فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (36):

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
بعد أن أسكن الله سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة. وأخبرهما بما هو حلال وما هو حرام. بدأ الشيطان مهمته. مهمة عداوته الرهيبة لآدم وذريته. والحق سبحانه يقول: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان} أي أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزلة. وهي العثرة أو الكبوة. كيف حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان. وأبلغه أنه عدو لهما. في قوله تعالى: {.. إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} [طه: 117].
إذن فالعداوة معلنة ومسبقة. ولنفرض أنها غير معلنة. ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد لآدم؟ ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه. في قوله {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} وقوله {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم إلى أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا.
والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدلالات الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه السجود. بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه.. يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} من ماذا أخرجهما؟ من العيش الرغيد. واسع النعمة في الجنة. ومن الهدوء والاطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بلا تعب. ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى ويقول: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى}
وهنا لابد أن نتساءل: لماذا لم يقل فتشقيا؟
إن هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى.. إلى مهمة المرأة ومهمة الرجل في الحياة. فمهمة المرأة أن تكون سكنا لزوجها عندما يعود إلى بيته. تذهب تعبه وشقاءه. أما مهمة الرجل فهي العمل حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولاده. والعمل تعب وحركة.
وهكذا لفتنا الحق تبارك وتعالى إلى أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى. ثم يأتي إلى أهله فتكون السكينة والراحة والاطمئنان.
إذا كانت هذه هي الحقيقة. فلماذا يأتي العالم ليغير هذا النظام؟
نقول إن العالم هو الذي يتعب نفسه. ويتعب الدنيا. فعمل المرأة شقاء لها. فمهمتها هي البيت. وليس عندها وقت لأي شيء آخر. فإذا عملت فذلك على حساب أولادها وبيتها وزوجها.. ومن هنا ينشأ الشقاء في المجتمع. فيضيع الأولاد. ويهرب الزوج إلى مكان فيه امرأة تعطيه السكن الذي يحتاج إليه. وينتهي المجتمع إلى فوضى.
وكان يجب على آدم أن يتنبه إلى أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة الله. فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاما ويحتاط.. كيف أزل الشيطان آدم وزوجه؟ لقد شرح الله سبحانه وتعالى لنا هذا ولكن ليس في سورة البقرة وإنما في آية أخرى.. فقال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20].
إذن فإبليس قال كاذبا أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا. ويصبح خالدا لا يموت.. ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبت. وإنما يريدك عاصيا على أي وجه. ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية، تريد شيئا بذاته. وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان. ووسوسة النفس. فالشيطان يريدك عاصيا بأي ذنب. فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى. فقد قال لآدم: {هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} ولكن هذه المحاولة لم تفلح. فقال لهما: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحا.. لأكل إبليس من الشجرة.. ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم الدين.
ما الذي اسقط آدم في المعصية؟ إنها الغفلة أو النسيان. والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115].
وهل النسيان معصية. حتى يقول الحق سبحانه وتعالى: {وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} [طه: 121].
نعم النسيان كان معصية في الأمم السابقة. لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ونسي وعصى. تؤدي معنى واحدا.
وقوله تعالى: {قَالَ اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} [الأعراف: 24].
هذا الهبوط هو بداية نزول الإنسان إلى الأرض ليباشر مهمته في الدنيا. ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ}. فهي إذن حياة موقوته على قدر وقتها، وعلى قدر حجمها.
والذين يقولون بأنه لابد من وجود بشر نسميه مخَلِّصا. ليفدي العالم بصلبه أو بغير ذلك من الخطيئة التي ارتكبها آدم. نقول له: أنك لم تفهم عن الله شيئا، لأن القصة هي هنا خطأ قد حدث وصُوب. وفرق بين الخطأ والخطيئة. فالخطأ يصوب. ولكن الخطيئة يعاقب عليها.
وآدم أخطأ وصوب الله له. وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه. إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله التوبة وتاب إلى الله. ثم ماذا فعل آدم. حتى نقول نخلص العالم من خطيئة آدم. إنه أكل من الشجرة. وهل خطايا العالم كلها أكل؟!
من الذين أوجد القتل وسفك الدماء، والزنا والاغتصاب والنميمة والغيبة؟
لو أن كلامهم صحيح لكان لابد ألا توجد خطيئة على الأرض مادام قد وجد المخلِّص الذي فدى العالم من الخطيئة. ولكن الخطيئة باقية. ومن الذي قال أن الخطيئة تورث. حتى يرث العالم كله خطيئة آدم؟!. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}.
وقول الحق سبحانه وتعالى: {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} العداوة هنا بين الشيطان والإنسان.
والعداوة أيضا بين شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلى نشاط وتنبه. فالمستشرقون يعادون الإسلام. ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليهم. وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين. وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل. فأنت مادام لك عدو.. فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل.
ولعل الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب. ففيها يحاول كل خصم أن يتغلب على خصمه. وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الأخرى. هذه الارتقاءات والاختراعات. قد تكون للتدمير والقتل. ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلى ارتقاءات الإنسان في الأرض. فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب. والصواريخ التي وصل الإنسان بها إلى القمر كانت نتيجة حرب، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر.
وقوله تعالى: {اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.. الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلى مكان أسفل. وقد يكون لهبوط معنويا. بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا. هو لم يهبط من مكان أعلى إلى مكان أسفل.
ولكنه هبط في قيمته. والمسافات لا تعني قربا أو بعدا. فقد يكون إنسان يجلس إلى جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به. وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الأميال ولكنه قريب إلى قلبك أكثر من ذلك الجالس إلى جوارك. وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا. فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض.. والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة.
وهكذا بعد معصية آدم. هبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض.. وقوله تعالى (اهبطوا) معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلى الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية.
لقد بين الله تعالى لآدم عمليا أن إبليس عدو له. لا يريد له الخير. وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان. وقد حدد الله الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة. قدراتها محدودة. ومتاعها محدود.. في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ}.
أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله له من عمر ثم يموت. وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفاً لأن متاعها قليل، وأمدها قصير.

.تفسير الآية رقم (37):

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
نزل آدم وحواء إلى الأرض ليمارسا مهمتهما في الكون. وقبل أن يبدآ هذه المهمة. جعلهما الله سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لإغواء الشيطان. وحذرهما بأن الشيطان عدو لهما.. كان لابد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع الله تعالى التوبة رحمة بعباده. ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده، ولكنه رحمة بالمجتمع كله. فالإنسان إذا عصى وعرف أنه.. لا توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود في النار. يتمادى في إجرامه. لأنه مادام لا أمل له في النجاة من عذاب الآخرة. فإنه يتمادى في المعصية. لأنه لا أمل في الغفران أو التوبة.
من الذي سيعاني في هذه الحالة؟ إنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي. وسيكون المؤمنون أكثر الناس معاناة لأنهم أهل خير وتسامح. ولأن الله سبحانه وتعالى.. أمرهم بالعفو. والصفح. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 22].
وقوله تعالى: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237].
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث المؤمنين على العفو. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر وفي العلانية. والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرا ونطقي ذكرا، ونظري عبرا».
فالتوبة لو لم تشرع لعانى المجتمع كله. وخاصة المؤمنين الذي أمروا أن يقابلوا العدوان بالصفح والظلم بالعفو. ولذلك كان تشريع التوبة من الله سبحانه وتعالى. رحمة بالناس كلهم.
والله جل جلاله شرع التوبة أولا. ثم بعد أن شرعها تاب العاصي. ثم بعد ذلك يقبل الله التوبة أو لا يقبلها تبعا لمشيئته. واقرأ قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم} [التوبة: 118].
آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه. أتوجد خطيئة بعد توبة آدم وقبول الله سبحانه وتعالى هذه التوبة؟ إن بعض الناس يقول أن آدم قد عصى وتاب الله عليه. وإبليس قد عصى فجعله الله خالدا في النار. نقول: إنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم؟ أكل من الشجرة المحرمة. وعندما علم أنه أخطأ وعصى. لم يصر على المعصية. ولم يرد الأمر على الآمر. ولكنه قال يا رب أمرك ومنهجك حق. ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني.
أعترف آدم بذنبه. واعترف بضعفه. واعترف بأن المنهج حق. وطلب التوبة من الله سبحانه وتعالى. ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. قال: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} وقال {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} وقال: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} فإبليس هنا رد الأمر على الآمر.
لم يعترف بذنبه. ويقول يا رب غلبني ضعفي. وأنت الحق وقولك الحق. ولكنه رد الأمر على الله تعالى وعاند وقال سأفعل كذا وسأفعل كذا. وهذا كفر بالله.
إياك أن ترد الأمر على الله سبحانه وتعالى. فإذا كنت لا تصلي.. فلا تقل وما فائدة الصلاة. وإذا لم تكن تزكي. فلا تقل تشريع الزكاة ظلم للقادرين. وإذا كنت لا تطبق شرع الله. فلا تقل أن هذه الشريعة لم تعد تناسب العصر الحديث. فإنك بذلك تكون قد كفرت والعياذ بالله. ولكن قل يا ربي إن فرض الصلاة حق. وفرض الزكاة حق. وتطبيق الشريعة حق. ولكنني لا أقدر على نفسي. فارحم ضعفي يا رب العالمين. إن فعلت ذلك. تكن عاصيا فقط.
إن الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس. أن آدم اعترف بمعصيته وذنبه. ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. فيكون آدم قد عصى، وإبليس قد كفر والعياذ بالله.
ويقول الحق سبحانه وتعالى: {فتلقى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} هذه الكلمات التي تلقاها آدم. أراد العلماء أن يحصروها. ما هذه الكلمات؟ هل هي قول آدم كما جاء في قوله تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23].
هذه الآية الكريمة. دلتنا على أن ذنب آدم لم يكن من ذنوب الاستكبار. ولكن من ذنوب الغفلة.. بينما كان ذنب إبليس من ذنوب الاستكبار على أمر الله. ولكن آدم عندما عصى حدث منه انكسار.
فقال: يا ربي أمرك بألا أقرب الشجرة حق. ولكني لم أقدر على نفسي. فآدم أقر بحق الله في التشريع. بينما إبليس اعترض على هذا الأمر وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}
الكلمات التي تلقاها آدم من الله سبحانه وتعالى قد تكون: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} وقد تكون:.. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك ربي وبحمدك. إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا فاغفر لي يا خير الغافرين.. أو اقبل توبتي يا خير التوابين.. أو قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله.. المهم أن الله سبحانه وتعالى قد أوحى لآدم بكلمات يتقرب بها إليه. سواء كانت هذه الآية الكريمة أو كلمات أخرى.
لو نظرنا إلى تعليم الله آدم لكلمات ليتوب عليه. لوجدنا مبدأ مهما في حياة المجتمع. لأن الله سبحانه وتعالى كما قلنا.. لو لم يشرع التوبة ولو لم يبشرنا بأنه سيقبلها. لكان الذي يذنب ذنبا واحدا لا يرجع عن المعصية أبدا. وكان العالم كله سيعاني.
والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ولم يخلقنا مقهورين. القهر يثبت صفة القدرة لله، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نأتي عن حب وليس عن قهر. ولذلك خلقنا مختارين. وجعل لنا طاقة تستطيع أن تعصي وأن تطيع. ومادام هناك اختيار.. فالإنسان يختار هذه أو تلك.
إن الله لم يخلق بشرا يختارون الخير على طول الخط. وبشرا يختارون الشر في كل وقت. فهناك من الخيرين من يقع في الشر مرة، وهناك من الشريرين من يعمل الخير مرة. فالعبد ليس مخلوقا أن يختار خيرا مطلقا. أو أن يختار شرا مطلقا.. ولذلك فأحيانا ننسى أو نسهو. أو نعصي. ومادام العبد معرضا للخطيئة. فالله سبحانه وتعالى شرع التوبة. حتى لا ييأس العبد من رحمة الله، ويتوب ليرجع إلى الله. وقد جاء في الحكمة: (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا. خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا).
وهكذا عندما نزل آدم ليباشر مهمته في الحياة. لم يكن يحمل أي خطيئة على كتفيه.. فقد أخطأ وعلمه الله تعالى كلمات التوبة. فتاب فتقبل الله توبته.
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم}.. كلمة تواب تدل على أن الله تعالى لا يأخذ عباده بذنب واحد. لأنه سبحانه وتعالى حتى لو تاب عن ذنب واحد لكل عبد من عباده كان توابا. والمبالغة في الصفة تأتي من ناحيتين. أولا أن الأمر يتكرر عدة مرات من عدد قليل من الأشخاص. أو من شخص واحد. أو أن الأمر يقع مرة واحدة ولكن من أشخاص كثيرين.
فإذا قلت مثلا: فلان أكول، قد يكون أكولا لأنه يأكل كمية كبيرة من الطعام. فيسمى أكولا.. إنه لا يتجاوز طعامه في عدد مراته وجبات الطعام العادي للإنسان. ولكنه يأكل كمية كبيرة. فنسميه أكولا. فيأكل مثلا عشرة أرغفة في الإفطار ومثلها في الغداء ومثلها في العشاء.
وقد يكون الإنسان أكولا إذا تكرر الفعل نفسه.. كأن يأكل كميات الطعام العادية ولكنه يأكل في اليوم خمس عشرة مرة مثلا.. فالله سبحانه وتعالى تواب لأن خلقه كثيرون. فلو اخطأ كل واحد منهم مرة. يكون عدد ذنوبهم التي سيتوب الله عليها كمية هائلة. فإذا وجد من يذنب عدة مرات في اليوم. فإن الله تعالى. يكون توابا عنه أيضا إذا تاب واتجه إليه.
إذن مرة تأتي المبالغة. في الحدث وإن كان الذي يقوم به شخص واحد. ومرة تأتي المبالغة في الحدث لأن من يقوم به أفراد متعددون.
إذن فآدم أذنب ذنبا واحدا. يقتضي أن يكون الله تائبا. ولكن ذرية آدم من بعده سيكونون خلقا كثيرا.. فتأتي المبالغة من ناحية العدد.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} سيدنا عمر جاءته امرأة تصيح وتصرخ لأن ابنها ضبط سارقا.
وقالت لعمر ما سرق ابني إلا هذه المرة. فقال لها عمر: الله أرحم بعبده من أن يأخذه من أول مرة. لابد أنه سرق من قبل.
وأنا أتحدى أن يوجد مجرم يضبط من أول مرة.
كلمة تواب تدل على أنه يضبط بعد مرتين أو ثلاث، فالله يستر عبده مرة ومرة. ولكن إذا ازداد وتمادى في المعصية. يوقفه الله عند حده. وهذا هو معنى تواب.
والحق سبحانه وتعالى. تواب برحمته.. لأن هناك من يعفو ويظل يمن عليك بالعفو. حتى أن المعفو عنه يقول: ليتك عاقبتني ولم تمن علي بالعفو كل ساعة. لكن الحق سبحانه وتعالى. تواب رحيم. يتوب على العبد. ويرحمه فيمحو عنه ذنوبه.