فصل: سورة الطور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.سورة الطور:

مكية، وهي ألف وخمسمائة حرف، وثلاثمائة واثنتا عشرة كلمة، وتسع وأربعون آية.
أخبرني أبو الحسن الفارسي قال: حدّثنا أبو محمد بن أبي حامد قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسن الأصبهاني، قال: حدّثنا المؤمل بن إسماعيل، قال: حدّثنا سفيان الثوري، قال: حدّثنا أسلم المنقري عن عبدالله بن عبدالرَّحْمن بن أبزى عن أبيه عن أُبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الطور كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يؤمنه من عذابه وأن ينعّمه في جنته».
بسم الله الرَّحْمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 8):

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}
{والطور} كل جبل طور، لكنّه سبحانه عنى بالطور هاهنا الجبل الذي كلّم عليه موسى بالأرض المقدّسة، وهي بمدين واسمه زبير، وقال مقاتل بن حيان: هما طوران يقال لأحدهما: طور تينا، وللآخر طور زيتونا؛ لأنهما ينبتان التين والزيتون.
{وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} مكتوب.
{فِي رَقٍّ} جلد {مَّنْشُورٍٍ} وهو الصحيفة، واختلفوا في هذا الكتاب ما هو؟ فقال الكلبي: هو كتاب الله سبحانه بيد موسى عليه السلام من التوراة، وموسى يسمع صرير القلم، وكان كلّما مرّ القلم بمكان خرقه إلى الجانب الآخر، فكان كتاباً له وجهان، وقيل: اللوح المحفوظ وهو دواوين الحفظة، تخرج إليهم يوم القيامة منشورة؛ فآخذٌ بيمينه وآخذٌ بشماله، دليله ونظيره قوله سبحانه: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} [الإسراء: 13] وقوله سبحانه: {وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} [التكوير: 10]، وقيل: هو ما كتب الله تعالى في قلوب أوليائه من الإيمان، بيانه: اولئك كتب في قلوبهم الإيمان، وقيل: هو ما كتب الله تعالى للخلق من السابقة والعاقبة.
{والبيت المعمور} بكثرة الحاشية والأهل، وهو بيت في السماء السابعة، حذاء العرش، حيال الكعبة، يقال له: الضراح، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة، يطوفون به ويصلون فيه، ثم لا يعودون إليه أبداً، وخازنه ملك يقال له: الجن.
وقيل: كان البيت المعمور من الجنّة، حُمل إلى الأرض لأجل آدم عليه السلام، ثم رفع إلى السماء أيام الطوفان.
أخبرنا الحسين بن محمد، قال: حدّثنا هارون بن محمد بن هارون، قال: حدّثنا إبراهيم ابن الحسين بن دربل، قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثني سفيان بن نسيط عن أبي محمد عن الزبير عن عائشة أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قدم مكة فأرادت عائشة أن تدخل البيت يعني ليلا فقال لها بنو شيبة: أنّ أحداً لا يدخله ليلا ولكنا نخليه لك نهاراً، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه أنّهم منعوها أن تدخل البيت، فقال: «إنّه ليس لأحد أن يدخل البيت ليلا، إن هذه الكعبة بحيال البيت المعمور الذي في السماء، يدخل ذاك المعمور سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيامة، لو وقع حجر منه لوقع على ظهر الكعبة، ولكن انطلقي أنتِ وصواحبك فصلّين في الحجر».
ففعلت فأصبحت وهي تقول: قد دخلت البيت على رغم من رغم.
وأخبرنا الحسين بن محمد، قال: حدّثنا هارون بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن عبدالعزيز، قال: حدّثنا كثير بن يحيى بن كثير، قال: حدّثنا أبي عن عمر وعن الحسن في قوله سبحانه: {والبيت المعمور} قال: هو الكعبة البيت الحرام الذي هو معمور من الناس، يعمره الله كلّ سنة، أوّل مسجد وضع للعبادة في الأرض.
{والسقف المرفوع} يعني السماء، سمّاها سقفاً؛ لأنها للأرض كالسقف للبيت، دليله ونظيره قوله سبحانه: {وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً}.
{والبحر المسجور} قال مجاهد والضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والأخفش: يعني الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور، ومنه قيل للمسعر مسجر، ودليل هذا التأويل ما روي أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال «لا يركبنّ البحر إلاّ حاجّ أو معتمر أو مجاهد في سبيل الله، فإنّ تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً، وتحت البحر ناراً».
وقال صلى الله عليه وسلم: «البحر نار في نار»، وروى سعيد بن المسيب أنّ علياً كرم الله وجهه قال لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر. فقال: ما أراه إلاّ صادقاً ثم قرأ {والبحر المسجور} {وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] مخفّفة.
وتفسير هذه الأخبار ما روي في الحديث: «إنّ الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار كلّها ناراً فيسجر بها نار جهنم».
وقال قتادة: المسجور: المملوء. ابن كيسان: المجموع ماؤه بعضه إلى بعض، ومنه قول لبيد:
فتوسّطا عرض السرى وصدّعا ** مسجورة متجاور أقلامها

وقال النمر بن تولب:
إذا شاء طالع مسجورة ** ترى حولها النبع والسماسما

وقال أبو العالية: هو اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب، وفي رواية عطية وذي الرمّة الشاعر: أخبرنيه أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن الدينوري. قال: حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة، قال: حدّثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الاشعث، قال: حدّثنا السدوسي أبو جعفر، قال: حدّثنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمّة عن ابن عباس {والبحر المسجور} الفارغ. قال: خرجت أَمة تسقي فرجعت فقالت: إنّ الحوض مسجور. تعني فارغاً.
قال ابن أبي داود: ليس لذي الرمّة حديث غير هذا.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المسجور: المحبوس، وقال الربيع بن أنس: المختلط العذب بالملح.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا مخلد بن جعفر، قال: حدّثنا الحسن بن علوية، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى، قال: حدّثنا إسحاق بن بسر، قال: أخبرني جويبر عن الضحاك، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك عن النزال بن سبرة، عن علي بن أبي طالب أنّه قال في البحر المسجور: «هو بحر تحت العرش، غمره كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، وهو ماء غليظ يقال له: بحر الحيوان، يمطر العباد بعد النفخة الأُولى أربعين صباحاً فينبتون من قبورهم».
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} نازل {مَّا لَهُ مِن دَافِع} مانع.
قال جبير بن مطعم: قدمت المدينة لأكلم رسول الله في أسارى بدر فذهبت إليه وهو يصلّي بأصحابه المغرب، وصوته يخرج من المسجد، فسمعته يقرأ {والطور} إلى قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع} فكأنما صدع قلبي، وكان أوّل ما دخل قلبي الإسلام، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب، وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب.
وأخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: أخبرت عن محمد بن الحرث المكي، عن عبد الله بن رجاء المكي، عن هشام بن حسان، قال: انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن فانتهينا إليه وعنده رجل يقرأ، فلمّا بلغ هذه الآية {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع} بكى الحسن وبكى أصحابه، وجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه.

.تفسير الآيات (9- 24):

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)}
{يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً} أي تدور كدوران الرحى، وتتكفّأ بأهلها تكفّأ السفينة، ويموج بعضها في بعض.
واختلفت عبارات المفسرين فيها: قال ابن عباس: تدور دوراناً. قتادة: تتحرك. الضحاك: تحرك. عطاء الخراساني: تختلف إحداها بعضها في بعض. قطرب: تضطرب. عطية: تختلف. المؤرخ: يتحول بعضهم تحولا. الأخفش: تتكفّأ، وكلّها متقاربة.
وأصل المَوْر الاختلاف والاضطراب، قال رؤبة:
مسودّة الأعضاد من وشم العرق ** مائرة الضبعين مصلات العنق

أي مضطربة العضدين.
{وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً} فتزول عن أماكنها وتصير هباءً منبثّاً.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} وإنّما أدخل الفاء في قوله: {فَوَيْلٌ}؛ لأن في الكلام معنى المجاراة مجازه: إذا كان هذا فويل يومئذ للمكذبين.
{الذين هُمْ فِي خَوْضٍ} باطل {يَلْعَبُونَ} غافلين جاهلين ساهين لاهين.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ} يُدفعون {إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} دفعاً ويُزعجون إليها إزعاجاً، وذلك أنّ خزنة النار يغلّون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم، وتجافى أقفيتهم حتى يردوا النار.
وقرأ أبو رجاء العطاردي {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} بالتخفيف من الدعاء. قالوا: فاذا دَنَوْا من النار قالت لهم الخزنة: {هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ}.
{اصلوها} ادخلوها {فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ} ذوي فاكهة كثيرة، وفكهين: معجبين ناعمين.
{بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} ثم يقال لهم: {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} قد صفّ بعضها إلى بعض، وقوبل بعضها ببعض {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * والذين آمَنُواْ واتبعتهم} قرأ أبو عمرو {وأتبعناهم} بالنون والألف {ذرياتهم} بالألف فيهما، وكسر التائين لقوله: {أَلْحَقْنَا} {وَمَآ أَلَتْنَاهُم} ليكون الكلام على نسق واحد، وقرأ الآخرون {واتبعتهم} بالتاء من غير ألف ثم اختلفوا في قوله: {ذُرِّيَّتُهُم}، وقرأ أهل المدينة الأُولى بغير ألف وضم التاء، والثانية بالألف وكسر التاء، وقرأ أهل الشام بالألف فيهما وكسر تاء الثانية، وهو اختيار يعقوب وأبي حاتم، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما وفتح تاء الثانية، وهو اختيار أبي عبيد.
واختلف المفسّرون في معنى الآية، فقال قوم: معناها والذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم التي بلغت الإيمان {بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان، وهو قول الضحّاك ورواية العوفي عن ابن عباس. فأخبر الله سبحانه وتعالى أنّه يجمع لعبده المؤمن ذرّيته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا له، ويدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته، بعمل الأب من غير أن ينقص الآباء من أجور أعمالهم شيئاً فذلك قوله سبحانه: {وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} يعني الآباء، والهاء والميم راجعان إلى قوله: {والذين آمَنُواْ}، والألت: النقص والبخس.
أخبرني الحسن بن محمد بن عبد الله الحديثي، قال: حدّثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي قال: حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثنا جنادة بن المفلس، قال: حدّثنا قيس بن الربيع، قال: حدّثنا عمرو بن المسرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه» ثم قرأ {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} قال: «ما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين».
وأخبرنا الحسن بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي بن الحسن الهمداني، قال: حدّثنا أبو عبد الله عمر بن نصر البغدادي ببردعة، قال: حدّثنا محمد بن عبد الرَّحْمن بن غزوان، قال: حدّثنا شريك بن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: أظنّه ذكره عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة فسأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنّهم لم يدركوا ما أدركت، فيقول: عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به» وتلا ابن عباس: {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}.
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي قال: سألتْ خديجة النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما في النار» قال: فلمّا رأى الكراهية في وجهها قال: «لو رأيت مكانهما لأبغضتِهما» قالت: يا رسول الله فولداي منك؟
قال: «في الجنة».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار} ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} {كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ} من الخير والشر {رَهَينٌ} مرهون فيؤخذ بذنبه ولا يؤخذ بذنب غيره.
{وَأَمْدَدْنَاهُم} وأعطيناهم {بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} من أنواع اللحمان {يَتَنَازَعُونَ} يتعاطون فيتناولون ويتداولون {فِيهَا كَأْساً} إناءً فيها خمر {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} وهو الباطل. عن قتادة. مقاتل بن حيان: لا فضول فيها. سعيد بن المسيّب: لا رفث فيها. ابن زيد: لا سباب ولا تخاصم فيها. القتيبي: لا يذهب بعقولهم فيلغوا ويرفثوا، وقال ابن عطاء: أي لغو يكون في مجلس محلّه جنة عدن، والساقي فيه الملائكة، وشربهم على ذكر الله، وريحانهم تحية من عند الله مباركة طيبة، والقوم أضياف الله {وَلاَ تَأْثِيمٌ} أي فعل يؤثمهم، وهو تفعيل من الإثم، يعني: إنّهم لا يأثمون في شربها.
وقال ابن عباس: يعني ولا كذب، وقال الضحّاك: يعني لا يكذب بعضهم بعضاً.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} بالخدمة {غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} من بياضهم وصفاء لونهم {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مخزون مصون، قال سعيد بن جبير: يعني في الصدف.
أخبرني الحسن بن محمد، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن عمر بن خنيس، قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن عصام، قال: حدّثنا عمر بن عبدالعزيز المصري، قال: حدّثنا يوسف بن أبي طيبة عن وكيع بن الجراح عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدمه فيجيبه ألف، يناديه كلّهم: لبيك».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو علي المقرئ، قال: حدّثنا محمد بن عمران قال: حدّثنا هاني بن المسري، قال: حدّثنا عبيده بن سعيد عن قتادة بن عبد الله بن عمر قال: ما من أحد من أهل الجنة إلاّ سعى له ألف غلام، كل غلام على عمل ما عليه صاحبه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب المنوي قال: حدّثنا الحسن ابن الكميت الموصلي قال: حدّثنا المعلى بن مهدي، قال: أخبرنا مسكين عن حوشب عن الحسن أنّه كان إذا تلا هذه الآية {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} قالوا: يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ فكيف بالمخدوم؟ قال «ما بينهما كما بين القمر ليلة البدر وبين أصغر الكواكب».