فصل: تفسير الآيات (2- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (2- 3):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}
في إعراب {الحمد للَّهِ}
وقد اختلف القرّاء في قوله: {الحمد للَّهِ}، فقرأت العامّة بضمّ الدال على الابتداء، وخبره فيما بعده. وقيل: على التقديم والتأخير، أي لله الحمد.
وقيل: على الحكاية. وقرأ هارون بن موسى الأعور ورؤبة بن العجاج بنصب الدال على الإضمار، أي أحمد الحمد؛ لأن الحمد مصدر لا يثنّى ولا يجمع. وقرأ الحسن البصري بكسر الدال، أتبع الكسرة الكسرة. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة الشامي بضم الدال واللام، أتبع الضمة الضمّة.
{رَبِّ العالمين} قرأ زيد بن علي: {رَبَّ العالمين} بالنصب على المدح، وقال أبو سعيد ابن أوس الأنصاري: على معنى أحمد ربّ العالمين. وقرأ الباقون {رَبِّ العالمين} بكسر الباء، أي خالق الخلق أجمعين ومبدئهم ومالكهم والقائم بأمورهم، والرب بمعنى السيّد، قال الله تعالى: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] أي سيّدك، قال الأعشى:
واهلكن يوماً ربّ كندة وابنه ** وربّ معبين خبت وعرعر

وربّ عمر والرومي من رأس حضية ** وأنزلن بالأسباب رب المشقرة

يعني: رئيسها وسيّدها.
ويكون بمعنى المالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربُّ إبل أنت أم رب غنم؟». فقال: من كل قد آتاني الله فأكثر وأطنب وقال طرفة:
كقنطرة الرومي أقسم ربها ** لتكتنفنّ حتى تشاد بقرمد

وقال النابغة:
وإن يك ربّ أذواد فحسبي ** أصابوا من لقائك ما أصابوا

ويكون بمعنى الصاحب، قال أبو ذؤيب:
فدنا له رب الكلاب بكفّه ** بيض رهاب ريشهن مقزع

ويكون بمعنى المرعى، يقول: ربّ يربّ ربابة وربوباً، فهو ربّ، مثل برّ وطب، قال الشاعر:
يربّ الذي يأتي من العرف إنه ** إذا سئل المعروف زاد وتمّما

ويكون بمعنى المصلح للشيء، قال الشاعر:
كانوا كسالئة حمقاء إذحقنت ** سلاءها في أديم غير مربوب

أي غير مصلح.
وقال الحسين بن الفضل: الرب: اللبث من غير إثبات أحد، يقال: ربّ بالمكان وأربّ، ولبث وألبث إذا أقام وفي الحديث أنه كان يتعوّذ بالله من فقر ضرب أو قلب قال الشاعر:
ربّ بأرض تخطّاها الغنم ** لب بأرض ما تخطاها الغنم

وهو الاختيار؛ لأن المتكلمين أجمعوا على أنّ الله لم يزل ربّاً وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو بكر محمد بن موسى الواسطي عن الرب، فقال: هو الخالق ابتداءً، والمربي غذاءً، والغافر انتهاءً. ولا يقال للمخلوق: هو الرب، معرّفاً بالألف واللام، وإنما يقال على الإضافة: هو رب كذا؛ لأنه لا يملك الكل غير الله، والألف واللام تدلاّن على العموم. وأمّا العالمون فهم جمع عالَم، ولا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحوها.
واختلفوا في معناه، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن، أخبرنا أبو إسحاق بن أسعد بن الحسن بن سفيان عن جدّه عن أبي نصر ليث بن مقاتل عن أبي معاذ الفضل بن خالد عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن الربيع بن أنس عن شهر بن حوشب عن أبي بن كعب قال: العالمون هم الملائكة، وهم ثمانية عشر ألف ملكاً منهم أربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمشرق، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالكهف الثالث من الدنيا، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك في الكهف الرابع من الدنيا، مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ ومن ورائهم أرض بيضاء كالرخام.
... مسير الشمس أربعين يوماً، طولها لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون، لهم زجل بالتسبيح والتهليل، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته فهم العالمون، منتهاهم إلى حملة العرش.
وقال أبو معاذ النحوي: هم بنو آدم.
وقال أبو هيثم خالد بن يزيد: هم الجن والإنس؛ لقوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان: 1]، وهي رواية عطية العوفي وسعيد بن جبير عن ابن عباس.
وقال الحسين بن الفضل: العالمون: الناس، واحتجّ بقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} [الشعراء: 165].
وقال العجاج: بخلاف هذا العالم.
وقال الفراء وأبو عبيدة: هو عبارة عمن يعقل، وهم أربع أمم: الملائكة، والجن، والإنس، والشياطين، لا يقال للبهائم: عالم. وهو مشتق من العلم، قال الشاعر:
ما إن سمعت بمثلهم في العالمينا

وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هم أهل التنزيه من الخلق. وقال عبد الرَّحْمن بن زيد ابن أسلم: هم المرتزقون. وقال الخضر بن إسماعيل: هو اسم الجمع الكثير، قال ابن الزبعري:
إني وجدتك يا محمد عصمة ** للعالمين من العذاب الكارث

وقال أبو عمرو بن العلاء: هم الروحانيون. وهو معنى قول ابن عباس: كل ذي روح دبّ على وجه الأرض. وقال سفيان بن عيينة: هو جمع للأشياء المختلفة.
وقال جعفر بن محمد الصادق: العالمون: أهل الجنة وأهل النار. وقال الحسن وقتادة ومجاهد: هو عبارة عن جميع المخلوقات، واحتجوا بقوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين * قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} [الشعراء: 23- 24].
واشتقاقه على هذا القول من (العلم) و(العلامة)؛ لظهورهم ولظهور أثر الصنعة فيهم ثم اختلفوا في مبلغ العالمين وكيفيتهم، فقال سعيد بن المسيب: لله ألف عالم؛ منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر. وقال الضحاك: فمنهم ثلاثمائة وستون عالماً حفاة عراة لا يعرفون مَن خالقهم، وستون عالماً يلبسون الثياب. وقال وهب: لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم منها، وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء.
وقال أبو سعيد الخدري: إن لله أربعين ألف عالم، الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد. وقال أبو القاسم مقاتل بن حيان: العالمون ثمانون ألف عالم؛ أربعون ألفاً في البرّ وأربعون ألفاً في البحر. وقال مقاتل بن سليمان: لو فسّرت {العالمين}، لاحتجت إلى ألف جلد كل جلد ألف ورقة. وقال كعب الأحبار: لا يحصي عدد العالمين إلاّ الله، قال الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدّثر: 31].

.تفسير الآية رقم (4):

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
{مالك يَوْمِ الدين} اختلف القراء فيه من عشرة أوجه:
الوجه الأول: مالك- بالألف وكسر الكاف- على النعت، وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرَّحْمن بن عوف وابن مسعود وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأبي ذر وأبي هريرة وأنس ومعاوية، ومن التابعين وأتباعهم عمر بن عبد العزيز ومحمد بن شهاب الزهري ومسلمة بن زيد والأسود بن يزيد وأبو عبد الرَّحْمن السلمي وسعيد بن جبير وأبو رزين وإبراهيم وطلحة بن عوف وعاصم بن أبي النجود و... بن عمر الهمذاني وشيبان ابن عبد الرَّحْمن وعلي بن صالح بن حي وابن أبي ليلى وعبد الله بن إدريس وعلي بن حمزة الكسائي وخلف بن هشام والحسين بن أبي الحسن البصري من أهل البصرة وأبو رجاء العطاردي ومحمد بن سيرين وبكر بن عبد الله المزني وقتادة بن دعامة السدوسي ويحيى بن يعمر.... وعيسى بن عمر النفعي وسلام بن سليمان أبو المنذر ويعقوب بن أعين الحضرمي وأيوب بن المتوكل وأبو عبيدة و.... وسعيد بن مسعدة الأخفش وخالد بن معدان والضحاك بن مزاحم.
أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن علي، حدّثنا محمد بن يحيى، حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب وأخبرنا أبو العباس الأصمّ، أخبرنا ابن عبد الحكم: حدّثنا.... بن سويد الحميري عن يونس عن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤون: {مالك يَوْمِ الدين}.
وأخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن محمد بن خلف العطار، حدّثنا المنذر بن المنذر الفارسي، حدّثنا هارون بن حاتم، حدّثنا إسحاق بن منصور الأسدي عن أبي إسحاق.... عن مالك بن دينار عن أنس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً يقرؤون: {مالك يَوْمِ الدين}، وأوّل من قرأها: {ملك يوم الدين} مروان بن الحكم.
والوجه الثاني: ملك، بغير ألف وكسر الكاف على التفسير أيضاً، وهو قراءة زيد بن ثابت وأبي الدرداء وشعيب بن يزيد والمسور بن المخرمة ومن التابعين وأتباعهم عروة بن الزبير وأبو بكر بن عمر بن حزم ومروان بن الحكم و.... وعبد الرَّحْمن بن هرمز الأعرج وأبان بن عثمان وأبو جعفر يزيد بن المفضل ونسيبة بن نصّاح ونافع بن نعيم ومجاهد وابن كثير وابن محسن وحميد بن معين ويحيى بن وثاب وحمزة بن حبيب ومحمد بن سيرين وعبد الله بن عمر وأبو عمرو بن العلاء وعمرو بن.... وعبد الله بن عامر النصيبي.
وروي ذلك أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عثمان وعلي عليه السلام.
أخبرنا ابن حمدويه، أخبرنا أبن أيوب المنقري: أخبرنا ابن حامد وابن.... قالا: أخبرنا حامد بن محمّد، حدّثنا وأخبرنا ابن عمر، حدّثنا الرفاء، قالوا: حدّثنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا أبو عبيد، حدّثنا يحيى بن سعيد القطّان، حدّثنا عبد الملك بن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة عن أمّ سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءة: {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ * الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يَوْمِ الدين}.
والوجه الثالث: ملْك بجزم اللام على النعت، وهو رواية الحسن بن عليّ الجعفي وعبد الوارث بن سعيد، وروي عن ابن عمر.
والوجه الرابع: أنّ مالكَ بالألف ونصب الكاف على النداء، وهي قراءة الأعمش ومحمد بن السميقع وعبد الملك قاضي الجند، وروي ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في بعض غزواته: «يا مالكَ يوم الدين».
والوجه الخامس: ملَك بنصب الكاف من غير ألف على النداء أيضاً، وهي قراءة عطية.... والوجه السادس: مالك بالألف ورفع الكاف على معنى: هو مالك، وهي قراءة عزير العقيلي.
والوجه السابع: ملك برفع الكاف من غير ألف وهي قراءة أبي حمزة وابن سيرين.
والوجه الثامن: مالك، بالإمالة والإضجاع البليغ. روي ذلك عن يحيى بن يعمر. وعن أيوب السختياني بين الإمالة والتفخيم.... عن.... عن الكلبي.
والوجه التاسع: {ملك يوم الدين} على الفعل، وهي قراءة الحسن ويحيى بن يعمر وأبي حمزة وأبي حنيفة.
الفرق بين ملك ومالك:
أما الفرق بين مالك وملك فقال قوم: هما لغتان بمعنى واحد، مثل (فرهين) و(فارهين) و(حذرين) و(حاذرين) و(فكهين) و(فاكهين).... بينهما، فقال أبو عبيدة والأصمعي وأبو سالم والأخفش وأبو الهيثم: مالك أجمع وأوسع وأمدح، ألا ترى أنه يقال: الله مالك الطير والدواب والوحش وكل شيء، ولا يقال: ملك كل شيء، وإنما يقال: ملك الناس؟ قالوا: ولا يكون مالك الشيء إلاّ هو يملكه ويكون ملك الشيء وهو لا يملكه، كقولهم: ملك العرب والعجم والروم.
وقالوا أيضاً: إن (المالك) يجمع الفعل والاسم.
وقال بعضهم: في (مالك).... ومالك قوله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات».
وقال أبو عبيد: الذي نختار ملك.... مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت. ومن قرأ بها من أهل العلم أكثر. وهي مع هذا في المعنى أصحّ لقوله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق} [طه: 114]، و: {الملك القدوس} [الحشر: 23]، و: {مَلِكِ الناس} [الناس: 2]، و: {لِّمَنِ الملك اليوم} [غافر: 16]، ولم يقل: لمن الملك اليوم؟
والملك مصدر الملك وغيرهُ، وملك يصلح للمالك والمليك، يقال: ملك الشيء يملكه ملكاً، فهو مالك ومليك، و: ملكه يملكه ملكاً فهو ملك لا غير.
وهما بعد الناس، ومعناهما الربّ؛ لأن العرب تقول: رب الدار والعبد والضيعة بمعنى أنه مالكها، ولا يفرّقون بين قولهم: ربّها ومالكها ومن.... قال: إن المالك والملك هو القادر على استخراج الأعيان من العدم إلى الوجود، ولا يقدر في الحقيقة على إخراجها إلاّ الله المالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ملك إلاّ الله» فأما غيره، فيسمى مالكاً وملكاً على المجاز.
والمراد بذلك: أنه مأذون له في التصرّف فيه.
وقال عبد العزيز بن يحيى: المالك يمكن بما يملكه، منفرد به عن أبناء جنسه، تعود منافعه إليه، والمالك الثاني الذي بيده الشيء، ويستولي عليه، ويصرفه فيما يريده. تقول العرب: ملّكك زمام البعير، وملكت العجين إذا شددته، وأملكت المرأة إملاكاً، قال الشاعر:
وجبرئيل أمين الله أملكها...
معنى قوله: {الدين}
وأما معنى قوله: {مالك يَوْمِ الدين}، فقال ابن عباس والسدي ومقاتل: قاضي يوم الحساب. ودليله قوله عزّ وجلّ: {ذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]، أي الحساب المستقيم.
الضحاك وقتادة: الدين: الجزاء، يعني: يوم يدين الله العباد بأعمالهم. دليله قوله: {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [سورة الصافات: 53]، أي مجرّبون. قال لبيد:
حصادك يوماً ما زرعت وإنما ** يدان الفتى يوماً كما هو دائن

وقال عثمان بن زيات: يوم القهر والغلبة، تقول العرب: مدان فدان، أي قهرته فخضع وذلّ. وقال الأعشى:
هو دان الرباب إذ كرهو الدين ** دراكا بغزوة وارتحال

ثم دانت بعد الرباب وكانت ** كعذاب عقوبة الأقوال

وسمعت أبا القاسم الحسين بن محمد الأديب يقول: سمعت أبا المضر محمد بن أحمد ابن منصور يقول: سمعت أبا عمر غلام ثعلب يقول: كان الرجل إذا أطاع ودان إذا عصى، ودان إذا عزّ وكان إذا ذلّ، ودان إذا قهر.
وقال الحسن بن الفضل: يوم الإطاعة، قال زهير:
لئن حللت بواد في بني أسد ** في دين عمرو وحالت بيننا فدك

أي في طاعة، وكل ما أطيع الله فيه فهو دين.
وقال بعضهم: يوم العمل، قال الفراء: دين الرجل خلقه وعمله وعادته، وقال المثقب العبدي:
تقول إذا درأت وضيني لها ** أهذا دينه أبداً وديني

وقال محمد بن كعب القرضي: {مالك يَوْمِ} لا ينفع فيه إلاّ {الدين}، وهذه من قول الله تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88- 89]، وقوله: {وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [سبأ: 37].
وإنما خصّ يوم الدين بكونه مالكاً له؛ لأن الأملاك في ذلك اليوم زائلة فينفرد تعالى بذلك، وهي باطلة والأملاك خاصة. وقيل: خص يوم الدين بالمالك فيه؛ لأن ملك الدنيا قد اندرج في قوله: {رَبِّ العالمين}، فأثبت أنه مالك الآخرة بقوله: {مالك يَوْمِ الدين}؛ ليعلم أن الملك له في الدارين. وقيل: إنما خصّ يوم الدين بالذكر؛ تهويلا وتعظيماً لشأنه كما قال تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ} [غافر: 16]، ولا خفاء بهم في كل الأوقات عن الله عزّ وجلّ.