فصل: تفسير الآيات (36- 45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (36- 45):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)}
{والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} أي لا يقبضون فيستريحون.
وذكر عن الحسن: فيموتون، و{لاَ} يكون حينئذ جواباً للنفي، والمعنى: لا يقضى عليهم ولا يموتون. كقوله: {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36].
{وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} قراءة العامة بنصب النون واللام وقرأ أبو عمرو بضم الياء واللام وفتح الزاي على غير تسمية الفاعل.
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ}: يدعون ويستغيثون ويصيحون فيها، وهو افتعال من الصراخ، ويُقال للمغيث: صارخ وللمستغيث: صارخ. {رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا} من النار {نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} في الدُّنيا، فيقول الله عز وجل: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ}. اختلفوا في هذه المدة، فقال قتادة والكلبي: ثماني عشرة سنة، وقال الحسن: أربعون سنة، وقال ابن عباس: ستون سنة.
أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه وأحمد بن جعفر بن حمدان قالا: حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال: حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة حدّثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن عبد الرَّحْمن بن أبي حصين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «إذا كان يوم القيامة نُودي أين أبناء الستين؟ وهو الذي قال الله عز وجل فيه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ}».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن حرجة قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال: حدّثنا الحجبي عن عبد العزيز بن أبي حازم قال: سمعت أبي يُحدث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «من عمّره الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر».
وأخبرني ابن فنجويه عن أحمد بن جعفر بن حمدان عن إبراهيم بن سهلويه عن الحسين بن عرفة، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعمار أُمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معترك منايا أُمتي ما بين الستين إلى السبعين».
{وَجَآءَكُمُ النذير} أي الرسول، وقال زيد بن علي: القرآن، وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع والحسين بن الفضل: يعني الشيب، وفيه قيل:
رأيت الشيب من نُذُر المنايا ** لصاحبها وحسبك من نذيرِ

فحدّ الشيبِ أُهبة ذي وقار ** فلا خلفٌ يكون مع القتير

وقال آخر:
وقائلة تبيض والغواني ** نوافر عن معاينة القتير

فقلت لها المشيب نذير عمري ** ولستُ مسوداً وجه النذير

{فَذُوقُواْ} أي العذاب {فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ * إِنَّ الله عَالِمُ غَيْبِ السماوات والأرض إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور * هُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً} غضباً {وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً * قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} أي في الأرض {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً} يأمرهم بذلك {فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ}.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعمش وحمزة {بَيِّنَةٍ} على الواحد، وقرأ غيرهم {بينات} بالجمع، وهو اختيار أبي عبيد قال: لموافقة الخط. فإني قد رأيتها في بعض المصاحف بالألف والتاء. {بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}، روى مغيرة عن إبراهيم قال: جاء من أصحاب عبد الله بن مسعود إلى كعب ليتعلم من علمه، فلما رجع قال عبد الله: هات الذي أصبت من كعب. قال: سمعت كعباً يقول: إنّ السماء تدور في قطبة مثل قطبة الرحا في عمود على منكب ملك. فقال عبد الله: وددت أنك انفلتّ من رحلتك براحلتك ورحلها، كذب كعب ما ترك يهوديته بعدُ، إنّ الله عز وجل يقول: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ} الآية، إن السماوات لاتدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} وذلك أنّ قريشاً لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم، فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى ديناً منهم، وهذا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم فلما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم كذبوه فأنزل الله عز وجل: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم}، يعني اليهود والنصارى، {فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ}: محمد صلى الله عليه وسلم {مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} بعداً ونفاراً.
{استكبارا فِي الأرض} ونصب {استكبارا} على البدل من النفور، قاله الأخفش، وقيل: على المصدر، وقيل: نزع الخافض. {وَمَكْرَ السيئ} يعني العمل القبيح، وقال الكلبي: هو إجماعهم على الشرك وقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}، أي لا يحل ولا ينزل، ويحيط ويلحق فقتلوا يوم بدر، وقراءة العامة {السيئ}: بإشباع الإعراب فيها، وجزم الأعمش وحمزة ومكر السَّيْ تخفيفاً وكراهة لالتقاء الحركات ولم يعملا ذلك في الأُخرى، والقراءة المرضية ما عليه العامة.
وفي الحديث أنّ كعباً قال لابن عباس: قرأت في التوراة: من حفر حفرة وقع فيها. فقال ابن عباس: أنا أوجد لك ذلك في القرآن، ثم قرأ قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}.
وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا محمد بن الحسن البلخي قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري قال: بلغنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمكر ولا تعن ماكراً؛ فإن: الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}، ولا تبغ ولا تعن باغياً، بقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} [يونس: 23] ولا تنكث ولا تلعن ناكثاً فإنّ الله سبحانه يقول: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} [الفتح: 10]».
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأولين} يعني العذاب إذا كفروا {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً}.
{أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ وكانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً * وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ} من الجرائم {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا}، يعني الأرض كناية عن غير مذكور {مِن دَآبَّةٍ}.
قال الأخفش والحسين بن الفضل: أراد بالدابة: الناس دون غيرهم، وأجراها الآخرون على العموم. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه عن الفربابي قال: حدّثني أبو مسعود أحمد بن الفرات قال: أخبرنا أبو عوانة قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أصاب الله عز وجل قوماً بعذاب أصاب به من بين ظهرانيهم ثم يبعثون على أعمالهم يوم القيامة».
وقال قتادة في هذه الآية: قد فعل الله ذلك في زمن نوح فأهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلاّ ما حُمل في سفينة نوح، وقال ابن مسعود: كاد الجعل يُعذب في جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ هذه الآية، وقال أنس: إنّ الضب ليموت هزلاً في جحره بذنب ابن آدم، وقال يحيى ابن أبي كثير: أمر رجل بمعروف ونهى عن منكر، فقال له رجل: عليك نفسك فإنّ الظالم لا يضر إلاّ نفسه. فقال أبو هريرة: كذبت والذي نفسي بيده، إنّ الحباري لتموت هزلاً في وكرها بظلم الظالم.
وقال أبو حمزة الثمالي في هذه الآية: يحبس المطر فيهلك كل شيء.
{ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً}.

.سورة يس:

مكيّة، وهي ثلاثة آلاف حرف وسبعمائة وتسع وعشرون كلمة وثلاث وثمانون آية.

.في فضلها:

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد الناقد قال: أخبرني أبو العباس محمد بن إسحاق السراج قال: حدّثنا حميد بن عبد الرَّحْمن عن الحسين بن صالح عن هارون أبي محمد عن مقاتل بن حيان عن قتادة عن أنس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لكل شيء قلب وإنّ قلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات».
وأخبرني محمد بن الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمد بن محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلم الملطي بمصر قال: حدّثنا إسماعيل بن محمود النيسابوري قال: حدّثنا أحمد بن عمران الرازي عن محمد بن عمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ في القرآن لسورة تشفع لقرائها ويُغفر لمستمعها، ألا وهي سورة يس».
وأخبرنا أبو الحسن عبد الرَّحْمن بن محمد بن إبراهيم الطبراني بها قال: حدّثنا العباس بن محمد بن قوهيار قال: حدّثنا الفضل بن حماد وأخبرنا أحمد بن أبي الفراتي قال: أخبرنا أبو نصر السرخسي قال: حدّثنا محمد بن أيوب قالا: حدّثنا إسماعيل بن أبي أُوس عن محمد بن عبد الرَّحْمن بن أبي بكر الجدعاني عن سُليمان بن مرقاع عن هلال بن الصلت أنّ أبا بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يس تدعى المعمة». قيل: يا رسول الله وما المعمة؟ قال: «تعم صاحبها: خير الدنيا وتدفع عنه أهاويل الآخرة، وتُدعى الدافعة والقاضية». قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: «تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة، ومن قرأها عُدلت له عشرون حجة، ومن سمعها كان له ألف دينار في سبيل الله، ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف يقين وألف زلفى وألف رحمة، ونزع عنه كل داء وغل».
وأخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحاق المزكي قال: حدّثنا أبو الأحرز محمد بن عمر بن جميل قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم وهو أبو بسطام البغدادي قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدّثنا يوسف بن عطية عن هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أُمامة عن أُبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ يس يُريد بها الله عز وجل غفر الله له وأُعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة، وأيما مريض قرئت عنده سورة يس نزل عليه بعدد كل حرف عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفاً فيصلون ويستغفرون له ويشهدون قبضه وغسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه، وأيما مريض قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان خازن الجنان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيموت وهو ريان ويبعث وهو ريان ويُحاسب وهو ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان».
وحدّثنا أبو الفضل علي بن محمّد بن أحمد بن علي الشارعي الخوارزمي إملاء قال: حدّثنا أبو سهل بن زياد القطان قال: حدّثنا ابن مكرم قال: حدّثنا مصعب بن المقدّم قال: حدّثنا أبو المقدام هشام عن الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة يس في ليلة أصبح مغفوراً له».
وأخبرني الحسين بن محمد الثقفي قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدّثنا حمزة بن الحسين بن عمر البغدادي قال: حدّثنا محمد بن أحمد الرياحي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أيوب بن مدرك عن أبي عبيدة عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا علي بن ماهان عن علي بن محمد الطنافسي قال: حدّثنا عبد الرَّحْمن المحاربي قال: حدّثنا عامر بن يساف اليمامي عن يحيى بن كثير قال: بلغنا أنه من قرأ يس حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها حين يمسي لم يزل في فرح حتى يُصبح، وقد حدّثني من جربها.
بسم الله الرَّحْمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 12):

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}
{يس} اختلف القُراء فيه، فقرأ حمزة والكسائي وخلف في أكثر الروايات {يس} بكسر الياء بين اللفظين قراءة أهل المدينة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
الباقون: بفتح الياء، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو وحمزة وأيوب وأبو حاتم وعاصم في أكثر الروايات، {يسين}، بإظهار النون والسكون.
واختلف فيه عن نافع وابن كثير، فقرأ عيسى بن عمر: {ياس} بالنصب، شبهه ب (أين) و(كيف)، وقرأ ابن أبي إسحاق بكسر النون، شبهه بأمسِ ورقاشِ وحذامِ وقرأ هارون الأعور: بضم النون، شبهه بمنذُ وحيثُ وقطُّ. الآخرون: بإخفاء النون.
واختلف المفسرون في تأويله، فقيل: قسم، وقال ابن عباس: يعني يا إنسان بلغة طيئ عطا: بالسريانية، وقال أبو العالية: يا رجل، وقال سعيد بن جبير: يا محمّد، دليله قوله: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين}.
وقال السيد الحميري:
يا نفس لا تمحضي بالنصح جامدة ** على المودة إلاّ آل ياسينا

وقال أبو بكر الوراق: يا سيد البشر.
فإن قيل: لم عدّ {يس} آية ولم يعد {طس} [النمل: 1] آية؟
فالجواب أنّ {طس} [النمل: 1] أشبه قابيل من جهة الزنة والحروف الصحاح و{يس} أوله حرف علة وليس مثل ذلك في الأسماء المفردة، فأشبه الجملة والكلام التام وشاكل ما بعده من رؤوس الآي.
{والقرآن الحكيم * إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} وهو جواب لقول الكفار: لستَ مرسلاً.
{على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ} قرأ ابن عامر وأهل الكوفة بنصب اللام على المصدر كأنه قال: نزل تنزيلاً، وقيل: على الخروج من الوصف، وقرأ الآخرون بالرفع أي هو تنزيلُ {العزيز}: الشديد المنع على الكافرين {الرحيم}: ب عباده وأهل طاعته.
{لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ} في الفترة، وقيل: بما أُنذر آباؤهم {فَهُمْ غَافِلُونَ} عن الإيمان والرشد.
{لَقَدْ حَقَّ القول} وجب العذاب {على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا}، نزلت في أبي جهل وأصحابه المخزوميين، وذلك أنّ أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمداً يُصلّي ليرضخن برأسه. فأتاه وهو يُصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده. فلما عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر، فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر.
فأتاه وهو يُصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه وقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته، ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا}.
{في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ}: مغلولون، وأصل الإقماح غض البصر ورفع الرأس، يُقال: بعير مقمح إذا رفع رأسه وغض بصره، وبعير قامح إذا أروى من الماء فأقمح.
قال الشاعر يذكر سفينة كان فيها:
ونحن على جوانبها قعود ** نغضّ الطرف كالإبل القماح

وقال أبو عبيدة: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل، إنما أراد: منعناهم عن الإيمان وعما أرادوا بموانع، فجعل الأغلال مثلاً لذلك، وفي الخبر أنّ أبا ذؤيب كان يهوى امرأة في الجاهلية، فلما أسلم أتته المرأة واسمها أمُ مالك فراودته عن نفسه، فأبى وأنشد يقول:
فليس كعهد الدار يا أُمّ مالك ** ولكن أحاطت بالرقاب السلاسلُ

وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ** سوى العدل شيئاً فاستراح العواذل

أراد منعنا: بموانع الإسلام عن تعاطي الزنا والفسق، وقال عكرمة: {إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً} يعني ظلمات وضلالات كانوا فيها.
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ}: فأعميناهم، العامة بالغين.
أخبرني الحسن بن محمد الثقفي قال: حدّثنا البغوي ببغداد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن أبي شنبه البغدادي قال: حدّثنا أبو القاسم عثمان بن صالح الحناط قال: حدّثنا عثمان بن عمر عن شعبة عن علي بن نديمة قال: سمعت عكرمة يقول: بالعين غير معجمة وروى ذلك عن ابن عباس.
{فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ * وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} أخبرنا ابن فنجويه الدينوري عن عبد الله بن محمد بن شنبه قال: حدّثنا عمير بن مرداس قال: حدّثنا سلمة بن شبيب قال: حدّثنا الحسين بن الوليد قال: حدّثنا حنان بن زهير العدوي عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه عن الفربابي قال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمد بن عمرو الليثي أنّ الزهري حدثه قال: دعا عمر بن عبد العزيز غيلان القدري فقال: يا غيلان بلغني أنك تكلم في القدر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنهم يكذبون عليّ. قال: يا غيلان اقرأ أول سورة [يس] فقرأ: {يس * والقرآن الحكيم} إلى قوله: {وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُون}. فقال غيلان: يا أمير المؤمنين والله لكأني لم أقرأها قط قبل اليوم، أُشهدك يا أمير المؤمنين أني تائب مما كنت أقول في القدر. فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان صادقاً فتب عليه، وإن كان كاذباً فسلط عليه من لا يرحمه واجعله آية للمؤمنين.
قال: فأخذه هشام فقطع يديه ورجليه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه عن الفربابي قال: حدّثنا عبد الله بن معاذ قال: حدّثنا أبي عن بعض أصحابه قال: حدث محمد بن عمير بهذا الحديث ابن عون، فقال ابن عون: أنا رأيته مصلوباً على باب دمشق.
{إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} يعني إنما ينفع إنذارك لأنه كان ينذر الكل {مَنِ اتبع الذكر}: القرآن فعمل به {وَخشِيَ الرحمن بالغيب فَبَشِّرْهُ}: أخبره {بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى} عند البعث {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} من الأعمال {وَآثَارَهُمْ} ما استُن به بعدهم، نظيره قوله: {يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13]، وقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الإنفطار: 5].
وقال المغيرة بن شعبة والضحاك: نزلت في بني عذرة، وكانت منازلهم بعيدة عن المسجد فشق عليهم حضور الصلوات، فأنزل الله عز وجل: {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} يعني خُطاهم إلى المسجد.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفربابي قال: حدّثنا حنان بن موسى قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد الحريري عن أبي نضرة عن جابر عن عبد الله قال: أردنا النقلة إلى المسجد والبقاع حول المسجد خالية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتانا في ديارنا فقال: «يا بني سلمة، بلغني أنكم تريدون النقلة إلى المسجد؟» فقالوا: يا رسول الله، بعد علينا المسجد، والبقاع حول المسجد خالية. فقال: «يا بني سلمة، دياركم فإنما تكتب آثاركم» قال: فما وددنا بحضرة المسجد لمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الذي قال..
أخبرنا أبو علي الروزباري قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن مهرويه الرازي قال: حدّثنا أبو حاتم الرازي قال: حدّثنا قرة بن حبيب قال: حدّثنا عتبة بن عبد الله عن ثابت عن أنس في قوله سبحانه: {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} قال: الخُطى يوم الجمعة.
{وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ} علمناه وعدّدناه وبيناه {في إِمَامٍ مُّبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ.