فصل: تفسير الآيات (13- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (13- 28):

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)}
{هُوَ الذي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً} بأدرار الغيث {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ * فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} العبادة والطاعة {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون * رَفِيعُ} أيّ هو رفيع {الدرجات} يعني رافع طبقات الثواب للأنبياء والمؤمنين في الجنّة.
قال ابن عبّاس: رافع السماوات وهو فوق كل شيء وليس فوقه شيء.
{ذُو العرش} خالقه ومالكه {يُلْقِي الروح} ينزل الوحي، سمّاه وحياً، لأنه يحيي به القلوب كما يحيي بالأرواح الأبدان {مِنْ أَمْرِهِ} من قوله وقيل بأمره {على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق}.
قراءة العامة: بالياء أي ينذر الله تعالى.
وقرأ الحسن: بالتاء، يعني لتنذر أنت يامحمّد يوم التلاق.
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل الفقيه حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا محمّد بن عبيد الله حدثنا أبو أُسامة حدثنا المبرك بن فضالة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} قال: يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض.
وقال قتادة ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق.
ابن زيد: يتلاقى العباد.
ميمون بن مهران: يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل: يلتقي العابدون والمعبودون. وقيل: يلتقي فيه المرء مع عمله {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} خارجون من قبورهم، ظاهرون لايسترهم شيء {يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ} من أعمالهم وأحوالهم {شَيْءٌ} ومحل {هم} رفع على الابتداء و{بارزون} خبره {لِّمَنِ الملك اليوم} وذلك عند فناء الخلق، وقد ذكرنا الأخبار فيه.
قال الحسن: هو السائل وهو المجيب، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه فيقول: {لِلَّهِ الواحد القهار} الذي قهر الخلق بالموت.
أخبرنا شعيب أخبرنا مكي حدثنا أبو الأزهر حدثنا روح حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد، بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضّة لم يعص الله تعالى فيها قط، فأول ما تتكلم به أن ينادي مناد {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}.
{اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} فأول مايبدؤن به من الخصومات الدماء {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة} أي بيوم القيامة، سمّيت بذلك لأنها قريبة، إذ كل ماهو آت قريب.
قال النابغة:
أزف الترحل غير أن ركابنا ** لمّا تزل برحالنا وكأن قد

أي: قَرُب، ونظيرها هذه الآية قوله تعالى: {أَزِفَتِ الآزفة} [النجم: 57] أيّ قربت القيامة.
{إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} من الخوف قد زالت وشخصت من صدورهم، فتعلقت بحلوقهم فلا هي تعود إلى أماكنها ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا فليسوا سواء نظيره قوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} [إبراهيم: 43] {كَاظِمِينَ} مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً، والكاظم الممسك للشيء على مافيه، ومنه كظم قربته إذا شد رأسها، فهم قد أطبقوا أفواههم على مافي قلوبهم من شدة الخوف، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حين يضيق به.
يقول العرب للبئر الضيقة وللسقاية المملؤة: ماء كظامة وكاظمة، ومنه الحديث: كيف بكم إذا بعجت مكة كظائم.
قال الشاعر:
يخرجن من كاظمة العصن الغرب ** يحملن عبّاس بن عبد المطلب

ونصب كاظمين على الحال والقطع.
{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} قريب وصديق، ومنه قيل للأقرباء والخاصة حامّة {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيشفع فيهم {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين}.
وقال المؤرخ: فيه تقديم وتأخير مجازه أي الأعين الخائنة قال ابن عبّاس: هو الرجل يكون جالساً مع القوم، فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.
وقال مجاهد: هي نظر الأعين إلى ما نهى الله تعالى عنه.
قتادة: هي همزة بعينه وإغماضه فيما لايحب الله تعالى ولايرضاه.
{وَمَا تُخْفِي الصدور * والله يَقْضِي بالحق والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني الأوثان {لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لأنها لاتعلم شيء ولا تقدر على شي.
وقرأ أهل المدينة وأيوب: تدعون بالتاء، ومثله روى هشام عن أهل الشام والباقون: بالياء.
{إِنَّ الله هُوَ السميع البصير * أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}.
قرأه العامة: بالهاء.
وقرأ ابن عامر: منكم بالكاف. وكذلك هو في مصاحفهم.
{وَآثَاراً فِي الأرض} فلم ينفعهم ذلك حين أخذهم الله {بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ} يعني من عذاب الله من واق ينفعهم ويدفع عنهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَآءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ} يعني فرعون وقومه {اقتلوا أَبْنَآءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ}.
قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون كان أمسك عن قتل الولدان، فلما بُعث إليه موسى أعاد القتل عليهم.
{واستحيوا نِسَآءَهُمْ} ليصدوهم بقتل الأبناء واستحياء النساء عن متابعة موسى ومظاهرته {وَمَا كَيْدُ الكافرين} وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملائه {ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منّا {إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ} يغير {دِينَكُمْ} الذي أنتم عليه بسحر {أَوْ أَن}.
قرأ أبو عمر وأهل المدينة وأهل الشام وأهل مكة: وأن بغير ألف، وكذلك هي في مصاحف أهل الحرمين والشام.
وقرأ الكوفيون وبعض البصريين: {أو أن} بالألف، وكذلك هي في مصاحف أهل العراق.
وقال أبو عبيد: وبها يقرأ للزيادة التي فيها، ولأن {أو} ربما كانت في تأويل الواو، ولا تكون الواو في معنى أو.
{يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد}.
قرأ أهل المدينة والبصرة: {يُظهِر} بضم الياء وكسر الهاء، و{الفسادَ} بنصب الدال على التعدية.
ومثله روى حفص عن عاصم وهي اختيار أبي عبيد قال لقومه: يبدل دينكم، فكذلك يظهر ليكون الفعلان على نسق واحد.
وقرأ الآخرون: بفتح الياء والهاء ورفع الدال على اللزوم، وهي اختيار أبي حاتم. والفساد انتقاص الأمر، وأراد فرعون به تبديل الدين وعبادة غيره.
{وَقَالَ موسى} لما توّعده فرعون بالقتل: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب * وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} اختلفوا في هذا المؤمن.
فقال بعضهم: كان من آل فرعون، غير أنه كان آمن بموسى، وكان يكتم إيمانه من فرعون وقومه خوفاً على نفسه.
قال السدّي ومقاتل: كان ابن عم فرعون وهو الذي أخبر الله تعالى عنه فقال: {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى} [القصص: 20].
وقال آخرون: كان إسرائيلياً، ومجاز الآية: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون. واختلفوا أيضاً في اسمه.
فقال ابن عبّاس وأكثر العلماء: اسمه حزبيل.
وهب بن منبه: اسمه حزيقال.
ابن إسحاق: خبرل.
أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمّد بن خالد أخبرنا داود بن سليمان أخبرنا عبد الواحد أخبرنا أحمد بن يونس حدثنا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق قال: كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيب.
{أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن} أي لأن {يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} من العذاب.
وقال بعض أهل المعاني: أراد يصبكم كل الذي يعدكم.
والعرب تذكر البعض وتريد الكل، كقول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها ** أو يرتبط بعض النفوس حمامها

أي كل النفوس.
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك.
وقال السدي: قتّال.
{كَذَّابٌ} على الله.
أخبرنا الامام أبو منصور محمّد بن عبد الله الجمشاذي حدثنا أبو العبّاس الأصم حدثنا العبّاس بن محمّد الثوري حدثنا خالد بن مخلد القطواني حدثنا سليمان بن بلال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص قال: ما تؤول من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء كان أشد من أن طاف بالبيت فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا: أنت الذي تنهانا عمّا كان يعبد آباؤنا؟
فقال: «أنا ذاك».
فقام أبو بكر رضي الله عنه فالتزمه من ورائه وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ} إلى آخر الآية رافع صوته بذلك، وعيناه تسفحان حتّى أرسلوه.

.تفسير الآيات (29- 37):

{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)}
{ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظَاهِرِينَ} غالبين مستعلين على بني إسرائيل {فِي الأرض} أرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله} عذاب الله {إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ} من الرأي والنصيحة {إِلاَّ مَآ أرى} لنفسي.
وقال الضحاك: ما أعلمكم إلاّ ما أعلم نظيره {بِمَآ أَرَاكَ الله} [النساء: 105]. {وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد * وَقَالَ الذي آمَنَ ياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِم} مثل ما أصابهم من العذاب {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ * وياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد}.
قرأه العامة: بتخفيف الدال، بمعنى يوم ينادي المناد بالشقاوة والسعادة، إلاّ أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، إلاّ أن فلان بن فلان شقى شقاوة لايسعد بعدها أبداً، وينادي الناس بعضهم بعضاً وينادي أصحاب الأعراف، وأهل الجنّة أهل النار، وأهل النار أهل الجنّة، وينادي حين يذبح الموت: يا أهل الجنّة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، وينادي كل قوم بأعمالهم. وقرأ الحسن: {التنادي} بتخفيف الدال واثبات الياء على الأصل.
وقرأ ابن عبّاس والضحاك: بتشديد الدال، على معنى يوم التنافر، وذلك إذا ندّوا في الأرض كما تند الابل إذا شردت على أربابها.
قال الضحاك: وذلك إذا سمعوا زفير النار ندّوا هراباً، فلا يأتون قطراً من الاقطار إلاّ وجدوا ملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله: {يَوْمَ التناد} وقوله تعالى: {يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33] {والملك على أَرْجَآئِهَآ} [الحاقة: 17].
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أيّ منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.
وقال مجاهد: يعني فارّين غير معجزين.
{مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} ناصر يمنعكم من عذابه {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ} بن يعقوب عليه السلام {مِن قَبْلُ بالبينات} أي من قبل موسى بالبينات.
قال وهب: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف، عمّر إلى زمن موسى. وقال الباقون: هو غيره.
{فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك {مُّرْتَابٌ} شاك {الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً} أي كبر ذلك الجدال مقتاً كقوله: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ} [الصف: 3] و{كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] {عِندَ الله وَعِندَ الذين آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله} يختم الله بالكفر {على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: {قلب} منّوناً.
وقرأ الآخرون: بالإضافة.
واختاره أبو حاتم وأبو عبيد، وفي قراءة ابن مسعود: {على قلب كل متكبر جبار}.
{وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهامان ابن لِي صَرْحاً} قصراً. والصرح البناء الظاهر الذي لايخفى على الناظر وإن بُعد، وأصله من التصريح وهو الإظهار.
{لعلي أَبْلُغُ الأسباب * أَسْبَابَ السماوات} أي طرقها وأبوابها {فَأَطَّلِعَ}.
قرأه العامة: برفع العين نسقاً على قوله: {أبلغ}.
وقرأ حميد الأعرج: بنصب العين.
ومثله روى حفص عن عاصم على جواب {لعلّي} بالفاء.
وأنشد الفراء عن بعض العرب:
على صروف الدهر أو دولاتها يدلننا ** اللمّة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها

بنصب الحاء على جواب حرف التمني.
{إلى إله موسى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ} يعني موسى {كَاذِباً} فيما يقول: إن له ربّا غيري أرسله الينا {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} خسار وضلال. نظيره: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].