنون بأني، وقرأ الباقون بكسر الألف إني، قال: إني لأن في الإرسال معنى القول.
{لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} مؤلم، قال مقاتل: بعث نوح وأمره ربّه ببناء، السفينة وهو ابن ستمائة سنة وكان عمره ألفاً وخمسين عاماً ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة، قال الله تعالى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت: 14] أي فلبث فيهم داعياً {فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاك} يا نوح {إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا} آدمياً مثلنا {وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا} سفلتنا {بَادِيَ الرأي} قال مجاهد وأبي المعين وحمزة أبو عمرو وبصير على معنى بادي الرأي من غير روية ولا فكرة يعني: آمنوا من غير روية.
{وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ} نوح {ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي وَآتَانِي رَحْمَةً} هدىً ومغفرة {مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} التبست واشتبهت وقرأ أهل الكوفة: فعُمّيت بضم العين وتشديد الميم، أي اشتبهت ولبّست ومعنى الكلام: عمّيت الأبصار عن الحق، وهذا كما يقال: دخل الخاتم في أصبعي، والخُفّ في رجلي وإنما يدخل الأصبع في الخاتم والرجل في الخُفّ {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} يعني البيّنة والرحمة {وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} لا تريدونها يعني لا يُقبل ذلك.
{وياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً} أي على الوحي وتبليغ الرسالة كناية عن غير مذكور {إِنْ أَجْرِيَ} ما ثوابي {إِلاَّ عَلَى الله وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمنوا} الباء صلة {إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ} بالمعاد {ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ * وياقوم مَن يَنصُرُنِي مِنَ الله إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله وَلاَ أَعْلَمُ الغيب وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تزدري} تحتقر وتستصغر {أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْراً} يعني يؤخذ وانما {الله أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} من النية والعزم والخير والشر {إني إِذاً لَّمِنَ الظالمين} إنْ فعلتُ ذلك.
{قَالُواْ يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا} ما ريتنا وخاصمتنا {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} يعني العذاب {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي} نصيحتي {إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} يهلككم ويضلكم {هُوَ رَبُّكُمْ} والأمر والحكم له {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فيجازيكم بأعمالكم وهو ردّ على المعتزلة والمرجئة.
{أَمْ يَقُولُونَ افتراه} قال ابن عباس: يعني نوحاً، مقاتل يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنِ افتريته فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} إثمي ووبال أمري، لا تؤخذون بذنبي {وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تُجْرِمُونَ} لا أواخذ بذنوبكم {وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ} ولا تحزن وهو منفعل من البؤس {بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} فإني مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا عليهم {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} [نوح: 26].
{واصنع الفلك} واعمل السفينة {بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منّا، الضحاك: بمنظر منّا، مقاتل: بعلمنا، ربيع: بمسمعنا {وَوَحْيِنَا} على ما أوحينا إليك، قال ابن عباس: وذلك إنّه لم يعلم كيف يصنع الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها على جؤجؤ الطائر {وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا} ولا تسألني العفو عن هؤلاء الذين كفروا {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} بالطوفان، أمر أن لا يشفع لهم عنده، وقال: عنى امرأته وابنه.
{وَيَصْنَعُ الفلك} قيل: معناه وكان يصنع الفلك، وقيل: معناه وصنع الفلك {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} هزئوا به.
{قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا} الآن {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} إذا عاينتم عذاب الله {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يهينه {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دائم، قال ابن عباس: اتخذ نوح عليه السلام السفينة في سنتين، وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين، وطولها في السمك ثلاثين ذراعاً، وكانت من خشب الساج، وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وركب هو في البطن الأعلى [.....]، عمّا يحتاج إليه من الزاد.
روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، فأوحى الله عزّ وجلّ لما كان آخر زمانه وغرس شجرة فعظمت وذهبت كلّ مذهب ثمّ قطعها ويقطع ما يبس منها، ثمّ جعل يعمل سفينة ويمّرون عليه قومه فيسألونه فيقول: أعمل سفينة فيسخرون منه ويقولون: يعمل سفينة في البر فكيف تجري؟ فيقول: فسوف تعلمون، فلّما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك، خشيت أُمّ صبي عليه وكانت تحبّه حبّاً شديداً، فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثيه، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى صعدت على الجبل فلما بلغ الماء رقبته رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله أحداً منهم لرحم أُمّ الصبي».
وروى علي بن زيد بن صوحان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فيحدّثنا عنها، فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفّاً من ذلك التراب بكفّه قال: أتدرون ماهذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا كفن حام بن نوح، قال: فضرب الكثيب بعصاه وقال: قم بإذن الله، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب، قال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا بل متُّ وأنا شاب ولكنني ظننت أنها الساعة فمن ثَمّ شبت، قال: حدِّثْنا عن سفينة نوح، قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلمّا كثرت فضلات الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل، فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث، فلمّا وقع الفار بحوض السفينة وحبالها فقرضها، وذلك أن الفار ولدت في السفينة فأوحى الله تعالى إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وهرّة فأقبلا على الفار.
فقال له عيسى: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت، ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت قال: فطوّقها بالحمرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في قصر بأمان فمن ثم تألف البيوت.
قال: فقالوا: يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلنا فيجلس معنا ويحدّثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ فقال له: عد بإذن الله، قال: فعاد تراباً.
وروى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير أنّه كان يحدّث الأحاديث وكانوا يبطشون به، يعني قوم نوح فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون، حتى إذا تمادوا في المعصية وعظمت في الأرض منهم الخطيئة وتطاولوا عليه، وتطاول عليه وعليهم الشأن واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر البخل بعد البخل، فلا يأتي قرن إلاّ كان أخبث من الذي قبله حتى إذا كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنوناً لا يقبلون منه شيئاً، حتى شكا ذلك من أمرهم إلى الله عزّ وجل فقال: رب إنّي دعوت قومي ليلا ونهاراً، حتى قال: ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً إلى آخر القصة، فأوحى الله إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي بعد اليوم إنهم مغرقون.
فأقبل نوح على عمل الفلك ولجأ عن قومه إلى جبل يقطع الخشب ويضرب بيديه الحديد، ويهيّئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلاّ هو، وجعل قومه يمرون به وهو في ذلك من عمله فيسخرون منه ويقولون: يا نوح هل صرت نجاراً بعد النبوة؟ وأعقم الله أرحام النساء فلبثوا سنين فلا يولد لهم ولد.
قال: ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن يصنعه أزور وأن يطليه بالقار من أسفله وخارجه، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً، ومائة في عرضه وبطوله في السماء ثلاثين ذراعاً، والذراع إلى المنكب، وجعلها ثلاثة طوابق سفلى ووسطى وعليا، فجعل فيه كوى، ففعل نوح كما أمره الله تعالى.
{حتى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا} عذابنا {وَفَارَ التنور} يعني انبجس الماء من وجه الأرض، والعرب تسمي وجه الأرض تنور الأرض، وذلك أنه إذا قيل: إذا رأيت الماء يسيح على وجه الأرض فاركب أنت ومن اتبعك، ومنها قول ابن عباس وعكرمة والزهري وابن عيينة، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير و{وَفَارَ التنور}: أي طلع الفجر ونور الصبح، ومن ذلك عبارته نوّر الفجر تنويراً، قتادة: موضع في الأرض وأعلى مكان فيها. قال الحسن: أراد بالتنور الذي يخبز فيه وكان تنوراً من حجارة وكان لحواء حتى صار إلى نوح، فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك، فنبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته، وهذا قول مهران. ورواه عطية عن ابن عباس، قال مجاهد: وكان ذلك في ناحية الكوفة، وروى السدي عن الشعبي أنه كان يحلف بالله ما يظهر التنور إلاّ من ناحية الكوفة، وقال: اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة، وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة، وكان فوران الماء منه علماً لنوح ودليلا على هلاك قومه.
وقال مقاتل: كان ذلك تنور آدم وإنّما كان بالشام بموضع يقال له: عين وردة، وقال ابن عباس: فار التنور بالهند، والفور: الغليان.
{قُلْنَا احمل فِيهَا} أي في السفينة {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين} قال المفسرون أراد بالزوجين: اثنين ذكراً وأنثى، وقال أهل المعاني: كل اثنين لا يستغني أحدهما عن صاحبه، فإن العرب تسمي كل واحد منهما زوجاً، يقال له: زوجا نعال إذا كانت له نعلان وكذلك عنده زوجا حمام، وعليه زوجا قيود، قال الله تعالى {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى} [النجم: 45]، وقال بعضهم: أراد بالزوجين الضربين والصنفين وكل ضرب يدعى زوج، قال الأعشى:
وكل زوج من الديباج يلبسه ** أبو قدامة محبوّ بذاك معا

أراد كل ضرب ولون. وقال لبيد: وذي [.....] كرّ المقاتل صولة وذرّته أزواج [........] يشرّب أي ألوان وأصناف، وقرأ حفص هاهنا وفي سورة المؤمنين {مِن كُلٍّ} بالتنوين أي من كل صنف، وجعل اثنين على التأكيد.
{وَأَهْلَكَ} أي واحمل أهلك ومالك وعيالك {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} بالهلاك يعني امرأته راحلة وابنه كنعان.
{وَمَنْ آمَنَ} يعني واحمل من آمن بك، قال الله تعالى {وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} واختلفوا في عددهم، فقال قتادة والحكم وابن جريج ومحمد بن كعب القرضي: لم يكن في السفينة إلاّ نوح وامرأته وثلاثة بنيه، سام وحام ويافث أخوة كنعان وزوجاتهم وَرَحْلِهم فجميعهم ثمانية، فأصاب حام امرأته في السفينة فدعا الله نوحٌ أن يغير نطفته فجاء بالسودان. وقال الأعمش: كانوا سبعة: نوح وثلاث كنائن وثلاثة بنين له. وقال ابن إسحاق: كانوا عشرة سوى نسائهم: نوح وبنوه حام وسام ويافث وستة أناس ممن كان آمن معه وأزواجهم جميعاً.
وقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة وبنيه الثلاثة ونساءهم، فكان الجميع ثمانية وسبعين نفساً، نصفهم رجال ونصفهم الآخر نساء.
قال ابن عباس: كان في سفينة نوح ثمانون إنساناً أحدهم جرهم.
قال مقاتل: وحمل نوح معه جسد آدم وجعله معترضاً بين الرجال والنساء، وحمل نوح جميع الدواب من الغنم والوحوش والطير وفرق فيما بينها.
قال ابن عباس: أول ما حمل نوح في السفينة من الدواب الأوزة، وآخر ما حمل الحمار، فلمّا دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه فلم يستقل رجلاه فجعل نوح يقول له: ادخل فينهض فلا يمشي، حتى قال نوح: ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك، فقال له نوح: ما أدخلك عليّ يا عدو الله؟ فقال له: ألم تقل ادخل وان كان الشيطان معك، قال نوح: اخرج عني يا عدو الله، قال: ما لك بدّ من أن تحملني معك، فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك.
وفي تفسير مالك بن إبراهيم الهروي الذي أخبرني بالأسناد إلى أبي القاسم والحسن بن محمد ببعضه قراءةً وأجاز لي بالباقي في غير مرة، قال يحدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الهروي، قال: حدثنا جابر بن عبد الله عنه أن الحية والعقرب أتيا نوحاً فقالتا: احملنا، فقال نوح: إنكما سبب الضرّ والبلايا والأوجاع فلا أحملكما، فقالتا: احملنا فنحن نضمن لك بأن لا نضر أحداً ذكرك، فمن قرأ حين خاف ضرّتهما: {سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} [الصافات: 79-81] ما ضرّتاه.