فصل: تفسير الآيات (50- 78):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (50- 78):

{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}
{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} كأنما أعاد ذكر النخل والرمان وهما من حملة الفاكهة للتخصيص والتفضيل، كقوله: {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وقوله: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض} [الحج: 18] ثم قال: {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس} [الحج: 18] وقوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} [الأحزاب: 7].
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة، قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا سحاب بن الحرث قال: أخبرنا علي بن مسير عن مسيعر عن عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة قال: إن نخل الجنّة نضدها ما بين أصله إلى فرعه، وثمره كأمثال القلال، كلّما نُزعتْ عادت مكانها أُخرى، العنقود منها اثنا عشر ذراعاً، وأنهارها تجري في غير أُخدود.
قال: قلت: من حدّثك؟ قال: أما إنّي لم اخترعه، حدّثني مسروق.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كجلد البعير المقتب، وإذا طيرها كالبخت، وإذا فيها جارية، قلت: يا جارية، لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة، وإذا في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قال الكسائي: ذكر الله سبحانه وتعالى الجنتين والجنتين ثم جمعهن فقال: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قرأ العامة بالتخفيف، وقرأ أبو رجاء العطاردي {خيّرات} بتشديد الياء.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن خنيس قال: حدّثنا ابن مجاهد قال: حدّثنا الصاغاني قال: حدّثنا عبدالله بن أبي بكر عن أبيه أنه قرأ {فيهن خيّرات} بالتشديد، وهما لغتان مثل هين وهيّن، ولين وليّن.
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا أحمد بن عبدالرَّحْمن ابن وهب قال: حدّثنا محمد بن الفرج الصدفي عن عمرو بن هاشم عن ابن أبي كريمة عن هشام ابن حسان عن الحسن عن أُمه عن أُم سلمة قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن قوله سبحانه: {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قال صلى الله عليه وسلم: «خيرات الأخلاق حسان الوجوه».
وقال الحسن: خيرات فاضلات. إسماعيل بن أبي خالد: عذارى. جرير بن عبد الله: مختارات.
وقال المفسّرون: خيرات لسنَ بذربات ولا ذفرات ولا نجرات ولا متطلّعات ولا متشوّقات ولا متسلطات ولا طمّاحات ولا طوّافات في الطرق، ولا يغرن ولا يؤذين.
وأخبرنا الحسين قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا حامد بن شعيب البخلي قال: حدّثنا سريح بن يونس قال: حدّثنا مسلم بن قتيبة عن سلام بن مسكر عن قتادة عن عقبة بن عبدالغّفار قال: نساء أهل الجنة يأخذ بعضهن بأيدي بعض ويتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها: نحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن خيرات حسان حُبينا لأزواج كرام.
وروى الأسود عن عائشة رضي الله عنها: أن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابتهنّ المؤمنات من نساء الدنيا: نحن المصلّيات وما صلّيتن، ونحن الصائمات وما صمتنّ، ونحن المتوضّئات وما توضأتنّ، ونحن المتصدّقات وما تصدقتنّ. قالت عائشة: فغلبتهنّ والله.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} محبوسات مستورات في الحجال. يُقال للمرأة: قصيرة وقصورة ومقصورة إذا كانت مخدّرة مستورة لا تخرج.
قال الشاعر:
وأنت التي حببتِ كل قصيرة ** إليّ وماتدري بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ** قصار الخطى شر النساء البحاتر

الراجز.
وقيل: قُصر بهنَّ على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلا.
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن شاذان، حدّثنا القطان، حدّثنا ابن حسان حدّثني نصر العطار، أخبرنا عمر بن سعد عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها».
{فِي الخيام} جمع الخيم، قال ابن مسعود: لكل زوجة خيمة طولها ستون ميلا، وتصديق هذا التفسير، ما أخبرنا ابن فنجويه، حدّثنا ابن شنبة، حدّثنا الفراتي، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا همام بن يحيى عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عبد أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون».
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن يحيى بن طلحة اليربوعي، حدّثنا فضل بن عياض، عن هشام عن محمد عن ابن عباس في قوله: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} قال: الخيمة لؤلؤة واحدة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.
أخبرني الحسين، حدّثنا عبد الله بن [....] حدّثنا [....] أبو شعيب عبدالله بن الحسن الحراني، محمد بن موسى القرشي، حدّثنا حماد بن هلال السكرّي، حدّثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مررت ليلة أسري بي بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت منه: السلام عليك يا رسول الله.
فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جوار من الحور العين استأذنَّ ربهنَّ في أن يسلّمن عليك فأذن لهن، فقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نيئس أبداً ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً أزواجُ رجال كرام ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام}, قال: محبوسات»
.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يمسسهن {إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} قرأه العامة بكسر الميم وهي إختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
وقرأ أبو يحيى الشامي وطلحة بن مصرف: بالضم فيهما، وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى مخيّراً في ذلك، والعلة فيه ما أخبرني أبو محمد شيبة بن محمد المقري، أخبرني أبو عمرو محمد بن محمد بن عبدوس حدّثني ابن شنبوذ أخبرني عياش بن محمد الجوهري، حدّثنا أبو عمر الدوري عن الكسائي قال: إذا رفع الأول كسر الآخر، وإذا رفع الآخر كسر الأول. قال: وهي قراءة أبي إسحاق السبيعي. قال: قال أبو إسحاق: كنت أصلي خلف أصحاب علي بن أبي طالب فأسمعهم يقرؤون {يطمثهن} بكسر الميم، وكان الكسائي يقرأ واحدة برفع الميم والأخرى بكسر الميم؛ لئلا يخرج من هذين الأثرين، وهما لغتان.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} قال سعيد بن جبير: هي رياض الجنة خضر مخضّبةٌ. وروي ذلك عن ابن عباس. واحدتها رفرفة والرفارف جمع الجمع.
وروى العوفي عن ابن عباس قال: الرفرف: فضول المجالس البسط. عيره عنه: فضول الفرش والمجالس. قتادة والضحّاك: محابس خضر فوق الفرش.
الحسن والقرظي: البسط. ابن عيينة: الزرابي. ابن كيسان: المرافق وهي رواية.
قتادة عن الحسن وأبو عبيدة: حاشية الثوب وغبره: واكل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف.
قال ابن مقبل:
وإنا لنزّالون نغشى نعالنا ** سواقط من أصناف رَيط ورفرف

{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} وهي الزرابي والطنافس الثخان وهي جمع، واحدتها عبقرية. وقد ذكر عن العرب أنها تسمى كل شيء من البسط عبقرياً.
قال قتادة: العبقري عتاق الزرابي، وقال مجاهد: هو الديباج.
أبو العالية: الطنافس المخملّة إلى الرقة مَا هِي.
الحسن: الدرانيك يعني الثخان، القتيبيّ: كل ثوب موشى عند العرب عبقري.
قال أبو عبيد: هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي.
قال ذو الرمّة:
حتى كأن رياض القف ألبسها ** من وشي عبقر تجليل وتنجيد

قال: ويقال: إن عبقر أرض يسكنها الجن.
قال الشاعر زهير:
بخيل عليها جنة عبقرية ** جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا

وقال قطرب: ليس هذا بمنسوب. وكل جليل فاضل فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب عبقري، ومنه الحديث في عمر: فلم أرّ عبقرياً يفري فرّيه.
حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل بقراءتي عليه، أخبرنا أبو العباس الأصم، حدّثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني، حدّثنا الحسين بن محمد، ح.
وأخبرني الحسين، حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي، حدّثنا محمد بن إبراهيم بن ناصح، حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدّثنا أبو أحمد الحسين بن محمد الزوزني الأرطباني وهو ابن عم عبدالله بن عون عن عاصم الجحدري عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {متكئين على رفرف خضر وعباقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} بالواو، شامي وكذلك هو في مصاحفهم.
الباقون: {ذي الجلال والإكرام}.

.سورة الواقعة:

مكية، وهي ألف وسبعمائة وثلاثة أحرف وثلاثمائة وثمان وسبعون كلمة وست وتسعون آية.
أخبرنا أبو الحسين الخبازي عن مرة، عن الشيخ الحافظ ابن أبي عاصم، حدّثنا عمرو بن عثمان، حدّثنا أبو بكر العطار، حدّثنا السدي بن يحيى عن شجاع عن أبي طيبة الجرجاني قال: دخل عثمان بن عفان على عبدالله بن مسعود يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال: ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: أشتهي رحمة ربي. قال: أفلا ندعو الطبيب؟
قال: الطبيب أمرضني. قال: أفلا نأمر بعطائك؟ قال: لا حاجة لي به. قال: أندفعه إلى بناتك؟ قال: لا حاجة لهنَّ بها؛ قد أمرتهنَّ أن يقرأن سورة الواقعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً».
وأخبرني محمد بن القاسم، حدّثنا عبدالله بن أحمد الشعراني، حدّثنا أحمد بن علي بن رزين، حدّثنا أحمد بن عبدالله العتكي، حدّثنا جرير عن منصور عن هلال بن سياف عن مسروق قال: من أراد أن يتعلم نبأ الأولين والآخرين، ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار، ونبأ الدنيا ونبأ الآخرة فليقرأ سورة الواقعة.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 12):

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)}
{إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} أي إذا نزلت صبيحة القيامة وتلك النفخة الأخيرة {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} تكذيب ذكره سيبوبه، وهو إسم كالعافية والنازلة والعاقبة، عن الفراء. قال الكسائي: هي بمعنى الكذب كقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً} [الغاشية: 11] أي لغواً، ومنه قول العامة: عائذ بالله أي معاذ الله، وقم قائماً أي قياماً.
ولبعض نساء العرب ترقص إبنها:
قم قائماً قم قائماً ** أصبت عبداً نائماً

{خَافِضَةٌ} أي هي خافضة {رَّافِعَةٌ} تخفض قوماً إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة.
وقال عكرمة والسدي ومقاتل: خفضت الصوت فأسمعت من دنا ورفعت الصوت فأسمعت من نأى يعني أنها أسمعت القريب والبعيد، ورفعت قوماً كانوا مذللين فرفعتهم إلى أعلى عليين ووضعت قوماً كانوا في الدنيا مرتفعين فوضعتهم إلى أسفل سافلين.
بن عطاء: خفضت قوماً بالعدل ورفعت قوماً بالفضل.
{إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً} أي رجفت وزلزلت وحُركت تحريكاً من قولهم: السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى يهتز ويضطرب.
قال الكلبي: وذلك أن الله عزّوجل إذا أوحى إليها إضطربت فرقاً.
وقال المفسرون: ترجّ كما يُرّج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها.
وأصل الرجّ في اللغة التحريك يقال: رججته فإرتجّ فارتضى عنقه ورجرجته فترجرج.
{وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} أي حثّت حثّاً وفتت فتاً فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول والبسبسة عند العرب الدقيق أو السويق يُلتّ ويتخذ زاداً.
وذكر عن لصَ من غطفان أنه أراد أن يخبز فخاف أن يعجّل عن الخبز فقال لا تخبزا خبزاً وبسّا بسّاً ولا تطيلا بمناخ حبساً.
وقال عطاء: أُذهبت إذهاباً قال سعيد بن المسيب والسدي: كسرت كسراً.
الكلبي: سيّرت عن وجه الأرض تسييراً. مجاهد: لتّت لتّاً.
الحسن: قلعت من أصلها فذهبت بعدما كانت صخراً صماء: نظيرها {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} [طه: 105].
عطية: بسطت بسطاً كالرمل والتراب.
ابن كيسان: جُعلت كثيباً مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة.
{فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً} قال ابن عباس: شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة.
علي رضي الله عنه: رهج الدوابّ.
عطية: ما تطاير من شرر النار، قتادة: حطام الشجر.
وقراءة العامة: {مُّنبَثّاً} بالثاء أي متفرقاً، وقرأ النخعي بالتاء أي منقطعاً.
{وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً} أصنافاً {ثَلاَثَةً} ثم بيّن من هُم فقال عز من قائل: {فَأَصْحَابُ الميمنة} وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة.
وقال ابن عباس: وهم الذين كانوا على يمين آدم حين أُخرجت الذرية من صلبه. وقال الله إن هؤلاء في الجنة ولا أبالي.
وقال الضحّاك: هم الذين يعطون كتبهم بإيمانهم.
وقال الحسن والربيع: هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم، وكانت أعمارهم في طاعة الله عزّوجل، وهم التابعون بإحسان.
ثم عجّب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {مَآ أَصْحَابُ الميمنة} وهذا كما يقال: زيد ما زيدٌ، يراد زيد شديد.
{وَأَصْحَابُ المشأمة} أي الشمال، والعرب تسمي اليد اليسرى شؤمى.
قال الشاعر:
السهم والشرى في شوءمى يديك لهم ** وفي يمينك ماء المزن والضرب

ومنه الشام واليمن لأن اليمن عن يمين الكعبة والشام عن شمالها إذا دخل الحجر تحت الميزاب.
وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار.
وقيل: هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية، وقال الله لهم هؤلاء في النار ولا أُبالي.
وقيل: هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم.
وقال الحسن: هم المشائيم على أنفسهم، وكانت أعمارهم في المعاصي.
{مَآ أَصْحَابُ المشأمة * والسابقون السابقون} قال ابن سيرين: هم الذين صلوا القبلتين دليله قوله: {والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار} [التوبة: 100].
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن حمران، حدّثنا أُبي، حدّثنا محمد بن داود الدينوري، حدّثنا [.....] عن ابن بن الجارود عن عبد الغفور ابن أبي الصباح عن ابن علي، عن كعب في قول الله عزّوجل: {والسابقون السابقون * أولئك المقربون * فِي جَنَّاتِ النعيم} قال: هم أهل القرآن وهم المتوجون يوم القيامة.
وأخبرني الحسين، حدّثنا موسى بن محمد بن علي، حدّثنا أبو شعيب، حدّثنا عبد الله بن الحسن الحراني، حدّثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدّثنا الأوزاعي قال: سمعت عثمان بن أبي سودة يقول: السابقون أولهم رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً في سبيل الله عزّوجل.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن ماجة، حدّثنا ابن أيوب، حدّثنا عبد الله بن أبي زياد، حدّثنا سياد بن حاتم، حدّثنا عبد الله بن شميط قال: سمعت أُبي يقول: الناس ثلاثة: فرجل إبتكر الخير في حداثة سنهِ ثم داوم عليه حتى خرج عن الدنيا فهذا السابق المقري، ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبة فهذا صاحب يمين، ورجل ابتكر الشر في حداثته ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال.
وقال ابن عباس: السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة. وقال علي بن أبي طالب: إلى الصلوات الخمس.
عكرمة: إلى الإسلام. الضحاك: إلى الجهاد. القرظي: إلى كل خير. سعيد بن جبير: هم المسارعون إلى التوبة وإلى أعمال البر. نظيره {وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133] {سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [الحديد: 21].
ثم أثنى عليهم فقال عزّ من قائل {أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] الربيع عن أنس: السابقون إلى إجابة الرسول في الدنيا، وهم السابقون إلى الجنة في العقبى.
ابن كيسان: السابقون إلى كل ما دعا الله سبحانه وتعالى إليه.
{أولئك المقربون} إلى الله {فِي جَنَّاتِ النعيم}.
أخبرني الحسين، حدّثنا علي بن إبراهيم بن موسى الموصلي، حدّثنا محمد بن مخلد العطار، محمد بن إسماعيل، حدّثنا وكيع، حدّثنا شعبة ومسعر عن سعد بن أبراهيم عن عروة بن الزبير قال: كان يقال: تقدموا تقدموا.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا ابن ماجة، حدّثنا إبن أيوب، حدّثنا القطواني، حدّثنا سيار، حدّثنا جعفر حدّثني عوف حدّثني رجل من أهل الكوفة قال: بلغني أنه إذا خرج رجل من السابقين المقربين من مسكنه في الجنة كان له ضوء يعرفه مَن دونه فيقول: هذا ضوء رجل من السابقين المقربين.