فصل: تفسير الآية رقم (219)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


تفسير الآية رقم ‏[‏219‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ‏(‏219‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر‏}‏ القمار ما حكمهما‏؟‏ ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏فِيهِمَآ‏}‏ أي في تعاطيهما ‏{‏إِثْمٌ كَبِيرٌ‏}‏ عظيم، وفي قراءة ‏(‏كثير‏)‏ بالمثلثة لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش ‏{‏ومنافع لِلنَّاسِ‏}‏ باللذة والفرح في الخمر وإصابة المال بلا كدّ في الميسر ‏{‏وَإِثْمُهُمَآ‏}‏ أي ما ينشأ عنهما من المفاسد ‏{‏أَكْبَرُ‏}‏ أعظم ‏{‏مِن نَّفْعِهِمَا‏}‏ ولما نزلت شربها قوم وامتنع آخرون إلى أن حرمتها آية ‏(‏المائدة‏)‏ ‏[‏90‏:‏ 5‏]‏ ‏{‏وَ يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ‏}‏ أي ما قدره ‏{‏قُلْ‏}‏ أنفقوا ‏{‏العفو‏}‏ أي الفاضل عن الحاجة ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه وتضيعوا أنفسكم وفي قراءة بالرفع بتقدير هو ‏{‏كذلك‏}‏ أي كما بُيِّنَ لكم ما ذكر ‏{‏يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الأيات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏220‏]‏

‏{‏فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏220‏)‏‏}‏

‏{‏فِى‏}‏ أمر ‏{‏الدنيا والأخرة‏}‏ فتأخذون بالأصلح لكم فيهما ‏{‏وَيَسْئَلُونَك عَنِ اليتاماى‏}‏ وما يلقونه من الحرج في شأنهم فإن واكلوهم يأثموا وإن عزلوا ما لهم من أموالهم وصنعوا لهم طعاماً وحدهم فَحَرَج ‏{‏قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ‏}‏ في أموالهم بتنميتها ومداخلتكم ‏{‏خَيْرٌ‏}‏ من ترك ذلك ‏{‏وَإِن تُخَالِطُوهُمْ‏}‏ أي تخالطوا نفقتكم بنفقتهم ‏{‏فَإِخوَانُكُمْ‏}‏ أي فهم إخوانكم في الدين ومن شأن الأخ أن يخالط أخاه أي فلكم ذلك ‏{‏والله يَعْلَمُ المفسد‏}‏ لأموالهم بمخالطته ‏{‏مِنَ المصلح‏}‏ بها فيجازي كلاًّ منهما ‏{‏وَلَوْ شَاءَ الله لأَعْنَتَكُمْ‏}‏ لضيق عليكم بتحريم المخالطة ‏{‏إِنَّ الله عَزِيزٌ‏}‏ غالب على أمره ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏221‏]‏

‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏221‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَنْكِحُواْ‏}‏ تتزوّجوا أيها المسلمون ‏{‏المشركات‏}‏ أي الكافرات ‏{‏حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ‏}‏ حرّة لأنّ سبب نزولها العيب على من تزوّج أمة وترغيبه في نكاح حرّة مشركة ‏{‏وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ‏}‏ لجمالها ومالها وهذا مخصوص بغير الكتابيات بآيةِ ‏{‏والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب‏}‏ ‏[‏5‏:‏ 5‏]‏ ‏{‏وَلاَ تُنْكِحُواْ‏}‏ تزوجوا ‏{‏المشركين‏}‏ أي الكفار المؤمنات ‏{‏حتى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ‏}‏ لماله وجماله ‏{‏أولئك‏}‏ أي أهل الشرك ‏{‏يَدْعُونَ إِلَى النار‏}‏ بدعائهم إلى العمل الموجب لها فلا تليق مناكحتهم ‏{‏والله يَدْعُواْ‏}‏ على لسان رسله ‏{‏إِلَى الجنة والمغفرة‏}‏ أي العمل الموجب لهما ‏{‏بِإِذْنِهِ‏}‏ بإرادته فتجب إجابته بتزويج أوليائه ‏{‏وَيُبَيِّنُ ءاياته لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ يتعظون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏222‏]‏

‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ‏(‏222‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المحيض‏}‏ أي الحيض أو مكانه ماذا يُفعل بالنساء فيه‏؟‏ ‏{‏قُلْ هُوَ أَذًى‏}‏ قذر أو محله ‏{‏فاعتزلوا النسآء‏}‏ اتركوا وطأهنّ ‏{‏فِي المحيض‏}‏ أي وقته أو مكانه ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ‏}‏ بالجماع ‏{‏حتى يَطْهُرْنَ‏}‏ بسكون الطاء وتشديدها ‏[‏يطّهّرن‏]‏ والهاء وفيه إدغام التاء في الأصل في الطاء أي يغتسلن بعد انقطاعه ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ‏}‏ بالجماع ‏{‏مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله‏}‏ وبتجنبه في الحيض وهو القُبُل ولا تعدوه إلى غيره ‏{‏إِنَّ الله يُحِبُّ‏}‏ يثيب ويكرم ‏{‏التوابين‏}‏ من الذنوب ‏{‏وَيُحِبُّ المتطهرين‏}‏ من الأقذار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏223‏]‏

‏{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏223‏)‏‏}‏

‏{‏نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ‏}‏ أي محل زرعكم الولد ‏{‏فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ‏}‏ أي محله وهو القبل ‏{‏أنى‏}‏ أي كيف ‏{‏شِئْتُمْ‏}‏ من قيام وقعود واضطجاعِ وإقبال وإدبار‏.‏ نزل ردّاً لقول اليهود من أتى امرأته في قبلها من جهة دبرها جاء الولد أحول ‏{‏وَقَدّمُواْلأَنفُسِكُمْ‏}‏ العمل الصالح كالتسمية عند الجماع ‏{‏واتقوا الله‏}‏ في أمره ونهيه ‏{‏واعلموا أَنَّكُم ملاقوه‏}‏ بالبعث فيجازيكم بأعمالكم ‏{‏وَبَشِّرِ المؤمنين‏}‏ الذين اتقوه بالجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏224‏]‏

‏{‏وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏224‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَجْعَلُواْ الله‏}‏ أي الحلف به ‏{‏عُرْضَةً‏}‏ علة مانعة ‏{‏لأيمانكم‏}‏ أي نُصْباً لها بأن تكثروا الحلف به ‏{‏أن‏}‏ لا ‏{‏تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ‏}‏ فتُكْرَه اليمين على ذلك ويسن فيه الحنث ويكفِّر بخلافها على فعل البر ونحوه فهي طاعة ‏{‏وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ الناس‏}‏ المعنى لا تمتنعوا من فعل ما ذكر من البر ونحوه إذا حلفتم عليه بل ائتوه وكفروا لأن سبب نزولها الامتناع من ذلك ‏{‏والله سَمِيعٌ‏}‏ لأقوالكم ‏{‏عَلِيم‏}‏ بأحوالكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏225‏]‏

‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏225‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو‏}‏ الكائن ‏{‏فِى أيمانكم‏}‏ وهو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف نحو والله، وبلى والله فلا إثم عليه ولا كفارة ‏{‏ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ أي قصدته من الإيمان إذا حنثتم ‏{‏والله غَفُورٌ‏}‏ لما كان من اللغو ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ بتأخير العقوبة عن مستحقها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏226‏]‏

‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏226‏)‏‏}‏

‏{‏لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ‏}‏ أي يحلفون أن لا يجامعوهن ‏{‏تَرَبُّصُ‏}‏ انتظار ‏{‏أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَآءُو‏}‏ رجعوا فيها أو بعدها عن اليمين إلى الوطء ‏{‏فَإِنَّ الله غَفُورٌ‏}‏ لهم ما أتوه من ضرر المرأة بالحلف ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏227‏]‏

‏{‏وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏227‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق‏}‏ أي عليه بأن لا يفيئوا فليوقعوه ‏{‏فَإِنَّ الله سَمِيعٌ‏}‏ لقولهم ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بعزمهم المعنى ليس لهم بعد تربص ما ذكر إلا الفيئة أو الطلاق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏228‏]‏

‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏228‏)‏‏}‏

‏{‏والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ‏}‏ أي لينتظرن ‏{‏بِأَنفُسِهِنَّ‏}‏ عن النكاح ‏{‏ثلاثة قُرُوء‏}‏ تمضي من حين الطلاق، جمع قرء بفتح القاف، وهو الطهر أو الحيض قولان وهذا في المدخول بهن أما غيرهن فلا عدّة عليهن لقوله‏:‏ ‏{‏فما لكم عليهن من عدّة‏}‏ ‏[‏49‏:‏ 33‏]‏ وفي غير الآيسة والصغيرة فعدّتهن ثلاثة أشهر والحوامل فعدّتهن أن يضعن حملهن كما في ‏(‏سورة الطلاق‏)‏ ‏[‏4‏:‏ 65‏]‏ والإماء فعدّتهن قرءان بالسنة ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِى أَرْحَامِهِنَّ‏}‏ من الولد أو الحيض ‏{‏إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بالله واليوم الأخر وَبُعُولَتُهُنَّ‏}‏ أزواجهن ‏{‏أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ‏}‏ بمراجعتهن ولو أبين ‏{‏فِي ذلك‏}‏ أي في زمن التربص ‏{‏إِنْ أَرَادُواْ إصلاحا‏}‏ بينهما لإِضرار المرأة وهو تحريض على قصده لا شرط لجواز الرجعة وهذا في الطلاق الرجعي ‏(‏وأحق‏)‏ لا تفضيل فيه إذ لا حق لغيرهم في نكاحهن في العدّة ‏{‏وَلَهُنَّ‏}‏ على الأزواج ‏{‏مِثْلُ الذى‏}‏ لهم ‏{‏عَلَيْهِنَّ‏}‏ من الحقوق ‏{‏بالمعروف‏}‏ شرعاً من حسن العشرة وترك لإضرار ونحو ذلك ‏{‏وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏ فضيلة في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما ساقوه من المهر والإنفاق ‏{‏والله عَزِيزٌ‏}‏ في ملكه ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ فيما دبره لخلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏229‏]‏

‏{‏الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏(‏229‏)‏‏}‏

‏{‏الطلاق‏}‏ أي التطليق الذي يراجع بعده ‏{‏مَرَّتَانِ‏}‏ أي اثنتان ‏{‏فَإِمْسَاكٌ‏}‏ أي فعليكم إمساكهن بعده بأن تراجعوهن ‏{‏بِمَعْرُوفٍ‏}‏ من غير ضرار ‏{‏أَوْ تَسْرِيحٌ‏}‏ أي إرسال لهن ‏{‏بإحسان وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ‏}‏ أيها الأزواج ‏{‏أَن تَأخُذُواْ مِمَّا ءّاتَيْتُمُوهُنَّ‏}‏ من المهور ‏{‏شَيْئاً‏}‏ إذا طلقتموهن ‏{‏إِلاَّ أَن يَخَافَا‏}‏ أي الزوجان ‏{‏أنْ‏}‏ ‏{‏لا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ‏}‏ أي لا يأتيا بما حدّه لهما من الحقوق، وفي قراءة ‏(‏يُخُافا‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏فإن لا يقيما‏)‏ بدل اشتمال من الضمير فيه، وقرئ بالفوقانية في الفعلين ‏{‏إلأّ أن تخافا لا تقيما‏}‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ‏}‏ ‏{‏أنْ‏}‏ ‏{‏لا يُقيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ نفسها من المال ليطلقها أي لا حرج على الزوج في أخذه ولا الزوجة في بذله ‏{‏تِلْكَ‏}‏ الأحكام المذكورة ‏{‏حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏230‏]‏

‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‏(‏230‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا‏}‏ الزوج بعد الثنتين ‏{‏فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ‏}‏ بعد الطلقة الثالثة ‏{‏حتى تَنْكِحَ‏}‏ تتزوّج ‏{‏زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ ويطأها كما في الحديث الذي رواه الشيخان ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا‏}‏ أي الزوج الثاني ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ أي الزوجة والزوج الأول ‏{‏أَن يَتَرَاجَعَا‏}‏ إلى النكاح بعد انقضاء العدة ‏{‏إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله وَتِلْكَ‏}‏ المذكورات ‏{‏حُدُودُ الله يُبَيّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏ يتدبرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏231‏]‏

‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏231‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ قاربن انقضاء عدّتهن ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ‏}‏ بأن تراجعوهن ‏{‏بِمَعْرُوفٍ‏}‏ من غير ضرار ‏{‏أَوْ سَرّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ اتركوهن حتى تنقضي عدّتهن ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ‏}‏ بالرجعة ‏{‏ضِرَارًا‏}‏ مفعول له ‏{‏لِّتَعْتَدُواْ‏}‏ عليهن بالإلجاء إلى الافتداء والتطليق وتطويل الحبس ‏{‏وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ بتعريضها إلى عذاب الله ‏{‏وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيات الله هُزُوًا‏}‏ مهزوءاً بها بمخالفتها ‏{‏واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ‏}‏ بالإسلام ‏{‏وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مّنَ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏والحكمة‏}‏ ما فيه من الأحكام ‏{‏يَعِظُكُمْ بِهِ‏}‏ بأن تشكروها بالعمل بِهِ ‏{‏واتقوا الله واعلموا أَنَّ الله بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ‏}‏ لا يخفى عليه شيء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏232‏]‏

‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏232‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ انقضت عدتهن ‏{‏فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ‏}‏ خطاب للأولياء أي تمنعوهن من ‏{‏أَن يَنكِحْنَ أزواجهن‏}‏ المطلقين لهن، لأن سبب نزولها أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فأراد أن يراجعها فمنعها معقل بن يسار، كما رواه الحاكم ‏{‏إِذَا تراضوا‏}‏ أي الأزواج والنساء ‏{‏بَيْنَهُم بالمعروف‏}‏ شرعاً ‏{‏ذلك‏}‏ النهي عن العضل ‏{‏يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بالله واليوم الأخر‏}‏ لأنه المنتفع به ‏{‏ذلكم‏}‏ أي ترك العَضْل ‏{‏أزكى‏}‏ خير ‏{‏لَّكُمْ وَأَطْهَرُ‏}‏ لكم ولهم لما يُخْشَى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما ‏{‏والله يَعْلَمُ‏}‏ ما فيه المصلحة ‏{‏وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ذلك فاتبعوا أمره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏233‏]‏

‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏233‏)‏‏}‏

‏{‏والوالدات يُرْضِعْنَ‏}‏ أي ليرضعن ‏{‏أولادهن حَوْلَيْنِ‏}‏ عامين ‏{‏كَامِلَيْنِ‏}‏ صفة مؤكِّدة ذلك ‏{‏لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة‏}‏ ولا زيادة عليه ‏{‏وَعلَى المولود لَهُ‏}‏ أي الأب ‏{‏رِزْقُهُنَّ‏}‏ إطعام الوالدات ‏{‏وَكِسْوَتُهُنَّ‏}‏ على الإرضاع إذا كن مطلقات ‏{‏بالمعروف‏}‏ بقدر طاقته ‏{‏لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ طاقتها ‏{‏لاَ تُضَآرَّ والدة بِوَلَدِهَا‏}‏ أي بسببه بأن تُكْرَهَ على إرضاعه إذا امتنعت ‏{‏وَلاَ‏}‏ يضار ‏{‏مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ‏}‏ أي بسببه بأن يكلف فوق طاقته وإضافة ‏(‏الولد‏)‏ إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف ‏{‏وَعَلَى الوارث‏}‏ أي وارث الأب وهو الصبي أي على وليه في ماله ‏{‏مِثْلُ ذلك‏}‏ الذي على الأب للوالدة من الرزق والكسوة ‏{‏فَإِنْ أَرَادَا‏}‏ أي الوالدان ‏{‏فِصَالاً‏}‏ فطاماً له قبل الحولين صادراً ‏{‏عَن تَرَاضٍ‏}‏ اتفاق ‏{‏مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ‏}‏ بينهما لتظهر مصلحة الصبي فيه ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ في ذلك ‏{‏وَإِنْ أَرَدتُّم‏}‏ خطاب للآباء ‏{‏أَن تَسْتَرْضِعُواْ أولادكم‏}‏ مراضع غير الوالدات ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏ فيه ‏{‏إِذَا سَلَّمْتُم‏}‏ إليهن ‏{‏مَّآ ءَاتَيْتُم‏}‏ أي أردتم إيتاءه لهن من الأجرة ‏{‏بالمعروف‏}‏ بالجميل كطيب النفس ‏{‏واتقوا الله واعلموا أَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ لا يخفى عليه شيء منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏234‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏234‏)‏‏}‏

‏{‏والذين يُتَوَفَّوْنَ‏}‏ يموتون ‏{‏مِنكُمْ وَيَذَرُونَ‏}‏ يتركون ‏{‏أزواجا يَتَرَبَّصْنَ‏}‏ أي ليتربصن ‏{‏بِأَنفُسِهِنَّ‏}‏ بعدهم عن النكاح ‏{‏أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا‏}‏ من الليالي، وهذا في غير الحوامل أما الحوامل فعدّتهن أن يضعن حملهن بآية ‏(‏الطلاق‏)‏، والأمَةُ على النصف من ذلك بالسُّنَة ‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ انقضت عدة تربصهن ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏ أيها الأولياء ‏{‏فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ‏}‏ من التزين والتعرض للخطّاب ‏{‏بالمعروف‏}‏ شرعا ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ عالم بباطنه كظاهره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏235‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم‏}‏ لوّحتم ‏{‏بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء‏}‏ المتوفى عنهن أزواجهن في العدّة كقول الإنسان مثلاً‏:‏ إنك لجميلة، ومن يجد مثلك‏؟‏ ورُبَّ راغب فيك ‏{‏أَوْ أَكْنَنتُمْ‏}‏ أضمرتم ‏{‏فِى أَنفُسِكُمْ‏}‏ من قصد نكاحهن ‏{‏عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ‏}‏ بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض ‏{‏ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً‏}‏ أي نكاحاً ‏{‏إِلآ‏}‏ لكن ‏{‏أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا‏}‏ أي ما عرف شرعاً من التعريض فلكم ذلك ‏{‏وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النكاح‏}‏ أي على عقده ‏{‏حتى يَبْلُغَ الكتاب‏}‏ أي المكتوب من العدّة ‏{‏أَجَلَهُ‏}‏ بأن ينتهي ‏{‏واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ‏}‏ من العزم وغيره ‏{‏فاحذروه‏}‏ أن يعاقبكم إذا عزمتم ‏{‏واعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ‏}‏ لمن يحذره ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ بتأخيره العقوبة عن مستحقها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏236‏]‏

‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ‏(‏236‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النساء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ وفي قراءة ‏(‏تُماسُّوهُنَّ‏)‏ أي تجامعوهن ‏{‏أَوْ‏}‏ لم ‏{‏تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ مهراً و‏(‏ما‏)‏ مصدرية ظرفية أي لا تَبِعَة عليكم في الطلاق- زمن عدم المسيس والفرض- بإثم ولا مهر فطلقوهن ‏{‏وَمَتِّعُوهُنَّ‏}‏ أعطوهن ما يتمتعن به ‏{‏عَلَى الموسع‏}‏ الغني منكم ‏{‏قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر‏}‏ الضيق الرزق ‏{‏قَدَرُهُ‏}‏ يفيد أنه لا نظر إلى قدر الزوجة ‏{‏متاعا‏}‏ تمتيعاً ‏{‏بالمعروف‏}‏ شرعاً صفة ‏(‏متاعاً‏)‏ ‏{‏حَقّاً‏}‏ صفة ثانية أو مصدر مؤكِّد ‏{‏عَلَى المحسنين‏}‏ المطيعين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏237‏]‏

‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏237‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏ يجب لهن ويرجع لكم النصف ‏{‏إِلا‏}‏ لكن ‏{‏أَن يَعْفُونَ‏}‏ أي الزوجات فيتركنه ‏{‏أَوْ يَعْفُوَاْ الذى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح‏}‏ وهو الزوج فيترك لها الكل وعن ابن عباس‏:‏ الولي إذا كانت محجورة فلا حرج في ذلك ‏{‏وَأَن تَعْفُواْ‏}‏ مبتدأ خبره ‏{‏أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ‏}‏ أي أن يتفضل بعضكم على بعض ‏{‏إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏238‏]‏

‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ‏(‏238‏)‏‏}‏

‏{‏حافظوا عَلَى الصلوات‏}‏ الخمس بأدائها في أوقاتها ‏{‏والصلاوة ا لْوُسْطَى‏}‏ هي العصر أو الصبح أو الظهر أو غيرها أقوال وأفردها بالذكر لفضلها ‏{‏وَقُومُواْ لِلَّهِ‏}‏ في الصلاة ‏{‏قانتين‏}‏ قيل مطيعين لقوله صلى الله عليه وسلم «كل قنوت في القرآن فهو طاعة» رواه أحمد وغيره، وقيل ساكتين لحديث زيد بن أرقم‏:‏ «كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» رواه الشيخان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏239‏]‏

‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ‏(‏239‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ‏}‏ من عدو أو سيل أو سبع ‏{‏فَرِجَالاً‏}‏ جمع ‏(‏راجل‏)‏ أي مشاة صلّوا ‏{‏أَوْ رُكْبَانًا‏}‏ جمع ‏(‏راكب‏)‏ أي كيف أمكن مستقبلي القبلة أو غيرها ويومئ بالركوع والسجود ‏{‏فَإِذَا أَمِنتُمْ‏}‏ من الخوف ‏{‏فاذكروا الله‏}‏ أي صلّوا ‏{‏كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ‏}‏ قبل تعليمه من فرائضها وحقوقها والكاف بمعنى ‏(‏مثل‏)‏ و‏(‏ما‏)‏ مصدرية أو موصولة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏240‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏240‏)‏‏}‏

‏{‏والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا‏}‏ فليوصوا ‏{‏وَصِيَّةً‏}‏ وفي قراءة بالرفع، أي عليهم ‏{‏لأَزْوَاجِهِم‏}‏ وليعطوهن ‏{‏متاعا‏}‏ ما يتمتعن به من النفقة والكسوة ‏{‏إلى‏}‏ تمام ‏{‏الحول‏}‏ من موتهم الواجب عليهن تربصه ‏{‏غَيْرَ إِخْرَاجٍ‏}‏ حال أي غير مخرجات من مسكنهن ‏{‏فَإِنْ خَرَجْنَ‏}‏ بأنفسهن ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏ يا أولياء الميت ‏{‏فِي مَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ‏}‏ شرعاً كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها ‏{‏والله عَزِيزٌ‏}‏ في ملكه ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ في صنعه والوصية المذكورة منسوخة بآية الميراث وتربص الحول بآية أربعة أشهر وعشر السابقة المتأخرة في النزول والسكنى ثابتة عند الشافعي رحمه الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏241‏]‏

‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ‏(‏241‏)‏‏}‏

‏{‏وللمطلقات متاع‏}‏ يُعْطَيْنَه ‏{‏بالمعروف‏}‏ بقدر الإمكان ‏{‏حَقّاً‏}‏ نُصِبَ بفعله المقدر ‏{‏عَلَى المتقين‏}‏ الله تعالى كرره ليعم الممسوسة أيضاً إذ الآية السابقة في غيرها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏242‏]‏

‏{‏كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ‏(‏242‏)‏‏}‏

‏{‏كذلك‏}‏ كما يبين لكم ما ذكر ‏{‏يُبَيّنُ الله لَكُمْ ءاياته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ تتدبرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏243‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ‏(‏243‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ استفهام تعجيب وتشويق إلى استماع ما بعده أي ألم ينته علمك ‏{‏إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم وَهُمْ أُلُوفٌ‏}‏ أربعة أو ثمانية أو عشرة أو ثلاثون أو أربعون أو سبعون ألفاً ‏{‏حَذَرَ الموت‏}‏ مفعول له وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون ببلادهم ففروا ‏{‏فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ‏}‏ فماتوا ‏{‏ثُمَّ أحياهم‏}‏ بعد ثمانية أيام أو أكثر بدعاء نبيهم حزقيل بكسر المهملة والقاف وسكون الزاي فعاشوا دهراً عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوباً إلا عاد كالكفن واستمرت في أسباطهم ‏{‏إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس‏}‏ ومنه إحياء هؤلاء ‏{‏ولكن أَكْثَرَ الناس‏}‏ وهم الكفار ‏{‏لاَ يَشْكُرُونَ‏}‏ والقصد من ذكر خبر هؤلاء تشجيع المؤمنين على القتال ولذا عطف عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏244‏]‏

‏{‏وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏244‏)‏‏}‏

‏{‏وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله‏}‏ أي لإعلاء دينه ‏{‏واعلموا أَنَّ الله سَمِيعٌ‏}‏ لأقوالكم ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بأحوالكم فمجازيكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏245‏]‏

‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏245‏)‏‏}‏

‏{‏مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله‏}‏ بإنفاق ماله في سبيل الله ‏{‏قَرْضًا حَسَنًا‏}‏ بأن ينفقه لله عز وجل عن طيب قلب ‏{‏فَيُضَاعِفَهُ‏}‏ وفي قراءة ‏(‏فيضّعفه‏)‏ بالتشديد ‏{‏لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً‏}‏ من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما سيأتي ‏{‏والله يَقْبِضُ‏}‏ يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء ‏{‏وَيَبْسُطُ‏}‏ يوسعه لمن يشاء امتحاناً ‏{‏وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ في الآخرة بالبعث فيجازيكم بأعمالكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏246‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ‏(‏246‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ‏}‏ الجماعة ‏{‏مِن بَنِى إِسْرءيلَ مِن بَعْدِ‏}‏ موت ‏{‏موسى‏}‏ أي إلى قصتهم وخبرهم ‏{‏إِذْ قَالُواْ لِنَبِىّ لَّهُمُ‏}‏ هو شمويل ‏{‏ابعث‏}‏ أقم ‏{‏لَنَا مَلِكًا نقاتل‏}‏ معه ‏{‏فِى سَبِيلِ الله‏}‏ تنتظم به كلمتنا ونرجع إليه ‏{‏قَالَ‏}‏ النبي لهم ‏{‏هَلْ عَسَيْتُمْ‏}‏ بالفتح والكسر ‏{‏إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال أ‏}‏ ن ‏{‏لا تقاتلوا‏}‏ خبر ‏(‏عسى‏)‏ والاستفهام لتقرير التوقع بها ‏{‏قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نقاتل فِى سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن ديارنا وَأَبْنَائِنَا‏}‏ بسببهم وقتلهم، وقد فَعَلَ بهم ذلك قوم جالوت أي لا مانع لنا منه مع وجود مقتضيه قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال تَوَلَّوْاْ‏}‏ عنه وجبنوا ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ‏}‏ وهم الذين عبروا النهر مع طالوت كما سيأتي ‏{‏والله عَلِيمٌ بالظالمين‏}‏ فمجازيهم وسأل النبي ربه إرسال مَلِكٍ فأجابه إلى إرسال طالوت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏247‏]‏

‏{‏وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏247‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أنى‏}‏ كيف ‏{‏يَكُونُ لَهُ الملك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بالملك مِنْهُ‏}‏ لأنه ليس من سبط المملكة ولا النبوة وكان دباغاً أو راعياً ‏{‏وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ المال‏}‏ يستعين بها على إقامة الملك ‏{‏قَالَ‏}‏ النبي لهم ‏{‏إِنَّ الله اصطفاه‏}‏ اختاره للملك ‏{‏عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً‏}‏ سعة ‏{‏فِي العلم والجسم‏}‏ وكان أعلم بني إسرائيل يومئذ وأجملهم وأتمهم خَلْقاً ‏{‏والله يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ‏}‏ إيتاءه لا اعتراض عليه ‏{‏والله واسع‏}‏ فضله ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بمن هو أهل له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏248‏]‏

‏{‏وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏248‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ‏}‏ لما طلبوا منه آية على ملكه ‏{‏إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ‏}‏ الصندوق كان فيه صور الأنبياء أنزله الله على آدم واستمر إليهم فغلبتهم العمالقة عليه وأخذوه وكانوا يستفتحون به على عدوّهم ويقدّمونه في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فِيهِ سَكِينَةٌ‏}‏ طمأنينة لقلوبكم ‏{‏مِنْ رَّبّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مّمَّا تَرَكَ ءالُ موسى وَءالُ هارون‏}‏ أي تركاه هما وهي نعلا موسى وعصاه وعمامة هارون وقفيز من المنّ الذي كان ينزل عليهم ورُضاض من الألواح ‏{‏تَحْمِلُهُ الملائكة‏}‏ حال من فاعل ‏(‏يأتيكم‏)‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذلك لأَيَةً لَّكُمْ‏}‏ على ملكه ‏{‏إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فأقرّوا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد فاختار من شبابهم سبعين ألفاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏249‏]‏

‏{‏فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏(‏249‏)‏‏}‏

‏{‏فَلَمَّا فَصَلَ‏}‏ خرج ‏{‏طَالُوتُ بالجنود‏}‏ من بيت المقدس وكان حرّاً شديداً وطلبوا منه الماء ‏{‏قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم‏}‏ مختبركم ‏{‏بِنَهَرٍ‏}‏ ليظهر المطيع منكم والعاصي وهو بين الأردن وفلسطين ‏{‏فَمَن شَرِبَ مِنْهُ‏}‏ أي من مائه ‏{‏فَلَيْسَ مِنّي‏}‏ أي من أتباعي ‏{‏وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ‏}‏ يذقه ‏{‏فَإِنَّهُ مِنّى إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً‏}‏ بالفتح والضم ‏{‏بِيَدِهِ‏}‏ فاكتفى بها ولم يزد عليها فإنه مني ‏{‏فَشَرِبُواْ مِنْهُ‏}‏ لما وافوه بكثرة ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ‏}‏ فاقتصروا على الغرفة، روي أنها كفتهم لشربهم ودوابهم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ‏{‏فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ والَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ‏}‏ وهم الذين اقتصروا على الغرفة ‏{‏قَالُواْ‏}‏ أي الذين شربوا ‏{‏لاَ طَاقَةَ‏}‏ قوة ‏{‏لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ‏}‏ أي بقتالهم وجبنوا ولم يجاوزوه ‏{‏قَالَ الذين يَظُنُّونَ‏}‏ يوقنون ‏{‏أَنَّهُم مُلاَقُواْ الله‏}‏ بالبعث وهم الذين جاوزوه ‏{‏كَمْ‏}‏ خبرية بمعنى ‏(‏كثير‏)‏ ‏{‏مّن فِئَةٍ‏}‏ جماعة ‏{‏قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذُنِ الله‏}‏ بإرادته ‏{‏والله مَعَ الصابرين‏}‏ بالعون والنصر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏250‏]‏

‏{‏وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ‏(‏250‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ‏}‏ أي ظهروا لقتالهم وتصافّوا ‏{‏قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ‏}‏ اصبب ‏{‏عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا‏}‏ بتقوية قلوبنا على الجهاد ‏{‏وانصرنا عَلَى القوم الكافرين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏251‏]‏

‏{‏فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ‏(‏251‏)‏‏}‏

‏{‏فَهَزَمُوهُم‏}‏ كسروهم ‏{‏بِإِذُنِ الله‏}‏ بإرادته ‏{‏وَقَتَلَ دَاوُودُ‏}‏ وكان في عسكر طالوت ‏{‏جَالُوتَ وءاتاه‏}‏ أي داود ‏{‏الله الملك‏}‏ في بني إسرائيل ‏{‏والحكمة‏}‏ والنبوّة بعد موت شمويل وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله ‏{‏وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء‏}‏ كصنعة الدروع ومنطق الطير ‏{‏وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم‏}‏ بدل بعض من ‏(‏الناس‏)‏ ‏{‏بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض‏}‏ بغلبة المشركين وقتل المسلمين وتخريب المساجد ‏{‏ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين‏}‏ فدفع بعضهم ببعض‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏252‏]‏

‏{‏تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏252‏)‏‏}‏

‏{‏تِلْكَ‏}‏ هذه الآيات ‏{‏ءايات الله نَتْلُوهَا‏}‏ نقصها ‏{‏عَلَيْكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏بالحق‏}‏ بالصدق ‏{‏وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين‏}‏ التأكيد ب ‏(‏إنّ‏)‏ وغيرها ردّا لقول الكفار له ‏(‏لست مرسلاً‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏253‏]‏

‏{‏تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ‏(‏253‏)‏‏}‏

‏{‏تِلْكَ‏}‏ مبتدأ ‏{‏الرسل‏}‏ صفة والخبر ‏{‏فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ‏}‏ بتخصيصه بمنقبة ليست لغيره ‏{‏مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ الله‏}‏ كموسى ‏{‏وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ‏}‏ أي محمداً صلى الله عليه وسلم ‏{‏درجات‏}‏ على غيره بعموم الدعوة وختم النبوّة وتفضيل أمته على سائر الأمم والمعجزات المتكاثرة والخصائص العديدة ‏{‏وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات وأيدناه‏}‏ قوّيناه ‏{‏بِرُوحِ القدس‏}‏ جبريل يسير معه حيث سار ‏{‏وَلَوْ شآءَ الله‏}‏ هُدىَ الناس جميعاً ‏{‏مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم‏}‏ بعد الرسل أي أممهم ‏{‏مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات‏}‏ لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضاً ‏{‏ولكن اختلفوا‏}‏ لمشيئته ذلك ‏{‏فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ‏}‏ ثبت على إيمانه ‏{‏وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ‏}‏ كالنصارى بعد المسيح ‏{‏وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا‏}‏ تأكيد ‏{‏ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ‏}‏ من توفيق من شاء وخذلان من شاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏254‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏(‏254‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم‏}‏ زكاته ‏{‏مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ‏}‏ فداء ‏{‏فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ‏}‏ صداقة تنفع ‏{‏وَلاَ شفاعة‏}‏ بغير إذنه وهو يوم القيامة وفي قراءة برفع الثلاثة ‏{‏والكافرون‏}‏ بالله أو بما فرض عليهم ‏{‏هُمُ الظالمون‏}‏ لوضعهم أمر الله في غير محله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏255‏]‏

‏{‏اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ‏(‏255‏)‏‏}‏

‏{‏الله لآ إله‏}‏ أي لا معبود بحق في الوجود ‏{‏إِلاَّ هُوَ الحى‏}‏ الدائم البقاء ‏{‏القيوم‏}‏ المبالغ في القيام بتدبير خلقه ‏{‏لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ‏}‏ نعاس ‏{‏وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض‏}‏ ملكاً وخلقاً وعبيداً ‏{‏مَّن ذَا الذى‏}‏ أي لا أحد ‏{‏يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏ له فيها ‏{‏يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ‏}‏ أي الخلق ‏{‏وَمَا خَلْفَهُمْ‏}‏ أي من أمر الدنيا والآخرة ‏{‏وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ‏}‏ أي لا يعلمون شيئاً من معلوماته ‏{‏إِلاَّ بِمَا شَآءَ‏}‏ أن يُعَلِمَهُم به منها بإخبار الرسل ‏{‏وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السموات والأرض‏}‏ قيل أحاط علمه بهما وقيل ملكه وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته لحديث «ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس» ‏{‏وَلاَ يَؤدُهُ‏}‏ يثقله ‏{‏حِفْظُهُمَا‏}‏ أي السموات والأرض ‏{‏وَهُوَ العلى‏}‏ فوق خلقه بالقهر ‏{‏العظيم‏}‏ الكبير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏256‏]‏

‏{‏لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏256‏)‏‏}‏

‏{‏لآ إِكْرَاهَ فِى الدين‏}‏ على الدخول فيه ‏{‏قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي‏}‏ أي ظهر بالآيات البينات أن الإيمان رشد والكفر غيّ نزلت فيمن كان له من الأنصار أولاد أراد أن يكرههم على الإسلام ‏{‏فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت‏}‏ الشيطان أو الأصنام وهو يُطْلَق على المفرد والجمع ‏{‏وَيُؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك‏}‏ تمسك ‏{‏بالعروة الوثقى‏}‏ بالعقد المحكم ‏{‏لاَ انفصام‏}‏ انقطاع ‏{‏لَهَا والله سَمِيعٌ‏}‏ لما يقال ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بما يفعل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏257‏]‏

‏{‏اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏257‏)‏‏}‏

‏{‏الله وَلِيُّ‏}‏ ناصر ‏{‏الذين ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات‏}‏ الكفر ‏{‏إِلَى النور‏}‏ الإيمان ‏{‏والذين كَفَرُواْ أَوْلِيٍَآؤُهُمُ الطاغوت يُخْرِجُونَهُم مّنَ النور إِلَى الظلمات‏}‏ ذِكْرُ الإخراج‏:‏ إما في مقابلة قوله‏:‏ ‏(‏يخرجهم من الظلمات‏)‏، أو في كل من آمن بالنبي قبل بعثته من اليهود ثم كفر به ‏{‏أولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏258‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏258‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الذى حَآجَّ‏}‏ جادل ‏{‏إبراهيم فِى رِبّهِ‏}‏ ل ‏{‏أَنْ ءاتاه الله الملك‏}‏ أي حمله بطره بنعمة الله على ذلك وهو ‏(‏نمرود‏)‏ ‏{‏إِذ‏}‏ بدل من ‏(‏حاجَّ‏)‏ ‏{‏قَالَ إبراهيم‏}‏ لما قال له من ربك الذي تدعونا إليه‏؟‏ ‏{‏رَبّيَ الذى يُحْىِ وَيُمِيتُ‏}‏ أي يخلق الحياة والموت في الأجساد ‏{‏قَالَ‏}‏ هو ‏{‏أَنا أُحْىِ وأُمِيتُ‏}‏ بالقتل والعفو عنه، ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر فلما رآه غبياً ‏{‏قَالَ إبراهيم‏}‏ منتقلاً إلى حجة أوضح منها ‏{‏فَإِنَّ الله يَأْتِى بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا‏}‏ أنت ‏{‏مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذى كَفَرَ‏}‏ تَحيَّر ودَهشَ ‏{‏والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين‏}‏ بالكفر إلى مَحجَّة الاحتجاج‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏259‏]‏

‏{‏أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏259‏)‏‏}‏

‏{‏أَوْ‏}‏ رأيت ‏{‏كالذى‏}‏ الكاف زائدة ‏{‏مَرَّ على قَرْيَةٍ‏}‏ هي بيت المقدس راكباً على حمار ومعه سلة تين وقدح عصير وهو ‏(‏عزير‏)‏ ‏{‏وَهِىَ خَاوِيَةٌ‏}‏ ساقطة ‏{‏على عُرُوشِهَا‏}‏ سقوطها لما خرَّبها بختنصر ‏{‏قَالَ إِنّى‏}‏ كيف ‏{‏يُحْىِ هذه اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا‏}‏ استعظاماً لقدرته تعالى ‏{‏فَأَمَاتَهُ الله‏}‏ وألبثه ‏{‏مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ‏}‏ أحياه ليريه كيفية ذلك ‏{‏قَالَ‏}‏ تعالى له ‏{‏كَمْ لَبِثْتَ‏}‏ مكثت هنا‏؟‏ ‏{‏قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ‏}‏ لأنه نام أول النهار فقُبِضَ وأُحيي عند الغروب فظن أنه يوم النوم ‏{‏قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فانظر إلى طَعَامِكَ‏}‏ التين ‏{‏وَشَرَابِكَ‏}‏ الْعَصِير ‏{‏لَمْ يَتَسَنَّهْ‏}‏ لم يتغير مع طول الزمان، و‏(‏الهاء‏)‏ قيل أصل من ‏(‏سانَهْتُ‏)‏ وقيل للسكت من ‏(‏سَانَيتُ‏)‏، وفي قراءة بحذفها ‏{‏وانظر إلى حِمَارِكَ‏}‏ كيف هو‏؟‏ فرآه ميتاً وعظامه بيض تلوح‏!‏فعلنا ذلك لتعلم ‏{‏وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً‏}‏ على البعث ‏{‏لِلنَّاسِ وانظر إِلَى العظام‏}‏ من حمارك ‏{‏كَيْفَ نُنشِزُهَا‏}‏ نحييها بضم النون وقرئ بفتحها من ‏(‏أنشر‏)‏ و‏(‏نشر‏)‏- لغتان-، وفي قراءة ‏(‏نُنشزُها‏)‏ بضم النون والزاي أي نُحَرِّكُها ونَرْفَعُها ‏{‏ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا‏}‏ فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخ فيه الروح ونهق ‏{‏فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ‏}‏ ذلك بالمشاهدة ‏{‏قَالَ أَعْلَمُ‏}‏ علم مشاهدة ‏{‏إِنَّ الله على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏ وفي قراءة ‏(‏اعْلَمْ‏)‏ أمْرٌ من الله له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏260‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏260‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ أَرِنِى كيف تُحْي الموتى‏}‏ تعالى له ‏{‏أَوَلَمْ تُؤْمِن‏}‏ بقدرتي على الإحياء‏؟‏ سأله مع علمه بإيمانه بذلك ليجيبه بما سأل فيعلم السامعون غرضه ‏{‏قَالَ بلى‏}‏ آمنت ‏{‏ولكن‏}‏ سألتك ‏{‏لّيَطْمَئِنَّ‏}‏ يسكن ‏{‏قَلْبِى‏}‏ بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال ‏{‏قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطير فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ‏}‏ بكسر الصاد وضمها أملهن إليك وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن ‏{‏ثُمَّ اجعل على كُلّ جَبَلٍ‏}‏ من جبال أرضك ‏{‏مّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادعهن‏}‏ إليك ‏{‏يَأْتِينَكَ سَعْيًا‏}‏ سريعاً ‏{‏واعلم أَنَّ الله عَزِيزٌ‏}‏ لا يعجزه شيء ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ في صنعه فأخذ طاووساً ونسراً وغراباً وديكاً وفعل بهن ما ذكر وأمسك رؤوسهن عنده ودعاهن فتطايرت الأجزاء إلى بعضها حتى تكاملت ثم أقبلت إلى رؤوسها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏261‏]‏

‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏261‏)‏‏}‏

‏{‏مَثَلُ‏}‏ صفة نفقات ‏{‏الذين يُنفِقُونَ أموالهم فِي سَبِيلِ الله‏}‏ أي طاعته ‏{‏كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ‏}‏ فكذلك نفقاته تُضَاعَف لسبعمائة ضعف ‏{‏والله يضاعف‏}‏ أكثر من ذلك ‏{‏لِمَن يَشَاء والله واسع‏}‏ فضله ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بمن يستحق المضاعفة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏262‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏262‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يُنفِقُونَ أموالهم فِى سَبِيلِ الله ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُواْ مَنّاً‏}‏ على المنفق عليه بقولهم مثلاً‏:‏ قد أحسنت إليه وجبرت حاله ‏{‏وَلا أَذًى‏}‏ له بذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه ونحوه ‏{‏لَهُمْ أَجْرُهُمْ‏}‏ ثواب إنفاقهم ‏{‏عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏263‏]‏

‏{‏قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ‏(‏263‏)‏‏}‏

‏{‏قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ‏}‏ كلام حسن وردٌّ على السائل جميل ‏{‏وَمَغْفِرَةٌ‏}‏ له في إلحاحه ‏{‏خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى‏}‏ بالْمن وتعيير له بالسؤال ‏{‏والله غَنِىٌّ‏}‏ عن صدقة العباد ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ بتأخير العقوبة عن المانّ والمؤذى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏264‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ‏(‏264‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم‏}‏ أي أجورها ‏{‏بالمن والأذى‏}‏ إبطالاً ‏{‏كالذى‏}‏ أي كإبطال نفقة الذي ‏{‏يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء الناس‏}‏ مرائياً لهم ‏{‏وَلاَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الأخر‏}‏ وهو المنافق ‏{‏فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ‏}‏ حجر أملس ‏{‏عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ‏}‏ مطر شديد ‏{‏فَتَرَكَهُ صَلْدًا‏}‏ صلباً أملس لا شيء عليه ‏{‏لاَّ يَقْدِرُونَ‏}‏ استئناف لبيان مثل المنافق المنفق رئاء الناس، وجُمِعَ الضمير باعتبار معنى ‏(‏الذي‏)‏ ‏{‏على شَئ مّمَّا كَسَبُواْ‏}‏ عملوا أي لا يجدون له ثواباً في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شيء من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له ‏{‏والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏265‏]‏

‏{‏وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏265‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَثَلُ‏}‏ نفقات ‏{‏الذين يُنفِقُونَ أموالهم ابتغاء‏}‏ طلب ‏{‏مَرْضَاتِ الله وَتَثْبِيتًا مّنْ أَنفُسِهِمْ‏}‏ أي تحقيقاً للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لإنكارهم له، و‏(‏مَن‏)‏ ابتدائية ‏{‏كَمَثَلِ جَنَّةٍ‏}‏ بستان ‏{‏بِرَبْوَةٍ‏}‏ بضم الراء وفتحها، مكان مرتفع مستو ‏{‏أَصَابَهَا وَابِلٌ فَأَتَتْ‏}‏ أعطت ‏{‏أُكُلُهَا‏}‏ بضم الكاف وسكونها ثمرها ‏{‏ضِعْفَيْنِ‏}‏ مثل ما يثمر غيرها ‏{‏فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ‏}‏ مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها، المعنى‏:‏ تثمر وتزكو كَثُر المطر أم قل فكذلك نفقات من ذكر تزكو عند الله كَثُرَت أم قلت ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏266‏]‏

‏{‏أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ‏(‏266‏)‏‏}‏

‏{‏أَيَوَدُّ‏}‏ أيحب ‏{‏أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ‏}‏ بستان ‏{‏مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُ فِيهَا‏}‏ ثمر ‏{‏مِن كُلّ الثمرات‏}‏ قد ‏{‏أَصَابَهُ الكبر‏}‏ فضعف من الكبر ‏{‏وَلَهُ ذُرّيَّةٌ ضُعَفَاء‏}‏ أولاد صغار لا يقدرون عليه ‏{‏فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ‏}‏ ريح شديدة ‏{‏فِيهِ نَارٌ فاحترقت‏}‏ ففقدها أحوج ما كان إليها وبقي هو وأولاده عجزة متحيرين لا حيلة لهم وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمانّ في ذهابها وعدم نفعها أحوج ما يكون إليها في الآخرة والاستفهام بمعنى النفي‏.‏ وعن ابن عباس‏:‏ هو الرجل عمل بالطاعات ثم بُعِثَ له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله ‏{‏كذلك‏}‏ كما بيَّن ما ذكر ‏{‏يُبيّنُ الله لَكُمُ الأات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ‏}‏ فتعتبرون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏267‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ‏(‏267‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ أَنفِقُواْ‏}‏ أي زكوا ‏{‏مِن طَيّبَاتِ‏}‏ جياد ‏{‏مَّا كَسَبْتُم‏}‏ من المال ‏{‏وَمِنْ‏}‏ طيبات ‏{‏مَا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الارض‏}‏ من الحبوب والثمار ‏{‏وَلاَ تَيَمَّمُواْ‏}‏ تقصدوا ‏{‏الخبيث‏}‏ الرديء ‏{‏مِنْهُ‏}‏ أي من المذكور ‏{‏تُنفِقُونَ‏}‏ ه في الزكاة، حال من ضمير ‏(‏تيمموا‏)‏ ‏{‏وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ‏}‏ أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم ‏{‏إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ‏}‏ بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله‏؟‏ ‏{‏واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ‏}‏ عن نفقاتكم ‏{‏حَمِيدٌ‏}‏ محمود على كل حال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏268‏]‏

‏{‏الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏268‏)‏‏}‏

‏{‏الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر‏}‏ يخوّفكم به إن تصدّقتم فتمسكون ‏{‏وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء‏}‏ البخل ومنع الزكاة ‏{‏والله يَعِدُكُم‏}‏ على الإنفاق ‏{‏مَّغْفِرَةً مّنْهُ‏}‏ لذنوبكم ‏{‏وَفَضْلاً‏}‏ رزقاً خلفاً منه ‏{‏والله واسع‏}‏ فضله ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بالمنفق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏269‏]‏

‏{‏يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏269‏)‏‏}‏

‏{‏يُؤْتِى الْحِكْمَةَ‏}‏ أي العلم النافع المؤديّ إلى العمل ‏{‏مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا‏}‏ لمصيره إلى السعادة الأبدية ‏{‏وَمَا يَذَّكَّرُ‏}‏ فيه إدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ ‏{‏إِلاَّ أُوْلُواْ الالباب‏}‏ أصحاب العقول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏270‏]‏

‏{‏وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ‏(‏270‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا أَنفَقْتُم مّن نَّفَقَةٍ‏}‏ أدّيتم من زكاة أو صدقة ‏{‏أَوْ نَذَرْتُم مّن نَّذْرٍ‏}‏ فوفيتم به ‏{‏فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ‏}‏ فيجازيكم عليه ‏{‏وَمَا للظالمين‏}‏ بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله ‏{‏مِنْ أَنصَارٍ‏}‏ مانعين لهم من عذابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏271‏]‏

‏{‏إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏271‏)‏‏}‏

‏{‏إِن تُبْدُواْ‏}‏ تظهروا ‏{‏الصدقات‏}‏ أي النوافل ‏{‏فَنِعِمَّا هِىَ‏}‏ أي نعم شيئاً إبداؤها ‏{‏وَإِن تُخْفُوهَا‏}‏ تسروها ‏{‏وَتُؤْتُوهَا الفقراء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ من إبدائها وإيتائها الأغنياء أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ليُقتدى به ولئلا يتهم، وإيتاؤها الفقراء متعين ‏{‏وَيُكَفّرْ‏}‏ بالياء والنون مجزوماً بالعطف على محل «فهو» ومرفوعاً على الاستئناف ‏{‏عَنكُمْ مّنَ‏}‏ بعض ‏{‏سَيّئَاتِكُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ عالم بباطنه كظاهره لا يخفى عليه شيء منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏272‏]‏

‏{‏لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ‏(‏272‏)‏‏}‏

ولما منع صلى الله عليه وسلم من التصدُّق على المشركين ليسلموا نزل ‏{‏لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ‏}‏ أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ ‏{‏ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاءُ‏}‏ هدايته إلى الدخول فيه ‏{‏وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ‏}‏ مال ‏{‏فَلأَنفُسِكُمْ‏}‏ لأنّ ثوابه لها ‏{‏وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ الله‏}‏ أي ثوابه لا غيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي ‏{‏وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ‏}‏ جزاؤه ‏{‏وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ‏}‏ تُنقصونَ منه شيئاً، والجملتان تأكيد للأولى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏273‏]‏

‏{‏لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ‏(‏273‏)‏‏}‏

‏{‏لِلْفُقَرَاء‏}‏ خبر مبتدأ محذوف أي الصدقات ‏{‏الذين أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ الله‏}‏ أي حبسوا أنفسهم على الجهاد‏.‏ نزلت في أهل الصُّفَّة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا ‏{‏لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا‏}‏ سفرا ‏{‏فِى الأرض‏}‏ للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد ‏{‏يَحْسَبُهُمُ الجاهل‏}‏ بحالهم ‏{‏أَغْنِيَاءَ مِنَ التعفف‏}‏ أي لتعففهم عن السؤال وتركه ‏{‏تَعْرِفُهُم‏}‏ يا مخاطب ‏{‏بسيماهم‏}‏ علامتهم من التواضع وأثر الجهد ‏{‏لاَ يَسْئَلوُن النَّاسَ‏}‏ شيئاً فيُلحفون ‏{‏إِلْحَافًا‏}‏ أي لا سؤال لهم أصلاً فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح ‏{‏وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ‏}‏ فمجاز عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏274‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏274‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يُنفِقُونَ أموالهم باليل والنهار سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏275‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏275‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يَأْكُلُونَ الربا‏}‏ أي يأخذونه وهو الزيادة في المعاملة بالنقود والمطعومات في القَدْر أو الأجل ‏{‏لاَ يَقُومُونَ‏}‏ من قبورهم ‏{‏إِلا‏}‏ قياماً ‏{‏كَمَا يَقُومُ الذى يَتَخَبَّطُهُ‏}‏ يصرعه ‏{‏الشيطان مِنَ المس‏}‏ الجنون، متعلق ‏(‏بيقومون‏)‏ ‏{‏ذلك‏}‏ الذي نزل بهم ‏{‏بِأَنَّهُمْ‏}‏ بسبب أنهم ‏{‏قَالُواْ إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا‏}‏ في الجواز وهذا من عكس التشبيه مبالغة فقال تعالى رداً عليهم ‏{‏وَأَحَلَ الله البَيْعَ وَحَرَمَ الرباوا فَمن جَآءَهُ‏}‏ بلغه ‏{‏مَّوْعِظَةٌ‏}‏ وعظ ‏{‏مّنْ رَّبّهِ فانتهى‏}‏ عن أكله ‏{‏فَلَهُ مَا سَلَفَ‏}‏ قبل النهي أي لا يسترد منه ‏{‏وَأَمْرُهُ‏}‏ في العفو عنه ‏{‏إِلَى الله وَمَنْ عَادَ‏}‏ إلى أكله مشبهاً له بالبيع في الحل ‏{‏فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏276‏]‏

‏{‏يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ‏(‏276‏)‏‏}‏

‏{‏يَمْحَقُ الله الربا‏}‏ ينقصه ويذهب بركته ‏{‏وَيُرْبِى الصدقات‏}‏ يزيدها وينمّيها ويضاعف ثوابها ‏{‏والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ‏}‏ بتحليل الربا ‏{‏أَثِيمٍ‏}‏ فاجر بأكله أي يعاقبه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏277‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏277‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَأَقَامُواْ الصلاة وءَاتَوُاْ الزكواة لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏278‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏278‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ‏}‏ اتركوا ‏{‏مَا بَقِىَ مِنَ الربا إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ‏}‏ صادقين في إيمانكم فإنّ من شأن المؤمنين امتثال أمر الله تعالى، نزلت لما طالب بعض الصحابة بعد النهي برباً كان لهم قبل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏279‏]‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ‏(‏279‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ‏}‏ ما أمرتم به ‏{‏فَأْذَنُواْ‏}‏ اعلموا ‏{‏بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ‏}‏ لكم فيه تهديد شديد لهم ولما نزلت قالوا‏:‏ لا يَدَيْ لنا بحربه ‏{‏وَإِن تُبْتُمْ‏}‏ رجعتم عنه ‏{‏فَلَكُمْ رُءُوسُ‏}‏ أصول ‏{‏أموالكم لاَ تَظْلِمُونَ‏}‏ بزيادة ‏{‏وَلاَ تُظْلَمُونَ‏}‏ بنقص‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏280‏]‏

‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏280‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن كَانَ‏}‏ وقع غريم ‏{‏ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ‏}‏ له أي عليكم تأخيره ‏{‏إلى مَيْسَرَةٍ‏}‏ بفتح السين وضمها، أي وقت يسر ‏{‏وَأَن تَصَدَّقُواْ‏}‏ بالتشديد على إدغام التاء في الأصل في الصاد ‏[‏تصّدّقوا‏]‏ وبالتخفيف على حذفها ‏[‏تصدّقوا‏]‏ أي تتصدقوا على المعسر بالإبراء ‏{‏خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أنه خير فافعلوه في الحديث «من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» رواه مسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏281‏]‏

‏{‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏281‏)‏‏}‏

‏{‏واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ‏}‏ بالبناء للمفعول ‏[‏تُرجَعون‏]‏ تردون، وللفاعل ‏[‏ترجِعون‏]‏ تصِيرون ‏{‏فِيهِ إِلَى الله‏}‏ هو يوم القيامة ‏{‏ثُمَّ توفى‏}‏ فيه ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ‏}‏ جزاء ‏{‏مَّا كَسَبَتْ‏}‏ عملت من خير وشر ‏{‏وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ‏}‏ بنقص حسنة أو زيادة سيئة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏282‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏282‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم‏}‏ تعاملتم ‏{‏بِدَيْنٍ‏}‏ كسلم وقرض ‏{‏إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى‏}‏ معلوم ‏{‏فاكتبوه‏}‏ استيثاقاً ودفعاً للنزاع ‏{‏وَلْيَكْتُب‏}‏ كتاب الدَّينَ ‏{‏بَّيْنَكُم كَاتِبٌ بالعدل‏}‏ بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص ‏{‏وَلاَ يَأْبَ‏}‏ يمتنع ‏{‏كَاتِبٌ‏}‏ من ‏{‏أَن يَكْتُبَ‏}‏ إذا دعي إليها ‏{‏كَمَا عَلَّمَهُ الله‏}‏ أي فضله بالكتابة فلا يبخل بها، والكاف متعلقة ب ‏(‏يأب‏)‏ ‏{‏فَلْيَكْتُبْ‏}‏ تأكيد ‏{‏وَلْيُمْلِلِ‏}‏ يُمْلِ الكاتب ‏{‏الذى عَلَيْهِ الحق‏}‏ الدَّيْن لأنه المشهود عليه فيقرّ ليعلم ما عليه ‏{‏وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ‏}‏ في إملائه ‏{‏وَلاَ يَبْخَسْ‏}‏ ينقص ‏{‏مِنْهُ‏}‏ أي الحق ‏{‏شَيْئاً فَإن كَانَ الذى عَلَيْهِ الحق سَفِيهًا‏}‏ مبذِّرا ‏{‏أَوْ ضَعِيفًا‏}‏ عن الإملاء لصغر أو كبر ‏{‏أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ‏}‏ لخرس أو جهل باللغة أو نحو ذلك ‏{‏فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ‏}‏ متولي أمره من والدٍ ووصيّ وقيِّم ومُترجم ‏{‏بالعدل واستشهدوا‏}‏ أشهدوا على الدَّيْن ‏{‏شَهِيدَيْنِ‏}‏ شاهدين ‏{‏مّن رّجَالِكُمْ‏}‏ أي بالغي المسلمين الأحرار ‏{‏فَإِن لَّمْ يَكُونَا‏}‏ أي الشهيدان ‏{‏رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان‏}‏ يشهدون ‏{‏مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهداء‏}‏ لدينه وعدالته وتعدّد النساء لأجل ‏{‏أَن تَضِلَّ‏}‏ تنسى ‏{‏إْحْدَاهُمَا‏}‏ الشهادة لنقص عقلهن وضبطهن ‏{‏فَتُذَكّرَ‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏إْحْدَاهُمَا‏}‏ الذاكرة ‏{‏الاخرى‏}‏ الناسية وجملة الإذكار محل العلة أي لتذكر إن ضلت ودخلت على الضلال لأنه سبب‏.‏ وفي قراءة بكسر «إن» شرطية، ورفع «تذكر» استئناف جوابه ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشهداء إِذَا مَا‏}‏ زائدة ‏{‏دُعُواْ‏}‏ إلى تحمل الشهادة وأدائها ‏{‏تَسئَموُاْ‏}‏ تملوا من ‏{‏أَن تَكْتُبُوهُ‏}‏ أي ما شهدتم عليه من حق لكثرة وقوع ذلك ‏{‏صَغِيرًا‏}‏ كان ‏{‏أَوْ كَبِيرًا‏}‏ قليلاً أو كثيراً ‏{‏إِلَى أَجَلِهِ‏}‏ وقت حلوله حال من الهاء في ‏(‏تكتبوه‏)‏ ‏{‏ذلكم‏}‏ أي الكتب ‏{‏أَقْسَطُ‏}‏ أعدل ‏{‏عِندَ الله وَأَقْوَمُ للشهادة‏}‏ أي أعون على إقامتها لأنه يذكرها ‏{‏وَأَدْنَى‏}‏ أقرب إلى ‏{‏أَ‏}‏ نْ ‏{‏لا تَرْتَابُواْ‏}‏ تشكوا في قدر الحق والأجل ‏{‏إِلا أَن تَكُونَ‏}‏ تقع ‏{‏تجارة حَاضِرَةً‏}‏ وفي قراءة بالنصب ‏(‏فتكون‏)‏ ناقصة واسمها ضمير التجارة ‏{‏تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ‏}‏ أي تقبضونها ولا أجل فيها ‏{‏فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ‏}‏ في ‏{‏أَ‏}‏ ن ‏{‏لا تَكْتُبُوهَا‏}‏ والمراد بها المتجر فيه ‏{‏وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ‏}‏ عليه فإنه أدفع للاختلاف وهذا وما قبله أمر ندب ‏{‏وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ‏}‏ صاحب الحق ومن عليه بتحريف أو امتناع من الشهادة أو الكتابة ولا يضرهما صاحب الحق بتكليفهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة ‏{‏وَإِن تَفْعَلُواْ‏}‏ ما نُهيتم عنه ‏{‏فَإِنَّهُ فُسُوقٌ‏}‏ خروج عن الطاعة لاحِقٌ ‏{‏بِكُمْ واتقوا الله‏}‏ في أمره ونهيه ‏{‏وَيُعَلّمُكُمُ الله‏}‏ مصالح أموركم حال مقدرة أو مستأنف ‏{‏والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏283‏]‏

‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ‏(‏283‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن كُنتُمْ على سَفَرٍ‏}‏ أي مسافرين وتداينتم ‏{‏وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فرهان‏}‏ وفي قراءة «فَرِهَان» جمع ‏(‏رهن‏)‏ ‏{‏مَّقْبُوضَةٌ‏}‏ تستوثقون بها وبينت السنة جواز الرهن في الحضر ووجود الكاتب فالتقيد بما ذكر لأن التوثيق فيه أشدّ وأفاد قوله‏:‏ «مقبوضة» اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله ‏{‏فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا‏}‏ أي الدائن المدين على حقه فلم يرتهن ‏{‏فَلْيُؤَدّ الذى اؤتمن‏}‏ أي المدين ‏{‏أمانته‏}‏ دَيْنَه ‏{‏وَلْيَتَّقِ الله رَبَّهُ‏}‏ في أدائه ‏{‏وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة‏}‏ إذا دُعيتم لإقامتها ‏{‏وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبُهُ‏}‏ خص بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه معاقبة الآثمين ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‏}‏ لا يخفى عليه شيء منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏284‏]‏

‏{‏لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏284‏)‏‏}‏

‏{‏للَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض وَإِن تُبْدُواْ‏}‏ تظهروا ‏{‏مَا فِي أَنفُسِكُمْ‏}‏ من السوء والعزم عليه ‏{‏أَوْ تُخْفُوهْ‏}‏ تسرّوه ‏{‏يُحَاسِبْكُم‏}‏ يخبركم ‏{‏بِهِ الله‏}‏ يوم القيامة ‏{‏فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ‏}‏ المغفرة له ‏{‏وَيُعَذّبُ مَن يَشَاءُ‏}‏ تعذيبه، والفعلان بالجزم عطف على جواب الشرط والرفع أي فهو ‏{‏والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ‏}‏ ومنه محاسبتكم وجزاؤكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏285‏]‏

‏{‏آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ‏(‏285‏)‏‏}‏

‏{‏ءَامَنَ‏}‏ صدّق ‏{‏الرسول‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ‏}‏ من القرآن ‏{‏والمؤمنون‏}‏ عطف عليه ‏{‏كُلٌّ‏}‏ تنوينه عوض من المضاف إليه ‏{‏ءَامَنَ بالله وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ‏}‏ بالجمع والإفراد ‏[‏وكتابه‏]‏ ‏{‏وَرُسُلِهِ‏}‏ يقولون ‏{‏لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ‏}‏ فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى ‏{‏وَقَالُواْ سَمِعْنَا‏}‏ أي ما أُمْرِنَا به سماع قبول ‏{‏وَأَطَعْنَا‏}‏ نسألك ‏{‏غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير‏}‏ المرجع بالبعث، ولما نزلت الآية قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏286‏]‏

‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ‏(‏286‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ أي ما تسعه قدرتها ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ‏}‏ من الخير أي ثوابه ‏{‏وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت‏}‏ من الشرّ أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه قولوا ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا‏}‏ بالعقاب ‏{‏إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به مَن قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث، فسؤاله اعتراف بنعمة الله ‏{‏رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا‏}‏ أمراً يثقل علينا حمله ‏{‏كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا‏}‏ أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة ‏{‏رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ‏}‏ قوّة ‏{‏لَنَا بِهِ‏}‏ من التكاليف والبلاء ‏{‏واعف عَنَّا‏}‏ امح ذنوبنا ‏{‏واغفر لَنَا وارحمنا‏}‏ في الرحمة زيادة على المغفرة ‏{‏أَنتَ مولانا‏}‏ سيدنا ومتولي أمورنا ‏{‏فانصرنا عَلَى القوم الكافرين‏}‏ بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإنّ من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء، وفي الحديث «لما نزلت هذه الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة‏:‏ قد فعلت»‏.‏

سورة آل عمران

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏الم ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏الم‏}‏ الله أعلم بمراده بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحى القيوم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏نَزَّلَ عَلَيْكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏الكتاب‏}‏ القرآن مُتَلبِّسا ‏{‏بالحق‏}‏ بالصدق في أخباره ‏{‏مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏ قبله من الكتب ‏{‏وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏مِن قَبْلُ‏}‏ أي قبل تنزيله ‏{‏هُدًى‏}‏ حال بمعنى هاديَيْن من الضلالة ‏{‏لِلنَّاسِ‏}‏ ممن تبعهما وعبر فيهما ب ‏(‏أنزل‏)‏ وفي القرآن ب ‏(‏نزَّل‏)‏ المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه ‏{‏وَأَنزَلَ الفرقان‏}‏ بمعنى الكتب الفارقة بين الحق والباطل وذِكْرُهُ بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها ‏{‏إِنَّ الذين كَفَرُواْ بئايات الله‏}‏ القرآن وغيره ‏{‏لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ والله عَزِيزٌ‏}‏ غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده ‏{‏ذُو انتقام‏}‏ عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَئ‏}‏ كائن ‏{‏فِي الأرض وَلاَ فِى السماء‏}‏ لعلمه بما يقع في العالم من كُلِّي وجزئيّ وخصهما بالذكر لأنّ الحس لا يتجاوزهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك ‏{‏لاَ إله إِلاَّ هُوَ‏}‏ في ملكه ‏{‏العليم الحكيم‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الذى أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ ءايات محكمات‏}‏ واضحات الدلالة ‏{‏هُنَّ أُمُّ الكتاب‏}‏ أصله المعتمد عليه في الأحكام ‏{‏وَأُخَرُ متشابهات‏}‏ لا تفهم معانيها كأوائل السور وجعله كله محكماً في قوله ‏{‏أُحْكِمَتْ آياته‏}‏ ‏[‏1‏:‏ 11‏]‏ بمعنى أنه ليس فيه عيب ومتشابهاً في قوله ‏{‏كِتَابَاً مَّتَشَابِهاً‏}‏ ‏[‏23‏:‏ 39‏]‏ بمعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في الحسن والصدق ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ‏}‏ ميل عن الحق ‏{‏فَيَتَّبِعُونَ مَا تشابه مِنْهُ ابتغاء‏}‏ طلب ‏{‏الفتنة‏}‏ لجُهَّالهم بوقوعهم في الشبهات واللبس ‏{‏وابتغاء تَأْوِيلِهِ‏}‏ تفسيره ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ‏}‏ تفسيره ‏{‏إِلاَّ الله‏}‏ وحده ‏{‏والراسخون‏}‏ الثابتون المتمكنون ‏{‏فِى العلم‏}‏ مبتدأ خبره ‏{‏يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ‏}‏ أي بالمتشابه أنه من عند الله ولا نعلم معناه ‏{‏كُلٌّ‏}‏ من المحكم والمتشابه ‏{‏مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ‏}‏ بإدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ ‏{‏إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب‏}‏ أصحاب العقول ويقولون أيضاً إذا رأوا من يتبعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا‏}‏ تُمِلْها عن الحق ابتغاء تأويله الذي لا يليق بنا كما أزغت قلوب أولئك ‏{‏بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا‏}‏ أرشدتنا إليه ‏{‏وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ‏}‏ من عندك ‏{‏رَحْمَةً‏}‏ تثبيتاً ‏{‏إِنَّكَ أَنتَ الوهاب‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

يا ‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ الناس‏}‏ تجمعهم ‏{‏لِيَوْمٍ‏}‏ أي في يوم ‏{‏لاَ رَيْبَ‏}‏ شك ‏{‏فِيهِ‏}‏ هو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك ‏{‏إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد‏}‏ موعده بالبعث فيه التفات عن الخطاب ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى والغرض من الدعاء بذلك بيان أنّ همّهم أمر الآخرة ولذلك سألوا الثبات على الهداية لينالوا ثوابها، روى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ‏"‏ هُوَ الذى أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيات محكمات ‏"‏ إلى آخرها، وقال ‏"‏ فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم ‏"‏ وروى الطبراني في الكبير عن أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ ما أخاف على أُمتي إلا ثلاث خلال» وذكر منها «أن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وليس يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ‏"‏ الحديث‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ‏}‏ تدفع ‏{‏عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله‏}‏ أي عذابه ‏{‏شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النار‏}‏ بفتح الواو ما توقد به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏11‏)‏‏}‏

دأبهم ‏{‏كَدَأْبِ‏}‏ كعادة ‏{‏ءَالِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ من الأمم كعاد وثمود ‏{‏كَذَّبُواْ بئاياتنا فَأَخَذَهُمُ الله‏}‏ أهلكهم ‏{‏بِذُنُوبِهِمْ‏}‏ والجملة مفسرة لما قبلها ‏{‏والله شَدِيدُ العقاب‏}‏ ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا له‏:‏ لا يغرّنك أن قتلت نفراً من قريش أغماراً لا يعرفون القتال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ يا محمد ‏{‏لِلَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ من اليهود ‏{‏سَتُغْلَبُونَ‏}‏ بالتاء والياء، في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية وقد وقع ذلك ‏{‏وَتُحْشَرُونَ‏}‏ بالوجهين في الآخرة ‏{‏إلى جَهَنَّمَ‏}‏ فتدخلونها ‏{‏وَبِئْسَ المهاد‏}‏ الفراش هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ‏}‏ عبرة وذكر الفعل للفصل ‏{‏فِي فِئَتَيْنِ‏}‏ فرقتين ‏{‏التقتا‏}‏ يوم بدر للقتال ‏{‏فِئَةٌ تقاتل فِى سَبِيلِ الله‏}‏ أي طاعته، وهم النبي وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً معهم فرسان وست أدرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجالة ‏{‏وأخرى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ‏}‏ أي الكفار ‏{‏مّثْلَيْهِمْ‏}‏ أي المسلمين أي أكثر منهم وكانوا نحو ألف ‏{‏رَأْىَ العين‏}‏ أي رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم ‏{‏والله يُؤَيّدُ‏}‏ يقوي ‏{‏بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء‏}‏ نصره ‏{‏إِنَّ فِى ذَلِكَ‏}‏ المذكور ‏{‏لَعِبْرَةًلأُوْلِى الأبصار‏}‏ لذوي البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنون‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات‏}‏ ما تشتهيه النفس وتدعو إليه، زينها الله ابتلاءً أو الشيطان ‏{‏مِنَ النساء والبنين والقناطير‏}‏ الأموال الكثيرة ‏{‏المقنطرة‏}‏ المجمعة ‏{‏مِنَ الذهب والفضة والخيل المسومة‏}‏ الحسان ‏{‏والأنعام‏}‏ أي الإبل والبقر والغنم ‏{‏والحرث‏}‏ الزرع ‏{‏ذلك‏}‏ المذكور ‏{‏متاع الحياة الدنيا‏}‏ يتمتع به فيها ثم يفنى ‏{‏والله عِندَهُ حُسْنُ المأب‏}‏ المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ يا محمد لقومك ‏{‏أَؤُنَبّئُكُمْ‏}‏ أخبركم ‏{‏بِخَيْرٍ مّن ذلكم‏}‏ المذكور من الشهوات، استفهام تقرير ‏{‏لّلَّذِينَ اتقوا‏}‏ الشرك ‏{‏عِندَ رَبّهِمْ‏}‏ خبر مبتدؤه ‏{‏جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين‏}‏ أي مقدّرين الخلود ‏{‏فِيهَا‏}‏ إذا دخلوها ‏{‏وأزواج مُّطَهَّرَةٌ‏}‏ من الحيض وغيره مما يُستقذر ‏{‏وَرِضْوَانٌ‏}‏ بكسر أوله وضمه لغتان أي رضا كثير ‏{‏مّنَ الله والله بَصِيرٌ‏}‏ عالم ‏{‏بالعباد‏}‏ فيجازي كلاًّ منهم بعمله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ نعت أو بدل من ‏(‏الذين‏)‏ قبله ‏{‏يَقُولُونَ‏}‏ يا ‏{‏رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا‏}‏ صدّقنا بك وبرسولك ‏{‏فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النار‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏الصابرين‏}‏ على الطاعة وعن المعصية نعت ‏{‏والصادقين‏}‏ في الإيمان ‏{‏والقانتين‏}‏ المطيعين لله ‏{‏والمنافقين‏}‏ المتصدقين ‏{‏والمستغفرين‏}‏ الله بأن يقولوا اللهم اغفر لنا ‏{‏بالأسحار‏}‏ أواخر الليل خصت بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏شَهِدَ الله‏}‏ بيَّن لخلقه بالدلائل والآيات ‏{‏أَنَّهُ لا إله‏}‏ أي لا معبود في الوجود بحق ‏{‏إِلاَّ هُوَ‏}‏ شهد بذلك ‏{‏الملائكة‏}‏ بالإقرار ‏{‏وَأُوْلُواْ العلم‏}‏ من الأنبياء والمؤمنين بالاعتقاد واللفظ ‏{‏قَائِمَاً‏}‏ بتدبير مصنوعاته ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الجملة أي تفرّد ‏{‏بالقسط‏}‏ بالعدل ‏{‏لاَ إله إِلاَّ هُوَ‏}‏ كرره تأكيداً ‏{‏العزيز‏}‏ في ملكه ‏{‏الحكيم‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الدّينَ‏}‏ المرضيّ ‏{‏عَندَ الله‏}‏ هو ‏{‏الإسلام‏}‏ أي الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد وفي قراءة بفتح «إنّ» بدل من أنه الخ بدل اشتمال ‏{‏وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب‏}‏ اليهود والنصارى في الدين بأن وحَّد بعض وكفر بعض ‏{‏إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم‏}‏ بالتوحيد ‏{‏بَغِيّاً‏}‏ من الكافرين ‏{‏بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بآيات الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب‏}‏ أي المجازاة له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏فَإنْ حَاجُّوكَ‏}‏ خاصمك الكفار يا محمد في الدين ‏{‏فَقُلْ‏}‏ لهم‏:‏ ‏{‏أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ‏}‏ انقدت له أنا ‏{‏وَمَنِ اتبعن‏}‏ وخص الوجه بالذكر لشرفه فغيره أولى ‏{‏وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب‏}‏ اليهود والنصارى ‏{‏والأميين‏}‏ مشركي العرب ‏{‏ءأَسْلَمْتُمْ‏}‏ أي أسلموا ‏{‏فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهتدوا‏}‏ من الضلال ‏{‏وَإِن تَوَلَّوْاْ‏}‏ عن الإسلام ‏{‏فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ‏}‏ التبليغ للرسالة ‏{‏والله بَصِيرٌ بالعباد‏}‏ فيجازيهم بأعمالهم وهذا قبل الأمر بالقتال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بآيات الله وَيَقْتُلُونَ‏}‏ وفي قراءة ‏(‏يقاتلون‏)‏ ‏{‏النبيين بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط‏}‏ بالعدل ‏{‏مِنَ الناس‏}‏ وهم اليهودُ روي أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً فنهاهم مائة وسبعون من عُبَّادهم فقتلوهم من يومهم ‏{‏فَبَشّرْهُم‏}‏ أعلمهم ‏{‏بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ مؤلم وذكر البشارة تهكم بهم ودخلت الفاء في خبر ‏(‏إنّ‏)‏ لشبه اسمها الموصول بالشرط‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏أُولَئِكَ الذين حَبِطَتْ‏}‏ بطلت ‏{‏أعمالهم‏}‏ ما عملوا من خير كصدقة وصلة رحم ‏{‏فِى الدنيا والأخرة‏}‏ فلا اعتداد بها لعدم شرطها ‏{‏وَمَا لَهُم مِّن ناصرين‏}‏ مانعين من العذاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ تنظر ‏{‏إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا‏}‏ حظاً ‏{‏مّنَ الكتاب‏}‏ التوراة ‏{‏يُدْعَونَ‏}‏ حال ‏{‏إلى كتاب الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ‏}‏ عن قبول حكمه نزلت في اليهود زنى منهم اثنان فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأبوا فجيء بالتوراة فوُجد فيها فرُجما فغضبوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك‏}‏ التولي والإعراض ‏{‏بِأَنَّهُمْ قَالُواْ‏}‏ أي بسبب قولهم ‏{‏لَن تَمَسَّنَا النار إِلا أَيَّامًا معدودات‏}‏ أربعين يوماً مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم ‏{‏وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِم‏}‏ متعلق بقوله ‏{‏مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ‏}‏ من قولهم ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏فَكَيْفَ‏}‏ حالهم ‏{‏إِذَا جمعناهم لِيَوْمٍ‏}‏ أي في يوم ‏{‏لاَ رَيْبَ‏}‏ لاشك ‏{‏فِيهِ‏}‏ هو يوم القيامة ‏{‏وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ‏}‏ من أهل الكتاب وغيرهم جزاء ‏{‏مَا كَسَبَتْ‏}‏ عملت من خير وشر ‏{‏وَهُمْ‏}‏ أي الناس ‏{‏لاَ يُظْلَمُونَ‏}‏ بنقص حسنة أو زيادة سيئة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏26‏)‏‏}‏

ونزل لما وعد النبي صلى الله عليه وسلم أُمته مُلك فارس والروم فقال المنافقون هيهات‏:‏ ‏{‏قُلِ اللهم‏}‏ يا الله ‏{‏مالك الملك تُؤْتِى‏}‏ تعطي ‏{‏الملك مَن تَشَاءُ‏}‏ من خلقك ‏{‏وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ‏}‏ بإيتائه ‏{‏وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ‏}‏ بنزعه منه ‏{‏بِيَدِكَ‏}‏ بقدرتك ‏{‏الخير‏}‏ أي والشر ‏{‏إِنَّكَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏تُولِجُ‏}‏ تدخل ‏{‏اليل فِى النهار وَتُولِجُ النَّهارَ‏}‏ تدخله ‏{‏في الْليْلِ‏}‏ فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر ‏{‏وَتُخْرِجُ الحى مِنَ الميت‏}‏ كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ‏{‏وَتُخْرِجُ الميت‏}‏ كالنطفة والبيضة ‏{‏مِنَ الحى وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ أي رزقاً واسعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاءَ‏}‏ يوالونهم ‏{‏مِّن دُونِ‏}‏ أي غير ‏{‏المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ ذلك‏}‏ أي يواليهم ‏{‏فَلَيْسَ مِنَ‏}‏ دين ‏{‏الله فِي شَئ إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تقاة‏}‏ مصدر ‏(‏تَقَيْتُه‏)‏‏:‏ أي ‏(‏تخافوا مخافة‏)‏ فلكم موالاتهم باللسان دون القلب وهذا قبل عزة الإسلام ويجري في بلدة ليس قوياً فيها ‏{‏وَيُحَذِّرُكُمُ‏}‏ يخوّفكم ‏{‏الله نَفْسَهُ‏}‏ أن يغضب عليكم إن واليتموهم ‏{‏وإلى الله المصير‏}‏ المرجع فيجازيكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ‏}‏ قلوبكم من موالاتهم ‏{‏أَوْ تُبْدُوهُ‏}‏ تظهروه ‏{‏يَعْلَمْهُ الله‏}‏ هو ‏{‏يَعْلَمُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ‏}‏ ومنه تعذيب مَنْ والاهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ‏(‏30‏)‏‏}‏

اذكر ‏{‏يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ‏}‏ مبتدأ خبره ‏{‏تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا‏}‏ غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها ‏{‏وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ‏}‏ كرّر للتأكيد ‏{‏والله رَءوفٌ بالعباد‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏31‏)‏‏}‏

ونزل لما قالوا‏:‏ ما نعبد الأصنام إلا حباً لله ليقرّبونا إليه ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم يا محمد ‏{‏إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعونى يُحْبِبْكُمُ الله‏}‏ بمعنى أنه يثيبكم ‏{‏وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ والله غَفُورٌ‏}‏ لمن اتبعني ما سلف منه قبل ذلك ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏أَطِيعُواْ الله والرسول‏}‏ فيما يأمركم به من التوحيد ‏{‏فَإِن تَوَلَّوْاْ‏}‏ أعرضوا عن الطاعة ‏{‏فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين‏}‏ فيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لا يحبهم بمعنى أنه يعاقبهم‏.‏