فصل: تفسير الآيات (51- 67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (51- 67):

{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)}
{ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ ياقوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار} يعني أنهار النيل ومعظمها أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس. {تَجْرِي مِن تحتي} بين يدي وجناتي وبساتيني، وقال ابن عباس: حولي. عطاء: في قبضتي وملكي. الحسن: بأمري.
{أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَآ خَيْرٌ} بل أنا بخير. {أم} بمعنى بل، وليس بحرف على قول أكثر المفسرين، وقال الفراء: وقوم من أهل المعاني الوقوف على قوله: {أَم}، وعنده تمام الكلام.
وفي الآية إضمار ومجازها: أفلا تبصرون أم لا تبصرون أم إبتداء، فقال: أنا خير {مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ} ضعيف حقير يعني موسى عليه السلام. {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} يفصح بكلامه وحجته، لعيّه ولعقدته والرنة الّتي في لسانه.
{فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ} إن كان صادقاً {أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} قرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم وحفص {أَسْوِرَةٌ} على جمع السوار، وقرأ أبي: أساور، وقرأ إبن مسعود: أساوير، وقرأ العامة: أساورة بالألف على جمع الأسورة وهو جمع الجمع.
وقال أبو عمرو بن العلاء: واحد الأساورة والأساور والأساوير أساور، وهي لغة في السوار. قال مجاهد: كانوا إذا استودوا رجلاً سوّروه بسوار، وطوّقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته وعلامة لريّاسته. فقال فرعون: هلا ألقى ربّ موسى أسورة من ذهب.
{أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ} متابعين يقارن بعضهم بعضاً يمشون معه شاهدين له.
قال الله تعالى: {فاستخف قَوْمَهُ} القبط وجدهم جهالاً. {فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ}.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا ابن مالك، حدثنا إبن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: قال الضحاك بن عبد الرحيم بن أبى حوشب: سمعت بلال بن سعد يقول: قال أبو الدرداء: لو كانت الدّنيا تزن عند الله جناح ذباب ما سقي فرِعون منها شراباً.
{فَلَمَّآ آسَفُونَا} أغضبونا، وقال الحسين بن الفضل: خالفونا {انتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً} قرأ علي وابن مسعود بضم السين وفتح اللام، وقال المؤرخ والنضر بن شميل: هي جمع سلفة، مثل طرقة وطرق، وغرفة وغرف، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بضم السين واللام، قال الفراء: هو جمع سليف، وحكي عن القاسم بن معين إنّه سمع العرب تقول: مضى سليف من الناس، وقال أبو حاتم: سَلف وسُلف واحد، مثل خَشَب وخُشُب، وثَمَر وثُمُر وقرأ الباقون فتح السين واللام على جمع السالف مثل حارس وحرس، وراصد ورّصد، وهم جميعاً: الماضون المتقدمون من الأمم.
{وَمَثَلاً} عبرة. {لِّلآخِرِينَ} لمن يجيء بعدهم، قال المفسرون: سلفاً لكفّار هذه الأمة إلى النّار.
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً} في خلقه من غيرِ أَب. فشبه بآدم من غيرِ أَب ولا أُم.
{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} ويقولون ما يريد محمد منا إلاّ أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى. قاله قتادة.
وقال ابن عباس: أَراد به مناظرة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم وشأن عيسى عليه السلام، وقد ذكرناها في الأنبياء عليهم السلام وأختلف القرّاء في قوله: {يَصِدُّونَ} فقرأ أهل المدينة والشام وجماعة من الكوفيين بضم الصاد، وهي قراءة علي والنخعي ومعناه يعرضون، ونظيره قوله: {رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} [النساء: 61].
وقرأ الباقون بكسر الصاد، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم واختلفوا في معناه، فقال الكسائي: هما لغتان مثل يعرشون ويعرشون، ويعكفون ويعكفون، ودرّت الشاة تدر وتدُرُ، وشذ عليه يشذ ويشد، ونمّ الحديث ينمه وينمُه، وقال ابن عباس: معناه يضجون. سعيد بن المسيب: يصيحون ضحاك: يعجون. قتادة: يجزعون ويضحكون، وقال القرظي: يضجرون.
وقال الفراء: حدثني أبو بكر بن عياش أنَّ عاصماً قرأ يصُدُون من قراءة أبي عبد الرحمن، وقرأ يصدُون، وفي حديث آخر إنّ ابن عباس لقي أخي عبيد بن عمير، فقال: إنّ عمك لعربي، فماله يلحن في قوله سبحانه تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}؟.
{وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم فنعبد إلهه ونطيعه ونترك آلهتنا، هذا قول قتادة، وقال السدي وابن زيد: أم هُوَ يعنون عيسى عليه السلام، قالوا: يزعم محمد إنّ كلّ ما عبد من دون الله في النّار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عزير وعيسى والملائكة في النّار.
قال الله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ} يعني هذا المثل. {لَكَ إِلاَّ جَدَلاً} خصومة بالباطل. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علي الجمشاذي الفقيه، بقراءتي عليه، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل. حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن نمير الكوفي، حدثنا حجاج بن دينار الواسطي، أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا هارون بن محمد بن هارون، حدثنا السريّ، حدثنا أبو النضر، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد القريشي، عن الحجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أُمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلاَّ أُتوا الجدل، ثمّ قرأ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}».
{إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لبني إِسْرَائِيلَ} يعني آية أو عبرة وعظه لبني إسرائيل. {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ} لأهلكناكم وجعلنا بدلاً منكم. {مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} يعني يكونون خلفاً منكم فيعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني.
{وَإِنَّهُ} يعني عيسى عليه السلام. {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} بنزوله يعلم قيام الساعة ويستدل على ذهاب الدّنيا وإقبال الآخرة.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا طلحة بن محمد وعبيد الله بن أحمد، قالا: حدثنا أبو بشر بن مجاهد، حدثنا فضل بن الحسن، حدثنا عبيد الله بن معاد، حدثنا أبي، عن عمران بن جرير، قال: سمعت أبا نضرة يقرأ {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ}، قال: هو عيسى، وبإسناده عن ابن مجاهد، حدثني عبد الله بن عمر بن سعد، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا خالد بن الحرث، حدثنا أبو مكي، عن عكرمة {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ}، قال: ذلك عيسى عليه السلام.
وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} بفتح السين واللام، أي إمارة وعلامة، وفي الحديث: ينزل عيسى بن مريم على ثنية بالأرض المقدسة، يقال لها: أفيق، بين مُمصرّتَيْن وشعر رأسه دهين وبيده حربة يقتل بها الدجال. فيأتي بيت المقدس والنّاس في صلاة العصر، والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام، فيتقدّمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثمّ يقتل الخِنزير، ويكسر الصليب، ويخرب البيع والكنائس، ويقتل النصارى. إلاَّ من آمن به.
وقال قوم: الهاء في قوله: {وَإِنَّهُ} كناية عن القرآن، ومعنى الآية وإِنَّ القرآن لَعِلمٌ لِلسَّاعَةِ يعلمكم قيامها ويخبركم بأحوالها وأهوالها، وإليه ذهب الحسن.
{فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فلا تَشكُنَّ بها أي فيها. {واتبعون هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ} ولا يَصرفنّكم {الشيطان} عن دين الله. {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَلَمَّا جَآءَ عيسى} بني إِسرائيل. {بالبينات قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} بالنبوة. {وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} من أحكام التوراة.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فاختلف الأحزاب} اليهود والنصارى. {مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفروا واشركوا كما في سورة مريم. {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * الأخلاء} على المعصية في الدنيا. {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة. {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين}. المتحابين في الله على طاعة الله.
أخبرنا عقيل بن محمد إنّ أبا الهرج البغدادي القاضي أخبرهم، عن محمد بن جرير، حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أبي اسحاق، إنّ علياً رضي الله عنه قال في هذه الآية: خليلان مؤمنان وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين، فقال: يا ربّ إنّ فلان كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشرّ، ويخبرني إنّي ملاقيك. يا ربّ فلا تضلّه بعدي واهده، كما هديتني، وإكرمه كما أكرمتني.
وإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما، فيقول: ليثني أحدكما على صاحبه. يقول: يا ربّ انه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشرّ، ويخبرني أنّي ملاقيك، فيقول: نعم الأخ، ونعم الخليل، ونعم الصاحب.
قال: ويموت أحد الكافرين، فيقول: إنّ فلان كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشّر، وينهاني عن الخير ويخبرني إنّي غير ملاقيك.
فيقول: بئس الأخ، وبئس الخليل، وبئس الصاحب.

.تفسير الآيات (68- 80):

{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}
{ياعباد} أي فيقال لهم يا عبادي. {لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} أخبرنا عقيل بن محمد، أخبرنا المعافا بن زكريا، أخبرنا محمد بن جرير. أخبرنا ابن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: سمعت إنّ الناس حتّى يبعثون ليس منهم أحد إلاّ فزع، فينادي مناد: {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} فيرجوها الناس كلّهم. قال: فيتبعها. {الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} فينكس اهل الاديان رؤسهم غير المسلمين.
{ادخلوا الجنة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} تسرون وتنعمون. {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ} بقصاع واحدتها صفحة.
{مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} أباريق مستديرة الرؤوس ليست لها آذان ولا خراطم، واحدها كوب. قال الأعشى:
صريفيّة طَيّبٌ طعمها ** لها زَبَدٌ بين كوب ودَنّ

أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل، حدثني أبي، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا السكوني عبد الحميد بن عبد العزيز، حدثنا الأشعث الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة لمن له سبع درجات هو على السادسة وفوق السابعة، وإنَّ له لثلاثمائة خادم، ويُغدي ويراح عليه كل يوم ثلاثمائة صحيفة»، ولا أعلمه إلاَّ قال: «من ذهب في كل صحيفة لون ليس في الأخرى، وإنَّه ليلذ أوله كما يلذ آخره، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء، في كلّ إناء لون ليس في الأخرى، وإنَّهُ ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنّه ليقول يا ربّ لو أذنتني لأطعمت أهل الجنّة، وسقيتهم لا ينقص مما عندي شيء إنّ له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة، سوى زوجته في الدّنيا، وإنّ الواحدة منهنّ ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض».
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا ابن حبش المقري، حدثنا ابن رنجويه، حدثنا سلمة، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن إسماعيل بن أبي سعيد، إنّ عكرمة أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة وأسفلهم درجة، رجل لا يدخل الجنّة بعده أحد، يفتح له بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ ليس منها موضع شبر، إلاّ معمور يغدى عليه ويراح سبعين ألف صحيفة من ذهب، ليس منها صحيفة إلاّ وفيها لون ليس في الأخرى مثله, شهوته في آخرها كشهوته في أولها، لو نزل به جميع أهل الدنيا لوسع عليهم مما أعطي لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً».
{وَفِيهَا} في الجنّة. {مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس} قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم {تَشْتَهِيهِ} بالهاء وكذلك هي في مصاحفهم.
{وَتَلَذُّ الأعين وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أخبرنا عقيل بن محمد، أخبرنا المعافا بن زكريا، أخبرنا محمد بن جرير، حدثنا ابن يسار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن سابط، إنّ رجلاً قال: يارسول الله إنّي أحبُّ الخيل، فهل في الجنة خيل؟. فقال: «إنّ يدخلك الله الجنّة فلا تشاء أن تركب فرساً من ياقوتة حمراء تطير بك في أي الجنّة شئت، إلاَّ ركبت».
فقال: إعرابي يارسول الله إنّي أحبّ الإبل، فهل في الجنّة إبل؟. فقال: «ياإعرابي إن يدخلك الله الجنّة إن شاء الله. كان لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عيناك».
وبه عن ابن جرير، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأياد، عن محمد ابن سعد الأناري، عن أبي ظبية السلمي، قال: إنّ السرب من أهل الجنّة لتظلهم السحابة، فتقول: ما أمطركم؟. فما يدعو داع من القوم بشيء إلاَّ مطرتهم، حتّى إنّ القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أتراباً.
وبه عن ابن جرير، حدثنا موسى بن عبد الرحمن، حدثنا زيد بن الحُبان بن الرَّيان، أخبرنا معاوية بن صالح، حدثني سليمان بن عامر، قال: سمعت أبا أُمامة يقول: إنّ الرجل من أهل الجنّة ليشتهي الطائر وهو يطير، فيقع منفلقاً نضيجاً في كفه، فيأكل منه حتّى تنتهي نفسه، ثمّ يطير، ويشتهي الشراب فيقع الإبريق في يده فيشرب منه ما يريد ثمّ يرجع إلى مكانه.
{وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ}.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك، حدثنا محمد بن إبراهيم ابن زياد الطيالسي الرازي، حدثنا محمد بن حسان الأزرق، حدثنا ريحان بن سعيد، حدثنا عباد ابن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، إنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ينزع رجل من أهل الجنّة من ثمرها إلاّ أعيد في مكانها مثلاها».
{إِنَّ المجرمين} المشركين. {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين * وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ليمتنا ربّك فنستريح، فيجيبهم مالك بعد ألف سنة: {قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} مقيمون في العذاب.
أخبرنا ابن فنجويه الدينوري، حدثنا ابن حبش المقري، حدثنا ابن الفضل، حدثنا جعفر ابن محمد الدنقاي الضبي، حدثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، حدثنا قطبة بن عبد العزيز السعدي، عن الأعمش، عن سمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أُم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يلقى على أهل النّار الجوع حتّى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب فيدفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم فاذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم، فيقولون ادعوا خزنة جهنم، فيقولون ألم تك تأتكم رسلكم بالبينات؟ قالوا: بلى، قالوا: فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال، قال: فيقولون إدعوا مالكاً، فيدعون: يا مالك ليقض علينا ربّك، فيجيبهم إنّكم ماكثون».
قال: فقال الأعمش: أنبئت إنّ بين دعائهم وبين إجابته إياهم الف عام.
أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا هارون بن محمد بن هارون، حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا القاسم بن يونس الهلالي، حدثنا قطبة بن عبد العزيز يعني السعدي، عن الأعمش، عن سمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أُم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك} باللام.
{لَقَدْ جِئْنَاكُم بالحق ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أبرموا} أحكموا. {أَمْراً} في المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} محكمون.
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بلى} نسمع ونعقل {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} يعني الحفظة.