فصل: تفسير الآيات (88- 104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (88- 104):

{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)}
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} خالص من الشرك والشك، فأمّا الذنوب فليس يسلم منها أحد هذا قول أكثر المفسّرين.
وقال سعيد بن المسيّب: القلب السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن لأنّ قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله سبحانه {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [البقرة: 10].
وقال أبو عثمان النيسابوري: هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن على السنّة.
وقال الحسين بن الفضل: سليم من آفة المال والبنين.
وقال الجنيد: السليم في اللغة اللديغ فمعناه: كاللّديغ من خوف الله.
{وَأُزْلِفَتِ} وقُرّبت {الجنة لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ} وأُظهرت {الجحيم لِلْغَاوِينَ} للكافرين {وَقِيلَ لَهُمْ} يوم القيامة {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ الله هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ} لأنفسهم {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا}.
قال ابن عباس: جمعوا، مجاهد: ذهبوا، مقاتل: قذفوا، وأصله كببوا فكررت الكاف فيه مثل قولك: تهنهني وريح صرصر ونحوهما.
{هُمْ والغاوون} يعني الشياطين، عن قتادة ومقاتل، الكلبي: كَفَرة الجن.
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} وهم أتباعه ومن أطاعهُ من الجن والإنس قالوا للشياطين والمعبودين {تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم} نعدلكم {بِرَبِّ العالمين} فنعبدكم من دونه {وَمَآ أَضَلَّنَآ} أي دعانا إلى الضلال وأمرنا به {إِلاَّ المجرمون} يعني الشياطين، عن مقاتل، والكلبي: أوّلونا الذين اقتدينا بهم، أبو العاليه وعكرمة: يعني إبليس وابن آدم القاتل؛ لأنه أوّل مَن سنَّ القتال وأنواع المعاصي.
{فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} قريب ينفعنا ويشفع لنا، وذلك حين يشفع الملائكة والنبيّون والمؤمنون.
أخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن علي اليقطيني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا من سمع أبا الزبير يقول: أشهد لسمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الرجل ليقول في الجنة: ربّ ما فعل صديقي فلان وصديقه في الحميم؟ فيقول الله سبحانه: أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول مَنْ بقي {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ}».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا سمعان بن أبي مسعود قال: حدّثنا المضّاء بن الجارود قال: حدّثنا صالح المرّي عن الحسن قال: ما اجتمع ملأ على ذكر الله تعالى فيهم عبد من أهل الجنة إلاّ شفّعه الله فيهم وإنّ أهل الإيمان شفعاء بعضهم في بعض، وهم عند الله شافعون مشفّعون.
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا تمنّوا حين لم ينفعهم {فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.

.تفسير الآيات (105- 119):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)}
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} ادخلت ألتاء للجماعة كقوله: {قَالَتِ الأعراب} [الحجرات: 14].
{المرسلين} يعني نوحاً وحده كقوله: {ياأيها الرسل} [المؤمنون: 51].
وأخبرني أبو عبد الله الدينوري قال: حدّثنا أبو علىّ المقري قال: حدّثنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب قال: حدّثنا الحسن بن محمد الصباح قال: حدّثنا عبد الوهاب عن إسماعيل عن الحسين قال: قيل له: يا أبا سعيد أرأيت قوله عزَّ وجل {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} و{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} [الشعراء: 123] و{كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين} [الشعراء: 141] وانّما أرسل إليهم رسولاً واحداً؟
قال: انّ الآخر جاء بما جاء به الأوّل، فإذا كذّبوا واحداً فقد كذّبوهم أجمعين.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} في النسبة لا في الدين {نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على الوحي {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين * فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك} قراءة العامة، وقرأ يعقوب: وأتباعك {الأرذلون} يعني السفلة عن مقاتل وقتادة والكلبي. ابن عباس: الحاكة.
وأخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين الكعبي قال: حدّثنا حسين بن مزاحم عن ابن عباس في قول الله سبحانه {واتبعك الأرذلون} قال: الحاكة، عكرمة: الحاكة والأسالفة.
{قَالَ} نوح {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إنما لي منهم ظاهر أمرهم، وعليَّ أن أدعوهم وليس علىّ من خساسة أحوالهم ودناءة مكاسبهم شيء، ولم أُكلّف ذلك إنّما كُلّفت أن أدعوهم.
{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} وقيل: معناه أي لم أعلم أنّ اللّه يهديهم ويضلكم، ويوفّقهم ويخذلكم.
{وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين * إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح} عمّا تقول وتدعو إليه {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} يعني المشؤومين عن الضحّاك، قتادة: المضروبين بالحجارة.
قال ابن عباس ومقاتل: من المقتولين.
الثمالي: كلّ شيء في القرآن من ذكر المرجومين فإنّه يعني بذلك القتل إلاّ التي في سورة مريم {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46] فإنّه يعني لاشتمنّك.
{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فافتح} فاحكم {بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين * فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك المشحون} يعني الموقّر المجهّز عن ابن عباس. مجاهد: المملوء، المفروغ منه، عطاء: المُثقل، قتادة: المُحمل.

.تفسير الآيات (120- 140):

{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)}
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الباقين * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم * كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على الرسالة، وقال الكلبي: أمين فيكم قبل الرسالة فكيف تتّهموني اليوم؟ {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين * أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ}.
قال الوالبي عن ابن عباس: بكل شرف.
قتادة والضحّاك ومقاتل والكلبي: طريق، هي رواية العوفي عن ابن عباس.
ابن جريج عن مجاهد: هو الفجّ بين الجبلين.
ابن أبي نجيح عنه: هو الثقبة الصغيرة وعنه أيضاً عكرمة: واد.
مقاتل بن سليمان: كانوا يسافرون ولا يهتدون إلاّ بالنجوم فبنوا على الطرق أميالاً طوالاً عبثاً ليهتدوا بها، يدلّ عليه قوله: {آيَةً} أي علامة.
وروي عن مجاهد أيضاً قال: الريع بنيان الحمام، دليلهُ وقوله: {تَعْبَثُونَ} أي تلعبون، أبو عبيد: هو المكان المرتفع، وأنشد لذي الرمّة:
طراق الخوافي مشرف فوق ريعه ** ندى ليلة في ريشه يترقرق

وفيه لغتان رِيع ورَيع بكسر الراء وفتحها وجمعهُ أرياع وريعه.
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ}.
قال ابن عباس ومجاهد: قصور مشيّدة معمر عنه: الحصون.
ابن أبي نجيح عنه: بروج الحمام، قتادة: مآخذ للماء، الكلبي: منازل، عبد الرزاق: المصانع عندنا بلغة اليمن: القصور العاديّة واحدتها مصنع.
{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} قال ابن عباس وقتادة: يعني كأنكّم تبقون فيها خالدين، ابن زيد: لعلّ استفهام، يعني فهل تخلدون حين تبنون هذه الأشياء؟ الفرّاء: كيما تخلدون.
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ} أي سطوتم وأخذتم {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} قتّالين من غير حقّ.
قال مجاهد: قتلاً بالسيف وضرباً بالسوط، والجبّار: الذي يقتل ويضرب على الغضب.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ}.
ثمَّ ذكر ما أعطاهم فقال: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ}.
روى العباس عن ابن عمير، وواقد عن الكسائي بإدغام الطاء في التاء، الباقون: بالإظهار وهو الاختيار.
{أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين * إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين} قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأيّوب وأبي عبيد وأبي حاتم بفتح الخاء، لقوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} [العنكبوت: 17] وقوله: {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} [ص: 7] ومعناه: إن هذا إلاّ دأب الأوّلين وأساطيرهم وأحاديثهم، وقرأ الباقون: بضم الخاء واللام أي عبادة الأوّلين من قبلنا، يعيشون ماعاشوا ثمّ يموتون ولا بعث ولا حساب، وهذا تأويل قتادة.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.

.تفسير الآيات (141- 159):

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)}
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين * أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ} أي في الدنيا {آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا} ثمرها {هَضِيمٌ}. قال ابن عباس: لطيف مادام في كفراه، ومنه قيل: هضيم الكشح إذا كان لطيفاً، وهضمَ الطعام إذا لطف واستحال على شكله، عطيّة عنه: يانع نضيج، قتادة وعكرمة: الرطب الليّن، الحسن: رخو.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شبنة قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا الطنافسي قال: حدّثنا وكيع عن سلام عن أبي إسحاق عن أبي العلاء، طلعها هضيم قال: مذنّب، مجاهد: متهشم متفتت وذلك حين يطلع يفيض عليه فيهضمه، وهو مادام رطباً فهو هضيم فإذا يبس فهو هشيم، أبو العالية: يهشهش في الفم. الضحاك ومقاتل: متراكم ركب بعضه بعضاً حتى هضم بعضه بعضاً، وأصله من الكسر.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ} قرأ أهل الشام والكوفة فارهين بالألف، وهي قراءة أصحاب عبد الله واختيار أبي عبيد أي حاذقين بتخيّرها.
وقال عطيّة وعبد الله بن شداد: متخيرين لمواضع نحتها، وقرأ الباقون: فرهين بغير ألف وهو اختيار أبي حاتم. واختلفوا في معناه فقال ابن عباس: أشرين، الضحّاك: كيّسين، قتادة: معجبين بصنعكم، مجاهد: شرهين، عكرمة: ناعمين، السدّي: متحيرين، ابن زيد: أقوياء، الكسائي: بطرين، أبو عبيدة: فرحين، الأخفش: فرحين، والعرب تعاقب بين الحاء والهاء مثل: مدحته ومدهته، ويجوز أن يكون فرهين وفارهين بمعنى واحد مثل قوله: {عِظَاماً نَّخِرَةً} [النازعات: 11] وناخرة، ونحوها.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تطيعوا أَمْرَ المسرفين} المشركين {الذين يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ * قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} أي المسحورين المخدوعين عن مجاهد وقتادة.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: من المعلّلين بالطعام والشراب، وأنشد الكلبي قول لبيد:
فإنْ تسألينا فيم نحن فإننّا ** عصافير من هذا الأنام المسحّر

وقال آخر:
ويسحر بالطعام وبالشراب

أي يعلّل ويخدع، وهو على هذين القولين من السِّحر بكسر السين.
وقال بعضهم: من السَّحر بفتح السين أي أصحاب الرؤية، يدلّ عليه قوله: {مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ} على صحة ما يقول: {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ} حظ ونصيب من الماء {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء} بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ} على عقرها حين رأوا العذاب.
{فَأَخَذَهُمُ العذاب إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.

.تفسير الآيات (160- 175):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)}
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين * أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} مجاوزون الحلال إلى الحرام.
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} من بلدنا {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ} يعني اللواط {مِّنَ القالين} المبغضين.
ثمَّ دعا فقال: {رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} عند نزول العذاب {إِلاَّ عَجُوزاً فِي الغابرين} وهي امرأة لوط بقيت في العذاب والهلاك.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المنذرين} فقال: سمعت وهب بن منبه يقول: الكبريت والنار.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.