فصل: تفسير الآية رقم (38)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى ياهامان عَلَى الطين‏}‏ فاطبخ لي الآجرّ ‏{‏فاجعل لّى صَرْحاً‏}‏ قصراً عالياً ‏{‏لَّعَلّى أَطَّلِعُ إلى إله موسى‏}‏ أنظر إليه وأقف عليه ‏{‏وَإِنّى لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين‏}‏ في ادّعائه إلها آخر وأنه رسوله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرض‏}‏ أرض مصر ‏{‏بِغَيْرِ الحق وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ‏}‏ بالبناء للفاعل وللمفعول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم‏}‏ طرحناهم ‏{‏فِي اليم‏}‏ البحر المالح فغرقوا ‏{‏فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين‏}‏ حين صاروا إلى الهلاك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏وجعلناهم‏}‏ في الدنيا ‏{‏أَئِمَّةَ‏}‏ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء رؤساء في الشرك ‏{‏يَدْعُونَ إِلَى النار‏}‏ بدعائهم إلى الشرك ‏{‏وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ‏}‏ بدفع العذاب عنهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏وأتبعناهم فِى هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً‏}‏ خِزْياً ‏{‏وَيَوْمَ القيامة هُمْ مّنَ المقبوحين‏}‏ المُبْعَدِين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب‏}‏ التوراة ‏{‏مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الأولى‏}‏ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ‏{‏بَصَائِرَ لِلنَّاسِ‏}‏ حال من الكتاب جمع بصيرة وهو نور القلب أي أنواراً للقلوب ‏{‏وهدى‏}‏ من الضلالة لمن عمل به ‏{‏وَرَحْمَةً‏}‏ لمن آمن به ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ يتعظون بما فيه من المواعظ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ‏}‏ يا محمد ‏{‏بِجَانِبِ‏}‏ الجبل أو الوادي أو المكان ‏{‏الغربى‏}‏ من موسى حين المناجاة ‏{‏إِذْ قَضَيْنَا‏}‏ أوحينا ‏{‏إلى مُوسَى الأمر‏}‏ بالرسالة إلى فرعون وقومه ‏{‏وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين‏}‏ لذلك فتعلمه فتخبر به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً‏}‏ أمما من بعد موسى ‏{‏فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر‏}‏ أي طالت أعمارهم فنسوا العهود واندرست العلوم وانقطع الوحي فجئنا بك رسولاً وأوحينا إليك خبر موسى وغيره ‏{‏وَمَا كُنتَ ثَاوِياً‏}‏ مقيماً ‏{‏فِى أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا‏}‏ خبر ثان فتعرف قصتهم فتخبر بها ‏{‏وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ‏}‏ لك وإليك بأخبار المتقدّمين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور‏}‏ الجبل ‏{‏إِذْ‏}‏ حين ‏{‏نَادَيْنَا‏}‏ موسى أن خذ الكتاب بقوّة ‏{‏ولكن‏}‏ أرسلناك ‏{‏رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ‏}‏ وهم أهل مكة ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ يتعظون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ‏}‏ عقوبة ‏{‏بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ من الكفر وغيره ‏{‏فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلا‏}‏ هلا ‏{‏أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءاياتك‏}‏ المرسل بها ‏{‏وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين‏}‏ وجواب لولا محذوف وما بعدها مبتدأ، والمعنى لولا الإِصابة المسبب عنها قولهم أو لولا قولهم المسبب عنها أي لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسولاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ الحق‏}‏ محمد ‏{‏مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلا‏}‏ هلا ‏{‏أُوتِىَ مِثْلَ مَا أُوتِىَ موسى‏}‏ من الآيات كاليد البيضاء والعصا وغيرهما أو الكتاب جملة واحدة‏؟‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِىَ موسى مِن قَبْلُ‏}‏ حيث ‏{‏قَالُواْ‏}‏ فيه وفي محمد ‏{‏سِحْرَانِ‏}‏ وفي قراءة «ساحران» أي القرآن والتوراة ‏{‏تظاهرا‏}‏ تعاونا ‏{‏وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ‏}‏ من النبيَّين والكتابَيْنِ ‏{‏كافرون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏فَأْتُواْ بكتاب مّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَا‏}‏ من الكتابين ‏{‏أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صادقين‏}‏ في قولكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ‏}‏ دعاءَك بالإتيان بكتاب ‏{‏فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ‏}‏ في كفرهم ‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هواه بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله‏}‏ أي لا أضلَّ منه ‏{‏إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين‏}‏ الكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ وَصَّلْنَا‏}‏ بيَّنَّا ‏{‏لَهُم الْقَوْلَ‏}‏ القرآن ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ يتعظون فيؤمنون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ‏}‏ أي القرآن ‏{‏هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ‏}‏ أيضاً نزلت في جماعة أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره ومن النصارى قدموا من الحبشة ومن الشام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ‏}‏ القرآن ‏{‏قَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ‏}‏ موحِّدين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ‏}‏ بإيمانهم بالكتابَيْن ‏{‏بِمَا صَبَرُواْ‏}‏ بصبرهم على العمل بهما ‏{‏وَيَدْرَءُونَ‏}‏ يدفعون ‏{‏بالحسنة السيئة‏}‏ منهم ‏{‏وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ‏}‏ يتصدّقون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو‏}‏ الشتم والأذى من الكفار ‏{‏أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ‏}‏ سلام متاركة أي‏:‏ سلمتم منّا من الشتم وغيره ‏{‏لاَ نَبْتَغِى الجاهلين‏}‏ لا نصحبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

ونزل في حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان عمه أبي طالب ‏{‏إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ‏}‏ هدايته ‏{‏ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ‏}‏ أي عالم ‏{‏بالمهتدين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالُواْ‏}‏ أي قومه ‏{‏إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا‏}‏ أي نُنْتَزَعْ منها بسرعة قال تعالى ‏{‏أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً ءَامِناً‏}‏ يأمنون فيه من الإِغارة والقتل الواقعَيْن من بعض العرب على بعض ‏{‏يجبى‏}‏ بالفوقانية والتحتانية ‏{‏إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَئ‏}‏ من كل أَوْب ‏{‏رِزْقاً‏}‏ لهم ‏{‏مّن لَّدُنَّا‏}‏ أي عندنا‏؟‏ ‏{‏ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ أنّ ما نقوله حق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا‏}‏‏؟‏ أي عيشها وأريد بالقرية أهلها ‏{‏فَتِلْكَ مساكنهم لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ للمارّة يوما أو بعضه ‏{‏وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين‏}‏ منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى‏}‏ بظلم منها ‏{‏حتى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا‏}‏ أي أعظمها ‏{‏رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون‏}‏ بتكذيب الرسل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا أُوتِيتُم مّن شَئ فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا‏}‏ أي تتمتعون وتتزينون به أيام حياتكم ثم يفنى ‏{‏وَمَا عِندَ الله‏}‏ أي ثوابه ‏{‏خَيْرٌ وأبقى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ‏}‏ بالتاء والياء أنّ الباقي خير من الفاني‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَمَن وعدناه وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقيه‏}‏ مصيبه وهو الجنة ‏{‏كَمَن مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا‏}‏ فيزول عن قريب ‏{‏ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين‏}‏ النار‏؟‏ الأوّل المؤمن، والثاني الكافر، أي لا تَسَاوِيَ بينهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏يَوْمَ يُنَادِيهِمْ‏}‏ الله ‏{‏فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ‏}‏ هم شركائي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول‏}‏ بدخول النار وهم رؤساء الضلالة ‏{‏رَبَّنَا هؤلاء الذين أَغْوَيْنَا‏}‏ هم مبتدأ وصفتة ‏{‏أغويناهم‏}‏ خبره فغووا ‏{‏كَمَا غَوَيْنَا‏}‏ لم نكرههم على الغيّ ‏{‏تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ‏}‏ منهم ‏{‏مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ‏}‏ ما نافية وقدّم المفعول للفاصلة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏وَقِيلَ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ‏}‏ أي الأصنام الذين تزعمون أنهم شركاء الله ‏{‏فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ‏}‏ دعاءهم ‏{‏وَرَأَوُاْ‏}‏ هم ‏{‏العذاب‏}‏ أبصروه ‏{‏لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ‏}‏ في الدنيا لما رأوه في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏يَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المرسلين‏}‏ إليكم‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء‏}‏ الأخبار المنجية في الجواب ‏{‏يَوْمَئِذٍ‏}‏ أي لم يجدوا خيراً لهم فيه نجاة ‏{‏فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ‏}‏ عنه فيسكتون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَمَّا مَن تَابَ‏}‏ من الشِّرك ‏{‏وَءَامَنَ‏}‏ صدّق بتوحيد الله ‏{‏وَعَمِلَ صالحا‏}‏ أَدَّى الفرائض ‏{‏فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين‏}‏ النّاجين بوعد الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ‏}‏ ما يشاء ‏{‏مَا كَانَ لَهُمُ‏}‏ للمشركين ‏{‏الخيرة‏}‏ الاختيار في شيء ‏{‏سبحان الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ عن إشراكهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ‏}‏ تُسرُّ قلوبهم من الكفر وغيره ‏{‏وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏ بألسنتهم من ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الحمد فِى الأولى‏}‏ الدنيا ‏{‏والأخرة‏}‏ الجنة ‏{‏وَلَهُ الحكم‏}‏ القضاء النافذ في كل شيء ‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ بالنشور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لأهل مكة ‏{‏أَرَءَيْتُمْ‏}‏ أي أخبروني ‏{‏إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اليل سَرْمَداً‏}‏ دائما ‏{‏إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله‏}‏ بزعمكم ‏{‏يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ‏}‏ نهار تطلبون فيه المعيشة ‏{‏أَفَلاَ تَسْمَعُونَ‏}‏ ذلك سماع تفهُّم فترجعون عن الإِشراك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله‏}‏ بزعمكم‏؟‏ ‏{‏يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ‏}‏ تستريحون ‏{‏فِيهِ‏}‏ من التعب ‏{‏أَفلاَ تُبْصِرُونَ‏}‏ ما أنتم عليه من الخطأ في الإِشراك فترجعون عنه‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏73‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِن رَّحْمَتِهِ‏}‏ تعالى ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ‏}‏ في الليل ‏{‏وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ‏}‏ في النهار للكسب ‏{‏وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ النعمة فيهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏يَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ‏}‏ ذكر ثانياً ليبنى عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏وَنَزَعْنَا‏}‏ أخرجنا ‏{‏مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا‏}‏ وهو نبيهم يشهد عليهم بما قالوا ‏{‏فَقُلْنَا‏}‏ لهم ‏{‏هَاتُواْ برهانكم‏}‏ على ما قلتم من الإِشراك ‏{‏فَعَلِمُواْ أَنَّ الحق‏}‏ في الإلهية ‏{‏لِلَّهِ‏}‏ لا يشاركه فيه أحد ‏{‏وَضَلَّ‏}‏ غاب ‏{‏عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ‏}‏ في الدنيا من أنّ معه شريكاً، تعالى عن ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى‏}‏ ابن عمه وابن خالته وآمن به ‏{‏فبغى عَلَيْهِمْ‏}‏ بالكبر والعلوّ وكثرة المال ‏{‏وءاتيناه مِنَ اكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحُهُ لَتَنُوَأُ‏}‏ تثقل ‏{‏بالعصبة‏}‏ الجماعة ‏{‏أُوْلِى‏}‏ أصحاب ‏{‏القوة‏}‏ أي تثقلهم فالباء للتعدية‏.‏ وعددهم‏:‏ قيل سبعون وقيل أربعون وقيل عشرة وقيل غير ذلك، واذكر ‏{‏إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ‏}‏ المؤمنون من بني إسرائيل ‏{‏لاَ تَفْرَحْ‏}‏ بكثرة المال فَرَحَ بَطَرٍ ‏{‏إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين‏}‏ بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏وابتغ‏}‏ اطلب ‏{‏فِيمَا ءاتاك الله‏}‏ من المال ‏{‏الدار الأخرة‏}‏ بأن تنفقه في طاعة الله ‏{‏وَلاَ تَنسَ‏}‏ تترك ‏{‏نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا‏}‏ أي أن تعمل فيها للآخرة ‏{‏وَأَحْسَن‏}‏ للناس بالصدقة ‏{‏كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ‏}‏ تطلب ‏{‏الفساد فِى الأرض‏}‏ بعمل المعاصي ‏{‏إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين‏}‏ بمعنى أنه يعاقبهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ‏}‏ أي المال ‏{‏على عِلْمٍ عِندِى‏}‏ أي في مقابلته وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون‏}‏ الأمم ‏{‏مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً‏}‏ للمال‏؟‏ أي هو عالم بذلك ويهلكه الله ‏{‏وَلاَ يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون‏}‏ لعلمه تعالى بها فيدخلون النار بلا حساب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏فَخَرَجَ‏}‏ قارون ‏{‏على قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ‏}‏ بأتباعه الكثيرين ركباناً متحلّين بملابس الذهب والحرير على خيول وبغال متحلية ‏{‏قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا يا‏}‏ للتنبيه ‏{‏لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون‏}‏ في الدنيا ‏{‏إِنَّهُ لَذُو حَظّ‏}‏ نصيب ‏{‏عظِيمٌ‏}‏ وافٍ فيها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ‏(‏80‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ‏}‏ لهم ‏{‏الذين أُوتُواْ العلم‏}‏ بما وعد الله في الآخرة ‏{‏وَيْلَكُمْ‏}‏ كلمة زجر ‏{‏ثَوَابُ الله‏}‏ في الآخرة بالجنة ‏{‏خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالحا‏}‏ مما أُوتي قارون في الدنيا ‏{‏وَلاَ يلقاها‏}‏ أي الجنة المثاب بها ‏{‏إِلاَّ الصابرون‏}‏ على الطاعة وعن المعصية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏فَخَسَفْنَا بِهِ‏}‏ بقارون ‏{‏وَبِدَارِهِ الأرض فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله‏}‏ أي غيره بأن يمنعوا عنه الهلاك ‏{‏وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين‏}‏ منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بالأمس‏}‏ أي من قريب ‏{‏يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ‏}‏ يوسّع ‏{‏الرزق لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ‏}‏ يضيّق على من يشاء و«وي» اسم فعل بمعنى‏:‏ أعجب، أي أنا والكاف بمعنى اللام ‏{‏لَوْلا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا‏}‏ بالبناء للفاعل والمفعول ‏{‏وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون‏}‏ لنعمة الله كقارون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏تِلْكَ الدار الأخرة‏}‏ أي الجنة ‏{‏نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الأرض‏}‏ بالبغي ‏{‏وَلاَ فَسَاداً‏}‏ بعمل المعاصي ‏{‏والعاقبة‏}‏ المحمودة ‏{‏لّلْمُتَّقِينَ‏}‏ عقاب الله، بعمل الطاعات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏{‏مَن جَاءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا‏}‏ ثواب بسببها وهو عشر أمثالها ‏{‏وَمَن جَاءَ بالسيئة فَلاَ يُجْزَى الذين عَمِلُواْ السيئات إِلاَّ‏}‏ جزاء ‏{‏مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ مثله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذى فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان‏}‏ أنزله ‏{‏لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ‏}‏ إلى مكة وكان قد اشتاقها ‏{‏قُل رَّبِّى أَعْلَمُ مَن جَاءَ بالهدى وَمَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ‏}‏ نزل جواباً لقول كفار مكة له‏:‏ إنك في ضلال، أي فهو الجائي بالهدى، وهم في ضلال و«أعلم» بمعنى عالم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏إِلاَّ‏}‏ لكن ألقي إليك ‏{‏رَحْمَةً مّن رَّبّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً‏}‏ معيناً ‏{‏للكافرين‏}‏ على دينهم الذي دعوك إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَصُدُّنَّكَ‏}‏ أصله ‏(‏يصدونَنْكَ‏)‏ حذفت نون الرفع للجازم، والواو للفاعل لالتقائها مع النون الساكنة ‏{‏عَنْ ءايات الله بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ‏}‏ أي لا ترجع إليهم في ذلك ‏{‏وادع‏}‏ الناس ‏{‏إلى رَبّكَ‏}‏ بتوحيده وعبادته ‏{‏وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين‏}‏ بإعانتهم، ولم يؤثر الجازم في الفعل لبنائه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَدْعُ‏}‏ تعبد ‏{‏مَعَ الله إلها ءَاخَرَ لاَ إله إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَئ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ‏}‏ إلا إياه ‏{‏لَهُ الحكم‏}‏ القضاء النافذ ‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ بالنشور من قبوركم‏.‏

سورة العنكبوت

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الم‏}‏ الله أعلم بمراده بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ‏}‏ أي‏:‏ بقولهم ‏{‏ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ‏}‏ يختبرون بما يتبين به حقيقة إيمانهم‏؟‏ نزل في جماعة آمنوا فآذاهم المشركون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ‏}‏ في إيمانهم علم مشاهدة ‏{‏وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين‏}‏ فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات‏}‏ الشرك والمعاصي ‏{‏أَن يَسْبِقُونَا‏}‏ يفوتونا فلا ننتقم منهم‏؟‏ ‏{‏سَاءَ‏}‏ بئس ‏{‏مَا‏}‏ الذي ‏{‏يَحْكُمُون‏}‏ ه حكمهم هذا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏مَن كَانَ يَرْجُواْ‏}‏ يخاف ‏{‏لِقَاء الله فَإِنَّ أَجَلَ الله‏}‏ به ‏{‏لأَتٍ‏}‏ فليستعدّ له ‏{‏وَهُوَ السميع‏}‏ لأقوال العباد ‏{‏العليم‏}‏ بأفعالهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن جاهد‏}‏ جهاد حَرْب أو نفس ‏{‏فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ‏}‏ فإن منفعة جهاده له لا لله ‏{‏إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين‏}‏ الإِنس والجنّ والملائكة وعن عبادتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ‏}‏ بعمل الصالحات ‏{‏وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ‏}‏ بمعنى‏:‏ حُسْن ونصبه بنزع الخافض الباء ‏{‏الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ وهو الصالحات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً‏}‏ أي إيصاءً ذا حُسْنٍ بأن يبرَّهما ‏{‏وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ‏}‏ بإشراكه ‏{‏عِلْمٌ‏}‏ موافقة للواقع فلا مفهوم له ‏{‏فَلاَ تُطِعْهُمَا‏}‏ في الإِشراك ‏{‏إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ فأجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى الصالحين‏}‏ الأنبياء والأولياء بأن نحشرهم معهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بالله فَإِذَا أُوذِىَ فِى الله جَعَلَ فِتْنَةَ الناس‏}‏ أي أذاهم له ‏{‏كَعَذَابِ الله‏}‏ في الخوف منهم فيطيعهم فينافق ‏{‏وَلَئِنِ‏}‏ لام قسم ‏{‏جَاءَ نَصْرٌ‏}‏ للمؤمنين ‏{‏مِن رَبّكَ‏}‏ فغنموا ‏{‏لَّيَقُولَنَّ‏}‏ حذفت منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين ‏{‏إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ‏}‏ في الإِيمان فأشرِكونا في الغنيمة قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ‏}‏ أي بعالم ‏{‏بِمَا فِى صُدُورِ العالمين‏}‏ قلوبهم من الإِيمان والنفاق‏؟‏ بلى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين ءَامَنُواْ‏}‏ بقلوبهم ‏{‏وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين‏}‏ فيجازي الفريقين واللام في الفعلين لام قسم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا‏}‏ ديننا ‏{‏وَلْنَحْمِلْ خطاياكم‏}‏ في اتباعنا إن كانت والأمر بمعنى الخبر، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَئ إِنَّهُمْ لكاذبون‏}‏ في ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ‏}‏ أوزارهم ‏{‏وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ‏}‏ بقولهم للمؤمنين‏:‏ ‏{‏اتبعوا سَبِيلَنَا‏}‏ وإضلالهم مقلديهم ‏{‏وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمُ القيامة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ‏}‏ يكذبون على الله سؤال توبيخ واللام في الفعلين لام قسم، وحذف فاعلهما‏:‏ الواو ونون الرفع‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ‏}‏ وعمره أربعون سنة أو أكثر ‏{‏فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً‏}‏ يدعوهم إلى توحيد الله فكذبوه ‏{‏فَأَخَذَهُمُ الطوفان‏}‏ أي الماء الكثير طاف بهم وعلاهم فغرقوا ‏{‏وَهُمْ ظالمون‏}‏ مشركون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏فأنجيناه‏}‏ أي نوحاً ‏{‏وأصحاب السفينة‏}‏ أي الذين كانوا معه فيها ‏{‏وجعلناها ءَايَةً‏}‏ عبرة ‏{‏للعالمين‏}‏ لمن بعدهم من الناس إن عصوا رسلهم وعاش نوح بعد الطوفان ستين سنة أو أكثر حتى كثر الناس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذْكر ‏{‏إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه‏}‏ خافوا عقابه ‏{‏ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ مما أنتم عليه من عبادة الأصنام ‏{‏إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ الخير من غيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏أوثانا وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً‏}‏ تقولون كذباً أن الأوثان شركاء لله ‏{‏إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً‏}‏ لا يقدرون أن يرزقوكم ‏{‏فابتغوا عِندَ الله الرزق‏}‏ اطلبوه منه ‏{‏واعبدوه واشكروا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن تُكَذّبُواْ‏}‏ أي تكذبوني يا أهل مكة ‏{‏فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ‏}‏ من قبلي ‏{‏وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين‏}‏ إلا البلاغ البيّن في هاتين القصتين تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‏(‏19‏)‏‏}‏

وقال تعالى في قومه‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْاْ‏}‏ بالياء والتاء ينظروا ‏{‏كَيْفَ يُبْدِئ الله الخلق ثُمَّ‏}‏ هو بضم أوله، وقرئ بفتحه من بدأ وأبدأ بمعنى أي يخلقهم ابتداء ‏{‏ثُمَّ‏}‏ هو ‏{‏يُعِيدُهُ‏}‏ أي الخلق كما بدأهم ‏{‏إِنَّ ذلك‏}‏ المذكور من الخلق الأول والثاني ‏{‏عَلَى الله يَسِيرٌ‏}‏ فكيف ينكرون الثاني‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق‏}‏ لمن كان قبلكم وأماتهم ‏{‏ثُمَّ الله يُنشِئ النشأة الأخرة‏}‏ مَدّاً وقصراً مع سكون الشين ‏{‏إِنَّ الله على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏ ومنه البدء والإِعادة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏يُعَذّبُ مَن يَشَاءُ‏}‏ تعذيبه ‏{‏وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ‏}‏ رحمته ‏{‏وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ‏}‏ تُردّون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ‏}‏ ربكم عن إدراككم ‏{‏فِي الأرض وَلاَ فِى السماء‏}‏ لو كنتم فيها‏:‏ أي لا تفوتونه ‏{‏وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏مِن وَلِىٍّ‏}‏ يمنعكم منه ‏{‏وَلاَ نَصِيرٍ‏}‏ ينصركم من عذابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏والذين كَفَرُواْ بئايات الله وَلِقَائِهِ‏}‏ أي القرآن والبعث ‏{‏أولئك يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى‏}‏ أي جنتي ‏{‏وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ مؤلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام‏:‏ ‏{‏فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرّقُوهُ فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار‏}‏ التي قذفوه فيها بأن جعلها عليه ‏{‏بَرْداً وسلاما‏}‏ ‏[‏69‏:‏ 21‏]‏ ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ‏}‏ أي في إنجائه منها ‏{‏لأيات‏}‏ هي عدم تأثيرها فيه مع عظمها وإخمادها وإنشاء روض مكانها في زمن يسير ‏{‏لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ يصدّقون بتوحيد الله وقدرته لأنهم المنتفعون بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ‏}‏ إبراهيم ‏{‏إِنَّمَا اتخذتم مّن دُونِ الله أوثانا‏}‏ تعبدونها وما مصدرية ‏{‏مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ‏}‏ خبر إن، وعلى قراءة النصب مفعول له وما كافة المعنى‏:‏ تواددتم على عبادتها ‏{‏فِي الحياة الدنيا ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ‏}‏ يتبرأ القادة من الأتباع ‏{‏وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً‏}‏ يلعن الأتباع القادة ‏{‏ومأواكم‏}‏ مصيركم جميعا ‏{‏النار وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين‏}‏ مانعين منها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏فَئَامَنَ لَهُ‏}‏ صدّق بإبراهيم ‏{‏لُوطٌ‏}‏ وهو ابن أخيه هاران ‏{‏وَقَالَ‏}‏ إبراهيم ‏{‏إِنّى مُهَاجِرٌ‏}‏ من قومي ‏{‏إلى رَبِّى‏}‏ أي إلى حيث أمرني ربي وهجر قومه وهاجر من سواد العراق إلى الشام ‏{‏إِنَّهُ هُوَ العزيز‏}‏ في ملكه ‏{‏الحكيم‏}‏ في خلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُ‏}‏ بعد إسماعيل ‏{‏إسحاق وَيَعْقُوبَ‏}‏ بعد إسحاق ‏{‏وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِ النبوة‏}‏ فكل الأنبياء بعد إبراهيم من ذرّيته ‏{‏والكتاب‏}‏ بمعنى الكتب‏:‏ أي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ‏{‏وءاتيناه أَجْرَهُ فِى الدنيا‏}‏ وهو الثناء الحسن في كل أهل الأديان ‏{‏وَإِنَّهُ فِى الأخرة لَمِنَ الصالحين‏}‏ الذين لهم الدرجات العلى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏لُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ‏}‏ بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين في الموضعين ‏{‏لَتَأْتُونَ الفاحشة‏}‏ أي أدبار الرجال ‏{‏مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين‏}‏ الإِنس والجنّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل‏}‏ طريق المارّة بفعلكم الفاحشة بمن يمرّ بكم فترك الناس المَمرّ بكم ‏{‏وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ‏}‏ أي‏:‏ متحدّثكم ‏{‏المنكر‏}‏ فعل الفاحشة بعضكم ببعض ‏{‏فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين‏}‏ في استقباح ذلك وأن العذاب نازل بفاعليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ رَبِّ انصرنى‏}‏ بتحقيق قولي في إنزال العذاب ‏{‏عَلَى القوم المفسدين‏}‏ العاصين بإتيان الرجال فاستجاب الله دعاءه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى‏}‏ بإسحاق ويعقوب بعده ‏{‏قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُواْ أَهْلِ هذه القرية‏}‏ أي قرية لوط ‏{‏إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين‏}‏ كافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏قَالَ‏}‏ إبراهيم ‏{‏إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ‏}‏ أي الرسل ‏{‏نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين‏}‏ الباقين في العذاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِئ بِهِمْ‏}‏ حزن بسببهم ‏{‏وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا‏}‏ صدراً لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومه فأعلموه أنهم رسل ربه ‏{‏وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ‏}‏ بالتشديد والتخفيف ‏{‏وَأَهْلَكَ إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين‏}‏ ونُصِبَ «أهل» عطفاً على محلّ الكاف‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ‏(‏34‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّا مُنزِلُونَ‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏على أَهْلِ هذه القرية رِجْزاً‏}‏ عذاباً ‏{‏مّنَ السماء بِمَا‏}‏ بالفعل الذي ‏{‏كَانُواْ يَفْسُقُونَ‏}‏ به أي بسبب فسقهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءَايَةً بَيّنَةً‏}‏ ظاهرة هي آثار خرابها ‏{‏لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏}‏ يتدبرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ أرسلنا ‏{‏إلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الأخر‏}‏ اخشوْه، هو يوم القيامة ‏{‏وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ‏}‏ حال مؤكدة لعاملها من ‏(‏عَثِيَ‏)‏ بكسر المثلثة أفسد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة‏}‏ الزلزلة الشديدة ‏{‏فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين‏}‏ باركين على الرُّكب ميّتين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ أهلكنا ‏{‏عَاداً وَثَمُودَاْ‏}‏ بصرف ‏(‏ثمود‏)‏ وتركه بمعنى الحيّ والقبيلة ‏{‏وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم‏}‏ إهلاكهم ‏{‏مّن مساكنهم‏}‏ بالحِجْر واليمن ‏{‏وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم‏}‏ من الكفر والمعاصي ‏{‏فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل‏}‏ سبيل الحق ‏{‏وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ‏}‏ ذوي بصائر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ أهلكنا ‏{‏قارون وَفِرْعَوْنَ وهامان وَلَقَدْ جَاءَهُمْ‏}‏ من قبل ‏{‏موسى بالبينات‏}‏ الحجج الظاهرات ‏{‏فاستكبروا فِى الأرض وَمَا كَانُواْ سابقين‏}‏ فائتين عذابنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ‏(‏40‏)‏‏}‏

‏{‏فَكُلاًّ‏}‏ من المذكورين ‏{‏أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً‏}‏ ريحاً عاصفة فيها حصباء كقوم لوط ‏{‏وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة‏}‏ كثمود ‏{‏وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض‏}‏ كقارون ‏{‏وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا‏}‏ كقوم نوح وفرعون وقومه ‏{‏وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ‏}‏ فيعذبهم بغير ذنب ‏{‏ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ بارتكاب الذنب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاءَ‏}‏ أي أصناماً يرجون نفعها ‏{‏كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً‏}‏ لنفسها تأوي إليه ‏{‏وَإِنَّ أَوْهَنَ‏}‏ أضعف ‏{‏البيوت لَبَيْتُ العنكبوت‏}‏ لا يدفع عنها حرًّا ولا برداً كذلك الأصنام لا تنفع عابديها ‏{‏لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ذلك ما عبدوها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا‏}‏ بمعنى الذي ‏{‏يَدْعُونَ‏}‏ يعبدون بالياء والتاء ‏{‏مِن دُونِهِ‏}‏ غيره ‏{‏مِن شَئ وَهُوَ العزيز‏}‏ في ملكه ‏{‏الحكيم‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏وَتِلْكَ الأمثال‏}‏ في القرآن ‏{‏نَضْرِبُهَا‏}‏ نجعلها ‏{‏لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا‏}‏ أي يفهمها ‏{‏إِلاَّ العالمون‏}‏ المتدبرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ‏(‏44‏)‏‏}‏

‏{‏خَلَقَ الله السموات والأرض بالحق‏}‏ أي محقاً ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً‏}‏ دالة على قدرته تعالى ‏{‏لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ خُصُّوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏وَأَقِمِ الصلاة إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشاء والمنكر‏}‏ شرعاً‏:‏ أي من شأنها ذلك ما دام المرء فيها ‏{‏وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ‏}‏ من غيره من الطاعات ‏{‏والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى‏}‏ أي‏:‏ المجادلة التي ‏{‏هِىَ أَحْسَنُ‏}‏ كالدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه ‏{‏إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ‏}‏ بأن حاربوا وأبوا أن يقرّوا بالجزية، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ‏{‏وَقُولُواْ‏}‏ لمن قَبِلَ الإقرار بالجزية إذا أخبروكم بشيء مما في كتبهم ‏{‏ءَامَنَّا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ‏}‏ ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم في ذلك ‏{‏وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏}‏ مطيعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وكذلك أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب‏}‏ القرآن كما أنزلنا إليهم التوراة وغيرها ‏{‏فالذين ءاتيناهم الكتاب‏}‏ التوراة كعبد الله بن سلام وغيره ‏{‏يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏ بالقرآن ‏{‏وَمِنْ هالآء‏}‏ أي أهل مكة ‏{‏مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنآ‏}‏ بعد ظهورها ‏{‏إِلاَّ الكافرون‏}‏ أي اليهود، وظهر لهم أنّ القرآن حق والجائي به محق وجحدوا ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ‏}‏ أي القرآن ‏{‏مِن كتاب وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً‏}‏ أي‏:‏ لو كنت قارئاً كاتباً ‏{‏لاَّرْتَابَ‏}‏ شكَّ ‏{‏المبطلون‏}‏ اليهود فيك وقالوا‏:‏ الذي في التوراة أنه أُمِّي لا يقرأ ولا يكتب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ‏(‏49‏)‏‏}‏

‏{‏بَلْ هُوَ‏}‏ أي القرآن الذي جئت به ‏{‏ءَايَتٌ بينات فِى صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم‏}‏ أي المؤمنون يحفظونه ‏{‏وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا إِلاَّ الظالمون‏}‏ أي‏:‏ اليهود وجحدوها بعد ظهورها لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالُواْ‏}‏ أي كفار مكة ‏{‏لَوْلآ‏}‏ هلا ‏{‏أُنزِلَ عَلَيْهِ‏}‏ أي محمد ‏{‏ءايات مِّن رَّبِّهِ‏}‏ وفي قراءة «آياتٌ» كناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏إِنَّمَا الأيات عِندَ الله‏}‏ ينزلها كيف يشاء ‏{‏وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ‏}‏ مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ‏}‏ فيما طلبوا ‏{‏إِنّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏يتلى عَلَيْهِمْ‏}‏ فهو آية مستمرة لا انقضاء لها بخلاف ما ذكر من الآيات ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ‏}‏ الكتاب ‏{‏لَرَحْمَةً وذكرى‏}‏ عظة ‏{‏لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ كفى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً‏}‏ بصدقي ‏{‏يَعْلَمُ مَا فِى السموات والأرض‏}‏ ومنه حالي وحالكم ‏{‏والذين ءامَنُواْ بالباطل‏}‏ وهو ما يعبد من دون الله ‏{‏وَكَفَرُواْ بالله‏}‏ منكم ‏{‏أولئك هُمُ الخاسرون‏}‏ في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإِيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏53‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى‏}‏ له ‏{‏لَّجَآءَهُمُ العذاب‏}‏ عاجلاً ‏{‏وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ‏}‏ بوقت إتيانه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب‏}‏ في الدنيا ‏{‏وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَ يغشاهم العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَنَقُولُ‏}‏ فيه بالنون أي نأمر بالقول، وبالياء أي‏:‏ يقول الموكل بالعذاب ‏{‏ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ أي جزاءه فلا تفوتوننا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏تَعْمَلُونَ ياعبادى الذين ءامَنُواْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فاعبدون‏}‏ في أرض تيسرت فيها العبادة بأن تهاجروا إليها من أرض لم تتيسر فيها‏.‏ نزل في ضعفاء مسلمي مكة كانوا في ضيق من إظهار الإِسلام بها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ‏}‏ بالتاء والياء بعد البعث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

‏{‏والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوِّئَنَّهُمْ‏}‏ ننزلنهم‏.‏ وفي قراءة بالمثلثة بعد النون من الثواء الإِقامة وتعديته إلى غرفاً بحذف في ‏{‏مِّنَ الجنة غُرَفَاً تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين‏}‏ مُقَدّرين الخلود ‏{‏فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ العاملين‏}‏ هذا الأجر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

هم ‏{‏الذين صَبَرُواْ‏}‏ أي على أذى المشركين والهجرة لإِظهار الدين ‏{‏وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏ فيرزقهم من حيث لا يحتسبون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏60‏)‏‏}‏

‏{‏وَكَأَيِّن‏}‏ كم ‏{‏مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا‏}‏ لضعفها ‏{‏الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ‏}‏ أيها المهاجرون وإن لم يكن معكم زاد ولا نفقة ‏{‏وَهُوَ السميع‏}‏ لأقوالكم ‏{‏العليم‏}‏ بضمائركم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِن‏}‏ لام قسم ‏{‏سَأَلْتَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ الكفار ‏{‏مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ‏}‏ يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

‏{‏اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏الله يَبْسُطُ الرزق‏}‏ يوسّعه ‏{‏لِمَن يَشآءُ مِنْ عِبَادِهِ‏}‏ امتحاناً ‏{‏وَيَقْدِرُ‏}‏ يضيق ‏{‏لَهُ‏}‏ بعد البسط أي لمن يشاء ابتلاءً ‏{‏إِنَّ الله بِكُلِّ شَئ عَلِيمٌ‏}‏ ومنه محل البسط والتضييق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ‏(‏63‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَئِن‏}‏ لام قسم ‏{‏سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السمآء مآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله‏}‏ فكيف يشركون به‏؟‏ ‏{‏قُلِ‏}‏ لهم ‏{‏الحمد لِلَّهِ‏}‏ على ثبوت الحجة عليكم ‏{‏بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ‏}‏ تناقضهم في ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا هذه الحياوة الدنيآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ‏}‏ وأما القُرَبُ فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها ‏{‏وَإِنَّ الدار الأخرة لَهِىَ الحيوان‏}‏ بمعنى الحياة ‏{‏لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ذلك ما آثروا الدنيا عليها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين‏}‏ أي الدعاء، أي‏:‏ لا يدعون معه غيره لأنهم في شدة لا يكشفها إلا هو ‏{‏فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ‏}‏ به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم‏}‏ من النعمة ‏{‏وَلِيَتَمَتَّعُواْ‏}‏ باجتماعهم على عبادة الأصنام، وفي قراءة بسكون اللام أمر تهديد ‏{‏فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏}‏ عاقبة ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْاْ‏}‏ يعلموا ‏{‏أَنَّا جَعَلْنَا‏}‏ بلدهم مكة ‏{‏حَرَماً ءَامِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ‏}‏ قتلاً وسبياً دونهم ‏{‏أفبالباطل‏}‏ الصَّنم ‏{‏يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ‏}‏ بإشراكهم‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَنْ‏}‏ أي لا أحد ‏{‏أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً‏}‏ بأن أشرك به ‏{‏أَوْ كَذَّبَ بالحق‏}‏ النبيّ أو الكتاب ‏{‏لَمَّا جآءَهُ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى‏}‏ مأوى ‏{‏للكافرين‏}‏‏؟‏ أي فيها ذلك وهم منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏والذين جاهدوا فِينَا‏}‏ في حقنا ‏{‏لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا‏}‏ أي طريق السير إلينا ‏{‏وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين‏}‏ المؤمنين بالنصر والعون‏.‏

سورة الروم

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الم‏}‏ الله أعلم بمراده بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏غُلِبَتِ الرُّومُ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏غُلِبَتِ الروم‏}‏ وهم أهل الكتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان ففرح كفار مكة بذلك، وقالوا للمسلمين‏:‏ نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏فِى أَدْنَى الأرض‏}‏ أي أقرب أرض الروم إلى فارس الجزيرة التقى فيها الجيشان والبادئ بالغزو الفرس ‏{‏وَهُمْ‏}‏ أي الروم ‏{‏مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ‏}‏ أضيف المصدر إلى المفعول‏:‏ أي غلبة فارس إياهم ‏{‏سَيَغْلِبُونَ‏}‏ فارس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏فِى بِضْعِ سِنِينَ‏}‏ هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس ‏{‏لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ‏}‏ أي من قبل غلب الروم ومن بعده المعنى أن غلبة فارس أولاً وغلبة الروم ثانياً بأمر الله‏:‏ أي إرادته ‏{‏وَيَوْمَئِذٍ‏}‏ أي يوم تغلب الروم ‏{‏يَفْرَحُ المؤمنون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏بِنَصْرِ الله‏}‏ إياهم على فارس وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبريل بذلك فيه مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه ‏{‏يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العزيز‏}‏ الغالب ‏{‏الرحيم‏}‏ بالمؤمنين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَعَدَ الله‏}‏ مصدر بدل من اللفظ بفعله، والأصل وعدهم الله النصر ‏{‏لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ‏}‏ به ‏{‏ولكن أَكْثَرَ الناس‏}‏ أي كفار مكة ‏{‏لا يَعْلَمُونَ‏}‏ وعده تعالى بنصرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا‏}‏ أي معايشها من التجارة والزراعة والبناء والغرس وغير ذلك ‏{‏وَهُمْ عَنِ الأخرة هُمْ غافلون‏}‏ إعادة «هم» تأكيد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ‏}‏ ليرجعوا عن غفلتهم ‏{‏مَّا خَلَقَ الله السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًّى‏}‏ لذلك تفنى عند انتهائه وبعده البعث ‏{‏وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الناس‏}‏ أي‏:‏ كفار مكة ‏{‏بِلِقَاِئِ رَبّهِمْ لكافرون‏}‏ أي لا يؤمنون بالبعث بعد الموت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ من الأمم وهي إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم ‏{‏كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً‏}‏ كعاد وثمود ‏{‏وَأَثَارُواْ الأرض‏}‏ حرثوها وقلبوها للزرع والغرس ‏{‏وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا‏}‏ أي كفار مكة ‏{‏وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات‏}‏ بالحجج الظاهرات ‏{‏فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ‏}‏ بإهلاكهم بغير جرم ‏{‏ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏ بتكذيبهم رسلهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏ثُمَّ كَانَ عاقبة الذين أساءا السوأى‏}‏ تأنيث الأسوأ‏:‏ الأقبح خبر كان على رفع عاقبة، واسم كان على نصب «عاقبة» والمراد بها جهنم وإساءتهم ‏{‏أن‏}‏ أي بأن ‏{‏كَذَّبُواْ بئايات الله‏}‏ القرآن ‏{‏وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏الله يَبْدَأُ الخلق‏}‏ أي‏:‏ ينشئ خلق الناس ‏{‏ثُمَّ يُعِيدُهُ‏}‏ أي خلقهم بعد موتهم ‏{‏ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ بالتاء والياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُبْلِسُ المجرمون‏}‏ يسكت المشركون لانقطاع حجتهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمْ يَكُن‏}‏ أي لا يكون ‏{‏لَّهُمْ مِّن شُرَكَائِهِمْ‏}‏ ممن أشركوهم بالله وهم الأصنام ليشفعوا لهم ‏{‏شفعاؤا وَكَانُواْ‏}‏ أي يكونون ‏{‏بِشُرَكَائِهِمْ كافرين‏}‏ أي متبرئين منهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ‏}‏ تأكيد ‏{‏يَتَفَرَّقُونَ‏}‏ أي المؤمنون والكافرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَمَّا الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ‏}‏ جنة ‏{‏يُحْبَرُونَ‏}‏ يسرّون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا‏}‏ القرآن ‏{‏وَلِقَاءِ الأخرة‏}‏ البعث وغيره ‏{‏فأولئك فِى العذاب مُحْضَرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏فسبحان الله‏}‏ أي‏:‏ سبِّحوا الله بمعنى صَلُّوا ‏{‏حِينَ تُمْسُونَ‏}‏ أي تدخلون في المساء وفيه صلاتان‏:‏ المغرب والعشاء ‏{‏وَحِينَ تُصْبِحُونَ‏}‏ تدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَهُ الحمد فِى السموات والأرض‏}‏ اعتراض ومعناه يحمده أهلهما ‏{‏وَعَشِيّاً‏}‏ عطف على حين وفيه صلاة العصر ‏{‏وَحِينَ تُظْهِرُونَ‏}‏ تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت‏}‏ كالإِنسان من النطفة والطائر من البيضة ‏{‏وَيُخْرِجُ الميت‏}‏ النطفة والبيضة ‏{‏مِنَ الحى وَيُحْىِ الأرض‏}‏ بالنبات ‏{‏بَعْدَ مَوْتِهَا‏}‏ أي يبسها ‏{‏وكذلك‏}‏ الإِخراج ‏{‏تُخْرَجُونَ‏}‏ من القبور بالبناء للفاعل والمفعول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ ءاياته‏}‏ تعالى الدالة على قدرته ‏{‏أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ‏}‏ أي أصلكم آدم ‏{‏ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ‏}‏ من دم ولحم ‏{‏تَنتَشِرُونَ‏}‏ في الأرض‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ ءاياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا‏}‏ فخلقت حوّاء من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء ‏{‏لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا‏}‏ وتألفوها ‏{‏وَجَعَلَ بَيْنَكُم‏}‏ جميعاً ‏{‏مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ‏}‏ المذكور ‏{‏لأيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ في صنع الله تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السموات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ‏}‏ أي لغاتكم من عربية وعجمية وغيرها ‏{‏وألوانكم‏}‏ من بياض وسواد وغيرهما، وأنتم أولاد رجل واحد وامرأة واحدة ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ‏}‏ دلالات على قدرته تعالى ‏{‏للعالمين‏}‏ بفتح اللام وكسرها، أي ذوي العقول وأولي العلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ ءاياته مَنَامُكُم باليل والنهار‏}‏ بإرادته راحة لكم ‏{‏وابتغاؤكم‏}‏ بالنهار ‏{‏مِن فَضْلِهِ‏}‏ أي تصرّفكم في طلب المعيشة بإرادته ‏{‏إِنَّ فِى ذلك لأيات لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ‏}‏ سماع تدبر واعتبار

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ ءاياته يُرِيكُمُ‏}‏ أي إراءتكم ‏{‏البرق خَوْفاً‏}‏ للمسافر من الصواعق ‏{‏وَطَمَعًا‏}‏ للمقيم في المطر ‏{‏وَيُنَزِّلُ مِنَ السماء مَاءً فَيُحْىِ بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا‏}‏ أي يبسطها بأن تنبت ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ‏}‏ المذكور ‏{‏لأيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏}‏ يتدبَّرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ‏}‏ بإرادته من غير عمد ‏{‏ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض‏}‏ بأن ينفخ إسرافيل في الصور للبعث من القبور ‏{‏إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ‏}‏ منها أحياء فخروجكم منها بدعوة من آياته تعالى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَهُ مَن فِى السموات والأرض‏}‏ ملكاً وخلقاً وعبيداً ‏{‏كُلٌّ لَّهُ قانتون‏}‏ مطيعون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏وَهُوَ الذى يَبْدَأُ الخلق‏}‏ للناس ‏{‏ثُمَّ يُعِيدُهُ‏}‏ بعد هلاكهم ‏{‏وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ‏}‏ من البدء بالنظر إلى ما عند المخاطبين من أن إعادة الشيء أسهل من ابتدائه وإلا فهما عند الله تعالى سواء في السهولة ‏{‏وَلَهُ المثل الأعلى فِى السموات والأرض‏}‏ أي الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا الله ‏{‏وَهُوَ العزيز‏}‏ في ملكه ‏{‏الحكيم‏}‏ في خلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏ضَرَبَ‏}‏ جعل ‏{‏لَكُمْ‏}‏ أيها المشركون ‏{‏مَثَلاً‏}‏ كائناً ‏{‏مّنْ أَنفُسِكُمْ‏}‏ وهو ‏{‏هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أيمانكم‏}‏ أي من مماليككم ‏{‏مِّن شُرَكَاء‏}‏ لكم ‏{‏فِى مَا رزقناكم‏}‏ من الأموال وغيرها ‏{‏فَأَنتُمْ‏}‏ وهم ‏{‏فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ أي أمثالكم من الأحرار‏؟‏، والاستفهام بمعنى النفي، المعنى ليس مماليككم شركاء لكم إلى آخره عندكم فكيف تجعلون بعض مماليك الله شركاء له‏؟‏ ‏{‏كذلك نُفَصِّلُ الأيات‏}‏ نبينها مثل ذلك التفصيل ‏{‏لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏}‏ يتدبرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ‏}‏ بالإِشراك ‏{‏أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله‏}‏ أي لا هادي له ‏{‏وَمَا لَهُم مِّن ناصرين‏}‏ مانعين من عذاب الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَقِمْ‏}‏ يا محمد ‏{‏وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً‏}‏ مائلاً إليه‏:‏ أي أخلص دينك لله أنت ومن تبعك ‏{‏فِطْرَتَ الله‏}‏ خِلقته ‏{‏التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا‏}‏ وهي دينه التي ألزموها ‏{‏لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله‏}‏ لدينه أي‏:‏ لا تبدلوه بأن تشركوا ‏{‏ذلك الدين القيم‏}‏ المستقيم توحيد الله ‏{‏ولكن أَكْثَرَ الناس‏}‏ أي كفار مكة ‏{‏لاَّ يَعْلَمُونَ‏}‏ توحيد الله‏.‏