فصل: تفسير الآيات (36- 45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (36- 45):

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي البلاد} قال ابن عبّاس: أثروا. مجاهد: ضربوا. الضحّاك: طافوا. النضر بن شميل: دوحوا. الفرّاء: خرقوا. المؤرخ: تباعدوا. ومنه قول امرئ القيس:
لقد نقبّت في الأفاق حتّى ** رضيت من الغنيمة بالإيابِ

وقرأ الحسن فنقّبوا بفتح القاف مخفّفة. وقرأ السلمي ويحيى بن معمر بكسر القاف مشدّداً على التهديد والوعيد أي طوّفوا في البلاد، وسيروا في الأرض، فانظروا {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} من الموت وأمر الله سبحانه.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في القرى التي أهلكت والعِبر التي ذكرت {لذكرى} التذكرة {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي عقل، فكنّي عن العقل بالقلب لأنّه موضعه ومتبعه. قال قتادة: لمن كان له قلب حيّ، نظيره {لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً} [يس: 70]، وقال الشبلي: قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين، وقال يحيى بن معاذ: القلب قلبان: قلب قد احتشى بأشغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من أمور الآخرة لم يدر ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا. وقلب قد احتشى بأهوال الآخرة، حتّى إذا حضر أمر من أمور الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة. وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سألت أبا الحسن علي بن عبد الرّحمن العباد عن هذه الآية، فقال: معناها إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب مستقرّ لا يتقلّب عن الله في السراء والضراء.
{أَوْ أَلْقَى السمع} أي استمع القرآن، يقول العرب: ألقِ إليَّ سمعك أي استمعْ، وقال الحسين بن الفضل: يعني وجه سامعه وحولها إلى الذكر كما يقال اتبعي إليه.
{وَهُوَ شَهِيدٌ} أي حاضر القلب، وقال قتادة: وهو شاهد على ما يقرأ ويسمع في كتاب الله سبحانه من حبّ محمّد صلى الله عليه وسلم وذكره. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} إعياء وتعب.
نزلت في اليهود حيث قالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله تعالى من الخلق في هذه الأيّام الستّة؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء، والسماوات والملائكة يوم الخميس، إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة وخلق في أوّل الثلاث ساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم».
قال: قالوا: صدقت إن أتممت. فقال: وما ذاك؟ فقالوا: ثمّ استراح يوم السبت واستلقى على العرش فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} فإنّ الله سبحانه لهم بالمرصاد، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} يعني قل: سبحان الله والحمد لله. عن عطاء الخراساني، وقال الآخرون: وصلّ بأمر ربّك وتوفيقه، {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} يعني صلاة الصبح، {وَقَبْلَ الغروب} صلاة العصر، وروي عن ابن عباس، {وَقَبْلَ الغروب}: يعني الظهر والعصر، {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ} يعني صلاة العشائين، وقال مجاهد: من الليل كلّه، يعني: صلاة الليل، في أي وقت صلّى، {وَأَدْبَارَ السجود} قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة والحسن بن علي والحسن البصري والنخعي والشعبي والأوزاعي: أدبار السجود: الركعتان بعد المغرب، وأدبار النجوم: الركعتان قبل الفجر، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وقد روي عنه مرفوعاً أخبرنيه عقيل قال: أخبرنا المعافى، قال حدثنا ابن جرير، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن فضيل عن رشيد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ابن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود».
وقال أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلّى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليّين»، قال أنس: يقرأ في الركعة الأولى: {قُلْ ياأيها الكافرون} [الكافرون: 1] وفي الأخرى: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الصمد: 1].
قال مقاتل: وقتهما مالم يغب الشفق، وقال مجاهد: هو التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات، ورواه عن ابن عباس. وقال ابن زيد: هو النوافل أدبار المكتوبات. واختلف القرّاء في قوله: {وَأَدْبَارَ}، فقرأ الحسن والأعرج وخارجة وأبو عمر ويعقوب وعاصم والكسائي: بفتح الألف، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ الآخرون: بالكسر، وهي قراءة عليّ وابن عباس.
وقال بعض العلماء في قوله سبحانه: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} قال: ركعتي الفجر، {وَقَبْلَ الغروب} قال: الركعتين قبل المغرب.
روى عمارة بن زاذان عن ثمامة بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلّون الركعتين قبل المغرب.
وروى شعبة عن يزيد بن جبير عن خالد بن معدان عن رغبان مولى حبيب بن مسلمة قال: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يهبّون إليها كما يهبّون إلى المكتوبة يعني الركعتين قبل المغرب.
وقال قتادة: ما أدركت أحداً يصلّي الركعتين قبل المغرب إلاّ أنس وأبا برزة.
{واستمع} يا محمد صيحة القيامة {يَوْمَ يُنَادِ المناد} إسرافيل عليه السلام تأتيه العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة: إن الله يأمركن أن تجتمعن بفصل القضاء. {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} صخرة بيت المقدس، وهي وسط الأرض وأقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا، {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة بالحق} وهي النفخة الأخيرة، {ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} من القبور. {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا المصير * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ سِرَاعاً} جمع سريع، وهو نصب على الحال، مجازه: فيخرجون سراعاً، {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}: بمسلط قهّار يجبرهم على الاسلام، إنما بعثت مذكِراً مجدِداً.
قال ثعلب: قد جاءت أحرف فعّال بمعنى مفعل وهي شاذة، جبّار بمعنى مُجْبر، ودرّاك بمعنى مدرك، وسرّاع بمعنى مسرع، وبكّاء بمعنى مبك، وعدّاء بمعنى معد، وقد قريء: {وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} [غافر: 29] بمعنى المرشد، وسمعت أبا منصور الجمشاذي يقول: سمعت أبا حامد الجازرنجي يقول: العون سيفٌ سقّاط، بمعنى مُسْقط.
وقال بعضهم: الجبّار من قولهم جَبَرتْه على الأمر بمعنى أجبرته، وهي لغة كنانة وهما لغتان.
وقال الفرّاء: وضع الجبّار في موضع السلطان من الجبرية. قال: وأنشدني المفضّل:
ويوم الحزن إذ حشدت مَعدٌ ** وكان الناس إلا نحن دينا

عصتنا عزمة الجبّار حتى ** صبحنا الجوف ألفاً معلمينا

قال: أراد بالجبّار المنذر بن النعمان لولايته.
{فَذَكِّرْ} يا محمّد {بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيد} قال ابن عباس: قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا؟ فنزلت {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ}.

.سورة الذاريات:

مكية، وهي ألف ومائتان وسبعة وثمانون حرفاً، وثلاثمائة وستون كلمة، وستون آية.
أخبرني نافل بن راقم بن أحمد بن عبد الجبار الناجي قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد بن محمد البلخي قال: حدّثنا عمرو بن محمد قال: حدّثنا أسباط بن اليسع قال: حدّثنا يحيى بن عبدالله السلمي قال: حدّثنا نوح بن أبي مريم عن علي بن زيد عن خنيس عن أُبىّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والذاريات أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ ريح هبت وجرت في الدنيا».
بسم الله الرَّحْمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 19):

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}
{والذاريات ذَرْواً} الرياح التي تذرو التراب ذرواً، يقال: ذرت الريح التراب وأذرته.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة قال: حدّثنا الحسن بن أيوب، قال: حدّثنا عبد الله بن أبي زياد قال: حدّثنا سيار بن حاتم قال: حدّثنا أيوب بن خَوط قال: حدّثنا عمر الأعرج قال: بلغنا أنّ مساكن الرياح تحت أجنحة الكروبيّين حملة الكرسي، فتهيج من ثمّ فتقع بعجلة الشمس، ثم تهيج من عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال، ثم تهيج من رؤوس الجبال فتقع في البر. فأمّا الشمال فإنّها تمرّ بجنّة عدن، فتأخذ من عرق طيبها فتمرّ على أرواح الصدّيقين، ثّم تأخذ حدّها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس، ويأتي الدبور حدّها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل، ويأتي الجنوب حدّها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس، ويأتي الصبا حدّها من مطلع الشمس إلى كرسيّ بنات نعش، فلا تدخل هذه في حدّ هذه، ولا هذه في حدّ هذه.
أخبرني الحسن قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، قال: حدّثنا الحكم سليمان، قال: حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله عنه {والذاريات ذَرْواً}، قال: «الرياح».
{فالحاملات وِقْراً} قال: «السحاب». {فالجاريات يُسْراً} قال: «السفن».
{فالمقسمات أَمْراً}، قال: «الملائكة».
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ} من الخير والشر والثواب والعقاب {لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدين} الحساب والجزاء {لَوَاقِعٌ} لنازل كائن.
ثم ابتدأ قَسَماً آخر فقال عزّ وجلّ: {والسمآء ذَاتِ الحبك} قال ابن عباس وقتادة والربيع: ذات الخلق الحسن المستوي، وإليه ذهب عكرمة، قال: ألم ترَ إلى النّسّاج إذا نسج الثوب فأجادَ نسجه، قيل: ما أحسن حبكه وقال سعيد بن جبير: ذات الزينة، وقال الحسن: حبكت النجوم.
مجاهد: هو المتقَن البنيان، الضحاك: ذات الطرائق، ولكنّها بعيد من العباد فلا يرونها، قال: ومنه حَبكَ الرمل والماء إذا ضربهما الريح، وحبك الشعر الجعد والدرع، وهو جمع حباك وحبيكة، قال الراجز:
كأنما جلّلها الحوّاك ** طنفسة في وشيها حباك

ومنه الحديث في صفة الجبال: «راسية حبك حبك» يعني الجعودة، وقال ابن زيد: ذات الشدّة، وقرأ قول الله سبحانه: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ: 12]، وقال عبد الله بن عمرو: هي السماء السابعة.
{إِنَّكُمْ} يا أهل مكة {لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} في القرآن ومحمد عليه السلام، فمن مصدّق ومكذّب، ومقرّ ومنكر، وقيل: نزلت في المقتسمين.
{يُؤْفَكُ} يصرف {عَنْهُ} أي عن الإيمان بهما {مَنْ أُفِكَ} صرف فنجويه، وقيل: يصرف عن هذا القول، أي من أجله وسببه عن الإيمان من صرف، وذلك أنهّم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون له: إنّه ساحر وكاهن ومجنون، فيصرفونه عن الإيمان، وهذا معنى قول مجاهد.
وقد يكون عن بمعنى أجل. أنشد العبسي:
عن ذات أولية أُساودُ ربّها ** وكأن لون الملح فوق شفارها

أي من أجل ناقة ذات أولية.
{قُتِلَ} لعن {الخراصون} الكذابون.
وقال ابن عباس: المرتابون، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب الله، واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإسلام.
وقال مجاهد: الكهنة.
{الذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ}: شبهة وغفلة {سَاهُونَ}: لاهون.
{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين} متى يوم القيامة استهزاءً منهم بذلك وتكذيباً.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ هُمْ} أي يكون هذا الجزاء في يوم هم {عَلَى النار يُفْتَنُونَ} يُعذّبون ويُحرقون ويُنضَجون بالنار كما يفتن الذهب بالنار. ومجازه بكلمة {على} ههنا: أنهم موقوفون على النار، وقيل: هو بمعنى الباء.
ويقول لهم الخزنة: {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هذا} ولم يقل هذه؛ لأنّ الفتنة هاهنا بمعنى العذاب، فردّ الإشارة إلى المعنى {الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}.
{إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} من الثواب وأنواع الكرامات.
وقال سعيد بن جبير: تعني آخذين بما أمرهم ربّهم، عاملين بالفرائض التي أوجبها عليهم.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} قبل دخولهم الجنة {مُحْسِنِينَ} في الدنيا، وقيل: قبل نزول الفرائض محسنين في أعمالهم.
{كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} اختلف العلماء في حكم {ما}، فجعله بعضهم جحداً، وقال: تمام الكلام عند قوله: {كَانُواْ قَلِيلاً} أي كانوا قليلا من الناس، ثم ابتدأ {مَا يَهْجَعُونَ} أي لا ينامون بالليل، بل يقومون للصلاة والعبادة، وجعله بعضهم بمعنى الذي، والكلام متّصل بعضه ببعض، ومعناه: كانوا قليلا من الليل الذي يهجعون، أي كانوا قليلا من الليل هجوعهم؛ لأنّ {ما} إذا اتصل به الفعل، صار في تأويل المصدر كقوله: {بِمَا ظلموا} [النمل: 52] أي بظلمهم، وجعله بعضهم صلة، أي كانوا قليلا من الليل يهجعون.
قال محمد بن علي: «كانوا لا ينامون حتى يصلّوا العتمة»، وقال أنس بن مالك: يصلّون ما بين المغرب والعشاء، وقال مطرف: قلّ ليلة تأتي عليهم لا يصلّون فيها لله سبحانه، إما من أوّلها، وإما من أوسطها، وقال الحسن: لا ينامون من الليل إلاّ أقلّة، وربما نشطوا فمدّوا إلى السحر.
{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم}، قال ابن عباس وسعيد بن المسيب: السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.
وقال قتادة والزهري: السائل الذي يسألك، والمحروم: المتعفف الذي لا يسألك، وقال إبراهيم: هو الذي لا سهم له في الغنيمة، يدلّ عليه ما روى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسين بن محمد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريّة فغنموا، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة، فنزلت هذه الآية، وقال عكرمة: المحروم: الذي لا ينمي له مال، وقال زيد بن أسلم: هو المصاب بثمره أو زرعه أو نسل ماشيته.
أخبرني الحسن بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا الحسن بن علي الفارسي قال: حدّثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: حدّثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن محمد بن كعب القرظي: المحروم صاحب الحاجة، ثم قرأ: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة: 67]، ونظيره في قصة ضروان {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [القلم: 27]، وأخبرنا الحسين قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدّثنا عبد [...] عن شعبة عن عاصم يعني الأحول عن أبي قلابة، قال: كان رجل من أهل اليمامة له مال، فجاء سيل فذهب بماله، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المحروم فاقسموا له.
وقال الشعبي: أعناني أن أعلم ما المحروم، لقد سألت عن المحروم منذ سبعين سنة، فما أنا اليوم بأعلم مني من يومئذ.
وأصله في اللغة الممنوع، من الحرمان، وهو المنع.
أخبرنا أبو سهيل بن حبيب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن موسى قال: حدّثنا أبو بكر بن محمد بن حمدون بن خالد قال: حدّثنا علي بن عثمان النفيلي الحراني، قال: حدّثنا علي بن عباس الحمصي، قال: حدّثنا سعيد بن عمارة بن صفوان الكلاعي عن الحرث بن النعمان ابن أُخت سعيد بن جبير قال: سمعت أنس بن مالك يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أنس ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون: يا ربّ ظلمونا حقوقنا التي فرضتها عليهم. قال: فيقول: وعزّتي وجلالي لأقربنّكم ولأُبعدنّهم».
قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه هذه الآية: {وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم}.