فصل: سورة التين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.سورة التين:

مكية، وهي ثمانمائة وخمسون حرفاً، وأربع وثلاثون كلمة، وثماني آيات.
أخبرني أبو الحسين الخبازي غير مرّة قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن أبي ميثم الجرجاني وأبو الشيخ قال: حدّثنا أبو إسحاق بن ميثم بن شريك قال: حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أُمامة، عن أُبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والتين أعطاه الله سبحانه خصلتين: العافية واليقين ما دام في دار الدنيا، فإذا مات أعطاه الله سبحانه من الأجر بعدد من قرأ هذه السورة صيام يوم».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 8):

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}
{والتين والزيتون} قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي: هو تينكم هذا الذي تأكلون، وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا السُني قال: وجدت في كتاب أبي: حدّثنا القاسم بن أبي الحسين الزبيدي قال: حدّثنا سهل بن إبراهيم الواسطي، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدّثني الثقة عن أبي ذر قال: أُهدي للنبيّ صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: «كلوا، ثم قال: لو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت: هذه، لأنّ فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير، وتنفع من النقرس».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا يوسف بن أحمد أبو يعقوب قال: حدّثنا العباس بن أحمد بن علي قال: حدّثنا معلل بن نقيل الحداني قال: حدّثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، عن عبد الرحمن بن غنم قال: سافرت مع معاذ بن جبل، فكان يمرّ بشجرة الزيتون فيأخذ منها القضيب فيستاك به ويقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة، يطيّب الفم، ويذهب بالجفر» سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي مسواكي ومسواك الأنبياء قبلي».
وقال كعب الأحبار وقتادة وابن زيد وعبد الرحمن بن غنيم: التين: مسجد دمشق، والزيتون: بيت المقدس. عن الضحّاك: هما مسجدان بالشام. عن محمد بن كعب: التين: مسجد أصحاب الكهف، والزيتون: مسجد إيليا، ومجازه على هذا التأويل: منابت التين والزيتون. أبو مكين، عن عكرمة: جبلان. عن عطية، عن ابن عباس: التين: مسجد نوح الذي بناه على الجودي، والزيتون: بيت المقدس. عن نهشل، عن الضحّاك: التين: المسجد الحرام.
والزيتون: المسجد الأقصى.
وسمعت محمد بن عبدوس يقول: سمعت محمد بن الحميم يقول: سمعت الفرّاء يقول: سمعت رجلا من أهل الشام وكان صاحب تفسير قال: التين: جبال ما بين حلوان إلى همدان، والزيتون: جبال الشام.
{وَطُورِ سِينِينَ} يعني جبل موسى، قال عكرمة: السينين: الجسر بلغة الحبشة. الحكم والنضر عنه: كلّ جبل ينبت فهو طور سينين، كما ينبت في السهل كذلك ينبت في الجبل، وعن مجاهد: الطور الجبل، وسينين: المبارك. وعن قتادة: المبارك الحسن.
عن مقاتل: كل جبل فيه شجرة مثمرة فهو سينين وسينا وهو بلغة النبط. عن الكلبي: يعني الجبل المشجر. عن شهر بن حوشب: التين: الكوفة، والزيتون: الشام، وطور سينين: جبل فيه ألوان الأشجار.
قال عبد الله بن عمر: أربعة أجبال مقدّسة بين يدي الله سبحانه، طور تينا وطور زيتا وطور سينا وطور يتمانا، فأما طور تينا فدمشق، وأما طور زيتا فبيت المقدس، وأما طور سينا فهو الذي كان عليه موسى، وأما طور يتمانا فمكة.
أخبرنا أبو سفيان الحسين بن محمد بن عبد الله المقري قال: حدّثنا البغوي ببغداد قال: حدّثنا ابن أبي شيبة قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا وكيع عن أبيه وسفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو قال: سمعت عمر بن الخطاب يقرأ بمكة في المغرب: والتين والزيتون وطور سيناء، قال: فظننت أنه إنما يقرؤها ليعلم حرمة البلد.
{وهذا البلد الأمين} الآمن، يعني مكة، وأنشد الفرّاء:
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني ** حلفت يميناً لا أخون أميني

يريد آمني.
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل شي منكبّاً على وجهه إلاّ الإنسان. وقال أبو بكر بن ظاهر: مزيناً بالعقل، مؤدّباً بالأمر، مهذّباً بالتمييز، مديد القامة، يتناول مأكوله بيده.
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يعني إلى أرذل العمر، ينقص عمره ويضعف بدنه ويذهب عقله.
قال ابن عباس: إنّ نفراً ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عذرهم وأخبر أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم.
قال عكرمة: لم يضرّ هذا الشيخ الهرم كبره إذا ختم الله تعالى له بأحسن ما كان يعمل. قال أهل المعاني: السافلون: الضعفى والهرمى والزمنى، فقوله: {أسفل سافلين} نكرة تعمّ الجنس، كما تقول: فلان أكرم قائم، فإذا عرّفت قلت: القائمين.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن مهران قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفراي قال: حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا خالد الزيات قال: حدّثنا داوّد ابو سليمان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمّر بن حزم الأنصاري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالديه، فإن عمل سيئة لم تكتب عليه، ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم، أمر الله الملكين اللذين معه يحفظانه ويسدّدانه، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام آمنه الله سبحانه من البلايا الثلاث: من الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه فيما يحب، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفّعه في أهل بيته، وكان اسمه أسير الله في الأرض، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً، كتب الله سبحانه له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه».
وقال الحسن ومجاهد وقتادة: يعني ثم رددناه إلى النار. وقال أبو العالية: يعني إلى النار في شر صورة، في صورة خنزير.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثنا أحمد بن حواس قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن علي قال: أبواب جهنم بعضها أسفل من بعض، فيبدأ بالأسفل فيُملأ، فهي أسفل السافلين، وفي مصحف عبد الله، {أسفل السافلين} بالألف. ثم استثنى فقال: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يعني ثم رددناه أسفل سافلين، فزالت عقولهم وانقطعت أعمالهم، فلا تثبت لهم حسنة {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} منهم، فأنه يكتب لهم في حال هرمهم وخرفهم مثل الذي كانوا يعملونه في حال شبابهم وصحتهم وقوّتهم، فذلك قوله سبحانه {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قال الضحّاك: أجر بغير عمل، ثم قال: إلزاماً للحجة وتوبيخاً للكافر.
{فَمَا يُكَذِّبُكَ} أيها الإنسان بعد هذه الحجة والبرهان {بالدين} بالحساب والجزاء.
{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} قال قتادة: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: «بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين».

.سورة العلق:

مكية، وهي مائتان وثمانون حرفاً، واثنتان وسبعون كلمة، وتسع عشرة آية.
أخبرنا الخبازي قال: حدّثنا ابن حيّان قال: أخبرنا الفرقدي قال: حدّثنا إسماعيل بن عمرو قال: حدّثنا يوسف بن عطية قال: حدّثنا هارون بن كثير قال: حدّثنا زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أُمامة، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {اقرأ باسم ربّك} فكأنّما قرأ المفصّل كله».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)}
{اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ} أي الدم، واحدتها علقة، وإنما جمع ولفظ الإنسان واحد، لأنه في معنى الجمع، وهذه أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، وأول ما نزل منها خمس آيات من أولها إلى قوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وعلى هذا أكثر العلماء.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون وعبد الله بن حامد قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني عروة عن عائشة أنها قالت:أوّل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب الله إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد في الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده بمثلها، حتى فجأه الحق، وهو في غار حراء.
قال: فجاءه الملك وقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقلت له: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقاري، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، حتى بلغ، ما لم يعلم».
فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زمّلوني زمّلوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: «يا خديجة مالي؟» وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت عليّ؟ قالت له: كلاّ ابشر، فوالله لا يحزنك الله، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتُقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي، وهو ابن عم خديجة، وكان امرأً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة بن نوفل: يا بن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أُنزل على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أومخرجي هم؟»، فقال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئتَ به إلاّ عُوديَ وأُوذيَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزّراً، ثم لم ينشب ورقة ان توفي وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منها تبدّى له جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد إنك رسول الله حقاً، فيسكن بذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا بمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبرائيل فقال له مثل ذلك.
قال الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحدّث عن فترة الوحي فقال في حديثه: «فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسيّ بين السماء والأرض، فجثيت منه رعباً، فرجعت فقلت: زمّلوني، زمّلوني، فدثّروني» وأنزل الله سبحانه {ياأيها المدثر} [المدثر: 1] إلى قوله سبحانه {والرجز فاهجر} [المدثر: 5]. قبل: أن تفرض للصلاة، وهي الأوثان، ثم كان ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن بعد اقرأ والمدثر، {ن والقلم} [القلم: 1] إلى قوله: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ثم {والضحى} [الضحى: 1].
أخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم، عن ابن جرير قال: حدّثنا ابن أبي الشوارب قال: حدّثنا عبد الواحد قال: حدّثنا سليمان الشيباني قال: حدّثنا عبد الله بن شداد قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {اقرأ باسم رَبِّكَ}، ثم أبطأ عليه جبرائيل، فقالت له خديجة: ما أرى إلاّ قد قلاك، فأنزل الله سبحانه {والضحى * والليل إِذَا سجى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} [الضحى: 1-3].
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن بشير قال: حدّثنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: إن أول سورة نزلت {اقرأ باسم رَبِّكَ}.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا علي بن حرب قال: حدّثنا أبو عامر العقدي، عن قرّه بن خالد، عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى يُقرئُنا القرآن في هذا المسجد فنقعد له حلقاً حلقاً، كأني أنظرُ إليه الآن في ثوبين أبيضين، فعنه أخذتُ هذه السورة: {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ}.
وقال: كانت أول سورة نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب.
أخبرنا محمد بن حمدويه وعبد اللّه بن حامد قالا: حدّثنا محمد قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدّثنا يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: «إني إذا خلوت وحدي سمعتُ نداءً وقد واللّه خشيتُ أن يكون هذا أمراً».
فقالت: معاذ اللّه، ما كان اللّه عزّ وجلّ ليفعل بك ذاك، فواللّه إنّك لتؤدّي الأمانة وتصل الرحم وتصدّق الحديث.
فلمّا دخل أبو بكر رضي الله عنه وليس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الدار ثم ذكرت خديجة له وقالت: يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل، فلمّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده وقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال: «من أخبرك؟» فقال: خديجة. فانطلقا إليه فقصّ عليه فقال: «إذا خلوت وحدي سمعت نداءً خلفي: يا محمد يا محمد فأنطلق هارباً في الأرض».
فقال له: لا تفعل، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني، فلمّا خلا ناداه يا محمد قل: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ * الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [الفاتحة: 1-2] حتّى بلغ {وَلاَ الضآلين} [الفاتحة: 7] قل: لا إله إلاّ اللّه، فأتى ورقة فذكر ذلك له، فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنّك الذي بشّر به ابن مريم، وأنّك على مثل ناموس موسى، وأنّك نبي مرسل، وأنّك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدنّ معك، فلمّا توفي ورقة قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت القس في الجنة، عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدّقني».
يعني ورقة، قالوا: وقال ورقة:
فإن يك حقاً يا خديجة فاعلمي ** حديثك إيّانا فأحمد مرسلُ

وجبريل يأتيه وميكال معْهما ** من اللّه وحيٌ يشرح الصدر منزل

يفوز به من فاز عزٌ لدينه ** ويشقى به الغاوي الشقيّ المضلل

فريقان منهم فرقة في جنانه ** وأُخرى بأغلال الجحيم تغلغل

{اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم} قال الكلبي: يعني الحليم عن جهل العبادة ولا يعجل عليهم بالعقوبة {الذى عَلَّمَ بالقلم} يعني الخط والكتاب.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا محمد بن أيوب بن هشام المزني قال: حدّثنا أبو الحسن عاصم بن علي بن عاصم وعبد اللّه بن عاصم الجماني قالا: حدّثنا محمد بن راشد عن مسلم بن موسى قال: أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عمر بن العاص قال: قلت: يا نبي اللّه أكتب ما أسمع منك من الحديث؟ قال: «نعم، فاكتب فإنّ اللّه علّم بالقلم».