فصل: باب علم القرآن والترتيب فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.باب علم القرآن والترتيب فيه:

حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسين النيسابوري لفظا: حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبدان بن حبلة، نا أبو فراس محمد بن جمعة، حدثنا محمد بن زينون المكي، حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثني الذي كانوا يقرؤوننا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قال: فتعلموا القرآن والعلم جميعا.
وحدثنا الحسن بن محمد: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري، أخبرنا محمد بن عبد السلام الوراق، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا جرير عن الأشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: ما من قرأ القرآن ولم يعلم تفسيره إلا بمنزلة الأعرابي يقرأ ولا يدري ما هو.
وأخبرنا الحسن بن محمد، حدثني أبي: حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا يزيد بن صالح، أخبرنا خارجة عن سعيد عن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: والله، ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن نعلم فيم أنزلت، وما معناها.
وقال الحسن: علم القرآن لم يعلمه إلا الذكور من الرجال.
وسمعت الحسن بن محمد يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي يقول: سمعت العباس بن حمزة يقول: سمعت ابن أبي الجوزي يقول: حدثنا أبو نصر سعيد الرملي قال: أتينا الفضيل بن العياض بمكة، فسألناه أن يملي علينا فقال: ضيعتم كتاب الله وطلبتم كلام فضيل وابن عيينة؟ ولو تفرغتم لكتاب الله تعالى لوجدتم فيه شفاء لما تريدون.
قلنا: قد تعلمنا القرآن قال: إن في تعلم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم وأولاد أولادكم. قلنا: كيف؟ قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه، ومحكمه ومتشابهه، وحلاله وحرامه، وناسخه ومنسوخه. فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.
وروى مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري أنه قال: أفنينا عمرنا في الإيلاء والظهار ونبذنا كتاب الله وراء ظهورنا فماذا نقول لربنا في المعاد؟.

.لغة التفسير:

سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسر يقول: سمعت أبا بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال يقول: سمعت أبا بكر محمد بن الحسن البريدي يقول:
أما التفسير في اللغة فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف، وأصله في اللغة من التفسرة، وهي القليل من الماء الذي ينظر فيه الأطباء، فكما أن الطبيب بالنظر فيه يكشف عن علة المريض فكذلك المفسر يكشف عن بيان موطنها وشأن الآية وقصصها، ومعناها والسبب الذي نزلت فيه.
وسمعت الحسن بن محمد يقول: سمعت أبا سعد محمد بن سعيد الفارسي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن القاسم الأنباري يقول: سمعت أحمد بن محمد الخارزنجي يقول: هو من قول العرب: فسرت الفرس إذا ركضها مصورة لينطلق حصيرها، وهو يؤول إلى أنما قد سمعته يقول: سمعت أبا حامد أحمد بن محمد الخارزنجي يقول: من علوت من سفر مثل جذب وحيد وبيت الماء وبصق ووسع لفحل الناقة وبغاها. تقول العرب: فسرت الناقة، إذا سيرتها حتى زال شعرها، وظهر جلدها. وأنشدوا فيه لبعض الهذليين:
..............
فيكون معنى التفسير: كشف المنغلق من المراد بلفظه وإطلاق المحتبس عن فهمه.
والتأويل: بكون الأول معنى مجمله موافق لما قبلها وما بعدها، وأصله من الأول، وهو من الرجوع، تقول العرب: أولته. قال: أي صرفته فانصرف.
وسمعت أبا القاسم بن أبي بكر السدوسي يقول: سمعت رافع بن عبد الله يقول: سمعت أبا حبيب زيد بن المهتدي يقول: سمعت الحسن بن محمد بن البصري يقول:.... عن جده النضر أنه قال:: أصله من الإيالة، وهي السياسة، تقول العرب: قد ألنا، وإبل علينا، أي سسنا، وساسنا غيرنا، فكأن المؤول للكلام يسوي الكلام ويضع المعنى فيه موضعه القادر عليه، وواضعه موضعه. وإنما بنوهما على التفعيل؛ لأنه يدل على التكثير، وكأنه تتبع سورة بعد سورة وآية بعد آية، وأما الفرق بينهما:
قالت العلماء: التفسير: علم نزول الآية وشأنها وقصتها، والأسباب التي نزلت فيها. فهذا وأضرابه محظورة على الناس القول إلا باستماع الأثر. فأما التأويل فالأمر فيه أسهل؛ لأنه صرف الآية إلى معنى يحتمله، وليس بمحظور على العلماء استنباطه والقول فيه وإنما يكون مرآتنا الكتاب والسنة.
التفسير وبالله التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم

.سورة الفاتحة:

تفسير فاتحة الكتاب:

.أسماؤها:

أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان وأخبرنا محمد بن أحمد بن عبدوس أخبرنا محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب حدثنا خلف بن هشام حدثنا محمد بن حسان عن المعافى بن عمران عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{الحمد لله رب العالمين} سبع آيات أولهن {بسم الله الرحمن الرحيم} وهي السبع المثاني وهي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب».

.نزولها:

واختلفوا في نزولها؛ أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر قراءة أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود بن عبد الله المروزي قال: حدثنا عبد الله بن محمود السعدي حدثنا أبو يحيى القصري حدثنا مروان بن معاوية عن الولاء بن المسيب عن الفضل بن عمرو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش. وعلى هذا أكثر العلماء.
يدل عليه ما أخبرنا الحسن بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن محمود حدثنا أبو لبابة محمد بن مهدي حدثنا أبي عن صدقة بن عبد الرحمن عن روح بن القاسم العبري عن عمر بن شرحبيل قال: إن أول ما نزل من القرآن {الحمد لله رب العالمين} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلى خديجة رضي الله عنها وقال: «لقد خشيت أن يكون خالطني شيء». فقالت: وما ذاك؟ قال: «إني إذا خلوت سمعت النداء فأفر» قال: فانطلق به أبو بكر إلى ورقة بن نوفل فقال له ورقة: إذا أتاك فاجث له. فأتاه جبريل فقال له: قل: {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين}.
وحدثنا الحسن بن جعفر حدثنا محمد بن محمود حدثنا عمرو بن صالح عن ابن عباس حدثنا أبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين}. فقالت قريش: دق الله فاك.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب حدثنا أبو زيد حدثنا أبو حاتم بن محبوب الشامي أخبرنا عبد الجبار العلاء عن معن عن منصور عن مجاهد قال: فاتحة الكتاب أنزلت في المدينة.
وقال الحسن بن الفضل: لكل عالم هفوة وهذه منكرة من مجاهد لأنه تفرد بها والعلماء على خلافه وصح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب أنها من: أول ما نزل من القرآن وأنها: السبع المثاني، وسورة الحجر مكية بلا اختلاف. ومعلوم أن الله تعالى لم يمتن عليه بإتيانه السبع المثاني وهو بمكة ثم أنزلها بالمدينة ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة يصلي عشر سنوات بلا فاتحة الكتاب هذا مما لا تقبله العقول.
قال الأستاذ: وقلت: قال بعض العلماء وقد لفق بين هذين القولين: أنها مكية ومدنية نزل بها جبرائيل مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة حين حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما وتفضيلا لهذه السورة على ما سواها ولذلك سميت مثاني والله أعلم.
أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفرات أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى حدثنا جعفر بن محمد بن سوار أخبرنا أحمد بن نصر أخبرنا سعيد بن منصور حدثنا سلام عن زيد العمي عن ابن سيرين عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فاتحة الكتاب شفاء من السم».
وأخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أيوب حدثنا أبو عبد الله محمد بن صاحب حدثنا المأمون بن أحمد حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أبو معاوية الضرير عن أبي مالك الأشجعي عن ابن حمران عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب: {الحمد لله رب العالمين} فيسمعه الله عز وجل فيرفع عنهم ذلك العذاب أربعين سنة».
وحدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني حدثنا الحسين بن الفضل حدثنا عفان بن مسلم الصفار عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال: أنزل الله عز وجل مائة وأربعة كتب من السماء أودع علومها أربعة: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ثم أودع علوم هذه الأربعة الفرقان ثم أودع علوم القرآن المفصل ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة ومن قرأها فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

.في فضل التسمية:

حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا جعفر بن محمد بن صالح وحدثنا محمد بن القاسم الفارسي حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الشيباني أخبرنا أحمد بن كامل بن خلف حدثنا علي بن حماد بن السكن أخبرنا أحمد بن عبد الله الهروي حسام بن سليمان المخزومي عن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خير الناس وخير من يمشي على جديد الأرض المعلمون؛ فكلما خلق الدين جددوه. أعطوهم ولا تستأجروهم فتحرجوهم فإن المعلم إذا قال للصبي: قل: {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال الصبي: {بسم الله الرحمن الرحيم} كتب الله براءة للصبي وبراءة لأبويه وبراءة للمعلم من النار».
وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل المولى أخبرنا أبو علي الإسفراييني الحافظ حدثنا ابن الحسن البصري حدثنا محمد بن مروان أبو جعفر حدثنا أبي: حدثنا عمر بن ذر عن عطاء عن جابر قال: لما نزلت: {بسم الله الرحمن الرحيم} هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الرياح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين من السماء وحلف الله بعزته أن لا يسمى اسمه على شيء إلا شفاه ولا يسمى اسمه على شيء إلا بارك عليه ومن قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} دخل الجنة.
وأخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن حدثنا محمد بن محمد بن الحسن أخبرنا الحسن بن علي بن نصر حدثنا عبد الله بن هاشم أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} فإنها تسعة عشر حرفا ليجعل الله له بكل حرف منها جنة من كل واحد.

.تفسير الآية رقم (1):

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}
قوله: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}
اعلم أنّ هذه الباء زائدة، وهي تسمّى باء التضمين أو باء الإلصاق، كقولك: كتبت بالقلم، فالكتابة لاصقة بالقلم. وهي مكسورة أبداً؛ والعلة في ذلك أن الباء حرف ناقص ممال. والإمالة من دلائل الكسر، قال سيبويه: لما لم يكن للباء عمل إلاّ الكسر كسرت.
وقال المبرّد: العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل، ألا ترى أنك إذا أخبرت عن نفسك فإنك قلت: بَيْبَيْت، فرددتها إلى الياء والياء أُخت الكسرة كما أن الواو أُخت الضمة والألف أُخت الفتحة، وهي خافضة لما بعدها فلذلك كسرت ميم الاسم.
وطوّلت هاهنا وشبهت بالألف واللام؛ لأنهم لم يريدوا أن يفتتحوا كتاب الله إلاّ بحرف مفخّم معظّم. قاله القيسي.
قال: وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول لكتّابه: (طوّلوا الباء، وأظهروا السين، وفرّجوا بينهما، ودوّروا الميم تعظيماً لكلام الله تعالى).
وقال أبو...... خالد بن يزيد المرادي: العلّة فيها إسقاط الألف من الاسم، فلما أسقطوا الألف ردّوا طول الألف إلى الباء ليكون دالاًّ على سقوط الألف منها. ألا ترى أنهم لمّا كتبوا: {اقرأ باسم رَبِّكَ} [العلق: 1] بالألف ردّوا الباء إلى صيغتها، فإنما حذفوا الألف من (اسم) هنا فالكثرة دورها على الألسن عملا بالخفّة، ولمّا لم يكثر أضرابها كثرتها أثبتوا الألف بها.
وفي الكلام إضمار واختصار تقديره: قل، أو ابدأ بسم الله.
وقال آدم: الاسم فيه صلة، مجازهُ: بالله الرَّحْمن الرحيم هو، واحتجوا بقول لبيد:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ** وهل أنا إلاّ من ربيعةَ أو مضرْ

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ومن يبكِ حولا كاملا فقد اعتذرْ

أي ثم السلام عليكما.
ومعناه: بالله تكوّنت الموجودات، وبه قامت المخلوقات. وأدخلوا الاسم فيه ليكون فرقاً بين المتيمِّن والمتيمَّن به. فأمّا معنى الاسم، فهو المسمى وحقيقة الموجود، وذات الشيء وعينه ونفسه واسمه، وكلها تفيد معنىً واحداً. والدليل على أن الاسم عين المسمّى قوله تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى} [مريم: 7]، فأخبر أنّ اسمه يحيى، ثمّ نادى الاسم وخاطبه فقال: {يايحيى} [مريم: 12]. فيحيى هو الاسم، والإسم هو يحيى.
وقوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ} [يوسف: 40] وأراد الأشخاص المعبودة؛ لأنهم كانوا يعبدون المسمّيات.
وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: 1]، و{تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} [الرَّحمن: 78].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللهِ حتّى لا يُعبَد له اسمٌ» أي حتى لا يعبد هو.
ثم يقال: رأينا للتسمية اسم، واستعمالها في التسمية أشهر وأكثر من استعمالها في المسمّى، ولعل الاسم أشهر، وجمعه: أسماء، مثل قنو وأقناء، وحنو وأحناء، فحذفت الواو للاستثقال، ونقلت حركة الواو إلى الميم فأُعربت الميم، ونقل سكون الميم إلى السين فسكنت، ثم أُدخلت ألف مهموزة لسكون السين؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال: سُميّ وسميّة؛ لأن كل ما سقط في التصغير والتصريف فهو غير أصلي.
واشتقاقه من (سما) (يسمو)، فكأن المخبر عنه بأنه معدوم ما دام معدوماً فهو في درجة يرتفع عنها إذ وجد، ويعلو بدرجة وجوده على درجة عدمه. والاسم الذي هو العبارة والتسمية للمخبر والصفة للمنظر. وأصل الصفة ظهور الشيء وبروزه، والله أعلم.
فأمّا ما ورد في تفسيرها بتفصيلها فكثير، ذكرت جلّ أقاويلها في حديث وحكاية.
أخبرنا الأستاذ أبو القاسم بن محمد بن الحسن المفسّر، حدّثنا أبو الطيّب محمد بن أحمد ابن حمدون المذكر، أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد، حدّثنا أحمد بن هشام الأنطاكي، حدّثنا الحكم بن نافع عن إسماعيل بن عبّاس عن إسماعيل عن يحيى عن أبي مليكة عن مسعود بن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عيسى بن مريم أسلمته أمّه إلى الكُتّاب ليتعلّم، فقال له المعلّم: قل باسم الله. قال عيسى: وما باسم الله؟ فقال له المعلّم: ما أدري. قال: الباء: بهاء الله، والسين: سناء الله، والميم: مملكة الله».
وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول: سمعت أبا إسحاق بن ميثم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو يقول: سمعت أبا عبد الله ختن أبي بكر الوراق يقول: سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول في {بسم الله}: إنها روضة من رياض الجنة لكل حرف منها تفسير على حدة:
فالباء على ستة أوجه:
بارئ خلقه من العَرش إلى الثرى، ببيان قوله: {إِنَّهُ هُوَ البر الرحيم} [الطور: 28].
بصير بعباده من العرش إلى الثرى، بيانه: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [الملك: 19].
باسط الرزق من العرش إلى الثرى، بيانه: {الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ} [الرعد: 26].
وباق بعد فناء خلقه من العرش إلى الثرى: بيانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام} [الرَّحمن: 26-27].
باعث الخلق بعد الموت للثواب والعقاب، بيانه: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور} [الحج: 7].
بارّ بالمؤمنين من العرش إلى الثرى، بيانه قوله: {إِنَّهُ هُوَ البر الرحيم} [الطور: 28].
والسين على خمسة أوجه:
سميع لأصوات خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80].
سيّد قد بلغ سؤدده من العرش إلى الثرى، بيانه: {الله الصمد} [الإخلاص: 2].
سريع الحساب مع خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {والله سَرِيعُ الحساب} [البقرة: 202].
سلم خلقه من ظلمه من العرش إلى الثرى، بيانه: {السلام المؤمن} [الحشر: 23].
غافر ذنوب عباده من العرش إلى الثرى، بيانه قوله: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} [غافر: 3].
والميم على اثني عشر وجهاً:
ملك الخلق من العرش إلى الثرى، بيانه: {الملك القدوس} [الحشر: 23].
مالك خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك} [آل عمران: 26].
منّان على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} [الحجرات: 17].
مجيد على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {ذُو العرش المجيد} [البروج: 15].
مؤمّن آمن خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه قوله: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [سورة قريش: 4].
مهيمن اطّلع على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {المؤمن المهيمن} [الحشر: 23].
مقتدر على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 55].
مقيت على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً} [النساء: 85].
متكرّم على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ} [الإسراء: 70].
منعم على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه قوله: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].
متفضّل على خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين} [البقرة: 251].
مصوّر خلقه من العرش إلى الثرى، بيانه: {الخالق البارئ المصور} [الحشر: 24].
وقال أهل الحقائق:..... في {بسم الله} التيمّن والتبرّك وحثّ الناس على الابتداء في أقوالهم وأفعالهم ب {بسم الله} لمّا افتتح الله عزّ وجلّ كتابه به، والله أعلم.
{الله}، اعلم أن أصل هذه الكلمة (إله) في قول أهل الكوفة، فأُدخلت الألف واللام فيها تفخيماً وتعظيماً لما كان اسم الله عزّ وجلّ، فصار (الإله)، فحذفت الهمزة استثقالا لكثرة جريانها على الألسن، وحوّلت هويتها إلى لام التعظيم فالتقى لامان، فأُدغمت الأولى في الثانية، فقالوا (الله).
وقال أهل البصرة: أصلها (لاه)، فأُلحقت بها الألف واللام، فقالوا: (الله). وأنشدوا:
كحلفة من أبي رباح ** يسمعها الآهه الكبار

فأخرجه على الأصل.
وقال بعضهم: أُدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة المحذوفة في (إله)، فلزمتا الكلمة لزوم تلك الهمزة لو أُجريت على الأصل، ولهذا لم يدخل عليه في النداء ما يدخل على الأسماء المعرّفة من حروف التشبيه، فلم يقولوا: يا أيها الله.
دفع أقاويل أهل التأويل في هذا الاسم مبنيّة على هذين القولين... ثمة، واختلفوا فيه؛ فقال الخليل بن أحمد وجماعة: (الله) اسم علم موضوع غير مشتق بوجه، ولو كان مشتقّاً من صفة كما لو كان موصوفاً بتلك الصفة أو بعضها، قال الله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: 65].
(الله): اسم موضوع لله تعالى لا يشركه فيه أحد، قال الله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}، يعني: أن كل اسم مشترك بينه وبين غيره؛ له على الحقيقة ولغيره على المجاز إلاّ هذا الاسم فإنه مختص به لأن فيه معنى الربوبيّة. والمعاني كلها تحته، ألا ترى أنك إذا أسقطت منه الألف بقي لله، وإذا أسقطت من لله اللام الأولى بقي (له)، وإذا أسقطت من (له) اللام بقي هو.
قالوا: وإذا أُطلق هذا الاسم على غير الله فإنما يقال بالإضافة كما يقال: لاه كذا أو ينكر فيقال: لله كما قال تعالى إخباراً عن قوم موسى عليه السلام: {اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]. وأما (الله)، و(الإله) فمخصوصان لله تعالى. وقال قوم: أصله (لاها) بالسريانية، وذلك أن في آخر أسمائهم مدّة، كقولهم للروح: (روحا)، وللقدس: (قدسا)، وللمسيح: (مسيحا)، وللابن: (ابنا)، فلما طرحوا المدّة بقي (لاه)، فعرّبه العرب وأقرّوه.
ولا اشتقاق له، وأكثر العلماء على أنه مشتق؛ واختلفوا في اشتقاقه، فقال النضر بن إسماعيل: هو من التألّه، وهو التنسّك والتعبّد، قال رؤبة:
لله در الغانيات المدّهِ ** سبحن واسترجعن من تألهي

ويقال: أله إلاهة، كما يقال: عبد عبادة. وقرأ ابن عباس: {ويذرك وإلهتك} أي عبادتك؛ فمعناه عبادتك المعبود الذي تحقّ له العبادة.
وقال قوم هو من (الإله)، وهو الاعتماد، يقال: ألهت إلى فلان، آلَهُ إلهاً، أي فزعت إليه واعتمدت عليه، قال الشاعر:
ألهت إليها والركائب وقّف

ومعناه: أن الخلق يفزعون ويتضرعون إليه في الحوادث والحوائج، فهو يألههم، أي يجيرهم، فسمي إلهاً، كما يقال: إمام للذي يؤتم به، ولحاف ورداء وإزار وكساء للثوب الذي يلتحف به، ويرتدى به، وهذا معنى قول ابن عباس والضحّاك.
وقال أبو عمرو بن العلاء: هو من (ألهت في الشيء) إذا تحيّرت فيه فلم تهتدِ إليه، قال زهير:
..... يأله العين وسطها

مخفّفة وقال الأخطل:
ونحن قسمنا الأرض نصفين نصفها ** لنا ونرامي أن تكون لنا معا

بتسعين ألفاً تأله العين وسطها ** متى ترَها عين الطرامة تدمعا

ومعناه: أن العقول تتحيّر في كنه صفته وعظمته والإحاطة بكيفيته، فهو إله كما قيل للمكتوب: كتاب، وللمحسوب: حساب.
وقال المبرّد: هو من قول العرب: (ألهت إلى فلان) أي سكنت إليه، قال الشاعر:
ألهت إليها والحوادث جمّة

فكأن الخلق يسكنون إليه ويطمئنون بذكره، قال الله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28]. وسمعت أبا القاسم الحسن: سمعت أبا الحسن علي بن عبد الرحيم القناد يقول: أصله من (الوله)، وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك. وأصله (أله)- بالهمزة- فأُبدل من الألف واو فقيل الوله، مثل (إشاح، ووشاح) و(وكاف، وإكاف) و(أرّخت الكتاب، وورّخته) و(ووقّتت، وأُقّتت). قال الكميت:
ولهت نفسي الطروب إليهم ** ولها حال دون طعم الطعام

فكأنه سمّي بذلك؛ لأن القلوب تولّه لمحبّته وتضطرب وتشتاق عند ذكره.
وقيل: معناه: محتجب؛ لأن العرب إذا عرفت شيئاً، ثم حجب عن أبصارها سمّته إلهاً، قال: لاهت العروس تلوه لوهاً، إذ حجُبت.
قال الشاعر:
لاهت فما عرفت يوماً بخارجة ** يا ليتها خرجت حتّى رأيناها

والله تعالى هو الظاهر بالربوبيّة بالدلائل والأعلام وهو المحتجب من جهة الكيفيّة عن الأوهام.
وقيل: معناه المتعالي، يقال: (لاه) أي ارتفع.
وقد قيل: من (إلا هتك)، فهو كما قال الشاعر:
تروّحنا من اللعباء قصراً ** وأعجلنا الألاهة أن تؤوبا

وقيل: هو مأخوذ من قول العرب: ألهت بالمكان، إذا أقمت فيه، قال الشاعر:
ألهنا بدار ما تبين رسومها ** كأن بقاياها وشام على اليدِ

فكأن معناه: الدائم الثابت الباقي.
وقال قوم: (ان يقال) ذاته وهي قدرته على الإخضاع.
وقال الحارث بن أسد المجلسي، أبو عبد الله البغدادي: الله من (ألههم) أي أحوجهم، فالعباد مولوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارّ، كالواله المضطرّ المغلوب.
وقال شهر بن حوشب: الله خالق كل شيء، وقال أبو بكر الوراق: هو.
وغلّظ بعض بقراءة اللام من قوله: (الله) حتى طبقوا اللسان به الحنك لفخامة ذكره، وليصرف عند الابتداء بذكره وهو الرب.
{الرحمن الرَّحِيمِ}، قال قوم: هما بمعنىً واحد مثل (ندمان، ونديم) و(سلمان، وسليم)، وهوان وهوين. ومعناهما: ذو الرحمة، والرحمة: إرادة الله الخير بأهله، وهي على هذا القول صفة ذات. وقيل: هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة، (وفعل) الخير إلى من لم يستحق، وعلى هذا القول صفة فعل، يجمع بينهما للاتّساع، كقول العرب: جاد مجد. قال طرفة:
فما لي أراني وابن عمي مالكاً ** متى أدنُ منه ينأ عني ويبعدِ

وقال آخر:
وألفى قولها كذباً ومينا

وفرّق الآخرون بينهما فقال: بعضهم الرَّحْمن على زنة فعلان، وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول. وقولك: رجل غضبان للممتلئ غضباً، وسكران لمن غلب عليه الشراب. فمعنى (الرَّحْمن): الذي وسعت رحمته كل شيء.
وقال بعضهم: (الرَّحْمن) العاطف على جميع خلقه؛ كافرهم ومؤمنهم، برّهم وفاجرهم بأن خلقهم ورزقهم، قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، و(الرحيم) بالمؤمنين خاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا، والجنة والرؤية في العقبى، قال تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} [الأحزاب: 43]. ف (الرَّحْمن) خاصّ اللفظ عامّ المعنى، و(الرحيم) عامّ اللفظ خاصّ المعنى. و(الرَّحْمن) خاص من حيث إنه لا يجوز أن يسمى به أحد إلاّ الله تعالى، عامّ من حيث إنه يشمل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. و(الرحيم) عامّ من حيث اشتراك المخلوقين في المسمّى به، خاص من طريق المعنى؛ لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق. وهذا قول جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه.
الرَّحْمن اسم خاص بصفة عامة، والرحيم اسم عام بصفة خاصة، وقول ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الدّقاق، حدّثنا الحسن بن محمد بن جابر، حدّثنا عبد الله بن هاشم، أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال: الرَّحْمن بأهل الدنيا، والرحيم بأهل الآخرة. وجاء في الدعاء: يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.
وقال الضحّاك: الرَّحْمن بأهل السماء حين أسكنهم السماوات، وطوّقهم الطاعات، وجنّبهم الآفات، وقطع عنهم المطاعم واللذات. والرحيم بأهل الأرض حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وأعذر إليهم في النصيحة وصرف عنهم البلايا.
وقال عكرمة: الرَّحْمن برحمة واحدة، والرحيم بمائة رحمة وهذا المعنى قد اقتبسه من قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي حدّثناه أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو، حدّثنا أبو هريرة وأحمد بن محمد بن شاردة الكشي، حدّثنا جارود ابن معاذ، أخبرنا عمير بن مروان عن عبد الملك أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وأخّر تسعة وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة».
وفي رواية أخرى: «إن الله تعالى قابض هذه إلى تلك فمكملها مائة يوم القيامة، يرحم بها عباده».
وقال ابن المبارك: الرَّحْمن: الذي إذا سُئل أعطى، والرحيم إذا لم يُسأل غضب. يدلّ عليه ما حدّثنا أبو القاسم المفسّر، حدّثنا أبو يوسف رافع بن عبد الله بمرو الروذ، حدّثنا خلف ابن موسى: حدّثنا محمود بن خداش، حدّثنا هارون بن معاوية، حدّثنا أبو الملج وليس الرقّي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لم يسأل الله يغضب عليه»، نضمه الشاعر فقال:
إن الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضب

وسمعت الحسن بن محمد يقول: سمعت إبراهيم بن محمد النسفي يقول: سمعت أبا عبد الله وهو ختن أبي بكر الوراق يقول: سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول: (الرَّحْمن: بالنعماء وهي ما أعطي وحبا، والرحيم بالآلاء وهي ما صرف وزوى).
وقال محمد بن علي المزيدي: الرَّحْمن بالإنقاذ من النيران، وبيانه قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النار فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا} [آل عمران: 103]، والرحيم بإدخالهم الجنان، بيانه: {ادخلوها بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46].
وقال المحاسبي: (الرَّحْمن: برحمة النفوس، والرحيم برحمة القلوب).
وقال السريّ بن مغلس: (الرَّحْمن بكشف الكروب، والرحيم بغفران الذنوب).
وقال عبد الله بن الجرّاح: (الرَّحْمن ب..... الطريق، والرحيم بالعصمة والتوفيق).
وقال مطهر بن الوراق: (الرَّحْمن بغفران السيّئات وإن كن عظيمات، والرحيم بقبول الطاعات وإن كنّ قليلات).
وقال يحيى بن معاذ الرازي: (الرَّحْمن بمصالح معاشهم، والرحيم بمصالح معادهم).
وقال الحسين بن الفضل: (الرَّحْمن الذي يرحم العبد على كشف الضر ودفع الشر، والرحيم الذي يرقّ وربما لا يقدر على الكشف).
وقال أبو بكر الوراق أيضاً: (الرَّحْمن بمن جحده والرحيم بمن وحّده، والرَّحْمن بمن كفر والرحيم بمن شكر، والرَّحْمن بن قال ندّاً والرحيم بمن قال فردا).
في أن التسمية من الفاتحة أو لا؟
واختلف الناس في أنّ التسمية؛ هل هي من الفاتحة؟ فقال قرّاء المدينة والبصرة وقرّاء الكوفة: إنها افتتاح التيمّن والتبرّك بذكره، وليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور، ولا تجب قراءتها وأن الآية السادسة قوله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي وأبي حنيفة- رحمهم الله- ورووا ذلك عن أبي هريرة.
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن الحسن النيسابوري، حدّثنا أبو الحسن محمد بن الحسن الكابلي، أخبرنا علي بن عبد العزيز الحلّي، حدّثنا أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي، حدّثنا الحجاج عن أبي سعيد الهذلي عن..... عن أبي هريرة قال: {أنعمت عليهم} الآية السادسة، فزعمت فرقة أنها آية من أمّ القرآن، وفي سائر السور فصل، فليست هاهنا أنها يجب قراءتها.
وقال قوم: إنها آية من فاتحة الكتاب رووا ذلك عن سعيد بن المسيب، وبه قال قرّاء مكة والكوفة وأكثر قرّاء الحجاز، ولم يعدّوا {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية.
وقال الشافعي والشعبي وهو رأي عبد الله أنها نزلت في الآية الأُولى من فاتحة الكتاب، وهي من كل سورة آية إلاّ التوبة. والدليل عليه الكتاب والسنة؛ أمّا الكتاب سمعت أبا عثمان بن أبي بكر الزعفراني يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن موسى يقول: سمعت الحسن بن المفضّل يقول: رأيت الناس....... في النمل أن {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} فيها من القرآن فوجدتها بخطها ولو أنها مكرّرات في القرآن، فعرفنا أماكنها منه بل حتى {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرَّحمن: 13]، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] لما كانا في القرآن كانت مكرّراتهما من القرآن.
وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في بدء الأمر على رسم قريش: «باسمك اللهم» حتى نزلت: {وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا} [سورة هود: 41] فكتب: {بِسْمِ الله} حتى نزلت: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} [سورة الإسراء: 110] فكتب: «بسم الله الرَّحْمن»، حتى نزلت: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} [سورة النمل: 30]، فكتب مثلها فلمّا كانت..... هذه.... وحيث أن يكون.... منه ثم افتخر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، وحقّ له ذلك.
حدّثنا عبد الله بن حامد بن محمد الوراق: أخبرنا أبو بكر أحمد بن اسحاق الفقيه حدّثنا محمد ابن يحيى بن سهل، حدّثنا آدم بن أبي إياس، حدّثنا سلمة بن الأحمر عن يزيد بن أبي خالد عن عبد الكريم بن أمية عن أبي بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري؟». فقلت: بلى. قال: «بأي شيء تفتتح إذا افتتحت القرآن؟». قلت: {بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} فقال: «هي هي».
وفي هذا الحديث دلّ دليل على كون التسمية آية تامّة من الفاتحة وفواتح السور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين لفظ الآية كلها، والتي في سورة النمل ليست بآية وإنما هي بعض الآية، وبالله التوفيق.
وأمّا الأخبار الواردة فيه، فأخبرنا أبو القاسم السدوسي، حدّثنا أبو زكريا يحيى بن محمد ابن عبد الله العنبري، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدّثنا أبو سفيان المعمري عن إبراهيم بن يزيد قال: قلت لعمرو بن دينار: إن الفضل الرقاشي زعم أن {بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} ليس من القرآن؟ قال: سبحان الله ما أجرأ هذا الرجل سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت آية {بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} علم أن السورة قد ختمت وفتح غيرها.
وحدّثنا الحسن بن محمد: حدّثنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي: حدّثنا أبو محمد إسماعيل ابن عيسى الواسطي: حدّثنا عبد الله بن نافع عن جهم بن عثمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة؟» قال: أقول: الحمد لله رب العالمين. قال: «قل: {بِسْمِ الله الرحمن الرحيم}».
وحدّثنا الحسن بن محمد، أخبرنا أبو الحسين...، حدّثنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا أبو عبيد، حدّثنا عمر بن هارون البلخي عن أبي صالح عن أبي مليكة عن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ * الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يَوْمِ الدين} يعني يقطّعها آية آية حتّى عدّ سبع آيات عدّ الأعراب.
أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد، حدّثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، حدّثنا محمد ابن جعفر، حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدّثنا الحسين بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وكان يقول: من ترك قراءتها فقد نقص. وكان يقول: هي تمام السبع المثاني والقرآن العظيم.
وأخبرنا الحسين بن محمد بن جعفر، حدّثنا أبو العباس الأصم، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدّثنا جعفر بن حيّان عن عبد الملك بن جريح عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} [الحجر: 87] قال: فاتحة الكتاب.
وقيل لابن عباس: أين السابعة؟ قال: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} وعدّها في يديه ثم قال: أُخرجها لكم، وما أجد فيها أمركم.
أخبرنا محمّد بن الحسين حدّثنا عبد الله بن محمد بن مسلم، حدّثنا يزيد بن سنان، حدّثنا أبو بكر الحنفي، حدّثنا نوح بن أبي بلال قال: سمعت المقبري عن أبي هريرة أنه قال: إذا قرأتم أمّ القرآن فلا تبرحوا {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} فإنها إحدى آياتها وإنها السبع المثاني.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري، حدّثنا جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، حدّثنا أحمد بن نصر، حدّثنا آدم بن إياس عن أبي سمعان عن العلا، عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبادي نصفين؛ فإذا قال العبد: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} قال الله: مجّدني عبدي، وإذا قال العبد {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: {مالك يَوْمِ الدين} قال الله: فوّض إليّ أمره عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم} قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل».
وأخبرنا علي بن محمد بن الحسن المقري، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد القصّار، حدّثنا محمد بن بكر البصري، حدّثنا محمد بن علي الجوهري، حدّثنا.... حدثني أبو إسماعيل بن يحيى....، حدّثنا سفيان الثوري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يحدّث أصحابه؛ إذ دخل رجل يصلّي، وافتتح الصلاة، وتعوّذ، ثم قال: {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين}. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رجل، قطعت على نفسك الصلاة، أما علمت أن {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} من الحمد؟ فمن تركها فقد ترك آية، ومن ترك آية منه فقد قطعت عليه صلاته» لا تكون الصلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، ومن ترك آية فقد بطلت صلاته.
وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني، حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر بن هشام، أخبرنا محمد بن يحيى، حدّثنا حكيم بن الحسين، حدّثنا سليمان بن مسلم المكّي عن نافع عن أبي مليكة عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} فقد ترك آية من كتاب الله».
وقد عدّها علي عليه السلام فيما عدّ من أمّ الكتاب.
وأما الإجماع، فأخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الورّاق، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الضبعي، حدّثنا عبد الله بن محمد، حدّثنا محمد بن يحيى، حدّثنا علي بن المديني، حدّثنا عبدالوهّاب بن فليح، عن عبدالله بن ميمون عن عبيد بن رفاعة أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة فصلّى بالناس صلاة يجهر فيها، ولمّا قرأ أم القرآن ولم يقرأ {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} وقضى صلاته، ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية: أنسيت أين {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} حين استفتحت القرآن؟ فأعادها لهم معاوية فقرأ {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}.
الكلام في جزئية البسملة من باقي السور:
هذا في الفاتحة، فأما في غيرها من السور، فأخبرنا أبو القاسم الحبيبي، حدّثنا أبو العباس الأصم، حدّثنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، أن أبا بكر بن حفص بن عاصم قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة يجهر فيها بالقراءة، وقرأ {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} لأم القرآن ولم يقرأ للسورة التي بعدها حتى قضى صلاته، فلمّا سلّم ناداه المهاجرون من كل مكان: يا معاوية، أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فصلى بهم صلاة أخرى وقرأ فيها للسورة التي بعدها.
وما...... النظر بآيات السور مقاطع القرآن على ضربين متقاربة ومتشاكلة. والمتشاكلة نحو ما في سورة القمر والرَّحْمن وأمثالهما، والمتقاربة قيل: في سورة {ق والقرآن المجيد * بَلْ عجبوا أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الكافرون هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق: 1-2]، وما ضاهاها. ثم نظرنا في قوله: {قبلهم}، فلم يكن من المتشاكلة ولا من المتقاربة، ووجدنا أواخر آي القرآن على حرفين: ميم ونون أو حرف صحيح قبلها ن مكسورة فأوّلها، أو واو مضموم ما قبلها، أو ألف مفتوح ما قبلها، ووجدنا سبيلهم هو هو مخالف لنظم الكتاب.
هذا ولم نرَ غير مبتدأ آية في كتاب الله.... إذ يقول أيضاً: إن التسمية لا تخلو؛ إما أن تكون مكتوبة للفصل بين السور، أو في آخر السور، أو في أوائلها أو حين نزلت كتبت، وحيث لم تنزل لم تكتب، فلو كتبت للفصل لكتبت [......] وتراخ، ولو كتبت في الابتدا لكتبت في (براءة)، ولو كتبت في الانتهاء لكتبت في آخر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} [الناس: 1]. فلمّا أبطلت هذه الوجوه علمنا أنها كتبت حيث نزلت، وحيث لم تنزل لم تكتب.
يقول أيضاً: إنا وجدناهم كتبوا ما كان غير قرآن من الآي والأخرى، أو خضرة، وكتبوا التسمية بالسواد فعلمنا أنها قرآن، وبالله التوفيق.
حكم الجهر بالبسملة في الصلاة:
ثم الجهر بها في الصلاة سنّة لقول الله تعالى: {اقرأ باسم رَبِّكَ} [العلق: 2] (فأمر) رسوله أن يقرأ القرآن بالتسمية، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} [الأعلى: 14 و15] فأوجب الفلاح لمن صلّى بالتسمية.
وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمّد بن جعفر حدّثنا أبو صخر محمد بن مالك السعدي بمرو، حدّثنا عبد الصمد بن الفضل الآملي، حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي بغوطة دمشق قال: صليت خلف المهديّ أمير المؤمنين فجهر ب {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}، فقلت: ما هذه القراءة يا أمير المؤمنين؟ [فقال:] حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر ب {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}، قلت: أآثرها عنك؟ قال: نعم.
وحدّثنا الحسن بن محمد بن الحسن قال: حدّثنا أبو أحمد محمد بن قريش بن حابس بمرو الروذ إملاءً، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدّيري، حدّثنا عبد الرزاق عن عمر بن دينار، أن ابن عمر وابن عباس كانا يجهران ب {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}.
وحدّثنا الحسن بن محمد بن زكريا العنبري، حدّثنا محمد بن عبد السلام، حدّثنا إسحاق ابن إبراهيم، أخبرنا خَيْثَمة بن سليمان قال: سمعت ليثاً قال: كان عطاء وطاووس ومجاهد يجهرون ب {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}.
وحدّثنا الحسن بن محمد: حدّثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرَّحْمن المروزي، حدّثنا الحسن ابن علي بن نصير الطوسي، حدّثنا أبو ميثم سهل بن محمد، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزاعي، عن عمّار بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة ب بسم {الله الرحمن الرَّحِيمِ} يجهرون بها: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن صفوان.
وحدّثنا الحسن بن محمد، حدّثنا أبو نصر منصور بن عبد الله الاصفهاني، حدّثنا أبو القاسم الاسكندراني، حدّثنا أبو جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد أنه قال: «اجتمع آل محمد على الجهر ب {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}، وعلى أن يقضوا ما فاتهم من صلاة الليل بالنهار، وعلى أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن القول وفي صاحبهما».
وبهذا الإسناد قال: سئل الصادق عن الجهر بالتسمية، فقال: «الحق الجهر به، وهي التي التي ذكر الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} [الإسراء: 46]».
وحدّثنا الحسن، حدّثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن كعب العدل، حدّثنا الحسين ابن أحمد بن الليث، حدّثنا محمد بن المعلّى المرادي، حدّثنا أبو نعيم عن خالد بن إياس عن سعيد ابن أبي سعيد المقرئ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فعلمني الصلاة»، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبّر فجهر ب {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}.
وحدّثنا الحسن بن محمد، حدّثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن حمدون، حدّثنا الشرقي، حدّثنا محمد بن يحيى، حدّثنا ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب ونافع بن أيوب قالا: حدّثنا عقيل عن الزهري قال: من سنّة الصلاة أن تقرأ {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} في فاتحة الكتاب (فإن) لم يقرأ {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} لم يقرأ السورة.
وقال: إن أوّل من ترك {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} عمرو ابن سعيد بن العاص بالمدينة، واحتجّ من أنّ إتيان التسمية أنها من الفاتحة، والجهر بها في الصلاة بما أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل النيسابوري القطّان، حدّثنا محمد بن إبراهيم الجرجاني، حدّثنا إبراهيم بن عمّار عن سعيد بن أبي عروبة عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أنس بن مالك قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}.
وأخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن إسماعيل العماريّ، حدّثنا يزيد بن أحمد بن يزيد، حدّثنا أبو عمرو، حدّثنا محمد بن عثمان، حدّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يجهرون، ويخفون {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ}.
فعلم بهذا الحديث أنه لم ينفِ كون هذه الآية من جملة السورة، لكنه تعرّض لترك الجهر فقط، على أنه أراد بقوله: (لا يجهرون): أنهم لا يتكلفون في رفع الصوت ولم يرد الإسراء والتخافت أو تركها أصلا.
ويدل عليه ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد الحبيبي، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، حدّثنا محمد بن عبد السلام الوراق وعبد الله بن محمد بن عبد الرَّحْمن قالا: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا يحيى بن آدم، أخبرنا شريك، عن ياسر، عن سالم الأفطس، عن ابن أبي ليلى، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ب {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ} جهر بها صوته، فكان المشركون يهزؤون بمكّة ويقولون: يذكر إله اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، ويسمونه الرَّحْمن، فأنزل الله: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} فيسمع المشركون فيهزؤون، {وَلاَ تُخَافِتْ} عن أمتك ولا تسمعهم {وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً} [الإسراء: 110].
واحتجّوا أيضاً بما أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري، حدّثنا بشر ابن مطر عن سفيان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون القراءة ب {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين}، وإنما عنى بها أنهم كانوا يستفتحون الصلاة بسورة (الحمد)، فعبّر بهذه الآية عن جميع السورة كما يقول: قرأت {الحمد لله} و(البقرة)، أي سورة {الحمد لله} وسورة (البقرة).
.. أي رويناها نحكم على هذين الحديثين وأمثالهما وبالله التوفيق.
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}
... على نفسه، نعيماً منه على خلقه. ولفظه خبر ومعناه أمر، تقريره: قولوا: الحمد لله. قال ابن عباس: يعني: الشكر منه، وهو من الحمد.... والحمد لله نقيض الذم. وقال ابن الأنباري: هو مقلوب عن المدح كقوله: جبل وجلب، و: بض وضبّ.
واختلف العلماء في الفرق بين الحمد والشكر، فقال بعضهم: الحمد: الثناء على الرجل بما فيه من الخصال الحميدة، تقول: حمدت الرجل، إذا أثنيت عليه بكرم أو حلم أو شجاعة أو سخاوة، ونحو ذلك. والشكر له: الثناء عليه أو لآله.
فالحمد: الثناء عليه بما هو به، والشكر: الثناء عليه بما هو منه.
وقد يوضع الحمد موضع الشكر، فيقال: حمدته على معروفه عندي، كما يقال: شكرته، ولا يوضع الشكر موضع الحمد، فلا يقال: شكرته على علمه وحلمه.
والحمد أعمّ من الشكر؛ لذلك ذكره الله فأمر به، فمعنى الآية: الحمد لله على صفاته العليا وأسمائه الحسنى، وعلى جميع صنعه وإحسانه إلى خلقه.
وقيل: الحمد باللسان قولاً، قال الله: {وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الإسراء: 111]، وقال: {قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى} [النمل: 59] والشكر بالأركان فعلاً، قال الله تعالى: {اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً} [سبأ: 13].
وقيل: الحمد لله على ما حبا وهو النعماء، والشكر على ما زوى وهو اللأواء.
وقيل: الحمد لله على النعماء الظاهرة، والشكر على النعماء الباطنة، قال الله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].
وقيل: الحمد ابتداء والشكر....
حدّثنا الحسن بن محمد بن جعفر النيسابوري لفظاً، حدّثنا إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي، حدّثنا محمد بن علي الترمذي، حدّثنا عبد الله بن العباس الهاشمي، حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمرو (بن العاص) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده».
وحدّثنا الحسن بن محمد، أخبرنا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه، حدّثنا عبد الله بن محمود السعدي، حدّثنا علي بن حجر، حدّثنا شعيب بن صفوان عن مفضّل بن فضالة عن علي بن يزيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه سئل عن {الحمد لله} قال: كلمة شكر أهل الجنة.