فصل: تفسير الآية رقم (276):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (276):

{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}
وكلمة {يَمْحَقُ} من (محق) أي ضاع حالا بعد حال، أي لم يضع فجأة، ولكن تسلل في الضياع بدون شعور، ومنه (المحاق) أي الذهاب للهلال. {يَمْحَقُ الله الربا} أي يجعله زاهيا أمام صاحبه ثم يتسلل إليه الخراب من حيث لا يشعر.
ولعلنا إن دققنا النظر في البيئات المحيطة بنا وجدنا مصداق ذلك. فكم من أناس رابوا، ورأيناهم، وعرفناهم، وبعد ذلك عرفنا كيف انتهت حياتهم. {يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات} ويقول في آية أخرى: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ الله} [الروم: 39].
فإياكم أن تعتقدوا أنكم تخدعون الله بذلك.. ما هو المقابل؟ {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون} [الروم: 39].
و{المضعفون} هم الذين يجعلون الشيء أضعافاً مضاعفة. وعندما يقول الحق: {يَمْحَقُ الله الربا} فلا تستهن بنسبة الفعل لله؛ إن نسبة الفعل لفاعله يجب أن تأخذ كيفيته من ذات الفاعل، فإذا قيل لك: فلان الضعيف يصفعك، أو فلان الملاكم يصفعك، فلابد أن تقيس هذه الصفعة بفاعلها، فإذا كان الله هو الذي قال: {يَمْحَقُ الله}. أيوجد محق فوق هذا؟ لا، لا يمكن.
وأيضا حين يقول الله: {يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات} في القرآن الذي يُتلى وهو معجز؛ ومحفوظ ومُتحدي بحفظه، فهذه قضية مصونة {يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات}؛ لأن الذي قالها هو الله في كتاب الله المحفوظ، الذي يُتلى مُتَعَبِّداً به، أي أن القضية على ألسنة الجماهير كلها، وفي قلوب المؤمنين كلها، أيقول الله قضية يحفظها ذلك الحفظ ليأتي واقع الزمن ليكذبها؟ لا، لا يمكن. فالإنسان لا يحفظ إلا المستند الذي يؤيده!! أنا لا أحفظ إلا (الكمبيالة) التي تخصني! فما دام هو حافظه وهو القائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
فمعنى ذلك أنه سبحانه سيطلق فيه قضايا، وهذه القضايا هو الذي تَعهد بحفظها، ولا يتعهد بحفظها إلا لتكون حجة على صدقه في قولها. فالشيء الذي لا يكون فيه حُجة لا نحافظ عليه. وهو سبحانه القائل: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 173].
إن هذه قضية قرآنية تعهد الله بحفظها، فلابد أن يأتي واقع الحياة ليؤيدها، فإذا كان واقع الحياة لا يؤيدها، ماذا يكون الموقف؟ أنكذب القرآن وحاشانا أن نكذب القرآن الذي قاله الحق الذي لا إله سواه ليُدير كوناً من ورائه.
{يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}. ولماذا قال الحق: (كفار) ولم يقل: (كافر)، ولماذا قال: (أثيم) وليس مجرد (آثم)؟ لأنه يريد أن يرد الحكم على الله وما دام يريد أن يرد الحكم على الله، فقد كفر كفرين اثنين: كفر لأنه لم يعترف بهذه، وكفر لأنه ردّ الحكم على الله، وهو (أثيم)، ليس مجرد (آثم)، وفي ذلك صيغة المبالغة لنستدل على أن القضية التي نحن بصددها قضية عمرانية اجتماعية كونية، إن لم تكن كما أرادها الله فسيتزلزل أركان المجتمع كله.
وبعد أن شرح لنا الحق مرارة المبالغة في (كفار) وفي (أثيم) يأتي لنا بالمقابل حتى ندرك حلاوة هذا المقابل، ومثال ذلك ما يقول الشاعر:
فالوجه مثل الصبح مبيضّ ** والشعر مثل الليل مسودُّ

ضدّان لما استجمعا حَسُنا ** والضد يظهر حسنَه الضدُّ

فكأن الله بعد أن تكلم عن الكَفَّار والأثيم يرجعنا لحلاوة الإيمان فيقول: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ...}.

.تفسير الآية رقم (277):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}
وقلنا: إن كلمة (أجر) تقتضي أنه لا يوجد مخلوق يملك سلعة، إنما كلنا مستأجرون، لماذا؟ لأننا نشغل المخ المخلوق لله، بالطاقة المخلوقة لله، في المادة المخلوقة لله، فماذا تملك أنت أيها الإنسان إلا عملك، وما دمت لا تملك إلا عملك فلك أجر {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ}. وكلمة {عِندَ رَبِّهِمْ} لها ملحظ؛ فعندما يكون لك الأجر عند المساوي لك قد يأكلك، أما أجرك عند رب تولّى هو تربيتك، فلن يضيع أبداً.
ويتابع الحق: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} لا من أنفسهم على أنفسهم، ولا من أحبابهم عليهم، {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}؛ لأن أي شيء فاتهم من الخير سيجدونه مُحضرا أمامهم. وبعد ذلك يقول الحق: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله...}.

.تفسير الآية رقم (278):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
وحين يقول الحق: {ياأيها الذين آمَنُواْ} فنحن نعرف أن النداء بالإيمان حيثية كل تكليف بعده، وساعة ينادي الحق ويقول: {ياأيها الذين آمَنُواْ} أي يا من آمنتم بي إلها قادراً حكيماً، عزيزاً عنكم غالباً على أمري، لا تضرني معصيتكم، ولا تنفعني طاعتكم، فإذا كنتم قد آمنتم بي وأنا إله قادر حكيم فاسمعوا مني ما أحبه لكم من الأحكام.
إذن فكل {ياأيها الذين آمَنُواْ} في القرآن هي حيثية كل حكم يأتي بعدها، وأنت تفعل ما يأمرك به الله، وإن سألك أحد: وقال لك: لماذا فعلت هذا الأمر؟ فقل له فعلته لأني مؤمن، والذي أمرني به هو الذي آمنت بحكمته وقدرته. وأنت لا تدخل في متاهة علل الأحكام، لأنك آمنت بأن الله إله حكيم قادر، أنزل لك تلك التكاليف، وإياك أن تدخل في متاهة علة الأحكام، لماذا؟ لأن هناك أشياء قد تغيب علّتها عنك، أكنت تؤجلها إلى أن تعرف العلة؟.
أكنا نؤجل تحريم لحم الخنزير إلى أن يثبت حالياً بالتحليل أنه ضار؟ لا، إذا كان قد ثبت حالياً بالتحليل أنه ضار فنحن نزداد ثقة في كل حكم كلفنا الله به، ولم نهتد إلى علته، والحق يقول: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله} ومن عجائب كلمة {اتقوا} أنها تأتي في أشياء يبدو أنها متناقضة، إنما هي ملتقية {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله} ولم يقل هنا: اتقوا النار كما قال في آية أخرى: {اتقوا النار}. إذن فكيف يقول: {اتقوا الله} ويقول: {اتقوا النار}؟ لأن معنى {اتقوا}: أي اجعلوا وقاية بينكم وبين ربكم.
كيف نجعل وقاية بيننا وبين ربنا مع أن المطلوب منا إيمانياً أن نلتحم بمنهج الله لنكون دائما في معية الله؟ نقول: الله سبحانه وتعالى له صفات جلال كالقهار، والمنتقم، والجبار، وذي الطول وشديد العقاب؛ فهو يطلب من عبده المؤمن أن يجعل بينه وبين صفات جلاله وقاية، فالنار جند من جنود صفات الجلال، وحين يقول سبحانه: {اتقوا الله} يعني: اجعلوا وقاية بينكم وبين صفات الجلال التي من جنودها النار. إذن ف {اتقوا الله} مثل {اتقوا النار} أي اجعلوا وقاية بينكم وبين النار.
ويتابع الحق: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}، و{ذَرُواْ} أي اتركوا، ودعوا، وتناسوا، واطلبوا الخير من الله فيما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين حقاً بالله. كأن الله أراد أن يجعلها تصفية فاصلة، يولد من بعدها المؤمن طاهرا نقيا.
إنه أمر من الحق: دعوا الربا الذي لم تقبضوه؛ لأن الذي قبضتموه أمره {فَلَهُ مَا سَلَفَ} والذي لم تقبضوه اتركوه: {اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} فإن قلتم إن التعاقد قد صدر قبل التحريم، والتعاقد قد أوجب لك الحق في ذلك، تذكر أنك لم تقبض هذا الحق ليصير في يدك، ولا تقل إن حياتي الاقتصادية مترتبة عليه، فترتيب الحياة الاقتصادية لم ينشأ بالاتفاق على هذا الربا، ولكنه ينشأ بقبضه وأنت لم تقبضه. ويتابع الحق: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ...}.

.تفسير الآية رقم (279):

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
في هذه الآية قضية كونية يتغافل عنها كثير من الناس. لقد جاء نظام ليحمي طائفة من ظلم طائفة، ولم يأت هذا النظام إلا بعد أن وجدت طائفة المرابين الذين ظلموا طائفة الفقراء المستضعفين. وحَسْبُ هؤلاء المستضعفين الذين استغلوا من المرابين أن ينصفهم القرآن وأن يُنهي قضية الربا إنهاءً يعطي الذين رابوا ما سلف لأنهم بنوا حياتهم على ذلك.
و{فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ} كلمة (الألف والذال والنون) من (الأذن) وكل المادة مشتقة من (الأذن) و(الأذُن) هي الأصل الأول في الإعلام؛ لأن الإنسان ليس مفروضاً أنه قارئ أولا، إنّه لا يكون قارئاً إلا إذا سمع، إذن فلا يمكن أن ينشأ إعلام إلا بالسماع والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن أدوات العلم للإنسان قال: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
ولذلك عندما جاء علم وظائف الأعضاء ليبحث ذلك وجدوها طبق الأصل كما قال الله عنها. فالوليد الصغير حين يولد إن جاء إصبع إنسان عند عينيه فلا يهتز له رمش؛ لأن عينه لم تؤد مهمتها بعد، ولكن إن تصرخ بجانب أذنه فإنه ينفعل.
وعرفنا أن أول أداة تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان الوليد هي أذنه، وهي أيضا الأداة التي تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان مستيقظاً كان أو نائماً. إن العين تغمض في النوم فلا ترى، لكن الأذن مستعدة طوال الوقت لأن تسمع؛ لأنها آلة الاستدعاء. إذن فمادة (الأَذَان) و(الأُذُن) كلها جاءت من مهمة السمع، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 5].
ما معنى أذنت؟. أنت حين تسمع من مساو لك، فقد تنفذ وقد لا تنفذ، لكن حين تسمعه من إله قادر فلا مناص لك إلا أن تنفذ، فكأن الله يقول: إن الأرض تنشق حين تسمع أمري بالانشقاق. فبمجرد أن تسمع الأرض أمر الحق فإنها تفعل، وحق لها أن تفعل ذلك؛ إنها أذنت لأمر الله، أي خضعت؛ لأن القائل لها هو الله.
إذن كل المادة هنا جاءت من (الأذن). ولذلك فالله يقول لمن لا يفعل ما أمر به الله في الربا؛ {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ}. أما حرب الله فلا نقول فيها إلا قول الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].
ولا يستطيع أحد أن يحتاط لها. وأما حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هي الأمر الظاهر. كأن الله سبحانه وتعالى يجرد على المرابين تجريدة هائلة من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله، وعليهم أن يكونوا حربا على كل ظاهرة من ظواهر الفساد في الكون؛ ليطهروا حياتهم من دنس الربا.
وهكذا وضع الله نهاية لأسلوب التعامل، حتى يتطهر المال من ذلك الربا، فإذا قال الحق: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} فمعنى هذا أنه سبحانه يبين لنا بهذا القول أنه لا حق للمرابين في ضعف ولا ضعفين، ولا في أضعاف مضاعفة. وحينئذ {لاَ تَظْلِمُونَ} من رابيتم، بأن تأخذوا منهم زائدا عن رأس المال.
ولكن ما موقع {وَلاَ تُظْلَمُونَ}، ومن الذي يظلمهم؟ قد يظلمهم الضعيف الذي ظُلِمَ لهم سابقا، ويأخذ منهم بعض رأس المال بدعوى أنهم طالما استغلوه فأخذوا منه قدراً زائدا على رأس المال. إن المشرع يريد أن يمنع الظالم السابق فينهي ظلمه، وأن يسعف المظلوم اللاحق فيعطيه حقه، وهو سبحانه لا يريد أن يوجه ظلما ليستغل به من ظُلم فيظلم الذي ظلمه أولا، بل سبحانه يشاء بهذا الحكم أن ينهي هذا النوع من الظلم على إطلاقه، وأن يجعل الجميع على قدر سواء في الانتفاع بمزايا الحكم.
وكثير من النظريات التي تأتي لتقلب نظاما في مجتمع ما تعمد إلى الطائفة التي ظَلَمَت، فلا تكتفي بأن تكفها عن الظلم، ولكن تمكن للمظلوم أن يظلم من ظلمه، وذلك هو الإجحاف في المجتمع، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه الناس جيدا؛ لأن الله الذي أنصفك أيها المظلوم من ظالمك، فمنع ظلمه لك، هنا يجب أن تحترم حكمه حينما قال: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} وبهذا القول انتهت القضية.
ويستأنف سبحانه الأمر بعدالة جديدة تجمعك وتجمعه على قدم المساواة بدون ظلم منك أيها المظلوم سابقا بحجة أنه طالما ظلمك. والمجتمعات حين تسير على هذا النظام {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} إنما تسير على نمط معتدل لا على ظلم موجه. فنحن نعيب على قوم أنهم ظلموا، ثم نأتي بقوم لنجعلهم يَظْلِمون، لا.. إن الجميع على قدم المساواة من الآن.
وفساد أي نظام في المجتمع يأتي من توجيه الظلم من فئة جديدة إلى فئة قديمة، فبذلك يظل النظام قائما، طائفة ظَلَمَت، وتأتي طائفة كانت مظلومة لتظلم الطائفة الظالمة سابقا، نقول لهم: ذلك ظلم موجه، ونحن نريد أن تنتظم العدالة وتشمل كل أفراد المجتمع بأن يأخذ كل إنسان حقه، فالذي ظَلَمَ سابقا منعناه عن ظلمه، والمغلوب سابقا أنصفناه، وبذلك يصير الكل على قدم المساواة؛ ليسير المجتمع مسيرة عادلة تحكمه قضية إيمانية. إننا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
وبعد ذلك يجيء القرآن ليفتح باب جديدا من الأمل أمام المظلومين. وليضع حدا للذين كانوا ظالمين أولا، وحكم لهم برأس المال ومنعهم من الزائد على رأس المال، فحنن قلوبهم على هؤلاء. أَيْ ليست ضربة لازب أن تأخذوا رأس المال الآن، ولكن عليكم أن تُنْظِروا وتمهلوا المدين إن كان معسراً، وإن تساميتم في النضج الإيماني اليقيني وارتضيتم الله بديلا لكم عن كل عوض يفوتكم، فعليكم أن تتجاوزوا وتتنازلوا حتى عن رءوس أموالكم التي حكم الله لكم بها لتترفعوا بها وتهبوها لمن لا يقدر. فيأتي قول الحق: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ...}.