فصل: تفسير الآيات (118- 126):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (118- 126):

{لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
{لَّعَنَهُ الله وَقَالَ} يعني إبليس {لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} يعني حظاً معلوماً فما اطاع فيه إبليس فهو مفروضه. قال الفراء ما جعل عليه سبيل، وهو كالمفروض، في بعض التفسير وكل ألف الله عز وجل وسائرهم لإبليس.
وأصل الفرض في اللغة القطع ومنه الفرضة في النهر وهي الثلمة تكون فيه يقال معناها بالفراض والفرض، والفرض الجز الذي يكون في الشباك يشد فيه الخيط، والفريض في القوس الجز الذي يشد فيه الوتر، والفريضة في سائر ما افترض الله عز وجل. ما أمر به العباد وجعله أمراً حتماً عليهم قاطعاً وقوله: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] يعني لهن قطعة من المال.
وقد فرضت للرجل أي جعلت له قطعة من المال.
قول الشاعر:
إذ أكلت سمكاً وفرضاً ** ذهبت طولا وذهبت عرضاً

فالفرض ههنا التمر، وقد سمي التمر فرضاً لأنه يؤخذ في فرائض الصدقة.
ثم قال إبليس {وَلأُضِلَّنَّهُمْ} بمعنى هؤلاء {وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ} أنّه لا جنة، ولا نار، ولابعث.
وقال بعضهم: ولأمنينّهم أي أُلقي في قلوبهم الهيمنة {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام} أي يقطعونها ويشقونها وهي البحيرة {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله}. قال ابن عباس عن الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير: يعني دين الله نظير قوله تعالى: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم: 30] أي لدين الله.
وقال عكرمة وقوم من المفسرين: معناه: فلنغيرنّ خلق الله بالخضاب والوشم وقطع الآذان وفقء العيون.
قال أهل المعاني: معنى قوله: {فليغيرن خلق الله} إن الله خلق الانعام لتركبوها وتأكلوها فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس ينتفعون بها فعبدها المشركون فغيروا خلق الله {وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيّاً} أي ربّاً {مِّن دُونِ الله} فيطيعوه {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} يعدهم إلا يلقون خيراً {وَيُمَنِّيهِمْ} الفقر ألاّ ينفقون في خير ولايصلون رحماً، فقال يمنيهم ان لا بعث ولا جنة ولا نار {وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً} أي باطلاً {أولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يعني مصيرهم جهنم {وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً} أي منعاً قال عوف: بلغني من المؤمن بكيده من الشيطان بأكثر من مضر لو أبدلهم الله له لمات، وإن قيل خبرونا عن قول إبليس {لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [النساء: 118] كيف علم ذلك؟
يقال: قد قيل في هذا أجوبة، منها: إن قالوا إنّ الله تبارك وتعالى كان خاطبه بقوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 119] فعلم إبليس انه ينال من ذرية آدم ما يتمناه.
ومنها: ان قالوا إنه لما وسوس لآدم نال منه ما نال، طمع في ولده ولم ينل من آدم جميع ما يتمناه من الغواية فكذلك طمع في بعض ولده وأيس من جميعهم.
ومنها ان قالوا ان ابليس قد عاين الجنة والنار وعلم ان الله خلقهما لأن يسكنهما من الناس والشياطين، فعلى هذا التأويل قال: {لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [النساء: 118] وإن قيل: لخبرونا عن إضلال الشيطان هل إليه نجح فعله وانفاذ أمره أم لا؟
يقال له: معنى إضلاله الدعاء إلى الضلالة والتزين له ولو كانت الضلالة إليه لأضل الخلق جميعاً ولذلك مَنّ به أباهم {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي من تحت الغرف والمساكن {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب}.
قال قتادة والضحاك: إن المسلمين وأهل الكتاب تناظروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابكم، ونحن أولى بالله منكم، فقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا يفي على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله تعالى {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} الآية.
وقال مجاهد: قالت قريش: لا نبعث ولانحاسب.
وقال أهل الكتاب {لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} [البقرة: 80] فأنزل الله {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب}.
وإسم ليس مضمر المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب {مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} لا ينفعه يمينه {وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: لمّا نزلت هذه الآية شقّت على المسلمين مشقّة شديدة، وقالوا: يا رسول الله وأيّنا لم يعمل سوءاً غيرك وكيف الجزاء؟ فقال: «منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات، ومن يجازي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات، فويل لمن غلب إحداه عشراه.وأما ما كان جزاءه في الآخرة فإنه يؤخر إلى يوم القيامة فيقابل بين حسناته وسيئاته، وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة، فيعطى كل ذي عمل فضله».
وروى إسماعيل عن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهير عن أبي بكر الصديق قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أية آية؟» فقال يقول الله {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} قال: ما عَلِمنا جزينا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قد هلك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تغبْ ألست يصبك القرف» قال: بلى، قال: «فهو ما يجزون به».
وعن عبد الله بن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية في سورة النساء {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ولاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ألا اقرئك آية نزلت عليَّ؟»قلت: بلى يا رسول الله، قال: «فاقرأنيها» فلا أعلم أني وجدت انفصاماً في ظهري حتى تمطّيت لها فقال: «مالك يا أبا بكر».
فقلت: بأبي أنت وأمّي، وأينا لم يعمل سوءاً وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما أنت يا أبابكر وأصحابك المؤمنون فتُجزون ذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب».
وأما الآخرون فتجمع ذنوبهم حتى يجزوا يوم القيامة. وقال عطاء: لما نزلت {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب}. قال أبو بكر: يا رسول الله ما أشدّ هذه الآية قال: «يا أبا بكر إنّك تمرض، وإنّك تحزن، وإنك يصيبك أذى، فذاك بذاك»، وقال عطاء:
قال أبو بكر: جاءت قاصمة الظهر يا رسول الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّما هي المصيبات في الدنيا».
وروى عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قلت: إني لأعلم أي آية من كتاب الله نزلت ببعض من يعمل سوءاً يجز به. قال: إن المؤمن يجازى بأسوء عمله في الدنيا ثم ذكر أشياء منه المرض والنصب وكان آخرون يذكر نصبه إليك كله كل يجازي بعمله، يا عائشة ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا يعذب قالت: فقلت: أليس يقول الله تعالى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق: 8] قال: ما ذلك العرض إنه من نوقش في العذاب عذِب فقال بيده: على المصيبة كان ينكث.
وروى ابن ميثم بن يزيد عن عبد الله بن الأرقم قال عن أبي هريرة يقول: لما نزلت {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب} بكينا وحزنّا وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء، قال: «أما المذنب فمن يده إنها لكم انزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا إلاّ أنه لا يصيب أحداً منكم مصيبة في الدنيا إلاّ كفَّر الله به خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه».
وقال الحسن: في قوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} قال: هو الكافر، لايجزي الله المؤمن يوم القيامة، ولكن المؤمن يجزى بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته. ثم قرأ {لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ} [الزمر: 35] الآية، وقرأ أيضاً، {وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور} [سبأ: 17].
قال الثعلبي: وقلت: لولا السيئة لأُتيَ الجزاء في الكفار. لقوله في سياق الآية {وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} ومن لم يكن له في القيامة نصير ولا ولي كان كافراً فإن الله عز وجل قد ضمن بنصرة المؤمنين في الدارين بقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ} [غافر: 51] الآية.!
ولكن الخطاب متى ورد مجملاً وبيّن الرسول ذلك على لسانه إذ البيان إليه قال الله تعالى {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} وأنزل إليهم ثم بين الله تعالى فضل المؤمنين على مخالفيهم فقال: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً} الآية يعني تكون في ظهر النواة.
عن مسروق قال: لما نزلت هذ الآية {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء حتى نزلت {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ونزل فيهم أيضاً {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً} قد علم ربّنا {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله}.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: يعني أخلص لله عمله، وقيل: فوّض أمره إلى الله، وقيل: مفلح {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي موحد {واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} يعني دين إبراهيم {حَنِيفاً} مسلماً مخلصاً.
قال ابن عباس: ومن دين إبراهيم الكعبة والصلاة ويطوفون بها وحولها والسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمرات وحلق الرأس والموقفان، وسائر المناسك فمن صلى نحو القبلة وأقرّ بهذه الصفة فقد اتبع ابراهيم عليه السلام {واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، في قوله تعالى: {واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} صفياً وخليلا من قولهم: أبا الضيفان يضيف من مرّ بهِ من الناس، وكان منزله على ظهر الطريق، فأصاب الناس سنة وجهدوا عنها واجتمعوا على باب داره يطلبون الطعام، وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل إلى ذلك الخليل فسأله الميرة. قال خليله لغلمانه: لو كان إبراهيم إنّما يريده لنفسه احتملنا ذلك له فقد دخل علينا مادخل على الناس من الشدة، فرجع رُسُلُ إبراهيم إليه فمروا بالبطحاء يعني السهلة، فقالوا: لو انا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس إنا قد جئنا بميرة، إنا نستحي أن نمر بهم وإبلنا فارغة، قال: فملأوا تلك الغرائر سهلة ثم إبراهيم عليه السلام وساره نائمة، فأعلموا ذلك، واهتم إبراهيم لمكان الناس ببابه، فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة، وقد ارتفع النهار، فقالت: سبحان الله ما جاء الغلمان فقالوا لها: بلى قالت: فما جاءوا بشيء، قالوا: بلى، فقامت إلى تلك الغرائر ففتحتها فإذا هو أجود حواري يكون فأمرت الخبازين فخبزوا وطعموا، قال: فلمّا استيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام، فقال: ياسارة من أين هذا الطعام؟ قالت: من عند خليلك المصري؟
قال: هذا من عند خليلي الله، لا من عند خليلي المصري. قال: فيومئذ إتخذه الله خليلاً مصافياً.
وقال الزجاج: الخليل الذي ليس في محبته خلل فجائز أن يكون سمي خليل الله بانه الذي أحبه واصطفاه بالجنة تامة.
وجائز أن يسمّى خليل الله أي فقير إلى الله لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلاّ إلى الله مخلصاً في ذلك.
قال الله {أْنُتُم الفُقَرَاءُ إلى الله} لإن معنى الخليل في اللغة. قد قيل: هو الفقير.
قال زهير يمدح هرم بن سنان:
فإن أتاه خليل يوم مسألة ** يقول لا غايب مالي ولا حرم

والخلة: الصداقة، والخلة: الحاجة، فإذا جعلنا اشتقاق الخليل من الخلة فهو الإخلال الذي يلحق الانسان فيما يحتاج إليه، وإن جعلنا من الخلة فهو أصل الصداقة ومعناهما جميعاً واحد لأن كل واحد منهما يسد خلل صاحبه في المودة والحاجة إليه.
والخلل: كل فرجة يقع في شيء، والخلال الذي يتخلل به، وإنما سمي خلالاً لأنه منع به الخلل من الأسنان، والخل: الطريق في الرمل، معناه إنه إنفرجت فيه فرجة، فصارت طريقاً في الأرض والخلّ الذي يؤكل إنما سمي خلا لأنه أخل منه طعم الحلاوة {وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً} أي لبساطة عمله لجميع الاشياء.

.تفسير الآيات (127- 130):

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء}.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في بنات أم كحه وميراثهن من أُمّهن، وقد مضت هذه القصة في أول السورة.
معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: كان الرجل بالجاهلية يكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل بها ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً، فإن كانت جميلة وهواها تزوجها وأكل مالها وإن كانت دميمة منعها الرجال أبداً حتى تموت، فإذا ماتت ورثها، فحرّم الله تعالى ذلك ونهى عنه وأنزل هذه الآية.
مجاهد والضحاك وقتادة وإبراهيم: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان شيئاً، وكانت المرأة تكون دميمة في الجاهلية، دميمة ولها مال فيكره وليّها أن يتزوجها من أجل دمامتها، ويكره أن يزوّجها غيره من أجل مالها، وكان وليّها لايتزوجها ويحبسها عنده حتى تموت، ويرثها.
سعيد بن جبير: كان وليّ اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال، رغب فيها ونكحها واستأثر بها، وإذا لم تكن ذات مال ولا جمال لم ينكحها ولم ينكّحها فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وعن عبد الله بن عبيدة قال: جاءت امرأة من الأنصار يقال لها خولة بنت حكيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول إن أخي توفّي وترك بنات وليس عندهن من الحُسن مايرغب فيهن الرجال ولا يقسم لهن من ميراث إبيهنّ شيئاً فنزلت فيها. {وَيَسْتَفْتُونَكَ} أي يستخبرونك في النساء {عَلَيْكُمْ فِي الكتاب} أي في القرآن، وموضع مارفع معناه {قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِي الكتاب} ويفتيكم أيضاً فيهن، ويجوز أن يكون في موضع الخفض، فيكون معناه قل الله يفتيكم فيهن وفيما يتلى بينكم، وهو بعيد لأن الظاهر لا يعطف على المضمر، وجه الرفع أبين لأن مايتلى في الكتاب ويتلى بين ما سألوه عنه معنى، قل الله يفتيكم فيهن في كتابه يفتيكم فيهن وهو قوله: {وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ} الآية وقوله: {فِي يَتَامَى النسآء اللاتي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ} أي لاتعطونهن {مَا كُتِبَ لَهُنَّ} يعني فرض لهن من الميراث {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} أي وترغبون عن نكاحهن لملكهن، وقيل: ترغبون في نكاحهن لمالهن {والمستضعفين مِنَ الولدان} يعني الصغار من الصبيان وهو في موضع الخفض والمعنى: قل الله يفتيكم فيهن والمستضعفين {وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط} أي بالعدل {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله كَانَ بِهِ عَلِيماً}.
وروى شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب إنّ آخر آية كانت {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن} وآخر سورة براءة {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله كَانَ بِهِ عَلِيماً} نزلت في عمرة ويقال خويلة بنت محمد بن سلمة في زوجها رافع بن الرفيع ويقال رافع بن خديج تزوجها وهي شابة فلمّا أدبرت وعلاها يعني تزوج عليها امرأة شابة وآثر عليها وحفا ابنه محمد بن سلمة وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه، فنزلت فيها هذه الآية هذا قول: الكلبي وجماعة المفسرين، وقال سعيد بن جبير: كان رجل وله إمرأة قد كبرت وكان له منها أولاد فأراد أن يطلقها، ويتزوج غيرها فقالت لا تطلقني ودعني أقوم على ولدي وأقسم لي في كل شهرين إن شئت أو أكثر وإن شئت فلا تقسم لي، فقال: إن كان يمنع ذلك فهو أحبّ إليّ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: قد سمع الله ما تقول فإن شاء أجابك فأنزل الله عز وجل {وَإِنِ امرأة خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} أي علمت من زوجها نشوزاً يعني بغضاً.
قال الكلبي: يعني ترك مجامعتها ومضاجعتها أو إعراضاً عن مساكنتها، وعن مجالستها وعن محادثتها {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ} يعني على الزوج والمرأة {أَن يُصْلِحَا} أي يستصلحا {بَيْنَهُمَا صُلْحاً} أي في القسمة والنفقة وهو أن يقول لها: إنك امرأة دميمة وقد دخلت في العنّ وأريد أن أتزوج عليك امرأة شابّة جميلة، فيؤثرها في القسمة عليها لشبابها، فإن رضيت بهذا فأقيمي، وإن كرهت خلّيت سبيلك، فإن رضيت بذلك كانت هي المحسنة ولايعسر عليّ ذلك، وإن لم ترض أُعطيتْ حقّها، فالواجب على الزوج أن يوفّيها حقّها من المقام والنفقة أو يسرّحها بإحسان ولايحبسها على الخسف، وإن يقام عليها وفّاها حقّها مع كراهيته صحبتها، فهو المحسن الذي مدحه الله وأخبره انه عالم بصنيعه ومجازيه على فعله ولايجبر الرجل على وطء واحدة لأنه هو الزوج وهو حظه وإذا تركه لم يجبر عليه وليس هو كالمقام والنفقة.
وقوله: {والصلح خَيْرٌ} يعني إقامتها بعد تخييره إياها ومصالحتها على شيء معلوم في المقام والنفقة، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجته ومكثت معه وذلك أنها كانت امرأة كبيرة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسرحها فطلبت إليه أن لا يفعل وقالت: إنّي أُحبّ أن أُبعث في نسائك يوم القيامة، ألا فإنّ يومي وليلتي لعائشة.
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: في قوله: {والصلح خَيْرٌ} قال: المرأة تكون عند الرجل فتكون صغيرة أو كبيرة أو لايحبّها زوجها، فيصطلحان على صلح.
وقال سعيد بن جبير: فهو أن يتراضيا على شيء معلوم في نفسه وماله.
قال الضحاك: الصلح أن ينقصها من حقها إذا تزوج أشبّ منها وأعجب إليه.
وقال مقاتل بن حيان في هذه الآية: فهو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوّج عليها الشابة، فيقول للمرأة الكبيرة: أُعطيك من زماني نصيباً على أن أقسم لهذه الشابة أكثر مما أقسم لك من الليل والنهار وترضى الأخرى بما أصطلحا عليه فإن أبت ألا ترضى فعليه أن يعدل بينهما على القسمة.
وروى إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن سليمان بن يسار عن ابن عباس: في قوله تعالى: {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً والصلح خَيْرٌ} [النساء: 128]. قال: المرأة الكبيرة الدميمة تكون عند الرجل يريد طلاقها والإستبدال بها فصالحها هذه على بعض حقها من القسمة والنفقة، فذلك جائز بعد ما رضيت، فإن أنكرت بعد الصلح، فذلك لها، ولها حقّها، أمسك أو طلق.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هي المرأة تكون عند الرجل وله إمرأة غيرها أحبّ إليه منها فيؤثرها عليها، فأمر الله تعالى إذا كان ذلك أن يقول لها: يا هذه إن شئت أن تقيمي على ماترين من هذه فآويك وأنفق عليك فأقيمي، وأن كرهت خليت سبيلك، فإن هي رضيت أن تقيم بعد ان خيَّرها فلا جناح عليه وهو قوله: {والصلح خير} وهو التخيير.
وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن خلد بن عرعرة قال: سأل رجل علياً عن قوله عز وجل {وَإِنِ امرأة خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} الآية قال: تكون المرأة عند الرجل فتنبو عينه عنها من دمامة أو كبر فتفتدي منه تكره فرقته، وإن أعطته من ماله فهو حل له أو أعطته من أثاثها فهو حل له {وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح} يقول: شحت المرأة نصيبها من زوجها وشح الرجل نصيبه من الأخرى.
قال ابن عباس: والشح هو في الشيء يحرص عليه {وَإِن تُحْسِنُواْ} يعني تصلحوا بينهما بالسوية {وَتَتَّقُواْ} الجور والميل.
وقيل: هذا الخطاب للزوج يهني: وإن تحسنوا بالإقامة عليها، مع كراهتكم لصحبتهما وتتّقوا ظلمها {فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} فيخبركم بأعمالكم.
{فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} يقول: لن تقدروا ان تسوّوا بينهن في الحب {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} على العدل {فَلاَ تَمِيلُواْ} إلى الشابة الجميلة التي تحبّونها {كُلَّ الميل} في النفقة والقسمة والإقبال عليها وتدّعوا الأخرى {كالمعلّقة} أي كالمنوطة لا أيمّاً ولا ذات متاع.
قتادة والكلبي: كالمعلقة كالمحبوسة وهي في امرأة أُبيّ بن كعب كأنها مسجونة.
وقال مجاهد: لن تستطيعوا العدل بينهن فلا يتعمدوا ذلك.
وذُكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم أما قلبي فلا أملك وأما ماسوى ذلك فأرجو أن أعدل.
{وَإِن تُصْلِحُواْ} بالعدل في القسمة بينهن {وَتَتَّقُواْ} الجور {فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} بما قلت إلى التي تحبّها بقلبك بعد العدل في القسمة {وَإِن يَتَفَرَّقَا} يعني عن المرأة بالطلاق {يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ} أي من النفقة يعني المرأة بزوج والزوج بإمرأة. {وَكَانَ الله وَاسِعاً} لهما في النكاح {حَكِيماً} يمكن للزوج إمساكاً بمعروف أو تسريحاً بإحسان.
حكم الآية:
علم أن الله عز وجل الرأفة بالعباد وعلمه بأحوالهم فنبّههم على نحو وجب عليهم من حقوق النساء ونهاهم عن الميل في افعالهم إذا لم يكن لهم سبيل إلى التسوية بينهن في المحبة ومتى جمع العبد من الفعل لمال عنه إلى واحدة بعينها دون غيرها كان ذلك جوراً، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك وليس أحكم فيما لا يملك».
يعني به قلبه، وكان يطوف به على نسائه في مرضه حتى حلّلته نساءه فأقام عند عائشة، وعماد القسم الليل، لأنه يسكن فيه قال الله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليل} [الأنعام: 13] فمتى كان عند الرجل حرائر مسلمات وذمّيات فهو في القسم سواء ويقسم للحرّة ليلتين، وللأمة ليلة إذا خلى المولى بينه وبينها في ليلتها ويومها، وللأمة أن تحلله من قسمها دون المولى لأنه حقها في خاصة نفسها ولايجامع المرأة في غير يومها، ولا لرجل أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها، ولابأس أن يدخل عليها بالنهار في حاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها، فإن ثقلت فلا بأس أن يقيم حتى تخف أو تموت ثمّ يوفي من بقي من نسائه مثل مابقي عندها، وإن أراد أن يقسم بين ليلتين ليلتين أو ثلاثاً كان له ذلك.
ذكر استدلال من إستدل من هذه الآية على تكليف ما لايطاق:
قالوا: قال الله عز وجل {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل} فأمرهم الله عز وجل أن يعدلوا، وأخبر أنهم لايستطيعون أن يعدلوا فقد أمرهم بمالا يستطيعون وكلفهم مالا يطيقون.
إن قال قائل: هل كلف الله الكفار مالا يطيقون؟ قيل له: إن أردت أنه كلفهم مالا يطيقون لعجز حائل وآفة مانعة، فلا، لأنه قد صحح أبدانهم وأكمل نطقهم وأوجدهم في الأرض ودفع عنهم العلل والآفات، وإن أردت أنه كلّفهم مالا يقدرون عليه بتركهم له واشتغالهم بضدّه، فقد كلفهم ذلك.
فإن قالوا: أفيقدر الكافر لايتشاغل للكفر؟ قيل لهم: إن معنى لا يتشاغل بالكفر هو أن تؤمن فكأنكم قلتم: يقدر ان يؤمن وهو مقيم على كفره فقد قلنا إنه مادام مشغولاً بكفر ليس بقادر على الإيمان على ما جوزت اللغة من أن الانسان قادر على الفعل بمعنى أنه إن لم يفرط فأثر فيه كما قالوا فلان يقدر على رجل يعني يقدر عليه لو رامه وقصد إلى حمله، نظير قولهم: فلان يفهم أي إنه يفهم الشيء، إذا أُورد عليه، وكذلك يقولون: الطعام مشبع، والماء مروي، ويعني في ذلك أن الطعام يشبع إذا أُكل.
والماء يروي إذا شرب.
والذي يوضح ذلك ما يتداوله الناس بينهم من قول الرجل: قم معي في حال كذا، والجواب: لا أقدر على المجيء معك لما أنا فيه من الشغل، وقد قال الله تعالى {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} [هود: 20] يعني القبول لاستثقالهم إيّاه، ومن المشتبه من قال: وهل يقدر الكافر على الإيمان؟ يقول: إن ارادهُ كان قادراً عليه، فإذا قال له: فيقدر أن يريده؟ قال: إن كره الكفر، وإذا قيل له: هل يقدر على الكفر؟ قال: يقدر على ذلك إن أراد الإيمان، فكلّما كرّر عليه السؤال كرّر هذا الجواب.
{وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} لها مالكاً.