فصل: تفسير الآية رقم (236):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (236):

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
{لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النساء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} وفي قراءة {تُماسُّوهُنَّ} أي تجامعوهن {أَوْ} لم {تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} مهراً و(ما) مصدرية ظرفية أي لا تَبِعَة عليكم في الطلاق- زمن عدم المسيس والفرض- بإثم ولا مهر فطلقوهن {وَمَتِّعُوهُنَّ} أعطوهن ما يتمتعن به {عَلَى الموسع} الغني منكم {قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر} الضيق الرزق {قَدَرُهُ} يفيد أنه لا نظر إلى قدر الزوجة {متاعا} تمتيعاً {بالمعروف} شرعاً صفة (متاعاً) {حَقّاً} صفة ثانية أو مصدر مؤكِّد {عَلَى المحسنين} المطيعين.

.تفسير الآية رقم (237):

{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} يجب لهن ويرجع لكم النصف {إِلا} لكن {أَن يَعْفُونَ} أي الزوجات فيتركنه {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} وهو الزوج فيترك لها الكل وعن ابن عباس: الولي إذا كانت محجورة فلا حرج في ذلك {وَأَن تَعْفُواْ} مبتدأ خبره {أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} أي أن يتفضل بعضكم على بعض {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم به.

.تفسير الآية رقم (238):

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
{حافظوا عَلَى الصلوات} الخمس بأدائها في أوقاتها {والصلاة الْوُسْطَى} هي العصر أو الصبح أو الظهر أو غيرها أقوال وأفردها بالذكر لفضلها {وَقُومُواْ لِلَّهِ} في الصلاة {قانتين} قيل مطيعين لقوله صلى الله عليه وسلم «كل قنوت في القرآن فهو طاعة» رواه أحمد وغيره، وقيل ساكتين لحديث زيد بن أرقم: «كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» رواه الشيخان.

.تفسير الآية رقم (239):

{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}
{فَإِنْ خِفْتُمْ} من عدو أو سيل أو سبع {فَرِجَالاً} جمع (راجل) أي مشاة صلّوا {أَوْ رُكْبَانًا} جمع (راكب) أي كيف أمكن مستقبلي القبلة أو غيرها ويومئ بالركوع والسجود {فَإِذَا أَمِنتُمْ} من الخوف {فاذكروا الله} أي صلّوا {كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} قبل تعليمه من فرائضها وحقوقها والكاف بمعنى (مثل) و(ما) مصدرية أو موصولة.

.تفسير الآية رقم (240):

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}
{والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا} فليوصوا {وَصِيَّةً} وفي قراءة بالرفع، أي عليهم {لأَزْوَاجِهِم} وليعطوهن {متاعا} ما يتمتعن به من النفقة والكسوة {إلى} تمام {الحول} من موتهم الواجب عليهن تربصه {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} حال أي غير مخرجات من مسكنهن {فَإِنْ خَرَجْنَ} بأنفسهن {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} يا أولياء الميت {فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ} شرعاً كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها {والله عَزِيزٌ} في ملكه {حَكِيمٌ} في صنعه والوصية المذكورة منسوخة بآية الميراث وتربص الحول بآية أربعة أشهر وعشر السابقة المتأخرة في النزول والسكنى ثابتة عند الشافعي رحمه الله.

.تفسير الآية رقم (241):

{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}
{وللمطلقات متاع} يُعْطَيْنَه {بالمعروف} بقدر الإمكان {حَقّاً} نُصِبَ بفعله المقدر {عَلَى المتقين} الله تعالى كرره ليعم الممسوسة أيضاً إذ الآية السابقة في غيرها.

.تفسير الآية رقم (242):

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}
{كذلك} كما يبين لكم ما ذكر {يُبَيّنُ الله لَكُمْ ءاياته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} تتدبرون.

.تفسير الآية رقم (243):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}
{أَلَمْ تَرَ} استفهام تعجيب وتشويق إلى استماع ما بعده أي ألم ينته علمك {إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم وَهُمْ أُلُوفٌ} أربعة أو ثمانية أو عشرة أو ثلاثون أو أربعون أو سبعون ألفاً {حَذَرَ الموت} مفعول له وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون ببلادهم ففروا {فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ} فماتوا {ثُمَّ أحياهم} بعد ثمانية أيام أو أكثر بدعاء نبيهم حزقيل بكسر المهملة والقاف وسكون الزاي فعاشوا دهراً عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوباً إلا عاد كالكفن واستمرت في أسباطهم {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} ومنه إحياء هؤلاء {ولكن أَكْثَرَ الناس} وهم الكفار {لاَ يَشْكُرُونَ} والقصد من ذكر خبر هؤلاء تشجيع المؤمنين على القتال ولذا عطف عليه.

.تفسير الآية رقم (244):

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}
{وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله} أي لإعلاء دينه {واعلموا أَنَّ الله سَمِيعٌ} لأقوالكم {عَلِيمٌ} بأحوالكم فمجازيكم.

.تفسير الآية رقم (245):

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
{مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله} بإنفاق ماله في سبيل الله {قَرْضًا حَسَنًا} بأن ينفقه لله عز وجل عن طيب قلب {فَيُضَاعِفَهُ} وفي قراءة {فيضّعفه} بالتشديد {لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما سيأتي {والله يَقْبِضُ} يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء {وَيَبْسُطُ} يوسعه لمن يشاء امتحاناً {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في الآخرة بالبعث فيجازيكم بأعمالكم.

.تفسير الآية رقم (246):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ} الجماعة {مِن بَنِى إِسْرءيلَ مِن بَعْدِ} موت {موسى} أي إلى قصتهم وخبرهم {إِذْ قَالُواْ لِنَبِىّ لَّهُمُ} هو شمويل {ابعث} أقم {لَنَا مَلِكًا نقاتل} معه {فِي سَبِيلِ الله} تنتظم به كلمتنا ونرجع إليه {قَالَ} النبي لهم {هَلْ عَسَيْتُمْ} بالفتح والكسر {إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال أ} ن {لا تقاتلوا} خبر (عسى) والاستفهام لتقرير التوقع بها {قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نقاتل فِي سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن ديارنا وَأَبْنَائِنَا} بسببهم وقتلهم، وقد فَعَلَ بهم ذلك قوم جالوت أي لا مانع لنا منه مع وجود مقتضيه قال تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال تَوَلَّوْاْ} عنه وجبنوا {إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ} وهم الذين عبروا النهر مع طالوت كما سيأتي {والله عَلِيمٌ بالظالمين} فمجازيهم وسأل النبي ربه إرسال مَلِكٍ فأجابه إلى إرسال طالوت.

.تفسير الآية رقم (247):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أنى} كيف {يَكُونُ لَهُ الملك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بالملك مِنْهُ} لأنه ليس من سبط المملكة ولا النبوة وكان دباغاً أو راعياً {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ المال} يستعين بها على إقامة الملك {قَالَ} النبي لهم {إِنَّ الله اصطفاه} اختاره للملك {عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً} سعة {فِي العلم والجسم} وكان أعلم بني إسرائيل يومئذ وأجملهم وأتمهم خَلْقاً {والله يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ} إيتاءه لا اعتراض عليه {والله واسع} فضله {عَلِيمٌ} بمن هو أهل له.

.تفسير الآية رقم (248):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ} لما طلبوا منه آية على ملكه {إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ} الصندوق كان فيه صور الأنبياء أنزله الله على آدم واستمر إليهم فغلبتهم العمالقة عليه وأخذوه وكانوا يستفتحون به على عدوّهم ويقدّمونه في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى: {فِيهِ سَكِينَةٌ} طمأنينة لقلوبكم {مِنْ رَّبّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مّمَّا تَرَكَ ءالُ موسى وَءالُ هارون} أي تركاه هما وهي نعلا موسى وعصاه وعمامة هارون وقفيز من المنّ الذي كان ينزل عليهم ورُضاض من الألواح {تَحْمِلُهُ الملائكة} حال من فاعلـ (يأتيكم) {إِنَّ فِي ذلك لأَيَةً لَّكُمْ} على ملكه {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فأقرّوا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد فاختار من شبابهم سبعين ألفاً.

.تفسير الآية رقم (249):

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
{فَلَمَّا فَصَلَ} خرج {طَالُوتُ بالجنود} من بيت المقدس وكان حرّاً شديداً وطلبوا منه الماء {قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم} مختبركم {بِنَهَرٍ} ليظهر المطيع منكم والعاصي وهو بين الأردن وفلسطين {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ} أي من مائه {فَلَيْسَ مِنّي} أي من أتباعي {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ} يذقه {فَإِنَّهُ مِنّى إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً} بالفتح والضم {بِيَدِهِ} فاكتفى بها ولم يزد عليها فإنه مني {فَشَرِبُواْ مِنْهُ} لما وافوه بكثرة {إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ} فاقتصروا على الغرفة، روي أنها كفتهم لشربهم ودوابهم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً {فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ والَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ} وهم الذين اقتصروا على الغرفة {قَالُواْ} أي الذين شربوا {لاَ طَاقَةَ} قوة {لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} أي بقتالهم وجبنوا ولم يجاوزوه {قَالَ الذين يَظُنُّونَ} يوقنون {أَنَّهُم مُلاَقُواْ الله} بالبعث وهم الذين جاوزوه {كَمْ} خبرية بمعنى (كثير) {مّن فِئَةٍ} جماعة {قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذُنِ الله} بإرادته {والله مَعَ الصابرين} بالعون والنصر.

.تفسير الآية رقم (250):

{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}
{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} أي ظهروا لقتالهم وتصافّوا {قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ} اصبب {عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا} بتقوية قلوبنا على الجهاد {وانصرنا عَلَى القوم الكافرين}.

.تفسير الآية رقم (251):

{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}
{فَهَزَمُوهُم} كسروهم {بِإِذُنِ الله} بإرادته {وَقَتَلَ دَاوُودُ} وكان في عسكر طالوت {جَالُوتَ وءاتاه} أي داود {الله الملك} في بني إسرائيل {والحكمة} والنبوّة بعد موت شمويل وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء} كصنعة الدروع ومنطق الطير {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم} بدل بعض من (الناس) {بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض} بغلبة المشركين وقتل المسلمين وتخريب المساجد {ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين} فدفع بعضهم ببعض.

.تفسير الآية رقم (252):

{تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}
{تِلْكَ} هذه الآيات {ءايات الله نَتْلُوهَا} نقصها {عَلَيْكَ} يا محمد {بالحق} بالصدق {وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} التأكيد بـ (إنّ) وغيرها ردّا لقول الكفار له {لست مرسلاً}.

.تفسير الآية رقم (253):

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
{تِلْكَ} مبتدأ {الرسل} صفة والخبر {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} بتخصيصه بمنقبة ليست لغيره {مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ الله} كموسى {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ} أي محمداً صلى الله عليه وسلم {درجات} على غيره بعموم الدعوة وختم النبوّة وتفضيل أمته على سائر الأمم والمعجزات المتكاثرة والخصائص العديدة {وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات وأيدناه} قوّيناه {بِرُوحِ القدس} جبريل يسير معه حيث سار {وَلَوْ شآءَ الله} هُدىَ الناس جميعاً {مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم} بعد الرسل أي أممهم {مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات} لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضاً {ولكن اختلفوا} لمشيئته ذلك {فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ} ثبت على إيمانه {وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ} كالنصارى بعد المسيح {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا} تأكيد {ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من توفيق من شاء وخذلان من شاء.