فصل: تفسير الآية رقم (149):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (149):

{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}
هذا يوضح لنا أن عبادة العجل بين قوم موسى صار لها جمهور. لكن الناس الذين امتلكوا قدراً من البصيرة، أو بقية إيمان قالوا: هذه الحكاية سخيفة، وما كان لنا أن نفعلها وندموا على ما كان، ويقال: سُقِط في يده، وهذه من الدلالات الطبيعية الفطرية التي لا تختلف فيها أمة عن أمة، بل هي في كل الأجناس، وفي كل لغة تشير إلى أن الإِنسان إذا ما فعل فعلا وحدث له عكس ما يفعل يعض على الأنامل ندماً وغمًّا، وهذه من الدلالات الفطرية الباقية لنا من الالتقاء الطبعي في المخاطبات، في كل الأجناس. ويعض الإِنسان الأنامل لأنه عمل شيئاً ما كان يصح أن يعمله، فإذا كان الشيء عظيماً فهو لا يكتفي بالأنملة بل يمسك يده كلها ويعضها. والحق يقول: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ}.
و(سُقط في أيديهم) أي جاءت أنيابهم على أيديهم، كأن الندم بلغ أشده، إن ذلك حدث من التائبين الذين أبصروا بعيونهم ورأوا أن ذلك باطل وخسران. أي قالوا: لئن لم يتداركنا الله برحمته ومغفرته لنكونن من الهالكين، وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَلَمَّا رَجَعَ موسى...}.

.تفسير الآية رقم (150):

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
وكون موسى يعود إلى قومه حالة كونه غضبان أسِفاً، يدلنا على أنه علم الخبر بحكاية العجل. والغضب والأسف عملية نفسية فيها حزن وسموها: (المواجيد النفسية)، أي الشيء الذي يجده الإِنسان في نفسه، وقد يعبر عن هذه المواجيد بانفعالات نزوعية، ولذلك تجد فارقاً بين من يحزن ويكبت في نفسه، وبين من يغضب، فمن يغضب تنتفخ أوداجه ويحمر وجهه ويستمر هياجه، وتبرق عيناه بالشر وتندفع يداه، وهذا اسمه: غضبان. وصار موسى إلى الحالتين الاثنتين؛ وقدّم الغضب لأنه رسول له منهجه. ولا يكفي في مثل هذا الأمر الحزن فقط، بل لابد أن يكون هناك الغضب نتيجة هياج الجوارح.
وقديماً قلنا: إن كل تصور شعوري له ثلاث مراحل: المرحلة الأولى. مرحلة إدراكية، ثم مرحلة وجدانية في النفس، ثم مرحلة نزوعيه بالحركة، وضربنا المثل لذلك بالوردة. فمن يرى الوردة فهذا إدراك، وله أن يعجب بها ويسر من شكلها ويطمئن لها ويرتاح، وهذا وجدان. لكن من يمد يده ليقطفها فهذا نزوع حركي. والتشريع للإِدراك أو للوجدان لكنه قنن للسلوك. إلا في غض البصر عما حرم الله وذلك رعاية لحرمة الأعراض.
والأسف عند موسى لن يظهر للمخالفين للمنهج. بل يظهر الغضب وهو عملية نزوعية، ونلحظ بكلمة أَسِف. وهي مبالغة. فهناك فرق بين أَسِف وآسف، آسف خفيفة قليلاً، لكن أسِف صيغة مبالغة، مما يدل على أن الحزن قد اشتد عليه وتمكن منه. {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بعدي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ...} [الأعراف: 150].
وقوله سبحانه: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} أي استبطأتموني، وهذا نتيجة لذهاب موسى لثلاثين ليلة وأتممها بعشر، فتساءل موسى: هل ظننتم أنني لن آتي؟ أو أنني أبطأت عليكم؟ وهل كنتم تعتقدون وتؤمنون من أجلي أو من أجل إله قادر؟. ولذلك قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: عندما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى: (من كان يعبد محمدًّا فإن محمدًّا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). وهنا يقول سيدنا موسى: افترضوا أنكم عجلتم الأمر واستبطأتموني أو خفتم أن أكون قد مت. فهل كنتم تعبدونني أو تعبدون ربنا.
{أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواح}، ونعلم أن الألواح فيها المنهج، وقدر موسى على أخيه: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} وهذا (النزوع الغضبي) الذي جعله يأخذ برأس أخيه، كأن الأخوة هنا لا نفع لها، فماذا كان رد الأخ هارون:؟ {... قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعدآء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين} [الأعراف: 150].
نلحظ أنه قال: (ابن أم) ولم يقل: (ابن أب) لأن أبا موسى وهارون طُوي اسمه في تاريخ النبوات ولم يظهر عنه أي خبر، والعلم جاءنا عن أمه لأنها هي التي قابلت المشقات في أمر حياته، لذلك جاء لنا بالقدر المشترك البارز في حياتهما، ولأن الأمومة مستقر الأرحام؛ لذلك أنت تجد أخوة من الأم، وأخوة من الأب فقط، وأخوة من الأب والأم، والأخوة من الأب والأم أمرهم معروف.
لكن نجد في أخوة الأم حناناً ظاهراً، ويقل الحنان بين الأخوة من الأب. وجاء الحق هنا بالقدر المشترك بينهما- موسى وهارون- وهو أخوة الأم، وله وجود مستحضر في تاريخهم. أما الأب عمران فنحن لا نعرف عنه شيئاً، وكل الآيات التي جاءت عن موسى متعلقة بأمه، لذلك نجد أخاه هارون يكلمه بالأسلوب الذي يحننه: {قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي}.
ومادام قد قال: {وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي} فهذا دليل على أنه وقف منهم موقف المعارض والمقاوم الذي أدى ما عليه إلى درجة أنهم فكروا في قتله، ويتابع الحق بلسان هارون: {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعدآء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين}.
والشماتة هي إظهار الفرح بمصيبة تقع بخصم، والأعداء هم القوم الذين اتخذوا العجل، وقد وصفهم بالأعداء كدليل على أنه وقف منهم موقف العداوة، وأن موقف الخلاف بين موسى وهارون سيفرحهم، وقوله: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ}.. إجمال للرأس في عمومها، وفي آية أخرى يقول: {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي}.
ولقد صنع موسى ذلك ليسمع العذر من هارون؛ لأنه يعلم أن هارون رسول مثله، وأراد أن يسمعنا ويسمع الدنيا حجة أخيه حين أوضح أنه لم يقصر. قال: إن القوم استغضعفوني لأني وحدي وكادوا يقتلونني، مما يدل على أنه قاومهم مقاومة وصلت وانتهت إلى آخر مجهودات الطاقة في الحياة؛ حتى أنهم كادوا يقتلونه، إذن فهو لم يوافقهم على شيء، ولكنه قاوم على قدر الطاقة البشرية، لذلك يذيل الحق الآية بقوله سبحانه: {وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين}.
وكأنه يقول: لموسى إنك أن آخذتني هذه المؤاخذة في حالة غضبك، ربما ظُنَّ بي أنني كنت معهم، أو سلكت مسلكهم في اتخاذ العجل وعبادته. وأراد الحق سبحانه أن يبين لنا موقف موسى وموقف أخيه؛ فموقف موسى ظهر حين غضب على أخيه وابن أمه، وموقف هارون الذي بيّن العلة في أن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولا يمكن أن يطلب منه فوق هذا، وحينما قال هارون ذلك تنبه موسى إلى أمرين:
الأمر الأول: أنه كيف يلقي الألواح وفيها المنهج؟
والأمر الثاني: أنه كيف يأخذ أخاه هذه الأخذة قبل أن يتبين وجه الحق منه؟
ويقول الحق على لسانه بعد ذلك: {قَالَ رَبِّ اغفر لِي...}.

.تفسير الآية رقم (151):

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}
قال يا رب اغفر لي إن كان قد بدر مني شيء يخالف منطق الصواب والحق. واغفر لأخي هارون ما صنع، فقد كان يجب عليه أن يأخذ في قتال من عبدوا العجل حتى يمنعهم أو ينالوا منه ولو مادون القتل جرحاً أو خدشاً أو.. أو.. إلخ.
ويطلب موسى لنفسه ولأخيه الرحمة: {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} [الأعراف: 151].
وحين تسمع {أَرْحَمُ الراحمين} أو {خَيْرُ الرازقين}، أو {خَيْرُ الوارثين}، أو {أَحْسَنُ الخالقين}، وكل جمع هو وصف لله، وإنه بهذا أيضاً يدعو خلقه إلى التخلق بهذا الخلق، ويوصف به خلقه. فاعلم أن الله لم يحرمهم من وصفهم بهذه الصفات لأن لهم فيها عملا وإن كان محدودا يتناسب مع قدرتهم ومخلوقيتهم وعبوديتهم، فضلا على أنها عطاء ومنحة منه سبحانه أما صفات الله فهي صفات لا محدودة ولا متناهية جلالا وكمالا وجمالا فسبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فإذا كان خلق الله هو {أَرْحَمُ الراحمين} فهذا يعني أنه سبحانه لم يمنع الرحمة من خلقه على خلقه؛ فمن رحم أخاه سُميِّ رحيماً، وراحماً، ولكن الله أرحم الراحمين؛ لأن الرحمة من كل إنسان ضمان لمظهرية الغضب في هذا الأحد، يقال: (رحمت فلاناً) أي من غضبك عليه وعقوبتك، وإنّ عقوبتك على قدر قوتك، لكن الله حين يريد أن يأخذ واحداً بذنب فقوته لا نهاية لها، وكذلك رحمته أيضاً لا نهاية لها.
ويقول الحق بعد ذلك: {إِنَّ الذين اتخذوا...}.

.تفسير الآية رقم (152):

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}
حين يقال: {اتخذوا العجل} قد نجد من يتساءل: هل اتخذوه مذبوحاً يأكلونه؟ أو يثير الأرض أو يسقي الحرث ويدير السواقي؟ لأن العجل موجود لهذه المهام، لكنهم لم يأخذوا العجل لتلك المهام، بل إنهم قد اتخذوا العجل إلهاً ومعبوداً، أما اتخاذه فيما خُلِقَ له فلا غبار عليه، وهو هنا محذوف ومتروك لفطنة السامع؛ فإذا اتخذنا العجل فيما خُلِقَ له العجل لا ينالنا غضب من الله، أما الذين سينالهم غضب الله فهم من اتخذوا العجل في غير ما خُلِقَ له، إنهم اتخذوه إلهاً: {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا}.
وقوله: {سَيَنَالُهُمْ} يدل على أن أوان الغضب والذلة لم يأت بعد، وسيحدث في المستقبل، ومستقبل الدنيا هو الآخرة، ولكن الحق هنا يقول: إن الذلة ستحدث في الدنيا، فكيف يكون {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} مع أنهم تابوا؟ ويوضح سبحانه لنا ذلك في قوله: {فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}.
فبعضهم تاب إلى بارئه وقتل نفسه فلماذا إذن الغضب؟
ويوضح الحق لنا أن الذي ينالهم من الغضب هو ما ألجأهم إلى أن يقال لهم: (اقتلوا أنفسكم)، وهكذا نفهم أن قوله تعالى: {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} أي قبل أن يتوبوا، وقتل النفس هو منتهى الذلة ومنتهى الإهانة. {... سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين} [الأعراف: 152].
أي أن هذا الأمر ليس بخاصية لهم، فكل مفتر يتجاوز حده فوق ما شرعه الله لابد أن يناله هذا الجزاء؛ لأن ربنا حين يقول لنا ما حدث في تاريخهم؛ وحين يسرد لنا هذه القصة فإنه يريد من وراء ذلك سبحانه أن يعتبر السامع للقصة في نفسه. واعتبار السامع للقصة في نفسه لا يتأتى إلا بأن يقول له الله تنبيهاً وتحذيراً: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين} أي احذر أن تكون مثل هؤلاء فينالك ما نالهم، وهو سبحانه ينبه كلا لينتفع من هذه العبرة وهذه اللقطة فإنَّ التاريخ مسرود لأخذ العبرة، والعظة ليتعظ بها السامع.
ويقول الحق بعد ذلك: {والذين عَمِلُواْ...}.

.تفسير الآية رقم (153):

{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}
وهذا ما حدث، فبعد أن اتخذوا العجل، وقال لهم: اقتلوا أنفسكم توبة إلى بارئكم، ثم تابوا إلى الله وآمنوا بما جاءهم، غفر الله لهم. وإذا كان الحق قد قص علينا مظهرية جباريته فإنه أيضاًً لم يشأ أن يدعنا في مظهرية الجبارية، وأراد أن يدخلنا في حنان الرحمانية. لذلك يقول هنا: {والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وآمنوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأعراف: 153].
وقوله: {ثُمَّ تَابُواْ} أي ندموا على ما فعلوا وأصروا وعزموا على ألاَّ يعودوا، ونعلم من قبل أن التوبة لها مظهريات ثلاثة؛ أولاً: لها مظهرية التشريع، ولها مظهرية الفعل من التائب ثانياً، ولها قبولية الله للتوبة من التائب ثالثاً. ومشروعية التوبة نفسها فيها مطلق الرحمة، ولو لم يكن ربنا قد شرع التوبة سيستشري شره في السيئة فهذه رحمة بالمذنب، وبالمجتمع الذي يعيش فيه المذنب. بعد ذلك يتوب العبد، ثم يكون هنا مظهرية أخرى للحق، وهو أن يقبل توبته.
التوبة- إذن- لها تشريع من الله، وذلك رحمة، وفعل من العبد بأن يتوب، وذلك هو الاستجابة، وقبول من الله، وذلك هو قمة العطاء والرحمة منه سبحانه.
وقوله الحق: {والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وآمنوا...} [الأعراف: 153].
إنَّ هذا القول يدل على أن عمل السيئة يخدش الإِيمان، فيأمر سبحانه عبده: جدّد إيمانك، واستحضر ربك استحضاراً استقباليًّا؛ لأن عملك السيئة يدل على أنك قد غفلت عن الحق في أمره ونهيه، وحين تتوب فأنت تجدد إيمانك وتجد ربك غفوراً رحيماً: {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
إن ذنب العبد يكون فيما خالف منهج ربه في (افعل) و(لا تفعل)، ومادام العبد قد استغفر الله وتاب فسبحانه يقبل التوبة. ويوضح: إذا كنت أنا غفوراً رحيماً، فإياكم يا خلقي أن تُذَكِّروا مذنباً بذنبه بعد أن يتوب؛ لأن صاحب الشأن غفر، فإياك أن تقول للسارق التائب: (يا سارق)، وإياك أن تقول للزاني التائب: (يا زاني)، وإياك أن تقول للمرتشي التائب: (يا مرتشي) لأن المذنب مادام قد جدّد توبته وآمن، وغفر الله له، فلا تكن أنت طفيليًّا وتبرز له الذنب من جديد.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى...}.