فصل: تفسير الآيات (156- 168):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (156- 168):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}
{ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ} يعني المنافقين عبد الله بن أُبي وأصحابه، {وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ} في النفاق، وقيل: في النسب {إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأرض} ساروا وسافروا فيها لتجارة أو غيرها {كَانُواْ غُزًّى} غزاة فقتلوا، والغزي جمع منقوص لا يتغير لفظها في رفع وخفض ونصب، واحدها غاز مثل قائم وقوم، وصائم وصوم، وشاهد وشهد وقائل وقول، ومن الناقص مثل هاب وهبي وعاف وعفي.
{لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً} يعني قولهم وظنهم حزناً {فِي قُلُوبِهِمْ} والحسرة الاغتمام على فائت كان تقدر بلوغه.
قال الشاعر:
فواحسرتي لم أقضِ منهما لبانتي ** لم أتمتع بالجوار وبالقرب

ثم أخبر أن الموت والحياة إلى الله لا يتقدمان لسفر ولا يتأخران لحضر فقال: {والله يُحْيِي وَيُمِيتُ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
قرأ ابن كثير وطلحة والأعمش والحسن وشبل وحمزة والكسائي وخلف: {يعملون} بالياء، الباقون: بالتاء.
{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ}.
قرأ نافع وأكثر أهل الكوفة ما كان من هذا الباب: بكسر الميم، وقرأ الآخرون: بالضم، فمن ضمّه فهو من قال: يموت كقولك من كان يكون كنت، ومن قال يقول قلت، ومن كسر فهو من مات يمات متّ كقولك من خاف يخاف خفت ومن هاب يهاب هبت.
{لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله} في العاقبة {وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} من الغنائم.
قرأه العامة: {تجمعون} بالتاء لقوله: {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ}، وقرأ حفص: بالياء على الخبر عن الغالبين، يعني خير ممّا يجمع الناس من الأموال.
{وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} في العاقبة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله} أي فبرحمة من الله (ما) صلة كقوله عزّ وجلّ: {فَبِمَا نَقْضِهِم} [المائدة: 13] و{عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] و{جُندٌ مَّا هُنَالِكَ} [ص: 11].
وقال بعضهم: يحتمل لأن تكون ما استفهاماً للتعجب تقديره: فبأي رحمة من الله {لِنتَ لَهُمْ} أي سهّلت لهم أخلاقك وكثر احتمالك، ولم يسرع إليهم فيما كان منهم يوم أُحد.
يقال: لآنَ له يَلين ليناً ولياناً إذا رقَّ له وحسن خلقه.
{وَلَوْ كُنتَ فَظًّا} يعني جافياً سيء الخلق قاسي القلب قليل الاحتمال، يقال: فظظت تفظ فظاظة وفظاظاً فانت فظ، والانثى فظة، والجمع فظاظ.
وأنشد المفضل:
وليس بفظ في الأداني والاولى ** يؤمون جدواه ولكنه سهل

وقال آخر:
أموت من الضر في منزلي ** وغيري يموت من الكظة

ودنيا تجود على الجاهلين ** وهي على ذي النهى فظة

{غَلِيظَ القلب}، قال الكلبي: فظاً في القول غليظ القلب في الفعل.
{لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} لنفروا وتفرقوا عنك يقال: فضضتهم وانفضوا، أي فرقتهم فتفرقوا.
قال أبو النجم يصف إبلا:
مستعجلات القبض غير جرد ** ينفض عنهنّ الحصى بالصّمد

وأصل الفض الكسر، ومنه قولهم: لا يفضض الله فاك، قال أهل الإشارة في هذه الآية: منه العطاء ومنه الثناء.
{فاعف عَنْهُمْ} تجاوز عنهم ما أتوا يوم أُحد {واستغفر لَهُمْ} حتي أشفعك فيهم {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} أي استخرج آراءهم فأعلم ما عندهم، وهو مأخوذ من قول العرب: وشرت الدابة وشورته، إذا استخرجت جريه وأعلمت خبره وتفنن لما يظهر من حالها مستوراً، وللموضع الذي يشور فيه أيضاً يتولد، وقد يكون أيضاً من قولهم: شرت العسل واشترته فهو مشور ومشار ومشتار إذا أخذته من موضعه واستخرجته منه.
وقال عدي بن زيد:
في سماع يأذن الشيخ له ** وحديث مثل ماذي مشار

واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع كمال عقله وجزالة رأيه وتتابع الوحي عليه ووجوب طاعته على أمته بما أحبوا وكرهوا.
فقال بعضهم: هو خاص في المعنى وإن كان عاماً في بعض اللفظ، ومعنى الآية: وشاورهم فيما يسر عندك فيه من الله عهد، ويدل عليه قراءة ابن عباس: وشاورهم في بعض الأمر.
قال الكلبي: يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكان الحرب عند الغزو.
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقال مقاتل وقتادة والربيع: كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شُقّ عليهم، فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم في الأمر الذي يريده، فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم وأطيب لأنفسهم، وإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم وأن القوم إذا عزموا وأرادوا بذلك وجه الله تعالى عزم الله لهم على الأرشد.
قال الشافعي رضي الله عنه: ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «البكر تستأمر في نفسها» إنما أمرنا استئذآنها لاستطابه نفسها وإنها لو كرهت كان للأب أن يزوجها.
وكمشاورة إبراهيم عليه السلام ابنه حين أمر بذبحه.
وقال الحسن: قد علم الله أنه مابه إليهم حاجة ولكنه أراد أن يستنّ به من بعده، ودليل هذا التأويل ما روى أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شقى عبد قط بمشورة وما سعد باستغناء برأي» يقول الله عزّ وجلّ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} فبالله وكتابه ورسوله غنى عن المشورة، ولكن الله عزّ وجلّ أراد أن تكون بيّنة فلا يبرم أمر الدين والدنيا حتى تشاوروا، وقد أثنى الله على أهل المشاورة فقال: {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان أُمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم ولم يكن أمركم شورى بينكم فبطن الأرض خير من ظهرها».
أنشدني أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدني عمي:
إذا كنت في حاجة مرسلا ** فأرسل حكيماً ولا توصه

وإن ناب أمر عليك التوى ** فشاور لبيباً ولا تعصه

ونص الحديث إلى أهله ** فإن الوثيقة في نصه

إذا المرء أضمر خوف الإله ** تبين ذلك في شخصه

وأنشدني أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدنا أبو بكر محمد بن المنذر الضرير، قال أبو سلمة المؤدب:
شاور صديقك في الخفي المشكل ** واقبل نصيحة ناصح متفضل

فالله قد أوصى بذلك نبيّه ** في قوله شاورهم وتوكل

{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} لا على مشاورتهم.
وقرأ جعفر الصادق رضي الله عنه وجابر بن زيد: {فإذا عزمتُ} بضم التاء أي عزمت لك ووفقتك وأنشدتك فتوكل على الله، والتوكل التفعل من الوكالة يقال: وكّلت الأمر إلى فلان فتوكل أي ضمنه وقام به، فمعنى قوله: (توكل) أي قم بأمر الله وثق به واستعنه.
فصل في التوكل:
اختلفت عبارات العلماء في معنى التوكل وحقيقة المتوكل:
فقال سهل بن عبد الله رحمة الله عليه: أول مقام التوكل، أن يكون العبد بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل، يقلّبه كيف أراد لا يكون له حركة ولا تدبير، والمتوكل لا يسأل ولا يرد ولا يحبس.
أبو تراب النخشبي: التوكل الطمأنينة إلى الله عزّ وجلّ. بشر الحافي: الرضا، وعن ذي النون وقد قال له رجل: يا أبا الفيض ما التوكّل؟ قال: خلع الأرباب وقطع الأسباب. فقال: زدني فيه حالة أخرى. فقال: إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية.
وقال إبراهيم الحواص: حقيقة التوكل إسقاط الخوف والرجاء ممّا سوى الله، ابن الفرجي: ردَّ العيش لما يوم واحد واسقاط غم غد، وعن علي الروذباري قال: مراعاة التوكل ثلاث درجات:
الأولى منها: إذا أعطى شكر وإذا مُنع صبر.
والثانية: المنع والإعطاء واحد.
والثالثة: المنع مع الشكر أحب إليه، لعلمه باختيار الله ذلك له.
وروى عن إبراهيم الخواص أنه قال: كنت في طريق مكة، فرأيت شخصاً حسناً فقلت: أجنيٌ أم إنسيٌ؟ فقال: بل جنيٌّ. فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى مكة. قلت: بلا زاد؟ قال: نعم، فينا أيضاً من يُسافر على التوكل. فقلت له: ما التوكل؟ قال: الأخذ من الله.
ذو النون أيضاً: هو انقطاع المطامع.
سهل أيضاً: معرفة معطي أرزاق المخلوقين ولا يصح لأحد التوكل حتى تكون السماء عنده كالصِفر والأرض عنده كالحديد، لا ينزل من السماء مطر ولا يخرج من الأرض نبات، ويعلم أن الله لا ينسى ما ضمن له من رزقه بين هذين.
وعن بعضهم: هو أن لا يعصي الله من أجل رزقه.
وقال آخر: حسبك من التوكل أن لا تطلب لنفسك ناصراً غير الله ولا لرزقك خازناً غيره ولا لعملك شاهداً غيره.
الجنيد رحمه الله: التوكل أن تقبل بالكلية على ربّك، وتعرض ممّن دونه.
النوري: هو أن يفني تدبيرك في تدبيره، وترضى بالله وكيلا ومدبراً، قال الله عزّ وجلّ: {وكفى بالله وَكِيلاً}
[النساء: 81] وقيل: هو اكتفاء العبد الذليل بالربّ الجليل، كاكتفاء الخليل بالخليل حين لم ينظر إلى عناية جبرئيل.
وقيل: هو السكون عن الحركات اعتماداً على خالق الأرض والسماوات.
وقيل لبهلول المجنون: متى يكون العبد متوكلاً؟ قال: إذا كان النفس غريباً بين الخلق، والقلب قريباً إلى الحق.
وعن محمد بن عمران قال: قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال: أربع خلال: علمت أن رزقي ليس يأكله غيري فلست أُشغل به، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أُبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فأنا مستحي منه.
وعن أبي موسى الوبيلي قال: سألت عبد الرحمن بن يحيى عن التوكل فقال لي: لو أدخلت يدك في فم التنين حتى تبلغ الرسغ، لم تخف مع الله شيئاً.
قال أبو موسى: ذهبت إلى أبي يزيد البسطامي: أسأله عن التوكل، فدخلت بسطام ودفعت عليه الباب فقال لي: يا أبا موسى ما كان لك في جواب عبد الرحمن من القناعة حتى تجيء وتسألني؟ فقلت: افتح الباب، فقال: لو زرتني لفتحت لك الباب، وإذا جاء الجواب من الباب فانصرف: لو أن الحيّة المطوقة بالعرش همّت بك لم تخف مع الله شيئاً.
قال أبو موسى: فانصرفت حتى جئت إلى دبيل فأقمت بها سنة، ثم أعتقدت الزيارة فخرجت إلى أبي يزيد فقال: زرتني مرحباً بالزائرين لا أخرجك، قال: فأقمت عنده شهراً لا يقع لي شيء إلاّ أخبرني قبل أن أسأله فقلت له: يا أبا يزيد أخرج وأريد فائدة منك أخرج بها من عندك.
قال لي: اعلم أن فائدة المخلوقين ليست بفائدة، حدثتني أُمّي أنها كانت حاملة بي وكانت إذا قدمت لها القصعة من حلال امتدت يدها وأكلت، وإذا قدمت من حرام جفت فلم تأكل، اجعلها فائدة وانصرف. فجعلتها فائدة وانصرفت.
وروى طاوس اليماني رحمه الله قال: رأيت أعرابياً قد جاء براحلة له فأبركها وعقلها، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذه الراحلة وما عليها في ضمانك حتى أخرج إليها. فخرج الأعرابي وقد أخذت الراحلة وما عليها، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنه ما سرق مني شيء وما سرق إلاّ منك. فقال طاوس: فنحن كذلك مع الأعرابي إذ رأينا رجلا من رأس أبي قبيس يقود الراحلة بيده اليسرى ويمينه مقطوعة معلقة في عنقه، حتى جاء إلى الأعرابي وقال له: هاك راحلتك وما عليها. فقيل له: وما حالك؟ فقال: استقبلني فارس على فرس أشهب في رأس أبي قبيس فقال: يا سارق مدّ يدك فمددتها فوضعها على حجر ثم أخذ آخر فقطعها به وعلقها في عنقي وقال: انزل فرد الراحلة وما عليها إلى الأعرابي.
وعن أبي تميم الحبشاني قال: سمعت عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطانا».
روى محمد بن كعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزّ وجلّ ومن سرّه أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق ممّا في يديه».
وكان عمر رضي الله عنه يتمثل بهذين البيتين:
هوّن عليك فإن الأمور ** بأمر الإله مقاديرها

نفس ليأتيك مصروفها ** ولا عادك عنك مقدورها

{إِن يَنصُرْكُمُ الله} يعينكم الله من عدوكم {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} في يوم بدر {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} يترككم ولا ينصركم، والخذلان: القعود عن النصرة والاستسلام للهلكة والمكروه، ويقال للبقرة والظبية إذا تركت ولدها وتخلفت عنها: خذلت فهو خذول.
قال طرفة:
خذول تراعي ربرباً بخميلة ** تناول أطراف البرير وترتدي

وأنشد:
نظرت إليك بعين جارية ** خذلت صواحبها على طفل

وقرأ أبو عبيد بن عمير: {وإن يُخذِلكم} بضم الياء وكسر الذال، أي نجعلكم مخذولين ونحملكم على الخذلان والتخاذل كما فعلتم بأُحد.
{فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ} أي من بعد خذلانه {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون * وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} الآية.
روى عكرمة ومقسم عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى جويبر بن الضحاك عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غلّه رجل بإبرة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي ومقاتل: نزلت في غنائم أُحد حين ترك الرماة المركز، وطلبوا الغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له، وأن لا يقسّم الغنائم كما لم يقسّم يوم بدر، فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟»قالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل ظننتم أن نغل ولا نقسم»فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى بعضهم عن الضحاك عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طلائع فغنمت، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقسم للطلائع، فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا، فنزلت هذه الآية.
قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي عليه السلام وقد غلّ طوائف من أصحابه.
وفي بعض التفاسير: أن الأقوياء ألحّوا عليه يسألونه عن المغنم، فأنزل الله عزّ وجلّ {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} فيعطي قوماً ويمنع آخرين، بل عليه أن يقسم بالسوية ولا يحرم أحداً.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: هذا في الوحي يقول: ما كان لنبي أن يغل ويكتم شيئاً من وحي الله عزّ وجلّ رغبة أو رهبة أو مداهنة، وذلك أنهم كانوا يكرهون ما في القرآن من عيب دينهم وسب آلهتهم، فسألوه أن يطوي ذلك، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
فأما التفسير فقرأ السلمي ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو وعاصم: {يَغَل} بفتح الياء وفتح الغين، وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيدة.
وقرأ الباقون: بضم الياء وفتح الغين وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي حاتم، فمعناه أن يخون، والمراد به الأمة.
وقال بعض أهل المعاني: اللام فيه منقولة، معناه: ما كان النبي ليغل، وما كان الله عزّ وجلّ أن يتخذ من ولد، أي ما كان الله ليتخذ من ولد.
وقال بعضهم: هذا من ألطف التعريض لها بأن برأ ساحة النبي صلى الله عليه وسلم من الغلول، دلّ على أن الغلول في غيره، ونظيره قوله عزّ وجلّ: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24] وهذا معنى قول السدي.
وقال المفضل: معناه ما كان يظن به ذلك ولا يشبهه ولا يليق به، فاحتج أهل هذه القراءة بقول ابن عباس: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء يقتل.
ومن قرأ بضم الياء فله وجهان:
أحدهما: أن يكون من الغلول، أي ما كان النبي أن يغل، أي أن يخان، يعني أن تخونه أُمّته.
والوجه الآخر: أن يكون من الإغلال، معناه ما كان لنبي أن يخون أو يُنسب إلى الخيانة أو يوجد خائناً أو يدخل في جملة الخائنين، فيكون أغل وغلل بمعنى واحد، كقوله: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33] وقوله: {فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق: 17].
وقال المبرد: تقول العرب: أكفرت الرجل بمعنى جعلته كافراً ونسبته إلى الكفر وحملته عليه ووجدته كافراً ولحقته بالكافرين.
{وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة}، قال الكلبي: يمثل له ذلك الشيء في النار ثم يقال له: انزل فخذه، فينزل فيحمله على ظهره، فإذا بلغ موضعه وقع في النار ثم كلفه أن ينزل إليه فيخرجه فيفعل ذلك.
وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره وقال: «لا ألقينَّ أحدكم يجيء على رقبته يوم القيامة بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني؟ فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألقينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغنني؟ فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألقينَّ أحدكم بصامت يقول: يا رسول الله اغنني؟ فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألقينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول: يا رسول الله أغنني؟ فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألقينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخنق يقول: يا رسول الله أغنني؟ فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك».
وحدث سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو في النار فوجدوا عليه عباءة قد غلّها».
وحدث الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له أبو اللبيبة على الصدقة، فجاء فقال: هذا لكم وهذا أُهدي له، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما بال العامل يبعث فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، أفلا يجلس في بيت أبيه أو أمّه وينظر ما يُهدى إليه، والذي نفس محمد بيده لا يبعث أحد منكم فيأخذ منه شيئاً إلاّ جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة له خوار أو شاة يثغر ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة أبطيه فقال: اللهم قد بلغت».
وعن زيد بن خالد: «أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلّوا على صاحبكم» فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: «إن صاحبكم غلَّ في سبيل الله» ففتشنا متاعه لذلك، فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين.
وعن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر فلم يغنم ذهباً ولا ورقاً إلاّ الثياب والمتاع قال: فتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى وقد أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له مدعم فبينا مدعم يحطّ رجل رسول الله إذ جاءه سهم فقتله، فقال الناس: هنيئاً له الجنة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلاّ والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً». فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شراك من نار أو شراكان من نار».
وعن عبيد الله بن عمير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيجمعه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنّا أصبنا من الغنيمة فقال: «أسمعت قد نادى ثلاثاً؟» قال: نعم، قال: «فما منعك أن تجيء به» فاعتذر إليه، فقال: «كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك».
وعن صالح بن محمد بن مائدة قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم، فأُتي برجل قد غَلّ فسئل سالم عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرجل قد غلّ فاحرقوا متاعه واضربوه» قال: فوجدنا في متاعه مصحفاً، فسأل رجل سالماً عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد حرقوا متاع الغال وضربوه وفي بعض الروايات ومنعوه سهمه.
وعن صالح بن محمد قال: غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز فغلّ رجل متاعاً، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم يعطه سهمه {أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله} بترك الغلول {كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ الله} فغلَّ {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير * هُمْ دَرَجَاتٌ} يعني ذو درجات {عِندَ الله}.
وقال ابن عباس: يعني أن من اتبع رضوان الله ومن باء بسخط من الله مختلف المنازل عند الله تعالى، فلمن اتبع رضوان الله الكرامة والثواب العظيم، ولمن باء بسخط من الله المهانة والعذاب الأليم.
{والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين}.
قال بعضهم: لفظ الآية عام ومعناها خاص، إذ ليس حي من أحياء العرب إلاّ وقد قلّدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيهم نسب إلاّ بني تغلب، فإن الله طهّره منهم لما فيهم من دنس النصرانية إذ ثبتوا عليها، وبيان هذا التأويل قوله: {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ} [الجمعة: 2].
وقال الآخرون: {هو} أراد به المؤمنين كلهم، ومعنى قوله: {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} بالإيمان والشفقة لا بالنسب كما يقول القائل: أنت نفسي، يدل عليه قوله: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128] الآية.
{يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ} وقد كانوا من قبل بعثه، وهو رفع على الغاية {لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * أَوَ لَمَّا} أوحين {أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ} أُحد {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} ببدر، وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أُحد سبعين وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين وأسروا سبعين {قُلْتُمْ أنى هذا} من أين لنا هذا القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا والوحي ينزل علينا وهم مشركون.
وروى عبيدة السلماني عن علي قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسارى، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك للناس فقالوا: يا رسول الله عشائرنا وإخواننا، لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى بها على قتال عدونا، منّا عدتهم فليس في ذلك ما نكره، قال: فقتل منهم يوم أُحد سبعون رجلا عدد أُسارى يوم بدر، فمعنى قوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} على هذا التأويل أي: بأخذكم الفداء واختياركم القتل.
{إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَآ أَصَابَكُمْ} يا معشر المؤمنين {يَوْمَ التقى الجمعان} بأُحد من القتل والجرح والهزيمة والمصيبة {فَبِإِذْنِ الله} بقضائه وقدره وعلمه {وَلِيَعْلَمَ المؤمنين} أي ليميّز، وقيل: ليرى، وقيل: لتعلموا أنتم أن الله عزّ وجلّ قد علم ما فيهم وأنتم لم تكونوا تعلمون ذلك {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} لأجل دين الله وطاعته {أَوِ ادفعوا} عن أهلكم وبلدتكم وحريمكم.
وقال السدي والفراء وأبو عون الأنصاري: أي كثروا سواد المسلمين، ورابطوا إن لم تقاتلوا، كون ذلك دفعاً وقمعاً للعدو {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ} وهم عبد الله بن أُبي وأصحابه الذين انصرفوا عن أُحد وكانوا ثلثمائة، قال الله: {هُمْ لِلْكُفْرِ} أي إلى الكفر {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} وذلك أنهم كانوا ينكرون الإيمان ويضمرون الكفر، فبيّن الله عزّ وجلّ نفاقهم {والله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الذين قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ} في النسب لا في الدين، وهم بهذا واحد {وَقَعَدُواْ} يعني وقعد هؤلاء القاعدون عن الجهاد {لَوْ أَطَاعُونَا} وانصرفوا عن محمد وقعدوا في بيوتهم {مَا قُتِلُوا قُلْ} لهم يا محمد فادفعوا {عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إن الحذر لا يغني عن القدر.