فصل: سورة العاديات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.سورة العاديات:

مكّيّة، وهي مائة وثلاثة وستون حرفاً، وأربعون كلمة، وإحدى عشرة آية.
أخبرنا الخبازي قال: حدّثنا ابن حبيش قال: أخبرنا أبو العباس الدقّاق قال: حدّثنا عبد اللّه بن روح قال: حدّثنا شبابة قال: حدّثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن يزيد عن زر عن أبي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة العاديات أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعاً».
بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)}
{والعاديات ضَبْحاً} قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وأبو العالية والربيع وعطية وقتادة ومقاتل وابن كيسان: هي الخيل التي تعدو في سبيل اللّه وتضبح وهو صوت أنفاسها إذا أجهدت في الجري فيكثر الربو في أجوافها من شدة العدو، قال ابن عباس: ليس شيء من الدواب يضج غير الفرس والكلب والثعلب.
قال أهل اللغة: أصل الضبح والضباح للثعالب فاستُعير في الخيل، وهو من قول العرب: ضبحته النار إذا غيّرت لونه، وإنّما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيّرت حالها من تعب أو فزع أو طمع، ونصب قوله: {ضَبْحاً} على المصدر ومجازه: والعاديات تضبح ضبحاً قال الشاعر:
لستُ بالتُبِّع اليماني إن لم ** تضبح الخيل في سواد العراقِ

وقال آخر:
والعاديات أسابي الدماء بها ** كأن أعناقها أنصاب ترجيب

يعني الخيل.
قال مقاتل: بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سرية إلى حي من كنانة واستعمل عليهم المنذر بن عمر الأنصاري أحد النقباء فتأخر خبرهم، وقال المنافقون: قتلوا جميعاً فأخبره اللّه سبحانه عنها فقال: {والعاديات ضَبْحاً} يعني تلك الخيول غدت حتى ضبحت، وهو صوت ليس بصهيل ولا حمحمة، وقال الحكماء: هو تقلقل الجرذان في القُنب. وقيل: هو صوت إرخاء مشافرها إذا عدت، قال أبو الضحى: وكان ابن عباس يقول: ضباحها أُج أُج. وقال قوم: هي الإبل.
أنبأني عبد اللّه بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي سعيد قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدّثنا مروان بن معاوية قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله سبحانه: {والعاديات ضَبْحاً} قال: ما رأى فيه عكرمة؟ فقال عكرمة: قال ابن عباس: هي الخيل في القتال، فقلت أنا: قال علي: هي الإبل في الحجّ، وقلت: مولاي أعلم من مولاك.
وقال الشعبي تمارى علي بن عباس في قوله: {والعاديات ضَبْحاً} فقال ابن عباس: هي الخيل، ألا تراه يقول: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} فهل تُثير إلاّ بحوافرها، وهل تضبح الإبل؟ وإنما تضبح الخيل، فقال علي: ليس كما قلت لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلاّ فرس أبلق للمقداد بن الأسود. وفي رواية أُخرى وفرسٌ لمرثد بن أبي مرثد الغنوي.
وأخبرني عقيل بن أبي الفرج، أخبرهم عن أبي جرير قال: حدّثني يونس قال: أخبرنا بن وهب قال: حدّثنا أبو صخر عن أبي لهيعة البجلي عن سعيد بن حسين عن ابن عباس حدّثه قال: بينما أنا في الحجر جالس أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحاً، فقال له: الخيل حين تغير في سبيل اللّه ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم، فانفتل عني وذهب إلى علي بن أبي طالب وهو تحت سقاية زمزم وسأله عن العاديات ضبحاً فقال: «سألت عنها أحداً قبلي».
قال: نعم، سألت عنها ابن عباس وقال: هي الخيل تغير في سبيل اللّه قال: «اذهب فادعه لي»، فلمّا وقف على رأسه قال: «تفتي الناس بما لا علم لك به، واللّه إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلاّ فَرَسان: فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات الخيل، بل العاديات ضبحاً الإبل من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى مِنى».
قال ابن عباس: فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي، وإلى قول علي ذهب ابن مسعود ومحمد بن عمير ومحمد بن كعب والسدي.
وقال بعضهم: من قال: هي الإبل قال ضبحاً يعني ضبعاً بمدّ أعناقها في السير وضبحت وضبعت بمعنى واحد، قالت صفية بنت عبد المطّلب:
فلا والعاديات غداة جمع ** بأيديها إذا سطع الغبار

{فالموريات قَدْحاً} قال عكرمة وعطاء والضّحاك: هي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة والأرض المحصبة.
وقال مقاتل والكلبي: والعرب تُسمي تلك النار نار أبي حباحب.
وكان أبي حباحب شيخاً من مُضر في الجاهلية وكان من أبخل الناس، وكان لا يوقد ناراً لخبز ولا غيره حتى تنام كل ذي عين، فإذا نام أصحابه وقَدَ نويرة تقد مرّة وتخمد مرّة، فإذا استيقظ بها أحد أطفأها كراهية أن ينتفع بها أحد، فشبّهت العرب هذه النار بناره، أي لا ينتفع به كما لا يُنتفعُ بنار أبي حباحب.
ومجاز الآية: والقادحات قدحاً فخالف بين الصدر والمصدر. وقال قتادة: هي الخيل تهيج للحرب ونار العداوة بين أصحابها وفرسانها.
وروى سعيد بن حسن عن ابن عباس قال: هي الخيل تغير في سبيل اللّه ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم.
مجاهد وزيد بن أسلم: هي مكر الرجل والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر لصاحبه قال: أما واللّه لأقدحنّ لك ثم لأُورينَّ لك.
سعيد بن جُبير: يعني رجال الحرب. عكرمة: هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلّم به.
ابن جريج عن بعضهم: فالمنجّحات عملا كنجاح الوتد إذا أُوريَّ. محمد بن كعب: هي النيران بجمع.
{فالمغيرات صُبْحاً} يعني الخيل، تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح، هذا قول أكثر المفسّرين.
قال القرظي: هي الأبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى، والسنّة أن لا يدفع حتى يصبح، والإغارة سرعة السير، ومنه قولهم: أشرق ثبير كما نغير.
{فَأَثَرْنَ} فيهيَّجنَ. وقرأ أبو حيوة فأثرن بالتشديد من التأثير به أي بذلك المكان الذي انتهين إليه كناية عن غير مذكور؛ لأن المعنى مفهوم مشهور.
{نَقْعاً} أي غباراً {فَوَسَطْنَ بِهِ} أي دخلن به وسطهم يقال: وسطت القوم، بالتخفيف، ووسطّتهم بالتشديد، وتوسطتهم كلّها بمعنى واحد، وقرأ قتادة فوسّطن، بالتشديد {جَمْعاً} أي جمع العدو وهم الكتيبة، وقال القرظي: يعني جمع منى.

.تفسير الآيات (6- 11):

{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}
{إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع: لكفور جحود لنِعم اللّه تعالى. قال الكلبي: هو بلسان كندة وحضرموت، وبلسان معد كلهم: العاصي، وبلسان مضر وربيعة وقضاعة: الكفور، وبلسان بني مالك البخيل.
وروى شعبة عن سماك أنه قال: إنما سميت كندة؛ لأنها قطعت أباها.
وقال ابن سيرين: هو اللوّام لربه. وقال الحسن: هو الذي يعدّ المصائب وينسى النعم، أخذه الشاعر فقال:
يا أيها الظالمُ في فعله ** والظلم مردودٌ على من ظَلَمْ

إلى متى أنت وحتى متى ** تشكو المصيبات وتنسى النِّعم

وأخبرنا أبو القمر بن حبيب في صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعد الرازي قال: حدّثنا العباس بن حمزة قال: حدّثنا أحمد بن محمد قال: حدّثنا صالح بن محمد قال: حدّثنا سلمة عن جعفر بن الزبير عن القميّ عن أبي أمامة عن رسول اللّه عليه السلام في هذه الآية: {إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} قال رسول اللّه عليه السلام: «أتدرون ما الكنود؟»، فقالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «الكنود قال: هو الكفور الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده».
وقال عطاء: الكنود الذي لا يعطي في النائبة مع قومه. وقال أبو عبيدة: هو قليل الخير، والأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً قال أبو ذبيان:
إن نفسي ولم أطب عنك نفساً ** غير أنّي أُمنى بدهر كنود

وقال الفضيل بن عياض: الكنود الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة.
وقال أبو بكر الورّاق: الكنود الذي يرى النعمة من نفسه وأعوانه. محمد بن علي الترمذي: هو الذي يرى النعمة ولا يرى المنعم، وقال أبو بكر الواسطي: هو الذي ينفق نعم اللّه سبحانه في معاصي اللّه، وقال بسّام بن عبد اللّه: هو الذي يجادل ربّه على عقد العوض. ذو النّون: تفسير الهلوع والكنود قوله: {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} [المعارج: 20-21].
وقيل: هو الذي يكفر باليسير ولا يشكر الكثير، وقيل: الحقود، وقيل: الحسود. وقيل: جهول القدر. وفي الحكمة من جهل قدره هتك ستره. وقال بعضهم والحسن: رأسه على وسادة النعمة وقلبه في ميدان الغفلة. وقيل: يرى ما منهُ ولا يرى ما إليه، وجمع الكنود كُند. قال الأعشى:
أحدث لها تحدث لوصلك أنّها ** كند لوصل الزائر المعتاد

{وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} قال أكثر المفسّرين: وإن اللّه على كنود هذا الإنسان وصنيعه لشاهد، وقال ابن كيسان: ال هاء راجعة إلى الإنسان، يعني أنّه شاهد على نفسه بما يصنع، {وَإِنَّهُ} يعني الإنسان {لِحُبِّ الخير} أي المال.
وقال ابن زيد: سمّى اللّه المال خيراً وعسى أن يكون خبيثاً وحراماً ولكن الناس يعدّونه خيراً فسمّاه اللّه خيراً؛ لأن الناس يسمّونه خيراً وسمي الجهاد سوءاً فقال: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء} [آل عمران: 174] أي قتال. وليس هو عند اللّه بسوء ولكن سمّاه اللّه سوءاً؛ لأنّ الناس يسمّونه سوءاً.
ومعنى الآية وإنه من أجل حبّ المال {لَشَدِيدٌ} بخيل، ويقال للبخيل: شديد ومتشدّد، قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ** عقيلة مال الفاحش المتشدّد

والفاحش: البخيل أيضاً قال اللّه سبحانه: {وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء} [البقرة: 268] أي البخل، وقيل: معناه: وإنّه لحب الخير لقويّ، وقال الفرّاء: كان موضع الحب أن يكون بعد شديد وأن يضاف شديد إليه فيقال: وإنّه لشديد الحبّ للخير، فلمّا يقدم الحبّ قبل شديد وحذف من آخره لمّا جرى ذكره في أوله، ولرؤوس الآيات كقوله سبحانه: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18] والعصوف لا يكون للأيّام إنّما يكون للريح، فلمّا جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره كأنه قيل: في يوم عاصف الريح.
{أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ} يُحث وأثير، قال الفرّاء: وسمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ: بُحثر بالحاء وقال: هما لغتان.
{مَا فِي القبور} فأُخرجوا منها {وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور} أي مُيَّز وأُبرز ما فيها من خير أو شرّ، وقرأ عبيد بن عمير وسعيد بن جُبير حَصَل بفتح الحاء وتخفيف الصاد أي ظهر.
{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ} جمع الكناية لانّ الإنسان اسم الجنس.
{يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} عالم، والقراءة بكسر الألف لأجل اللام، ولولاها لكانت مفتوحة بوقوع العلم عليها. وبلغني أن الحجاج بن يوسف قرأ على المنبر هذه السورة يحضُّ الناس على الغزو فجرى على لسانه: أنّ ربهم بفتح الألف ثم استدركها من جهة العربية فقال: خبير، وأسقط اللام.

.سورة القارعة:

مكّيّة، وهي مائة واثنان وخمسون حرفاً، وست وثلاثون كلمة، وإحدى عشرة آية.
أخبرني ابن المقري قال: أخبرنا ابن مطر قال: حدّثنا ابن شريك قال: حدّثنا ابن يونس قال: حدّثنا ابن سليم قال: حدّثنا ابن شبر عن ابن أسلم عن أبيه عن أبي أُمامة عن أُبيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القارعة ثقَّل اللّه سبحانه بها ميزانه يوم القيامة».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآيات (1- 11):

{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}
{القارعة * مَا القارعة * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة * يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث} وهي الطير التي تتساقط في النار، المبثوث: المتفرّق. قال الفرّاء: الغوغاء: الجراد يركب بعضه بعضاً من الهول.
{وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} كالصوف المصبوغ المبلل.
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} مرضيّة في الجنة.
{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} مسكنه ومأواه النار. قال قتادة: هي كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قال: هوت أُمّه، وقال بعضهم: أرَادَ أُمّ رأسه، يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح.
{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} أي مَنْ؟ فقال: {نَارٌ حَامِيَةٌ}.
وأخبرنا ابن حامد قال حدّثنا صالح بن محمد قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد عن جعفر ابن زيد عن أنس بن مالك قال: إن ملكاً من ملائكة اللّه عزّ وجلّ موكّل يوم القيامة بميزان ابن آدم، فيجاء به حتى يوقف بين كفتي الميزان، فيوزن عمله فإنْ ثقل ميزانه نادى الملائكة بصوت يسمع جميع الخلق باسم الرجل: ألا سَعُدَ فلان سعادة لا شقاوة بعدها، وإن خفّت موازينه ينادي الملائكة: ألا شقيَ فلان شقاوة لا سعادة بعدها.

.سورة التكاثر:

مكّيّة، وهي مائة وعشرون حرفاً، وثمان وعشرون كلمة، وثماني آيات.
أخبرني محمد بن القثم قال: حدّثنا محمد بن مطر قال: حدّثنا إبراهيم بن شريك قال: حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: «من قرأ {ألهاكم التكاثر} لم يحاسبه بالنعيم الذي أنعم عليه في دار الدنيا، وأُعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآيات (1- 8):

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
{أَلْهَاكُمُ التكاثر} يقول: شغلتكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربّكم وما ينجيكم من سخطه عليكم {حتى زُرْتُمُ المقابر} أي مُتُّم فدفنتم فيها.
قال قتادة: نزلت في اليهود قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضُلاّلا. وقال ابن بريدة: نزلت في فخذ من الأنصار تفاخروا. مقاتل والكلبي: نزلت في حيّين من قريش: بني عبد مناف وبني قصي، وبني سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب، كان بينهم لحاء فتعادّوا السادة والأشراف أيّهم أكثر فقال بنو عبد مناف: نحن أكثر سيّداً وأعزّ عزيزاً وأعظم نفراً وأكثر عدداً.
وقال بنو سهم مثل ذلك فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا: نعدّ موتانا حتى زاروا القبور فعدّوهم، وقالوا: هذا قبرُ فلان وهذا قبرُ فلان، فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات؛ لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر، وأبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحبربان قالا: أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد بن سفيان قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مسيّب قال: حدّثنا النضر بن شميل قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن مطرف بن عبد اللّه عن النخير عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول اللّه عليه السلام وهو يقرأ هذه الآية: {أَلْهَاكُمُ التكاثر} قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت».
وروى زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال: ما زلنا نشكّ في عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التكاثر} إلى {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يعني في القبر.
{كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعيد لهم {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} والتكرير على التأكيد، وقال الضحّاك: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يعني الكفّار {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يعني المؤمنين، وكذلك كان يقرأها: الأُولى بالتاء والثانية بالياء ثم {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} أي علماً يقيناً فأضاف العلم إلى اليقين لقوله سبحانه: {إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين} [الواقعة: 95] قال قتادة: كنّا نحدّث أن علم اليقين أن يعلم أن اللّه باعثه بعد الموت.
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} يصلح أن يكون في معنى المضي جواباً ل {لو}، تقديره: لو تعلمون العلم اليقين لرأيتم الجحيم بقلوبكم، ثم رأيتموها بالعين اليقين.
وقيل: معناه لو تعلمون علم اليقين لشغلكم عن التكاثر والتفاخر، ثم استأنف {لَتَرَوُنَّ الجحيم} على نيّة القَسَم، وإلى هذا ذهب مقاتل، وقيل: معناه: لو علمتم يقيناً أنكم ترون النار لشغلكم ذلك عما أنتم فيه.
وقيل: ذكر {كلاّ} ثلاث مرّات أرادَ: تعلمون عند النزوع، وتعلمون في القبر، وتعلمون في القيامة، ثم ذكر في الثالثة علم اليقين؛ لأنّه صار عياناً ما كان مُغيّباً.
وقراءة العامّة لتُرونّ بضم التاء في الحرفين، وضَمَّ الكسائي التاء في الأُولى منهما وفتح الأُخرى، ورواه عن علي رضي الله عنه.
أخبرنا محمد بن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء قال: أخبرني محمد بن الفضل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قرأ {لَتَرَوُنَّ الجحيم * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا} بضم التاء الأُولى وفتح الثانية، وقال الفرّاء: الأول أشبه بكلام العرب؛ لأنّه تغليظ فلا ينبغي أن يختلف لفظه.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} اختلفوا فيه وأكثروا، فأخبرنا أبو علي الحسين بن محمد ابن علي بن إبراهيم السراج بقراءتي عليه في الجامع يوم الجمعة في المحرم سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن علي بن مهران الخشّاب، قال حدّثنا علي بن سعيد العسكري قال: حدّثنا الحسين بن معاذ الأخفش مُستملي أبي حفص الفلاس قال: حدّثنا إبراهيم ابن أبي سويد الذارع قال: حدّثنا سويد أبو حاتم عن قتادة عن عبد اللّه بن سفيان عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال: «عن الماء البارد».
وحدّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين بن القيّم الحسني السُّني قال: حدّثنا أحمد ابن علي بن مهدي بن صدقة بالرملة قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا علي بن موسى الرضا قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد قال: حدّثني أبي محمد بن علي، قال حدّثني أبي علي بن الحسين قال: حدّثني أبي الحسين بن علي قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه عليه السلام في قول سبحانه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال: «الرطب والماء البارد».
وقال عبد اللّه بن عمر: هو الماء البارد في الصيف، ودليل هذا التأويل الخبر المأثور: أن أول ما يسأل اللّه سبحانه العبد يوم القيامة أن يقول له: ألم أصحّ جسمك وأروك من الماء البارد.
وقال أنس بن مالك: ضاف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المقداد بن الأسود فقدم إليه طعاماً فأكله ثم سقاه ماءً بارداً فاستطابه وقال: «يا بردها على الكبد»، ثم قال: «إذا شرب أحدكم الماء فليشرت أبرد ما يقدر عليه» قيل ولم؟ قال «أطيب للمعدة، وأنفع للعلّة، وأبعث على الشكر».
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا زكريّا العنبري يقول: سمعت أبا العباس الأزهري يقول: سمعت أبا حاتم يقول: الماء البارد العذب يستخرج الحمد من جوف القلب.
وقال مالك بن دينار: قال رجل للحسن: إنّ لنا جاراً لا يأكل الفالود ويقول: لا أقوم بشكره، فقال: ما أجهل جاركم بنعمة اللّه عليه بالماء البارد أكثر من نعمة بجميع الحلاوي!
وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن أحمد بن محمد الرومي قال: حدّثنا أبو حفص محمد بن حفص البصري قال: حدّثنا عبد اللّه بن سلمة بن عياش قال: حدّثنا الأشعث بن نزار عن قتادة عن عبد اللّه بن شقيق عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام في قول اللّه جلّ ثناؤه {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال: «من أكل خبز البُرّ، وشرب الماء المبرّد، وكان له ظل، فذلك النعيم الذي يُسأل عنه».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا بن مالك قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثني الوليد بن شجاع قال: حدّثنا محمد بن سعيد الأصبهاني عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال: «الأمن والصحة».
وأخبرني بن فنجويه قال: حدّثنا ابن برزة قال: حدّثنا محمد بن غالب بن حرب قال: حدّثني زكريّا بن يحيى الرقاشي المنقري قال: حدّثنا عبد اللّه بن عيسى بن خلف قال: حدّثنا يونس بن عبد عن عكرمة عن ابن عباس أنّه سمع عمر بن الخطاب يقول: خرج علينا رسول اللّه عليه السلام عند الظهيرة فوجد أبا بكر في المسجد فقال: «يا أبا بكر ما أخرجك في هذه الساعة؟» قال: يا رسول اللّه أخرجني الذي أخرجك.
قال: وجاء عمر فقال له رسول اللّه: «يا أبا الخطّاب ما أخرجك؟» قال: يا رسول اللّه الذي أخرجكما. وقعد معهما عمر قال: فأقبل رسول اللّه عليه السلام يحدّثهما ثم قال: «هل لكما من قوّة فتنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعاماً وشراباً وظلاًّ؟» قلنا: نعم، قال: «مرّوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري» فتقدّم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين أيدينا فاستأذن وسلّم عليهم ثلاث مرّات، وأُمّ الهيثم تسمع الكلام من وراء الباب، وتريد أن يزيدهم رسول اللّه عليه السلام، فلمّا أراد رسول اللّه عليه السلام أن ينصرف خرجت أُمّ الهيثم تسعى خلفهم فقالت: يا رسول اللّه لقد سمعت تسليمك ولكنّي أردت أن تزيدنا من سلامك.
فقال لها رسول اللّه عليه السلام: «أين أبو الهيثم؟» قالت: يا رسول اللّه هو قريب، ذهب يستعذب لنا من الماء، ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء اللّه.
وبسطت لهم بساطاً تحت شجرة حتى جاء أبو الهيثم، ففرح بهم أبو الهيثم وقرّت عينه، وصعد أبو الهيثم على نخلة يصرم لهم عذقاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبك يا أبا الهيثم» قال: يا رسول اللّه تأكلون من بسره ومن رطبه وتذنوبه ثم أتاهم فشربوا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا من النعيم الذي تُسألون عنه».
ثم قام أبو الهيثم إلى شاة لهم ليذبحها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياك واللبون» وقامت أُمّ الهيثم تعجن لهم وتخبز فوضع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رؤوسهم للقائلة، فانتبهوا وقد أدرك طعامهم فوضع بين أيديهم الطعام فأكلوا وشبعوا وحمدوا اللّه عزّ وجلّ، ثم ردّ عليهم أبو الهيثم بقية الأعذاق فأكلوا من رطبه ومن تذنوبه فسلّم عليهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ودعا لهم بخير.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا منصور بن أبي مزاحم قال: حدّثنا أبو سعيد المؤذّن وهو محمد بن مسلم بن أبي للوضّاح عن محمد بن عمر عن صفوان بن سليم عن محمود بن لبيد قال: لمّا نزلت هذه الآية: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قالوا: يا رسول اللّه عن أيّ نعيم نُسأل وإنّما هما هذان الأسودان التمر والماء، وسيوفنا على عواتقنا؟ قال: «إنّ ذاك لكائن».
وأخبرنا الفنجوي قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عنّان قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم قال: أخبرنا يوسف ابن أخت ابن سيرين عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول اللّه سبحانه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال: «ناس من أُمّتي يعقدون السمن والعسل بالنقي فيأكلونه».
وأخبرنا بن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه قال: أخبرنا هيثم قال: أخبرنا منصور بن زاذان عن ابن سيرين عن ابن عمر قال: لا يدخل الحمّام فإنّه ممّا أحدثوا من النعيم، قال: وكان منصور لا يدخل الحمّام.
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدّثنا محمود بن الفرج قال: حدّثنا ابن أبي الشوارب قال: حدّثنا أبو عوانة عن ابراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن اللّه سبحانه ليعدد نعمه على العبد في المصدر: يوم القيامة حتى يعد عليه: سألتني فلانة أن أزوجكها، يسمّيها باسمها فزوجتكها».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا بن صقلاب قال: حدّثنا ابن أبي الخصيب قال: حدّثني محمد بن عيسى قال: حدّثنا فضل بن سهل قال: حدّثنا حفص بن عمر قال: حدّثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال:
لمّا نزلت {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قالت الصحابة: يا رسول اللّه وأي نعيم نحن فيه. وإنما نأكل في أنصاف بطوننا الشبع؟ فأوحى اللّه سبحانه إلى نبيّه: قل لهم: «أليس تحتذون النعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم».
وأخبرني ابن فنجويه قال حدّثنا أبو زرعة الرازي قال: حدّثنا أبو الحسن الأشناني القاضي قال: حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد الخراز قال: حدّثني أبي قال: حدّثني محمد بن مروان عن أبان بن تغلب عن أنس بن مالك قال: لما نزلت {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} جاء رجل محتاج فقال: يا رسول اللّه هل عليّ من النعمة شيء؟ قال: «نعم، النعلان، والظل، والماء البارد».
وأخبرنا محمد بن محمد بن هانئ قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن محمد الرواساني قال: حدّثنا أبو سعيد الأشجّ قال: حدّثنا ابن نمير عن ابن جريج عن مجاهد {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال: عن كل لذّة من لذات الدنيا.
وأنبأني عبد اللّه بن حامد، قال: أخبرنا محمد بن الحسن قال: حدّثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى قال: حدّثنا يحيى بن يحيى قال: حدّثنا أبو عامر بن أُساف اليمامي عن يحيى وهو عبد لابن أبي كثير قال: قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم {أَلْهَاكُمُ التكاثر} على أصحابه فلمّا بلغ {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال: «هل تدرون ما ذاك النعيم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «بيت يقلّك، وخرقة تواري عورتك، وكسرة تشدُ بها صلبك ما سوى ذلك نعيم».
وأخبرنا عبد اللّه بن حامد إجازة قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى المكّي قال: حدّثني أبو بكر محمد بن جعفر المقري بشمشاط قال: حدّثنا أحمد بن سفيان بن علقمة بن عبد اللّه المقدمي قال: حدّثنا عمرو بن خالد قال: حدّثنا النضر بن عربي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم {أَلْهَاكُمُ التكاثر} قال: «تكاثر الأموال: جمعها من غير حقّها، ومنعها عن حقّها، وشدّها في الأوعية، {حتى زُرْتُمُ المقابر} حتى دخلتم قبوركم {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} لو قد دخلتم قبوركم {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} لو قد تطايرت الصُحف فشقيٌّ وسعيد {لَتَرَوُنَّ الجحيم} {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} قال: وذلك حين يؤتى بالصراط فينصب بين حفرتي جهنم {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} قال عن خمس: عن شبع البطون، وبارد الشراب، ولذّة النوم، وظلال المساكن، واعتدال الخلق».
وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد اللّه قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه قال: حدّثنا الحسن بن زياد قال: حدّثنا أبو خلد الأحمر عن مفضل عن مغيرة عن إبراهيم قال: من أكل فسمّى اللّه وفرغ فحمد اللّه لم يسئل عن نعيم ذلك الطعام.
وقال ابن عباس: النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار، قال: يسأل اللّه العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله سبحانه: {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36]، أبو جعفر: العافية.
وأنبأني عقيل قال: أخبرنا المعافى قال: أخبرنا ابن جرير قال: أخبرنا بن حميد قال: حدّثنا مهران عن إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن الحرث التميمي عن ثابت البناني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النعيم المسؤول عنه يوم القيامة: كسرة تقوّيه، وماء يرويه، وثوب يواريه».
وبه عن مهران عن سفيان عن بكر بن عتيق العامري قال: أُتي سعيد بن جبير بشربة عسل فقال: أما إنّ هذا من النعيم الذي يُسئل عنه.
وقال محمد بن كعب: يعني عمّا أنعم عليكم بمحمد عليه السلام، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل: 83]، عكرمة: عن الصحة والفراغ.
سعيد بن جبير: عن الصحة والفراغ والمال، ودليله ما روى ابن عباس عن النبي عليه السلام أنّه قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
وقال عروة بن محمد: كنّا مع وهب بن منبه فرأينا رجلا أصمّ أعمى مقعداً مجذوماً مصاباً فقلنا: هل بقي على هذا شيءٌ من النعيم؟ قال: نعم، أعظمه بشبعه ما يأكل ويشرب ويسهل عليه إذا خرج لذلك.
قال بكر عن عبد اللّه المزني: يالها من نعمة يأكل لذّة ويخرج سرجاً. أبو العالية: عن الإسلام والستر. الحسين بن الفضل: تخفيف الشرايع وتيسير القرآن. أبو بكر الورّاق: عن الآلاء والنعماء.