فصل: تفسير الآيات (7- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (7- 12):

{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}
{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} على قدر غناهُ {وَمَن قُدِرَ} ضُيّقَ {فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله} من المال.
{لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً} في النفقة {إِلاَّ مَآ آتَاهَا} أعطاها من المال.
{سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} {وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ} عصت وطغت وتمردت {عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} أي وأمر رسلهِ {فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً} بالمناقشة والاستقصاء {وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً} منكراً فظيعاً، وهو عذاب النّار، لفظهما ماض ومعناهما الاستقبال.
وقيل: في الآية تقديم وتأخير مجازها: فعذّبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر المصائب والنوائب والبلايا والرزايا، وحاسبناها في الآخرة حساباً شديداً. {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً}.
{أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً} يعني القرآن.
{رَّسُولاً} بدل من الذكر. وقيل: مع الرّسول. وقيل: وأرسل رسولا. وقيل: الذِّكر هو الرّسول. وقيل: أراد شرفاً ثم بيّن ما هو فقال: رسولا.
{يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إِلَى النور وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً} {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} في العدد.
{يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ} بالوحي من السماء السابعة إلى السفلى.
وقال أهل المعاني: هو مايدبر فيهنّ من عجيب تدبيره؛ فينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنّهار والشتاء والصّيف ويخلق الحيوان على اختلاف هيأتها وانواعها، وينقلهم من حال إلى حال.
قال إبن كيسان: وهذا على مجال اللغة واتساعها، كما يقول للموت أمْر اللّهِ، وللرياح والسحاب ونحوها.
وقال قتادة: في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقهِ، وأمر من أمره، وقضاء من قضائهِ.
{لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} فلا يخفى عليه شيء.

.سورة التحريم:

مدنية، وهي اثنتا عشرة آية ومائتان وسبعة وأربعون كلمة، وألف وستون حرفاً.
أخبرني ابن المقرئ، أخبرنا ابن مطر، حدّثنا ابن شويك، حدّثنا ابن يونس، حدّثنا سلام بن سليم، حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أُمامه الباهلي عن أُبي بن كعب قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة {يا أيها النبي لِمَ تحرم ما أحل اللّهُ لك} أعطاهُ اللّه توبة نصوحاً».
بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)}
{ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى الغداة دخل على نسائهِ امرأة امرأة، وكان أهديت لحفصة بنت عمر عكّة عسل، فكان إذا دخل عليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مُسلِّماً حبستهُ وسقته منها، وإنّ عائشة أنكرت احتباسهُ عندها؛ فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها: حصن: إذا دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على حفصة فادخلي عليها وانظري ماذا يصنع، فأخبرتها الخبر وشأن العسل، فغارت عائشة وأرسلت إلى صَواحبها فأخبرتهن وقالت: إذا دخل عليكنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلن: إنّا نجد منّك ريح مغافير، وهو صمغ العرفط، كريه الرائحة، وكان رسول اللّه يكرهه.
قال: فدخل رسول اللّه على سودة، قالت: فما أردت أنْ أقول ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم أنّي فرقت من عائشة فقلتُ: يا رسول اللّه ما هذه الريح التي أجدُها منك؟ أكلت المغافير؟ فقال: «لا، ولكن حفصة سقتني عسلا». ثمَّ دخل رسول على امرأة امرأة وهنَّ يقلنّ له ذلك، ثمّ دخل على عائشة فأخذت بأنفها. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما شأنك؟».
قالت: أجدُ ريح المغافير، أكلتها يا رسول اللّه؟ قال: «لا؛ بل سقتني حفصة عسلا». قالت: حرست إذاً نحلها العرفط، فقال لها صلى الله عليه وسلم: «واللّه لا أطعمهُ أبداً»فحرّمهُ على نفسه.
وقال عطاء بن أبي مسلم: إنَّ التي كانت تسقي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أُم سلمة.
أخبرنا عبد اللّه بن حامد، أخبرنا محمد بن الحسن، حدّثنا علي بن الحسن، حدّثنا علي ابن عبد اللّه، حدّثنا حجّاج بن محمد الأعور عن إبن جريج قال: زعم عطاء أنّهُ سمع عبيد بن عمير قال: سمعتُ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها تخبر أنَّ رسول اللّه كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، قالت: فتواطأتُ أنا وحفصة أيَّتُنَا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلنقل: إني أجدُ منك ريح مغافير، فدخل على احداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا بل شربتُ عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له» فنزلت {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ...} الآيات.
قالوا: وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قسّم الأيام بين نسائهِ فلمّا كان يوم حفصة قالت: يا رسول اللّه، إنّ لي إلى أبي حاجة نفقة لي عندهُ، فأذنْ لي أنْ أزوره وآتي، فأذن لها، فلمّا خرجت أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية أُم إبراهيم وكان قد أهداها المقوقس فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها، فأتت حفصة فوجدت الباب مُغلقاً فحُبست عند الباب، فخرج رسول اللّه عليه السلام ووجههُ يقطرُ عرقاً وحفصة تبكي، فقال: ما يُبكيكِ؟ قالت: إنّما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أَمتك بيتي، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي، أما رأيت لي حُرمة وحقاً؟ ما كنتَ تصنعُ هذا بامرأة منهنّ؟ فقال رسول اللّه عليه السلام: «أليس هي جاريتي قد أحلّها اللّه لي؟ اسكتي فهي حرام عليَّ ألتمس بذلك رضاكِ، فلا تخبري بهذا امرأة منهن هو عندك أمانة».
فلمّا خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أُبشركِ أنّ رسول اللّه قد حرّم عليه أمته مارية، فقد أراحنا اللّه منها، فأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين، متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فغضبت عائشة فلم تزل بنبي اللّه صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها؛ فأنزل اللّه {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} يعني العسل ومارية.
وقال عكرمة: نزلت في المرأة التي وهبت نفسها للنبي عليه والسلام، ويُقال لها أُم شريك؛ فأبى النبي عليه السلام أن يصلها لأجل امرأته {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أن تكفروها إذا حنثم، وهي قولهُ في سورة المائدة.
{والله مَوْلاَكُمْ وَهُوَ العليم الحكيم} فأمرهُ أنْ يكفِّر حنثه، ويُراجع أَمته. {وَإِذْ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} وهو تحريمهُ صلى الله عليه وسلم فتاته على نفسه، وقوله لحفصة: لا تخبري بذلك أحداً.
وقال الكلبي: أسرّ إليها أنْ أباكِ وأبا عائشة يكونان خليفتين على أُمتي من بعدي.
أخبرنا عبد اللّه بن حامد قراءة عليه، أخبرنا عمر بن الحسن، حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد، حدّثنا أُبي، حدّثنا حصين عن الحر المسلي عن خلف بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وَإِذْ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} قال: أسرَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الخلافة بعده؛ فحدّثت به حفصة.
أخبرنا عبد اللّه بن حامد، أخبرنا نصر بن محمد بن شيرزاد، حدّثنا الحسن بن سعيد البزار، حدّثنا خالد بن العوام البزار، حدّثني فرات بن السائب عن ميمون بن مهران في قول اللّه تعالى {وَإِذْ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} قال: أسرَّ إليها أنّ أبا بكر خليفتي من بعدي.
{فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} خبّرت بالحديث الذي أسرّ إليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاحبتها.
{وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} اي وأطلع اللّه نبيه صلى الله عليه وسلم على أنّها قد نبّأت به.
وقرأ طلحة بن مصرف: فلمّا أنبأت به بالألف.
{عَرَّفَ بَعْضَهُ} قرأ علي وأَبُو عبد الرّحمن والحسن البصري وقتادة والكسائي: عرف بالتخفيف.
أخبرنا محمد بن عبدوس، حدّثنا محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن الجهم، حدّثنا الفرّاء، حدّثني شيخ من بني أسد يعني الكسائي عن نعيم بن عَمُرو عن عطاء عن أبي عبد الرّحمن قال: كان إذا قرأ عليه الرجل عرّف بالتشديد حصبه بالحصباء، ومعناه على هذه القراءة: عرف بعض ذلك ما فعلت الفعل الذي فعلته من إفشاء سِرّه أي غضب من ذلك عليها وجازاها به، من قول القائل لمن اساء إليه: لأعرفنّ لك بمعنى لأجازينّك عليه.
قالوا وجازاها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإنّ طلّقها، فلمّا بلغ ذلك عُمر قال: لو كان في آل عمر خير لما طلقك رسول اللّه شهراً، فجاءه جبرائيل عليه السلام وأمرهُ بمراجعتها، واعتزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً، وقعد في مشربة أُم إبراهيم مارية حتى نزلت آية التخيير، فقال مقاتل بن حيّان: لم يطلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حفصة وإنّما همَّ بطلاقها فأتاهُ جبرائيل عليه السلام فقال: لا تطلّقها؛ فإنّها صوّامة قوّامة، وإنّها من أحدى نسائك في الجنة، فلم يطلقها.
وقرأ الباقون: عرّف بالتشديد يعني: إنّهُ عرّف حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به، واختاره أَبُو حاتم وأَبُو عبيدة قال: لأنّه في التفسير أنّهُ أخبرها ببعض القول الذي كان منها، ومما يحقق ذلك قوله: {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} يعني: إنّه لم يعرّفها أياهُ ولم يخبرها به.
ولو كانت {عَرَّفَ بَعْضَهُ} مخففه لكان ضدّه وأنكر بعضاً، ولم يقل أعرّض عنه.
قال الحسن: ما استقصى كريم قط، قال اللّه تعالى {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ}.
قال مقاتل: يعني أخبرها ببعض ما قال لعائشة، فلم يخبرها بقولها أجمع، عرّف حفصة بعضهُ وأعرض عن بعض الحديث بأنّ أبا بكر وعمر يملكان بعدي.
{فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ} أي أخبر حفصة بما أظهره اللّه عليه.
{قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير}.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)}
{إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي زاغت ومالت واستوجبتما التوبة.
وقال إبن زيد: مالت قلوبهما بأن سرّهما ان يجتنب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جاريته، وذلك لهما موافق فسرّهما ما كره رسول اللّه.
أخبرنا أَبُو سعيد محمد بن عبد اللّه بن حمدون قراءة عليه، أخبرنا أَبُو حامد أحمد بن محمد بن الحسن، حدّثنا محمد بن يحيى، حدّثنا عبد الرّزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثور عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً أنْ أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج رسول اللّه اللّتين قال اللّه تعالى: {إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حتى حج عمر وحججت معه، فلمّا كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلتُ معه بالأداوة فتبرّد ثم أتاني فسكبت على يديه، فتوضّأ فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم اللّتان قال اللّه تعالى {إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}. فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عبّاس.
قال الزّهري: كره واللّه ما سأله ولم يكتمه ثمّ قال: هي حفصة وعائشة، ثمّ أخذ يسوق الحديث فقال:كنّا معاشر قريش قوماً نغلب النساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلَمْنَ من نسائهم.
قال: وكان منزلي في بني أُميّة بن زيد بالغوالي قال: فتعصّبتُ يوماً على إمرأتي، فإذا هي تراجعني، فأَنكرت أنْ تراجعني فقالت: وما يُنكر أن أُراجعك؟ فواللّه إنّ أزواج النّبي صلّى اللّه عليه ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه؟ قالت: نعم، قلت: وتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر، أفتأمن إحداكنّ أن يغضب اللّه عليها لغضب رسوله صلّى اللّه عليه فاذا هي قد هلكت.
لا تراجعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه ولا تسأليه شيئاً وسليني ما بدالك ولا يغرنّك إنْ كانت جارتك هي أَوسم وأحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منك يريد عائشة رضي اللّه عنها قال: وكان لي جارٌ من الأنصار، قال: كنّا نتناوب النزول إلى رسول اللّه عليه السلام فينزل يوماً وأنزل يوماً فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، قال: وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تفعل الحيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوماً ثم أَتاني غشيان فضرب بابي، ثم ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أَمرٌ عظيم.
قلت: ماذا، أجاءت غسّان؟ قال: بل أعظم من ذلك طلق الرسول نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظنّ هذا كائناً، حتّى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي، ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلّقكنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري هو معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلاماً له أسود، فقلت: استأذن لعمر، فدخل الغلام ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فَصَمَتْ، فانطلقت حتّى أتيتُ المنبر فإذا حوله رهط جلوس بعضهم، فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل ثّم خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فخرجت فجلست إلى المنبر ثمّ غلبني ما أجد فأتيت يعني الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فَصَمَتْ، قال: فولّيت مدبراً، فاذا الغلام يدعوني فقال: أدخل فقد أذن لك، فدخلت فسلّمتُ على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثّر في جنبه، فقلت: أطلّقت يا رسول اللّه نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا».
فقلت: اللّه أكبر، ثم ذكر لهُ ما قال لامرأته وما قالت لهُ امرأته، فتبسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللّه قد دخلت عليّ حفصة وذكرت ما قلت لها. فتبسّم أُخرى، فقلت: أستأنس يا رسول اللّه؟ قال: «نعم». فجلست فرفعت رأسي في البيت، فواللّه ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر إلاّ أهن ثلاثة، فقلت: يا رسول اللّه ادع اللّه تعالى أنْ يوسّع على أُمتك فقد وَسّع على فارس والروم وهم لا يعبدون اللّه، فاستوى جالساً ثم قال: «أفي شكّ أنت يا ابن الخطاب، أولئك عُجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا». فقلت: استغفر لي يا رسول اللّه، وكان أقسم ألاّ يدخل عليهنّ شهراً من شدة مُوجِدَتِه عليهنّ حتى عاتبه اللّه تعالى.
قال الزهري: فأخبرني عُروة ع ن عائشة رضي اللّه عنها قالت: فلمّا مضى تسع وعشرون ليلة على رسول اللّه بدأني، فقلت: يا رسول اللّه إنّك أقسمت أنْ لا تدخل علينا شهراً، وإنّك قد دخلتَ عن تسع وعشرين، أعدهنّ، قال: «إن الشهر تسع وعشرون، ثم قال: يا عائشة إنّي ذاكر لك أمراً فلا عليك ألاّ تعجلي فيه حتى تسامري أبويك، قالت: ثم قرأ عليّ {ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] حتى بلغ ِ {وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35] قالت عائشة: قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني وقيل: ليأمراني بفراقه فقلت: أفيْ هذا أتسأمر أبوي؟ فإنّي أريدُ اللّه ورسولهُ والدار الآخرة.
قالت عائشة: فقلت لهُ يا رسول اللّه لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنّما بعثني اللّه مبلِّغاً ولم يبعثني متعنتاً»
.
{وَإِن تَظَاهَرَا} تعاونا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء على الحذف واختاره أَبُو عُبيد، وقرأ الباقون بالتشديد على الإدغام واختاره أَبُو حاتم.
{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ} وليّه وحافظه وناصره.
{وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قال المسيب بن شريك: هو أَبُو بكر رضي الله عنه.
وقال سعيد بن جبير: عمر رضي الله عنها، عكرمة: أَبُو بكر وعمر، يدلّ عليه ما أخبرنا إبن فنجويه، حدّثنا علي بن أحمد بن نصرويه، حدّثنا أَبُو الحسن علي بن الحسن بن سليمان الباقلاني، حدّثنا أَبُو عمار الحسين بن الحرث، حدّثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سقيق عن عبداللّه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عزَّ وجل {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قال: «إنّ صالح المؤمنين أَبُو بكر وعمر» رضي اللّه عنهما.
أخبرنا إبن فنجويه، حدّثنا أَبُو علي المقري، حدّثنا أَبُو القاسم بن الفضل، حدّثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، حدّثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، حدّثني رجل ثقة يرفعه إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في قوله اللّه تعالى: «{وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه».
أخبرنا عبد اللّه بن حامد الوران، أخبرنا عمر بن الحسن، حدّثنا أحمد بن الحسن، حدّثنا أبي، حدّثنا حصين عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وصالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه».
وقال الكلبي: هُمْ المخلصون الذين ليسوا بمنافقين.
وقال قتادة والعلاء بن زياد العدوي: هم الأنبياء.
{وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أي أعوان، فلم يقل: صالحو ولا ظهراً، لأن لفظهما وأنْ كان واحداً فهو في معنى الجمع كقول الرجل: لا يُقرئني إلاّ قارئ القرآن، فهو واحد ومعناه الجمع؛ لأنّه قد أذن لكل قارئ القرآن ان يقرأه.