فصل: تفسير الآيات (79- 84):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (79- 84):

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}
{مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي من خير ونعمة {فَمِنَ الله وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ} أي بلية وأمر تكرهه {فَمِن نَّفْسِكَ} أي، من عندك وأنا الذي قدرتهما عليك، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره، نظيره.
قوله: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من خدش بعود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر».
وروى الهروي عن سفيان بن سعيد عمن سمع الضحاك بن مزاحم يقول: ماحفظ الرجل القرآن ثم نسيه إلاّ بذنب، ثم قرأ {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30] قال: فنسيان القرآن أعظم المصائب.
وقال بعضهم: هذه الآية متصلة بما قبله، وتقديره: فما لهؤلاء القوم لم يكونوا يفقهون حديثاً حتى يقولوا: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك؟ وتعلق أهل القدر بهذه الآية وقالوا: نفى الله السيئة عن نفسه بقوله: {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} ونسبها إلى العبد، فيقال لهم: إن ما حكى الله تعالى لنبيه من قول المنافقين، إنهم قالوا إذا أصابتهم حسنة، هذه من عند الله، فإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك، لم يرد به حسنات الكسب، ولا سيئاته، لأن الذي منك فعل غيرك بك لا فعلك، ولذلك نسب إلى غيرك.
كما قال: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120] {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} [الآعراف: 131] وكل هذه سبب من الأسباب لامن الكسب ألا ترى إنه نسبها إلى غيرك، ولم يذكر بذلك ثواباً ولا عقاباً، فلما ذكر حسنات العمل والكسب وسيآتهما نسبهما إليك وذكر فيها الثواب والعقاب. كقوله: {مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} [الأنعام: 160] وكان ما حكى الله عن المنافقين من قولهم في الحسنات والسيئات لم يكن حسنات الكسب ولا سيئاته، ثم عطف عليه قوله: {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله} إلى نفسك فلم يكن بقوله: {فَمِن نَّفْسِكَ} مثبتاً لما قد نفاه، ولا نافياً لما قد أثبته، لأن ذلك لايجوز على الحكيم جل جلاله، لكن من السبب الذي استحق هذه المصيبة، وكان ذلك من كسبه، ومنه قوله: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] فجعل هذه المصيبة جزاءً للفعل فإذا أوقع الجزاء لم يوقعه إلاّ على ما نسبه إلى العباد، كقوله: {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [التوبة: 82] وقوله: {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} ليس فيه دليل على إنه لايريد السيئة ولا يفعلها ولكن ما كان جزاءً، فنسبته إلى العبد على طريق الجزاء.
{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ} يامحمد {رَسُولاً وكفى بالله شَهِيداً} على إنك رسول صادق.
وقيل فيك {وكفى بالله شَهِيداً} على أن الحسنة والسيئة كلها من الله {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن أحبّني أحبّه الله»، فقال بعض المنافقين: ما يريد هذا الرجل إلاّ أن نتّخذه رباً، كما في حديث النصارى لعيسى، فأنزل الله تعالى {مَّنْ يُطِعِ الرسول} فيما أمر به فقد أطاع الله {وَمَن تولى} عنه {فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} أي حافظاً ورقيباً.
وقال القتيبي: محاسباً، فنسخ الله تعالى هذه الآية الشريفة، وأمره بقتال من خالف الله ورسوله {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} يعني المنافقين وذلك إنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنّا آمنّا بك فمرنا من أمرك طاعةً، وهم يكفرون به في السر، وقوله: {طاعة} مرفوعة على معنى منّا طاعة وأمرك طاعة وكذلك قوله: {لا تقسموا طاعة} مرفوعة أي قولوا، سمعاً وطاعة، وكذلك قوله: {فأولى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} [محمد: 20-21] وليست مرتفعة إليهم بل هي مرتفعة على الوجه الذي ذكرت. {فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ} أي خرجوا {بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الذي تَقُولُ} أي زوّر وموّه وقيل هنا.
فقال قتادة والكلبي: بيّت أي غيّر وبدّل الذي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويكون السبب معنى التبديل.
قال الشاعر:
بيّت قولي عبد المليك ** قاتله الله عبداً كفوراً

وقال القتيبي وأبو عبيدة: {بيّت طائفة منهم} أي قالوا وقدروا ليلاً غير الذي أعطوك نهاراً، وكل شيء قدرّ بليل من شر فهو تبييت.
قال عبيدة بن الهمام:
أتوني فلم أَرض ما بيّتوا ** وكانوا أتوني بشيء نكر

لأنكح أيّمهم منذراً ** وهل ينكح العبد حر بحر

وقال النمر بن تولب:
هبت لتعذلني بليل أسمعي ** سفهاً تبيتك الملامة فاهجعي

وقال أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش: يقول العرب للشيء إذا قدر قد بيّت، يشبهونه تقدير بيوت الشعر.
{والله يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} أي ما يغيرون ويزورون ويقدرون.
الضحاك عن ابن عباس: يعني ما تسرّون من النفاق {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} يا محمد فلا تعاقبهم {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وكفى بالله وَكِيلاً} أي كفيلاً، وثقةً، وناصراً بالانتقام لك منهم، فنسخ الله تعالى قوله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} بقوله: {ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار} [التوبة: 73] بالسيف {والمنافقين} بالكلام الغليظ.
فإن قيل: ما وجه الحكمة في أعدائه ذكر مهلهم. ثم قال: {بيت طائفة منهم} فصرف الخطاب من جلهم إلى بعضهم.
يقال: إذ إنما عَبر عن حال من علم الله وبقي على كفره ونفاقه، فأما من علم أنه يرجع عن ذلك فإنه صفح عن ذكرهم، وقد قيل: إنه غير عن حال من أحوالهم قد تستّر في أمره، فأما من سمع وسكت فإنه لم يذكرهم، وفي قوله: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} دليل على إبطال قول من زعم أنّ السنّة تعرُض على الكتاب لم يعمل بها وذلك إن كل ما نص الله عز وجل، عليه فإنّما صار فرضاً بالكتاب، فإذا عدم النص من الكتاب، وورد به السنّة فوجب إتباعها، ومن خالفها فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خالف رسول الله فقد خالف الله، لأن في طاعة الرسول طاعة الله، فمن زعم أنه لم يقبل خبره إلاّ بعد أن يعرض على كتاب الله، فقد أبطل كلّ حكم ورد عنه ما لم ينصّ عليه الكتاب.
وأما قوله: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} ففيه دليل على أنّ من لم يعتقد الطاعة فليس بمطيع على الحقيقة، وذلك أن الله تعالى لمّا تحقّق طاعتهم فيما أظهروه، فقال: ويقولون ذلك لأنّه لو كان للطاعة حقيقة إلاّ بالاعتقاد لحكم لهم بها فثبت أنه لا يكون المطيع مطيعاً، إلاّ باعتقاد الطاعة مع وجودها.
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} يعني أفلا يتفكّرون في القرآن، فيرون بعضه يشبه بعضاً، ويصدق بعضه بعضاً، وإن أحداً من الخلائق لم يكن يقدر عليه فسيعلمون بذلك إنه من عند الله إذ {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} أي تفاوتاً وتناقضاً {كَثِيراً} هذا قول ابن عباس.
وقال بعضهم: ولو كان هو من عند غير الله لوجدوا فيه أي في الإخبار عما غاب عنهم. ما كان وما يكون إختلافاً كثيراً، يعني تفاوتاً بيناً. إذا الغيب لايعلمه إلاّ الله فيعلم بذلك أنه كلام الله وأنّ محمداً رسول الله صادق، وفي هذه الآية دليل على أنّ القرآن غير مخلوق إذ هو معرى عن الإخلاق من كل الجهات ولو كان مخلوقاً لكان لا يخلو من اختلاف وتفاوت.
{وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف} الآية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غُلبوا بادر المنافقون إلى الاستفسار عن حال السرايا فيفشون ويحدّثون به قبل أن يحدّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وَإِذَا جَآءَهُمْ} يعني المنافقين، {أَمْرٌ مِّنَ الأمن} كظفر المسلمين وقتل عدوّهم {أَوِ الخوف} كالهزيمة والقتل. {أَذَاعُواْ بِهِ} أي أشاعوه وأفشوه {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ} أي وإن لم يحدّثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدّث به ويفشيه، وأولي الأمر أهل الرأي من الصحابة، مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
{لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ}.
الكلبي عن أبي صالح وابن عباس، وعلي بن الحكم عن الضحاك: يستنبطونه أي يتّبعونه.
وقال عكرمة: يحرصون عليه ويسألون عنه، وقال ابن عبيدة والقتيبي: يخرجونه، ويقال: استنبط إستنبطه الماء إذا أخرجه.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف} إنّ المنافقين كانوا إذا أمُروا بالقتال لم يطيعوا الله فيما أمرهم به، وإن نهاهم عن محارمه لم ينتهوا عنها، وإن أفضى الرسول إليهم سراً أذاعوا به إلى العدوّ ليلاً بتكتّم، فأنزل الله تعالى ردّاً عليهم {وَلَوْ رَدُّوهُ} يعني آمورهم في الحلال والحرام {إلى الرسول} في التصديق به والقبول {وإلى أولي الأمر منهم} يعني حملة الفقه والحكمة {لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} يعني الذين يفحصون عن العلم.
ثم قال: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان إِلاَّ قَلِيلاً} أي معناه لاتّبعتم الشيطان كلّكم.
قال الضحاك: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يأمرهم بأمر من أمور الشيطان.
قال ابن عباس: فضل الله الإسلام ورحمته القرآن {لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليل} يعني بالقليل الذي امتحن الله قلوبهم يعني على هذا القول يكون قوله: {إِلاَّ قَلِيلاً} مستثنى من قوله: {لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان}.
وقال بعضهم: في الآية تقديم وتأخير معناه: لعلمه الذين يستنبطونه إلاّ قليلاً.
وقال بعضهم: معناه: إذا أذاعوا به قليلاً لم يذع ولم يفش، وهكذا قال الكلبي: واختار الفرّاء أيضاً هذا القول. وقال: لأنّ علم الله فاعتبر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة قد تكون في بعضهم دون بعض لذلك أُستحسن الاستثناء من الإذاعة، وفي هذه الآية دليل ممن يحبون القول بالإجتهاد عند عدم النص.
قال الله تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فالعلم محيط بالاستنباط، ليس تلاوة.
وإذا كان إدراكه بالاستنباط، فقد دل بذلك على أن من العلم مايدرك بالتلاوة والرواية وهو النص.
ومنه ما يدرك منه ومن المعنى، وحقيقة الاعتبار والاستنباط من القياس للحكم بالمعاني المودعة في النصوص غير الحكم بالنصوص {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما التقى هو وأبو سفيان بن حرب يوم أُحد وكان من هربهم ما كان، ورجع أبو سفيان إلى مكة فواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد قال الناس: اخرجوا إلى العدو.
فكرهوا ذلك كراهه شديدة أو بعضهم، فأنزل الله تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} أي لاتدع جهاد العدو وإنصاف المستضعفين من المؤمنين ولو وحدك.
وقيل: معناه لاتلزم فعل غيرك ولاتؤخذ به ولم يرد بالتكليف الأمر لأنه يقتضي على هذا القول ألا يكون غيره مأموراً بالقتال.
والفاء في قوله: {فقاتل} جواب عن قوله: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} فقاتل {وَحَرِّضِ المؤمنين} على القتال أي حثَّهم على الجهاد ورغّبهم فيه، فتثاقلوا عنه ولم يخرجوا معه إلى القتال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً حتى أتى موسم بدر، فكفّ بهم الله تعالى بأس العدو ولم يوافقهم أبو سفيان ولم يكن له أن يُوافق، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه.
وذلك قوله: {عَسَى الله} أي لعل الله {أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواًْ} أي قتال المشركين وصولتهم حين ولّيتم وهي من الله واجب، حيث كان، وقد جاء في كلام العرب بمعنى اليقين.
قال ابن مقبل:
ظنّي أنهم كعسى وهم بنتوفة ** يتنازعون جوائز الأمثال

{والله أَشَدُّ بَأْساً} أي أشد صولة وأعظم سلطاناً وأقدر على مايريد {وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} أو عقوبة.
فإن قيل: إذا كان من قولكم: إن عسى من الله واجب فقد قال الله {عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ} ونحن نراهم في بأس وشدة، فأين ذلك الوعد؟ فيقال لهم: قد قيل: إن المراد به الكفرة الذين كفّ بأسهم في بدر الصغرى، والحديبية بقوله: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} [الفتح: 24] الآية، فإن كان ظاهرها العموم فالمراد منها الخصوص.
وقيل: أراد به المدة التي أمر الله فيها القتال لزوال الكفر بقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ} [الأنفال: 39] فعند ذلك يكف بأس الذين كفروا، وهو الوقت. حتى ينزل فيه المهدي فيكون حكماً قسطاً ويظهر الإسلام على الدين كله.
وقيل: إن ذلك في القوم قذف الله في قلوبهم الرعب وأخرجهم من ديارهم وأموالهم بغير قتال من المؤمنين لهم وهذا بأس قد كفّه الله عن المؤمنين.
وقد قيل: إنه أراد به اليهود والنصارى وهم يعطون الجزية وتركوا المحاربة، وقد كف بأسهم عن المؤمنين إذ صاروا يؤدّون الجزية صاغرين.

.تفسير الآيات (85- 91):

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
{مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} أي يحسن القول في الناس ويسعى في إصلاح ذات البين {يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ} أي حظ {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} فيسيء القول في الناس ويمشي بينهم بالنميمة والغيبة. {يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا}.
قال ابن عباس وقتادة: الكفل الوزر والإثم، وقال الفراء وأبو عبيدة: الحظ والنصيب، مأخوذ من قولهم: اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه أو موضع من ظهره كساءً وركبت عليه.
وقيل له: اكتفل لأنه لم يستعمل الظهر كلّه وإنما شغل شيئاً من الظهر.
وقال مجاهد: شفاعة حسنة وشفاعة سيئة شفاعة الناس وهم البعض.
{وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً} مقتدراً.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: مقيتاً أي مقتدراً مجازياً بالحسنة حسنة يقال: أقات أي اقتدر.
قال الشاعر:
وذي ضغن كففت النفس عنه ** وكنت على مساءته مقيتاً

وأنشد النضر بن شميل:
ولا تجزع وكن ذا حفيظه ** فأني عليَّ ما ثناه لمقيت

المبرد: قتّ الشيء أقوته وأقيته أي كففته أمر قوته، ومجاهد: شاهداً، وقال قتادة: حافظاً، والمقيت للشيء الحافظ له.
وقال الشاعر، في غير هذا المعنى:
ليت شعري وأشعرن إذا ما ** قربوها منشورة ودعيت

إليّ الفضل أم عليّ إذا حوسبت ** إنّي على الحساب مقيت

أي موقوف عليه وقال الفرّاء: المقيت المقتدر أن يعطي كل رجل قوته.
وجاء في الحديث: وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ويقيت، ثم نزل في قوم بخلوا برد السلام {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} على المسلمين أي زيدوا عليها كقول القائل: السلام عليكم فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله ونحوها، ومن قال لأخيه المسلم: السلام عليكم كتب له بها عشر حسنات، فإن قال: السلام عليكم ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة، فإن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة، وكذلك لمن ردّ من الأجر.
قال ابن عباس: ومن يسلم عشر مرات فله من الأجر عتق رقبة وكذلك لمن ردَّ السلام عشر مرات {أَوْ رُدُّوهَآ} بمثلها على أهل الكتاب وأهل الشرك فإن كان من أهل دينه فليزد عليه بأحسن منها، وإن كان من غير أهل دينه فليقل وعليكم لايزيد على ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم».
{إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} من رد السلام مثله أو بأحسن منه حسيباً أي حاسباً مجازياً.
وقال مجاهد: حافظاً. أبو عبيدة: كافياً مقتدراً، يقال حسبي كذا أي كفاني.
وأعلم إن بكل موضع وجُد ذكرٌ كان موصولاً بالله فإن ذلك صلح للماضي، والخبر هو المستدل، فإذا كان لغير الله فإنه يكون على خلاف هذا المعنى.
ثم نزل في الذين أنكروا البعث {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ} لاشك فيه، واللام في قوله ليجمعنكم لام القسم ومعناه، والله الذي لا اله إلاّ هو أعلم منكم في الموت وفي أحيائكم إلى يوم القيامة.
وسمّيت القيامة قيامة، لأن الناس يقومون من قبورهم. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً} [المعارج: 43] وقيل: سميت قيامة لقيامهم إلى الحساب. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} [المطففين: 6] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً} أي قولاً ووعداً {فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ} الآية.
نزلت هذه الآية في ناس من قريش، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلموا فأقاموا بها ثم ندموا على ذلك وأرادوا الرجعة، فقال بعضهم لبعض: كيف نخرج؟ قالوا: نخرج كهيئة البدو فإن فطن بنا قلنا: خرجنا نتنزّه، وإن غفل عنّا مضينا، فخرجوا بهيئة المتنزهين، حتى باعدوا من المدينة. ثم كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّا على الذي فارقناك عليه من الإيمان والتصديق بالله وبرسوله، ولكنا اجتوينا المدينة، واشتقنا إلى أرضنا. ثم إنّهم خرجوا في تجارة لهم، على الشام، فبلغ ذلك المسلمين، فقال بعضهم: ما يمنعنا أن نخرج إلى هؤلاء الذين رغبوا عن ديننا، وتركوا هجرتنا، وظاهروا على عدوّنا، فنقتلهم ونأخذ مالهم وقالت طائفة منهم: كيف تقتلون قوماً على دينكم، إن لم يذروا ديارهم، وكان هذا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساكت لاينهى واحداً من الفريقين، حتى نزلت هذه الآية والآيات بعدها، فبين الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم شأنهم.
وقال زيد بن ثابت: نزلت في ناس رجعوا يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول: نقتلهم، وفرقة تقول: لانقتلهم، فنزلت فيهم هذه الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي النار خبث الفضة»يعني المدينة.
وقال قتادة: ذكرهما أنهما كانا رجلين من قريش بمكة تكلّما بالإسلام ولم يهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقيهما ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلين إلى مكة فقال بعضهم: إنّ دماءهما وأموالهما حلال، وقال بعضهم: لا، جلَّ ذلك منا فأنزل الله تعالى {المنافقين} الآية.
وقال عكرمة: هم ناس ممن قد صبوا ليأخذوا أموالاً من أموال المشركين فانطلقوا بها إلى اليمامة فاختلف المسلمون فيهم فنزلت فيهم هذه الآية.
وقال مجاهد: هم قوم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثمّ ارتدّوا بعد ذلك واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتوا بضائع لهم يتاجرون فيها، فخاف المسلمون منهم فقائل يقول: هم منافقون، وقائل يقول: هم مؤمنون، فبيّن الله تعالى نفاقهم.
وقال الضحاك: هم قوم أظهروا الإسلام بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهاجروا فاختلف المسلمون فيهم، فنزلت هذه الآية {فمالكم} يامعشر المؤمنين {في المنافقين فئتين} أي صرتم في المنافقين فئتين فمحلّ ومحرّم، ونصب فئتين على خبر صار، وقال بعضهم: نصب على إلاّ. {والله أَرْكَسَهُمْ} أي أهلكهم، ولكنهم تركوهم بكفرهم وضلالتهم بأعمالهم غير الزاكية يقال: أركست الشيء ركسته أي نكسته ورددته، وفي قراءة عبدالله: وإني والله أنكسهم، وقال ابن رواحة:
أركسوا في فتنة مظلمة ** كسواد الليل يتلوها فتن

{أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ} أي ترشدوا إلى الهدى {مَنْ أَضَلَّ الله} وقيل: معناه: أيقولون أنّ هؤلاء يهتدون والله قد أضلّهم {وَمَن يُضْلِلِ الله} عن الهدى {فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} أي ديناً وطريقاً إلى الهدى {وَدُّواْ} أي تمنّوا {لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} شركاء في ذلك مثلهم كفاراً، ثمّ أمرهم بالبراءة منهم فقال: {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله} الثانية معكم.
قال عكرمة: هي هجرة أخرى وبيعة اخرى، والهجرة على ثلاثة أوجه: أما هجرة المؤمنين أوّل الإسلام فمضى في قوله: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] وقوله: {حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله}، وأما هجرة المؤمنين فهي الخروج في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صابراً محتسباً. قال الله {حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله}، وأما هجرة المؤمنين فهي أن يهجروا ما نهى الله عنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَإِنْ تَوَلَّوْاْ} عن التوحيد والهجرة {فَخُذُوهُمْ} يقول اسروهم {فَخُذُوهُمْ} يعني في الحل والحرم {واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} يعني ما ينافي العون والنصرة، وقوله: {لَوْ تُدْهِنُ} [القلم: 9] لم يرد به جواباً للتمني لأن جواب التمني بالفاء منصوب بما أراد به الفسق على من نزل {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} وودّوا لو تكونون سواء مثل قوله تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] أي ودّوا لو تدهن وودّوا لو تكفرون، ومثله {وَدَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ} [النساء: 102] أي ودّوا لو تغفلون وودّوا لو تميلون، ثم إستثنى طائفة منهم فقال: {إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ} أي يتصلون بقوم وينتسبون اليهم يقال: إتصل أي انتسب، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه» أي من إدعى بدعوى الجاهلية.
قال الأعشى:
إذا اتصلت قالت لبكر بن وائل ** وبكر سبتها والأنوف رواغم

أي إذا انتسب.
ويقال: يصلون من الوصول أي يلحقون إليهم إلى قوم {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ} أي عهد وهم الأسلميون وذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر الأسلمي عند خروجه إلى مكة على أن لا يعينه ولا يعين عليه حتى أتى ويرى، ومن وصل إلى هلال من قومه أو غيرهم ولجأ إليه فلهم من الجوار مثل الذي لهلال.
الضحاك عن ابن عباس: أراد بالقوم الذين بينهم وبينكم ميثاق. بني بكر بن زيد مناة وكانوا في الصلح والهدنة وقوله: {جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي ضاقت صدروهم عن قتالكم، وهم بنو مدلج جاءوا المؤمنين {أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} يعني من آمن منهم، ويجوز أن يكون معناه إنهم لايقاتلوكم ولايقاتلون قومهم فعلم المؤمنون لا عليكم ولا عليهم ولا لكم.
وقال بعضهم: وبمعنى الواو. كانه يقول: إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وجاءوكم ضيقت صدورهم عن قتالكم، والقتال معكم، وهم قوم هلال الأسلميون وبني بكر بن زيد مناة وقوله: {أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي قد حصرت، كقول العرب أي ذهب نظره يريدون قد ذهب.
قال الفراء: سمع الكسائي بعضهم يقول: أصبحت فنظرت إلى ذات البساتين.
{وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} يعني سلط الله المشركين على المؤمنين عقوبة ونقمة.
{فَإِنِ اعتزلوكم} عند القتال، ويقال يوم فتح مكة فهم يقاتلوكم مع قومهم {وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم} أي المسالمة والمصالحة {فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} أي حجة في قتالهم، وعلى دينهم فأمر الله رسوله بالكف عن هؤلاء {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} غيرهم.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: هم أسد وغطفان قدموا المدينة، وكانوا قد تكلموا بالإسلام، وأقروا بالتوحيد ديناً وهم غير مسلمون.
وكان الرجل منهم يقول له قومه: بماذا أسلمت؟ فيقول: هذا الرد بهذا العقرب والخنفساء.
وإذا لقوا محمداً وأصحابه قالوا: إنا على دينكم، يريدون بذلك الأمن في الفريقين جميعاً، فذلك قوله: {يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ} ولا تعرضوا لهم {وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ} ولا تعرضوا لهم يرضونكم ويرضونهم.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: التوحيد، الذين كانوا بهذه الصفة {كُلَّ مَا ردوا إِلَى الفتنة أُرْكِسُواْ فِيِهَا} يعني إذا دَعوا إلى الشرك رجعوا وعادوا إليه ودعوا عليه.
ثم بيّن لرسوله صلى الله عليه وسلم أمرهم فقال: {فَإِنِ اعتزلوكم} أي فإن لم يكفّوا عن قتالكم ويعتزلوكم حتى تسيروا [......] {ويلقوا إِلَيْكُمُ السلم} أي المقاد والصلح {ويكفوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وأولئكم} أي أهل هذه الهدنة {جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} أي عهداً وحجة بيّنة في قتالهم.