فصل: تفسير الآيات (104- 106):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (104- 106):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)}
{يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} الآية: وذلك إنّ المسلمين كانوا يقولون راعنا يا رسول الله وأرعنا سمعك يعنون من المراعاة، وكانت هذه اللفظة سبّاً مبيحاً بلغة اليهود، وقيل: كان معناه عندهم: اسمع لا سمعت، وقيل: هو إلحاد إلى الرعونة لما سمعتها اليهود اغتنموها، وقالوا فيما نسب بعضهم إلى محمّد سراً. فاعلنوا الآن بالشّتم، وكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمّد ويضحكون فيما بينهم. فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها، وكان يعرف لغتهم. فقال لليهود: عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده يامعشر اليهود إن سمعنا من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لضربت عنقه. فقالوا: أولستم تقولونها؟
فأنزل الله تعالى {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} لكي لا يجد اليهود بذلك سبيلاً إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه اللفظة ثلاث قرآت:
قرأ الحسن راعناً بالتنوين أراد قولاً راعناً: أي حقاً من الرعونة فحذف الاسم وأبقى الصّفة. كقول الشاعر:
ولا مثل يوم في قدار ظله ** كأني وأصحابي على قرن أعفرا

اراد قرن ظبي أعفر. حذف الاسم وابقى النعت.
وقرأ أُبي بن كعب: راعونا بالجمع.
وقرأت العامّة: راعنا بالواحد من المراعاة. يُقال: أرعى إلى الشيء وارعاه وراعاه. إذا أصغى إليه واستمعه. مثل قولهم: عافاه الله واعفاه.
قال مجاهد: لا تقولوا راعنا: يعني خلافاً.
يمان: هجراً.
الكسائي: شرّاً.
{وَقُولُواْ انظرنا} قال أُبي بن كعب: انظرنا بقطع الألف أي أخرنا، وقرأت العامّة موصولة أي انظر إلينا. فحذف حرف التعدية كقول قيس بن الخطيم:
ظاهرات الجمال والحسن ينظرن ** كما ينظر الأراك الظبّا

أي إلى الأراك، وقيل: معناه انتظرنا وتأننا. كقول امرؤ القيس:
فانكما أن تنظراني ساعة ** من الدهر تنفعني لدى ام جندب

وقال مجاهد: معناه فهَّمنا، وقال يمان: بيّن لنَّا.
{واسمعوا} ما تؤمرون به، والمراد به اطيعوا لأنّ الطّاعة تحت السّمع.
{وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني اليهود.
{مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} الآية: وذلك إنّ المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمّد قالوا: ما هذا الّذي تدعوننا إليه بخير مما نحن عليه ولو هدانا لكان خيراً. فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم {ما يودّ}: يريد ويتمنى الّذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود.
{وَلاَ المشركين} مجرور في اللفظ بالنسق على من مرفوع المعنى بفعله كقوله عزّ وجلّ {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] {أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ} أي خبر كما نقول: ما أتاني من أحد من فيه، وفي جوابها صلة، وهي كثيرة في القرآن.
{والله يَخْتَصُّ} والاختصاص أوكد من الخصوص لأن الاختصاص لنفسك والخصوص لغيرك.
{بِرَحْمَتِهِ} بنبوّته. {مَن يَشَآءُ} يخص بها محمّداً صلى الله عليه وسلم.
{والله ذُو الفضل العظيم} أي ابتداء لعلى..... خبر علة أو المراد من الرحمة الإسلام والهداية {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} الآية وذلك إنّ المشركين قالوا: ألاّ ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر لم ينهاهم عنه، ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولاً ويرجع فيه غداً، ما هذا القرآن إلاّ كلام محمّد يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضاً. فأنزل الله {وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} [النحل: 101]، وأنزل أيضاً {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} ثمّ بيّن وجه الحكمة في النسّخ بهذه الآية.
وأعلم إنّ النسخ في اللغة شيئان:
الوجه الأول: بمعنى التغيير والتحويل قال الفراء: يُقال: مسخه الله قرداً ونسخه قرداً، ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب فينقل ما فيه إليه قال الله تعالى {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]: أي نأمر الملائكة بنسخها.
قال ابن عبّاس في هذه الآية: ألسْتم قوماً عرباً هل يكون نسخه إلاّ من أصل كان قبل ذلك؟ وعلى هذا الوجه القرآن كلّه منسوخ؛ لأنّه نسخ من اللوح المحفوظ فأنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم.
روى عبد الوهاب بن عطاء عن داود عن عكرمة عن ابن عبّاس: أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدُّنيا ثمَّ أنزله جبرائيل على محمّد آياً بعد آي، وكان فيه ما قال المشركون وردّ عليهم.
والوجه الثاني: بمعنى رفع الشيء وابطاله يُقال: نسخت الشمّس الظل: أي ذهبت به وأبطلته [...] عنّى بقوله ما ننسخ من آية وعلى هذا الوجه يكون بعض القرآن ناسخاً ومنسوخاً وهي ما تعرفه الأمّة من ناسخ القرآن ومنسوخه وهذا أيضاً يتنوّع نوعين:
أحدهما: إن يثبت خط الآية، وينسخ علمها والعمل بها. كقول ابن عبّاس في قوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} قال: ثبت خطها وتبدل حكمها. ومنها رفع تلاوتها وبقاء حكمها مثل آية الرجم.
الثاني: أنّ تُرفع الآية أصلاً أي تلاوتها وحكمها معاً فتكون خارجة من خط الكتاب، وبعضها من قلوب الرّجال أيضاً، والشّاهد له ما روي أبو أمامة سهل بن حنيف في مجلس سعيد ابن المسيب: إنّ رجلاً كانت معه سوّر. فقام يقرأها من الليل فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرأها. فلم يقدر عليها، وقام آخر يقرأها فلم يقدر عليها. فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: يا رسول الله قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها، وقال الآخر: يا رسول الله ما جئت إلاّ لذلك، وقال الآخر: وأنا يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّها نُسخت البارحة».
ثمَّ إعلم أنّ النّسخ إنّما يعترض على الأوامر والنواهي دون الأخبار؛ إذا نُسخ صار المخُبر كذاباً، وإنّ اليهود حاولوا نسخ الشرائع وزعموا إنّه بداء فيُقال لهم: أليس قد أباح الله تزويج الاخت من الأخ ثمّ حظره وكذلك بنت الأخ وبنت الأخت؟ أليس قد أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إبنه، ثمّ قال له لا تذبحه؟
أليس قد أمر موسى بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد العجل منهم وأمرهم برفع السّيف عنهم؟ أليست نبوة موسى غير متعبد بها، ثمّ تُعبّد بذلك؟ أليس قد أمر حزقيل النبيّ بالختان، ثمّ نهاه عنه؟ فلِما لَم يلحقه بهذه الأشياء بداء فكذلك في نسخ الشرائع لم يلحقه بداء بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة، وحكم إلى حكم؛ لضرب من المصلحة إظهار لحكمته وكمال مملكته وله ذلك وبه التوفيق.
فهذه من علم النّسخ وهو نوع كثير من علوم القرآن، لا يسع جهله لمن شرع إلى التفسير.
وعن أبي عبد الرحمن السّلمي: إنّ علياً عليه السلام مرّ بقاص يقصُّ في جامع الكوفة بباب كندة فقال: هل تعلم النّاسخ من المنسوخ؟
قال: لا. قال: هلكت وأهلكت.
وأمّا معنى الآية لقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} قرأت العامّة بفتح النون والسين من النّسخ.
وقرأ ابن عامر: بضم النون وكسر السّين.
قال أبو حاتم: هو غلط وقال: بعضهم له وجهان، أحدهما نجعله نسخه من قولك نسخت الكتاب إذا كتبته وأنسخته غيري إذا جعلته نسخة له ومعناها ما مسختك.
والوجه الثاني: تجعله في جملة المنسوخ كقولك: طردت الرّجل إذا نفيته وأطردته جعلته طريداً. قال الشاعر:
طردتني حسد الهجاء حيفاء ** واللاّت والأصنام ما قالوا تنل

أو ننسها: فيه تسع قراءات:
قرأ سعيد بن المسيب وأبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب: ننسها بضّم النون وكسر السّين. وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم أي: نُنسها نسياً قاله أكثر المفسرين.
قال الحسن: هو ما أنسى الله رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبّاس: أي تتركها ولا نبدّلها قال الله: {نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ} [الحشر: 19] وقال الله تعالى: {كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى} [طه: 126]. كلّ هذا من التّرك كانّه جعل أنسى ونسي بمعنى واحد.
قال الكلبي وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا منصور الأزهري يقول: معناه أو نأمر بتركها يقال أنسيت الشيء أي أمرت بتركه.
قال الشّاعر:
جرت عليّ قصة أقصيتها ** لست بنا سيها مَجمع ولا منسيها

أي ولا آمر بتركها.
وقرأ أُبي بن كعب: أو ننسيك.
وقرأ عبد الله: ننسيك من آية أو ننسخها.
قرأ سالم مولى حذيفة: أو ننسكّها.
وقرأ أبو رجاء: أو ننّسها بالتشديد، وقرأ الضحّاك: أو ننسها بضم التاء وفتح السين على مجهول، وقرأ سعد بن أبي وقّاص: أو ننسها بتاء المفتوحة من النسيان، وعن القاسم بن الربيع ابن فائق؛ قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: بالنسخ من آية أو ننسها.
قال: فقلت له: إنّ سعيد بن المسيّب يقرأ: ننسها.
قال: إنّ القرآن لم ينزل على آل المسيّب.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] {واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24].
وقرأ مجاهد: {أو ننسها} بفتح النون مخففه أي نتركها.
وقرأ عمر بن الخطّاب وابن عبّاس وعبيد بن عمير وعطاء وابن كثير وابو عمرو والنخعي: أو ننساها بفتح النون الأول وفتح السين مهموزة فلا نؤخرها فلا نبدّلها ولا ننسخها، يقال: نسأ الله في أجله وأنسأ الله أجله، ومنه النسيئه في البيع.
وقال أبو عبيد: ننسبأها مجازه نمضيها لذكر ما فيه، قال طرفة:
أمون كألواح الاران نسأتها ** على لا حب كأنّه ظهر برجد

أي لسقتها وأمضيتها، وقال سعيد بن المسيب وعطاء: أما ما ننسخ من آية فهو ما قد نزل من القرآن جعلاه من النسخة، أو ننساها نؤخرها فلا يكون وهو ما لم ينزّل.
{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا} أيّ بما هو أجدى وأنفع لكم وأسهل عليكم وأكثر لأجركم لا أنّ آية خير من آية؛ لأن كلام الله عزّ جلّ واحد ولكنّها في المنفعة المثوبة وكلّه خير.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قادر قال الزجاج: لفظه استفهام ومعناه توفيق وتقرير.

.تفسير الآيات (107- 109):

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)}
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا لَكُمْ} يا معشر الكفّار عند نزول العذاب.
{مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ} قريب وصديق.
{وَلاَ نَصِيرٍ} ناصر يمنعكم من العذاب.
{أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ} الآية. قال ابن عبّاس: نزلت في عبد الله بن أُميّة المخزومي ورهط من قريش قالوا: يا محمّد أجعل لنا الصّفا ذهباً ووسّع لنّا أرض مكّة، وفجر الأنهار خلالها تفجيرا نؤمن بك.
فأنزل الله عزّ وجلّ {أَمْ تُرِيدُونَ} يعني أتريدون والميم صلة لأنّ أم إذا كان بمعنى العطف لا تكون أبتداء ولا تأتي إلاّ مردودة على استفهام قبلها، وقيل معناه: بل يريدون كقول الشّاعر:
بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضحّى ** وصورتها أم أنت في العين أملح

أي بل أنت.
{أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ} محمّداً.
{كَمَا سُئِلَ موسى مِن قَبْلُ} سأله قومه فقالوا: أرنا الله جهرة، وقال مجاهد: لمّا قالت قريش هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن لم تؤمنوا عُذّبتم» فأبوا ورجعوا، والصّحيح أن شاء الله إنها نزلت في اليهود حين قالوا: يا محمّد أئتنا بكتاب من السّماء تحملهُ، كما أتى موسى بالتوراة، لأنّ هذه السّورة مدنية، وتصديق هذا القول قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك} [النساء: 153] في سُئل ثلاث قراءات:
بالهمز: وهي قراءة العامّة، و{سُئل} بتليين الهمزة وهي قراءة أبي جعفر و{سُئل} مثل (قيل) وهي قراءة الحسن.
{وَمَن يَتَبَدَّلِ الكفر بالإيمان فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} أخطأ وسط الطريق.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب} الآية نزلت في نفر من اليهود منهم: فنحاص بن عازورا وزيد ابن قيس؛ وذلك إنّهم قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أُحد: ألم تريا ما أصابكم ولو كنتم على الحقّ ماهزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلاً. فقالوا لهم: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد.
قال: فإني قد عاهدتُ ألاّ أكفر بمحمّد صلى الله عليه وسلم ما عشتُ. فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبر، وقال حُذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّاً وبمحمّد نبيّاً وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين أخواناً.
ثمَّ أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك فقال: «أصبتما الخير وأفلحتما» فأنزل الله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب} أي تمنى وأراد كثير من اليهود.
{لَوْ يَرُدُّونَكُم} يا معشر المؤمنين.
{مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً} في انتصابه وجهان قيل: بالردّ وقيل: بالحال. {حَسَداً} وفي نصبه أيضاً وجهان: قيل على المصدر أي يحسدونكم حسداً، وقيل: بنزع حرف الصلة تقديره للحسد.
وأصل الحسد في اللغة الالظاظ بالشيء حتّى يخدشه وقيل: للمسحاة محسد وللغراد حسدل زيدت فيه اللاّم كما يقال للعبد: عبدل.
{مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} أي من تلقاء أنفسهم لم يأمر الله عز وجل بذلك.
{مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق} في التوراة إنّ محمّداً صادق ودينه حقّ.
{فاعفوا} فاتركوا. {واصفحوا} وتجاوزوا.
{حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} بعذابه القتل والسبّي لبني قريظة والجلاء والنفي لبني النظير قاله ابن عبّاس.
وقال قتادة: هو أمره بقتالهم في قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} إلى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
وقال ابن كيسان: بعلمه وحكمه فيهم حكم بعضهم بالإسلام ولبعضهم بالقتل والسبي والجزية، وقيل: أراد به القيامة فيجازيهم بأعمالهم.
{إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.