فصل: تفسير الآيات (110- 115):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (110- 115):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)}
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {موسى الكتاب فاختلف فِيهِ} ممّن صدف عنه وكذبّ به، كما فعل قومك بالقرآن يُعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} في تأخير العذاب {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أُفرغ من عقابهم وإهلاكهم، يعني المختلفين المخالفين. {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} موقع في الريب والتهمة، يقال: أراب الرجل، أي جاء بريبة، وألام إذا أتى بما يُلام عليه، قال الشاعر:
تعد معاذراً لا عذر فيها ** ومن يخذل أخاه فقد ألاما

{وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا} اختلف فيه القُرّاء، فقرأ ابن عامر وأبو جعفر وحمزة {وَأنَ} بتخفيف النون و{لَمَّا} بتشديد الميم على معنى فأنّ كلاً لمّا {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}، ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة، كقول الشاعر:
كان من أخرها لقادم ** مخرم نجد فارع المحارم

أراد إلى القادم، فحذف اللام عند اللام وتكون {مَآ} بمعنى من تقديره لممّن يوفينّهم، كقول الشاعر:
وأنّيَ لمّا أصدر الأمر وجهه ** إذا هو أعيا بالسبيل مصادره

وقيل: أراد وأن كلا لمّاً بالتنوين والتشديد، قرأها الزهري بالتنوين أي وإن كلاً شديداً وحقاً ليوفينّهم {رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} من قوله تعالى: كلاّ لمّا، أي شديداً فحذفوا التنوين وأخرجوه على هذا فعلى، كما فعلوا في قوله: ثم أرسلنا رسلنا تترى، وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف النون والميم على معنى إن الثقيلة مخفّف، وأنشد أبو زيد:
ووجه مشرق النحر كأنْ ثدييه حُقّان

أراد كان فخفّف ونصب به، و{مَآ} صلة تقديره وإن كلا ليوفينّهم. وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب وحفص وأيوب وخلف بتشديد النون وتخفيف الميم على معنى وأن كُلاً ليوفينّهم، جعلوا {مَآ} صلة. وقيل: أرادوا وأن كلا لممّن كقوله: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] أي من. وقرأ أبو بكر بن عياش بتخفيف النون وتشديد الميم أراد أن الثقيلة فخفّفها.
وقيل: {إِنَّ} بمعنى {مَا} الجحد و{لَّمَّا} بمعنى {إلاَّ} تقديره وما كلاً إلاّ ليوفينّهم، ولكنه نصب كلاّ بإيقاع التوفية عليه أي ليوفينّ كلا وهو أبعد القراءات فيها من الصواب، {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
{فاستقم} يا محمد على أمر ربك والعمل به والدعاء إليه {كَمَآ أُمِرْتَ} أن لا تشرك بي شيئاً وتوكّل عليّ مما ينوبك، قال السدّي: الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد أُمته.
{وَمَن تَابَ مَعَكَ} فليستقيموا، يعني المؤمنين {وَلاَ تَطْغَوْاْ} ولا تجاوزوا أمري، وقال ابن زيد: ولا تعصوا الله ولا تخالفوه، وقيل: ولا تتخيّروا.
{إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، قال ابن عباس: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشقّ عليه من هذه الآية، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب، فقال: «شيبتني سورة هود وأخواتها».
{وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ} قال ابن عباس: ولا تميلوا على غيّهم ولا تدهنوا لهم قال، أبو العالية: لا ترضوا على أعمالهم. قتادة: لا تلحقوا بالمشركين. السدّي وابن زيد، ولا تداهنوا الظلمة، ابن كيسان: لا تسكنوا إلى الذين ظلموا.
{فَتَمَسَّكُمُ} تصيبهم النار {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ} أي أعوان يمنعون {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ * وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار} يعني الغداة والعشي، قال ابن عباس: يعني صلاة العصر والمغرب. مجاهد: صلاة الفجر وصلاة العشاء، القرظي: هي الفجر والظهر والعصر، الضحاك: صلاة الفجر والعصر، وقيل: الطرفان صلاة الفجر والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف.
{وَزُلَفاً مِّنَ اليل} يعني صلاة العتمة، وقال الحسن: هما المغرب والعشاء، قال الأخفش: يعني ساعات الليالي واحدتها زلفة، وأصل الزلفة المنزلة والقربة، ومنه المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة، قال العجاج:
طيّ الليالي زلفاً فزلّفا ** سماوة الهلال حتى أحقوقفا

وفيه أربع لغات زُلُفاً: بفتح الفاء وضم اللام وهي قراءة العامة، وقرأ أبو جعفر بضم الزاي واللام، وقرأ ابن محيصن بضم الزاي وجزم اللام، وقرأ مجاهد زُلفى، مثل قُربى.
{إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات} يعني: إن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات، هذا قول أكثر المفسرين، وقال مجاهد: هي قول العبد: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر.
نزلت هذه الآية في أبي اليسر عمرو بن غزية الأنصاري وكان يبيع التمر فأتته امرأة تبتاع تمراً فقال: إن هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه، فهل لك فيه، فقالت: نعم، فذهب بها إلى بيته فضمها إليه وقبّلها، فقالت له: اتق الله فتركها وندم على ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل راود امرأة عن نفسها ولم يبق شيئاً مما يفعل الرجال بالنساء إلاّ ركبه غير أنه لم يجامعها، فقال عمر بن الخطاب: لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، وقال: أنظر فيه أمر ربي، وحضرت صلاة العصر، فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فلما فرغ أتاه جبريل بهذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أين أبو اليسر؟» فقال: ها أناذا يا رسول الله، قال: «أشهدت معنا هذه الصلاة؟» قال: نعم، قال: «اذهب فإنها كفارة لما عملت» فقال عمر: يا رسول الله أهذا له خاصّة أم لنا عامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بل للناس عامة».
{ذلك} الذي ذكرناه، وقيل: هو إشارة إلى القرآن {ذكرى} عظة {لِلذَّاكِرِينَ * واصبر} يا محمد على ما تلقى من الأذى، وقيل: على الأذى، وقيل: على الصلاة، نظير قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا} [طه: 132] {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} من أعمالهم، وقال فيه ابن عباس: يعني المصلّين.

.تفسير الآيات (116- 123):

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)}
{فَلَوْلاَ كَانَ} فهلاّ كان {مِنَ القرون} التي أهلكناهم {مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ} أصحاب دين وعقل {يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد فِي الأرض} ومعناه: فلم يكن، لأن في الاستفهام ضرباً من الجحد {إِلاَّ قَلِيلاً} استثناء منقطع {مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} وهم أتباع الأنبياء وأهل الحق.
{واتبع الذين ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ} قال ابن عباس: ما أُنظروا فيه، وروي عنه: أُبطروا. الضحّاك: اعتلّوا، مقاتل بن سليمان: أُعطوا، ابن حيان: خوّلوا، مجاهد: تجبّروا في الملك وعتوا عن أمر الله، الفرّاء: ما سوّدوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا على الآخرة {وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ} كافرين {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ} بظلم منه لهم {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} في أعمالهم غير مسيئين، لكنه يهلكها بكفرهم وإتيانهم السيئات، وقيل: معناه لم يكن ليهلكهم بشركهم وأهلها مصلحون فيما بينهم لا يتظالمون، ويتعاطون الحق بينهم وإن كانوا مشركين، وإنّما يهلكهم إذا ظلموا.
{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس} كلّهم {أُمَّةً} جماعة {وَاحِدَةً} على ملّة واحدة {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} على أديان شتى من يهودي ونصراني ومجوسي ونحو ذلك {إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} ويعني بهم المؤمنون وأهل الحق.
{ولذلك خَلَقَهُمْ} قال الحسن ومقاتل بن حيان ويمان وعطاء: وللاختلاف خلقهم، قال الأشهب: سألت مالكاً عن هذه الآية فقال: لقهم ليكون فريق في الجنة، وفريق في السعير، وقيل: اللام بمعنى على، أي وعلى ذلك خلقهم، كقول الرجل للرجل: أكرمتك على برّك بي ولبرّك بي، ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة: وللرحمة خلقهم ولم يقل: ولتلك، والرحمة مؤنّثة لأنها مصدر وقد مضت هذه المسألة، وهذا باب سائغ في اللغة وهو أن يُذكر لفظان متضادان ثم يشار إليهما بلفظ التوحيد فمن ذلك قوله تعالى: {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [البقرة: 68] ثم قال: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68]، وقوله: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً} [الإسراء: 110] وقوله: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58] فكذلك معنى الآية، ولذلك أي وللاختلاف والرحمة خلقهم أحسن خلق، هؤلاء لجنّته، وهؤلاء لناره.
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ * وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} قال ابن عباس: نسدد، الضحاك: نقوّي، ابن جريج: نصبّر حتى لا تجزع، أهل المعاني: ما نثبّت به قلبك.
{وَجَآءَكَ فِي هذه الحق} قال الحسن وقتادة: في هذه الدنيا، وقال غيرهما: في هذه السورة، {وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وانتظروا} ما يحلّ بنا من رحمة الله {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ما يحل بكم من النقمة.
{وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض} قال ابن عباس: خزائن الله، الضحّاك: جميع ما غاب عن العباد، وقال الباقون: غيب نزول العذاب من السماء {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ} في المعاد حتى لا يكون للخلق أمر، وقرأ نافع وحفص بضم الياء أي يُرجع {فاعبده} وحده {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} توثّق به {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} قال كعب: خاتمة التوراة خاتمة هود والله أعلم. يعملون قراءة العامة بالياء، وقرأ أهل المدينة والشام وحفص بالتاء.

.سورة يوسف:

مكية، وهي سبعة آلاف وستة وسبعون حرفاً، وألف وسبعمائة وستة وسبعون كلمة، ومائة وإحدى عشرة آية.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن الحسن المقرئ غير مرة، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبو الشيخ عبد الله بن محمد الأصفهاني قالا: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك، قال: حدثنا أحمد بن يونس اليربوعي، قال: حدثنا سلام بن سليم المدائني، قال: حدثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أُبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علّموا أرقّاءكم سورة يوسف فإنه أيّما مسلم تلاها وعلّمها أهله وما ملكت يمينه هوّن الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوّة أن لا يحسد مسلماً».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 6):

{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}
{الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} يعني البيّن حلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وهداه وبركته، قال معاذ بن جبل: بيّن فيه الحروف التي سقطت من ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف.
{إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ} يعني الكتاب {قُرْآناً عَرَبِيّاً} بلغتكم يا معشر العرب {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكي تعلموا معانيه وتقيموا ما فيه {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} أي نقرأ، وأصل القصص تتبع الشيء، ومنه قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] فالقاص يتتبع الآثار ويخبر بها.
{أَحْسَنَ القصص} يعني قصة يوسف {بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} و{ما} المصدر أي بإيحائنا إليك هذا القرآن {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ} من قبل وحينا {لَمِنَ الغافلين} قال سعد بن أبي وقاص: أُنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زماناً، وكأنهم ملّوا فقالوا: لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} الآية، فقالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا وحدثتنا فأنزل الله تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} [الحديد: 16] الآية، فقال الله تعالى على هذه الآية: أحسن القصص.
واختلف الحكماء فيها لم سميت أحسن القصص من بين الأقاصيص؟ فقيل: سماها أحسن القصص لأنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم والنكت ما تتضمن هذه القصة، وقيل: سمّاها أحسن لامتداد الأوقات فيما بين مبتداها إلى منتهاها، قال ابن عباس: كان بين رؤيا يوسف ومصير أبيه وأخوته إليه أربعون سنة، وعليه أكثر المفسرين، وقال الحسن البصري: كان بينهما ثمانون سنة.
وقيل: سماها أحسن القصص لحسن مجاورة يوسف إخوته، وصبره على أذاهم، وإغضائه عند الإلتقاء بهم عن ذكر ما تعاطوه، وكرمه في العفو عنهم وقيل: لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والأنس والجن والأنعام والطير، وسير الملوك والمماليك، والتجار والعلماء والجهال، والرجال والنساء، وحيلهن ومكرهن، وفيها أيضاً ذكر التوحيد والعفة والسير وتعبير الرؤيا السياسة وتدبير المعاش، وجعلت أحسن القصص لما فيها من المعاني الجزيلة والفوائد الجليلة التي تصلح للدين والدنيا، وقيل: لأن فيها ذكر الحبيب المحبوب. وقيل: أحسن القصص هاهنا بمعنى أعجب.
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ} قراءة العامة يوسف بضم السين، وقرأ طلحة بن مصرف بكسر السين، واختلفوا فيه فقال أكثرهم: هو اسم عبريّ فلذلك لا يجري، وقال بعضهم: هو اسم عربي.
سمعت أبا القاسم الحبيبي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا الحسن الأقطع، وكان حكيماً، وسئل عن يوسف، فقال: الأسف: الحزن، والأسيف: العبد واجتمعا في يوسف فلذلك سمي يوسف.
{لأَبِيهِ} يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. روى أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام».
{ياأبت} قرأ أبو جعفر وابن عامر بفتح التاء في جميع القرآن على تقدير يا أبتاه، وقرأ الباقون بالكسر، لأنه أصله يا أبه على هاء الوقف والجر.
{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} نصب الكوكب على التمييز، {والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ولم يقل: رأيتها لي ساجدة، والهاء والميم والياء والنون من كنايات ما يعقل؛ لأن السجود فعل ما يعقل فعبّر عنها بكنايتها كقوله: {ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18] الآية.
روى السدّي عن عبد الرحمن بن ساريا، عن جابر، قال: «سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود يقال له بستان، فقال: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها، فسكت؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتُ بأسمائها؟» قال: نعم، فقال: «حرثان والطارق والذيال وذو النقاب وقابس ووثاب وعمودان والمصبح والفليق والضروح وذو الفرغ، رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء فسجدن له فقال اليهودي: إي والله إنها لأسماؤها».
قال ابن عباس: الشمس والقمر أبواه والكواكب إخوته الأحد عشر. وقال قتادة: الشمس أبوه والقمر خالته، وذلك أن أمه راحيل كانت قد ماتت، قال وهب: وكان يوسف رأى وهوابن سبع سنين، أن احدى عشرة عصاً طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة وإذا عصا صغيرة ثبتت عليها حتى اقتلعتها وغلبتها فوصف ذلك لأبيه، فقال له: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن اثني عشرة سنة أنّ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر سجدن له فقصّها على أبيه فقال له: {لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} فيبغوا لك الغوايل ويحتالوا في إهلاكك، لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك {إِنَّ الشيطان لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
واختلف النحاة في وجه دخول اللام في قوله لك، فقال بعضهم: معناه فيكيدوك واللام صلة، كقوله: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] وقال آخرون: هو مثل قولهم: نصحتك ونصحت لك، وشكرتك وشكرت لك، وحمدتك وحمدت لك، وقصدتك وقصدت لك.
{وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} كقوله: يصطفيك ويختارك ليوسف {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} تعبير الرؤيا وسمي تأويلا لأنه يؤوّل أمره إلى ما رأى في منامه {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعلى آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ} بالخلة وإنجائه من النار قال عكرمة: بأن نجّاه من الذبح وفداه بذبح عظيم. وقال الباقون: بإخراج يعقوب، والأسباط من صلبه.
{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ولهذا قيل: العرق نزّاع والأصل لا يخطئ، فلمّا بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه، قال ابن زيد: كانوا أنبياء، وقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه، فبغوه بالعداوة.